ثلاثة كتب تقدم رؤيتها لاغتيال البنا وجماعة الإخوان المسلمين: مَنْ قتل حسن البنا وحل الجماعة؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
ثلاثة كتب تقدم رؤيتها لاغتيال البنا وجماعة الإخوان المسلمين: مَنْ قتل حسن البنا وحل الجماعة؟


مقدمة

الشروق الجديد

نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 09 - 2010

«مصرع الأستاذ حسن البنا بخمس رصاصات.. البنا يرسل كتابا لوزارة الداخلية ويتلقى تهديدا بالقتل إذا افشى أسرار الجماعة المنحلة..» ما سبق كان مانشيت جريدة الأهرام فى عددها الصادر الأحد 13 فبراير من عام 1949.. وهو الخبر الذى صاغ كثيرا من علامات الاستفهام حول مقتل البنا آنذاك، فمرشد جماعة الإخوان «المنحلة» كما وصفتها الصحف وقتئذ نتيجة لقرار حل الجماعة كان يصارع على عدة جبهات فى وقت واحد،

الصراع الأكبر كان مع الحكومة والتى ضاقت ذراعا بعمليات القتل والتدمير التى شنها التنظيم السرى للجماعة، وراح ضحيتها الكثير من أبناء الشعب الأبرياء، وبعض أصحاب المعالى، مما دفع الحكومة إلى شن أول حملة اعتقالات وتنكيل بأفراد الجماعة انتهت بحلها، أما الصراع الثانى فكان من داخل الجماعة نفسها وخاصة التنظيم السرى، الذى أعلن البنا براءته من أفعاله ببيانه الشهير «بيانا للناس» والذى وإن كان البنا أطلقه ليخفف من وطأة الضغط الحكومى عليه وعلى إخوانه المعتقلين، إلا أنه وضعه بين مطرقة الحكومة وسندان الجماعة نفسها والذى ظلت دماؤه تتأرجح بينهما إلى ما بعد الثورة.. وربما حتى الآن كما يقول البعض!

أعيد الحديث مرة أخرى عن مقتل حسن البنا والجماعة التى أسسها، بعد عرض مسلسل «الجماعة» المثير للجدل والذى كتبه الكاتب وحيد حامد. وفى السطور التالية نحاول عرض بعض الكتب التى تقدم وجهة نظر تتشابك مع ما قدمه وحيد حامد فى مسلسله. من هذه الكتب: «العقد الفريد» لحسان حتحوت «دار الشروق»، و«سقوط نظام» لمحمد حسنين هيكل «دار الشروق»، و«من قتل حسن البنا» لمحسن محمد «دار الشروق»، فضلا عن بعض أعداد جريدة الأهرام التى صدرت خلال عام 1949.

الإخوان أم أتباع النقراشي؟

جريدة الأهرام وبشكل غير مباشر حاولت إلصاق تهمة اغتيال البنا منذ البداية بجماعة الإخوان، خاصة فى نهاية تقريرها الذى احتل صدر الصفحة الأولى، فبعد أن ذكرت جزءا من بيان تنديد البنا الاول بافعال التنظيم السرى والخاص بانه سيعتبر اى عمل بعد ذلك موجها إلى شخصه، اختتمت تقريرها بالآتى «هذا وقد علمنا أنه أى البنا كان قد أرسل منذ أيام خطابا آخر إلى وزارة الداخلية يعرب فيه عن اعتزامه تسليم المحطة السرية والأسلحة وغير ذلك مما تحت يد الإخوان إلى السلطات المختصة وأنه على اثر ذلك تلقى خطاب تهديد بالقتل إذا أذاع أى سر من أسرار هذه الجماعة».

ومما يؤكد رغبة الحكومة آنذاك فى توجيه الرأى العام للتفكير باتجاه معين، ما أورده الكاتب الكبير محسن محمد فى كتابه «من قتل حسن البنا» بأن التحقيقات آنذاك لم تذكر هذا الكلام ولم تورد شيئا عن خوف البنا من قتله لهذا السبب، وأن بكر درويش والذى كان رقيبا على النشر بوزارة الداخلية ذكر ان بيان «ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين» سلم إلى الرقابة بعد اغتيال البنا بيومين ليسلم للصحف لتقوم بنشره.

