الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الحرب النفسية على الإخوان.. محطات وإشارات»
سطر ٨١٥: | سطر ٨١٥: | ||
===عمليات غسيل المخ بقيادة صلاح نصر=== | |||
====عمليات غسيل المخ بقيادة صلاح نصر==== | |||
'''أما عملية غسل المخ وهى احد الوسائل التي اعتمد عليها عبد الناصر في حربه ضد الإخوان وأوكل المهمة لمدير مخابراته صلاح نصر وقام صلاح نصر بالعديد من الإجراءات منها:''' | '''أما عملية غسل المخ وهى احد الوسائل التي اعتمد عليها عبد الناصر في حربه ضد الإخوان وأوكل المهمة لمدير مخابراته صلاح نصر وقام صلاح نصر بالعديد من الإجراءات منها:''' | ||
سطر ٩٥١: | سطر ٩٥٢: | ||
لم ينس حمزة البسيوني ذلك لعبد المجيد الشاذلي ففي يوم من الأيام وفي عودتنا من المحاضرة في المساء إلى السجن الكبير اختفى عبد المجيد الشاذلي ولم يعد معنا إلى زنزانته . . ولم نعرف مصيره إلا بعد عدة أيام . .بل عدة أسابيع . . فعرفنا أنه عزل في سجن رقم 3 في زنزانة واحدة وهدد بالقتل وسووم . . طالت الدروس الجماعية وضاقت بها نفوسنا ولكنها كانت فرصة لنرتاح من طوابير التعذيب التي كانت تستمر طول النهار . . وجاء شهر يونيو 1967 وكان قد فشل كل الذين أتوا بهم ليحاضروننا في المهمة التي جاءوا من أجلها فانقطعوا كلهم إلا واحدا هو محمد بن فتح الله بدران وقيل أنه قريب لشمس بدران وحقيقة كان رجلا ألعبانا بالألفاظ وعلى قدر كبير من التصنع والتفيقه . . وكان ذا دلال على حمزة البسيوني واستمر الشيخ بدران في محاضراته حتى إذا كان آخر شهر مايو سنة 1967 قال لنا انه سيجري لنا امتحانا يوم الاثنين 5 يونيو 1967 . . يوم الهزيمة التي قسمت ظهر عبد الناصر وزلزلت سلطانه كان الشيخ بدران يقول بعد الامتحان سنقسمكم إلى فئات الأوائل منكم فئة " أ " ثم فئة " ب" ثم فئة " ج " وستعطي المميزات كلها للفئة " أ " . . ولم يعد يخيفنا الامتحان وطبعا كنا مصممين على أن نكون " ج " – لأن " جهنم الدجال " هي جنة الله ! ! | لم ينس حمزة البسيوني ذلك لعبد المجيد الشاذلي ففي يوم من الأيام وفي عودتنا من المحاضرة في المساء إلى السجن الكبير اختفى عبد المجيد الشاذلي ولم يعد معنا إلى زنزانته . . ولم نعرف مصيره إلا بعد عدة أيام . .بل عدة أسابيع . . فعرفنا أنه عزل في سجن رقم 3 في زنزانة واحدة وهدد بالقتل وسووم . . طالت الدروس الجماعية وضاقت بها نفوسنا ولكنها كانت فرصة لنرتاح من طوابير التعذيب التي كانت تستمر طول النهار . . وجاء شهر يونيو 1967 وكان قد فشل كل الذين أتوا بهم ليحاضروننا في المهمة التي جاءوا من أجلها فانقطعوا كلهم إلا واحدا هو محمد بن فتح الله بدران وقيل أنه قريب لشمس بدران وحقيقة كان رجلا ألعبانا بالألفاظ وعلى قدر كبير من التصنع والتفيقه . . وكان ذا دلال على حمزة البسيوني واستمر الشيخ بدران في محاضراته حتى إذا كان آخر شهر مايو سنة 1967 قال لنا انه سيجري لنا امتحانا يوم الاثنين 5 يونيو 1967 . . يوم الهزيمة التي قسمت ظهر عبد الناصر وزلزلت سلطانه كان الشيخ بدران يقول بعد الامتحان سنقسمكم إلى فئات الأوائل منكم فئة " أ " ثم فئة " ب" ثم فئة " ج " وستعطي المميزات كلها للفئة " أ " . . ولم يعد يخيفنا الامتحان وطبعا كنا مصممين على أن نكون " ج " – لأن " جهنم الدجال " هي جنة الله ! ! | ||
===نموذج آخر من حرب الإشاعات ضد الإخوان=== | ===نموذج آخر من حرب الإشاعات ضد الإخوان=== |
مراجعة ١٣:١٧، ٩ سبتمبر ٢٠١١
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
- بقلم/ السعيد العبادى
مقدمة
عانت جماعة الإخوان المسلمين كثيراً من ما يسميه البعض الحرب النفسية والتي غالباً تهدف لتغيير أفكار أو معتقدات الشخص أو المجموعة المستهدفة ويدخل في إطار هذه الحرب النفسية التشويه الإعلامي وحملات التخوين والارتباط بالخارج والتي استهدفت جماعة الإخوان بانتظام وخاصة مع زيادة حدة المواجهة بين الإخوان والنظام الحاكم منذ ثورة يوليو 1952 وربما يكشف عن بداية هذه الحرب الوثيقة التي نشرها الشيخ محمد الغزالي في كتابه "قذائف الحق" والتي تكشف عن اجتماع بقيادة رئيس المخابرات العامة المصرية لوضع إستراتيجية لمواجهة ومحاربة فكر الإخوان وتنوعت الحرب النفسية ضد الإخوان من الهجوم الإعلامي وعمليات غسيل المخ وتلفيق القضايا لتشويه صورة الإخوان .
قال الإمام الشهيد حسن البنا:
العقبات فى طريقنا: أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقى منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية، وستجدون أمامكم كثيرًا من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات، وفى هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات. أما الآن فلا زلتم مجهولين، ولا زلتم تمهدون للدعوة، وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد. سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة فى طريقكم، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم فى سبيله، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان، وستقف في وجهكم كل الحكومات على السواء، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم.
وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم، وسيستعينون فى ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدى الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان. وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة، وأن يظهروها للناس فى أبشع صورة، معتمدين على قوتهم وسلطانهم، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾[التوبة: 32]. وستدخلون بذلك -ولا شك- فى دور التجربة والامتحان، فتسجنون وتعتقلون، وتنقلون وتشردون، وتصادر مصالحكم، وتعطل أعمالكم، وتفتش بيوتكم، وقد يطول بكم مدى هذا الامتحان: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾[العنكبوت: 2]. ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ.......... فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ﴾[الصف: 10-14] فهل أنتم مصرون على أن تكونوا أنصار الله؟ ..(1)
هذه كلمات للإمام البنا من رسالة بين الأمس واليوم رسم فيها البنا منهاج الإخوان المسلمين ووضع فيها الأطر الحقيقة الواضحة للجماعة والتي كانت نبراساً واضحاً وبالفعل تحققت تلك التحذيرات وواجهت جماعة الإخوان المسلمين الأمرًيِن على مدار تاريخها سواء في العهد الملكي أو كانت المواجهة الأشد في عهد عبد الناصر ولكن بالرغم من هذا كله استطاعت دعوة الإخوان أن تنتشر في عموم قرى ومدن مصر فضلاً عن خارج مصر.
لذا سنتعرض من خلال هذا البحث بعض أنواع الحرب النفسية والتشويه التي قامت به الحكومات المتعاقبة ضد الإخوان المسلمين .
مفهوم الحرب النفسية
تعرف الحرب النفسية بأنها الاستعمال المخطط للدعاية ومختلف الأساليب النفسية للتأثير على آراء ومشاعر وسلوكيات العدو , بطريقة تسهل الوصول للأهداف .
أو ..
استخدام وسائل التخاطب الحديث بغرض الوصول إلى الجماهير المستهدفة لكي يتم إقناعهم بقبول معتقدات و أفكار معينة.
باختصار:
الحرب النفسية هي تهدف إلى تقوية الروح المعنوية لأفراد الأمة، و تحطيم الروح المعنوية للعدو.
تأثير الحرب النفسية
ينبع التأثير الأكبر للحرب النفسية من خلال تحطيم معنويات الخصم وجعله يدخل المعركة وهو موقن بالهزيمة فيها حتى لو كان هو الطرف الأقوى , لأنه يشعر بالضعف في داخله كرد فعل للدعاية التي تهاجم معنوياته وتشكك في قدراته وتبرز الطرف الآخر بصورة أقوى كثيرا مما هو في الواقع .
والهدف هو:
بث اليأس، و الاستسلام في نفوس العدو.تضخيم أخطاء العدو و ذلك لإحداث نوع من فقد الثقة بين الشعب و قيادته إضعاف الجبهة الداخلية للعدو، و إحداث الثغرات بها، و تشكيك الجماهير في قدرة قيادتها السياسية، و التشكيك بالقوة المسلحة.العمل على تفتيت الوحدة بين الأفراد و القوات المسلحة حتى لا يثقوا ببعضهم.
الدعاية (propaganda)
تعتبر الدعاية هي الأداة الرئيسية للحرب النفسية , وقد لعب دورا كبيرا جدا في تاريخ الحروب النفسية ونذكر كمثال أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وان خط بارليف من المستحيل تحطيمه والذي نجحت الدعاية الصهيونية في الترويج له بشكل كبير بعد حرب 1967 من اجل هزم العرب معنويا وقتل أي أمل لهم في نصر قريب , ووقتها تخيل الناس أن الاسرائليين من كوكب آخر ومن المستحيل هزيمتهم ولكن كل هذا تحطم بعد ان فطن العرب للخدعة الكبرى وتغاضوا عن كل هذا الهراء ونجحوا في تحطيم هذه الأسطورة.
أنواع الحرب النفسية
1. الحرب النفسية الإستراتيجية
تصمم لتحقيق أهداف عامة شاملة بعيدة المدى، و تتسق مع الخطط الإستراتيجية العامة للحرب، و هي تتميز بالشمول و الامتداد من حيث الزمان و المكان، و قد تستغرق وقتاً طويلا، عشرات السنين أو حتى مئات السنين، كما أن بُعدها المكاني قد يشمل المناطق المجاورة للهدف و أحياناً القارة كلها أو حتى الكرة الأرضية و ذلك حتى يتحقق الهدف، ثم تستمر بعد النصر لكي يتم تثبيت دعائمه.
أهداف الحرب النفسية الإستراتيجية:
- تثبيت خطط الدولة السياسية الخاصة بالحروب و شرح أهدافها و أغراضها.
- تأكيد العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الدولة على العدو.
- خفض الروح المعنوية بين العدو و أفراده.
- بث روح الكراهية داخل دولة العدو و بخاصة العناصر المضطهدة.
- إظهار التأييد الأدبي للعناصر الصديقة في إقليم العدو.
- تقديم المعاونة اللازمة لعمليات الدعاية التكتيكية.
- الظروف التي تسهل نجاح الحرب النفسية الإستراتيجية:
- الهزائم العسكرية التي يعانيها العدو.
- النقص في الحاجات الأساسية ، و المعدات الحربية للعدو.
- التضخيم النقدي الخطير لدى العدو.
- التعب، و إفتقار الثقة في القادة.
- نقص المواد الخام للازمة لاقتصاديات العدو.
- مظالم الحكم و عدم العدالة في ادارة دولة العدو
القيود على الحرب النفسية الإستراتيجية:
- من الصعب تقدير نتائج عمليات هذه الحرب لأنها طويلة الأمد، و قد يتعذر لمس النتائج لعدم توفر المعلومات الكافية في معظم الظروف.
- قد تقابل هذه الإجراءات، إجراءات أخرى مضادة في أرض العدو ، إذ أن العدو قد يلجأ إلى فرض عقوبات على أفراده العسكريين أو المدنيين في حال استمعوا على وسائل إعلام الخصم. مثل اعتماد إسرائيل في حربها على العرب و خاصة الفلسطينيين الحرب النفسية الإستراتيجية التي ما زالت منذ عشرات السنين.
2. الحرب النفسية التكتيكية
هي حرب الصدام المباشر مع العدو و الالتحام به وجهاً لوجه سواء بالحرب السياسية أو الاقتصادية أو المعنوية أو العسكرية ، و يستخدم في ذلك منشورات توزع بواسطة المدفعية و الطيران و مكبرات الصوت و الإذاعة اللاسلكية و الصحف و الكتيبات و المجلات التي تلقى من الطائرات.
أهداف الحرب النفسية التكتيكية:
- تثبيط معنويات العدو و كفاءته القتالية.
- تسهيل احتلال مدن العدو عن طريق توزيع الإنذارات
- معاونة الحرب النفسية الإستراتيجية بالحصول على معلومات أدق حول نقاط ضعف العدو
- تقديم المعلومات و التوجيهات اللازمة للعناصر الصديقة التي تعمل داخل منطقة العدو
- حث العدو على أن ينظر الى أسباب الحرب بنفس النظرة التي ينظرها الى أسباب حربه، و بذلك يضعف الحماس في قتاله
الظروف المساعدة في نجاح الحرب التكتيكية:
- الهزائم المتكررة للعدو، و الخسائر الفادحة التي يُصاب بها.
- موقف العدو العسكري المزعزع
مدارس الحرب النفسية الإعلامية
1. مدرسة الفكر الإعلامي البرجوازى
ويمثلها الإعلام الغربي , وتهدف هذه المدرسة الى تصدير فكرة عن الغرب بأنه الخلاص لكل من يريد النجاة من التخلف والظلم والفقر , وكل ما دون الغرب يقف في اخر طابور الحضارة والتقدم …!
2. مدرسة الفكر الإعلامي التبعى
وتتمثل هذه المدرسة في إعلام الدول النامية والذي يقدم ما يمليه الغرب عليه من افكار وتصورات يريد الغرب أن يوصلها لهذه الشعوب النامية بطريق غير مباشر كى يهزموا هذه الشعوب معنويا وقتل الأمل بين أبنائها
3. مدرسة الفكر الإعلامي المتلاعب
وتتمثل هذه المدرسة في الإعلام الانتهازي الغير هادف الذي يصدر أفكار تافهة للشباب لقتل الهمم ونشر الرذيلة والجهل في المجتمع , وترك المواضيع الهامة والحيوية والتركيز على تفاهات الأمور.
مشاهير الحرب النفسية
1. جوبلز
انه الدكتور/ جوزيف جوبلز , مدير الدعاية السياسية للحكم النازي ابان حكم هتلر في الحرب العالمية الثانية .
إن جوبلز قد قام بعمل لا يقل خطورة عن غزو القوات الألمانية لأوروبا إلا وهو ترويج الفكر النازى للشعب الالمانى وجعلهم يؤمنون به إيمانا مطلقا وكان هذا هو سر علو كعب ألمانيا في السنوات الأولى للحرب , انه نجح في ترسيخ شعار ( ألمانيا فوق الجميع ) داخل وجدان كل المانى من الطفل الصغير الى الشيخ العجوز , انه قد أعطاهم الإحساس بالقوة و علو الجنس الارى على باقي أجناس الأرض بفضل خطبه الرنانة وكلامه الذى لعب بمشاعر الملايين , وهذا ما جعل ايضا اعداء المانيا يرتعدون خوفا من اى شئ يمس المانيا بصلة …..!
2. الاسكندر الأكبر
يعتبر الإسكندر الأكبر من أقدم من استخدموا الحرب النفسية وقد استخدمها في حروبه كثيرا.
حيث كان من اساليبه صنع عدد كبير جداً من الدروع والخوذات الضخمة وكان يتركها خلفه في أى مكان يعبره بجيشه , ليجدها عدوه ويعتقد أن جيش الاسكندر به عمالقة من الرجال فيرتعد العو رعباً قبل أن يلتقي بجيش الإسكندر ويمتنع عن ملاحقته …!
3. جنكيز خان
كان من عادة القائد المغولي جنكيز خان أن يبعث أمام جيشه بمن ينشر وسط البلد المستهدفة كلاماً يدل على أعداد المغوليين الكبيرة وأفعالهم الوحشية من أجل بث الرعب في النفوس ..! كما أنه كان يقوم بخداع جيش عدوه , فيجعلهم يعتقدون أن جيشه أكبر من الواقع عن طريق مجموعة مدربة من الفرسان الذين كانوا يتحركون من مكان لأخر بسرعة كبيرة .
4. الولايات المتحدة الأمريكية
كثيرا ما استخدمت الولايات المتحدة الحرب النفسية في تحدياتها الدولية , فقد استخدمتها في حروبها مع بنما وفيتنام , وتجلت هذه الحرب النفسية أثناء حرب الخليج … حيث استخدمت إحدى الوحدات الصغيرة للقوات الأمريكية مكبرات الصوت والتي أخذت تطلق أصوات الهليكوبتر والدبابات من خلا شرائط مسجلة من اجل إيحاء الجيش العراقي بأن إمكانيات الوحدة اكبر بكثير من حقيقة الأمر …!
كما قامت قوات التحالف في هذه الحرب بإسقاط 29 مليون منشور على جميع وحدات الجيش العراقي , يقوم بعضها بتهديد الجيش العراقي وتتوعده في حالة عدم الاستسلام وبعضها الآخر يذكر الجنود العراقيون بالأهل الذين ينتظرون عودتهم …!
إن الحرب النفسية هي حرب أفكار تهدف للحصول على عقول الرجال وإذلال إرادتهم , وهى أيضا حرب أعصاب , وحرب سياسة , وحرب دعاية ….
- هي حرب كلمات وإشاعات , وهى حرب تزلزل العقول وتغير السلوك.
- الحرب النفسية هي استخدام علم النفس لتحقيق النصر .
- كيف تتوغل في أعماق خصمك وتهز ثقته بنفسه .
- كيف تقدم نفسك وقدراتك بأفضل صورة ممكنة كي تنال من خصمك قبل بدء المعركة .
- كيف تبث روح الحماسة في الجماهير وتقنعهم بأفكار تجعلهم يخرجون كل طاقاتهم من أجل تنفيذها كما حدث مع التجربة الألمانية.
المصدر: مدونة الرأي الفلسطيني
الحرب النفسية مفهوم وأهداف ومهام وأساليب للواء محمد جمال الدين محفوظ
يضيف اللواء محمد جمال الدين محفوظ خبير الاستراتيجية العسكرية الاسلامية تفاصيل أكثر حول مفهوم الحرب النفسية فيقول في مقاله الحرب النفسية بمجلة الوعي الإسلامي العدد 228:
المعروف أن إرادة القتال والمقاومة والصمود، وأن الحماسة والإيجابية في العمل وروح الإبداع والابتكار، وأن الهزيمة والاستسلام واليأس والسلبية هي كلها "حالات عقلية" تنشأ في عقل الإنسان تحت ظروف معينة فتولـد لديه الدوافع النفسية التي تدفعه إلى السلوك الذي يعبر عن تلك الحالات.
وفي مجال الصراع بين الأمم أو بين الجيوش، فإن كل جانب يحرص على أن ينشئ في خصمه "الحالة العقلية" التي تحقق له أهدافه والانتصار عليه. وهنا يأتي دور "الحرب النفسية" أو "الدعاية" التي يجمع الخبراء على أنها أقوى أسلحة الصراع أثرا في تحقيق النصر بسرعة وبأقل الخسائر في الأرواح والمعدات:
"فالحرب بالسلاح" تستطيع أن تدمر القوات والمعدات، و "الحرب الاقتصادية" تحرم الخصم من المواد الحيوية، أما "الحرب النفسية " فهي تستطيع ما هو أخطر وأعمق أثرا، إنها تجرده من أثمن ما لديه وهو "إرادته القتالية"، فهي تستهدف في المقاتل أو المواطن عقله وتفكيره وقلبه وعواطفه لكي تحطم روحه المعنوية وتقوده إلى الهزيمة، وهذا ما دعا القائد الألماني روميل إلى القول بأن « القائد الناجح هو الذي يسيطر عل عقول أعدائه قبل أبدانهم »، ودعا تشرتشل إلى أن يقول: « كثيرا ما غيرت الحرب النفسية وجه التاريخ! ».. وقد بلغ من تأثير الحرب النفسية أن كثيرا من الأمم - كما يروي التاريخ- استسلمت لأعدائها قبل أن تطلق جيوشها طلقة واحدة!!
ومن أعظم الدروس التي تستخلص من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في إدارته للصراع مع الأعداء أن "استخدام العامل النفسي في الصراع ضرورة حيوية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية"، فمن بين ثماني وعشرين غزوة قادها عليه الصلاة والسلام بنفسه، نجد تسع عشرة غزوة حققت أهدافها بلا قتال، إذ فر الأعداء تحسبا لنتائج مواجهة قوة المسلمين.
