محمد حلمي نور الدين
مقدمة
ستظل بصمات كثير من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين محفورة في وجدان التاريخ، ومكتوبة بين سطور الكتب، لا يستطيع أحد أن ينكرها مهما حاول البعض أن يهيل عليها التراب أو يطمس معالمها أو يشوهها.
فتاريخ جماعة الإخوان المسلمين وأعضائها يحوي الكثير من الأحداث التي صنعت تاريخ البلاد، وغيرت في كثير من الأوضاع السياسية أو الاجتماعية أو الثقافية، حيث بدأت عام 1928م وسرعان ما طرقت كثير من الأبواب ودخلت كثير من المدن والقرى حتى أصبحت عنصر فعال في المعادلة السياسية.
ويظل مؤسسها ومرشدها الأول حجر الزاوية في التناول الفكرى في كثير من المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الفكرية والدينية أو الاجتماعية والثقافية وغيرها، حيث أحاط به رجالا عملوا من أجل تسريخ معاني الإسلام الوسطي بمفهومه الصحيح في وجدان الناس، ومنهم محمد حلمي نور الدين.
حياته
كمثل غيره من بعض الإخوان الذين لم نعثر لهم على سيرة ذاتية أو يؤرخ لهم أحد، وما وجدناه له سواء في كتابات الأستاذ حسن البنا، او تتبع تاريخ مكتب الإرشاد ومجلس الشورى العام.
لكن يبدو أنه ولد قبل ميلاد الأستاذ حسن البنا بكثير لربما في العشر سنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر (1890 مثلا) وذلك استنادا على ما ذكره الأستاذ محمود عبدالحليم – مؤرخ الإخوان – بأنه وقت أن كان طالبا في الجامعة عام 1930 كان له زميل هو عباس بن الأستاذ محمد حلمي نورالدين حيث يقول: "وكان لي زميل في الدراسة تخرج معي هو عباس نجل الأخ الكريم الأستاذ محمد حلمي نور الدين".
ويقول في موضع أخر ذاكرا جانبا من جوانب شخصية الأستاذ محمد حلمي نور الدين:
- "مع أنه كان معنا من هو أكبر منه سنًا وهو الأخ الكريم الأستاذ محمد حلمي نور الدين وكان نجله زميلا لي بالكلية ؛ ومع ذلك كنت إذا رأيته بيننا لم تحس إلا أنه طالب معنا".
ويبدو أن عباس بن الأستاذ محمد حلمي نور الدين كان من طلبة الإخوان والذين اعتمد عليهم الأستاذ حسن البنا في بعض المهام زمنها مهمة التدريس في مدرسة الإخوان بمغاغة.
تخرج الأستاذ محمد حلمي نور الدين وعمل بتفتيش الري بالجيزة، كمدير المستخدمين بمشروعات الري وزارة الأشغال، وكان على صلة بعبد الرحمن البنا (شقيق حسن البنا) من خلال جمعية الحضارة الإسلامية التي تكونت عام 1929م وسرعان ما انضمت لجماعة الإخوان المسلمين في نفس العام وتصبح إحدى شعبها.
يقول حلمي نور الدين في مقالة بمجلة الدعوة تحت عنوان (كيف وصلت دعوة الإخوان المسلمين إلى القاهرة) ذلك:
- نحن فى عام 1348هـ - 1929م، وقد شرفنى الله بالانضواء تحت لواء جمعية الحضارة الإسلامية جنديًا مغمورًا، وكان الأستاذ عبد الرحمن البنا قطب رحاها وعمود فسطاطها، ينصره فيها شقيقه الأستاذ محمد البنا، ومعهما الناشئ فى طاعة الله محمد أسعد الحكيم وبعض الشباب الطاهر
- وأخذنا نطوف أنحاء القاهرة ونجوب أحياءها يدوى صوتنا فيها ويملأ وعظنا نواحيها، ما تركنا مسجدًا وما غادرنا منتدى إلا وقد أسمع الدعاة قول ربهم على هدى من الله، وأعلنا فى صيف هذا العام عن محاضرة عنوانها "الإسلام أس السعادة"، وحضرت مبكرًا وجلست بعد تنسيق المقاعد أستمع إلى المحاضر.. وانتهت المحاضرة
- فقمت مهنئًا فى إعجاب وتساءلت: مَن الرجل؟ فعلمت أنه الشهيد الكريم "حسن البنا" رئيس جماعة الإخوان المسلمين فى الإسماعيلية، وخلصت بإخوانى نجيًا لأعرف شيئًا عنه فعرفت، ورأينا أن نفنى أشخاصنا وتذوب جماعتنا فى جماعة الإخوان المسلمين ما دام الإخوان فى الإسماعيلية أكبر ثراء وأعز نفرًا، وما دام على رأسهم شاب عالم مجاهد، وإن فى ذلك جمعًا للكلمة وتوحيدًا للغاية
وفاتحنا الشهيد البنا فهش للفكرة ورحب بالعرض، وأكبر همتنا، وطلب على الفور أن نتخذ دارًا نجعلها قبلة الناس، وذكر أن تلك أمنيته، وأن القاهرة عاصمة القطر، وأن دعوة الإخوان سيكون لها شأن وليس غير القاهرة مكان أصلح، فهى ملتقى الوافدين من الوجهين، وهى النهر وما حولها روافد، ووعد بالمساعدة ماديًا وأدبيًا.
