ظهور المحامي المنتظر.. أسوأ رواية طويلة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث


'ظهور المحامي المنتظر.. أسوأ رواية طويلة'

بقلم: عبد الحليم الكناني

الفصل الأول

عبد الناصر بعد إطلاق الرصاص في المنشية

الهروب الكبير.. وظهور المحامي المنتظر

(1) موجز الأنباء- القاهرة في 11/11/1954 م وكالات الأنباء

"عقد مجلس نقابة المحامين المصرية برئاسة عمر عمر نقيب المحامين اجتماعًا طارئًا للبحث في طلب مكتب الادعاء التابع لمحكمة الشعب، والذي خاطب النقابة بشأن انتداب بعض المحامين للترافع عن محمود عبد اللطيف المتهم بالشروع في قتل رئيس الوزراء المصري جمال عبد الناصر، وبالفعل اتصل مجلس النقابة ببعض المحامين.. ولكنهم رفضوا جميعًا.. وهؤلاء غير الثلاثة الذين طلبهم المتهم بالاسم ورفضوا الترافع عنه بشدة"

مَن هو هذا المتهم البائس الذي رفض الجميع الدفاع عنه؟.. وما تهمته الغريبة؟ وما حكايته العجيبة؟

(2) الأنباء بالتفصيل: الهروب الكبير للمحامين الكبار

محمود عبد اللطيف

تبدأ الرواية العجيبة في يوم الثلاثاء 9 نوفمبر 1954 م حين بدأت محاكمة المتهم البائس محمود عبد اللطيف، وننقل بعضًا من تفاصيل الجلسة الأولى:

قال رئيس المحكمة:

أنت متهم بأنك في يوم 26 أكتوبر 1954 م وما قبله في مدينتي القاهرة والإسكندرية أولاً: بالاشتراك مع آخرين في تنفيذ اتفاق جنائي، الغرض منه إحداث فتنة دامية لقلب نظام الحكم، وذلك بإنشاء نظام خاص سري مسلح للقيام باغتيالات واسعة النطاق، وارتكاب عمليات تدمير بالغة الخطورة وتخريب شامل في جميع أرجاء البلاد تمهيدًا لاستيلاء الجماعة التي تنتمي إليها على مقاعد الحكم بالقوة. وثانيًا: بالشروع في قتل البكباشي أركان حرب جمال عبد الناصر رئيس الحكومة تنفيذًا للاتفاق الجنائي المشار إليه في الفقرة الأولى.. مذنب أم غير مذنب؟

لم يرد المتهم محمود عبد اللطيف..

قال رئيس المحكمة: سمعت الادعاءات التي قلتها.. فاهم الادعاء الذي عليك؟

المتهم: نعم.

رئيس المحكمة: مذنب أم غير مذنب؟

المتهم: مذنب! (وكانت هذه أولى مفاجآت المحكمة.. أنْ يقر متهم أنه مذنب.. مهما كانت التهمة الموجهة إليه.. وكأنه يتعمد أن يقطع على نفسه أبواب الأمل).

المدعي العام: المتهم لما أعلناه بالادعاءات سألنا إذا كان له محام فقال ليس عنده محام، وقانون تشكيل المحكمة لا يستلزم وجود محام مع المتهم، والقضية جاهزة ونطلب نظرها.

(وكانت هذه ثاني أعاجيب المحكمة.. فلا داعي لوجود محامٍ يترافع عن المتهم حسب قانون تشكيل المحكمة).

يتساءل رئيس المحكمة: المتهم عايز حد يدافع عنه؟

المتهم: عايز (يتمسك المتهم بهذا الخيط من الأمل.. ويطلب محامي).

رئيس المحكمة: عايز مين؟

المتهم: محمود سليمان الغنام.

رئيس المحكمة: مَن؟

المتهم: محمود سليمان الغنام المحامي.

رئيس المحكمة: وإذا كان سليمان غنام ما يرضاش؟ (هذا السؤال الغريب.. لم يُوجه إلى أي متهم آخر مطلقًا.. وكأن القاضي كان يتنبأ الغيب).

المتهم: فتحي سلامة.

رئيس المحكمة: وإذا كان سلامة ما يرضاش؟ (يتكرر السؤال الفذ.. ويتكرر توقع الرفض.. لماذا؟)

المتهم: مكرم عبيد

رئيس المحكمة: وإذا كان ما يرضاش؟ (يتكرر للمرة الثالثة.. أهو يقين أنهم سيرفضون أم ماذا؟).