وقد قرر الرسول القائد صلى الله عليه وسلم أن "الجهاد باللسان" كالجهاد بالنفس والمال فقال لحسان بن ثابت وكان من شعراء الإسلام: « يا حسان اهج المشركين اهجهم فإن جبريل معك، إذا حارب أصحابي بالسلاح فحارب أنت باللسان" رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وليس ذلك فحسب بل إنه عليه الصلاة والسلام يقرر أن الحرب النفسية أشد وأسرع أثرا من حرب السلاح فقد روى أن عبد الله بن رواحة كان يلقي شعرا في هجاء الأعداء في المسجد فاستنكر منه ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قائلا: بين يدي رسول الله وفي حرم الله تقول الشعر؟ ! فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: « خل عنه يا عمر، فلهي -يعني القصيدة -أسرع فيهم من نضح النبل » وفي رواية « خل عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده لكلامه أشد عليهم من وقع النبل » رواه الترمذي والنسائي.
الحرب النفسية في صراعنا الحضاري
وليس من شك في أن الأمة الإسلامية تواجه اليوم حربا حضارية، تستهدف تدمير قواها وفرض التبعية عليها، ومنعها من القيام بالنهضة الحضارية التي ترجوها، واستعادة مكانتها اللائقة بها، وإذا كانت الحرب بالسلاح والغزو العسكري والغارات الخاطفة، هي التي تلفت النظر وتستأثر بالاهتمام والانتباه، لما يصاحبها من قعقعة وضجيج على الصعيدين المحلي والعالمي، إلا أنه لا ينبغي مطلقا أن تغفل الأمة عن الدعاية والحرب النفسية أو تقلل من شأنها، لأن القتال له نهاية يوما ما، أما الحرب النفسية فليس لها نهاية، بل هي مستمرة ودائمة في السلم والحرب على حد سواء.
وأستطيع أن أقول إن الإنسان في هذا العصر "يتنفس" الدعاية كما يتنفس الهواء، لكنه في تنفسه للهواء يأخذ ما ينفعه "الأوكسجين ويلفظ ما يضره "ثاني أكسيد الكربون" أما في تنفسه للدعاية والحرب النفسية، فهو لا يستطيع في أغلب الأحوال أن يفعل مثل ذلك، وهو معرض للإصابة "بالعلة النفسية"، التي قد تدمر فيه الإرادة والإيجابية وقوته المعنوية..
ولكي ندرك حجم هذا الخطر علينا أن نتفهم ماهية الحرب النفسية وأهدافها ووسائلها:
مفهوم الحرب النفسية وأهدافها
تعرف الحرب النفسية بأنها « هي الاستخدام المخطط للدعاية أو ما ينتمي إليها من الإجراءات الموجهة إلى الدول المعادية أو المحايدة أو الصديقة، بهدف التأثير على عواطف وأفكار وسلوك شعوب هذه الدول بما يحقق للدولة -التي توجهها- أهدافها ».
ويلاحظ من هذا التعريف ما يلي:
1 - أن الحرب النفسية لا توجه فقط إلى الدول المعادية أولا تنحصر فقط في نطاق الصراع بين الدول المتحاربة أو المتنافسة، بل هي تشمل أيضا الدول الصديقة والدول المحايدة، ولعل هذا هو ما جعل الخبراء يفضلون لفظ "الدعاية" بدلا من "الحرب النفسية" وكل دولة من دول العالم هي في حقيقتها جماع لتلك الأوصاف الثلاثة "معادية ومحايدة وصديقة" فذلك هو الأمر الغالب في العلاقات الدولية، فالدولة غالبا ما يكون لها أصدقاء وأعداء ودول تقف موقف الحياد في مواجهة بعض قضاياها.
2 - وأن "أهداف" الدعاية تختلف باختلاف "وضع" الدولة التي توجه إليها في العلاقات الدولية:
• فإذا كانت الدولة معادية، كان الهدف تحطيم الروح المعنوية والإرادة القتالية وتوجيهها نحو الهزيمة.
• وإذا كانت الدولة محايدة، كان الهدف توجيهها نحو الانحياز للدولة الموجهة أو التعاطف مع قضيتها، أو على الأقل إبقاءها في وضع الحياد ومنعها من الانحياز إلى الجانب الآخر.
• وإذا كانت الدولة صديقة، كان الهدف توجيهها نحو تدعيم أواصر الصداقة مع الدولة الموجهة ونحو المزيد من التعاون لتحقيق أهدافها.
مهام الحرب النفسية
وإذا ما حصرنا البحث في مجال الصراع بين الدول، لأنه هو المجال الذي ينبغي أن نتدبره بكل الوعي والفطنة في هذا العصر، فنستطيع أن نقول إن الخبراء الذين يخططون لحملات الحرب النفسية لتدمير الروح المعنوية وتحطيم الإرادة القتالية، يسعون إلى تحقيق هذا الهدف من خلال المهام الرئيسية التالية:
1 - التشكيك في سلامة وعدالة الهدف أو القضية.
2 - زعزعة الثقة في القوة "من كافة عناصرها" والثقة في إحراز النصر، وإقناع الجانب الآخر بأنه لا جدوى من الحرب أو الاستمرار في القتال أو المقاومة.
3 - بث الفرقة والشقاق بين الصفوف والجماعات.
4 - التفريق بين الجانب الآخر وحلفائه ودفعهم إلى التخلي عن نصرته.
5 - تحييد القوى الأخرى التي قد يلجأ إليها الجانب الآخر للتحالف معها أو لمناصرته.
الصور والأساليب
وثمة عدة صور وأساليب تستخدم لتحقيق تلك المهام نذكر منها ما يلي:
1 - الكلمة المسموعة أو المقروءة التي من شأنها التأثير على العقول والعواطف والسلوك، وهو مجال تتعدد فيه الأشكال والوسائل كالكتاب والصحيفة والمجلة والمنشور واللافتة والإذاعة والتلفزيون والسينما والمسرح.. الخ.
2 - الشائعات، وهي أخبار مشكوك في صحتها، ويتعذر التحقق من أصلها، وتتعلق بموضوعات لها أهمية لدى الموجهة إليهم، ويؤدي تصديقهم لها أو نشرهم لها "وهذا هو ما يحدث غالبا" إلى إضعاف الروح المعنوية.
3 - التهديد بواسطة القوة " تحريك الأساطيل - إجراء المناورات الحربية بالقرب من الحدود - تصريحات القادة - إعلان التعبئة الجزئية.. الخ ".
4 - الخداع عن طريق الحيل والإيهام.
5 - بث الذعر والتخويف والضغط النفسي.
6 - الإغراء والتضليل والوعد لاستدراج الجانب الآخر لتغيير موقفه.
ألوان الحرب النفسية
ومن المفيد أن نعرف أن جهد الحرب النفسية أو الدعاية يوجه في ثلاثة ألوان جرى العرف على تسميتها بحسب مصدرها بالأسماء التالية:
الدعاية البيضاء:
وهي نشاط الدعاية العلني والصريح، الذي يحمل اسم الدولة التي توجهه مثل: الإذاعة ووكالات الأنباء والتصريحات الرسمية، ولذلك تسمى أحيانا بالدعاية الصريحة أو الرسمية.
الدعاية الرمادية:وهى الدعاية الواضحة المصدر، ولكنها تخفي اتجاهاتها ونواياها وأهدافها، أي التي تعمل وتدعو إلى ما تريد بطريق غير مباشر، كالكتاب الذي يحتوى على قصة أو رواية عادية، لكنه يدعو - بين السطور -وبطريق غير مباشر إلى اعتناق مذهب سياسي معين أو التعاطف معه.
الدعاية السوداء:
وهي الدعاية التي لا تكشف عن مصدرها مطلقاً، فهي عملية سرية تماماً، ومن أمثلتها الصحف والإذاعات والمنشورات السرية والخطابات التي ترسل إلى المسئولين غفلا من التوقيع أو بإسم أشخاص أو منظمات وهمية أو سرية.
الرمادية أخطر الألوان:
وبالمقارنة بين تلك الألوان الثلاثة للدعاية، يتضح لنا أن الدعاية الرمادية هي أخطرها على الإطلاق: فالإنسان بقليل من الوعي والفطنة، يستطيع أن يكشف بسرعة ما وراء الدعاية البيضاء والسوداء، أما الدعاية الرمادية فهو يتجرعها قبل أن يكتشف أهدافها، ويتعرض لتأثيرها دون أن يشعر، لأنها "تتسلل" إلى عقله ووجدانه مستترة وراء شيء ظاهري لا غبار عليه.. أي أنه "يتناول السم في العسل".. والمعروف أن حملات الدعاية تضم عادة الألوان الثلاثة، ولا تكتفي بلون واحد منها، لكننا لا نجافي الحقيقة إذا قلنا إن الدعاية الرمادية تحظى بالنسبة الأكبر، وأنها هي الأكثر استعمالا والأوسع انتشارا، وذلك تأكيدا لكونها أقوى أثرا ..(2)
الإنجليز وبداية الحرب النفسية ضد الإخوان
كان الاحتلال الإنجليزى أول من بدأ فى ممارسة الحرب النفسية ضد الإخوان وذلك عبر الممارسات العديدة سواء بتلفيق القضايا أو حرب الاغراءات والمساومات .
فبعد عقد المؤتمر العام الخامس للإخوان المسلمين عام 1939م ظهرت قوة الإخوان كأكبر جمعية إسلامية منظمة في مصر، وعندما قامت الحرب العالمية الثانية كان موقف بريطانيا وحلفائها في بداية الحرب ضعيفًا أمام دول المحور؛ فأعلنت بريطانيا أنها تحارب من أجل الديمقراطية ضد النازية والفاشية والديكتاتورية؛ ولذلك فقد أغرت الكثير من الزعماء السياسيين في مختلف الدول بوسائل شتى من أجل تأييد الحلفاء ضد المحور، وقد حرصت في تلك الفترة على كسب الإخوان بأي وسيلة أو تحجيمهم واضطهادهم حتى لا يستطيعوا تحريك الشعب ضدهم، خاصة أنه كان هناك تعاطف مع المحور للتخلص من الاستعمار؛ فتمت عدة محاولات لاختراق الإخوان وشرائهم بالمال، ولكنها باءت جميعها بالفشل؛ فتحولوا إلى لغة التهديد والاضطهاد؛ واستخدموا أساليب جديدة لتشويه الدعوة وصرف الناس عنها، لكن تلك الوسائل فشلت، وإن استمر المستعمر وأذنابه في استخدامها حتى وقتنا الحاضر.
تلفيق أول قضية ومحاكمة للإخوان
استمرارًا لمسلسل اضطهاد الإخوان المسلمين في فترة الحرب العالمية الثانية وبالتحديد عام 1942م، والذي يعد من الأعوام المؤثرة في تاريخ الدعوة؛ لما فيه من مضايقات شديدة للدعوة،ففي تلك الفترة قام الإنجليز بإنشاء مؤسسات في مظهرها ثقافية لتعليم اللغة الإنجليزية ونشر الثقافة البريطانية، ولكنها في حقيقتها تقوم باستقطاب الوطنيين ذوى النشاط في المجتمع بواسطة عملائهم من المصريين وذلك بتحقيق مخططاتهم في إحكام السيطرة على المجتمع، وكانت هذه المؤسسات هي "المجالس البريطانية" التي قاموا بنشرها في كافة أنحاء القطر المصري، وقد قام "المجلس البريطاني" بطنطا عن طريق أحد عملائه بتلفيق قضية خطيرة ضد الإخوان المسلمين باتهام أخوين من خيرة أفراد الإخوان هما محمد عبد السلام فهمي وكان مهندسًا في مصلحة الطرق والكباري بطنطا، ثم سافر بعد ذلك إلى إنجلترا وحصل على الدكتوراه وعمل أستاذًا بكلية الهندسة بأسيوط، ثم عميدًا لها، ثم وكيلاً لجامعة الأزهر. وجمال الدين فكيه وكان موظفًا ببلدية طنطا، وكانت التهمة الموجهة لهما "أنهما يعدان جيشًا للترحيب بمقدم الألمان، وأنها يحدثان بلبلة في الأفكار، ويعدان عناصر معادية للحلفاء ..(3)، وأن هذين الأخوين هما الوسيطان بين الإمام البنا ومجموعة أفراد عرضت على الأستاذ البنا شخصيًّا أنواعًا من السلاح والعتاد الألماني، وقد سر الإمام البنا بذلك ورحب بالحصول على هذه الأسلحة، وجعل من هذين الأخوين الوسطاء في هذه الصفقة، وقد اعترف الأفراد المقبوض عليهم من غير الإخوان بذلك ..(4)
وبناء على ذلك تم القبض على الأخوينمحمد عبد السلام فهمي وجمال الدين فكيه، ولما كانت البلاد في حالة حرب مع الأعداء فقد طالبت النيابة بإعدامهما، وسميت هذه القضية بالجناية العسكرية العليا 883 لسنة 1942م قسم الجمرك، واستمر حبس الأخوين ثمانية أشهر ونصف على ذمة القضية بسجن الحضرة بالإسكندرية.
وقدمت القضية أمام محكمة الجنايات العسكرية العليا باب الخلق، وقد اهتم الإمام البنا اهتمامًا شديدًا بهذه القضية، التي إذا تهاون فيها الإخوان وثبتت التهمة عليهما -مع كذب المدعي- فسيؤدى الأمر إلى حل الجماعة ومحاكمة أعضائها جميعًا أمام القضاء العسكري، أو على الأقل فستفتح بابًا أمام الإنجليز من تلفيق التهم والادعاءات على من يريدون من الإخوان في أى وقت شاءوا بصورة قانونية. وكان من شدة اهتمام الإمام البنا بها -كما ذكر الأستاذ محمود عبد الحليم- أنه كان يواظب على الحضور الدائم لجلسات القضية، كما أنه كلف مجموعة من الإخوان بحضور الجلسات وكتابة كل ما يحدث في الجلسة، ويتم إعداد مذكرة كاملة عما حدث بالجلسة وعلى ضوئها يكتب الإمام البنا ملاحظات يقدمها لهيئة الدفاع لتستعين بها في إعداد دفاعها. وقد اختير لهذه القضية مجموعة من خيرة المحامين من الإخوان ومن غيرهم؛ ومن هؤلاء الأساتذة: محمد على علوبة باشا، وعبد الرحمن البيلي بك، ومحمد فريد أبو شادي بك، وعمر التلمساني، وعلي منصور، ومع أن الإمام البنا ترك لهم تحديد أتعابهم، لكنهم رفضوا أن يتقاضوا أتعابًا وتطوعوا مشكورين. ورغبة في إتمام دعم هيئة الدفاع تاقت نفس الإمام البنا إلى محام كان يعد في ذلك الوقت الحجة التي يرجع إليها في معضلات القانون سواء إليه بصفته الشخصية أو من خلال مؤلفاته، وكان يومئذ عميدًا لكلية الحقوق وهو الدكتور علي بدوي بك والذي وافق أن يتولى الدفاع عن الإخوان في تلك القضية والتي كان فيها الكثير مما يثير، سواء في شهادة الشهود المملاة عليهم أو في مهاجمة الدفاع لهؤلاء الشهود لإظهار بطلان شهادتهم أو في مرافعة النيابة، وما كالته للإخوان من تهم الخيانة العظمى وما طالبت به من تطبيق مواد الإعدام، وقد استمات الدفاع في المرافعة، والذى كان على يقين من أنه يدافع عن النبت الطاهر النقي الذي يؤمل فيه إنقاذ البلد على يديه الطاهرتين، والذى تضافرت جهود كل ذوى السلطة من داخل البلاد وخارجها على القضاء عليه قبل أن يكبر ويغلظ ويستوى على سوقه، لكن قضاء مصر الشامخ أثبت أنه فوق كل هذه السفاسف وأن يد العبث والإفساد لم تصل إليه بعد، وأن قدسيته ما زالت هي حمى هذا البلد، فبعد مراجعة المدعى ثانية وتهديده بالمواجهة مع المدعى عليه كذب نفسه وتراجع في اعترافه، وذكر أن ذلك لم يحدث، وبعد انتهاء المرافعات أعلنت المحكمة رفع الجلسة للمداولة لإصدار الأحكام، واستمرت المداولة نحو الساعة كانت من أشد الساعات طولاً على الإخوان وخاصة الأستاذ المرشد؛ لما ستتمخض عنه هذه الساعة من كلمات معدودة ينطق بها رئيس المحكمة تقرر مصير هذه الدعوة، وانتهت المداولة وخرجت هيئة المحكمة وكانت مكونة من خمسة أعضاء برئاسة المستشار فؤاد بك أنور، وعضوية المستشارين محمد توفيق إبراهيم بك، وزكى أبو الخير الأبوتجى بك، ومعهم اثنان من العسكريين، ونطق رئيس المحكمة بالأحكام وفي صدرها براءة الأخوين جمال الدين فكيه، ومحمد عبد السلام فهتف جميع الحضور "يحيا العدل". ..(5)
وبذلك برأ القضاء ساحة الإخوان من تهمة الخيانة العظمى، وأضاع على الإنجليز فرصة اتخاذ القانون والقضاء مطية له ووسيلة للقضاء على هذه الدعوة، وأخرت حل هذه الجماعة ست سنوات، وأسدل الستار على هذه القضية، إلا أن الحكومة استخدمتها في حل الجماعة عام 1948م كما سنوضح ذلك بعد.