وكان توفيقًا من الله، وفقنا إلى دار بشارع سوق السلاح، وعلم الله كم أنفقنا من وقت وجهد حتى وفد علينا فيها إخوة ما كنا لنظفر بهم لو لم تكن لنا الدار التى أشار علينا الشهيد باتخاذها، ولم تكن لنا دار مستقلة من قبل، ومن حق الذكرى أذكر المشايخ: فرغلى، والباقورى، ومحمد شريت رحمه الله، وأخويه أحمد وحامد، والشيخ الشعشاعى، والأستاذ البراوى، وغيرهم.
ولقد اهتم الإمام البنا والإخوان بالمرأة منذ نشأة الجماعة حيث كونوا قسم خاص بالمرأة تولت رئاسته السيدة لبيبة أحمد قبل أن تغادر إلى الحجاز وتستقر هناك، فتشكل لهذا القسم لجنة من بعض الأخوات غير أنه تعرض لبعض المشاكل فيما بينهم
مما دفع الأستاذ حسن البنا بتشكيل لجنة للإشراف على قسم الإخوات من الإخوة صالح عشماوي وحلمى نور الدين ومحمد الحلوجي لإعادة النظر فى القواعد التى يسير عليها القسم، وقد استقرت اللجنة على الشكل الآتى الذى اعتمده مكتب الإرشاد فى حينه، وهو تسند رئاسة القسم الفعلية إلى الأستاذ حلمى نور الدين، ووكالته إلى الأستاذ صالح عشماوي.
كما قام الأستاذ محمد حلمي نور الدين بإلقاء درسا للأخوات في شعبة حلوان بمسجد الشربيني في الساعة الثالثة بعد الظهر "عن دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم".
في مكتب الإرشاد
تشكل أول مكتب للإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين بعد المؤتمر الأول لمجلس الشورى العام وذلك عام 1933م حيث تم اختيار الأستاذ محمد حلمي نور الدين في أول مكتب إرشاد للإخوان المسلمين واختير كأمين للصندوق.
وحينما انعقد مجلس الشورى العام الثاني للإخوان المسلمين في بورسعيد في 2، 3 من شوال 1352هـ الموافقين 19، 20 من يناير 1934م شارك فيه حلمي نور الدين كونه عضوا في المجلس وهو المجلس الذي أحدث تغيير في تكوين مكتب الإرشاد حيث زاد عدده إلى 10 أعضاء غير المنتدبين، وقد اختير الأستاذ محمد حلمي نور الدين أمينا للمكتب.
كما قرر المجلس إنشاء مطبعة للإخوان كشركة مساهمة تعاونية للطباعة، حيث شكل من الإخوان لجنة للإشراف عليها، ضمت فيها علي أفندي أبو زيد تهامي. "رئيسًا" وحضرة محمد حلمي نور الدين أفندي "أمين صندوق لجنة المشروع" وثلاثة من الأعضاء هم: "أسعد أفندي راجح، وعبد الرحمن أفندي الساعاتي، وأحمد أفندي السراوي".