وحاولت الحكومة أيضا تشتيت أسباب مقتل البنا على عدة جهات، فبعد ان قالت انه تلقى تهديدا من جماعته بالقتل، ذكرت جريدة الأهرام فى عدد الأربعاء 15 فبراير 1949 فى خبر سير التحقيقات فى مقتل البنا، قائلة إن النيابة تبحث فى ملفات كانت محفوظة فى إدارة الأمن العام، عن حادث وقع فى قطر عربى شقيق فى العام الماضى وكانت للجماعة المنحلة صلة به، فى إشارة إلى قتل الإمام يحيى إمام اليمن وفى تلميح إلى أن اليمنيين هم من قاموا بقتل حسن البنا.

والحكومة بهذه التلميحات تريد الفوز بإحدى الحسنيين، فإما أن «النار تأكل بعضها» كما قال وكيل وزارة الداخلية عبدالرحمن عمار لجريدة «الاساس» فى إشارة إلى أن الجماعة انقلبت على بعضها، وإما أن اغتيال البنا تم بناء على جريمة كان ارتكبها فيما مضى فى اليمن وبذلك يكون السبب ثأرا.

وفوق كل التصورات السابقة هناك تصور ساد فى تلك الفترة عن سبب مقتل حسن البنا وهو أن الجريمة جاءت على يد أحد عملاء الحكومة انتقاما لمقتل النقراشى، وهذا التصور أتى فى برقية بعث بها جيفرسون بارتسون القائم بأعمال السفارة الامريكية إلى واشنطن بعد 48 ساعة من الاغتيال يذكر ان هذا التصور غير بعيد. وكان بداية للتصور الاهم وهو انه ليس أحد عملاء الحكومة السابقة ومؤيديها بل هى الحكومة ذاتها كما سيتضح فيما بعد..

ثم استمر الوضع على هذا الحال فى سير القضية دون الوصول لأى حل فى التحقيقات التى سماها سيد الشوربجى محامى الإخوان وقتها بأنها «تحقيقات صورية مضحكة ومبكية فى آن واحد»، وازداد خوف الملك بقتل البنا، فهو وإن كان يظن ان البنا كان يخطط لقتله سابقا لإقامة الخلافة، إلا أنه ظن أن نصف مليون رجل من الإخوان يريدون قتله، فكان لا يسير إلا بحراسة مشددة وظل طوال 7 أشهر لا يظهر على الناس، إلى أن عادت جماعة الإخوان مرة أخرى للوجود بقرار من مجلس الدولة فى دعوى كانت معلقة، وكان البنا قد رفعها مع عبدالحكيم عابدين السكرتير العام..

وايضا بقرار من حزب الوفد بالافراج عن ممتلكات الجماعة المصادرة بما فى ذلك الصحف والمنشآت، بعد إلغاء معاهدة 36 والذى قال عنه الدكتور حسان حتحوت فى كتابه « العقد الفريد» والذى روى فيه قصة عشر سنوات من مرافقته الإمام حسن البنا، بأن حكومة الوفد فى تلك الفترة غيرت نظرتها تماما تجاه الجماعة، وكانت ممتنة جدا لدورهم فى النصر الكاسح للوفد فأمرت بعد إلغاء قرار الحل بتسليم الإخوان دار المركز العام ومئات الشعب والعيادات والمصانع والشركات.

ولكن الغريب أيضا هو ما أورده حتحوت فى كتابه من أن الملك نفسه أراد أن يحتوى الإخوان بعد قرار إلغاء الحل وإعادة الجماعة للعمل مرة أخرى، فوجه لأول مرة دعوة لحسن الهضيبي المرشد الجديد للجماعة وتناقشا حول شعار الدولة هل يكون كما يرى فاروق «الله الملك الوطن» أم «الله الوطن الملك» كما رأى الهضيبي!.

ثورة يوليو تعتقل قتلته

أما ثورة يوليو فجاءت لتعلق دم حسن البنا على رقاب قاتليه وتزيح الكثير من الغموض عن الحادث، إذ أورد الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى كتابه «سقوط نظام» عن اكتشاف القاتل الحقيقى قائلا: «فى اليوم الثانى عشر من فبراير دوى الرصاص للمرة السابعة فى القاهرة وسقط الشيخ حسن البنا غارقا فى دمائه على حافة سيارة تاكسى أمام جمعية الشبان المسلمين حيث كانت ستقله إلى بيته ولكن هرعت به إلى قصر العينى وهناك تبين أنه لم يفارق الحياة، ولكن المشرف على عملية الاغتيال القائمقام محمد وصفى بك قائد حرس الوزارات امر بتعقبه والتخليص عليه تنفيذا لأوامر «الملك فاروق، ورئيس الوزراء ابراهيم عبدالهادى».