إنشاء جمعية "إخوان الحرية" لمحاربة الإخوان
حين يئس الإنجليز من احتواء الإمام البنا وجماعته سواء بالشدة أو الإغراء -وذلك في أثناء الحرب العالمية الثانية- فكر الإنجليز في حل جماعة الإخوان المسلمين، وطالبوا حسين سري باشا بذلك، وكانت المرة الأولى التي يطالب فيها الإنجليز بهذا الطلب؛ فقد حدث أن أراد الإخوان عمل احتفال في السيدة زينب بالقاهرة فأعدوا لذلك سرادقًا كبيرًا حضره كثير من الإخوان عام 1941م الأمر الذي أزعج السفارة البريطانية في وقت كان الإنجليز يعانون من الهزائم المتوالية أمام الألمان، فقدمت السفارة البريطانية احتجاجًا لدولة سرى باشا لتهاونه في السماح للإخوان بمزاولة نشاطهم العدائي للإنجليز وتهديدهم لسلامة الإمبراطورية البريطانية، وطلبت منه حل هذه الجمعية، ولكن سرى باشا رفض ذلك -حيث إن الأمر لا يستدعي- فاضطرت السفارة أن تنشئ جمعية "إخوان الحرية" لمناهضة الإخوان ..(6)
وكما ذكرت جريدة الجمهور المصري قائلة: إنه في بداية الحرب كانت بريطانيا في طريقها إلى الزوال، إلا أن البريطانيين مع ذلك كانوا يتشبثون بأوهى خيوط الأمل، وكانوا يحاولون جاهدين أن يستميلوا إليهم شعوب الشرق الأوسط الذي كان بالنسبة لهم ميدان صراع يائس ضد الطليان والألمان، وكانت مصر كلها تغلي حقدًا على الإنجليز. في هذه الأثناء بحثت المخابرات البريطانية عن وسيلة تجذب إليها الناس وتضرب بها جمعية الإخوان المسلمين ومرشدها حسن البنا، فأخذ الجاسوس فاىيفكر حتى وصل إلى الطريقة التي يستميل بها السذج وذوى النيات الحسنة من المصريين؛ وهى التفكير في تأليف جمعية مصرية الاسم والمظهر، وبريطانية في كل ما عدا ذلك، وقد بحث فاى عن اسم للجماعة الجديدة، فلم يجد أحلى وقعًا على الأسماع في مصر من كلمة "إخوان" التي تسمى بها جماعة الإخوان المسلمين، ففكر فاى قليلا ثم ذهب إلى السفير البريطاني اللورد كيلرن وأخبره أنه اختار اسم الجماعة البريطانية الجديدة "إخوان الحرية" ...(7)
واهتز كرسى اللورد كيلرن، ثم قال للمستر فاى: لكن إخوان الحرية ينقصها واحد شيخ، وانحنى فاى للديكتاتور العملاق وفهم أنه يريد شيخًا للجماعة لينافس به الإمام الشهيد حسن البنا، فقال له فاى: إنه موجود يا سيدي، وكان الشيخ الذى وجده المستر فاى هو الشيخ الزواوى ..(8)
ولقد تأسست هذه الجمعية بمصر في عام 1942م، وسرعان ما فتحت لها فروعًا في العراق وعدن، وكانت رئيسة هذه الجمعية على النطاق العالمي والتى أسست نظامها مس فريا إستارك، أما مستر فاى فكان المراقب العام لإخوان الحرية بمصر ..(9)
وأصدرت نشرة أسبوعية خاصة بها في 24 جمادى الأولى 1361هـ 9 يونيو 1942م، واستمرت هذه النشرة مع هذه الجمعية حتى عام 1951م وكان رئيس تحرير هذه النشرة شفيق رمزى، واتخذت الجمعية مقرا لها في بيت السنارى بشارع الكومى بالسيدة زينب ..(10)
أهداف الجمعية:
يعد الهدف الرئيسي للجمعية التي أنشئت من أجله هو تضليل الناس بقصد إبعادهم عن الإخوان المسلمين؛ وذلك بنشر الأكاذيب والادعاءات ضدهم كي يوقفوا زحفهم ويعطلوا سيرهم ..(11)، ويصدوهم عن السبيل؛ وذلك باستخدام نفس الاسم وإضافة الحرية إليه، خاصة أن إنجلترا في ذلك الوقت كانت تزعم أنها دخلت الحرب من أجل الديمقراطية وضد الديكتاتورية، وقد أعلنت مرارًا وتكرارًا عن هذه الغاية في نشرتها التي كانت تأخذ اسمها، وكانت هناك أهداف أخرى لتحقيق هذا الهدف الذي يرمى إلى القضاء على الإخوان، ومن هذه الأهداف:
1- أن تكون هذه الجمعية عينًا للإنجليز على جميع الهيئات والأحزاب والمصالح الحكومية؛ ليعرفوا كيف تسير الأمور في مصر، وإعداد تقارير عنها ورفعها للمسئولين في السفارة البريطانية ..(12)
2- نشر القيم الفاسدة والإباحية بالمجتمع، وذلك عن طريق المال والنساء؛ حيث كانت الجمعية تعقد المحاضرات والندوات عن الإخاء والمساواة والحرية التي طالما طالب بها الشعب، فكانت هذه المحاضرات تلاقى هوى في نفوس الشباب. وفي خلال هذه المحاضرات تقدم المشروبات المرطبة صيفًا والساخنة شتاءً مع بعض الحلوى الفاخرة، ثم تترك حرية الاختلاط بين الشباب والفتيات، ويبدأ هذا الاختلاط بشيء ظاهره التمسك بالآداب والأخلاق، ثم يتدرج مع نداء الحرية إلى حفلات راقصة تقدم فيها الخمور وتعزف الموسيقى المثيرة، وترتكب فيها الآثام ولا يكتفون بذلك بل يكلفون الشبان تمشيًا مع الحرية لاصطحاب أخواتهم حتى يصلن إلى الحضيض الذى انحطوا إليه ..(13)
3- التشكيك في العقيدة والشريعة الإسلامية؛ فقد كان المحاضرون يركزون على أن الحرية تقتضى أن يدع الإنسان عقيدته جانبًا حتى لا تكون هناك عوائق تعوق سبل الإخوة بين الناس من مختلف الأديان، وكانت هذه الأفكار تؤثر في قطاع أصبح مثخنًا بالجراح صريع شهوته ..(14)
4- إقناع الشباب أن بريطانيا هي جنة الله في الأرض، وأنها رمز الخير والحب الذى تريد تحقيقه لكافة البشرية، وأن أهداف المصريين والإنجليز ومثلهم العليا تتطابق رغم التناقض في أسلوب التطبيق، وأن بريطانيا هي بلد الديمقراطية والحرية والعدل، ويجب الإدانة لها بالولاء والطاعة ..(15)
واستطاعت الجمعية من خلال العمل الدءوب للقائمين عليها من المخابرات والجواسيس أن تنتشر في كافة أنحاء القطر المصري وبعض الدول العربية، وإمعانًا في محاربة الإخوان المسلمين فقد استخدمت نفس أسلوب الإخوان بإنشاء مكاتب لها على غرار الشُّعب في المدن والقرى والنجوع، وكانت تنشر أسماء أعضائها في هذه الفروع بنشرتها؛ كما في العدد 186 وما بعده؛ حتى وصل عدد المخدوعين بهذه الجمعية والمقيدين في دفاترها 50 ألف مصري غير مدركين حقيقة الأغراض التي يعمل لها زعماء هذه الجمعية ومشايخها ومثقفيها ..(16)
وحاول مسئولو هذه الجمعية توثيق علاقتهم ببعض الإخوان لرفع تقارير دقيقة عن سير الجماعة، وقد وصل الأمر أن أحد الوجهاء الذي يتقرب إليه الإخوان وعينوه فيما يسمى مكتب الإرشاد الإقليمي ويدعى محمد درار أصبح على صلة وثيقة بإخوان الحرية، وطالبته الجمعية برفع تقارير حول شعبته، وكتب بالفعل تقريرًا، إلا أن هذا التقرير وقع في يد أحد الإخوان المكلفين بمتابعة أنشطة الجمعية وأن يكونوا أعضاء بها، وقد أحضر هذا الأخ التقرير للمهندس محمد حلمي عبد المجيد الذي رفعه لفضيلة المرشد العام، وبعد الإطلاع على التقرير طلب الإمام ألا يشعر ذاك العضو أنه اكتشف، أو يشعر بأي تغيير في المعاملة من الإخوان، وقال: دعوه يكتب ما يشاء. وكان الإخوان يضعون تحت يده كل ما يريدون نقله للإنجليز عن الجماعة، ولما أصبح الإخوان في غير حاجة إليه ألغى المرشد المكتب الاستشاري الإقليمي الذي كان فيه هذا العضو سكرتيرًا ..(17)
الإخوان يفضحون مخططات الجمعية
لم يقف الإخوان مكتوفي الأيدي أمام هذه الحملة الشرسة التي تستهدف الإسلام قَبْل الإخوان بدافع من المخابرات البريطانية؛ لتعزيز موقف بريطانيا وتهدئة الأجواء الملتهبة واستمالة المصريين نحو بريطانيا؛ فقد قام الإخوان باختراق هذه الجمعية وفضح أساليبها وأنشطتها للرأي العام، وليعلم الإنجليز أنهم لن يستطيعوا أن يقفوا في وجه هذه الدعوة التى تستمد قوتها من عون الله وتوفيقه وتسير في دربها على نهج الله وهدى رسوله ويحملها رجال مخلصون على استعداد للتضحية في سبيلها بالنفس والمال والولد، لا يبغون سوى مرضاة الله ورفعة دعوتهم، ولذا فقد فشلت هذه الوسيلة كما فشل قبلها وبعدها مئات الوسائل التي حاولت القضاء على هذه الدعوة؛ فحين ظهرت هذه الجمعية فهم الإخوان أنهم المقصودون بها لتكون معول هدم لما يبنيه الإخوان، وأنها سلاح ضدهم أقوى من أسلحة الهجوم والمواجهة، وأنها تحتاج إلى تخطيط دقيق لمقاومتها وإحباط خطتها، وكانت خطتهم لمقاومتها تقوم على اختراق هذه الجمعية من خلال إيفاد مجموعة من الإخوان إلى مقر هذه الجمعية وجمع كافة المعلومات عنها من قادة وأفراد وتمويل وأنشطة ومخططات، ثم إيفاد مجموعة أخرى للاشتراك في نشاطات هذه الجمعية والتظاهر بالتجاوب مع القائمين بهذه الأنشطة مع الاحتفاظ بأنفسهم من التلوث بحجج مختلفة، ثم بعد معرفة كافة المعلومات حول هذه الجمعية أوفد الإخوان مجموعة من الإخوة أقوياء الحجة واسعي الثقافة إلى الاجتماعات العامة في الجمعية؛ للرد على الشبهات التي تثيرها بموضوعية وتوضيح الحقائق للمخدوعين، كما قام طلبة الإخوان في الجامعة والمدارس بحملات توعية للشباب ضد الغزو الفكري الإنجليزي، وقام بنفس الأمر كافة أقسام وشعب الجماعة كلٌّ في قطاعه وبين جمهوره؛ حتى استطاعت الجماعة أن تقلل من خطورة هذه الجمعية ..(18)
وسائل أخرى لتشويه الإخوان
لم يتوقف الإنجليز في كيدهم للدعوة على الوسائل السابقة ولكنهم استخدموا وسائل أخرى، كان منها ما يسمى بحرب المنشورات وإظهار الإخوان بمظهر المتزمتين الجامدين الذين يعيشون بعقلية القرون الوسطى؛ فقد ملئوا الشوارع بمنشورات يعلنون فيها دروسًا ومحاضرات، الغرض منها صرف الناس عن محاضرات المركز العام. ومن هذه المحاضرات التي ألصقوها زورًا وادعوا أن المركز العام للإخوان سيقوم بتقديمها محاضرة في آداب الاستنجاء وطريقة إخراج الغائط يلقيها المرشد العام، وكانت المحاضرة الثانية (فيما يجب وما لا يجب على المرأة الحائض حينما يكون زوجها عاجزًا عن مباشرتها) يلقيها أحمد السكرى، أما المحاضرة الثالثة في الأقوال المرضية في الصلاة على الحضرة النبوية يلقيها السكرتير العام، وهكذا كانت المنشورات تعلن هذا الكذب في وقت كانت البلاد فيه في أشد الحاجة لعقول تفكر لها في قضاياها المصيرية؛ إذ أن هذه القضايا لا يمكن أن تكون هي القضايا التي تستأثر الهم العام للدعوة ..(19)
لكن بفضل الله ثم بوعى الإخوان سريعًا ما كشف زيف هذا الأسلوب وظهرت سذاجته بعد وقت قصير ووضح الغاية منه. وكان الإنجليز قد سبق لهم أن استخدموا أسلوب تشويه الفكرة الإسلامية أكثر من مرة في محاولة قصرها على الأمور التعبدية دون غيرها، وإظهار الصوفية أنهم أفضل المسلمين عبادة وأكملهم إيمانًا، ولقد أرسلوا أحد المستشرقين إلى مصر -وقد ادعى الإسلام- وكان أستاذ تاريخ وقام بزيارة كلية التجارة لوجود أعداد كبيرة بها وهى تقع في حى المنيرة وسط المدينة، وسمى نفسه "خالد"، وأعلن أنه جاء إلى القاهرة لأنها العاصمة الإسلامية الكبرى ليسعد باللقاء والحديث مع رجال الجامعة من الأساتذة والطلاب. واستطاع أن يجذب بعض الطلاب والأساتذة إليه، ونتيجة لنشاطه نظمت له الكلية محاضرات يلقيها على الطلبة، وكانت محاضراته تدور حول كيفية اقتناعه بالدين الإسلامي، ثم بعد ذلك سرعان ما يتطرق لأمور العقيدة والشريعة، وفي أثناء شرحه للفكرة الإسلامية كان يحاول أن يقصر الإسلام في النواحي العبادية والتصوفية، إلا أن شباب الإخوان في الكلية تصدوا له في ذلك الوقت، واستطاعوا أن يكشفوا زيف مكره؛ وذلك بتوجيه الأسئلة المنظمة له عن موقف الإسلام من الدولة والجهاد والقومية وغيرها من القضايا العصرية، إلا أنه كان يراوغ في الإجابة حتى سألوه: لو قامت حرب بين المسلمين وبريطانيا مع من تكون؟ فعندها شعر بالخناق يضيق حول رقبته فنطق مكرهًا بعد محاولات عدة للهروب من السؤال قائلا: إنه سيكون مع بريطانيا، فانفض الجمع الحاشد مرة واحدة من حوله وخابت وسيلته.
تلفيق القضايا للإخوان فى فترة الملكية
يذكر مهندس محمد الصروي في كتابه "الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م)" نوع آخر من أنواع الحرب النفسية والتي مارسها نظام عبد الناصر والأنظمة المتعاقبة ضد الإخوان وهى تلفيق القضايا ضد رموز وكوادر الحركة فيذكر م الصروى أن حكومة إبراهيم عبد الهادي قامت بتلفيق ست قضايا لجماعة الإخوان المسلمين (عام 1949م) .. هذا بخلاف التعذيب البشع الذي تعرض له الإخوان لأول مرة في تاريخهم في معتقل سجن الاستئناف الذي يقع في قلب القاهرة، وهو من أسوأ المعتقلات التي عاش فيها الإخوان المسلمين قبل الثورة، وهذه القضايا هي:
- 1- قضية القاضي أحمد الخازندار.
- 2- قضية اغتيال النقراشي باشا.
- 3- قضية محاولة نسف محكمة الاستئناف.
- 4- قضية السيارة الجيب.
- 5- قضية حامد جودة (رئيس مجلس النواب).
- 6- قضية الأوكار.
وهذه القضايا جميعاً تمت بخطة واحدة، وهيأتها ظروف مشتركة، حتى كأنها تمت في ساعة واحدة، وعلى رأس هذه الظروف.
قصة الخازندار
كان القاضي أحمد الخازندار بك قد صار حكماً قاسياً على اثنين من طلبة الثانوي من الإخوان المسلمين وهما حسين محمد عبد السميع، ومحمود نفيس حمدي.. هذان الطالبان اتهما بإلقاء قنبلة على نادي الضباط الإنجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد عام 1947م، ورغم عدم ثبوت التهمة عليهما إلا أنه حكم على كل منهما بثلاث سنوات سجناً وغرامة مائة جنيه، فاهتزت الأوساط الإخوانية لهذا النبأ.
وفي نفس الوقت حكم القاضي أحمد الخازندار بك في جريمة بشعة مروعة وقعت في الإسكندرية وهزت أرجاء البلاد وسميت بقضية (سفاح الإسكندرية) وهو السفاح (حسن قناوي).. كان يستدرج ضحاياه ويمارس معهم الشذوذ ثم يقتل الضحية.. وقد تكرر هذا منه عدة مرات. وما دار في جلسات المحاكمة من شرح لهذه الجرائم يزكم الأنوف، ويؤذي المشاعر ورغم ثبوت الجرائم كان الحكم مخففاً جداً وصادماً لمشاعر المصريين، فلقد حكم عليه بسبع سنوات فقط لدرجة أن هذا السفاح تلقي هذا الحكم بالابتسام والسرور. وهنا اندفع صديقان من أصدقاء شباب الإخوان المسجونين ظلماً وعدواناً من محكمة أحمد الخازندار بك .. وأطلقا النار على هذا القاضي .. بدافع شخصي منهما وليس بتوجيه من أحد، وحكمت عليهما المحكمة بالأشغال الشاقة المؤبدة.
مقتل النقراشي
قام عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطري، باغتيال النقراشي.. ورغم أن هذا السلوك فردي، إلا أنه تم اتهام أربعة آخرين بالتحريض وتسعة عشر بالاتفاق الجنائي.. والخمسة الأوائل هم:
1- عبد المجيد أحمد حسن – طالب طب بيطري – 22 سنة.
2- السيد فايز عبد المطلب – مهندس ومقاول مباني – 29 سنة.
3- محمد مالك يوسف – موظف بمطار القاهرة.
4- عاطف عطية حلمي – طالب بكلية الطب - 25 سنة.
5- سيد سابق – شيخ أزهري – 24 سنة.
أما التسعة عشرة الآخرون فهم:
6- أحمد عادل كمال – موظف بالبنك الأهلي – 23 سنة.
7- طاهر عماد الدين – مهندس – 30 سنة.
8- إبراهيم محمود علي – ترزي بسجن مصر – 30 سنة.
9- مصطفى كمال عبد المجيد أيوب – ميكانيكي – 26 سنة.
10- مصطفى مشهور مشهور – 27 سنة – المرشد الخامس للإخوان المسلمين.
11- محمود السيد الصباغ – مهندس الأرصاد الجوية – 28 سنة.
12- أحمد زكي حسين – مدرس ابتدائي – 25 سنة.
13- أحمد محمد حسنين – مراقب حسابات بشركة المعادن- (عضو مكتب الإرشاد فيما بعد).
14- محمد فرغلي النخيلي – تاجر معادن – 29 سنة.
15- عبد الرحمن السندي – موظف بوزارة الزراعة – 32 سنة.
16- محمد حسني أحمد عبد الباقي – (عضو مكتب الإرشاد لحوالي أربعين عاماً).
17- أحمد قدري البهي – مهندس طيران – 21 سنة.
18- محمد بكر سلمان – نساج بشركة النيل للمنسوجات – 26 سنة.
19- أسعد السيد أحمد – ميكانيكي – 26 سنة – (صاحب مكتبة فيما بعد).
20- محمد سعد الدين السنانيري – مقاول نقل – 28 سنة.
21- علي محمد حسين – قومسيونجي – 27 سنة.
22- سعد محمد جبر – مهندس لاسلكي.
23- الشيخ محمد محمد فرغلي – واعظ الإسماعيلية – 42 سنة (عضو مكتب الإرشاد.. شنقة عبد الناصر عام 1954م).
24- محمد إبراهيم سويلم – فلاح – 22 سنة.
وأُعدم المتهم أول عبد المجيد أحمد حسن وصدر ضد الباقين أحكام مختلفة.
قضية نسف محكمة الاستئناف
وقعت هذه المحاولة في إطار المناخ الاستفزازي، والمتهم فيها الأخ شفيق إبراهيم أنس (22سنة) الذي ضاق صدره، ونفد صبره لما كان يجري بين جدران هذه المحكمة من تزييف وتلفيق وإكراه.. ثم تعذيب بشع داخل جدران المحكمة على مرأى ومسمع من القضاة آنذاك.. ولكن أحداً لم يصب والحمد لله وفشلت المحاولة.. ورغم ذلك حُكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة.
قضية السيارة الجيب
تم ضبط هذه السيارة في 21/11/1948م في دائرة قسم الوايلي بالقاهرة وبها أوراق كثيرة ومضبوطات.. وقدم فيها 32 فرداً من جماعة الإخوان المسلمين إلى المحاكمة،معظمهم ذكر اسمه في قضية مقتل النقراشي والذين تحملوا جميع القضايا في تلك الفترة العصيبة في أول محنة جماعية للجماعة.
أما الآخرون الذين أدرجت أسماؤهم معهم في قضية السيارة الجيب فهم:
1- أحمد متولي حجازي – تاجر راديو – 29 سنة.
2- د. أحمد الملط – طبيب – 32 سنة (فيما بعد صار نائب المرشد العام الثالث ونائب المرشد الرابع).
3- جمال الدين فوزي – موظف بالبريد – 39 سنة – (شاعر الإخوان).
4- محمود حلمي فرغلي – موظف بالداخلية – 27 سنة.
5- محمد أحمد علي – موظف بالأشغال – 25 سنة.
6- عبد الرحمن عثمان – طالب حقوق – 22 سنة.
7- السيد إسماعيل شلبي – تاجر – 44 سنة.
8- صلاح الدين عبد المتعال – طالب ثانوي – 18 سنة (فيما بعد أصبح أستاذاً بمركز البحوث الجنائية).
9- جمال الدين الشامي – مهندس ري – 26 سنة.
10- جلال الدين ياسين – موظف وطالب تجارة – 24 سنة.
11- محمد الطاهر حجازي – طالب بالزراعة – 24 سنة.
12- عبد العزيز البقلي – ترزي – 24 سنة.
13- كمال القزاز – نجار – 27 سنة.
14- علي حسنين الحريري – قومسيونجي – 27 سنة.
15- محمد إبراهيم سويلم – فلاح بالإسماعيلية – 22 سنة.
16- سليمان مصطفى عيسى – فلاح بالإسماعيلية – 22 سنة.
قضية حامد جودة
وقع الحادث في 6/5/1949م بعد اغتيال المرشد العام حسن البنا بثلاثة شهور وتكهرب الجو في مصر كلها، وحلت الجماعة واعتقل الآلاف من القيادات والعاملين في الإخوان. .ولم يعد هناك خارج السجون سوى شباب ليس بينهم رابط قوي، ولا خبير مجرب في ظل مناخ استفزازي وشيوع قضية العسكري الأسود في عصر إبراهيم عبد الهادي خليفة النقراشي في رئاسة الوزارة ورئاسة حزب السعديين آنذاك. ومرت سيارة حامد جودة رئيس مجلس النواب وظنوا أنها سيارة إبراهيم عبد الهادي، فألقى أحد الشباب قنبلة، ولكنها لم تصب أحداً بسوء، وأخطأت الهدف، ونجا حامد جودة الذي كان في السيارة، وتم اتهام عشرة من الإخوان هم:
1- مصطفى كمال عبد المجيد – ميكانيكي.
2- محمد نجيب جويفل – طالب.
3- عبد الفتاح ثروت – أرصاد جوية.
4- فتحي محمد علام – طالب.
5- سمير جلال شهبندر.
6- مصطفى محمد السيد.
7- عبد الكريم محمد السيد – عامل.
8- محمد شحاته عبد الجواد – مطبعجي.
9- سعيد جلال شهبندر – طالب.
10- علي صديق السيد فراج – محام.
- تم ضم هذه القضية مع القضية التي بعدها وتسمى قضية الأوكار.
قضية الأوكار
تم اتهام خمسين فرداً من جماعة الإخوان المسلمين – الخطرين في نظر الحكومة – في هذه القضية باتهامات مختلفة.. وقبضوا عليهم في منازلهم في كل من روض الفرج – شارع شبرا – شارع السندوبي – روض الفرج – الجيزة. وسموا هذه المنازل أوكار للإخوان المسلمين.. ومن هؤلاء الخمسين أفلت ثلاثة منهم وتمكنوا من الهرب إلى ليبيا وهم (يوسف علي يوسف، عز الدين إبراهيم، ومحمد جلال سعدة) أما محمود يونس الشربيني فقبضوا عليه في الإسكندرية بعد اختفائه شهراً بها ولم يتمكن من الذهاب إلى ليبيا.
وأثناء القبض عليه قتلت الحكومة الأخ الشهيد أحمد شرف الدين بمنزله بروض الفرج .. ولم يحاسبها أحد!!
وهؤلاء الخمسون المتهمون منهم العشرة السابق ذركهم في قضية حامد جودة، أما الأربعون الباقون فقد ذكرهم الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" جـ2 ص 163.
