محمد نجيب جويفل
إعداد: ويكيبيديا الإخوان المسلمين
مقدمة
كثيرا من الناس التحق بركب الدعوة فمنهم من ثبت وتحمل واحتسب الجر عند الله حتى مات على ذلك أو ينتظر ومنهم من التحق وفي نفسه شئ وأجره يقع على الله، فلا أحد يستطيع أن يتدخل في نوايا الناس.
يقول الإمام الشهيد حسن البنا في رسالة دعوتنا:
وكل الذى نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدًا من أربعة:
- مؤمن: إما شخص آمن بدعوتنا، وصدق بقولنا، وأعجب بمبادئنا، ورأى فيها خيرًا اطمأنت إليه نفسه، وسكن له فؤاده، فهذا ندعوه أن يبادر بالانضمام إلينا والعمل معنا.
- متردد: وإما شخص لم يستبن له وجه الحق، ولم يتعرف فى قولنا معنى الإخلاص والفائدة، فهو متوقف متردد، فهذا نتركه لتردده، ونوصيه بأن يتصل بنا عن كثب.
- نفعى: وإما شخص لا يريد أن يبذل معونته إلا إذا عرف ما يعود عليه من فائدة، وما يجره هذا البذل له من مغنم فنقول له: حنانيك ليس عندنا من جزاء إلا ثواب الله إن أخلصت، والجنة إن علم الله فيك خيرًا.
- متحامل: وإما شخص ساء فينا ظنه، وأحاطت بنا شكوكه وريبه، فهو لا يرانا إلا بالمنظار الأسود القاتم، ولا يتحدث عنا إلا بلسان المتحرج المتشكك.
ومحمد نجيب جويفل شخصية مثيرة للجدل كانت في يوم من الأيام وسط الإخوان بل كان احد المجاهدين الذين بذلوا الكثير وقدموا أرواحهم في المعارك على ارض فلسطين.
لكن تباينت الآراء حوله خاصة أنه متهم من قبل الإخوان السوريون بقيادة محاولة انشقاقية في تنظيم الجماعة في الخمسينيات ضد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى بتكليف من المخابرات المصرية، وكان جهد المنشقين تشكيل تنظيم مسلح، وقد رفض الدكتور السباعي ومعه التنظيم كله هذه الفكرة، حتى استطاع استئصالها، وفصل أنصارها، وعلى رأسهم جويفل نفسه.
لكن الحقيقة التي يجب أن يدركها كل إنسان أن الإنسان غير معصوم من الخطأ، فمن الممكن ان يكون جاهدا وبذل إلا انه مع مرور الأيام والسنين، وتغير النظام في مصر والتعذيب الذي لاقاه الإخوان من نظام عبدالناصر قد دفع بالكثيرين لحماية أنفسهم على حساب إخوانهم ودعوتهم.
لكن لا يستطيع احد أن ينسى فضل هؤلاء قبل تحولهم، أما حسابهم فعلى الله.
جويفل وسط الإخوان
ولد محمد نجيب جويفل في محافظة الشرقية بمصر، وكان يتسم بشخصية قوية وشجاعة، هذه الشخصية أهلته أن يلتحق بالنظام الخاص لدى الإخوان المسلمين بعدما التحق بجماعة الإخوان في وقت مبكر.
يقول الأستاذ عدنان سعد الدين في مذكراته:
التحق نجيب بالجماعة في مصر ، وهو في سن مبكرة ، وكان يملك صفات قيادية في الخطابة والمخاطبة وكسب ود الشباب من حوله ، والاندماج السريع بهم ، كما كان جريئا مقداما ، يتدرب على الأسلحة والمفرقعات.
شارك نجيب جويفل في عدد من أعمال النظام الخاص ضد المستعمر الانجليزي في مصر، يذكر الأستاذ أحمد عادل كمال في كتاب النقط فوق الحروف:
"وفى يوم 3/2/1948 اصطدم البوليس بالطلاب فى الزقازيق بسبب المطالبة بجلاء جيش الاحتلال الإنجليزي عن مصر, وألقى طلاب مدرسة الزقازيق الثانوية القنابل عليه فأصابت بعض رجاله, واتهم فى ذلك نجيب جويفل وحسن عبد الغنى من الإخوان وطلب القبض عليهما ففرا إلى فلسطين حيث انضما إلى قوات الإخوان المسلمين المتطوعين هناك".
نجيب جويفل وحرب فلسطين
كان نجيب جويفل احد أفراد النظام الخاص ..هذا النظام الذي كان يهدف للتصدي للمستعمر الإنجليزي وأيضا التصدي للمنظمات الحركات الصهيونية.
ولقد كان نجيب جويفل احد المجاهدين في الحرب، يقول الأستاذ محمود الصباغ في كتابه حقيقة التنظيم الخاص:
"سافر الفوج الثاني من متطوعي الإخوان إلى فلسطين بقيادة فضيلة الشيخ محمد فرغلي ووصل إلى معسكر الريسة، وكان قوام هذا الفوج من إخوان منطقة الإسماعيلية والقنال وكان من بين أفراده الأخ الشهيد يوسف طلعت عليه رحمة الله ورضوانه، وانضموا جميعا إلى إخوانهم الذين سبقوهم من منطقة الدقهلية في معسكر الريسة.
وقد كان المعسكر جاهزًا للدخول إلى فلسطين فدخلت القوة مكتملة إلى فلسطين بقيادة الشيخ فرغلي وعسكرت في معسكر البريج بجنوب فلسطين، وكان معظمها من إخوان النظام الخاص، وقد انضم إليهم فيما بعد الأخ كامل الشريف من إخوان العريش قادمًا من الجبهة الشمالية، كما كان من بين جنود هذا المعسكر الأخوة حسن عبد الغني، وحسن دوح، ونجيب جويفل، ومحمد سليم، ضمن كتيبة جديدة من كتائب الإخوان المسلمين.
ولقد اشترك في عدد من المعارك، فيذكر محمود الصباغ:
" حاول اليهود تسميم آبار يستعملها الإخوان في منطقة «خزاعة» انتقامًا لتدمير أنابيب مياههم، وذلك بأن أرسلوا رجلين يرتديان الملابس العربية ويتظاهران باستجلاء الماء، وكان منظرهما يدعو إلى الريبة، فاقترب منهما الجندي الإخواني الحارس وأمرهما بالوقوف، فلاذا بالفرار، فتعقبهما الجندي الإخواني الحارس وعدد من إخوان سريته المرابطة في هذه المنطقة بقيادة المجاهد (نجيب جويفل) حتى أدركوهما وأمروهما بالتسليم أو إطلاق النار، فرفعا أيديهما بالتسليم، وحين اقترب الإخوان منهما، انبطحا على الأرض في سرعة وقذفا على المهاجمين عددًا من القنابل اليدوية وأسرع الإخوان بملاصقة الأرض ثم أطلقوا عليهما النار فأردوهما قتيلين".
ويضيف: "استفاد الإخوان من غدر اليهود في منطقة أبو معليق، حيث كانت إحدى القوافل اليهودية تمر قريبًا من مضارب البدو، وكان الإخوان قد لغموا هذا الطريق، فانفجرت الألغام في هذه القافلة، وظن اليهود السوء بالبدو، فغدروا بهم وأخذوا يطلقون عليهم النار، ولكن قوة من الإخوان كانت مستعدة عن قرب، فهاجمت مؤخرة اليهود حتى أرغمتهم على الهرب إلى مستعمراتهم.