المتهم: يبقي أي واحد! (يتعلق المتهم ببصيص من الأمل.. لعله)

رئيس المحكمة: أي واحد؟!.. طيب!!.. الادعاء يتصل بالمحامين اللي قال عنهم المتهم بحسب ترتيبهم فإذا رفضوا ينتدب له محام للدفاع عنه (إصرار على توقع الرفض.. ووضع الحل البديل الجاهز).

وتتأجل القضية 48 ساعة لجلسة الخميس 11 نوفمبر الساعة العاشرة صباحًا.. رُفعت الجلسة"!

(3) لقاء في المنفى مع الكبار الهاربين

قالت جريدة "الأخبار" إنَّ المحامين الثلاثة الكبار اعتذروا عن الدفاع عن محمود عبد اللطيف في هذه القضية (تمامًا كما توقع رئيس المحكمة!!

ياللبصيرة النافذة والفراسة التي لا تخيب.. اتقوا فراسة العسكر فإنهم يرون ما وراء الجدر). وعندما سألتهم "الأخبار" أعطى كل واحد منهم أسبابه للرفض:

قال سليمان الغنام: أنا لا أوافق إطلاقًا لأني أستنكر كل الاستنكار هذه الجريمة البشعة، وقلبي وشعوري معكم، فلا أستطيع بأي حال تولي هذه المهمة والدفاع عن مجرم أثيم.

ويبدو أن هذا المتهم اختارني لأني من مركز إمبابة وهو يعرف اسمي عن هذا الطريق. فأنا لم أسمع باسمه إلا بعد جريمته النكراء الشنيعة!.

وقال فتحي سلامة: أنا أرفض الدفاع عن هذا المتهم لأني محام ولي شعور وطني ولأني احتقر هذا المجرم.. كيف أرغم نفسي على الدفاع عنه؟ إنني لن أجد كلامًا أقوله، ولو تكلمت عن الرأفة فسأكون مخالفًا لضميري كل المخالفة؛ لأن جريمة محمود عبد اللطيف لا تحتمل الرأفة، وقد أرسلت برقية إلى رئيس المحكمة بهذا المعنى.

وقال مكرم عبيد: هذا غريب.. وهذا عجيب..أنا طول حياتي لم أرَ هذا المتهم ولا هو رآني، وأنا لا أستطيع الدفاع عمن يعتدي على جمال عبدالناصر، ماذا يبقى بعد ذلك؟!!، إنه جُرم خطير وأنا لا أُمانع في حالة ما إذا كانت الجريمة جريمة قتل عادية.. لكن هذه الجريمة موجهة إلى قلب الوطن.. مستحيل.. مستحيل!

(هذا الرفض القاطع الذي جاء كما توقع القاضي العجيب تمامًا.. بمَ يُوحي للقارئ.. وهل لنا أن نتساءل:

هل كانت الجريمة من البشاعة بحيث تبرر رفض المحامين للدفاع عن المتهم؟ كلا.. فهي محاولة اغتيال سياسي.. (ليست جريمة تجسس أو دعارة أو تجارة مخدرات.. إلخ).

هل كانت أول جريمة محاولة اغتيال سياسي تحدث في مصر؟

كلا.. لقد سبقتها عشرات بل مئات القضايا.. بعضها شروع في اغتيال، وبعضها اغتيال حدث فعلاً.. بل والعجيب أنَّ أحد قضاة المحكمة العجيبة (أنور السادات) شارك فعليًّا في عملية اغتيال أمين عثمان باشا وقُدِّم للمحاكمة وترافع عنه كبار المحامين.

هل سبق أن رفض المحامون الترافع عن متهم في قضية اغتيال سياسي؟

لم تحدث هذه السابقة من قبل، وهذه أمثلة من أشهر قضايا الاغتيالات السياسية التي حدثت بمصر:

في قضية محاولة اغتيال نسيم باشا يوم 12/6/1920 م (اتهم فيها إبراهيم حسن مسعود) حضر معه جمع من المحامين ترافعوا أمام المحكمة العسكرية.

وفي قضية الشروع في قتل صدقي باشا: اتهم محمد طه أبو زيد بمحاولة قتله، ولم يتخلَّ عنه المحامون في حين تخلَّى عنه والده وتبرأ منه نفاقًا وخنوعًا.

