مرسي مصطفى مرسي
مقدمة
يتفضل الله تعالى على رجال من المؤمنين فيبتليهم بالمحن والنكبات مرات تلو مرات، اختبارا لإيمانهم وصبرهم على صدق نصرتهم لدين الله وإعلاء كلمته وكان منهم الدكتور مرسي مصطفى مرسي.
حياته
مرسي مصطفى مرسي من مواليد 10 يوليو 1942 الموافق 25 جمادى الأخر 1361هـ بالقاهرة، تخرج في كلية الزراعة وعمل معيدا بالمركز القومي للبحوث بالجيزة.
وفق للزواج من ابنة لواء في الجيش، وسكنا سويا في الشقة التي أعدها في المساكن الشعبية بإمبابة بلوك 15أ شارع 14، وعاشا سويا في هذه الشقة.
مع الإخوان
الأخبار عن الدكتور مرسي مصطفى شحيحة جدا ويكاد لم يكتب عنه سوى رفاقه في محنة عام 1965م لكونه واحد من العناصر الأساسية التي قام عليها تنظيم 1965م. تعرف على الإخوان وقت أن كان طالبا في كلية الزراعة، وبلغ أن تعرف على قيادة التنظيم أمثال عبد الفتاح إسماعيل وعلي عشماوي ومبارك عبد العظيم.
يقول الدكتور محمد بديع:
- في 1962 سافر "محمد سلمان النجار" واستمرت علاقتي بـ"أحمد فارس" وقبل ما يسافر إلى سوريا بمدة بسيطة بعد إنهاء إجازته، عرفني بـ"محمد عبدالمنعم شاهين" الشهير بـ"عاطف" - ومرسى مصطفى مرسى في منزل "عاطف" عشان نكون مجموعة منا، وتعاهدنا إحنا الثلاثة على أن ندرس سويا الدراسات الدينية، وحددنا برنامجاً لنا يتلخص في حفظ أربعة أجزاء من القرآن حفظ سورة البقرة من البداية، ودراسة التفسير من كتاب "في ظلال القرآن" لـ"سيد قطب"، وحددنا اشتراكات للأسرة حوالى 25 قرشاً شهرياً لكل واحد، كنا بندفعها لـ"مرسى مصطفى مرسى" لشراء الكتب.
- وكنا نلتقي كل أسبوع تقريباً يوم الخميس في منزل "مرسى" وأحياناً في منزل "عاطف". وقبل انتهاء العام الدراسي عرفني مرسى بأنه تعرف بشخص يدعى "عبد الفتاح إسماعيل" ، وأنه طلب مقابلتي أنا وعاطف للتعرف عليه، ولكن كنت مشغولاً في الامتحانات وسافرت في الإجازة "لرأس البر". وبعد رجوعي التقيت بـ"عبد الفتاح إسماعيل" عند مرسى على ما أتذكر، واتكلم معانا عبد الفتاح إسماعيل على أن نعمل للإسلام ونكوّن جيلاً من الشباب المسلم الذى يلتزم بحكم القرآن.
- ووافقنا على الانضمام للتنظيم بأسرتنا أنا و"عاطف" - أى "محمد عبدالمنعم شاهين" و"عاطف" هو اسم الشهرة له، و"مرسى مصطفى مرسى"، و"مرسى" كان أميراً لهذه الأسرة، وحدد لنا "عبد الفتاح إسماعيل" - بصفته المشرف علينا من قبل التنظيم - برنامج الدراسة الدينية لهذه الأسرة، وكان هذا البرنامج يتلخص في حفظ سورتي "الأنعام" و"الأعراف" وحفظ القرآن وتفسيره من كتاب "في ظلال القرآن" ودراسة كتب "سيد قطب" و"المواردى" وكانت اجتماعات هذه الأسرة تعقد يوم الخميس أو الجمعة فى منزل "مرسى" لتنفيذ البرنامج اللى إحنا ماشيين عليه من حفظ وتفسير وقراءة كتب دينية.