والتحم البدو المجني عليهم بالإخوان لما رأوا جسارتهم، فقام الإخوان على تدريبهم على القتال، وكان الأخوة «علي صديق» و «نجيب جويفل» و «حسن عبد الغني» وغيرهم يتناوبون على تدريبهم، ثم قام الإخوان بتشكيل مجموعة منهم للتطوع في القتال، وفتحوا باب التطوع للآخرين، فانهال عدد كبير من الشباب البدو، وكون الإخوان منهم عددًا من السرايا المقاتلة أشرف على تدريبها الأخ نصر الدين جاد".
ويضيف: " وعندما فكر الجيش المصري في الهجوم على مستعمرة «بيرون إسحق» طلب البكباشي «عبد الجواد طبالة» من معسكر الإخوان أن يقوموا بقطع الطرق التي تصل إلى المستعمرة فعهدت بهذا العمل إلى الأخوين «نجيب جويفل» و «محمد علي سليم».
رابط «نجيب جويفل» و «محمد علي سليم» بفصائلهما على نقاط متقاربة على الطريق، فلما بدأت القوات المصرية الهجوم على المستعمرة واشتد الضغط على حاميتها بعثت تطلب المزيد من القوات، واستجابت لها القيادة اليهودية، وما هي إلا برهة يسيرة حتى امتلأ الطريق بالمصفحات القادمة من مستعمرات النقب الجنوبية ونشبت معركة شديدة بين فصائل الأخوين «نجيب جويفل» و «محمد علي سليم» وبين هذا العدد الهائل من المصفحات".
ويذكر الأستاذ عبد الرحمن البنان –أحد المجاهدين في حربي عام 1948م 1951م- فيقول:
" ثم أعطى المجاهد كامل الشريف أوامره لـ«عبد الله» بأن يضموني إلى مجموعة التدريب من اليوم، وأن أكون مع فرقة «نجيب جويفل»، وهي فرقة الشباب، شكرته كثيرًا وقلبي غير مصدق ما أسمع.
وأخذني «عبد الله» إلى قائد فصيلتي «نجيب جويفل» -وهو شابٌّ لا يزيد عمره على التاسعة عشر، طويل القامة، نشيط كالنمر- تعرف بي، وسألني عن مدى تدريبي، فأخبرته بصراحة أنني غير متدرب على الإطلاق، فقال لي: لقد سبقناك بعدة أيام، وستبدأ معنا تدريباتك، وسيكمل معك «عبد الله» ما فاتك، وأعطى أوامره إلى «عبد الله» أن يبدأ معي بعد الظهر التدريبات التي فاتتني، وهي التعرف على البندقية، والمدفع الرشاش، والقنابل اليدوية، والألغام، وكيفية استعمالها، وكيفية فكها وتركيبها، وكيفية إصابة الهدف".
ويضيف الأستاذ البنان: "جاء اليوم الذي انتظرته طويلاً وهو الاشتباك مع الصهاينة، وجمعنا «نجيب جويفل» بعد صلاة العصر، وقسَّمنا ثلاث مجموعات، كل مجموعة سبعة أفراد، وتكلَّم معنا كلمات مختصرة عن أن الممارسة الفعلية للقتال هي التي تصقل الجندي.
ومرت داخل المعسكر سيارة جيب بها الأستاذ «محمد فرغلي» و«كامل الشريف» و«نجيب جويفل» و«فوزي فارس»، وأعطوا أوامرهم لنصف عدد المدافعين للتجمع بالأسلحة عند المسجد، وكنت معهم".
ويقول كامل الشريف في كتاب الإخوان المسلمين في حرب فلسطين:
"وأيقن اليهود أنه لا قبل لهم بمواجهة هذه القوات المتفانية في حرب شريفة وحاولوا تسميم آبار يستعملها الإخوان في منطقة ((خزاعة)) حيث كان المجاهد ((نجيب جويفل)) يرابط بها بسريته .
ولكن عين الله المبصرة ويقظة الإخوان مكنتهم من اكتشاف الجريمة قبل وقوعها وذلك أنهم لمحوا رجلين يرتديان الملابس العربية ويتظاهران باستجلاء الماء وكان منظرهما يدعو إلى الريبة فاقترب منهما الجندي الحارس وأمرهما بالوقوف فلاذا بالفرار فتعقبهما الجندي الحارس وعدد من إخوانه حتى أدركوهما ولم يبق بينهما إلا خطوات وأمروهما بالتسليم مهددين إياهما بإطلاق النار فرفعا أيديهما بالتسليم وحين اقترب الإخوان منهما انبطحا على الأرض في سرعة وقذفا على المهاجمين عددا من القنابل اليدوية وأسرع الإخوان بملاصقة الأرض ثم أطلقوا عليهما النار فأردوهما قتيلين.
ولقد أصبحت هذه القبائل لا تكلفنا إلا شيئا يسيرا من الذخيرة وأفرادا من الإخوان يوجهونهم وينظمون حركاتهم ولقد تداول على قيادتهم عدد من خيرة شباب الإخوان ممن أبلوا بلاء حسنا وأظهروا كثيرا من الشجاعة والمقدرة أذكر منهم المجاهدين :( نجيب جويفل) و(حسن عبد الغنى) و(على صديق) وغيرهم ممن تركوا آثارا باقية وذكريات طيبة ولا يزال رجال القبائل حتى اليوم يمتدحون سيرتهم ويمجدون ذكراهم".
ويضيف البنان: " وكان كل ما تخشاه قيادة الجيش أن تتدخل المستعمرات الجنوبية في المعركة فطلبت إلى البكباشى (([عبد الجواد طبالة])) أركان حرب المنطقة في ذلك الحين أن يقوم الإخوان بقطع الطرق التي تصل هذه المنطقة ومنع اليهود من دخول المعركة من هذه الطرق فعهدت إلى الأخوين ((نجيب جويفل)) و((محمد على سليم)) إلى القيام بهذه المهمة فخرجا بفصائلها ورابطا على نقاط متقاربة على الطريق وحين بدأت المعركة واشتد الضغط على حامية ((بيرون إسحق)) بعثت تطلب المزيد من القوات واستجابت لها القيادة اليهودية وما هي إلا برهة يسيرة حتى امتلأ الطريق بالمصفحات القادمة من مستعمرات النقب الجنوبية ونشبت معركة شديدة بين الإخوان وهذا العدد الهائل من المصفحات وحاول اليهود التخلص من هذا الحصار والوصول إلى ميدان المعركة ولكن قوة النيران الموجهة إليهم من الأسلحة الأوتوماتيكية ومدافع الهاون ((البيات)) وحقول الألغام التي بثت في طريقهم أقنعتهم بأن طريق العودة هي أسلم طريق فبدءوا يتراجعون تاركين حامية ((بيرون إسحق)) تعانى وحدها شدة المعركة وتستغيث بقيادتها ولا مغيث!!".
ويقول الحاج عبد الحميد الزهرة أحد القيادات العمالية في الرعيل الأول للإخوان، وأمير الكتيبة الثانية من محافظة الدقهلية أثناء حرب 1948م:
لا أستطيع نسيان الأستاذ محمد نجيب جويفل (شرقية) أحد قادة المعسكر، والذي تميز بالشحنات الإيمانية العالية التي يغرسها فينا، وفي إحدى المرات أوصى جويفل أحد أفراد الكتيبة أن يقص شعره الطويل، فرفض فقال له أ. جويفل: اتفضل روّح طالما أنك مش هاين عليك شوية شعر، إزاي هتهون عليك روحك.