وفي قضية القنابل الأولى (اتهم فيها د. نجيب إسكندر وآخرون) وترافع عنهم نوابغ المحامين: لطفي جمعة ومحمد عرفة ومحمد أمين عامر.

وفي قضية القنابل الثانية (اتهم فيها عبد القادر بك مختار وآخرون) ترافع عنهم مَن سبق ذكرهم بالإضافة لمحمد علي علوبة باشا.

ويقول المحامي الشهير الأستاذ شوكت التوني:

"قُتل حكمدار العاصمة، وقُتل أمين عثمان باشا وزير المالية، وقُتل أحمد ماهر باشا رئيس الوزراء، وقُتل النقراشي باشا رئيس الوزراء، وشُرع في اغتيال ابراهيم عبد الهادي باشا رئيس الوزراء، واستنكر الناس هذه الجرائم وكرهوا مرتكبيها، ولكنَّ هؤلاء القاتلين وجدوا من المحامين نفرًا كريمًا يتطوع للدفاع عنهم في الموقف النكد".

فهل حقًا أبلغوا ورفضوا؟ ذلك غريب وعجيب وغير مسبوق.

أم أن مكتب الادعاء وهيئة المحكمة دبَّرت الأمر بليل، وعاونتها الصحافة على هذا الدجل المفضوح؟

ولا يستطيع المحامون في تلك الظروف وهذا المناخ أن يكذبوه؟.

(4) نقابة المحامين وابحث معنا عن محامٍ

"وقالت الصحف استكمالاً للخبر السابق، والذي أملاه عليها مكتب الادعاء: إنَّ مكتب الادعاء خاطب نقابة المحامين فاجتمع مجلس النقابة في الحال برئاسة عمر عمر نقيب المحامين واتصل ببعض المحامين.. ولكنهم رفضوا جميعًا".

(وهذا أمر غريب على نقابة المحامين.. وعلى المحامين أجمعين.. فمما يذكره لها التاريخ بأسطر من نور أنها في 3 نوفمبر سنة 1919 م اجتمعت برئاسة نقيبها عبد العزيز فهمي باشا، وأصدرت احتجاجًا شديد اللهجة على منع المحامين من الحضور مع المتهمين في التحقيقات، وكان المناخ السائد في البلاد أشد رهبة ودموية).

(5) المفاجأة: ظهور المحامي المنتظر

حمادة الناحل المحامي

(وبعد أن يئس المتهم ويئسنا معه من العثور على محامِ واحد يقبل الدفاع عنه، وسلم أمره إلى الله.. حدثت المفاجأة.. وظهر المحامي المنتظر.. ولا تسل كيف ظهر.

فقد عُقدت الجلسة الثانية لمحاكمة محمود عبد اللطيف يوم الخميس 11 نوفمبر وكانت المفاجأة:

رئيس المحكمة للمتهم: سمعت الادعاء الذي عليك، وقلت إنك مذنب.. ما أقوالك؟ السيد حمادة الناحل رايح يترافع عنك.. وأحب أن أقول إن المحكمة تشكره على تطوعه للدفاع عنك.

المحامي حمادة الناحل: وأنا بدوري أشكر المحكمة على هذه الثقة أدعو الله أن يوفقني في مهمتي.

(لماذا هذا المحامي بالذات؟ وكيف اختير.. وكيف ظهر.. وما الدور الذي قام به.. في الجلسات سيأتيك الخبر).

الفصل الثاني

المحامى المنتظر .. وشهود النفى التعساء

هل قرأ المحامي المنتظر أوراق القضية والتحقيقات قراءة منصفة متدبرة؟ أشك في ذلك كثيرًا.. أو أنه قرأها وتعامى عن كثير من الثغرات الموجودة فيها.. وهذا الظن أقرب لليقين.

ومبعثه تساؤلات كثيرة واضحة كانت تحتاج إلى بيان وردود:

هل تساءل المحامي المنتظر: لِمَ لَمْ تستدعِ المحكمة شهود الإثبات؟

هل تساءل المحامي المنتظر: أين الثلاثة الآخرون الذين قُبض عليهم مع المتهم (محمد عامر حماد- محمد إبراهيم دردير- الحسيني السيد عزام)؟ ولماذا اختفوا ولم نسمع عنهم شيئًا بعد ذلك؟

هل تساءل المحامي المنتظر: أين العسكري إبراهيم حسن الحالاتي الذي قَبض على المتهم؟ ولماذا اختفى ولم يظهر بعد ذلك مطلقًا؟.