المحنة
بدأت محنة 1965م بقضية حسين توفيق – التي زعم نظام عبد الناصر أنه كان يخطط لاغتياله عام 1965م – حيث اعترف "مصطفى راغب" أحد المتهمين في قضية حسين توفيق أنه التقى بتاجر بقالة "بسنفا" - محافظة الدقهلية- يدعى "يوسف القرش" ، ولقد عرض عليه "يوسف القرش" عدد 2 قنبلة يدوية وبسؤال يوسف القرش اعترف بوجود عدد 2 قنبلة يدوية موضوعتين بجوال "توكسافين" فى محله التجارى بقرية "سنفا"
وكلف العقيد "شمس بدران" المباحث العامة - وهى الجهة المختصة - بتفتيش محل "يوسف القرش" بـ"سنفا" وأبلغوه بعدم العثور على شيء وطلب منهم مرة ثانية وأجابوه بنفس الإجابة، وكرر هذا الطلب عدة مرات وكان نفس الرد ولم يجد بُدًّا من الاقتناع بوجهة نظر المباحث العامة وأنهى التحقيقات في قضية "حسين توفيق" وأغلق القضية.
قبل أن يغادر مقر التحقيقات بالشرطة العسكرية عقد اجتماعا مع ضباط المباحث العسكرية الذين اشتركوا في ضبط القضية وتعرض في أثناء الاجتماع لموضوع "يوسف القرش" والقنابل وطلب أحد ضباط المباحث العسكرية وهو الرائد رياض إبراهيم من السيد "شمس بدران" أن يتوجه بنفسه إلى "سنفا" ويقوم بعملية التفتيش واشترط أن يأخذ معه "يوسف القرش"
وتم ذلك بناء على إذن النيابة، وفعلا ذهبت إلى "سنفا" وأخذت معي "يوسف القرش" وقمت بتفتيش المنزل والمحل فلم أجد شيئا وتكلمت مع زوجته "سيدة إبراهيم حجاب" بشيء من التهديد فاعترفت وأرشدت عن القنابل، وعُدت إلى القاهرة ومعي القنابل فقد عثرت على عدد 2 قنبلة هجومية وتعتبر هذه العملية أولى بدايات الخيط في قضية الإخوان المسلمين لعام 1965م.
تعرض يوسف القرش إلى التعذيب الشديد من قبل الشرطة العسكرية حتى اعترف على حبيب عثمان والذي واجه تعذيبا بشعا زاد عن معظم الإخوان بكثير .. وبعد وقت ليس بالقصير اعترف على نقيب أسرته الأخ مصطفى الخضيري والذي اختفى فجن جنون شمس بدران. حتى وصلوا بعد تعذيب كثير من الأفراد إلى كون عبد الفتاح إسماعيل وعلي عشماوي من مسئولي التنظيم، كما وصلوا لمجموعة شباب الإخوان بمصر الجديدة والتي كان منها محمود فخري – الطالب بكلية التجارة - وفي جو التعذيب الرهيب هذا .. بدأ (محمود فخري) طالب كلية التجارة فاعترف على علي عشماوي ، أحمد عبد المجيد عبد السميع ،عبد الفتاح إسماعيل .. أعضاء مجلس القيادة
كما اعترف على وجود شقة في امبابة ـ محافظة الجيزة ـ يسكنها باحث بالمركز القومي للبحوث حاصل على الماجستير اسمه مرسي مصطفى مرسي . وكانت هذه الشقة هي الصيد الثمين ... وذهبوا إلى شقة مرسي مصطفى مرسي، وأعدوا بها كمينا وقبضوا منها على قيادة التنظيم كلها (عدا إخوان الإسكندرية) وهم على عبده عشماوي، وأحمد عبد المجيد عبد السميع وعبد الفتاح إسماعيل ،وصبري عرفة الكومي ، ومبارك عبد العظيم عياد.
وهؤلاء كانوا ـ كما علمت حينذاك ـ قد اتفقوا على أن يجتمعوا هناك في شقة مرسي مصطفى مرسي لكي يتدارسوا الأمر ، فقبضوا عليهم جميعا .. وبهذا انكشف التنظيم وتوالى القبض على كل من يحضر إلى شقة مرسي مصطفى مرسي "كما ذكر محمد الصروي في كتابه الإخوان المسلمون محنة ١٩٦0 الزلزال والصحوة".