غير أن الدكتور مصطفى السباعي قائد المجاهدين الإخوان في سوريا في حرب عام 1948م له رأى أخر وشاهد عيان على قصة لحقيقة أخرى عن نجيب جويفل والتي لم يعرفها الإخوان أثناء الحرب فيقول:
" تعود بي الذاكرة الآن إلى واقعة قد تبدو صغيرة لكنها تعكس نزق الشباب وميلهم الفطري للمغامرة، كما تعكس حالة حرجة لا تحسمها إلاّ يد الله التي تعزل الموت عن الحياة، كان نجيب جويفل يقود أحد مواقعنا في "خزاعة" شرقي خانيونس في مواجهة مستعمرة "نيويم" وكان ذلك في الفترة التي مارس فيها نجيب هواياته الغريزية في التمرد والتأليب، وقد ذهبت لزيارة الموقع ذات يوم، فقال لي على مشهد من الجنود أن هناك دوريات إسرائيلية تجوب المنطقة وأنه يعد لها كميناً، واقترح عليّ أن نذهب سوياً لمطالعة المكان، وقد أدركت أنه يقصد إحراجي وإظهاري بمظهر الضعف والجبن، فلم أملك سوى الموافقة رغم خطورة المغامرة، فقد كان الوقت عصراً والساحات مكشوفة وقد نصبح هدفاً سهلاً لدوريات العدو بدل أن نجعلها هدفاً لنا، وهكذا ركبنا الخيول وعلى كتف كل واحد رشاشه، وتوغلنا بين "الحواكير" التي تعتبر منطقة معادية تخترقها الطرق الممتدة من المستعمرات وحين بدأت الشمس تميل نحو المغيب، كنا نحاول اجتياز ستار كثيف من شجر الصبر "التين الشوكي" حين سمعنا قهقهة الجنود والمجندات اليهوديات وراء الساتر، ولمحنا شبح سيارتهم المصفحة، كان الموقف حرجاً للغاية فنزلنا على أطراف الأصابع، وقد كتمنا الأنفاس، ويبدو أن خيولنا أحست بما نحن فيه فكتمت أنفاسها أيضاً، ولو بدرت منها أي حركة لجلبت علينا النيران من كل اتجاه، لقد بقينا على هذه الحالة فترة من الوقت حسبناها زمناً طويلاً حتى خيم الظلام، فانسحبنا بهدوء تتبعنا خيولنا الذكية حتى قطعنا مسافة معقولة ثم امتطيناها وتركنا لها العنان.
تمت المنازلة الصامتة التي دعاني إليها هذا المغامر الجريء بسلام، لكن بقي منها درس لا ينسى وهو أن التنافس والمزايدة تكون عادة على حساب الأمن والسلامة والمصلحة، ولا بد من تفادي أسبابها إذا أريد للعمل أن يكون محكماً، وأن يحكمه التخطيط الرصين والمسؤولية وليس مجرد تسجيل النقاط، غير أن هذه الحادثة توضح مفتاح شخصيته."
نجيب جويفل وقضية حامد جودة
بعدما تم حل الجماعة على يدي النقراشي باشا عام 1948م بإيعاز من أمريكا وبريطانيا وفرنسا لوقف جهود الإخوان في التصدي للمنظمات والعصابات الصهيونية بفلسطين، مما حدى بأحد الإخوان دون الرجوع لقيادته بقتل النقراشي باشا ردا على تجاوزه في حق المجاهدين وفلسطين وحق الجماعة.
غير أن الملك أسند الوزارة لإبراهيم عبدالهادي باشا والذي وصف عهده الكتاب والباحثين وشهود العيان بالعسكري الأسود والذي أذاق المجاهدين والإخوان والمعارضين اشد أنواع التعذيب، ولذا فكر بعض الشباب من القضاء عليه ووضعوا خطة محكمة لذلك وحددوا هدفهم ووجهتهم وهى التمركز في شقة في مصر القديمة مطلة على الكورنيش بحيث يستطيعوا اقتناص إبراهيم عبدالهادي، لكن قدر الله أن الذي تعرض للهجوم و حامد جودة رئيس مجلس النواب حيث كانت سيارته تشبه سيارة إبراهيم عبدالهادي غير أنه نجا وأصيب حارسه وقد وقع هذا الحادث في 6 مايو 1949م، وقبض على بعض الإخوان، وقدموا للمحاكمة.
ورؤى في أول الأمر نظر هذه القضية وحدها . ونظرت عدة جلسات منها فعلا أمام محكمة عسكرية عليا وقدمت النيابة عشرة متهمين في هذه القضية إلي القضاء العسكري وهم :
1 –مصطفي كمال عبد المجيد ( ميكانيكي )
2 – محمد نجيب جويفل ( طالب )
3 – عبد الفتاح ثروت ( راصد جوي )
4 – فتحي محمد علام ( طالب )
7 – عبد الكريم محمد السيد ( عامل )
8 – محمد شحاته عبد الجواد ( طباع )
9 – سعيد جلال شهبندر ( طالب )
10 – علي صديق السيد فرج ( طالب )
والمحكمة العسكرية العليا التي نظرت هذه القضية في أول الأمر كانت برياسة رياض رزق الله بك وعضوية عبد المليجيبك وقطب عمربك واثنين من العسكريين .. ثم أحيلت إلي دائرة عسكرية أخري برياسة مرسي فرحات بك وعضوية محمود صبري بك وعبد الرحمن جنينة بك واثنين من العسكريين .
وقد ظلت هذه القضية تنظر أمام هذه الهيئة حتى جاءت وزارة الوفد وأسندت وزارة التموين إلي مرسي فرحات بك فأجلت جلساتها .
ولما رفعت الأحكام العرفية أحيلت إلي دائرة جنائية غير عسكرية برياسة حسين طنطاوي بك .. وفي الجلسة الرابعة لهذه الدائرة وافقت المحكمة علي ضم هذه القضية إلي قضية الأوكار واعتبارهما قضية واحدة .. وسمعت هذه الدائرة الأستاذ حامد جودة باعتباره شاهدا .
وفي أثناء نظر هذه القضية أمام المحكمة العسكرية الثانية وافقت المحكمة علي طلب للدفاع بضم ملف قضية اغتيال الأستاذ الإمام حسن البنا ، فكان هذا هو أول تحريك لهذه القضية.
ولقد تعرض هؤلاء للتعذيب الشديد يقول الأستاذ محمود عبد الحليم صاحب كتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ: ( وهنا طلبت المحكمة من المتهمين الوقوف ، واستعرضهم الشاهد ) ثم أشار إلي مصطفي كمال عبد المجيد وقال أن هذا المتهم عندما كان يراد نقله إلي دورة المياه كان يحمل علي الأكتاف ؛ لأنه لم يكن يقوى علي الوقوف علي قدميه من آثار الضرب – ثم أشار إلي علي رياض وقال : أن هذا المتهم رأيته مستلقيا علي كنبة بحجرة أحد الضباط ورجليه مبتورة خالص – وأشار إلي نجيب جويفل وقال : رأيته ملقي علي الأرض بحجرة الصاغ العشري حوالي الساعة الرابعة مساء والدم ينزف من جسمه.
جويفل وقصة الهروب عام 1949م
حكمت المحكمة عليهم بأحكام كبيرة، وكان دفاع نجيب جويفل هو الستاذ حسن عشماوي، مما دفع جويفل إلى الهرب من هذا الحكم الذي ظنه ظالم في حقه.
يقول الدكتور حسان حتحوت في كتابه العَقد الفريد 1942- 1952 عشر سنوات مع الإمام حسن البنا:
"في سجن عام 1949م كانت لي تأملاتي الكثيرة في غرفتي التي وثق الحارس بي فسمح أن أغلق الباب وهو بالخارج رغم أن للغرفة شباكًا. وما كنت لأخون ثقته، وما كان عندي سبب ولا رغبة في الهرب وإن كنا علمنا أن الأخ نجيب جويفل الذي كان تحت الحراسة قد غافل حراسه وهرب ولم يغير ذلك شيئًا بالنسبة لي".
