محمد الصروي
مقدمة
يقول الإمام البنا: «أيها الإخوان: أنتم لستم جمعية خيرية، ولا حزبًا سياسيًّا، ولا هيئة موضعية لأغراض محدودة المقاصد.
ولكنكم روح جديد يسرى في قلب هذه الأمة فيحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مرددًا دعوة الرسول ومن الحق الذي لا غلو فيه أن تشعروا أنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس.
إذا قيل لكم إلام تدعون؟ فقولوا: ندعو إلى الإسلام الذي جاء به محمد ، والحكومة جزء منه، والحرية فريضة من فرائضه، فإن قيل لكم: هذه سياسة! فقولوا: هذا هو الإسلام ونحن لا نعرف هذه الأقسام.
وإن قيل لكم: أنتم دعاة ثورة! فقولوا: نحن دعاة حق وسلام نعتقده ونعتز به».
بهذا الفهم وعلى هذه المبادئ عاش المهندس محمد الصروي ، وصاحب المرشدين ونهض بدعوته وعمل من اجلها حتى لقى الله.
لقد عاش طيلة حياته خادمًا لدينه، مضحيًا بنفسه وماله في سبيل دعوته، حنونًا عطوفًا في تربية رجاله، معتنيًا بأهل بيته، فضرب بذلك أروع الأمثلة.
لقد خرج من معتقله فسارع إلى إخوانه، يضع نفسه وماله في خدمة دعوته، وعمل في محيط إخوانه على نشر مبادئ فكرته، فحمل الدعوة مع إخوانٍ صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وعملوا بها وسط شرائح المجتمع، فآتت ثمارها، وأصبحت الدعوة في كل بيت ومكان، وتنسَّمت الأمة عبيرَها، فهبُّوا لنصرتها في آخر انتخابات برلمانية 2005 م، فكانت أثرًا من آثار جهاده مع إخوانه الكرام.
النشأة
في قرية ميت يعيش مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية كان مولد ونشأة هذا البطل في أبريل 1943 م، والذي رحل عن عالمنا بعد أن خلف وراءه رجالا، فلم يتركه والده بل اعتنى بتربيته وتعليمه مبادئ الإسلام وحفظ كتاب الله في كتاب الشيخ يوسف، ويقول في ذلك: «حفظت جزء عم وقليلا من جزء تبارك وكان بيتنا يطل على مسجد الشيخ أبو رويفع وكنت أذهب مع أبي –رحمة الله- للصلاة في المسجد ولعل وجود البيت في مقابلة المسجد ثم الجو الديني في البيت كانا عاملين أساسيين في التوجيه الديني منذ نعومة أظفاري ولقد ساعد تعلمي كتاب القرية على سرعة تعلمي القراءة والكتابة ثم التحقت بالمدرسة».
التحق بالتعليم الابتدائي في القرية عام 1949 م، ونشأ مولعا بالقراءة حتى تخرج في كلية الهندسة جامعة القاهرة أول يوليو 1965 م، وصدر القرار الجمهوري بتعيينه مهندساً في وزارة الصناعة في 16/10/1965 م.. لكنه كان قد تم القبض عليّه قبل صدور القرار الجمهوري .
رزقه الله بالزوجة الصالحة فقد تزوج من الدكتورة سلوى المنوفي ورزقهما الله من الأولاد: أحمد- طبيب، وزينب- طبيبة، وهاجر- طبيبة أسنان، وحمزة.
على طريق الإخوان المسلمين
نشأ محمد الصروي في قرية ميت يعيش وهي كانت قرية تابعة لمنطقة ميت خالد حيث كان مسئول المنطقة الأستاذ عبد الحميد البرديسي، وتعلق الصروي منذ الصغر بهذه النماذج وأحبها حتى بعد محنة 1954 م.
حتى يسر الله له والتحق بكلية الهندسة وهناك تعرف على كثير من الإخوان مثل الشهيد فاروق المنشاوي وعمل مع إخوانه على إحياء تنظيم الإخوان وتربية الشعب على معاني الإسلام الصحيح، غير أن ذلك اصطدم بمحنة عام 1965 م حيث قبض عليه فيها.
وبعد خروجه عمل مع إخوانه على عودة سيرة الإخوان مرة أخرى ولذا يعتبر أحد المؤسسيين الفعليين للجيل الثاني من الإخوان ، وهو جيل السبعينيات الذي ساهم الصروي في تربيته وقيادته بعد خروج الإخوان من معتقلات عبد الناصر أوائل السبعينيات.