هل تساءل المحامي المنتظر: م اسر اختلاف الطلقات التي عُثِرَ عليها عن نوعية المسدس المضبوط معه؟

هل تساءل المحامي المنتظر: عن سر حكاية خديوي آدم.. والمسدس الذي عُثِرَ عليه.. والثغرات المحيطة بها؟.

لو قرأ المحامي المنتظر أوراق القضية.. بل أوراق الصحف فقط لاستنتج منها عشرات الثغرات التي يستطيع منها أن يدافع عن موكله.. ويُحاول بها أن ينقذ رقبته.. لكنه لم يفعل شيئًا من ذلك.. لماذا؟

أهي قلة خبرة وضعف كفاءة؟ كلا.. فهو من مشاهير المحامين.

إذنْ فما تفسير هذا السلوك العجيب؟!!

الغريب: أن المحامي المنتظر نزل علينا فجأةً في الجلسة الثانية، وجاءوا له بشهود النفي، وكأنهم كانوا له منتظرين (شهود النفي يأتون بناءً على طلب المحامي أو المتهم، ويفترض أن يستفيد من شهادتهم لمصلحة موكله).. ولكن انظر كيف تعامل المحامي مع شهود النفي؟:

1- عدم مناقشة الشهود في تفاصيل الحادث ومقدماته:

والبحث عن أي ثغرة يبرئ بها موكله أو يخفف من عقوبته بقدر ما دارت المناقشة حول إدانة الجماعة واستهجان مواقفها والتعليق على بعض الأحداث السابقة من تاريخها.

2- عدم الاستفادة من الثغرات التي ظهرت أثناء مناقشة النيابة والقاضي للشهود: وهذه ثغرة هامة وخطيرة ظهرت أثناء مناقشة الشاهد إبراهيم الطيب، وعدم تعرفه على الطبنجة التي عرضوها عليه، وأنكر أنها الطبنجة التي سلَّمها لهنداوي دوير.. وهرب رئيس المحكمة من هذه الورطة بأن قال له في سماجة: تشتريها بكام؟.. وسكت المحامي المنتظر وكأنَّ الأمر لا يعنيه ولا يعني موكله المتهم المسكين.

محكمة الشعب- الجزء الثالث- محاكمة محمود عبد اللطيف

شاهد: إبراهيم الطيب

الرئيس للشاهد: هي دي الطبنجة؟

الشاهد: أنا لم أسلمه هذه الطبنجة إطلاقًا.

الرئيس: تشتريها بكام؟

الشاهد: أنا متأكد يا أفندم من كلامي

3- السخرية من الشهود وتوجيه الإهانات الجارحة لهم: والتي تمس أخلاقهم وضمائرهم ونياتهم وإيمانهم (مما اضطر رئيس المحكمة نفسه أن يلفت نظره لذلك؛ بل إن يذكره بأنهم (شهود نفي) جاءوا بناءً على طلب المتهم والمحامي ولمصلحة المتهم.

يقول المحامي الكبير الأستاذ محمد شوكت التوني بخصوص شهادة الشهود: "يجب أن يقدر للشاهد قدره كإنسان، ويُعطى من الاحترام ما يجب إعطاؤه لكل إنسان لم يقترف إثمًا أو بالأصح لم يثبت عليه جرم".

محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف

شاهد: حسن الهضيبي:
مشهد آخر:

الرئيس: أرجو الدفاع أن لا ينسى أنه هو الذي طلبه شاهد.. يعني الشاهد ده بتاعك، فلا يجب إن يكون هناك حاجة عصبية بين الدفاع والشاهد الذى طلبه (ضحك).

محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف

- شاهد :حسن الهضيبي:

مشهد آخر:

الدفاع: ماهي ثقافة يوسف طلعت؟

الشاهد: لا أعرف

الدفاع: هل فعلاً يوسف طلعت رئيس الجهاز السري؟

الشاهد: حضرتك تسميه الجهاز السري وأنا لا أسميه الجهاز السري.

الدفاع : سميه زى ما أنت عاوز

الرئيس: سميه النظام الخاص

الدفاع: أنا‍!! لا يملك هو ولا ألف زيه إنهم يملوا عليَّ تسمية معينة.