مشاهد من التعذيب والحرب النفسية في تلك الفترة
ذاق الإخوان في عهد إبراهيم عبدالهادي باشا رئيس الوزراء من التعذيب والتنكيل ما تشيب من هوله الولدان على مدى قرابة عامين ونصف العام.
ولقد أفاض الأخ محمود عبد الحليم في الجزء الثاني من كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ") في شرح صنوف التعذيب التي تعرض لها الإخوان في تلك الفترة، وننقل هنا مقتطفات منها:
في جلسة 29/8/1949م طلب المتهم محمد مالك من رئيس المحكمة السماح له بالكلام فقال: إنه اعتقل في الإسكندرية، جاءوا به موثق اليدين والرجلين إلى المحافظة، فقال له الأستاذ عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية " أنا عمار عدو الإخوان " ثم أمر رجال البوليس بتعذيبه. فانهالوا عليه بالضرب المبرح – ولما جيء به إلى القاهرة اجتمع عليه ضباط القلم السياسي ورفعوا رجليه بعد ربطهما، وانهالوا عليه ضرباً في كل جسده، وكانوا يدوسون على وجهه بأحذيتهم، ثم شفعوا ذلك بلفحات من الكرابيج، وكان يغمى عليه، ويود ألا يخرج من إغمائه حتى لا يشعر بهذا العذاب.
وخيروه بين رواية عبد المجيد وبين التعذيب، وأعدوا له حجرة تعذيب... ولما أدركوا أنه لم يعد يستطيع المشي أجبروه على أن يجري، ولما لم يستطيع الوقوف أرغموه أن يقف ساعات، وكان يترك بالأسابيع دون أن يغتسل أو يبدل ملابسه.
وهنا وقفت والدة مالك وفي يدها رباط شاش وقالت إن جسد ابنها كان كله جروح، فأسكتها رئيس المحكمة.
وكان مالك يروي بتأثر وحنق، ويقول إنه عاجز عن تصور ما كان يعانيه من العذاب حتى تلفت أعصابه، وكان يضرب بالحديد لعله ينطق، وكان البوليس يوجه إليه كلمات مقذعة خبيثة، واستعانوا بصغار إخوته ليرغموه على الاعتراف.
فسأله الرئيس: ولماذا لم تخطر النيابة وقد حقق معك أكثر من مرة؟
مالك: بلّغت إسماعيل بك رئيس النيابة بلا جدوى، كما بلّغت محمد عبد السلام بك.
محمد عبد السلام: عندما بلغني المتهم أحلته على الكشف الطبي.
دكتور عزيز فهمي: لقد عذب أيضاً بعد الكشف الطبي.
وقال مالك إنه لم ينج من التعذيب حتى في الشوارع أثناء ذهابه للتحقيق.
وفي نفس الجلسة قال المتهم محمد نايل أمام المحكمة إنه كان يُضرب على قفاه من ضباط القلم السياسي وهو جالس في الغرفة المجاورة للمحقق، وأنه أُخذ بحجة التحقيق معه في النيابة واقتيد إلى قسم عابدين، حيث هدده رجال القلم السياسي بتشريح جسمه إذا لم يعترف.
وقال إنه بعد أن نال ضرباً مبرحاً أخذ مكبلاً إلى غرفة الحكمدار، فوجد فيها إبراهيم عبد الهادي باشا، فدهش لوجوده.. ويظهر أن رئيس الوزراء لاحظ تلك النظرة فقال له: " بتبص لي كده ليه ؟ أنت عندك حاجة يا واد؟" ثم أمر بإخراجه حيث ضرب بالفلقة.
وقال المتهم إن لديه شاهداً على هذا التعذيب وهو أمان الله خان.
الرئيس: من ملوك أفغانستان؟
نايل: فعلاً من الأسرة المالكة الأفغانية، وكانت له قضية يعرفها القلم السياسي.
صمت مخجل:
وقال إن هناك أشياء أخرى يخجل من ذكرها أمام الناس.
وفي الجلسة التالية المنعقدة يوم 3/9/1949 بدأ الحديث الدكتور عزيز فهمي المحامي فقال: إن هذه المحكمة تفضلت في الجلسة السابقة بالاستماع إلى أقوال المتهمين مالك ونايل، وقد اتضح من هذه الأقوال أن بعض المتهمين كان هدفاً للتعذيب لحملهم على الإفضاء باعترافات معينة. وقد رأت المحكمة آثار هذا التعذيب على أجسامهم، ووصف الرئيس هذه الآثار بأنها لا تزول مع الزمن – واستطرد الدكتور عزيز فقال: ولم يكن التعذيب جسمانياً فحسب، بل كان البعض هدفاً لجرائم من نوع آخر يمس أعراض المتهمين وأعراض أخواتهم وأمهاتهم وزوجاتهم، كما أشار إلى ذلك كل من مالك ونايل وأمسكا اللسان عنها استحياء.
ثم طلب الدكتور عزيز من المحكمة أن تسمع أقوال المتهمين فيما وقع عليهم من اعتداءات تمس الأعراض وتحقيقها لمحاكمة مرتكبيها طبقاً للقانون.
ودارت مناقشة بين الدكتور عزيز في ذلك وبين رئيس المحكمة رفض في نهايتها رئيس المحكمه طلبه بالتحقيق في التعذيب.
وفي خلال جلسة 3/9 هذه استمعت المحكمة إلى ثلاثة من المتهمين في قضايا السيارة الجيب – بناء على رأي رئيس المحكمة – كشهود في هذه القضية، ومن هؤلاء الشهود عبد الفتاح ثروت الذي قرر أنه راصد جوي.. وما إن سألته المحكمة عن آثار التعذيب في قدميه.. حتى قال إنه ارتكب معه أعمال منافية للآداب.
الرئيس: بس.. بس.
الدكتور عزيز: نريد أن نسمع الشاهد.
واستأنف الشاهد كلامه فقال: إنه كان يُعذب بالضرب في سجن الأجانب والمحافظة، وكان يجبرونه في حجرة التعذيب على الوقوف في الصباح إلى المساء حتى لا ينام. كما قبضوا على أقاربهم ونكلوا بهم. أصبحت محطماً:
واستطرد يقول: لا يمكن أن أصور الآلام التي قاسيتها.. لقد كنت في عملي الحكومي نشيطاً، أما الآن فقد تحطمت أعصابي، وأصبحت فريسة للنوبات والاضطرابات، ولم يقدم لي طبيب السجن شيئاً.. وأنا أتناول أدوية من الخارج.
تعذيب أمام النائب العام:
وقال: لقد كان البوليس السياسي يحضرون التحقيق ويهدونني بالتعذيب، وذلك أمام سعادة محمود منصور باشا النائب العام السابق، وقد شكوت له فقال لي: " لا تتعب نفسك بالشكوى فنحن نعرف والحكومة تعرف وسوف نشرحك ".
وأمام إبراهيم عبد الهادي!!
واستأنف يقول: وقاموا بضربي يوماً ثلاث مرات في المحافظة ومرة في النيابة، وأخذوني لإبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي " تكلم أحسن لك علشان تطلع كما طلع غيرك " – وقال الشاهد: إنه لانهيار أعصابه وقع على الأوراق لا يدري ما فيها.
وأجاب الشاهد على سؤال لغانم بك المحامي بأنه دخل على إبراهيم عبد الهادي باشا وملابسه ملوثة بالدماء فقال له: " يا ولد أنت عارف حتتكلم إزاي ولازم تقول كل حاجة " ثم أُخرج بعدها إلى غرفة التعذيب. وقال إنهم كانوا يفصحون له بأنهم يعرفون كل شيء عن عائلته، فقالوا له إن أخته مريضة بالسكر وإنهم شردوا والده.. وقال إن البوليس طلب منه أن يذكر كلاماً عن مالك وأن يتهمه بالاشتراك في الحادث.
وأجاب على سؤال آخر لغنام بك بأنه قابل إبراهيم عبد الهادي باشا ثلاث سنوات مرات. وكان البوليس يهمس في أذنه قبل المقابلة أن الباشا في يده كل شيء وكان الباشا يلح عليه أن يتكلم. ثم قال الأستاذ علي منصور: والدليل على ذلك أيضاً أنه قد توفي بين أيدي الجلادين أحد الشقيقين أحمد عبد النبي أو محمد عبد النبي، وذلك بدار محافظة الإسكندرية حيث تولت الإدارة دفنه في مكان مجهول ثم أخطرت أهله.
واستطرد يقول: هذه حقائق مقتطفة من كثير مما ثبت لدي ولا أستطيع بيانه خوفاً على مراكز من يعرفني بها. وفي هذه الكفاية أضعه أمام الضمائر الحية لحضرات المستشارين والضباط العظام لتقديرها. التعذيب في قضية السيارة الجيب
قال إنه استأجر فيلا الزيتون، ولم تكن الأجهزة التي بها هي لمحطة إذاعة كما أذيع، وإنما هي أدوات لمشروع تجاري خاص بتسجيل الاسطوانات وقال إنه اعتدى عليه بالضرب حتى منتصف الليل على يد الصاغين (الرائدين) توفيق السعيد وعبد المجيد العشري ، والجاويش مصطفى التركي الذي كان يضربه بالحذاء على وجهه.
قرر أن كل ما نُسب إليه في التحقيقات هو من إملاء اللواء طلعت بك بعد تعذيبه- وقال: علقوني في شباك القسم زي الذبيحة، ولما صرخت شووني بالسجائر المولعة. وجاء إبراهيم عبد الهادي باشا فاستغيث به ولكنه لم يعبأ بي، وأشار علي ضابط ضخم معه لمواصلة تعذيبي قائلاً: شرحوه. كما أنهم لم يسمحوا لي بالنوم أبداً. وقد حاصرني ضابطان كانا يبادران بصفعي كلما همت عيني بالنوم، وجعلوني أوقع على أوراق وأنا كالجثة الهامدة، وقد استغيث بحضرة المحقق محمد عبد السلام بك فلم يعبأ بي وتخلى عني.
ولما كانت حالته لا تمكنه من أداء الشهادة واقفا، فقد سمحت له المحكمة بالجلوس على مقعد. وقد قرر أنه لم يعترف بأي شيء في التحقيق وأن التعذيب جعله فاقد الشعور.
وروى بصوت مرتعش ضعيف صنوف التعذيب فقال: إن اللواء طلعت بك هدده بالتشريح إذا لم يعترف قائلاً: إن البلد في أحكام عسكرية. ثم قال: وأخذوني إلى غرفة الضابطين العشري وفاروق كمال وجردوني من ملابسي ونزلوا في ضربي من تسعة مساء إلى أربعة صباحاً.
ولقد قسموا أنفسهم أربع مجموعات، كل مجموعة من 12 عسكري وضابط، ووضعوا رجلي في الفلكة حتى أن الفلكة انكسرت، ثم استعملوا كرابيج الهجانة.. ولما أفقت من إغمائي قالي لي طلعت بك: هذه هي الجولة الأولى والبقية تأتي.
وأخذوني إلى إبراهيم عبد الهادي باشا فقال لي: أنا عندي أمر إني أموتك.. ثم أمر بموالاة تعذيبي، وكان التعذيب على أربع درجات: بالضرب بالعصى والكرابيج ثم الكي بالنيران، وأحضروا (سيخ حديدي محمي) ولكن الضابط محمود طلعت طلب من الضباط أن يكفوا عني قائلاً: ده صاحبي وسعترف بكل شيء.. ثم نمت على الأسفلت فكانوا يطرقون الباب حتى يهرب النوم من عيني. وما كانوا في حاجة إلى ذلك، لأنني لم أكن أستطيع الرقاد على أي جزء من جسمي المشوي كله.
اعتداء منكر: ثم طالبوني بالاعتراف وهددوني إن لم أفعل أن يعتدوا علي اعتداءَ منكرا.. وفعلاً تقدم واحد يريد الاعتداء علي.. فقلت له: أنا أعرف أنني لا أستطيع مقاومتك. وأنت يمكنك أن تفعل معي هذه الجريمة. ويمكنك أن تنجو من عقاب القانون.. ولكني أريد أن أقول لك قبل أن تبدأ: إن الله لن يترك هذه الجريمة بلا حساب.. فابتعد عني. واستمر تعذيبي. وتلفت أعصابي.. وكنت لما أذهب إلى إسماعيل عوض رئيس النيابة وأشكو له يضرب الجرس ويأتي الحرس فيقول لهم: هاتوه لي أخرس خالص.
وجاءني إبراهيم عبد الهادي باشا أربع مرات وقال لي أنا أبهدلك وأبهدل أهلك، وأنا الحاكم العسكري.
وبعد سؤاله في المحكمة ارتجف بدنه وحملق في الهواء، وأصيب بنوبة إغمائية وجعل يرسل شهيقاً عصبياً مؤلماً، أبكى معظم الحاضرين في القاعة.. فحملوه إلى خارج قاعدة المحكمة.
- في 6/11/1949م أثبت الطبيب أن أحد المتهمين نُزعت أظافره.
- فقد المتهم الرابع (فتحي محمد علام) سمعه نتيجة التعذيب.
- وأفاد المتهم يوسف عبد المعطي أن ثلاثة من رجال البوليس السياسي أقاموا في مسكنه مع أمه وأخته.
– بعد اعتقاله واعتقال والده – وقد أرسلت أخته برقية إلى النائب العام تطالب بإخراج البوليس من الشقة، ولكن عهد الإرهاب لم يستجب.
- رفض النائب العام(!!) محمود منصور باشا إثبات إصابات تعذيب المتهم محمد نايل الطالب بكلية الهندسة ..(20)
- للمزيد طالع الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) ،بقلم المهندس / محمد الصروي ص43
حملات التشويه والحرب النفسية بعد ثورة 1952
تعتبر فترة ثورة 23 يوليو من أكثر الفترات التي واجهت فيها الجماعة حملات التشويه وخاصة مع بداية الصدام بين الجماعة وقيادات الثورة والتي تواصلت حدتها مروراً بالأزمات العديدة التي مرت بها الجماعة خلال الحقبة الناصرية وتنوعت تلك الوسائل من الهجوم الشرس بحملات التشويه وتلفيق القضايا حتى مرحلة حجب السم الإخوان تماما والتي عبر عنها الحاج محمود أبوريا (رحمه الله) بقوله كنا في فترة عبد الناصر نتمنى أن يٌذكر اسم الإخوان في وسائل الإعلام حتى لو بالهجوم علينا.هذا بالطبع غير التعذيب وسياسة القتل الممنهجة التي اعتمدها نظام ناصر للقضاء على الإخوان ويبدو اعتماد نظام ناصر على وضع آلية وسياسة وقائية من خلال الوثيقة التي تم نشرها في بعض الكتب التي تناولت العلاقة بين الإخوان وناصر مثل قذائف الحق للشيخ محمد الغزالي أو كتاب م محمد الصروى الإخــوان المسلمــون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) وكتاب الإخوان وعبد الناصر قصة تنظيم 1965 لأحمد عبد المجيد وغيرها العديد من الكتب والمذكرات التي تناولت تلك الحقبة الزمنية من تاريخ العلاقة بين الإخوان وعبد الناصر.
وثيقة رجال الثورة بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين
تقرير اللجنة المؤلفة برياسة السيد " زكريا محيى الدين " رئيس الوزراء في حينه، بشأن القضاء على تفكير الإخوان، بناء على أوامر السيد الرئيس بتشكيل لجنة عليا، لدراسة واستعراض الوسائل التي استعملت، والنتائج التي تم التوصل إليها، بخصوص مكافحة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، ولوضع برنامج لأفضل الطرق التي يجب استعمالها في مكافحة الإخوان بالمخابرات، والمباحث العامة، لبلوغ هدفين :
- أ ـ غسل مخ الإخوان من أفكارهم .
- ب ـ منع عدوى أفكارهم من الانتقال إلى غيرهم .
اجتمعت اللجنة المشكلة من :
- 1 ـ سيادة رئيس مجلس الوزراء
- 2 ـ السيد / قائد المخابرات العامة
- 3 ـ السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
- 4 ـ السيد / مدير المباحث العامة
- 5 ـ السيد / مدير مكتب السيد المشير عبد الحكيم عامر
وذلك في مبنى المخابرات العامة بكوبري القبة، وعقدت عشرة اجتماعات متتالية وبعد دراسة كل التقارير والبيانات والإحصائيات السابقة، أمكن تلخيص المعلومات المجتمعة في الآتي :
- 1 ـ تبين أن تدريس التاريخ الإسلامي في المدارس للنشء بحالته القديمة يربط السياسة بالدين في لا شعور كثير من التلاميذ منذ الصغر ويتتابع ظهور معتنقي الأفكار الإخوانية .
- 2 ـ صعوبة واستحالة التمييز بين أصحاب الميول والنزعات الدينية وبين معتنقي الأفكار الإخوانية، وسهولة وفجائية تحول الفئة الأولى إلى الفئة الثانية بتطرف أكبر .
- 3 ـ غالبية أفراد الإخوان عاش على وهم الطهارة، ولم يمارس الحياة الجماعية الحديثة، ويمكن اعتبارهم من هذه الناحية " خام " .
- 4 ـ غالبيتهم ذوو طاقة فكرية وقدرة تحمل ومثابرة كبيرة على العمل، وقد أدى ذلك إلى اطراد دائم وملموس في تفوقهم في المجالات العلمية والعملية التي يعيشون فيها وفي مستواهم الفكري والعلمي والاجتماعي بالنسبة لأندادهم رغم أن جزءاً غير بسيط من وقتهم موجه لنشاطهم الخاص بدعوتهم المشئومة .
- 5 ـ هناك انعكاسات إيجابية سريعة تظهر عند تحرك كل منهم للعمل في المحيط الذي يقتنع .
- 6 ـ تداخلهم في بعض، ودوام اتصالهم الفردي ببعض وتزاورهم، والتعارف بين بعضهم البعض يؤدى إلى ثقة كل منهم في الآخر ثقة كبيرة .
- 7 ـ هناك توافق روحي، وتقارب فكرى وسلوكي يجمع بينهم في كل مكان حتى ولو لم تكن هناك صلة بينهم .
- 8 ـ رغم كل المحاولات التي بذلت منذ عام 1936 لإفهام العامة والخاصة بأنهم يتسترون وراء الدين لبلوغ أهداف سياسية إلا أن احتكاكهم الفردي بالشعب يؤدى إلى محو هذه الفكرة عنهم، رغم أنها بقيت بالنسبة لبعض زعمائهم .
- 9 ـ تزعمهم حرب العصابات سنة 1948 والقتال سنة 1951 رسب في أفكار بعض الناس صورهم كأصحاب بطولات وطنية عملية، وليست دعائية فقط، بالإضافة إلى أن الأطماع الإسرائيلية والاستعمارية والشيوعية في المنطقة لا تخفي أغراضها في القضاء عليهم .
- 10 ـ نفورهم من كل من يعادى فكرتهم جعلهم لا يرتبطون بأي سياسة خارجية سواء كانت عربية أو شيوعية أو استعمارية، وهذا يوحى لمن ينظر في ماضيهم أنهم ليسوا عملاء .
وبناء على ذلك رأت اللجنة أن الأسلوب الجديد في المكافحة يجب أن يشمل أساساً بندين متداخلين وهما :
- أ ـ محو فكرة ارتباط الدين الإسلامي بالسياسة .
- ب ـ إبادة تدريجية مادية ومعنوية وفكرية للجيل القائم فصلاً من معتنقي الفكرة .
ويمكن تلخيص أسس الأسلوب الواجب استخدامه لبلوغ هذين الهدفين في الآتي :
أولاً : سياسة وقائية عامة :
- 1 ـ تغيير مناهج تدريس التاريخ الإسلامي والدين في المدارس وربطها بالمعتقدات الاشتراكية كأوضاع اجتماعية واقتصادية وليست سياسية . مع إبراز مفاسد الخلافة خاصة زمن العثمانيين وأن تقدم الغرب السريع إنما كان عقب هزيمة الكنيسة وإقصائها عن السياسة .
- 2 ـ التحري الدقيق عن رسائل وكتب ونشرات ومقالات الإخوان المسلمين في كل مكان ثم مصادرتها وإعدامها .
- 3 ـ يحرم بتاتاً قبول ذوى الإخوان وأقربائهم حتى الدرجة الثالثة في القرابة من الانخراط في السلك العسكري أو البوليس أو السياسة، مع سرعة عزلة الموجودين من هؤلاء الأقرباء من هذه الأماكن أو نقلهم إلى الأماكن الأخرى في حالة ثبوت ولائهم .
- 4 ـ مضاعفة الجهود المبذولة في سياسة العمل الدائم على إفقاد الثقة بينهم وتحطيم وحدتهم بشتى الوسائل، وخاصة عن طريق إكراه البعض على كتابة تقارير عن زملائهم بخطهم، ثم مواجهة الآخر بما معها مع العمل، على منع كل من الطرفين من لقاء الآخر أطول فترة ممكنة لنزيد هوة انعدام الثقة بينهم .