وفي السجن تعرض مرسي مصطفى مرسي وزوجته لأعنف صور التعذيب على يدي الشرطة العسكرية، والتي تقول عنها السيدة زينب الغزالي: وجاء صفوت الروبي فأوقفني ووضع وجهي إلى الحائط وتركني ساعات أتمزق بما أسمع من تعذيب الإخوان، وجلدهم واحدا بعد الآخر، يحضرني من أسمائهم: مرسي مصطفى، فاروق الصاوي، طاهر عبد العزيز سالم.
الغريب أن بعض صحفي النظام حاول أن يلصق بالإخوان تهم مشينة مثل السرقة، فادعى زورا على عدد من معيدي الإخوان في المراكز البحثية بأنهم سرقوا معاملهم لاستخدامها في تصنيع المتفجرات، ومنهم المعيد صلاح خليفة، حيث جاء في تغطية أحمد لطفي حسونة الإخبارية للمحاكمة التي نشرتها صحيفة (أخبار اليوم) في عددها الصادر بتاريخ 23 أبريل 1966، بتقديم "افتكاسة" جديدة، حين طالب بتطبيق حد السرقة على ثمانية من المتهمين في القضية مطالباً بقطع أيديهم، لأنهم "سرقوا مال الشعب لينسفوا به مرافق الشعب".
وقال كنت أتمنى أن توجه النيابة للمتهمين تهمة السرقة التي توجب عقوبة قطع اليد طبقاً للشريعة الإسلامية كما اعترف المتهم مرسي مصطفى مرسي الباحث المساعد بالمركز القومي للبحوث باختلاس زجاجة بها كيلو جرام من نترات الأمونيوم، كما اختلس مرة أخرى كيلو جرام من نفس المادة ونصف كيلو من مادة كرومات البوتاسيوم. "بلال فضل: هنروح ونقول لمين عن ضباطنا سنة ستة وعشرين".
وضع اسم مرسي مصطفى في القضية الأولى رقم 12 لسنة 1965 (تنظيم 65)، وكان الاتهام قد وجه لآلاف من جماعة الإخوان المسلمين بمحاولة إحياء التنظيم. تم تحويل القضية إلي محكمة أمن الدولة العليا بتوقيع صلاح نصار رئيس نيابة أمن الدولة العليا، وكان القاضي فيها محمد فؤاد الدجوي حيث حكم فيها على 7 بالإعدام قبل أن ينفذ في ثلاثة فقط، وحكم على 25 بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 عاما كان منهم مرسي مصطفى مرسي والذي كان عمره وقت المحاكمة 23 عام.
ومن المواقف التي تذكر لمرسي مصطفى أنه أثناء حديثه أمام القاضي تعرض لدور كمال أتاتورك في هدم الإسلام بإلغاء الخلافة وتحويل تركيا إلى دولة علمانية وإلغاء الدين الإسلامي واللغة العربية وإحياء القومية الطورانية .. وقارن أتاتورك بجمال عبد الناصر في حربه للإسلام وأن عبد الناصر حاول أن ينجح فيما فشل فيه كمال أتاتورك من إحداث تغيير جذري في المجتمع .. وأن أتاتورك وجمال عبد الناصر عميلان لقوى واحدة هي الصليبية واليهودية .. فانشرح صدر الشهيد سيد قطب وأصر أن يقبل مرسي عندما عاد إلى القفص.
بعد شهور أفرجوا عن زوجته ورحل مرسي إلى السجن مع بقية المحكوم عليهم حيث يذكر المهندس الصروي موقف له بقوله:
- " ولقد كنت أتبادل الحفظ مع الأخ الدكتور مرسي مصطفى مرسي حتى أتممنا حفظ القرآن الكريم بفضل الله".
قضى الدكتور مرسي مصطفى سنوات في السجن حتى خرج بعد وفاة عبد الناصر وتولى السادات مقاليد الحكم وعاد لعمله وحصل على الدكتوراه في كلية الزراعة، قبل أن يرحل إلى المملكة العربية السعودية ليعمل بكلية الزراعة جامعة الملك عبد العزيز بالرياض حيث انقطعت أخباره من هذا التاريخ ولم نستطع الوصول لأى معلومة تعرفنا ماذا حصل للدكتور مرسي مصطفى مرسي وزوجته بعد ذلك.