وظل مسئولا لمكتب إداري الجيزة حتى عودة صديقه ورفيق طريقه الحاج السيد نزيلي الذي حمل عبء الدعوة بعده، وصار الصروي جنديا يخدم دعوته ويجوب البلاد ليربي أبناء ورجال ونساء الدعوة دون كلل أو ملل أو ركون بسبب المرض.
محنة ومنحة
بعد أن ساءت العلاقة بين الإخوان و جمال عبد الناصر وجه لهم ضربة قوية بعد حادثة المنشية والتي على أثرها أعتقل الكثير منهم وغيبهم خلف قضبان السجون حتى يتفرد بشئون الدولة دون أية معارضة، ولم يكتف بذلك فحسب بل جاهد بكل السبل والوسائل في التضييق على أسر الإخوان وقطع عن رواتب ذويهم وعزلهم عن المجتمع حتى يتحقق له خضوع الإخوان غير أن الله حفظهم وثبتهم في معتقلاتهم بل وربط على قلوب ذويهم بالصبر والسلوان.
ومرت السنون تلو السنين وظن عبد الناصر أنه لا أثر بعد ذلك للإخوان أو أية حركة إسلامية في ظل سياسته التي كان يحكم بها البلاد بالحديد والنار، غير أنه فوجئ أن الإخوان مازالوا موجودين وبقوة وسط الشارع بل أخذوا في تنظيم صفوفهم لعودة العمل الجماعي، فصعق عما رأى من كيفية خروج هذا المولود من هذا الرحم الذي طن أنه قد انتهى فكان رد فعله عنيفا فأصدر قرارا باعتقال كل الإخوان بل كل من سبق اعتقاله منذ عام 1948 م، وفي يوم من الأيام سيقت مصر كلها إلى المعتقلات بسبب هذا القرار الذي أصدره من فوق منبر الشيوعية من الكرملين بالاتحاد السوفيتي بل تجاوز الأمر وأطلق كل الشيوعيين وقلدهم مقاليد الثقافة والإعلام لربما تأتى حركتهم بثمار في تغيير المجتمع المصري وتحوله لشعب يعبد رئيسه.
وكان محمد الصروي أحد الشباب الذي حمل هذه الدعوة وأحبها وأخلص لها ونشط في كليته تحت قيادة فاروق المنشاوي يدعو الناس إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة، حتى كان هذا القرار والذي دفعه للفرار إلى ليبيا هربا من الجحيم الذي فاق جحيم عام 1954 م بسبب تسابق المباحث العامة والمباحث العسكرية الجنائية في انتزاع الاعترافات من الشباب العزل بأية وسيلة وتحت أية ظرف، غير أنه عاد ليحصل على بعض الأوراق فسقط في قبضة رجال المباحث العسكرية يوم 28 أغسطس 1965 م والتي ساقته إلى آتون السجون الحربية.
ومورس ضده التعذيب النفسي عن طريق الإهانات اللفظية والعملية والضرب بالسياط وغيرها والمبيت مع الكلاب، كما لم يسلم من التعذيب الروتيني الذي مر به كل أخ في السجون الحربية وغيرها من السجون.
وقدم للمحاكمة والتي حكمت عليه بالسجن لمدة 12 عاما في 6/9/1966 م.. وبصدور الحكم بالسجن فُصل من العمل لصدور حكم جنائي ضده وفق القانون ، ولقد تنقل بين عدد من السجون صابرا محتسبا، فقد قضى في السجن الحربي 22 شهرا وسجن ليمان طرة 17 شهرا ثم سجن قنا العمومي 37 شهرا ثم سجن مزرعة طرة 29 شهرا.
ولقد عذِّب عذابًا شديدًا على يد زبانية هذا العصر، حتى إن آثار التعذيب ظلت على جسده حتى توفاه الله، وتمثل بالأبيات التي كتبها الدكتور يوسف القرضاوي والتي يقول فيها:
ما للجنود ذوي العصا ومالي؟
- ما بالهم هجموا علينا بغتة
قد كشروا عن نابهم، وتقدموا
- حملوا العصى غليظة كقلوبهم
لِمَ كل هذا الحشد من جند، ومن
- وإذا عجبت فإنَّ أعجب ما أرى
ضرب بلا هدف، ولا معنى، ولا
- كم بيننا من ذي سقام يشتكي
كم بيننا شيخ ينوء بعمره
- كم بيننا من يافع ومرفه
ما كنت بالباغي ولا المحتال؟!