وقد واصلت اللجنة عملها حتى تم الاكتتاب وكان آخر موعد حدد له 15 من مارس 1934م، وقد اتخذت المطبعة مقرها في المقر الجديد لمكتب الإرشاد 6 حارة المعمار بشارع سوق السلاح، وفي يوليو من عام 1934م تم افتتاح أول مطبعة للإخوان المسلمين، وقامت تلك المطبعة بطباعة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، وكذلك بعض كتب التراث
وعقد مجلس الشورى العام الثالث في عطلة عيد الأضحى بالقاهرة، يوم السبت 11 من ذي الحجة 1353هـ الموافق 16 من مارس 1935م وقد حضره حلمي نور الدين كعضو فيه حيث كلفه مجلس الشورى بمهام المساعد في المراقبة العامة وأمين صندوق المكتب وصندوق الدعوة
حيث كتبه عنه للإخوان يحثهم فيه بقوله:
- "وستكون مهمة هذا الصندوق الإنفاق منه على الوعاظ الذين يعينون للسفر إلى الجهات المختلفة، فيرددون صدى الدعوة ويمهدون لها ويكونون بوقًا للجمعية ومذياعًا، ويمرون على الفروع المنتمية إلى الجمعية يزيدونها نشاطًا ويلهبونها حماسًا وحمية، ويكونون من أسباب بذر بذور الدعوة في أرض لم تصل إليها، وينفق من هذا الصندوق أيضًا على طبع نشرات دينية توزع على الناس تبين أغراض الجماعة وتشرح عقيدتهم وتعلمهم دينهم وتذيع بينهم حقيقة ناصعة عن رسالة رسول الله التي جاء بها.
- ذلك ما أردنا أن نتحدث به في موضوع الدعوة العامة وصندوق الدعوة لعل المستطيع يأخذ نفسه على أن يمده، ومن لم يستطع فعليه أن يحث غيره، هذا وإن المكتب ليرى أن يضم هذا الصندوق إلى ميزانية مكتب الإرشاد العام ينفق منه فيما وجد له ويصرفه فيما أنشئ له".
نشط الإخوان المسلمين فأنشأوا مجلة تتعبر عنهم وهي مجلة الإخوان المسلمين، حيث صدر التصريح للمجلة وبدأ الطبع، وكان أول رئيس تحرير للمجلة هو الشيخ طنطاوي جوهري، وصدر العدد الأول بتاريخ الخميس 22 من صفر 1352هـ الموافق 15 من يونيو 1933م ، وصدر حق الامتياز للمجلة باسم الإمام الشهيد حسن البنا، وقد شارك في إدارتها كل من الأستاذ محمد أسعد الحكيم والأستاذ عبد الرحمن الساعاتي والأستاذ محمد حلمي نور الدين وغيرهم من الإخوان.
ومن ضمن القضايا التي أولاها الإخوان اهتمامهم القضية الفلسطينية حيث شكلت هذه القضية على رأس أولوياتهم منذ نشأتها. وما أن سمع الإخوان بتقرير القضية الفلسطينية، وقبل أن يعرضه وزير خارجية بريطانيا "إيدن" على عصبة الأمم رسميًا في 13/9/1937م اجتمع مكتب الإرشاد العام وقرر تأليف لجنة مركزية لاتخاذ ما يجب حيال العدوان على الوطن الفلسطيني
وقد انتدب لذلك حضرات السادة محمد بك عبد الرحمن عبده بك مختار، ومحمد حلمي نور الدين أفندي، ومحمد عطية أفندي، ومحمد حمص أفندي، وإبراهيم خطاب افندي، ومحمد ذهني أفندي، ومحمد عبدالله درويش أفندي، والسيد أسعد راجح أفندي، على أن تضم إليها من ترى من العاملين، حيث طالبت ببعض المطالب التي تخص القضية الفلسطينية.
أيضا زار فلسطين مع سعيد رمضان عام 1946م حيث شهد افتتاح مقر لشعبة الإخوان خلف دائرة الصحة، وأقيم في قاعة سينما الحمراء حضره ممثلو الإخوان في فلسطين، ومندوب عن إخوان شرق الأردن وسوريا، و شخصيات يافا ووجهاءها كما حضره لفيف كبير من المسيحيين فيها وممثلي النوادي والجمعيات ورئيس بلديتها.