- 5 ـ بعد دراسة عميقة لموضوع المتدينين من غير الإخوان، وهم الذين يمثلون " الاحتياطي " لهم وجد أن هناك حتمية طبيعية عملية لالتقاء الصنفين في المدى الطويل، ووجد أنه من الأفضل أن يبدأ بتوحيد معاملتهم بمعاملة الإخوان قبل أن يفاجئونا كالعادة باتحادهم معهم علينا ،ومع افتراض احتمال كبير لوجود أبرياء منهم إلا أن التضحية بهم خير من التضحية بالثورة في يوم ما على أيديهم .
ولصعوبة واستحالة التمييز بين الإخوان والمبتدئين بوجه عام فلا بد من وضع الجميع ضمن فئة واحدة ومراعاة ما يلي:
- أ ـ تضييق فرص الظهور والعمل أمام المتدينين عموماً في المجالات العلمية والعملية .
- ب ـ محاسبتهم بشدة وباستمرار على أي لقاء فردى أو زيارات أو اجتماعات تحدث بينهم .
- جـ ـ عزل المتدينين عموماً عن أي تنظيم أو اتحاد شعبي أو حكومي أو اجتماعي أو طلابي أو عمالي أو إعلامي.
- د ـ التوقف عن السياسة السابقة في السماح لأي متدين بالسفر للخارج للدراسة أو العمل حيث فشلت هذه السياسة في تطوير معتقداتهم وسلوكهم، وعدد بسيط جداً منهم هو الذي تجاوب مع الحياة الأوربية في البلاد التي سافروا إليها . أما غالبيتهم فإن من هبط منهم في مكان بدأ ينظم فيه الاتصالات والصلوات الجماعية أو المحاضرات لنشر أفكاره .
- هـ ـ التوقف عن سياسة استعمال المتدينين في حرب الشيوعيين واستعمال الشيوعيين في حربهم بغرض القضاء على الفئتين، حيث ثبت تفوق المتدينين في هذا المجال، ولذلك يجب أن نعطى الفرص للشيوعيين لحربهم وحرب أفكارهم ومعتقداتهم، مع حرمان المتدينين من الأماكن الإعلامية .
- و ـ تشويش الفكرة الشائعة عن الإخوان في حرب فلسطين والقتال وتكرار النشر بالتلميح والتصريح عن اتصال الإنجليز بالهضيبى، وقيادة الإخوان، حتى يمكن غرس فكرة أنهم عملاء للاستعمار في أذهان الجميع .
- ز ـ الاستمرار في سياسة محاولة الإيقاع بين الإخوان المقيمين في الخارج وبين الحكومات العربية المختلفة وخاصة في الدول الرجعية الإسلامية المرتبطة بالغرب، وذلك بأن يروج عنهم في تلك الدول أنهم عناصر مخربة ومعادية لهم وأنهم يضرون بمصلحتها، وبهذا تسهل محاصرتهم في الخارج أيضاً .
ثانياً : استئصال السرطان الموجود الآن:
وبالنسبة للإخوان الذين اعتقلوا أو سجنوا في أى عهد من العهود يعتبرون جميعاً قد تمكنت منهم الفكرة كما يتمكن السرطان في الجسم ولا يرجى شفاؤه، ولذا تجرى عملية استئصالهم كالآتي :
المرحلة الأولى :
إدخالهم في سلسلة متصلة من المتاعب تبدأ بالاستيلاء أو وضع الحراسة على أموالهم وممتلكاتهم، ويتبع ذلك اعتقالهم وأثناء الاعتقال تستعمل معهم أشد أنواع الإهانة والعنف والتعذيب على مستوى فردى ودوري حتى يصيب الدور الجميع ثم يعاد وهكذا .
وفي نفس الوقت لا يتوقف التكدير على المستوى الجماعي بل يكون ملازماً للتأديب الفردي .
وهذه المرحلة إذا نفذت بدقة ستؤدى إلى :
- بالنسبة للمعتقلين:اهتزاز الأفكار في عقولهم وانتشار الاضطرابات العصبية والنفسية والعاهات والأمراض بينهم.
- بالنسبة لنسائهم: سواء كن زوجات أو أخوات أو بنات فسوف يتحررن ويتمردن لغياب عائلهن، وحاجتهن المادية قد تؤدى لانزلاقهن .
- بالنسبة للأولاد: تضطر العائلات لغياب العائل ولحاجتها المادية إلى توقيف الأبناء عن الدراسة وتوجيههم للحرف والمهن، وبذلك يخلو جيل الموجهين المتعلم القادم ممن في نفوسهم أى حقد أو أثر من آثار أفكار آبائهم .
المرحلة الثانية :
إعدام كل من ينظر إليه بينهم كداعية، ومن تظهر عليه الصلابة سواء داخل السجون أو المعتقلات أو بالمحاكمات، ثم الإفراج عنهم بحيث يكون الإفراج عنهم على دفعات، مع عمل الدعاية اللازمة لكي تنتشر أنباء العفو عنهم ليكون ذلك سلاحاً يمكن استعماله ضدهم من جديد في حالة الرغبة في إعادة اعتقالهم .
وإذا أحسن تنفيذ هذه المرحلة مع المرحلة السابقة فستكون النتائج كما يلي :
- 1 ـ يخرج المعفو عنه إلى الحياة فإن كان طالباً فقد تأخر عن أقرانه، ويمكن أن يفصل من دراسته ويحرم من متابعة تعليمه .
- 2 ـ إن كان موظفاً أو عاملاً فقد تقدم زملاؤه وترقوا وهو قابع مكانه .
- 3 ـ إن كان تاجراً فقد أفلست تجارته، ويمكن أن يحرم من مزاولة تجارته .
- 4 ـ إن كان مزارعاً فلن يجد أرضاً يزرعها حيث وقعت تحت الحراسة أو صدر قرار استيلاء عليها .
وسوف تشترك الفئات المعفو عنها جميعها في الآتي:
- 1 ـ الضعف الجسماني والصحي، والسعي المستمر خلف العلاج والشعور المستمر بالضعف المانع من أية مقاومة .
- 2 ـ الشعور العميق بالنكبات التي جرتها عليهم دعوة الإخوان وكراهية الفكرة والنقمة عليها .
- 3 ـ انعدام ثقة كل منهم في الآخر، وهى نقطة لها أهميتها في انعزالهم عن المجتمع وانطوائهم على أنفسهم .
- 4 ـ خروجهم بعائلاتهم من مستوى اجتماعي أعلى إلى مستوى اجتماعي أدنى نتيجة لعوامل الإفقار التي أحاطت بهم .
- 5 ـ تمرد نسائهم وثورتهن على تقاليدهم، وفي هذا إذلال فكرى ومعنوي لكون النساء في بيوتهن يخالف سلوكهن أفكارهم، ونظراً للضعف الجسماني والمادي لا يمكنهم الاعتراض .
- 6 ـ كثرة الديون عليهم نتيجة لتوقف إيراداتهم واستمرار مصروفات عائلاتهم .
النتائج الإيجابية لهذه السياسة هي :
- 1 ـ الضباط والجنود الذين يقومون بتنفيذ هذه السياسة سواء من الجيش أو البوليس سيعتبرون فئة جديدة ارتبط مصيرها بمصير هذا الحكم القائم حيث يستشعرون عقب التنفيذ أنهم ( أى الضباط والجنود ) في حاجة إلى نظام الحكم القائم ليحميه من أي عمل انتقامي قد يقوم به الإخوان للثأر .
- 2 ـ إثارة الرعب في نفس كل من تسول له نفسه القيام بمعارضة فكرية للحكم القائم .
- 3 ـ وجود الشعور الدائم بأن المخابرات تشعر بكل صغيرة وكبيرة وأن المعارضين لن يستتروا وسيكون مصيرهم أسوأ مصير .
- 4 ـ محول فكرة ارتباط السياسة بالدين الإسلامي .
انتهى ويعرض على السيد الرئيس جمال عبد الناصر
إمضاء
السيد / رئيس مجلس الوزراء
السيد / قائد المخابرات
السيد / قائد المباحث الجنائية العسكرية
السيد / مدير المباحث العامة
السيد / شمس بدران
أوافق على اقتراحات اللجنة
جمال عبد الناصر
الملامح العامة للخطة التي انتهجها عبد الناصر للقضاء على الإخوان جسدياً وفكرياً
مارس نظام عبد الناصر سياسة ممنهجة للقضاء على الإخوان جسديا وفكريا ومنح عبد الناصر السلطات الكاملة لمدير مخابراته صلاح نصر لتنفيذ تلك الخطة ووضع صلاح نصر خطته للقضاء على الإخوان على شقين الشق الأول عمليات غسيل المخ لأفراد الجماعة لإعادتهم إلى طبيعتهم الأولى ،ووضع صلاح نصر الشق الثاني من تعامله مع الإخوان في القسوة والعنف والإرهاب .
ومن أجل هذا تم تنفيذ الأتي:
- 1- عقد الندوات وإلقاء المحاضرات والمناقشات لأفراد الجماعة واستخدام متخصصين في ذلك...
- 2- التعذيب بكافة صوره وأشكاله من ضرب بالعصي والكرابيج واستخدام أسلاك الكهرباء في التعذيب ، والإلقاء بالإخوان في غرف مليئة بالماء تمنعهم من النوم ، بل ووصل الأمر إلى حد التعذيب باستخدام الكلاب !!
- 3-رمي الإخوان في السجون والمعتقلات والتنكيل بهم لتحقيق لانهيار النفسي والجسماني فيتم إخضاعهم وتشكيلهم.
- 4-إتباع وسائل الحرمان من جميع حقوق المعتقلين السياسيين والتي أقلها رؤية أسرهم.
وكانت أوامر صلاح نصر لإدارة السجن التعامل مع الإخوان بكافة الطرق الوحشية وتتمثل في:
- 1- حرمان من العلاج .
- 2- حرمان من تطبيق لائحة السجون لقد كان يسمح لكل مسجون قضي في الجبل 24شهرا أن يصنع في ورش اليمان وحين اشتكى بعض الإخوان الذين قضوا أكثر من 24 شهرا أجابت إدارة اليمان أن ذلك من اختصاص المباحث وجاء رد المباحث في خطاب رسمي بتحريم ذلك لإجراء بالنسبة للإخوان المسلمين حتى ولو قضوا أقضى مدة قانونية وهي 36 شهرا وكان هذا يعني أن عمل الإخوان في الجبل وحمل الأحجار لا ينتهي باللائحة أو قوانين .
- 3- وفي الجبل غضت الإدارة الطرف عن أربعة آلاف مسجون كانوا يعملون .. ووجهت كل الرقابة والمتابعة ووسائل الاستفزاز إلى الإخوان المسلمين المائة والثمانين.. كان الضابط عبد الله رشدي يصر على استلام المقطوعية كاملة بنفسه وذلك بأوامر مباشرة من صلاح نصر لتكدير الإخوان وإذا كان هناك عجز في مقطوعيتهم كان الجلد بالسياط ووصل عدد الإخوان في التأديب إلى خمسة وخمسين .!!
- 4- وفي فبراير سنة 1956 دبرت عناصر من إدارة اليمان حادث للاعتداء على الإخوان وكان أبرزهم عبد العال سلومة، وعبد اللطيف رشدي.. جردوا الإخوان من حاجياتهم المسموح بها قانونا.. وصادروا أطعمتهم حتى الأحذية والصابون .
- 5- اضطلع الضابط عبد العال سلومة بأوامر من صلاح نصر بدور رئيس في التدبير للمذبحة... وفي كل سجن التقى فيه هذا الضابط بالإخوان المسلمين لم يتورع لحظة من إلحاق الأذى بهم والكيد لهم.. وفي رمضان كان التفتيش يتوقف في اليمان إلا في دور 3 حيث كانت زنازين الإخوان كان سلومة يقوم بذلك مرة أو مرتين في الأسبوع ، وكان هذا الضابط المتعجرف يقول للإخوان المسلمين "إنني سأجعل من زنازينكم بركا للدماء !!"
- 6- وقبل المذبحة بيومين أمر العميد الأحمق سيد والي والذي وضعة صلاح نصر مأمورا قبل المذبحة بفترة وجيزة بإخراج جميع مرضى الإخوان من الملاحظة الطبية وخروجهم إلى العمل في الجبل وحاول الأطباء مناقشته في الأمر ولكن دون جدوى .
- 7- وبلغ إجرام هذه الفئة من الضباط إلى حد أن احدهم صرح وهو الضابط عبد الله ماهر أنه سيحرق الإخوان بالجاز!!
- 8- ما يقرب من الأعوام الثلاثة قضاها الإخوان في اليمان في هذا الجو من العنت والعذاب ومع ذلك تحملوا وفوتوا الفرصة تلو الفرصة على الجناة حتى عبر أحد ضباط اليمان على ذلك بقوله: "إن أشد ما يغيظنا منكم هو ذلك السبب السلبي !!"
ومما يدل على شذوذ صلاح نصر في تعامله مع الإخوان أنه كان يقوم بتكريم وترقية كل من يقوم بتنفيذ التعذيب الجسدي والنفسي ضد الإخوان داخل السجون والمعتقلات ومن الأمثلة على ذلك ما فعلة مع صفوت الروبي الذي قام بترقيته لا لشيء إلا لتفننه في تعذيب الإخوان داخل السجون بأمر من صلاح نصر.
كما أن صلاح نصر قام باختراع أنظمة تدل على وحشيته في تعامله مع الإخوان حيث أنه اتخذ إجراءات معهم لم يتخذها مع أي فصيل سياسي أخر من هذه الإجراءات القبض على النساء وتعذيبهم بأشد وسائل التعذيب البدني والنفسي لإجبارهم على الاعتراف بما لم يفعلوا ولتأكيد ما نسبه صلاح نصر لذويهم من اتهامات .
نماذج للحرب النفسية ضد الإخوان في عهد عبد الناصر
مع اشتداد المواجهة بين الإخوان وضباط الثورة أو بالأدق مجموعة جمال عبد الناصر دشنت حكومة عبد الناصر حملة إعلامية مركزة لتشويه صورة الإخوان وهو ما يكشف عنها د ريشتارد ميتشل في كتابه (الإخوان المسلمين ... دراسة أكاديمية) فيقول:
ومنذ ذلك الوقت استخدمت الحكومة منهجًا مزدوجًا للهجوم، فمن ناحية أطلقت العنان لحملة صحيفة مكثفة ومستمرة ضد الهضيبي وضد سياستهم. ومن ناحية ثانية، شددت إجراءات الأمن وفرضت رقابة أكثر صرامة، ومستفزة أحيانًا، على ذلك القدر الضئيل الذي بقي من نشاط الجماعة. وربطت الحملة الصحيفة بين عدد من العناصر لا رابط بينها في الغالب، بل والمتعارضة أحيانًا، أولهما: المعاهدة السرية بين الهضيبي والبريطانيين والتي كانت النقطة الأساسية التي ما لبثت أن أضيف إليها تفاصيل كثيرة تضمنت قبوله (شروطًا للجلاء) منها مبدأ الدفاع المشترك مع العرب، والخبراء العسكريين والتحالف مع الإنجليز بعد الجلاء. مع التنويه الخاص إلى منها مبدأ الدفاع المشترك مع العرب، والخبراء العسكريين والتحالف مع الإنجليز بعد الجلاء، مع التنويه الخاص إلى سرية تلك المفاوضات.وثانيها علاقته مع الملك المخلوع والفئات الحاكمة السابقة (الهلالي وماهر النقراشي) التي عولجت بتفصيل شديد، وبالتأكيد على زياراته للقصر وتعاونه مع العهد البائد، وعجزه عن تحديهم في الوقت الذي تحدي فيه ثورة أبناء الأمة والشعب. وثالثًا: انسجام سياسته مع سياسات الإمبرياليين والصهاينة وخدمتها لأهدافهم على حساب مصر، ورابعًا: انضمامه للشيوعيين في محاولة التنسيق والربط بين (قوات التخريب)، وهكذا تمت بالفعل إعادة أحياء النزاعات القديمة وعلى نحو مفصل، بحيث تأكد بذلك كله- مضافًا إليه كل الأشياء الأخرى التي قيلت- المغزي المطلوب وهو أن الهضيبي وجهازه السري قد انحرفوا عن مبادئ الجماعة.
وفضلا عن ذلك كان للحملة وجهان آخران:
- 1- تضمنت افتتاحيات الصحف والمجلات الرسمية، ردودا وتفنيدات للمنشورات السرية التي ملأت الشوارع، دون أن تنشر نصوصها أو تشير إلى مضمونها على نحو دقيق أو كامل.
- 2- كانت الصحف تنشر أعمدة يومية تقريبًا تتضمن رسائل زعم أن بعض الإخوان بعثوا بها للحكومة يستنكرون موقف الهضيبي بوجه خاص أو الجماعة بوجه عام في مناهضة مجلس قيادة الثورة، وتلك وسيلة تقليدية في مصر لهز الثقة في الخصم السياسي أو للتمهيد جماهيريًا لتبني اتجاه معين أو مناهضته.
وكان الغرض المتوخي من نشر هذه الأنباء هنا وهناك في الصحف والمجلات هو تبرير إيقاف نشاط الجماعة، وفي 28 أغسطس نشرت الصحف بحروف بارزة تقارير صادرة عن وزارة الداخلية حول (الاعتداءات على البوليس والشعب) من جبان الإخوان المسلمين بعد انتهاء صلاة الجمعة في مسجدهم بالروضة، ومضى التقرير يقول أنه بعد خطبة قصد منها إثارة الشغب، ترك الإخوان المسجد وتهجموا على البوليس وجمهور المتفرجين من المارة، أما ما حدث بالفعل فكان مختلفًا إلى حد ما، فالخطبة كانت في الواقع مناشدة أخرى من قائد طلابي قديم صديق لعبد الناصر من أجل العمل على استبعاده الهدوء وإطلاق الحريات، وقد تضمنت الخطبة ما يناسب المقام من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وانتهي اللقاء وبدأت جموع المصلين في التفرق في اللحظة التي بدأت فيها محاولة مستفزة من قوة عسكرية يقودها البوليس (وصلت أثناء الصلاة وأحاطت بالجامع) لاعتقال الخطيب مما أثار ثائرة الحشد وبرر استخدام العنف، بما في ذلك رصاص البنادق، للسيطرة على الموقف.
وفي العاشر من سبتمبر أوردت الأنباء حادثًا مشابها بمسجد الإخوان بطنطا، (اعتداء الإخوان المسلمين على المواطنين)، معركة في المسجد استخدم أمام المسجد خلالها السكين في الهجوم على خصومه، وفي اليوم التالي أنكرت الحكومة في الصحف واقعة تدخل الحرس الوطني الذي ترعاه الحكومة والذي لم يشر له رسميًا على الإطلاق (والذي وصلت أخباره إلى القاهرة بعد ساعات قليلة من المعركة) مما أوحي لعديد من المراقبين بأنه حادث مدبر آخر، وبعد هذا الحادث اتخذت الحكومة لإجراءات اللازمة لغرض رقابة أكثر صرامة على المساجد من خلال وزارة الأوقاف.
وبعد نشوب معركة بين الإخوان المسلمين والبوليس المحلي بلدة ميت غمر، وقيام مظاهرة صغيرة في إحدى مباريات الكرة وبعد الهجوم الذي شنه الحرس الوطني على إحدى عيادات الإخوان في السويس وتحطيمها، إلى جانب أحداث المساجد، ثم اعتقال عدد محدود من الإخوان، وفي أواخر سبتمبر وأوائل أكتوبر حدثت عملية تطهير داخل قوات البوليس، وانتشرت قصة في ذلك الوقت تتحدث عن اعتقال فصيلة من جنود البوليس وضابطها قبل أنه عثر معهم، عندما أوقفوا وهم في طريقهم إلى عملهم- على منشورات وكتيبات للجماعة لتوزيعها، كما أعتقل واحد من الإخوان أيضًا بسبب تعديه على أحد ضباط الجيش في الشارع، وأعتقل عدد آخر من الإخوان بتهمة إخفاء أسلحة، واعتقل أيضًا هؤلاء الإخوان الذين أشتبه في دخولهم في (جبهة وطنية) مع الشيوعيين.
وفي يونيو أعلنت الجريدة الشيوعية السرية (رأي الشعب) وقد نشرت تنديد استنكارها العلني للإخوان بعد مسيرة الجماعة في مارس، أن مقاومة الثورة تقودها قوتان رئيسيتان هما الحزب الشيوعي وجماعة الإخوان المسلمين، وأوصي نفس المقال بوجوب بذل جهد مشترك من أجل (إسقاط حكومة جمال عبد الناصر) .وجدد العرض مرة أخرى في يوليو، وقبل بعض الإخوان اليد التي امتدت للتعاون، وخلال يوليو وأغسطس وضعوا معا خطة مظاهرة مشتركة ومسيرة احتجاج إلى قلب العاصمة، والتي كان عليها أن تثير انتفاضة شعبية تسقط عبد الناصر، تبدأ من مسجد الإخوان بعد أداء صلاة الجمعة وامتلأت الخطة برموز وإشارات عدة لاستخدمها في التعرف على أعضاء المؤامرة أثناء تجمعهم في المسجد والمنطقة المحيطة به على أن الخطة لم يكتب لها النجاح لأسباب مختلفة أهمها التنبيه الذي وجه في اللحظة الأخيرة من الداخل، ومن كبار المسئولين في الجماعة إلى حماقة التحالف مع الشيوعيين وإلى استحالة ذلك من الوجهة الأيديولوجية بالنسبة للإخوان، ولم يتجسد هذا التعاون المحدود عمليا ألا في الاتفاق الذي تم على تعاون كل من الطرفين في توزيع منشورات الآخر، وفي أثناء هذا النشاط ثم ضبط بعض الإخوان واعتقالهم، ولم يعرف من بين الشخصيات الهامة التي ارتبطت بهذا الاتصال سوى سيد قطب رئيس قسم نشر الدعوة والمشرف على تحرير صحيفة الجماعة ومؤلف معظم المنشورات السرية، وقد أصبح سيد قطب- بعد ذلك- المتحدث الرئيسي باسم الجماعة بعد حلها الأخير عام 43 وآخر شهدائها عام 1966.