- متوثبين كهجمة الأغوال؟!
ببسالة للثأر من أمثالي!
- ومضوا كالسيل من مكان عال
حرس، كأن اليوم يوم نزال؟!
- إضرام معركة بغير قتال!
عقل، سوى تنفيذ أوامر الوالي!
- لكن لمن يشكو أذى الجهال؟
يعدو الجهول عليه غير مبال
- لم ينج من ضرب وسوط نكال
وظل في السجون حتى عهد السادات الذي أفرج عن الإخوان ، وفي ذلك يقول المهندس الصروي: «فجأة وجدت نفسي خارج أسوار السجن، فلقد خرجت في 4/4/1974 م، غادرت أسوار السجن بعد صلاة المغرب ومنها إلى وزارة الداخلية حيث قابلنا الضابط فؤاد علام، ثم انصرفنا في الحادية عشر مساءً، وخرج معي من السجن يومها، الذين صدرت ضدهم أحكام بالسجن 15، 12، 10 سنوات.
وكان معي جنيهان أعطيت واحداً منهما لإخوان المحلة للسفر به، واحتفظت بجنيه واحد لي، ودلفت إلى الشارع ومعي الأخ محمد عبد المنعم شاهين وشهرته (عاطف شاهين)، وركبنا (تاكسي) سوياً إلى الجيزة، ونزل هو في الدقي حيث يسكن أخوه، أما أنا فواصلت إلى الجيزة حتى يسكن أخي الأكبر، وفجأة وجدوني أمامهم بملابس السجن البيضاء قرابة الحادية عشرة مساءً».
رحلة حياة بعد الإفراج
ما كاد كل الإخوان يخرجون من السجون حتى تكاتفت جهودهم لعودة الجماعة مرة أخرى إلى نشاطها في خدمة دعوة الله وتحقيق المبادئ والأهداف التي غرسها الإمام البنا وما زال الإخوان يسيرون عليها رغم بعض الاختلافات، ولقد كان المهندس الصروي أحد هؤلاء الذين اعتنوا بتربية جيل الجامعات فنشّأ جيل عرف معنى العزة وكيف يزود عن دعوته بالحسنى.
وظل الصروي قائد من القادة وجندي من الجنود لا يعبأ في أي مكان هو لكن كان حريصا على رضوان ربه.
كما اعتنى المهندس الصروي بجانب التربية اعتنى أيضا بالجانب السياسي فشارك في انتخابات مجلس الشعب عام 1987 م، كما شارك في انتخابات مجلس الشوري عام 1989 م وبالرغم من التزوير الذي موريس ضد بل وضد جميع الإخوان انتخابات الشورى إلا انه ظل ثابتا محتسبا نموذج عملي للمربي، ونم هذه النماذج التي ظهرت جليا وسط الأجيال التي حرص على تربيتهم، فبالرغم من كبر سنِّه وتكالب الأمراض عليه.. إلا أنه قبل وفاته كان يجوب الدوائر ويشارك في التحضير لانتخابات 2005 م، فكنت دائمًا تراه باشًّا في وجه إخوانه، متواضعًا لكبار وصغار الإخوان .
ويذكر أحد إخوان الجيزة أنهم كانوا في لقاء وجاءهم المهندس الصروي قبل وفاته بفترة، وبعد انتهاء محاضرته غادر المكان، لكنه فوجئ بأن إحدى عجلات السيارة فارغة من الهواء، وبالرغم من كبر سنه وعِظَم مكانته في قلوب إخوانه إلا أنه استحيا أن يخبرهم، فأنزل الأدوات وأخذ يغيِّر العجلة، حتى رآه أحدهم!! فأسرع إليه ليقوم بهذا العمل، لكن المهندس أبى إلا أن يشاركه في تغييرها.
ومن أقواله التي تدل على علوِّ همَّته في نشر دعوته قوله في انتخابات مجلس الشعب عام 2005 م: «إننا لم ندخل الانتخابات لنفوز، ولكن شاركنا فيها لندخل كل بيت وكل شقة لنعرفهم بدعوتنا».