الرئيس: نرجو ألا تتعرض لكرامة الشاهد إطلاقًا.

الدفاع: وهو أيضًا في كلامه تجريح لي.. ليس له أن يفرض

(الرئيس: في معنى "ولا ألف زيك" تجريح لكرامة الشاهد).

الدفاع: وهو أيضًا لا يتعرض لكرامتي.. على تسمية

مشهد آخر:

الدفاع : ترى هل تؤمن بالحديث الذي يقول "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وهو أضعف الإيمان" هذا حديث أم لا ؟

الشاهد: نعم حديث.

الدفاع: ما هي مرتبة إيمانك بالنسبة لهذا الحديث؟

(الرئيس: نرجو عدم التعرض لإيمان الشاهد).

الدفاع: الشاهد..

(الرئيس: لا تتعرض لإيمان الشاهد لأن هذا شيء يخصه بينه وبين ربه وربنا الذي خلقه).

مشهد آخر:

الشاهد: إذا كان فيه منشورات أنا عملتها، قلْ لي عليها وأنا أقول أنا عملتها.

الدفاع: أنا لا أقول أنك عملت منشورات.. أنا أقول هل تدري عنها شيئًا؟

الشاهد: لا أدري.

الدفاع: آخر سؤال حاسأله ولك أن تجيب عليه أولا تجيب عليه..

الشاهد: نعم

الدفاع: هل تعرف قول الشاعر:

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة

وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم

الشاهد: آه أعرفه.. نعم (ضحك).

4- مقاطعة الشهود دائمًا وعدم تمكينهم من إكمال ردودهم على الأسئلة:

إذا كانت لا تسير في الاتجاه الذي يريده من التهجم على الجماعة وقيادتها ومواقفها، (مما اضطر رئيس المحكمة نفسه من لفت نظره لذلك).

محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف

- شاهد: حسن الهضيبي:

الدفاع: هل تعتقد أن رئيس أي هيئة حينما يعتصم بالسلبية المطلقة في إجابته يشرف هذه الهيئة أم لا؟

الشاهد: لا.. ولكن لازم حضرتك تلاحظ الظروف.

(الرئيس: الشاهد لا يجاوب على هذا السؤال).

الشاهد: طيب

الدفاع: هل من شأن رئيس أي هيئة أن يلم بشئونها المالية- وشئونها المالية هي عصبها- أم لا؟

الشاهد: الذين يعملون في هذه المسائل لعلهم أقدر مني، وهم فعلاً أقدر مني.

الدفاع: أنا معك أنهم أقدر منك لأنهم..

(الرئيس: يترك السيد الدفاع الفرصة علشان الشاهد يجاوب).

5- التهجم على جماعة الإخوان وتجريح تاريخها وقيادتها وشخصياتها المعروفة:

(مما اضطر رئيس المحكمة نفسه- رغم ما كان عليه من سلاطة لسان- أن يوقفه عن التمادى في هذا المسلك الشائن الذى جاوز به كل الحدود).

محكمة الشعب- الجزء الثالث- محاكمة محمود عبد اللطيف

- شاهد: إبراهيم الطيب:

الدفاع: سؤال أخير.. هل كان من قبيل المصادفة وحدها أن تكتشف وزارة الداخلية مؤامرة صهيونية هدفها الفوضى والحيلولة بين مصر وبين كمال الاتفاقية في نفس الوقت الذي يبين فيه أن هناك جهازًا سريًّا للإخوان هدفه الانقلاب عن طريق الفوضى أو الفوضى عن طريق الانقلاب؟

الشاهد: أنا طبعًا لم يصل لعلمي شيء عن المؤامرة الصهيونية.

الدفاع: ده نشرته كل الجرائد.

الرئيس: باعتباره محامي في مكتب عبد القادر عودة لا يصح أن يقرأ حاجة عن الصهيونية.. لو قرأها في الجرنال يقول استغفر الله العظيم (ضحك)

الشاهد: أنا مدى معلوماتي أن الإخوان كانوا بيقفوا مواقف باستمرار..