ويذكر الأستاذ صلاح شادي قصة الهروب في كتابه حصاد العمر فيقول:
" تحمس الأخ المرحوم حسن العشماوى لفكرة تهريب نجيب جويفل من المستشفى الذى كان يعالج فيه وهى مستشفى الدمرداش ، وأبلغني بضرورة التخطيط لهروبه فى هذا الظرف الملائم قبل انتهاء علاجه وعودته إلى السجن .
وكان هروبه من المستشفي إلى مكان آمن بالقاهرة آمرا يسيرا ، ولكن الذى كان يشغلني هو تهريبه إلى خارج القطر .
وقبلت المخاطرة وأبى المرحوم حسن العشماوى إلا أن ينهض بتبعاتها كلها حتى يهرب جويفل خارج القطر. وكانت الحراسة على نجيب جويفل داخل مستشفى الدمرداش مكونه من أحد الضباط أو الصولات ، وجنديين يتبادلان الحراسة في ثلاث نوبات ليلا ونهارا ، يرأسهم الصول أو الضابط رئيس النوبة ، وقد استفاد نجيب جويفل من ثقة الحراس فى تحركاته دون متابعتهم له ، ودبر هروبه في نوبة أحد الصولات.
ففى مساء أحد الأيام والتى جهزنا فيها أحدى السيارات التى تنتظره أسفل البناء الذى يقيم فيه، وجرت الخطة على أن تتغير السيارة التى أقلته من المستشفي ليستبدلها بسيارة أخرى يقودها الأخ عبد القادر حلمى الذى كان ينتظر بها فى طريق بولاق ، وفى نفس الطريق الذى يسلكه إلى روض الفرج لينقل " مريضنا " الهارب إلى منز ل إبراهيم بركات - أحد إخوان قسم الوحدات - الذى كان يعده صاحبه للدخول بعروسه قبل مقدم ضيفه الجديد!
وقاد المرحوم حسن العشماوى السيارة التى كانت تنتظر نزول نجيب جويفل - فى الوقت المحدد - من غرفته فى البناء الذى كان يقيم فيه إلى فناء المستشفى الخارجي بعد أن استطاع بسهولة أن يتخلص من مراقبة حراسه .
وتبعت الركب بسيارة تحسبا لآي طارئ جديد يعوق نجاح الخطة ، حتى إذا وصلنا إلى المكان المتفق عليه والذي كان ينتظرنا فيه الأستاذ عبد القادر حلمي ، انتقل نجيب إلى سيارته التى أقلته إلى المنزل المعد لاستقباله والبقاء فيه لحين انقضاء تحركات البوليس المحتملة فى البحث عنه .
ومضت فترة أعددنا فيها أنفسنا لسفر الأخ نجيب إلى الخارج ، وأصر المرحوم حسن العشماوى على أن يصحبه أيضا بالطائرة إلى لبنان مع أسرته وأبنائه .
وكانت الشخصية التى اخترناها لنجيب جويفل فى مرحلة هروبه شخصية مربية خرساء للأطفال ! ! إذ لم يكن من المستطاع تشكيل صوته على النحو الذى يضمن لنا سلامته وعدم اكتشاف أمره.
وصورناه على النحو الذى يتفق مع هذه الشخصية ، واستطاع الأستاذ المرحوم رجائي العشماوى -شقيق المرحوم حسن- أن يستخرج له جواز السفر المطلوب باسم مستعار اختاره للمربية الخرساء ، ثم تحدثت إلى الأخ رمضان متولى أحد إخوان الوحدات الذى كان يعمل كونستبل شرطة فى مطار القاهرة فى شأن استقبال أسرة المرحوم حسن والمربية التى معه لتسهيل السفر لهم عن نوبة عمله فى المطار ، بعد أن أعلمته بحقيقة المسافرين وخطورة المهمة ، وقد قبل الاشتراك فيها بغير تردد ، ووصل ركب المسافرين إلى المطار بصحبة شقيقة المرحوم حسن العشماوى زوجة المرحوم منير دله الأستاذةآمال العشماوي لتطبع جو الأسرة على المسافرين فى وداعهم في صالة المطار واستقبلنا رمضان متولى رحمه الله وسهل لنا إجراءات السفر حتى استطاع الجميع بلوغ الطائرة فى أمان ، وأقلعت به إلى لبنان.
والجدير بالذكر أنه بعد قيام الحركة في يوليو سنة 1952 بأشهر أبلغ المرحوم حسن العشماوي جمال عبد الناصر بقصة نجيب جويفل فاستقدمه بحواز سفر آخر عاد به إلى القاهرة لحين صدور العفو العام عن قضايا الإخوان المسلمين سنة 1953 والذي شمل اسم بنجيب جويفل".
جويفل والسندي والصدام
بعدما حكمت المحكمة بعودة الجماعة وإلغاء قرار الحل الذي اصدر النقراشي باشا، اختير المستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدا عاما للإخوان المسلمين، وكان من الأمور التي استقر عليها حل النظام الخاص وتشكيله على صورة جديدة لا تجعل عمله بصورة سرية، لكن قادة النظام اعترضوا على ذلك وناصبوا المستشار ومكتب الإرشاد العداء، واستغلها جمال عبد الناصر ليزكي نار الفتنة بين الطرفين لبغضه للمستشار الهضيبي مواقفه الكاشفة لعبدالناصر وسياسته، ورفضه أن يكون يد طيعة لعبد الناصر.
كان لهذا الاعتراض أثرا على قادة النظام الخاص والذين أغروا بعض الإخوة من النظام ليكونوا في صفهم وصف عبدالناصر، مما حدا بالهيئة التأسيسية للاجتماع والنظر في هذا الأمر واستمعوا لقادة النظام الخاص أمثال عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ كما استمعوا لبعض الإخوة الذين أيدوا موقف السندي ضد مكتب الإرشاد أمثال الأستاذ صالح عشماوي ومحمد الغزالي وعبدالعزيز جلال، غير أن هؤلاء رفضوا قرارات الهيئة التأسيسية مما دفها لإصدار قرار بفصل هؤلاء الإخوة من الإخوان وقطع الاتصال بهم.
يقول أ/ محمود عبدالحليم في الجزء الثالث من كتاب الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ تحت عنوان(التقرير التفصيلي للجنة تحقيق العضوية في قضية الأساتذة صالح عشماوي والشيخ محمد الغزالي وأحمد عبد العزيز جلال:
في يوم الأربعاء 25 من شهر ربيع الأول 1373هـ الموافق 2 من ديسمبر 1953م أحال إلينا مكتب الإرشاد العام تقرير اتهام موجه إلي الإخوان الأساتذة صالح عشماوي ومحمد غزالي وأحمد عبد العزيز جلال للفصل في أمرهم ، باعتبارهم موضع اختصاص اللجنة لأنهم أعضاء في الهيئة التأسيسية . وفي أول جلسة عقدتها اللجنة في مساء اليوم المذكور ، تقدم الأخ الأستاذ عبد العزيز كامل رئيس اللجنة برغبته إلينا في التنحي عنها خلال فترة نظر هذه القضية لأنه شاهد فيها ، فأقرت اللجنة رغبته وانتخبت الأخ الأستاذ محمود عبد الحليم رئيسًا لها خلال هذه الفترة .
وبعد أن قرأت قائمة الاتهام وهي تتضمن ستة عشر اتهامًا ، رأت استدعاء بعض من وردت أسماؤهم في التقرير مكتوب بشهادته ثم الأستاذ محمد فرغلي فالأستاذ هارون المجددى اللذين أدليا بشهادتيهما .