وبلغت الأمور في القاهرة ذروة درامية مع إعلان مجلس قيادة الثورة في 23 سبتمبر، تجريد ستة من المصريين من جنسيتهم بدعوي تشويههم لسمعة بلادهم في الخارج وإضرارهم بعلاقاتها مع جيرانها العرب، وكانت التهمة المواجهة إليهم (خيانة الوطن). وهؤلاء الستة- وكانوا جميعا خارج البلاد- هم سعيد رمضان وعبد الحكيم عابدين وسعد الدين الوليلي ومحمد نجيب جويفل وكامل إسماعيل الشريف (وكلهم من الإخوان المسلمين)، ومحمود أبو الفتح أحد الوفديين البارزين وأحد أفراد العائلة التي كانت تملك الجريدة الوفدية (المصري) والذي عرف عنه تحالفه مع الإخوان المسلمين وكان الإخوان الخمسة وقتئذ في سوريا يحضرون مؤتمرًا عقد بدمشق وقد حملوا مسئولية تلك المنشورات التي صدرت عن المؤتمر باسم الجماعات الموجودة في العراق والأردن والسودان، مدافعة عن قضية الإخوان ضد حكومة مصر، وتشديد حملة الصحافة السورية المناهضة لمجلس قيادي الثورة، وكذلك حملوا مسئولية تسرب الأنباء التي يذيعها راديو إسرائيل حول النزاع في مصر، وتوترت العلاقات بين مصر وسوريا بسبب موضوع النشاط المستمر للإخوان في سوريا، وبسب مصير هؤلاء الإخوان الذين جردوا من الجنسية، ونجم عن هذا التوتر هجوم عنيف على سوريا في الصحف المصرية- استعدت بطبيعة الحال زيارة عجالة قام بها رئيس الوزراء السوري ورئيس هيئة الأكارن، وكذبت الحكومة الإشاعات التي راجت حول منح سوريا حق اللجوء السياسي لهؤلاء الإخوان، ألا أن أنباء راديو إسرائيل في 13 أكتوبر أوردت هذا النبأ الذي تأكدت صحته خلال يوم واحد في الإذاعة المصرية المحدودة الانتشار، وبعد هذه التجربة فرضت الحكومة رقابة مشددة على سفر الإخوان المشتبة فيهم، وهي خطوة تزامنت مع تلك الهجرة المحدودة إلى الكويت والبحرين والسعودية وسوريا.
أسلوب غسيل المخ في عهد عبد الناصر
تعتبر عملية غسيل المخ من أهم وسائل القضاء على الأفكار وتغيير المعتقدات تقوم بها مخابرات الدول والأجهزة القمعية بصورة كبيرة لمحاربة المعارضة السياسية والقضاء عليها واشتهر هذا الأسلوب بصورة كبيرة إبان الحرب الباردة ، عملية غسيل المخ وان كانت قديمة , فان أسسها العلمية لم تتضح إلا في أوائل الثلاثينات من القرن العشرين حيث بدأت الخطوة الأولى على مخ الحيوانات في معمل العالم الروسي الشهير بافلوف (1849-1936).
وتعتبر الحرب الكورية (1950-1953) من أشهر الحروب التي أستعمل فيها غسيل الدماغ, حيث قد وقع الكثير من الجنود الأمريكيون في أسر الشيوعيين الصينيين, وقام هؤلاء الجنود بالاعتراف بأنهم اعتنقوا الشيوعية ولقد فسرت هذه الاعترافات بأنها كانت نتيجة وقوعهم تخت تأثير غسيل الدماغ, وتقول دائرة المعارف الأمريكية (إن الفنيات التي استخدمت في غسيل الدماغ اختلفت من جماعة إلى أخرى ولكن الاتجاه الأساسي كان واحدا فقد كان التحكم في البيئة الاجتماعية والبدنية للضحية يتم لتدمير أي فكر معاد للشيوعية واستبداله بالإيمان بالفكر الشيوعي.
ولقد أورد إدوارد هنتر Edward Hunter في كتاب Brain-Washing: The Story of the Men Who Defied رواية رجل أمريكي تعرض للأسر لدي الشيوعيين فقال ما يلي : (إن لعبة القط والفأر التي يلعبها الشيوعيون بعقل رجل ما وصفت بدقة بواسطة الكابتن (زاك دين) وهو من القوات الجوية الأمريكية, وكان قبل ذلك يعمل مهندسا للبترول في ولاية أوكلاهوما وعندما سألته عما حدث قال : أن الشيوعيون يضغطون عليك حتى نقطة الموت ثم ينقذونك ثم يعاودون الضغط عليك حتى ترى باب الموت, وعندما تكون على وشك دخوله فأنهم يشدوك بعيدا, ربما لا يصدق ما سأقصه عليك, ولكن بعد أن يكرروا ذلك الأسلوب عدة مرات فأنك تشعر بالعرفان لهم لإنقاذهم حياتك, وتنسى أنهم كانوا هم الأفراد الذين كانوا على وشك أن يقتلوك, وكل ما تحسه إنهم هو الذين أنقذوك وتكون مستعدا أن تفعل كل شيء يريدونه.
غسيل المخ : Brain washing
غسيل المخ Brain washing مصطلح شائع بين الناس ينطقون به في مناسبات عديدة فعندما يتحول الإنسان في رأيه ويدافع عن الرأي الأخر يقولون له " إنت لازم تغسل مخك " فالمفهوم يكثر تداوله بين الأفراد عندما يتنافسون على المراكز أو المناصب الوظيفية أو السياسية . هل يمكن بالفعل أن تقوم بغسيل المخ ؟ وما هو على وجه التحديد ؟ وما هي أساليب تحقيقه ؟ .
وتلك العملية تقوم أساسا على مظهرين محوريين هما :
- 1- الحصول على الاعترافات الخاصة بالجرائم التي حدثت .
- 2- إعادة التعليم لزرع الأفكار الجديدة . واستمرت تلك الأساليب على جانب من السرية حتى أصبحت علما يدرس حتى يمكن الاستفادة منه وتطويعه لخدمة المجتمع الإنساني .
فالمصطفى صلى الله عليه وسلم قد استخدم أساليب نفسية مع الكفار الذين يقعون في الأسر حتى يحصل منهم على معلومات عن العدو فكل مجتمع يريد أن يستخدم العلم في سبيل تحقيق النصر .
وحيث أن تلك العملية معقدة ومتعددة الجوانب فهي في مركز العديد من العلوم : علم النفس , علوم المخ والأعصاب , علم الاجتماع , علم الجريمة , علوم الشرطة . وقد تطورت المعرفة العلمية بحيث أن الإنسان يمكن أن يخضع لممارسة عملية غسيل المخ بدون ضغوط وبدون أذى ويتم ذلك عن طريق :
- 1- الغمر الاجتماعي للفرد خصوصا في مرحلة المراهقة لذلك فإن المكاتب الثقافية للدول المختلفة تحاول بكل إصرار أن تغزو المخ العربي من خلال ترغيب الشباب في ثقافتهم وتقديم المنح المجانية للمتفوقين في الثانوية العامة حتى يتم مسح أفكارهم التي جاءوا بها وإبدالها بفكرهم وإن كان تعديل الاتجاهات والأفكار يقابل مقاومة عالية كلما تقدم الفرد في العمر إلا أن جميع الأفراد لديهم القابلية بدرجات مختلفة لترك فكرة محددة وقبول فكرة جديدة .
- 2- عن طريق وسائل الإعلام والإيحاء النفسي أثناء عملية الاسترخاء فتكرار تقديم إعلان عن نوع معين من الملابس أو الأدوات أو السلع يجعل الفرد يترك فكرته عن القديم ليبدأ في شراء ما يعلن عنه بطريقة جذابة .
- 3- استخدام الإقناع عن طريق دراسة مسبقة للأفكار والاتجاهات والقيم التي يدين بها الفرد وعلى أساسها يتم وضع برامج منظمة تهاجم تلك الأفكار بأسلوب منظم .
تعريف غسيل المخ :
- تعرف عملية إخضاع الأفراد عن عمد لأساليب القسوة النفسية أو الجسمية بهدف تغيير أفكارهم أو اتجاهاتهم أو أفعالهم بغسيل المخ . وهو يختلف تماما عن تحقيق نفس الأهداف من خلال إعادة التعليم والإقناع والغمر الاجتماعي .
- كما أن زراعة الأفكار والاتجاهات يمكن أن تحدث من خلال ما يعرف بوسائل التثقيب التي شاعت في الدول الشيوعية لفترات طويلة ليفاجئنا العصر الحالي بقنبلة انهيار العالم الشيوعي ( دائرة معارف ليكسكون جزء 3 ) .
- وقد أدى تطور وتحسين الأساليب الفنية فى علم النفس والنيورفسيولوجيا الى وضع برامج متقدمة لعملية غسيل المخ لتحقيق هدف المسح الكلى الشامل Totalism أسلوب الحياة , الأفكار والمشاعر , العقائد والاتجاه السياسي ....الخ.
أساليب غسيل المخ
- اختلفت أساليب إخضاع الأفراد عن عمد لتغير أفكارهم فهناك فنيات تقوم على الأدوية المخدرة لتؤثر على المخ وتجعل الفرد في حالة دوخة أو إعياء نفسي يبدأ بعده الحديث في موضوعات لا يريد التحدث عنها في حالة اليقظة وأخرى تستخدم أساليب تعتمد على إجهاد الجسم كما توجد فنيات أخرى تعتمد على الحرمان الحسي Sensory Deprivation ويمكن أن نقدم الأفكار الأساسية لتلك الطريقة فيما يلي :
أولاً: استخدام الأساليب الكيميائية
- وتعرف المواد المستخدمة بأدوية الحقيقة Truth Drugs ومن أمثلة الأدوية ما يعرف بإسم ثيوبنتون الصوديوم Sodium Thiopentane وتأثيرها ليس كما نتوقعه فهي تجعل الأفراد في حالة دوخة ما بين النوم واليقظة وتشبه في تأثيرها الكحولات . أما عن الأثر الفسيولوجي فهو ببساطة شديدة يؤدى إلى إخماد نقاط الحراسة في المخ والتي تجعل الإنسان دائما فى حالة الوعي واليقظة والتي تقع فى ساق المخ والتكوينات الشبكية حيث ينقطع التنشيط عن القشرة المخية .
- وفى تجارب أخرى أمكن التنبؤ بوجود مواد كيميائية تعمل على تحويل وجهة الفرد الحالم لتجعله قاتلا وقد سمعنا كثيرا عن حالات الإجرام التي ظهرت بسبب تعاطى الهيروين وخلافه إلا أن مادة الكارباكول Carbachol أو الأتروبين إذا ما أدخلت إلى المخ فإنها تمثل مفتاح أكيد لمناطق المخ وفى أوقات الحروب تستخدم بطريقة الخداع في عبوات تشبه الإيروسول ما يعرف بمواد الهلوسة تجعل العدو في حالة ارتباك شديد مع ظهور سلوكيات الهوس , كما أن هناك أساليب إجرامية تستخدم غازات خطرة تغمر الجهاز العصبي بمادة الإسيتيل كولين acetyl coline فيموت الفرد مباشرة بطريقة تشبه الخنق .
- إلا أن البحث العلمي يثبت أن غسيل المخ بالطرق الكيميائية لا يصلح مع جميع الأفراد .
ثانيا: الحرمان الحسي
أجرت جامعة ماك جيل مونتريال Montreal’s Mcgill university فى عام 1951 عدة تجارب على المتطوعين لعمليات العزل والحرمان الحسي وفى تلك التجارب يعزل الفرد وحيدا فى غرف مظلمة معزولة صوتيا مع ارتداء قفازات في اليد وموانع للسمع على الأذن وليس عجيبا أن نسمع عن الحرمان الحسي فلقد مارسه منذ أزمنة عديدة وتمارسه الآن مجموعات التصوف واليوجا حيث يقومان بعمليات تدريب على الاعتكاف عن لذات العالم ومصادر الإحساس لإخضاع المخ على التركيز والإيحاء .
وكما أوضحنا سابقا فإن الحرمان الحسي يؤثر على التكوينات الشبكية ومن ثم يتحكم في درجة الوعي فيؤدى إلى فقدان الشعور وتفكك وحدات عمل المخ وبالتالي التفكير فيصل الفرد إلى حالة التفكير غير المترابط ( أحمد عكاشة 1975) وتندرج عمليات الحرمان الحسي طبقا لاختلاف المعامل والأسس النظرية ويمكن أن تتنوع أساليب الحرمان الحسي بحيث تشمل :
- أ- حرمان المؤثر .
- ب- نقص الإحساس
- ج- العزل الإدراكي
- د- العزل الاجتماعي
ويمكن تلخيص الآثار النفسية للحرمان الحسي فيما يلي :
- 1- تغيرات وجدانية سلبية تبدأ بالنشوة والاسترخاء .
- 2- بعد فترة من الزمن , ليست طويلة , يشعر الفرد بصعوبة فى تركيز التفكير والتوجه المنطقي .
- 3- السرحان .
- 4- تناوب النوم مع اليقظة بصورة غير منتظمة .
- 5- الإثارة العصبية .
- 6- الملل والرتابة والشعور بالضيق يؤدى إلى إحساس الفرد بالاكتئاب وبزيادة جرعة الحرمان يدخل الفرد في أطوار الهذيان وشعوره بأن جسمه غريب عنه . عندئذ تحدث الهلاوس البصرية والسمعية والحسية . وبالطبع فإن تلك الأعراض تزول بعد انتهاء التجربة . وعموما فإن قابلية الشخص للإيحاء وتكوين بناء الشخصية لديه يلعب دورا هاما في سرعة ظهور أو عدم ظهور تلك الأعراض .
التغيرات الفسيولوجية للحرمان الحسي:
- 1- يؤدى الحرمان الحسي إلى إغلاق نشاط التكوينات الشبكية التي تعمل أساسا مع استقبال المعلومات الحسية ومن ثم تحدث اضطرابات في الإدراك والانتباه كأن يشعر الفرد بأنه يستقبل أصوات من أناس آخرين أو يرى وهجة من الضوء لا أساس لها من الصحة . كما يؤثر الحرمان الحسى على وظائف الانتباه والدافعية لدى الفرد . ( س . م . س . ألين CMC.Allen, وآخرون, سنة 1984) .
- 2- أثبت بيرجر سنة 1929 أن ظهور إيقاع ألفا alpha Rhythm يرتبط بالاسترخاء والهدوء في وجود مثيرات الحياة العادية ويظهر واضحا عند إغلاق العين , ولكن إذا استمر ذلك الهدوء فى عدم وجود معلومات حسية – أي في حالة الحرمان الحسي – فإن ذبذبات ألفا تأخذ فى البطء ويزداد نسبة ظهور ذبذبات دلتا وثيتا وهى تشير الى حالة إخماد المخ .
- 3- تنخفض قيمة استجابة الجلد الجلفانية كلما زادت فترة الحرمان الحسي .
- 4- تحدث تغيرات واضحة في بعض هرمونات الدم حيث ترتفع نسبة النور أدرينالين في الدم .
- 5- ينخفض وزن الجسم بشكل ملحوظ كلما زادت فترة الحرمان الحسي . وعموما فإن قدرات الإنسان على تحمل الحرمان الحسي تختلف من فرد لأخر فالبعض يهرب من بداية التجربة أما البعض الأخر يتحمل . وقد لوحظ أيضا حدوث اضطراب مؤقت في الوظائف المرتبطة بالتعلم والاستدلال المنطقي .
الإيحاء والحرمان الحسي:
- الإيحاء ظاهرة نفسية عصبية فسيولوجية لابد وأن يمر بها كل إنسان فجميع الأفراد لديهم قابلية للإيحاء بدرجات مختلفة , وارتفاع القابلية للإيحاء ظاهرة ليست سوية حيث تنتشر الإشاعات بسرعة وعمق في المجتمعات التي ترتفع لدى أفرادها القابلية للإيحاء , وأكثر الناس عرضة للإيحاء هم الذين يعانون من أمراض عصبية ونفسية كما أن مدمنين الكحولات والسموم البيضاء ترتفع قابليتهم للإيحاء بدرجة عالية . ويمكن إذا كان الهدف تغير أفكار واتجاهات الفرد عن عمد فإن الحرمان الحسي بدرجات محسوبة يسهل عملية الإيحاء بالأفكار الجديدة ولذلك فهي تصلح في العلاج النفسي لبعض الحالات الشديدة الخاصة بالوسوسة الشديدة والحرمان الحسي هنا عامل مساعد وليس هو الأساس في العلاج . ما هو الإيحاء ؟
- يعرف الإيحاء على أنه تأثيرات نفسانية متنوعة لإنسان على أخر , فهو تأثير منظم على أسس علمية للعلاج النفسي وإذا كانت الكلمات مثيرات شرطية ترتبط بأفعال الفرد وأفكاره فإن الإيحاء يقوم على استخدام كلمات انفعالية تخترق بناء الفرد الانفعالي ومن ثم يتم تكوين اشتراطات جديدة ولكنها معقدة ويؤدى ذلك إلى تعديل البؤرة الإستثارية في القشرة المخية المرتبطة بسلوك أو فكرة معينة .
عمليات غسيل المخ بقيادة صلاح نصر
أما عملية غسل المخ وهى احد الوسائل التي اعتمد عليها عبد الناصر في حربه ضد الإخوان وأوكل المهمة لمدير مخابراته صلاح نصر وقام صلاح نصر بالعديد من الإجراءات منها:
كتب صلاح نصر مدير مخابرات عبد الناصر مؤلفاً من جزأين عن الحرب النفسية.. فيه بحث طويل عن غسيل المخ في العالم كله عبر التاريخ.. وأغلب الظن أن كبار أساتذة علم النفس في مصر شاركوا في كتابته. بل لعلهم هم الذين كتبوه له.. ولا عجب في ذلك فكل مخابرات العالم عندها جيش جرار من حملة الدكتوراه في العلوم النفسية والاجتماعية.. مهمتهم العبث بعقول وأمخاخ الذين يعارضون النظام.. وكثير من معارضي الحكومات فقد عقله أثناء اعتقاله بعمليات غسيل المخ هذه ، ولقد كان من الوسائل البدائية والناجحة لهذا إيداع المعارضين في مستشفيات الأمراض العقلية، كما حدث مع أحد منفذي ثورة يوليو الشيوعي العقيد يوسف صديق ، وكثيرون غيره لا يعلمهم إلا الله، أودعوهم مستشفى الأمراض العقلية آنذاك.
تولى ضابط كبير اسمه عقيل مظهر مهمة الإشراف على برنامج غسيل المخ للإخوان ، وصمم برنامجاً لمحاضرات الإخوان في غسيل المخ لمناقشة كل القضايا الفكرية عند الإخوان واختار لها أساتذة من الجامعات وبعضاً من رجال الدين في مصر ومن هؤلاء:
- 1- الشيخ محمد بن فتح الله بدران أستاذ علم مقارنة الأديان بالأزهر الشريف وعم العقيد شمس بدران.
- 2- الشيخ محمد عبد الرحمن بيصار وذلك قبل أن يصير شيخاً للأزهر فلقد كان أستاذاً في الشريعة بالأزهر.
- 3- الأستاذ الدكتور أحمد زكي شلبي – أستاذ التاريخ بكلية دار العلوم.
- 4- الشيخ عبد اللطيف السبكي عضو هيئة كبار العلماء.
- 5- عبد الغني سعيد وكيل وزارة الشئون الاجتماعية ومحاضر اشتراكي.
- 6- الدكتور محمد أحمد وصفي أستاذ بكلية الطب البيطري.
ليس الموضوع موضوع محاضرات فقط .. ولكن العملية عبارة عن برنامج متكامل العناصر، ومناخ متناسق مع الهدف من المحاضرات.. ولقد طبق هذا البرنامج علينا كاملاً وبدقة.. ولكنه رغم ذلك فشل.. كيف؟ .. هذا فضل الله وحده علينا.