الدفاع: أنا لا أسألك عن الإخوان.. دي مصادفة أم لها أصل؟

الشاهد: لا أعتقد أن الإخوان أداة للصهيونية

الدفاع : لا تعتقد أن الإخوان أداة للصهيونية؟

الشاهد : لا

الدفاع : ولو من غير اتفاق؟

الشاهد: لا

مشهد آخر:

الدفاع: بماذا تعلل استنكار العام الإنساني كله لأعمال الإخوان فيما عدا راديو إسرائيل فقد أقرها ودافع عنها؟

الشاهد: لم أسمعه، ولم أسمع صدى الجرايد بالخارج

الدفاع : لم تسمعه، ولم تسمع صدى الجرايد بالخارج؟

الشاهد: نعم

الدفاع: وإذا كنت أنا أنقل لك هذا الخبر.. هل تصدقني؟

الرئيس: ليه.. إنت من الإخوان؟! (ضحك).

محكمة الشعب- الجزء الرابع- محاكمة محمود عبد اللطيف

- شاهد: حسن الهضيبي:

الدفاع:هل تعرف شيئًا عن ثروة محمد فرغلي؟

الشاهد: لا

الدفاع: هل تعرف شيئًا عن مرتبه؟

الشاهد: لا أبدًا

الدفاع: أتعرف شيئًا عن عمله؟

الشاهد: أنا أسمع على ما أفهم أنه واعظ في الإسماعيلية.. هذا كل الذي أعرفه

الدفاع : وبمرتب محدود أم كبير؟

الشاهد : لا أعرف ولم أسأل.. هل الحكومة تعطي مرتبات غير محدودة؟.. أنا لم أسأل عن هذه النقطة.. أنا لا أعرف إلا أنه من الإخوان المسلمين.

الدفاع: هل تعرف أن محمد فرغلي يمتلك عزبة في الإسماعيلية مساحتها عشرين فدانًا مزروعة بالفواكه؟

الشاهد: والله لا أدري .. لا أعرف

الدفاع: هل تعرف أن لمحمد فرغلي عمارتين في الإسكندرية؟

الرئيس: لا داعي للتعرض للحاجات الخاصة دي.

الشاهد: أنا لا أعرف.

الدفاع: أقدر أُبيِّن مصلحتي في هذا السؤال؟ هذا الرجل ضلل.

الرئيس: والله إذا كان التضليل إنك عاوز تشرح الشخص نفسه، فهذا ليس من اختصاص المحكمة.

الدفاع: أنا عاوز أبين أن محمود عبد اللطيف مُضلَّل..

الرئيس: هو ما ضللشي بالعزبة بتاعة محمد فرغلي ولا بالعمارتين اللي في إسكندرية..

الدفاع: أنا عاوز أقول إن مصدر هذا هو إن محمد فرغلي كان يأخد الأسلحة من الضباط الأحرار ويبيعها مرتين.

الرئيس: محمد فرغلي استفاد من هذه العملية ولكنه لم يضلل محمود عبد اللطيف بالعزبة والعمارتين.. وهذه المسائل لا تدخل إطلاقًا في التضليل.. ولا تدخل إطلاقًا في اختصاص هذه المحكمة.

الدفاع: وهو كذلك..

مشهد آخر:

الدفاع: هل يشترط في أعضاء مكتب الإرشاد شروط خاصة من حيث الصلاحية.. يعني أي واحد ممكن يعين أو لابد توافر شروط خاصة؟

الشاهد: شروط الصلاحية والأخلاق

الدفاع: مارأيك في صلاحية عبد الحكيم عابدين؟

الرئيس: لا تجب على هذا السؤال.

الفصل الثالث

الطريق الى المشنقة.. مرافعة المحامي المنتظر

تستحق أن تُسمى "أعجب مرافعة في تاريخ المحاماة" إنها مرافعة دفاع.. لكنها أقوى في إثبات التهم من مرافعة الادعاء نفسه، إنها لا تلف حبل المشنقة حول المتهم وحده، بل حولجماعة الإخوان المسلمين بأكملها، وهذه مقتطفات منها:

"وإذن ففي استطاعتنا أن نتساءل بعد ذلك ماذا سجَّل الإخوان الإرهابيون لبلادهم، سيبقى لهم فضل تسجيل أنهم ابتكروا وأول مَن ابتكروا في العالم المتمدين..أتدرون ماذا اخترعوا أول ما اخترعوا في العالم المتمدين..اخترعوا الإنسان الآلي الذي يُضغط على زرٍ فيه فإذا به يتحرك كما يشاء المحرك.. حاولت الإنسانية طويلاً أن تخترع الإنسان الآلي فعجزت.. ولكن اخترع الإخوان الإرهابيون هذا الإنسان الآلي.. فسجلوا خزيًا عالميًّا".