ثم استدعت اللجنة الأخ الأستاذ نجيب جويفل واستمعت إلي شهادته في واقعة معينة ورد ذكر اسمه فيها في شهادة الأستاذ محمد فرغلي.
غير أن هؤلاء الإخوة اعترضوا على قرار الفصل ودفع السندي ببعض الإخوة بالذهاب للمستشار الهضيبي في بيته بالمنيل في محاولة لإثنائه ومكتب الإرشاد عن قرار الفصل لكن المر تطور وتطاول البعض عليه في محاولة لإجباره على التنحي عن المرشد العام غير أنه رفض وعنف بعض الإخوة المشاركين من طلب من الأستاذ ذلك وعلى رأسهم الأستاذ عبد الرحمن البنان الذي قال: ما جئنا لنطلب من المرشد العام التنحي عن منصبه لكن جئنا لنطلب منه أن يعيد التفكير في قرار فصل قادة النظام، وما دام المر تطور فلابد أن نرحل.
واستجاب له عدد من الإخوان ورحلوا إلى المركز العام واعتصموا به غير أن الجهود استطاعت أن تفض هذا الاعتصام وتتضح الأمور أمام كثير من الإخوة الذين قدموا اعتذارهم على سوء فهم للموقف، وكان نجيب جويفل ضمن المجموعة التي شاركت في الذهاب للمرشد والاعتصام في المركز العام.
وسار الأمر حتى وقعت محنة يناير عام 1954م بعد حل الجماعة من قبل رجال الثورة واعتقال قادتها حتى مارس من نفس العام.
وبعد خروج الإخوان والتي انتهت بمظاهرة عابدين التي أعادت مرة أخرى محمد نجيب رئيسا لمصر، حدث صدام أخر مع رجال الثورة حينما اعترض الإخوان على اتفاقية الجلاء التي وقعها عبدالناصر مع الإنجليز لما تضمنته لبنود مجحفة بحق مصر، مما أدى إلى الصدام الشديد وذلك أثناء سفر المستشار حسن الهضيبي إلى بلاد الشام.
مما دفع بالمستشار الهضيبي للرجوع إلى مصر لإدارة الأزمة التي تتعرض لها الدعوة، غير أن بعض الإخوة الذين ذهبوا معه رفضوا الرجوع أمثال عبد الحكيم عابدين وسعيد رمضان وسعد الدين الوليلي.
وحينما وقع حادث المنشية أواخر شهر أكتوبر عام 1954م وزج بالإخوان إلى المعتقلات ثم المحاكمات والتي حكمت على بعضهم بالإعدام غير الحكام الأخرى لباقي الإخوان.
ولقد اسقط عبدالناصر الجنسية عن بعض الإخعنوان وصلةوان كان منهم نجيب جويفل وهذا مما يزيد الأمر حيرة فيقول الدكتور يوسف القرضاوي في مذكراته:
وفي أواخر سبتمبر وصلت الأزمة إلى ذروة مرحلة خطرة؛ إذ صدر قرار في 23 من الشهر من مجلس قيادة الثورة بنزع الجنسية عن ستة من المصريين بزعم أنهم أساءوا إلى سمعة بلادهم في الخارج، وأضروا بعلاقاتها مع جيرانها العرب، وكانت تهمتهم "خيانة الأمة"! وكان الستة جميعا في الخارج في ذلك الوقت وهم: سعيد رمضان، وعبد الحكيم عابدين، وسعد الدين الوليلي، ومحمد نجيب جويفل، وكامل إسماعيل الشريف (وهؤلاء جميعا من الإخوان المسلمين)، ثم محمود أبو الفتح وهو وفدي بارز وأحد أفراد الأسرة التي تملك الصحيفة الوفدية (المصري)، وقد اعتبر حليفا للإخوان، بجانب أمور أخرى اتُّهم بها.
ويؤكد الموضوع قول محسن محمد في كتابه من قتل حسن البنا:
" وعندما اختلف جمال عبد الناصر مع الإخوان أصدر في 23 من سبتمبر 1954 قرار بإسقاط الجنسية عن قيادات الجماعة : سعيد رمضان وسعد الدين الوليلى ومحمد نجيب جويفل وكامل الشريف قائد الإخوان فى حرب فلسطين. وقد رحبت سوريا بهم لاجئين سياسيين".
جويفل في سوريا
عاش نجيب جويفل فترة في سوريا غير أنه تم التحول ولا احد يعرف هل كان جويفل تبع المخابرات قبل سفره أم بعدها، كما لا يعرف أحد السبب لكن أصبح نجيب جويفل رجل عبدالناصر المخابراتي الذي ينفذ ما يمليه عليه عبدالناصر حتى انه حاول شق الصف الإخوان في سوريا وتأليب الإخوان على الدكتور مصطفى السباعي.
يقول د. مصطفى السباعي:
كانت معرفتي بنجيب جويفل لأول مرة في معسكر النصيرات شمالي دير البلح قبل أن ننتقل إلى معسكر البريج بعد جلاء كتيبة الجيش البريطاني منه عام 1984 كان نجيب واحدا من مجموعة من طلاب الجامعات الذين هجروا الأهل والدراسة وجاءوا للالتحاق بكتائب الجهاد، ولم أكن أعلم حين تعرفت به أن زمالتنا سوف تطول وتمتد أكثر من ثلاثين سنة، وأنها ستعبر بنا بلداناً وحالات مختلفة، وأنها ستصبح فصلاً تمتزج فيه الصداقة مع العداوة، والمثالية مع الواقعية، والإيمان وما يناقضه مع أخلاق الناس.
غريب هذا الإنسان المخلوق، الذي يستطيع أن يجمع في إهابه كل الميول والنقائض، ويتحرك بين الحدين الذين وضعه الله بينهما حين قال "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين" وفي يده أن يعلو حتى يخالط الملائكة، أو ينحدر حتى يعايش الشياطين.
كان نجيب جويفل جريئاً شجاعاً وكان يتمتع بصفات قيادية نادرة فهو محدث بارع، وخطيب مفوه، وكان لديه قدرة غير عادية على كسب من حوله، ولذلك أصبح الباب مشرعاً أمامه لكي يصعد في مدارج المسؤوليات والقيادات، فإذا اجتمعت تلك المواهب الطبيعية النادرة مع طموح لا حد له أصبح الرجل شحنة هائلة قابلة دائماً للانفجار، وهكذا كان نجيب جويفل.
يعرف الكاتب الساخر أوسكار وايلد الطموح بأنه الملجأ الأخير للفشل! ولو تركنا السخرية جانباً نجد الطموح في ناحية يأتي كرد فعل عن الفشل في نواح أخرى، ويكون الطموح أخطر ما يكون إذا كان الإنسان لا يملك الوسائل لتلبية ذلك الطموح، مما يدفع لاستباحة القيم وتنكب المبادىء، والاندماج نحو الجريمة، كما تغنى المتنبي في مطلع شبابه:
- وكل ما خلق الله وما لم يخلق
وقد حمله هذا الطموح الهائج إلى حتفه كما هو معلوم.
وفي مناخ العمل السري تثور تلك الميول وتنتعش وقد تستعين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتخرجها عن سياقها لتجعل منها سنداً وذريعة لأدنى النزعات البشرية، ألم تر كيف برر الخوارج لأنفسهم التمرد على الخلفاء، وشق الصف الإسلامي، وإثارة الرعب بين المسلمين تحت شعار "لا حكم إلا لله".