يقول صلاح نصر في الفصل الثاني من الجزء الثاني لكتابه "الحرب النفسية" بعنوان "اصطلاح جديد.. غسيل المخ":
" تختلف الأساليب المتبعة في تقويم الفكر تبعاً للظروف وتبعاً للجماعة التي تكون هدفاً للبحث، لكن الأصول الأساسية واحدة متماثلة في كل الحالات فهي تهدف إلى السيطرة على جميع الظروف المحيطة بالحياة الاجتماعية والجسمانية للفرد أو للجماعات، لإثبات أن الأفكار الفردية غير صحيحة ويجب أن تتغير.. كما تهدف إلى تنمية الطاعة والإخلاص لعقيدة معينة، فللسيطرة على بيئة الشخص الاجتماعية تبذل كل محاولة لتحطيم ولائه لأي فرد أو جماعة خارجة. ويصحب هذا أن يوضح للشخص أن اتجاهاته وطوابع تفكيره غير صحيحة ويجب تغييرها، كما يجب أن يعطي ولاءه الكامل لعقيدة معينة، ويخضع لها دون تردد، وعلى سبيل المثال استخدمت الأساليب التالية في السجون السياسية المختلفة:
1- عزل الشخص عن الحياة العامة
- وذلك بأن يزج بالفرد في زنزانة ذات أبواب حديدية وفي داخل أسوار حديدية بعيداً عن كل معارفه القدامى، وعن مصادر المعلومات وصور الحياة العادية، وهو في هذه الحالة يصبح نهباً للتعليقات والتحذيرات المفزعة، وتغشى عقله غيوم تحجب ما يدور خارج سور زنزانته، ولم يختلف التكنيك الذي يستخدم اليوم عن ذلك الذي استخدم أيام محاكم التفتيش، أو الذي استخدمه النازيون مع أسراهم في معسكرات الاعتقال، ولقد كان يتم ترك الأسير لمدة طويلة دون أن توجه له أية اتهامات، ودون السماح بتسرب أي أخبار إليه عن أسرته أو عن العالم الخارجي، فيشعر الفرد بأنه أصبح وحيداً في هذا العالم ولا يوجد بجواره من يعاونه في محنته، ويشجع على ذلك أن أخلص أصدقائه وأحبائه لا تواتيهم الجرأة ليسألوا عن مكانه أو يشيروا إلى أنهم على معرفة به خشية التعرض للاعتقال والاستجواب، ومن ثم يتم عزله.
- وبعد فترة من القلق المستمر، وبتطبيق بعض الأساليب الأخرى التي سنذكرها بعد ذلك يبدأ الاستجواب، ومن المحتمل أن يتحطم الإنسان تلقائياً، وبدرجة ملموسة نتيجة القلق والتفكير الطويل فيما يعترف به، ويصبح في حالة بؤس وتعاسة.
- وغالباً ما يناله الضعف والوهن نتيجة هذه الآلام الطويلة وما يصاحبها من ضغط فسيولوجي، بحيث يصبح عقله ملبداً بالغيوم فلا يستطيع أن يميز بين أي شيء، ويهبط إلى قرارة نفسه أي إيحاء يُقدم إليه بواسطة الأخبار أو الحيلة.. " .
2- الضغط الجسماني
- وهذا يتفاوت من الحرمان من الطعام ومن النوم إلى التصفيد بالأغلال كعقوبة لعدم التعاون مع المستجوب، والهدف من هذا كله هو الوصول بالفرد إلى درجة من الإعياء والانهيار بحيث يكون عقله قابلاً لتقبل أي توجيه من المستوجب.
- والواقع أن الجوع يلعب دوراً أساسياً في الحياة العادية دون أحوال بيولوجية معينة منها الغذاء اللازم لبناء خلايا الجسم وتجديدها.
- والتغذية السليمة هنا ليست بكمية الغذاء الذي تمتلئ به المعدة فإننا نعرف أن الجسم يحتاج إلى نسبة معينة من المواد العضوية والفيتامينات التي تمكنه من تأدية وظيفته، والواجبات الغذائية غير المتوازنة تخلق نوعاً من الجوع.
- فالعبرة هنا ليست بالبطون المنتفخة ذات البنية الضعيفة والذهن المشتت ولكن التغذية الجيدة هي التي تعمل على توازن الوجبات التي تعطى للجسم طاقته اللازمة.
- ولقد استخدم التجويع بهذا المعنى كعنصر من عناصر عملية غسيل المخ إذ كان يعطي للسجين ما يكفيه من أطعمة تمكنه من الاستمرار على قيد الحياة وليس بالكمية التي يتطلبها الجسم لجعل ذهنه يؤدي وظائفه بدرجة كافية، وكانت الأطعمة التي تقدم له تعدل بين فترة وأخرى لتحقيق الهدف المطلوب، إذ كانت نسب الطعام توضع تبعاً لصفات المقاومة التي يتصف بها الفرد، فكلما ازدادت مقاومته تعمد المستجوبون تجويعه.
- إن الجوع يجعل الإنسان يسير نحو حتفه بمحض إرادته، بل قد يدفعه إذا وصل إلى درجة مفزعة إلى أن يتخلى عن معتقداته وقيمه، خاصة إذا عاون ذلك ظروف مضنية أخرى، والإجهاد لا يقل تأثيراً على الإنسان عن الجوع، بل قد يبرزه، إذا أن الجسم يحتاج لعدد معين من الساعات للراحة والنوم، وقد يظل بعض الناس في فترة من الفترات دون نوم لمدة يوم كامل، وظل الكثيرون على قيد الحياة بقسط لا يذكر من النوم، إلا أن الاستمرار في ذلك من شأنه أن يقضي على صفاء الذهن ويؤدي بأقوى الأشخاص إلى الجنون والانتحار، لأن الإنسان يصل في النهاية إلى درجة من الانهيار وتشويش ملكته العقلية وفقدانه كل إحساس.
- ويستغل المستجوبون في السجون السياسية هذا كله مهيئين بيئة يصبح فيها النوم شبه مستحيل، إذ يوقظون الفرد في ساعة غير عادية أو يجبرونه على الاستيقاظ كلما نام، أو يوقظ في غلظة وخشونة، ثم يستجوب لفترة قصيرة ويعاد ثانية لزنزانته، والهدف من ذلك كله هو إجهاد المتهم أو الأسير حتى يصل في النهاية إلى درجة من الانهيار تمكن المستجوب من الإيحاء إليه بما يريد.
3- التهديدات وأعمال العنف
- يتخذ هذا الأسلوب شكلين متناقضين، فإما أن يكون مباشراً كاستخدام العنف والضرب والركل حتى الموت، وربط السجين بشدة من أسفل بحيث لا يستطيع حراكاً ثم يوضع حجر ثقيل فوقه ويترك هكذا لمدة طويلة إلى غير ذلك من الوسائل غير الإنسانية.
- وأما التهديد والعنف بشكل غير مباشر، فمثلاً قد يتحدث المستجوب مع السجين بمنطق هادئ بينما يجعله يكتشف عن طريق آخر أن صديقه الذي لم يتعاون قد ضرب أو أعدم، وكانت لهذه الطريقة وسائل كثيرة فمثلاً: قد يعامل الفرد معاملة ودية طيبة ويتكرم المستجوب فيعطيه لفافة تبغ، وفي أثناء الحديث يسمع هذا الفرد زميله في الغرفة المجاورة يصرخ من الألم لرفضه الإجابة عن نفس الأسئلة الموجهة إليه، أو أن يوضع عدد من الأسرى في زنزانة واحدة وعندما يعود أحد الزملاء مخضباً بدمائه كقطعة من اللحم أو تعاد ملابسه في لفافة صغيرة يكون هذا كافياً للآخرين كصورة من التهديد غير المباشر. ومن الأساليب الوحشية التي تستخدم في مثل تلك الحالات وضع الفرد في غرفة على شكل إناء كبير ثم يوثق داخل الإناء بحيث لا يستطيع التحرك ويصب الماء بعد ذلك ببطء داخل الإناء حتى يصل مستوى الماء إلى طرف أنفه.
- على أن الشخص الذي تقام عليه هذه التجربة وتكررت لفترات طويلة قد تصل إلى الشهر لا يستطيع في كل مرة أن يعرف عند أي مستوى سيصل الماء؛ فتارة يقف المستوى عند عينه وأحياناً يصل إليه فمه مما يجعله يصارع بشده لإبقاء رأسه خارج مستوى الماء.
- ومن هذه الأساليب نفسها مثل مأخوذ من الحرب العالمية الثانية، إذ يجرد أسير الحرب من ملابسه ويوضع في العراء في طقس درجة حرارته تحت الصفر ثم يدلي بقدميه في حوض كبير ممتلئ بالماء سرعان ما يتجمد أو يوضع الأسير في أحد الأركان ويستجوب في أثناء تساقط قطرات من الماء فوق رأسه كل دقيقة ويستمر ذلك لساعات طويلة.
4 – الإذلال والضغوط
- تعتمد هذه الوسيلة على إتباع كل نظم السجن التي تتطلب الخضوع التام مع الإذلال في الأسلوب.. تناول الطعام والنوم والاغتسال وما إلى ذلك طبقاً لنظم محددة، مع عدم القيام بأي عمل دون الحصول على إذن من الحارس، وإحناء الرأس وإبقاء الأعين موجهة إلى الأرض أثناء التحدث إلى الحراس، كما تستخدم ضغوط أخرى مثل الاستجواب لمدد طويلة، ومثل عقد اجتماعات يحاول فيها الأفراد الأقل الذين تقدموا في عمليات التقويم حث الأفراد الأقل تقدماً باستخدام عدة وسائل مختلفة، كالتمسك والمداهنة والإزعاج والمضايقة أو محاولة إذلالهم وسبهم.
5- الدروس الجماعية
- واستخدمت الدروس الجماعية اليومية في الصين، حيث كانت تدرس العقيدة الجديدة بواسطة قراءات ومحاضرات تتبعها أسئلة ليثبت كل فرد هضمه للدراسات التي يتلقاها؛ على أن يتبع هذا بمناقشات يطلب فيها كل فرد أن يوضح كيف يستنبط الأهداف من مقدمات الدراسات الشيوعية، وكيف يمكن تطبيقها هو لنفسه، ويعتبر النقد المتبادل جزءاً مهماً من المناقشات التي تجري بين أفراد الجماعة". انتهى كلام صلاح نصر في كتابه حرب الكلمة والمعتقد.
أما تطبيق الخطة علينا فقد تم كاملاً بالصورة التالية:
- التعذيب بصوره المختلفة التي تم شرحها في الفصول السابقة.
- الحرمان من الطعام والتجويع المستمر لعدة شهور.
- الحرمان من النوم بالليل.. وذلك بإذاعة أغاني أم كلثوم طوال الليل بصوت مرتفع حتى نُحرم من النوم.. ومن يستيقظ لا يستطيع قيام الليل بسبب تشويش الإذاعة الشديد علينا.. حتى كدنا نحفظ أغاني أم كلثوم كلها.
- الإجهاد الشديد بالجري طوابير طوال النهار من الثامنة صباحاً حتى الخامسة مساء حتى أن كل واحد منا فقد حوالي خمسة وعشرين كيلو جراماً وصرنا في منتهى الرشاقة من كثرة الجري وقلة الطعام.
- الوقوف أحياناً تحت الشمس الحارقة حتى أن الأخ الشاعر المرهف الحس الدكتور عبد الرحمن بارود سقط من طوله فجأة بسبب ضربة الشمس والدوار الشديد.
- التنكيل الشديد والتعذيب الرهيب مرة كل أسبوع بأحد الإخوان ، وأذكر منهم الإخوة محمد بدير زينة ، والأخ محمد سالم (إسكندرية) والمهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف ، والأخ محمد رحمي وغيرهم كثير.
- الحبس الانفرادي لبعض الإخوان أمثال: سيد نزيلي ، وأحمد عبد المجيد ، وعبد المجيد الشاذلي ، والدكتور عبد الفتاح الجندي.
- إطلاق الإشاعات بموت بعض الإخوان مثل: إشاعة موت الأستاذ المرشد حسن الهضيبي.. وإشاعة موت عبد المجيد الشاذلي أثناء محاضرات غسيل المخ.. ولقد صلينا صلاة الغائب على روح الشهيد الحي عبد المجيد الشاذلي الذي عاد إلينا بعد خطفه من السجن الكبير وإيداعه بعيداً عنا في سجن آخر من مباني السجون الحربية.
- كانت تحية أول رمضان من الجلاد صفوت الروبي لنا أن استدعى المهندس محمد عبد الفتاح رزق شريف (56 سنة آنذاك) وقام صفوت الروبي بركله ركلة شديدة أوقعته على الأرض وهو صائم هزيل الجسم ضعيف البنية كبير السن.
- من وسائل التعذيب سماع صراخ الآخرين بين يدي الجلادين من جلوسه على الأرض ووجهه إلى الحائط من التاسعة صباحاً حتى الحادية عشرة مساء، كما حدث لمجموعة صلاح العطار ، وسيد الحسيني ، وإسماعيل الهضيبي.. ومن معهم، طيلة أربعة أشهر دونما استجواب إلا نادراً مما حطم أعصابهم تحطيماً.
- رمي الإخوان محمد بدير زينة ومحمد إبراهيم سالم في حوض مياه عمق متر ونصف (الفسقية) وضربهم بالسياط على هذا الحال.
- الحرمان من الاتصال بالأهل خارج السجن ومنع الكتب والجرائد والمجلات، حتى المصحف الشريف منعوه عنا لفترات طويلة.
- وضع بعض الكيماويات التي تسبب الإسهال في الطعام ثم الجري في طوابير تحت ضغط الحاجة إلى دورة المياه بسبب الإسهال.. وكان عذاباً مهيناً.. فقد لا يستطيع الواحد أن يحافظ على تماسكه فينساب الإسهال من ملابسه.
- الشرب من "القصرية" المصنوعة من الكاوتش فكان الماء يحمل رائحة البول والبراز والكاوتش..!!
- استعمال اليد كمقشة لكنس السجن باليد مع الجلوس القرفصاء..
في ظل هذه الظروف بدأت محاضرات التوعية وغسيل المخ، وكانت توصية الإخوان بتفويت الموقف.. ولكن ما حدث لم يكن على هوى الحكومة.. ويأبى الله إلا أن يقوم بعض الإخوة بإقامة الحجة على هؤلاء المشايخ المحاضرين منهم:
- د. عبد الستار فتح الله سعيد ، سأل د. محمد فتح الله بدران سؤالاً مباشراً عن حكم الإسلام في الحاكم الذي يحكم ويشرع من دون الله مخالفاً بذلك أمر الله بأن يحل الحرام ويحرم الحلال!! فلما انتهت المحاضرة بدأ التعذيب بعد عودتنا إلى الزنزانة بخمس دقائق، فنزلنا إلى فناء السجن الحربي وبدأ التعذيب بالجري السريع داخل حوش السجن ساعات طويلة تعذيباً للشيوخ والشباب.. والغريب أن صاحب السؤال وهو الشيخ عبد الستار سعيد أخذته سنة من النوم فنام في دقائق معدودة سكينة من الله داخل الزنزانة ولم يمسسه سوء التعذيب حفظاً من الله وآية لنا أن صاحب كلمة الحق محفوظ مصون بمشيئة الله في أحلك الظروف بمشيئة الله عز وجل.
- د. عبد الفتاح الجندي أخصائي الأمراض الجلدية، ناقش الدكتور محمد أحمد وصفي مناقشة علمية حرة ولكنه أحرج الدكتور المحاضر، فأخذوه وضربوه ستين سوطاً على رجليه ثم أودعوه في سجن آخر انفرادي، وظللنا قرابة الشهرين لا نعرف عنه شيئاً ونظن أنه قد مات.. حتى عاد إلينا.
- استدعى د. محمد فتح الله بدران الأخ عبد المجيد الشاذلي وناقشه ولكن عبد المجيد كان أقوى حجة منه وأحرج الأستاذ المحاضر، فكان أن عذبوه بالكرباج وأودعوه في زنزانة وأشاعوا قتله كما ذكرت آنفا، وبكينا عليه كثيراً وصلى بعضنا علية صلاة الغائب واحتسبناه مع الشهداء.
- آخر المناقشات وأصعبها كانت مع مجدي عبد العزيز متولي أحد قادة التنظيم.. الذي قال للدكتور محمد فتح الله بدران إن الإسلام نظام شامل للحياة ثم قرأ قول الله عز وجل: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].
- فرد الشيخ المحاضر: الله يقول للنبي محمد: يا محمد قل، فالخطاب موجه للرسول وليس للمسلمين !! فرد عليه الأخ مجدي عبد العزيز: إن الله سبحانه وتعالى يقول: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فهل هذا الخطاب للنبي (ص) وحده؟!
- فبهت الشيخ وألغى المحاضرة وتوعدنا بالنقاش في اليوم التالي، وحددوا بعض الأسماء لمناقشتها ومنهم فيما أذكر المهندس المرحوم محمد أحمد عبد الرحمن (مهندس مناجم) الذي ظل يصلي طوال الليل طالباً من الله أن يثبته في مواجهته مع د. محمد فتح الله بدران ، وكان ذلك يوم 4 يونيو وليلة 5 يونيو التي قضت على آمال عبد الناصر وجلاديه وزبانيته.. وكانت معجزة من الله العلي القدير.
وهكذا أحبط الله كيد صلاح نصر في عملية غسل المخ.. (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر: 61].
كما يضيف جابر رزق في كتابه (مذابح الإخوان بسجون ناصر) فصلاً جديداً من التعذيب النفسي والجسدي فيقول:
أما أسلوب التهديد والعنف . . والضرب والركل حتى الموت فهذا هو الطابع المميز للسجن الحربي . . كان الواحد منا يتعرض للضرب والركل في كل وقت . . وأذكر أن العسكري زغلول ضربني بقبضة يده في فمي فأسقط سنتي الأمامية . . وبقيت معلقة في فمي حتى خرجت من السجن . . ومرة أخرى راني الحارس عدلي وكانت يده كالمطرحة وجدني بعد عمل النظافة أخرج من دورة المياه فأمسك بي ولطمني على وجهي لطمات لا أنساها لقسوتها . . وفي أحد طوابير الصباح وكنت قد أخذت تصريحا من طبيب السجن أن أعفى من طابور الجري السريع لمرض رجلي اليمنى . . ولكن صف الضابط نجم مشهور سألني هل معي تصريح الطبيب فلما لم يجدن معي , أمر العسكري " سمبو " يضربني ثمانية صفعات على وجهي ونفذ سمبو بيده التي كالرحى وأعطاني ما أمره به نجم مشهور . . ولا ينسى الإخوان صورة محمد عبد العزيز عطية الذي أصبح عاجزا من الحركة من آثار التعذيب وكم من أذن خرقت . . وأصبع كسرت . . ورأس شجت وجسد مزقته السياط ! !
أما بخصوص تمزيق الملابس فقد سبق أن قلت أن أول ما كان يفعله الزبانية أثناء التحقيق هو تمزيق ما على الأخ من ثياب حتى يقف عاريا إلا ما يستر عورته . . وأذكر أن السيد نزيلي بقى عاريا لعدة أيام حتى أحضروا له " أفرول " أحد العساكر ومن أساليب العنف أيضا " الزنزانة 9 " وكانوا يسمونها " الثلاجة " كانت أرضيتها منخفضة عن بقية الزنازين وعتبتها عالية ما يقرب من نصف متر كانت تملأ ماء ويأتي بالضحية معصوب العينين ويلقى فيها . . كانوا يجلسونه على مقعدته ويربطون يديه ويبقى هكذا أياما وليالي طويلة حتى يكاد يتجمد ويقف على باب الزنزانة حارس يسبه ويلعنه بين الحين والحين حتى لا يدعه ينام . . وكان من رواد هذه الثلاجة الأستاذ معروف الحضري أحد أبطال حرب فلسطين وبطل من أبطال الفالوجا وواحد من الذين قاموا بانقلاب 23 يوليو . . وأيضا كان الأستاذ مصطفى راغب أحد مجموعة رشاد مهنا . . وأحد رجال انقلاب يوليو . . ممن دخلوا الثلاجة وبقوا فيها حتى انهارت قواهم تماما ! !
أما أسلوب الإذلال والضغوط فقد كان نظام السجن الحربي محققا لذلك تماما . . ولا زلت أذكر صرخات العسكري " محمد مراد " وهو صعيدي من بني سويف كان إذا نظر إليه الأخ وهو يتحدث إليه يصرخ فيه ويقول أنظر بعينيك إلى الأرض يا مسجون ! !
وكان الحرس لا يسمح لأي أحد أن يفعل أي شيء إلا بإذن من الحرس . . وأذكر أني مرة أوصلت قرصين من الأسبرين من زنزانة إلى زنزانة أخرى وأنا في طريقي إلى الطابور ولمحني العسكري محمد مراد فأعطاني نصيبي من الصفعات . .
وكان محمد مراد هذا يعاقب بعض الإخوان لأي سبب من الأسباب يجعلهم يضعون أيديهم خلف ظهورهم ثم يضعون جبهتهم على الأرض كالذين يسجدون ولا يستطيع أحد أن يعترض وإلا فالويل للجميع . . وقد صرح لنا الحراس أنهم يأخذون محاضرات ليتعلموا أسلوب معاملتنا . . وكانوا يقولون لنا إن الواحد منكم لا دية له . . شمس بيه قال لنا هذا ! !
