محمد عبد المجيد عمارة
تمر الأيام ومع مرورها نفقد كل يوم داعية من الدعاة , أو مجاهدًا من المجاهدين جرَّد قلبه وعمله لله رب العالمين , ومن هؤلاء المجاهدين الأستاذ : محمد عبد المجيد عمارة , هذا المربي الذي كان يعمل في صمت وكان همَّه تربية الرجال والشباب في محافظة المنوفية والمحافظات الأخرى حتى آتى هذا المجهود المتواصل أكله وأثمر فروعًا يانعة من رجال الدعوة الموجودين حاليًا .
وُلد ـ رحمه الله ـ في قرية ميت خاقان مركز شبين الكوم محافظة المنوفية سنة 1930 م , وعمل مدرسًا بالتربية والتعليم حتى اُعتقل لمدة عشر سنوات من سنة 1954 م حتى سنة 1964 م بتهمة الانتماء للتنظيم الخاص , وكان ذلك في سجن المنيا , ولم يهنأ بالخروج من السجن لبضعة شهور حتى هبَّت زوابع سنة 1965 م ليلقى القبض عليه مرة ثانية ويبقى بالسجن حتى 1971 م .
خرج من السجن ليعاود العمل بالتدريس مرة ثانية وفي سنة 1987 م استقال من الحكومة وواصل عمله التربوي بمدارس التربية الإسلامية بشبين الكوم حتى تم تأميم هذه المدارس ليتفرغ ـ رحمه الله ـ للدعوة إلى الله في مدن وقرى المحافظة , ولم يقعده ثقل المرض عن التخلف عن أي فعاليات من فعاليات الإخوان حتى كان يأتي لبعضها وهو يتهادى بين الرجلين , وكان آخر ما حضره انتفاضة جماهير المنوفية من أجل الانتهاكات التي تحدث في فلسطين من أسبوعين تقريبًا .
تعرَّف ـ رحمه الله ـ على دعوة الإخوان المسلمين في ريعان شبابه , وبايع الإمام البنا : يقول ـ رحمه الله ـ " أول مرة قابلت فيها الإمام البنا في سنة 1947 م في محاضرة ألقاها بشبين الكوم أمام المسجد العباسي , وكنت ضمن حراسة السرادق , وأتذكر أن الناس كانوا يستمعون إليه وكأن على رءوسهم الطير فلا يلتفت منهم أحد نظرًا لبراعته في الخطابة وقدرته على جذب أسماع الناس .
انضم ـ رحمه الله ـ إلى النظام الخاص , وعمل جنديًّا مخلصًا في هذا النظام , وعُذِّب بسبب ذلك عذابًا شديدًا وكان كتومًا يعلم الكثير والكثير عن شخصيات في أماكن حساسة كانت من الإخوان , ولم يكن الأمن يعلم عنها شيئًا ومنهم شخصيات كانت من داخل الأمن.
كان ـ رحمه الله ـ مربيًا من طراز خاص بمعنى أنه كان مربيًا بالقدوة تتعلم من سلوكياته ومواقفه الكثير ؛ حيث كان ـ رحمه الله ـ قليل الكلام وكان يستنطق من أمامه بما يريد أن يقول , وكان كثيرًا ما يذكِّر بمواقف الأخوة والحب في الله التي عايشها مع إخوانه في رحلته الطويلة مع جماعة الإخوان المسلمين , وكان صلبًا في الحق لا يخشى في الله لومة لائم .
كان زاهدًا لا يضع للدنيا اعتبارًا , وكان له فلسفته في المال المستمدة من حديث النبي " ليس لك من مالك إلا ما لبست فأبليت , وما أكلت فأفنيت , وما تصدَّقت فأبقيت وما عدا ذلك فأنت ذاهب وتاركه " .
سُئل يومًا كيف كان الرعيل الأول من الإخوان يوفق بين العمل الدعوي والحياتي ؟ فكان جوابه " طوبى لمن جعل رزقه كفافًا ورضي به " .
كان لا يأبه بالشائعات التي تطلقها الصحف عن الجماعة مهما كان شأنها فلما سُئل عن ذلك كان جوابه ما قاله السلف الصالح " لا تمكن زائغ القلب من أذنك فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه " .
عاش ـ رحمه الله ـ موقنًا بأن النصر قادم ، يربي الأجيال على ذلك ويذكر للجميع أنه جاءتهم في السجن رسالة تقول لهم " اصبروا فإن النصر قادم " يقول فعرضت الرسالة على الأستاذ : عمر التلمساني فقال : نحن الإخوان المسلمون سندعُ إلى الله وسنصبر على ذلك ولو لم يكن هناك نصر لأننا على الحق " .
كان لا يحب للشباب أن يشغل نفسه بما سيكون وإنما بما هو كائن وكان يقول " المؤمل عيب ولك الساعة التي أنت بها فجد واجتهد " .
سُئل ماذا تعلَّمت من الإخوان المسلمين ؟
فقال " تعلَّمتُ من الإخوان التكافل وهذا عشته عمليًا في السجون والمعتقلات , وتعلَّمتُ من الإخوان حبهم لكل الناس حتى المعارضين لهم , وتعلَّمتُ منهم الصبر على الشدائد , وتعلَّمتُ منهم أن الأمور كلها بيد الله لا بيد البشر " .
حقيقة ... إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا أستاذنا لمحزونون . رحم الله الحاج : محمد عبد المجيد عمارة وأسكنه فسيح جناته , ورزق أهله وذويه الصبر والسلوان.