كان لدى نجيب جويفل قدرة عجيبة على شق أي مجموعة متحدة عن طريق "المزايدة" وأخذ مواقف التطرف، وهذا النوع يروج في الجماعات الإسلامية أكثر من غيرها لأنه ينفق من رصيد عاطفي زاخر يستطيع أن يبرز فيه تراث خالد بن الوليد، وأبو عبيدة، وغيرهم من أبطال الإسلام، بعد أن يضع حولهم ببلاغته هالة مضاعفة، وقد استطاع نجيب أن يشق معسكر البريج لعدة "شلل" حتى اضطررت لاعتقاله في انتظار ترحيله، ولكنه هرب في مرحلة ما وعلمت بعدها أنه ذهب للاشتراك في عملية عنيفة في بلد عربي، ثم ظهر في احتلال المركز العام، وحين حط بنا المقام في المنفى وجدناه ما دخل بلداً إلاّ أحدث فيه انشقاقات، إلا أن الختام المفجع قد وقع حين ظهر في بزته العسكرية ضابطاً في المخابرات العسكرية!
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي:
بقيت في حمص نحو عشرة أيام مليئة بالحيوية والنشاط في إطار السرية المفروضة على العمل الإسلامي، وكان يقيم في حمص أخونا محمد نجيب جويفل رجل النظام الخاص، هو وصديق رفيقيمحمد علي سليم، وكلاهما شرقاوي، ولكنه لم يكن موجودا بحمص ولا بسوريا فترة بقائي بها، فلم يتح لي أن ألقاه.
وقد اختلف الإخوة السوريون في دور جويفل في إخوان سوريا، وبعضهم يحمّله تبعة ما حدث من انقسام هناك، وليس عندي علم بتفاصيل ذلك، وقد أفضى إلى ما قدم، سامحه الله وجزاه بنيته.
ويقول الأستاذ عدنان سعد الدين:
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وعندما ضيق أديب الشيشكلي الخناق على الشيخ الدكتور مصطفى السباعي مراقب الجماعة وقائدها، وعلى إخوانه من قادة الجماعة، واضطر إلى مغادرة دمشق إلى لبنان، لم يجد شيخنا من يسد فراغه وينوب عنه مثل الأخ عبد الكريم عثمان ليقوم بمهمة المراقب العام وكالة، ولما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره الميمون.
كانت حركة الانشقاق التي قادها ضابط المخابرات الناصرية نجيب جويفل، ومن التف حوله من دمشق وحمص وإدلب، قد استفحلت، وصارت تشكل خطراً على كيان الجماعة، فرأى المنشقون في الأخ عبد الكريم عثمان سداً في طريقهم، وعقبة أمام تطلعاتهم، وإحباطاً لمخططاتهم، فهدده أحدهم هشام جندل الرفاعي بالتصفية إذا لم يوافقهم، ويذعن لهم، أو على الأقل أن لا يعترض سبيلهم، فإذا بالأخ الوديع ذي الحاشية الرقيقة يتحول بلحظة إلى غضنفر، يواجه شططهم بموقف صلب، وعزيمة غير مألوفة ولا متوقعة، متحدياً المنشقين أن يفعلوا ما يعن لهم، فإذا بهم يرجعون القهقرى، ويرضون من سوء خلقهم بالإياب والتراجع، وطي صفحة التمرد الذي قاده ضابط المخابرات الناصرية نجيب جويفل وعصابته التي تبعثرت، وكأنها لم تكن، أمام صلابة الإخوان، وعلى رأسهم عبد الكريم عثمان والإخوة المخلصون في دمشق، وثباتهم وتلاحمهم، والتفافهم حول قيادتهم، وعلى رأسها فضيلة مراقبهم الفذ الشيخ الدكتور مصطفى السباعي طيب الله ثراه، وتلاشت حركة الضلال، وذهبت أدراج الرياح، ولم نعد نعثر لها على أثر.
ويضيف في مذكراته: " كان الانشقاق هذا - الثاني- عام 1953 كبيرًا وخطيرًا كاد أن يطيح بالجماعة ويقضي عليها ، إذ شاركت فيه قوى داخلية من داخل الجماعة ، كما شاركت فيه قوى خارجية وأجهزة مخابرات دولية وعربية ، كان عبد الناصر في مقدمتها وعلى رأسها ، وكان أشد تأثيرًا في ذاك الانشقاق عندما استطاع تجنيد عناصر إخوانية سباقة خرجت على الجماعة ، وارتبطت بالمخابرات المصرية ، كان نجيب جويفل أبرزها وأخطرها ، وأشدها فتكًا في التنظيم الذي يعرف الكثير من خفاياه وخباياه وأشخاصه ونقاط الضعف فيه ، وقد أحرز نجاحًا كبيرًا في مهمته التدميرية عندما استطاع شراء عناصر إخوانية سورية من داخل التنظيم ، باعت نفسها بمكاسب ومناصب ومواقع رخيصة ، كان من أبرزها عبد المجيد الطرابلسي من حمص ، وأنور حمادة من إدلب ، وآخرون أقل أهمية في دمشق واللاذقية وحمص وغيرها.
إن الذي ساعد الجماعة في هذه المحنة الكبرى ، وخروجها منها معافاة ، مبادرة قائدها السباعي الذي دخل سرًا إلى سورية -رغم ملاحقته- ليتصل بشرائح الجماعة في معظم مراكزها ، وكشف لهم دناءة بعض المصريين والسوريين الذين باعوا أنفسهم لأعداء الدعوة بثمن بخس ، وكذا وعي جمهرة كبيرة من قواعد الإخوان ، ولاسيما في مركزي حلب وحماة اللذين ارتابا منذ البداية من حركة نجيب جويفل ، وأغلقا في وجهه ومن معه الأبواب ، وقطعا عليهم دروب الفتنة والكيد ، وألقيا بثقلهما مع القيادة الإخوانية الشرعية بقيادة الشيخ السباعي ، فكان في ذلك ترجيح للجماعة ، وفشل ذريع لرؤوس الفتنة الذين لاذوا بالفرار والإدبار."
وكما جاء في كتاب الجماعة الإسلامية في لبنان:
أن زهير الشاويش يعزو تأثير المدّ الناصري على جماعة عباد الرحمن بلبنان إلى تسلط نجيب جويفل على الجماعة سنة 1954م، ومن المعروف أن نجيب جويفل كان من الإخوان المسلمين المصريين الذين انتقلوا إلى العيش خارج مصر، وكان يقدم نفسه على أنه من كوادر الإخوان وهناك اتهامات لنجيب جويفل بأنه أثار الفتنة وسط الإخوان في أكثر من بلد، وبأن له ارتباطات سرية بمخابرات عبد الناصر وهذا ما أثر برأي الشاويش على بعض أعضاء الجماعة، وهنا تمّ الانشقاق.
يقول الأستاذ عدنان سعد الدين: نقل نجيب جويفل نشاطه المخابراتي التخريبي من سورية بعد أن أنفضح أمره لدى الإخوان في جميع المراكز إلى السودان فطرده الإخوان منها ، وإلى لبنان فأخفق في مسعاه ، وإلى الأردن متزلفا للمراقب العام محمد عبد الرحمن خليفة ، ثم إلى الجزائر دعما لأبن بيلا حليف عبد الناصر ، وقام بتفجير في فندق الصنوبر ، فانكشف أمره ، وألقت السلطات الجزائرية القبض عليه ، وفي الكويت استمال فريقا بدعوى تحييده في النزاع بين الإخوان وعبد الناصر ، غير أن الفريق الموالي للجماعة تغلب على الفتنة ، ونبذ فكر الحياد ، فباءت جهود جويفل بالفشل ، فانطوت هذه الصفحة السوداء من صفحات المؤامرة.