وحينما تشكل مكتب الإرشاد بعد عام 1939م تولى الأستاذ محمد حلمي نور الدين مهمة الإشراف على شعب الإخوان عامة وشعب القاهرة خاصة. كما عمد الإمام البنا 1940م إلى تشكيل عدد من اللجان العاملة بالمركز العام للإخوان المسلمين ومنها لجنة المنهاج الثقافي مهمتها وضع المنهج الثقافي للإخوان وقد تكونت من الأستاذ المرشد حسن البنا، ومحمد حلمى نور الدين، وعلوى عبد الهادى، وعبدالمنعم فرج الصدة.
وكان لهذا الاختيار مدلولة حيث كان الأستاذ نور الدين يتحلى بالثقافة العالية، فكان يحاضر في كتائب شباب الإخوان
حيث يقول محمود عبدالحليم:
- وكان ذلك الشرح يطول أو يقصر حسب الأحوال، ثم كنا نتلقى درسا في الفقه على الأستاذ حلمي نور الدين (رحمه الله) ثم نجلس للعشاء ويقدم كل منا ما أحضره معه.
- وحينما أقر مجلس شورى الإخوان نظام الأسر التعاونية فى ربيع الأول 1362هـ الموافق مارس 1943م، تشكلت لجنة عامة لهذا النظام التعاوني من المرشد العام بصفته وأربعة من أعضاء مكتب الإرشاد، وهم الأستاذ عبد الحكيم عابدين للمراقبة العامة، والأستاذ سالم غيث رديفًا للمراقب العام، والأساتذة أمين إسماعيل ومحمد الشريف وحلمي نور الدين وطاهر عبدالمحسن مساعدين بصفة دائمة.
- وحينما اجتمعت الجمعية العمومية للإخوان المسلمين عام 1945م حضرها كبار الإخوان الذين تشكلت منهم الهيئة التأسيسية للإخوان وقد حضرها الأستاذ محمد حلمي نور الدين ممثلا عن القاهرة. وفي أول تشكيل للهيئة التأسيسية لهيئة الإخوان المسلمين من الأعضاء العاملين الذين سبقوا بالعمل لهذه الدعوة، تم اختيار الأستاذ محمد حلمي نور الدين عضوا فيها.
- وقد تشكل بعدها مكتب الإرشاد عام 1945م حيث تم اختيار الأستاذ حلمي نور الدين عضوا في هذا المكتب. ظل حلمي نور الدين مشرفا على قسم الأخوات المسلمات على الرغم من كونه خرج من تشكيل مكتب الإرشاد الأخير عام 1948م وقبل حل الجماعة واغتيال مؤسسها حسن البنا، إلا أنه ظل أيضا عضوا بالهيئة التأسيسية.
اعتقل ضمن من اعتقل في سجن الهايكستب مع بعض إخوانه حيث كان من عوامل دعم الشباب الموجودين في السجن
حيث يقول الشيخ أحمد الشرباصي في مذكراته:
- أراد المشرفون علينا السخرية بنا، فأقبل ضابط وأمرنا نقف صفا أمام البناء " ليتمم علينا " ولم يحدث هذا من قبل، وجعل " حضرة الضابط الشهم الهمام " ينهى ويأمر، فى تعال و تحكم، واستخفاف واهانة، وكان مراده التحرش وانتهاز الفرصة للاحتكاك، وتباطأ أحد المعتقلين عن الانتظام فى الطابور، فأخذ الضابط يسب ويشتم، وعز ذلك على الأستاذ الكبير الحاج محمد حلمى نور الدين، فصرخ فى الأخ المتباطىء ليسارع بالانتظام، ابقاء على كرامة الكبار من المعتقلين، ثم لم يملك الحاج حلمى نور الدين دموعه.
- وخرج من المحنة مع إخوانه وعاد إلى جماعته مرة أخرى حيث شهد معهم ومن خلال عضويته في الهيئة التأسيسية أحداث جسام سواء على المستوى الداخلي للجماعة في اختيار خليفة للأستاذ حسن البنا أو على المستوى المحلى من الإعداد لثورة 23 يوليو والمشاركة فيها، وأيضا محنة الجماعة التي وقعت بينها وبين عسكر الثورة.