ومن المواقف التي يحكيها بعد خروجه من السجن: « ذهبت إلى مكتب التجنيد بالجيزة ومعي بطاقة التجنيد، وبالبحث في الدفتر وجدت مكتوباً فيه " هارب من التجنيد، ومطلوب القبض عليه " ولما ذهبت حرروا محضراً بذلك، وتم اقتيادي إلى قسم أول الجيزة مقبوضاً عليَّ لتسليمي إلى الجيش للمحاكمة العسكرية.. وذهبت إلى الموظف المختص، وشرحت له الموقف دون جدوى.. فكان الردّ كالآتي: يتم القبض عليك، وتودع في زنزانة في سجون الجيش لحين صدور قرار بحرمانك من شرف (!!) الخدمة العسكرية..
وسوف تستغرق هذه الإجراءات ما بين ثمانية أشهر وسنة كاملة.. فما الحل؟ .. قمت بعدة اتصالات، وكان الجواب: الهروب من منطقة التجنيد لحين إصدار هذا القرار.. لكن العسكري الذي كان يقتادني أخذ مني البطاقة الشخصية.. فخرجت إلى الشارع مسرعاً لا ألوي على شيء بدون بطاقة شخصية.. فتم الإبلاغ عني أنني هارب من شرف التجنيد.. وتلك قضية ثانية.. وعبثاً لم أفلح في إفهام أي شخص أنني فوق الثلاثين من عمري.. ومعزول سياسي وليس لي خدمة في الجيش كجميع زملائي.. لكن هيهات.. وفي اليوم التالي عدت إلى المصنع، وشرحت لهم القضية فأمهلوني فترة ثلاثة أشهر لتسوية تلك الأوضاع المعقدة..
لكني فقدت بطاقتي الشخصية، ولا أستطيع السير ليلاً متأخراً فلو سألني أحد عنها سوف تكون مشلكة، ويقبض عليّ هارباً من شرف التجنيد !!.. وتطوع أهل الخير من أصدقاء العائلة لمتابعة هذه (الفزورة) في مقابل إعطاء أبنائهم دروساً في الرياضة (جبر – هندسة – حساب مثلثات والكيمياء.. وتم لهم ما أرادوا، وقاموا بالسعي والمتابعة حتى تم استخراج شهادة الإعفاء من الخدمة العسكرية أسوة بجميع زملائي من الإخوان المسلمين. فكان امتحاناً عابراً وسريعاً.. إن السجن قدرٌ على كثير من العباد.. وليس بسبب الإخوان وحدهم ندخل السجون».
لم تكد تمر الأيام حتى تحركت جحافل النظام عام 1995 م تجوب البلاد لتعتقل قيادات الإخوان والتي زج بهم النظام في محاكمات عسكرية ظالمة حكم على بعضهم بخمس سنوات أمثال الدكتور محمد حبيب وعصام العريان وعبد المنعم أبو الفتوح والمهندس خيرت الشاطر ومعظمهم بثلاث سنوات أمثال الأستاذ السيد نزيلي والدكتور محمد فؤاد عبد المجيد والمهندس الصروي والأستاذ حسن الجمل والشيخ عبد الخالق الشريف وغيره ولم يخرج من المعتقل إلا بعد الثلاث سنوات في عام 1998م.
اللحظات الأخيرة
في يوم 10 رمضان 1426هـ شعر ببعض التعب انتقل على إثرها إلى المستشفي والتي قرر الأطباء إجراء عملية قلب مفتوح لتأزم حالته، وبدأت تتوافد وفود إخوان الجيزة على المستشفى من قيادات ومحبين، الأستاذ السيد نزيلي، والدكتور عصام حشيش.
ثم فاضت روحه الطاهرة إلى ربه ليلة الاثنين 14 رمضان 1426هـ الموافق 17 أكتوبر 2005 م، وحضر إلى المستشفى كل تلامذة ومحبي المهندس وكل أعضاء المكتب الإداري للإخوان المسلمين بالجيزة تقريباً، الدكتور عبدالناصر صقر، والدكتور عصام العريان والدكتور عصام حشيش، وغسَّله الأستاذ السيد نزيلي والحاج محمد رحمي رفيقاه في محنة 1965 م، وأَمَّ المصلين في الجنازة فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين الأستاذ محمد مهدي عاكف.
رحم الله أستاذنا رحمة واسعة وألحقه الله بركب الشهداء والصالحين والصديقين.
من مؤلفاته
- كتاب: الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة,محمد الصروي لتحميل الكتاب ,
المراجع
- كتاب: الإخوان المسلمون تنظيم (1965) الزلزال ... والصحوة,محمد الصروي لتحميل الكتاب ,
- كتاب: الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م),بقلم المهندس / محمد الصروي
إقرأ أيضا