"ولقد اتفق معي الأستاذ عبد الرحمن صالح (المدعي العام) حينما قال إنه لا يستغرب أن يختلف رجال الثورة مع هؤلاء لأن رجال الثورة أحرار فهذا صحيح.. وآية هذا أولاً: موقفهم من فاروق، فلقد سُجلوا في التاريخ لا في التاريخ الحديث فقط، ولكن في العالم المتمدين كله.

وثانيًّا : موقفهم من إنجلترا كان وكان تدبير الرجال لا تهريج الصغار واستهدفوا بلادهم ومصلحتها ولم يستهدفوا الديماجوجية الساقطة.. والتي كان يُقال لها لم فعلت هذا فيقال لاستجابة الجماهير.

وثالثًا: لأنهم قدموا لنا جمال عبد الناصر.. وجمال عبد الناصر إذا لم يكن له سوى موقفه خلال هذه الرصاصات الطائشة لكان مثلاً رفيعًا من حق الأجيال أن تفاخر به..جمال عبد الناصر حينما أُطلقت عليه الرصاصات الطائشة..

الرئيس: فوِّت والله جزء جمال عبد الناصر.

الدفاع: إذا سمحت لي المحكمة بدقيقة لأن هذا جزء من الدفاع..

الرئيس: مش داخل في موضوع القضية..

الدفاع: ده مجني عليه

الرئيس: مفيش داعي للتعرض إليه"

"كنت أتمنى حقيقة ومن أعماق قلبي أن يجيء الهضيبي هنا وخميس ومن إليهم.. ليقفوا كرجل.. ويقولوا هذا هو إيماننا حاسبونا عليه.. تريدون إرهابًا؟.. نعم.. تريدون انقلابًا؟ نعم.. دبرنا وفشلنا.. كنت أتمنى هذا لكي يرتفع رأسي حتى بالمخطئين من مواطني.. ولكن مع الأسف الشديد كانوا يقدمون المتهمين في الثورة الفرنسية فيقولون لقضاتهم.. هذه هي الحقيقة على ألسنتنا.. وهذه رؤوسنا على أكفنا.. فخذوا الثانية ولكن بعد أن تسمعوا الأولى.. جزوا رؤوسنا.. ولكن بعد أن تسمعوا الحقيقة.. هذا في فرنسا وفي غيرها من بلاد الحرية.. ولكن هل خلت مصر من هذا المعنى.. لا..

ولكي يكتمل إيماننا ببلدنا يجب أن نعرف بأن الشيخ العدوي منذ حوالى 70 عامًا قُدِّم إلى محكمة عسكرية غداة دخول الإنجليز.. وكانت تحكم بالإعدام.. فواجهوه باتهاماتهم وقالوا له هل كتبت هذه المنشورات التي تُعلن فيها أن الخديوي توفيق خائن لأنه تعاون مع الأعداء.. ويريد أن يمكن لهم من احتلال البلاد.. فأجاب الشيخ العدوي منذ سبعين عامًا بعد أن اتكأ بيديه على منضدة العسكريين الذين يحاكمونه وقال لهم: نعم.. لقد وقَّعتُ هذه المنشورات واكتبوا لي مثلها لأوقعها من جديد..

فلم تجدب مصر من رجالاتها بل كانت دائمًا سخية بهم.. ولكن الإخوان لم يريدوا أن يقفوا هذا الموقف لسبب واحد، وهو أن الشيخ العدوي كان يخدم فكرة نظيفة كان يؤمن بمثل عليا.. فسجَّلها وأراد أن يدفع حياته في سبيلها.. أما اليوم فالإخوان الإرهابيون.. لا أجد لهم مثيلاً في التاريخ.. إلا.. بلاش أمثلة.."

الخاتمة

وهل هناك خاتمة غيرها.. بعد هذه المحاكمة العجيبة.. وهذا القاضي العجيب.. وذلك المحامي العجيب.. ماذا ينتظر أن يكون الحكم غير ما صدر:

"في الساعة الحادية عشرة من صباح السبت 4 ديسمبر سنة 1954 م أصدرت محكمة الشعب حُكمها بإعدام المتهم محمود عبد اللطيف شنقًا".