ثم أضاف الاستاذ هيكل فى سطور قليلة «وقد آثر القائمقام محمد وصفى أن يطلق النار على رأسه وينتحر عندما عرف فيما بعد أعقاب ثورة يوليو ان سره انكشف وأن هناك أمرا صدر بالتحقيق معه على أساس وثائق تم ضبطها فى أوراق القسم المخصوص للبوليس السياسى».

وقد جاء الأمر أكثر تفصيلا فى كتاب محسن محمد «من قتل حسن البنا» الصادر عن دار الشروق والذى سرد أيضا واقعة انتحار الضابط محمد وصفى بعد علمه بإعادة فتح التحقيق فى مقتل حسن البنا وإن كان أورد طريقة مختلفة للانتحار وهى بالحبوب المنومة!

وذكر أن قضية مقتل مؤسس الجماعة فتحت مرة اخرى بعد قيام الثورة بشهر واحد، وأورد على لسان أنور السادات أن أول إجراء اتخذته الثورة لإزالة آثار الماضى البغيض ومحاسبة المسئولين عنه بالحق والعدل كان إعادة التحقيق فى مقتل حسن البنا.

وذكر محسن فى كتابه أن التحقيق فُتح بعدما تم القبض على المقدم محمد الجزار ضمن قائمة الاسماء المطلوب القبض عليها لتأمين الثورة، وكان أحد أضلاع مؤامرة قتل البنا، واعترف اعترافات مهمة فى قضية قتل المرشد كما ذكرت جريدة الأخبار آنذاك..

كما أورد أيضا على لسان زكريا محيى الدين أن قرارى القبض على الجزار والقبض على العميد محمود عبدالمجيد، مخطط عملية الاغتيال قد تم إصدارهما من قبل جمال عبد الناصر شخصيا، وكشفت المحاكمة بعد ان بلغت محاضر الجلسات 1100 صفحة وأوراق القضية أكثر من 5000 صفحة عن الخطة الكاملة لقتل البنا، وحكمت المحكمة على قاتله بأحكام تراوحت بين المؤبد وال15عاما، ولكن لم يكمل احد منهم فقد حصلوا جميعا على افراجات صحية على مراحل مختلفة..

ويقال إن تلك الإفراجات نالوها بسبب انقلاب عبد الناصر على الإخوان وهو الذى كان يوما ما أقسم على الولاء للمرشد العام للجماعة وكان يعمل معهم تحت اسم زغلول عبدالقادر وكان يعمل معهم ويدرب أعضاءهم ويؤكد كتاب «من قتل البنا» ان عبد الناصر زار السندى فى المستشفى اثناء محاكمته فى قضية السيارة الجيب واصدر بعد الثورة عفوا عنه وقال الكتاب أيضا إن بعد الثورة زار عبد الناصر قبر البنا وقال «لا تظنوا أيها الإخوان أنى أجنبى عنكم فأنا واحد منكم» ولكن تراجع عبد الناصر عن الاندماج مع الإخوان قبل الثورة لأنه رأى أنه من الأفضل أن يكون نشاط الجيش مستقلا، خاصة أن هناك فصائل كثيرة معارضة للملك ولكن لا تنتمى للإخوان فكريا أو عقائديا.

6 محاولات لاغتيال البنا

نعود إلى حسن البنا واغتياله والذى لم يكن قتله فى 12 فبراير 1949 أول محاولة، بل كانت هناك عدة محاولات كما يقول كتاب من قتل حسن البنا وسوف نقوم بسردها، ويرجع مدى مصداقيتها أو كذبها إلى الكاتب محسن محمد. المحاولة الأولى كانت فى مظاهرة سلمية سمحت بها السلطات، ثم تم إطلاق النار فيها على البنا ورفاقه واصيب فيها بطلق فى يده واقتيد بعدها البنا مصابا إلى قسم الموسكى، واعتدى رجال الشرطة على اتباعه وهدده أحد الضباط بمسدس فى صدره ولكن هجم عليه البنا وانتزع المسدس واصيب زوج شقيقته عبدالكريم منصور ونقل للقصر العينى وحفظ الحادث.

والثانية عندما ذهب المرشد يتحدث فى الشركة العربية للمناجم والمحاجر لتوديع كتيبة اخوانية ترحل للحرب فى فلسطين، ولكن قبل وصوله بدقائق وقع انفجار وتبين ان قنبلة زمنية وضعت فى نفس مكان إلقاء الخطبة.