وبعد فشل إعادة الوحدة بانقلاب 28/3/1962م حاول محمد نسيم ونجيب جويفل عمل انقلاب أخر للعودة للوحدة مع نظام عبدالناصر غير أنهم فشلوا.
وحينما منع الدكتور القرضاوي من السفر قابل صلاح نصر من اجل الخروج من مصر إلى قطر قال له صلاح نصر: إنَّ همزة الوصل بيننا هو واحد منكم تعرفونه ويعرفكم، هو الأستاذ محمد نجيب جويفل، وسيُرتِّب معكم طريقة الاتصال بكم، وسأصدر الأوامر برفع الحظر عن سفركم، ويُمكنكم أن تستعدُّوا للعودة إلى قطر متى شئتم".
وذلك كما ورد في حديث الدكتور يوسف القرضاوي في النبأ العدد 134 الأربعاء ٨ صفر ١٤٣٢ هـ الموافق 12 يناير من عام 2011م.
لقد حاول أيضا نجيب جويفل يحدث شقا فى صفوف إخوان الأردن حيث عرفهم على نفسه انه واحد من الإخوان بل حاول ان يجند بعض ضباط المخابرات الأردنية لحساب مصر يقول نذير رشيد في لقاء مع قناة الجزيرة: لما تعينت بدائرة المخابرات بأول 1968 أتاني جويفل إلى بيتي بالسلط مع أحد أقاربي، زميله، عارضا علي أن أتعاون مع المخابرات المصرية فقلت له روح قول له عيب، عيب. أولا أنا مش من هالنوعية، ثانيا خليه يجي بكره الساعة 12 عالدائرة يأخذ المعلومات اللي بده إياها، أنا بالسر ما بشتغل، قل له عيب وأنا بستغرب كيف أنت تيجي معه.
جويفل وخدمة الإخوان
لم يكن نجيب جويفل هو الشخص السيئ على طول الخط فبالرغم مما قام به ضد الإخوان في سوريا، ومحاولته زعزعة الاستقرار في الصف الإخواني في أكثر من مكان غلا انه كان خدوما لإخوانه في بعض الحالات –خاصة المصريين.
يقول الدكتور مصطفى السباعي:
"من الإنصاف لنجيب جويفل أن نقول أنه لم يستخدم منصبه الكبير لإيذاء أحد من رجال الجماعة، بل يبدو أنه حاول مساعدة بعض الأسر المنكوبة، لكنه يبقى نموذجاً فريداً لنوع من الشباب يدخل العمل الإسلامي للصيد والقنص باحثاً عن مصلحته وحدها".
ويقول الفريق عبدالمنعم عبدالرؤوف في كتابه أرغمت فاروق على التنازل عن العرش:
" أثناء وجودي بتركيا هربا من عبد الناصر اتصلت بالأخ الأستاذ نجيب جويفل لعله ينهى موضوعي مع السلطات المصرية وجاءني الرد يقول:
أرجو أن تكون مطمئنا إني أبذل قصارى جهدي لحل موضوعك, ولا أترك فرصة تمر دون الاستفادة منها, وقد قطعت في هذا الطريق مرحلة لا بأس بها وأرجو أن يصلك قريبا ما يريحك, أكتب إلىّ بكل ما يلزمك فإنه يسعدني ذلك.
ختاما لك خالص تحياتي وأطيب تمنياتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحريرا في (15/4/1960)".
ويضيف: وفى خلال هذه المدة صرف لي المعاش التقاعدي عن طريق السفارة المصرية وذلك بمساعدة الأخ نجيب جويفل إذ وصلتني رسالة بتاريخ (27/12)1962) يقول فيها:
أنا يا أخي لا أدخر جهدا فى إنهاء موضوعكم وقد تقدمت لهم باقتراح صرف المعاش وجواز السفر وقد علمت أن المعاش صرف وعندي موعد معهم السبت بخصوص جواز السفر, فأرجو ألا تقلق ولا تتحرك من عندك حتى يصلك منى ما يفيد.
ويقول الأستاذ عبدالرحمن البنان في مذكراته: "قررت الهروب من مصر غير أن وزارة الداخلية رفضت استخراج جواز سفر له لكوني من الإخوان.
غير أني تقابلت بالصدفة مع شخص عزيز، قابلني في حرب فلسطين هو الأخ «نجيب جويفل»، وكان يمتاز بشجاعة وإقدام غير عاديين، ولقد علمت أنه لم يعتقل مثلنا؛ لأنه كان له صلة شخصية بـ«جمال عبد الناصر»، ولقد سمعت أنه يعمل معهم في المخابرات، ورحَّب بي «نجيب جويفل»، فهي زمالة الميدان، وكان -في الحقيقة- يعتبرني تلميذًا له، فقد خرجت معه عدة دوريات في فلسطين، وسألني «نجيب» باهتمام شديد عن أخباري، فقلت له: باختصار شديد، عندي رغبة في السفر بعد هذه المعاناة الطويلة، فسألني: عن أي بلد أريد السفر إليها؟ فقلت له: الكويت؛ حيث يعمل أخي هناك، فقال لي بثقة شديدة: اعتبر نفسك في الكويت، يا عبدالرحمن، جهِّز نفسك، واستخرج جواز سفر، وقابلني بعد أسبوع، ومعك جواز السفر، قلت له: لقد ذهبت إلى وزارة الداخلية ورفضوا، قال لي: لا عليك، اعتمد على الله، وكان يتكلم بثقة شديدة، وكنت أعلم عن «نجيب جويفل» أنه رجل صادق، ولكني رغم ذلك أعطيته كل البيانات الخاصة بي في ورقة، وانصرفت غير مصدق ما حدث، هل هذا حلم آخر؟!
وفي اليوم التالي ذهبت إلى المجمع في «التحرير»، وأخذت معي كل الأوراق المطلوبة من شهادة ميلاد وبطاقة وصور، ولكنهم أخبروني أنه لا بدَّ من شهادة بموافقة جهة العمل، أو استقالة، وفي جهة العمل رفضوا الموافقة على سفري، فأقدمت على تقديم استقالتي، وهي مغامرة غير محسوبة، اعتمادًا على كلمة «نجيب جويفل» لي، فماذا إذا لم يستطع «نجيب» إحضار التصريح لي بالموافقة على سفري، سأجد نفسي من غير عمل، ولا مورد، ولكني توكلت على الله، وقدمت استقالتي، وأعطوني ورقة بخلو الطرف، وقدمتها للجوازات في آخر يوم قبل موعدي مع «نجيب جويفل»، وقابلني بتجهم في وجهه، فأحسست أنه فشل في مهمته، وفي وعده، وأنني خسرت عملي أيضًا، ولكنه عاد، وابتسم مطمئنًا لي، وقال لي: لقد أحببت أن أختبر أعصابك، يا عبد الرحمن، مبروك، تستطيع الآن أن تسافر، وتقدم هذه الورقة في المطار، ووجدتها مختومة بختم النسر، ومكتوب فيها: «يصرح لحاملها فلان بالخروج والسفر إلى دولة الكويت»، شكرته كثيرًا، وعدت إلى المنزل.