- وحينما وقعت أحداث فصل عدد من قادة النظام الخاص وعلى رأسهم عبد الرحمن السندي، كان محمد حلمي نور الدين مع الفريق المطالب بالتهدئة سواء مع هذه العناصر أو مع عبدالناصر.
وكان ضمن الفريق الذي زار عبدالناصر حينما اشتدت الأحداث حيث يذكر محمود عبدالحليم قوله:
- ورجعنا بعد ذلك إلي الاجتماع فطلبت إلي الإخوة الحاضرين أن يختاروا من بينهم وفدًا يمثلهم في مقابلة جمال عبد الناصر – رئيس الحكومة آنذاك – في بيته صباح الغد فاختاروا من بينهم الأخوة: الدكتور خميس والأستاذ عمر التلمساني والدكتور عثمان نجاتي والأستاذ حلمي نور الدين والشيخ أحمد شريت ومحمود عبد الحليم. وبتنا جميعًا تلك الليلة عند الأخ محمد جودة ..
- وأصبحنا حيث وافانا السيدان الطحاوي وطعيمة وتناولا معنا طعام الإفطار. ثم اتجه الوفد في رفقتهما إلي منزل جمال عبد الناصر في منشية البكري حيث التقينا به في الساعة التاسعة صباحًا، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق يزيل أسباب الصدام حول مسألتي اتفاق الجلاء والنظام الخاص.
- ومع اشتداد الأزمة وفي يوم 21 أكتوبر 1954م، عقد اجتماع مشترك لمكتب الإرشاد وأعضاء الهيئة التأسيسية المنحلة تحت رئاسة الدكتور محمد خميس حميدة، في المركز العام، حيث شهد مناقشات واشتباكات حامية بين المعارضين لعبد الناصر، والمؤيدين للتفاهم معه
وأسفر عن عدة قرارات أعلنها الدكتور محمد خميس حميدة تنص على ما يلي:
- ضم كل من محمد حلمي نور الدين، ومحمد الخضري، ومحمد أسعد جودة، ومحمد فتحي الأنور، ومحمد عبد السلام فهمي، (وهم جميعا من أعضاء الهيئة التأسيسية المنحلة ومن أنصار الدكتور خميس) إلى مكتب الإرشاد المؤقت.
- غير أن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن، حيث وقع حادث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954م وتم اعتقال جميع قادة الإخوان المسلمين سواء من مكتب الإرشاد أو الهيئة التأسيسية وقدموا للمحاكمات ثم السجن.
- لم نعرف هل تم اعتقال الحاج حلمي نور الدين بعد احداث المنشية وإن كان هذا مؤكدا من مجريات الأحداث وطبيعة موقعة في الهيئة التأسيسية لكن لم نقف على أي معلومات ذكرت أخر حياته ولا تاريخ وفاته الذي ربما كان في عهد محنة عبدالناصر ولربما مات في الخمسينيات أو الستينيات لكننا لم نصل لمعلومة.
كتابات حلمي نور الدين
كان حلمي نور الدين كاتبا لباقا صاحب قلم ينساب منه الكلام كالجدول الرقراق، حيث سخره من أجل الدفاع عن الإسلام وقضاياه فكتب مخاطبًا المرأة ومحذرًا لها من خروجها للعمل يقول: عجبًا لها، ما بالها تريد أن تنقض على الفطرة ونظامها، فتعمل عمل الرجل خارج الأبواب تزحمه في عمله وتنافسه عليه – أليس من مقتضى الفطرة أن تعمل داخل الأسوار، تدبر المنزل وتربي الأطفال (والمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسئولة عن رعيتها).
كما رسم صورة مثلى للمرأة مستوحيًا ظلالها من سيرة نساء السلف الصالح، فقدم في 26 مقالة في أسلوب قصصي رائع، كيف كانت نساء السلف الصالح، ومن سلك منهجهن، فكتب: "عن طاعتهن واجتهادهن، وعن علومهن ومعارفهن، وعن غيرتهن على دينهن، وعن عفتهن وطهرهن وعن شجاعتهن وثباتهن، وعن صبرهن وتسليمهن، وعن جرأتهن وصراحتهن، وعن نصحهن ووصاياهن، وعن بلاغتهن وفصاحتهن، وهذا قليل من كثير".