والثالثة عندما تم منعه من السفر وسمح له بالسفر للسعودية فقط للحج، وبعد ذهابه ابرقت وزارة الداخلية إلى القنصل المصرى بجدة بعدم السماح للبنا للسفر إلى أى مكان، فقال أخوه عبدالباسط إن الحكومة قررت قتله هناك ونسب الجريمة إلى يمنيين، ولكن حكومة السعودية شعرت بما يدبر، بعدما صحب امير الحج المصرى حامد جودة رئيس مجلس النواب بعض الخطرين، فانزلت المرشد ضيفا عليها وأحاطت مقره بحراسة شديدة ومنحته سيارة بحارس خاص.

ثم عاد فى نوفمبر لتحل الجماعة فى ديسمبر ويعتقل إخوانه ويتركونه طليقا، وتعليقا على ذلك قال البنا «إنكم تقتلوننى بعدم اعتقالى». ثم تم بعدها سحب رخصة سلاحه بعدم تجديدها له، وسحب سيارته التى اشتراها بالتقسيط بعيدا عن اموال الجماعة، إلى ان شعر أنه مهدد بالقتل فكتب إلى فؤاد شيرين محافظ القاهرة يقول له «أشعر أنى مهدد بالقتل وأرجو تعيين حارس على نفقتى الخاصة» فلم يلق أى رد.. إلى أن سحب منه خط التليفون وحتى سيارة عبد الحكيم عابدين سكرتير عام الجماعة وهى سيارة خاصة عندما استعارها البنا تم مصادرتها وقيل إنها من أموال الجماعة..

وتم القبض على كل من لهم صلة به ولم يتبق له إلا شقيقه عبدالباسط اليوزباشى ولكنهم قبضوا عليه فى 13 يناير. ذلك فضلا عن 3 محاولات تم التخطيط لها من قبل نفس الرجال الذين قتلوه، فمرة تم التخطيط لايهامه بالقبض عليه ثم قتله وإلقائه فى حفرة على طريق الفيوم بالهرم، ولكن تلك رفضها اللواء احمد

طلعت، والثانية عندما وقف الامباشى احمد حسين جاد امام بيت المرشد لاغتياله ولكن الخفير الخاص بالبنا اشتبه به وقاده إلى قسم الدرب الاحمر وافرجوا عنه وقالوا انه تاجر مواش لا علاقة له بشىء.

والثالثة عندما استقل احمد حسين جاد سيارة المقدم محمد وصفى وكان مقررا أن يطلقا عليه الرصاص وكان المقدم عبدالرءوف عاصم واليوزباشى مصطفى علوان مستعدين للتدخل عند الضرورة ولكن منع الرائد حسين كامل أحمد حسين وصرخ فيه امنع يدك وخشى أن يتجمع الناس على القاتل..

ونجحت الخطة السابعة

التدبير لقتل البنا كما جاء بالتفصيل فى كتاب محسن محمد بدأ منذ قيام عبدالرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية باستدعاء حكمدار شرطة جرجا محمود عبدالمجيد وعينه مديرا لادارة المباحث الجنائية بوزارة الداخلية فى اول أغسطس 48.. وكان عبدالمجيد معروفا أنه لا يتورع عن تعذيب وقتل المجرمين، ويواجه الجريمة بالجريمة.. فقد قتل 15 متهما من اصل 18 قام بضبطهم فى عدة جرائم، وكان يضع المتهمين فى عربات الكلاب لتطوف بهم فى القرى ليقذفهم الناس بالقاذورات قبل اقتيادهم للسجن.

وبعد مقتل النقراشي أخذ عبدالمجيد فى نقل واستدعاء رجاله من شرطة سوهاج واحدا تلو الآخر. وفى تلك الأثناء كان البنا فى قمه يأسه خصوصا بعد محاولة تفجير مكتب النائب العام والتى راح ضحيتها 25 فردا والتى وضعت البنا فى أصعب حالاته، وكان يطرق كل الابواب لمحاولة وقف قرار الحل والافراج عن المعتقلين ولكن لا احد يلتفت اليه،

إلى ان ظهر فى الوساطة شخص يدعى محمد الناغى وكان ابن خالة إبراهيم عبدالهادى وعلى علاقة قديمة بالبنا، وكان قد وصل للناغى من زكى على باشا وزير الدولة الذى وسطه البنا أن المرشد يريد الإرشاد عن أماكن الأسلحة والمفرقعات إذا عاونته الحكومة فى الافراج عن المعتقلين، وقام الناغى بابلاغ رئيس الوزراء الذى وافق على ان يقابل البنا اعضاء مجلس الإرشاد يوم 14 فبراير.