وأذكر صورة من صور إذلالنا . . كان هنا أحد الحراس اسمه الروبي . . وهو شاب طويل أمي . . يعمل حاليا خادم مسجد جلس على كرسي بالقرب من حوض الفسقية ورأي المستشار الدكتور علي جريشة وأمره أن يجمع أعواد " الكرات " المتناثرة حول الروبي الذي جلس ووضع رجلا على رجل وجلس المستشار على جريشة وأخذ يجمع أعواد الكرات من تحت أقدام الروبي ! !
وكان من صور الإذلال والضغط النفسي على الإخوان ترك شعورهم حتى تطول لحاهم وشواربهم ثم يحلقون لهم شعور رءوسهم ويتركون لحاهم طويلة . . مما يكون مجالا للضحك بين بعضنا ! !
في يوم جمعة حضر إلى السجن الحربي " عقيل مظهر " وأحضروا له كرسيا جلس عليه بالقرب من بوابة السجن . . وصعد الحراس إلى الأدوار وفتحوا أبواب الزنازين وأطلقوا صفارة النزول فأسرعنا إلى السلالم ننزل . . وصففنا صفوفا عدة . . ووقف صفوت الروبي وكأنه قائد يستعرض جنوده . . ثم أمرنا بالجلوس . . وربما كان مع عقيل مظهر أشخاصا وانطلقنا منصرفين إلى الزنازين فإذا بصفوت الروبي جلاد السجن الحربي يصرخ مرة ثانية ليرى عقيل مظهر دقة النظام : ثابت . . وتجمدنا كل في مكانه بلا حركة . . ثم صرخ للمرة الثالثة : انصراف . . وانصرفنا إلى داخل الزنازين وأغلقوا الأبواب علينا ! !
كان حضور عقيل مظهر السجن الحربي بداية الدروس الجماعية . . فاشتروا مكبرات صوت . . وكل ما يلزم لإلقاء محاضرات علينا في قاعة ميس الضباط . . وبدأت طائفة من رجال الأزهر تحضر إلى السجن لتلقى علينا محاضرات أمثال محمد بن فتح الله بدران . . والشيخ السبكي عضو هيئة كبار العلماء . . وعبد المغني سعيد ويحيي درويش والدكتور محمد بيصار وكيل الأزهر . . وجاءت هذه الدروس الجماعية رحمة من الله فقد ساءت حالتنا الصحية وأنهكت قوانا تماما وأصبحنا كالأشباح والحقيقة أن الله سبحانه وتعالى يجعل مع كل عسر يسرا فقد سبقت فترة الدروس الجماعية فترة طويلة كان أغلب الإخوان قد حفظوا كثيرا من القرءان وتحدثوا حول كثير من أمور العقيدة ولقد جرت مناقشات كثيرة بين الإخوان بعضهم وبعض أو بين الإنسان ونفسه حول صحة ما هو عليه . . لأن محنة الحربي ضراوتها جعلت الإنسان يعيد التفكير فيما يعتقد وأنا عن نفسي لقد أتيحت لي فرصة أن أراجع نفسي في كل مبادئ العقيدة الإسلامية . .
أريد أن أقول أن الدروس الجماعية والتي بدأت في شبه محاضرات داخل ميس الضباط . . نجلس نحن على الأرض أمام المحاضر وبجانبه حمزة البسيوني وصفوت الروبي . . ويحيط بالعنبر الحراس مسلحون وكانت الموضوعات التي يتناولها المحاضرون عن الإسلام وكان كل همهم هو أقناعنا بأن الإسلام ليس نظام حكم حتى أن أحد العلماء الكبار الذين يتولون اليوم منصبا كبيرا في أعلى هيئة إسلامية عندما سئل عن تطبيق حد السرقة قال : كيف نطبق حد السرقة ونصنع من مجتمعنا مجتمعا مشوها . . وتكلم عن أن في الإسلام . . كفاية . . وعدل " وهو الشعار التي كانت ترفعه الدولة تصف به الاشتراكية بأنها كفاية وعدل . . وأراد أن يستشهد بالقرءان عن " الكفاية " فقال ( أليس الله بكاف عبده ) ؟ !
لقد كانوا يريدون تضليلنا . . ولكنهم على العكس زادونا ثقة بأنفسنا وأحسسنا أنهم أقزام منافقون عبيد للسلطة الغاشمة ! !
وبعد فترة من المحاضرات طلبوا من أن نسأل . . ولم نخف وسألنا علماء السوء هؤلاء أسئلة كان قصدنا منها إحراجهم وخزيهم وكثيرا ما سبب ذلك لنا الكثير من المتاعب . . وأذكر أننا " كدرنا " بسبب سؤال سأله المهندس محمد الصروي . . الذي " كربجوه " أمام الطابور . . وكان من بين المواقف الشجاعة التي لا يمكن أن تنسى . . موقف المهندس الكيميائي عبد المجيد يوسف الشاذلي من الإسكندرية وقف الشاذلي أمام حمزة البسيوني ليتكلم عن أنواع الحكومات فعرف الحكومة الراشدة التي تتحاكم إلى شريعة الله وتلتزم بها وتلزم الناس بها . . والحكومة الجائرة وهي التي تقر بالتحاكم إلى شريعة الله وتتخذها مصدرها للتشريع ولكنها لا تلتزم في التطبيق في بعض الأحكام . . أما الحكومة الكافرة فهي التي فضلت شريعة غير الله على شريعة الله وأعطت حق التشريع لبشر من البشر ! !
لم ينس حمزة البسيوني ذلك لعبد المجيد الشاذلي ففي يوم من الأيام وفي عودتنا من المحاضرة في المساء إلى السجن الكبير اختفى عبد المجيد الشاذلي ولم يعد معنا إلى زنزانته . . ولم نعرف مصيره إلا بعد عدة أيام . .بل عدة أسابيع . . فعرفنا أنه عزل في سجن رقم 3 في زنزانة واحدة وهدد بالقتل وسووم . . طالت الدروس الجماعية وضاقت بها نفوسنا ولكنها كانت فرصة لنرتاح من طوابير التعذيب التي كانت تستمر طول النهار . . وجاء شهر يونيو 1967 وكان قد فشل كل الذين أتوا بهم ليحاضروننا في المهمة التي جاءوا من أجلها فانقطعوا كلهم إلا واحدا هو محمد بن فتح الله بدران وقيل أنه قريب لشمس بدران وحقيقة كان رجلا ألعبانا بالألفاظ وعلى قدر كبير من التصنع والتفيقه . . وكان ذا دلال على حمزة البسيوني واستمر الشيخ بدران في محاضراته حتى إذا كان آخر شهر مايو سنة 1967 قال لنا انه سيجري لنا امتحانا يوم الاثنين 5 يونيو 1967 . . يوم الهزيمة التي قسمت ظهر عبد الناصر وزلزلت سلطانه كان الشيخ بدران يقول بعد الامتحان سنقسمكم إلى فئات الأوائل منكم فئة " أ " ثم فئة " ب" ثم فئة " ج " وستعطي المميزات كلها للفئة " أ " . . ولم يعد يخيفنا الامتحان وطبعا كنا مصممين على أن نكون " ج " – لأن " جهنم الدجال " هي جنة الله ! !
نموذج آخر من حرب الإشاعات ضد الإخوان
يقول الحاج فرج النجار في إطار حديثه عن هروبه من نظام عبد الناصر: "البوليس قام بعمل شائعات في بلدنا أنه يجب عليَّ تسليم نفسي حتى لا يؤذوا أهلي، بل إنهم أجبروا أسرتي على أن يتحولوا للمسيحية وذهبوا فعلاً للكنيسة، لكن الحمد لله لم يتنصروا، كانت محاولة للضغط النفسي عليَّ حتى أسلم نفسي فقط، ولكني فكرت أنني لو سلمت نفسي سيقبض على أفراد كثيرين معي، فقارنت الأمر وقلت أن أضحي بأهلي خير من أن أضحي بكل مَن كانوا معي في تلك المحافظات، فقررت ألا أسلم نفسي، كذلك قررت ألا أعود للبيت أو القرية مرةً أخرى ولا أقابل أصدقائي ولا أبي ولا أمي ولا أخوتي طالما أنا مختفٍ؛ لأن البوليس أكيد سيكون مراقب المكان، ولسنوات طويلة لم أر أحدًا، حتى إن والدي مات بعد بداية الهروب بـ15 سنة ولم أستطع حضور جنازته، وكان أمرًا مؤثرًا جدًّا عليَّ لأني كنت أحبه كثيرًا".
التمهيد لقضية تنظيم 1965 بتشويه صورة الإخوان
قبل الإعلان عن القبض على تنظيم 1965 كانت هناك مؤشرات أو خطوات دعائية للتمهيد لهذا الحدث الكبير فيقول أحمد عبد المجيد :
مع شهر إبريل عام 1965 بدأت دلائل تنذر بالخطر ، وتنبئ بأن الحكومة تدبر أمرًا ما للإخوان ، وبدأ هذا الأمر مع توالي المعلومات ، ويتأكد يومًا بعد يوم ونذكر من الدلائل ما يلي:
- 1 - بعد ظهور كتاب المعالم بدأت أجهزة المباحث تنشط خوفًا من وجود تجمع علي هذه الأفكار التي وردت فيه ، أو الخوف من أن يحدث تجمع علي ذلك خاصة مع ورود فقرات منه تدعو لذلك صراحة . وبدأ فعلاً رجال المباحث يستدعون بعض الإخوان في مناطق مختلفة ، يناقشونهم ويستفسرون منهم ، وكثيرًا ما كان محور المناقشة هو كتاب المعالم وما به من أفكار ... إلخ .
- 2 – كانت توجد في هذه الفترة قضية جواسيس فرنسيين ، ونشرت الصحف علي لسان أحدهم : " يوجد نشاط للإخوان في مصر ولكن لا يمكن فهمه أو تحديده " .
- 3 – وزعت في بعض دور الصحف والتلفزيون منشورات تهاجم الحكومة تحمل طابع ولهجة الإخوان ومع علمنا بأن الإخوان براء من ذلك ، إلا أننا أرجعنا الأمر لاحتمالين :
- أ – أن يكون الشيوعيون هم أصحاب هذه المنشورات ، ويريدون بها الوقيعة بين الحكومة والإخوان .
- ب- أن تكون المباحث وراء ذلك لتكون مبررًا لاعتقال الإخوان بافتعال هذا السبب ، وإن كانوا لا يعدمون تلفيق هذا السبب أو غيره أو بدون سبب إطلاقًا كحادث المنشية الذي يتأكد يومًا بعد يوم تدبيره ، وما أعقبه من أحداث عام 1954 .
- 4 – زار شواين لاي وزراء الصين مصر في ذلك العام ، وأشبع أن الإخوان وضعوا عبوة ناسفة في طريق القاهرة – الإسكندرية الصحراوي لنسف موكبه مع عبد الناصر وكان هذا الاتهام باطلاً ولا أساس له من الصحة ، ليكون الدافع ما ظهر في البند السابق .
- 5 – نشرت صحيفة روزا ليوسف وقتها أن الإخوان يستعدون لانتخاب مرشد جديد لهم ومرشد لهذا المنصب ثلاثة أشخاص هم :
- منير الدلة .
- صالح عشماوي .
- مصطفي الملا .
- وكنا علي يقين من كذب هذا الخبر ، أولاً لوجود المرشد والإخوان لا يرضون بغيره بديلاً ، وثانيًا : كيف يتم الانتخاب في مثل هذه الظروف ، وثالثًا : أن الاسم الثالث وهمي لا حقيقة له . وأخيرًا : من غير المعقول أن تنشر مجلة مصرية خبرًا كهذا دون إيحاء من السلطة .
- 6 –نشرت إحدى المجلات الأمريكية عن كتاب "جاهلية القرن العشرين" للأستاذ محمد قطب ، وكتاب "معالم في الطريق" للأستاذ سيد قطب ، وكتبت المجلة تحذر من الكاتبين والكتابين وتصفهما بالتعصب .
- 7 – نشرت إحدى المجلات اللبنانية أنه اجتمع سفراء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط الأربعة عشر سفيرًا لبحث موضوع "عبد الناصر" وطلب أربعة منهم الإطاحة بعبد الناصر واستبداله لهبوط شعبيته ، وممكن عمل بعض الإصلاحات مع مجيء الوضع الجديد للسلطة .
أما الثمانية الآخرون فقد طالبوا الإبقاء عليه لأنه لازال الشخصية المرموقة علي مستوي العالم العربي ويتفهم دوره جيدًا في اللعبة ، ورفعت الدراسة من السفراء للإدارة الأمريكية ، فأخذت بالرأي الثاني وهو الإبقاء عليه في السلطة وطالبت الإدارة الأمريكية عبد الناصر سرعة اتخاذ خطوات نحو الصلح مع إسرائيل فأجابهم بأن أجهزة الاستخبارات عنده تقول إن الظروف النفسية للناس لا تتقبل هذا الأمر الآن ، والسبب الثاني والعقبة في ذلك الإخوان المسلمون – انتهي كلام المجلة .
محنة (1954 -1965) نماذج من المعاملة
فتح السجن الحربي أفواه العذاب على الإخوان بغير حساب. كثيرون لقوا ربهم شهداء تحت العذاب. قتلوا صبرا. كثيرون قتلوا ضربا بالكرباج أو نقعا في الماء المثلج والملح في زمهرير الشتاء. يوسف طلعت نفخ بمنفاخ كهربائي لإطارات السيارات حتى صار بطنه كالبالون. إبراهيم الطيب فسخ مفصل كوعه بثنية عكس الاتجاه على ركبة محمود عبد الجواد الجاويش المدلل لحمزة البسيوني, فكان ذراعه مدلى وقد استطال كثيرا بسبب انفصال عظام الساعد عن عظمة العضد, الشيخ محمد فرغلي مكثت أياما أراه في طوابير العذاب ويشتبه علىّ دون أن أعرفه فقد تغير شكله وتضاءل حجمه... الخ.
وأتى سفاح السجن حمزة البسيوني إلى الأستاذ حسن الهضيبي أمام الألوف المعذبة تحت حراسة السلاح وقال له" حسن, هؤلاء يعذبون بسببك!" وطلب إليه أن يلقى فيهم كلمة. لم نسمع بماذا أجاب ولكننا رأيناه يهز رأسه سلبا فعلمنا أنه رفض. فتركه وأخرج الدكتور توفيق الشاوي أمام الصفوف وقال له " شاوى. اخطب فيهم كما كنت تخطب بالخارج". ولم يكن الدكتور الشاوى خطيبا بالخارج, ومازلت أذكر ما قال الدكتور الشاوى يومذاك. كان مضمونه أن كل من هنا من المعذبين واحد من اثنين, إما محسن قما يلقاه الآن من العذاب بلاء من الله له ثوابه, أو مسيء فهذا كفارة له. وكأنه يذكر الإخوان بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم. بما مهناه عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير, إن أصابه خير شكر فكا ن خيرا لهو إن أصابه شر صبر فكان خيرا له. وكان الشاوى من أشد الناس جاذبية عند حمزة البسيونى لعنه الله.
أمر حمزة أن يكون الدكتور الشاوي وحده هو الذي يغسل قراوانات وأواني الطعام لجميع سجن 4وكان بوسط فناء ذلك السجن مغسلة طويلة من الخرسانة تمر فوقها ماسورة 14 حنفية. وتكوم كم كبير من القراوانات على المغسلة ووقف الدكتور الشاوى يغسلها وجاءت توسكا الكلبة المحظية عند حمزة, كانت من أشد كلاب السجن شراسة, وانطلقت مسرعة نحو قدم الدكتور الشاوى فقبض قدمه, وضبطه حمزة ففتل شاربه وقال له" شاوى أنت تخاف من الكلبة أن تنجسك؟ أنت الذي تنجسها! يا محمود ( لمحمود عبد الجواد جاويشه المفضل) أضربه مائتى كرباج!" وقد كان. كان ينطق" كرباج" بالباء الشديدة CORRPG.
ذهب حمزة في إجازة إلى بلدته ولقيه أبوه فأوصاه" يا حمزة لا تقصر رقبتنا عندك ناس هم أسياد الناس. الحاج حامد الطحان رجل صالح ومن أعيان البلد, كثيرون يعيشون من خيره.. الخ" فطمأنه حمزة. وما إن عاد حتى دخل السجن الكبير منتفخا وأمر مناديه فنادى" أين حامد الطحان؟" وجاء إليه الحاج حامد. " أبى يوصيني عليك. هل أنا ممن تجدى عندهم الوساطات ؟! تعال يا محمود (عبد الجواد) اضربه مائتى كرباج". وقد كان.
كنا نخرج من الزنازين في الصباح الباكر ونصف طوابير تخرج من السجن الكبير ومن سجن 4 ومن كل السجون الحربية فنصطف في الفناء الكبير الذي يتوسط تلك السجون ومكاتب التحقيق. كانت تحيط بذلك الفناء بعض المباني مثل المطبخ والمخازن وورش الترزية وما شاكل ذلك فاتخذوا من أسطحها منصات وضعوا فوقها المدافع الرشاشة من البرن والفيكرز ووضعوا حولها أكياس الرمل! فكانت حولنا من جميع الاتجاهات تصوب إلينا. وكانت أيضا مكبرات صوت موضوعة فوق تلك الأسطح إلينا.
وكان عندهم تسجيل يذيعونه باستمرار كلما انتهى إلى آخره أعادوه من أوله هو أغنية غنتها أم كلثوم في حفل لضباط الجيش بمناسبة حادث المنشية. تقول أم كلثوم:
ياجمال يا مثال الوطنية
- أجمل أعيادنا المصرية
بنجاتك يوم المنشية
- ردّوا علىّ
فيرد ضباط الجيش البواسل عليها:
يا جمال يا مثال الوطنية
- أجمل أعيادنا المصرية
بنجاتك يوم المنشية .. (ويكررونها)
ويأمر حمزة أن نرد عليها نحن أيضا ويأتي من خلفنا متلصصا هو وجنوده يتنصتون عند بعضنا ليسمعوا هل يردد أو لا يردد الأغنية. كانوا من حين لآخر يضبطون بعضنا بتهمة أنه لا يرد أو أنه كان يقول أوسخ أعيادنا بدلا من أجمل أعيادنا أو ما شاكل ذلك فيجعلونهم عبرة ضربا بالكرابيج أمام الطابور.
قبل ضيافتي على السجن الحربي كنت أحسب الكرباج أداة ضرب تؤلم وحسب, ولكن بعد أن عاينته على جسمي وأجسام إخواني رايته يقطع اللحم ويترك أثرا يبقى من 1954 حتى 1988 ما بعدها.
كان ينزل على الرأس فيشق جلدها الدم فتتضلع وتتورم, ثم يتقيح الجرح ويمتلئ صديدا ويعوده الكرباج فيتفجر دما أحمر وقيحا أبيض.
المراجع
1- مجموعة الرسائل – رسالة المؤتمر الخامس.
2- مجلة الوعي الإسلامي العدد 228
3- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ216.
4- جريدة المباحث القضائية – السنة السابعة – العدد 54 – صـ8 – 2ربيع الأول 1370هـ / 12 ديسمبر 1950م.
5- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ219.
6- جريدة روز اليوسف – السنة 23 – العدد 1035 – صـ14 – 4 جمادى الآخرة 1367هـ / 13 أبريل 1948م.
7- فان فاي: أحد المستشرقين الذين أجادوا اللغة العربية، وعمل محاضرًا بكلية التجارة جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًا)، ثم انتقل إلى قسم النشر بالسفارة البريطانية، وكان المراقب العام لجمعية إخوان الحرية بمصر، وكان عضوًا بالمخابرات البريطانية بمصر.
8- جريدة الجمهور المصري – العدد 57 – صـ3 – 8 جمادى الأولى 1371هـ / 4 فبراير 1952م.
9- نشرة إخوان الحرية – العدد 103 – صـ6 – 30 جمادى الأولى 1363هـ / 23 مايو 1944م.
10- نشرة إخوان الحرية – العدد 191 – صـ1 – 1 ربيع الآخر 1365 هـ / 5 مارس 1944م.
11- عباس السيسى: (فى قافلة الإخوان المسلمين) – جـ1 – صـ68.
12- محمد حلمى عبد المجيد: (مختارات إسلامية) – الكتاب 128 – صـ96 – دار الطباعة والنشر الإسلامية – القاهرة – 2003م.
13- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ357، 358.
14- المرجع السابق
15- نشرة إخوان الحرية – العدد 103 – صـ7 – 30 جمادى الأولى 1363هـ / 23 مايو 1944م.
16- جريدة الجمهور المصري، المصدر السابق.
17- محمد حلمى عبد المجيد: (مختارات إسلامية) – الكتاب 128 – صـ96.
18- محمود عبد الحليم: (الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) – جـ1 – صـ360، 361.
19- عبد الحكيم عابدين: (مذكرات غير منشورة).
20- الإخوان المسلمون في سجون مصر (من عام 1942م-1975م) المهندس / محمد الصروي ص43