ثم كتب مقال في جريدة الإخوان العدد الأول في مايو 1934م بعنوان: "احتجاب النساء واجب" جاء فيه:
- "يرى كثير من المولعين بالجديد الغارقين في لجة التقليد الناصبين أنفسهم حربًا على الدين وأهله وجوب اشتراك المرأة مع الرجل وقيامها إلى جانبه تشاطره أعماله وتنافسه فيها. يحبذون لنا اختلاط الجنسين ويمتدحونه ولا يرون بأسًا أن يخلو الرجل بالمرأة الأجنبية ما دامت هنالك ثقة يتبادلونها وتربية يفخرون بها
- وإذا تحدثت إلى غير مفتون قد استهوته مدنية الغربي الكاذبة عن سبب إحجامه عن الزواج أقبل عليك ينسج خيوط عناكب حججه الواهية ويتمنطق بحديثه المملول قائلاً: إن ذلك من عدم اختلاط الأزواج بنا قبل البناء بهن، وأن الركون إلى الخاطبات مضرة لأنهن يغررن ويخدعن ويبالغن، ولو أن اختلاطًا شاع بين الجنسين وخلوة أبيحت للاثنين لما وجدت محجمًا عن الزواج. كلا إنها كلمة هو قائلها حتى تكون إباحة واختلاط ثم تأخذه حيرة ممن يختار فلا يتزوج.
- فما يدري خراش ما يصيد
لقد أراد أن يختلط الجنسان ويمزق الحجاب ويتزوج الرجل بمن يحب بعد تجربة، لأن ذلك أدعى أن تسكن نفس الزوج إلى زوجه وأن يتعرف كل طباع صاحبه، هذا المفتون وأنداده يظنون أن التربية وحدها مانعة من الفساد الذي يجلبه الاختلاط، ولنجدنهم أشد الناس عداوة للحجاب لأنه ليس حجر عثرة في سبيل الرقي والتمدين فحسب، بل هو مجلبة للتشوف إلى المحتجبات، لميل النفس إلى مالم تعهد وولوعها بالغريب وأن أحب شيء إلى الإنسان ما منع وأن ما مُلك زُهد فيه.
ثم أورد حججهم حجة حجة، ورد عليها جميعًا بحكمة وإنصاف دحض فيها أدلتهم جميعًا، وذكر أنه لو تم استفتاء عام طرح بين طبقات الأمة في هذا الموضوع الحيوي الخطير، لوجدت إجماعًا تامًا على وجوب الحجاب. ثم ختم مقاله قائلا: "كفى تضليلاً يا قوم فالحجاب خير مما تدعونا إليه، فالحق واضح السبيل وليس بعده إلا الضلال".
- والحق يعرفه ذوو الألباب
دعونا نعلم الفتاة الاعتزاز بكرامتها دعونا نحافظ على شرفها أن يثلم، وعرضها أن يهتك وحجابها أن يتبذل وإذا كانت دعوتكم قد نجحت بعض النجاح فوجدت من بعض فتياتنا آذانًا صاغية فلا شك من أنهن سيفقن من غشيتهن ويرجعن عما هن فيه (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)) "الرعد: 17".
يا أعداء الحجاب ما نحن بدعوتكم مؤمنين ولا على سننكم سائرين، فإن أبيتم إلا أن تركبوا رءوسكم وتتبعوا هواكم وتطيعوا شحكم فستجدون منا حربًا عليكم وإرصادًا لكم كلما علا صوت من أصواتكم أخفتناه، وكلما أطل رأس من رءوسكم دفعناه (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ) "الأنبياء: 18" رائدنا في ذلك كتاب الله وهدي رسوله وشعارنا (سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) "القصص: 55".
كما أولى القضية الفلسطينية اهتماما كبير في كتاباته ومنها مقال بعنوان: "خطر يتهدد القبلة الأولى".
المصادر
- محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة للنشر والتوزيع، الإسكندرية، 1999م.
- مجلة الدعوة: السنة الثانية – العدد (52) - 16 جماد الأولى 1371هـ - 12 فبراير 1952م.
- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2001م.
- جريدة الإخوان المسلمين – السنة الأولى – العدد 27 - الخميس 23 شوال 1352هـ - 8 فبراير 1934م.
- أحمد الشرباصي: مذكرات واعظ أسير، مطبعة دار الكاتب العربي - القاهرة، طـ1، 1952/1371هـ.