وذهب الناغى إلى جمعية الشبان المسلمين فى الثانى عشر من فبراير 1949 فلم يجد البنا فارسل اليه محمد الليثى ليستدعيه، ورفض البنا فى البداية الذهاب مع الليثى للجمعية بسبب يأسه ولكنه رضخ فى النهاية. وقال إن البنا سرد للباقورى ومحمد الليثى أنه سيقتل اليوم بعدما رأى فى منامه انه يمسك بناقة يركبها أبوبكر الصديق ويمد شخص يده ليأخذ الزمام منه، وتكرر الحلم 3 مرات فى نفس الليلة وانه رأى أبابكر الصديق يقول له ستقتل اليوم!

وصحب البنا عبدالكريم منصور إلى الجمعية بعد محاولات لثنيه البنا من أبنائه وأبيه ومنصور نفسه لمنعه من الخروج، وفى الطريق لاحظا سيارة تراقبهما ولكن البنا قال إنها المراقبة الملازمة له منذ فترة، وعند وصل البنا للجمعية، سأله الناغى عن تسليم الأسلحة والمحطة السرية فقال البنا أنا لا أعرف شيئا عن مكانها وكيف لى أن أعرف والجميع معتقلون.. وانتهت المقابلة دون الوصول لأى حل ورحل الناغى ومن بعده البنا ومنصور.

طلب البنا سيارة تاكسى وأتى بها الساعى صالح عوض والذى سأله سائقها من سيركب السيارة، فاخبره ان مرشد الإخوان هو من سيفعل.. وعند خروج البنا مع عبدالكريم منصور ومعهما محمد الليثى لاحظ الأخير ظلمة وهدوءا غريبين على الشارع رغم كونهم فى الثامنة مساء وحاول لفت انتباه البنا لذلك ولكنه قال له «أنت تعلق على كل شىء يا أستاذ». واستقلوا السيارة وقبل أن تتحرك أتى شخص ملثم من اتجاه البنا وأطلق النار ثم فتح الباب واستأنف اطلاق الرصاص على جسده.. ثم اتى شخص آخر من جهة منصور ومنعه من الخروج من السيارة وبعد شد وجذب اخرج الرجل مسدسا واطلق النار على السيارة وعبدالكريم..

خرج الليثى صارخا فاطلق أحد الرجلين النار عليه ولم تصبه ورآهما يجريان يستقلان سيارة عبدالمجيد فألتقط ارقامها وكان هؤلاء هم المخبران احمد حسين جاد وآخر يدعى مصطفى فى حين أتى الضابطان حسين كامل وعبده ارمانيوس يصرخان «قنابل... قنابل» فتفرق من احتشد من الناس.

ومات البنا فى مستشفى قصر العينى بعدما لم يجدوا أحدا يسعفه فى البداية واتصلوا بعدد من الاطباء ولكن الموت كان الاقرب للبنا فى تلك اللحظات من ايدى المنقذين. وشوهد رجل أتى للمستشفى ويقول: جئت من قبل الحكمدار للاستفسار عن حالة الشيخ..

فهرع إليه الليثى وأخبره برقم السيارة الذى التقطه ولكن تركه الرجل وانصرف، وكان الرجل هو محمد وصفى قائد حرس الوزارات الذى قال محمد حسن الامين الخاص بالملك فاروق فى التحقيقات التى جرت بعد الثورة: «سمعت محمد وصفى يتحدث إلى احمد كامل قائد شرطة القصر ويقول له إنه ذهب للمستشفى ليقضى على البنا إذا كان لا يزال حيا».

وفى تلك التحقيقات ايضا قال يوسف رشاد كبير اطباء اليخوت الملكية: «سمعت من زميلى الدكتور احمد شكيب الطبيب الشرعى أن البنا ترك ليموت بالنزيف من الشريان وكان يمكن إنقاذ حياته بمبضع بسيط لو أسعف فى حينه».

جنازة البنا للنساء فقط

لاشك أن جنازة حسن البنا كانت من أصعب المشاهد على ذويه وأهله، لما تم مع أهله من تعسف وإذلال، حسب وصف صحيفة الكتلة الناطقة باسم حزب الكتلة الذى يرأسه مكرم عبيد، حيث وصل الجثمان الذى شيع على أكتاف النساء إلى مسجد قيسون الذى أخلاه البوليس قبل وصوله من المصلين وحتى الخدم كى لا يصلى على الجثمان. وفى المساء منع أفراد الأسرة من إقامة العزاء ومُنع المعزون من الدخول، ومن استطاع قادوه إلى المعتقل كما جاء بكتاب «من قتل حسن البنا» وأيضا كتاب «العقد الفريد» شخص واحد فقط استطاع الوصول وتقديم واجب العزاء، وهو مكرم عبيد.