مصير نجيب جويفل
يقول الدكتور محمود جامع فى كتابه وعرفت السادات:
فى أحد الأيام ـ أيام كان أنور السادات نائباً لرئيس الجمهورية ويقطن فى فيلا بشارع الهرم , وكنت أجلس معه ـ وإذا بعبدالناصر يدخل فجأة وبصحبته الأخ ( نجيب جويفل ) الإخوانى المعروف والذي كان عبدالحكيم عامر قد عرفه بعبدالناصر فاحتضنه عبدالناصر وجعله ضابط اتصال مع منظمة فتح وياسر عرفات , وجمعتنا غرفة واحدة نحن الأربعة حتى خرجت أنا وهو من الغرفة وتركنا عبدالناصر والسادات على انفراد وجلسنا نحن سوياً , وبعد ذلك اكتشف عبدالناصر مؤامرة لنسف المنصة التى كان يشاهد منها استعراض القوات المسلحة يوم عيد الثورة أمام فندق هيلتون , وأن مدبر المؤامرة هو ( نجيب جويفل ) واتهم معه الضابط ( عبدالقادر عيد ) مدير مكتب عبدالحكيم عامر وآخرين وقُبض عليهم وحوكموا , وحُكم عليهم بالأشغال الشاقة , ولكن نجيب جويفل هرب واختفى بسرعة البرق وظهر فى لبنان , وتعقبته أجهزة عبدالناصر وحاولوا خطفه فى بيروت ووضعه فى صندوق وشحنه إلى مصر , ولكنه اكتشف هذه الخديعة وفشلت الخطة وعادوا إلى مصر دون تنفيذ مهمتهم .
ويقول إبراهيم غرايبة في جريدة العرب العدد 7714 الموافق الأحد 26 يوليو 2009 م - 4 شعبان 1430 هـ:
"ظهر نجيب جويفل بعدما أمضى سنوات في الأردن وسوريا والكويت باعتباره أحد الإخوان الفارين من عبدالناصر، ضابطاً برتبة عميد ثم لواء يعمل بصفة رسمية دبلوماسية منسقا مع الحركات الفلسطينية في الأردن ثم في بيروت، وكان قد غادر عمّان في أزمة عام 1970 على طائرة الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، عندما حضر إلى عمّان في محاولة للتوسط بين الحكومة الأردنية والمنظمات الفدائية الفلسطينية، ثم عاد بعد ذلك لمصر واستقر بها حتى توفاه الله أواخر الثمانينيات تقريبا في 3/ 6/ 1987م.
وفاة زوجته
توفيت زوجته بعد عمر طويل من رحيل زوجها فقد جاء في جريدة الأهرام يوم الاثنين العدد 43183 السنة 129- 28 فبراير 2005م الموفق 19 من محرم 1426 هـ خبر الوفاة حيث كتبت:
توفيت إلي رحمة الله تعالي الحاجة روحية الجندي حرم المرحوم الأستاذ نجيب جويفل الوزير المفوض وكريمة المرحوم الحاج محمود الجندي والمرحومة الحاجة مفيدة عبدالله ووالدة رجل الأعمال المحاسب عاصم جويفل رئيس مجلس إدارة شركة القادسية للصناعات الهندسية زوج السيدة إيمان لطفي واكد والأستاذة المحامية وفاء جويفل حرم الدكتور محمد صلاح سالم الاستشاري بمستشفي التأمين الصحي والسيدة عزة جويفل بكندا والسيدة إيمان جويفل حرم رجل الأعمال أحمد شهيب.
شهادات في حق الأستاذ محمد نجيب جويفل
مقدمة:
محمد نجيب جويفل شخصية مثيرة للجدل كانت في يوم من الايام من الاخوان وقد تباينت الاراء حولها يتهمه الاخوان السوريون بقيادة محاولة انشقاقية في تنظيم الجماعة في الخمسينيات ضد الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله تعالى بتكليف من المخابرات المصرية، وكان جهد المنشقين تشكيل تنظيم مسلح، وقد رفض الدكتور السباعي ومعه التنظيم كله هذه الفكرة، حتى استطاع استئصالها، وفصل أنصارها، وعلى رأسهم جويفل نفسه ونضع في أدناه شهادات معاصريه من الاخوان:
شهادة كامل الشريف:
لقد جاء عرضاً ذكر نجيب جويفل في محاولة احتلال المركز العام للإخوان المسلمين في الحلمية، بهدف إحراج المرشد الجديد ووضع مرشد آخر يرضى عنه النظام الخاص، وقد لعب جويفل دوراً بارزاً في هذه المحنة، كما لعب أدواراً أخرى في المستقبل تصلح نموذجاً للتدليل على عناصر كثيرة تحدثنا فيها سواء في إشكاليات العمل السياسي، أو سيئات العمل السري.
كانت معرفتي بنجيب جويفل لأول مرة في معسكر النصيرات شمالي دير البلح قبل أن ننتقل إلى معسكر البريج بعد جلاء كتيبة الجيش البريطاني منه عام 1984 كان نجيب واحدا من مجموعة من طلاب الجامعات الذين هجروا الأهل والدراسة وجاءوا للالتحاق بكتائب الجهاد، ولم أكن أعلم حين تعرفت به أن زمالتنا سوف تطول وتمتد أكثر من ثلاثين سنة، وأنها ستعبر بنا بلداناً وحالات مختلفة، وأنها ستصبح فصلاً تمتزج فيه الصداقة مع العداوة، والمثالية مع الواقعية، والإيمان وما يناقضه مع أخلاق الناس.
غريب هذا الإنسان المخلوق، الذي يستطيع أن يجمع في إهابه كل الميول والنقائض، ويتحرك بين الحدين الذين وضعه الله بينهما حين قال "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين" وفي يده أن يعلو حتى يخالط الملائكة، أو ينحدر حتى يعايش الشياطين.
كان نجيب جويفل جريئاً شجاعاً وكان يتمتع بصفات قيادية نادرة فهو محدث بارع، وخطيب مفوه، وكان لديه قدرة غير عادية على كسب من حوله، ولذلك أصبح الباب مشرعاً أمامه لكي يصعد في مدارج المسؤوليات والقيادات، فإذا اجتمعت تلك المواهب الطبيعية النادرة مع طموح لا حد له أصبح الرجل شحنة هائلة قابلة دائماً للانفجار، وهكذا كان نجيب جويفل.
يعرف الكاتب الساخر أوسكار وايلد الطموح بأنه الملجأ الأخير للفشل! ولو تركنا السخرية جانباً نجد الطموح في ناحية يأتي كرد فعل عن الفشل في نواح أخرى، ويكون الطموح أخطر ما يكون إذا كان الإنسان لا يملك الوسائل لتلبية ذلك الطموح، مما يدفع لاستباحة القيم وتنكب المبادىء، والاندماج نحو الجريمة، كما تغنى المتنبي في مطلع شبابه:
أي عظيم أنقى أي خطير أرتقى
- وكل ما خلق الله وما لم يخلق
محتقر في همتي كشعرة في مفرقي!
وقد حمله هذا الطموح الهائج إلى حتفه كما هو معلوم.
وفي مناخ العمل السري تثور تلك الميول وتنتعش وقد تستعين بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية وتخرجها عن سياقها لتجعل منها سنداً وذريعة لأدنى النزعات البشرية، ألم تر كيف برر الخوارج لأنفسهم التمرد على الخلفاء، وشق الصف الإسلامي، وإثارة الرعب بين المسلمين تحت شعار "لا حكم إلا لله".
تعود بي الذاكرة الآن إلى واقعة قد تبدو صغيرة لكنها تعكس نزق الشباب وميلهم الفطري للمغامرة، كما تعكس حالة حرجة لا تحسمها إلاّ يد الله التي تعزل الموت عن الحياة، كان نجيب جويفل يقود أحد مواقعنا في "خزاعة" شرقي خانيونس في مواجهة مستعمرة "نيويم" وكان ذلك في الفترة التي مارس فيها نجيب هواياته الغريزية في التمرد والتأليب، وقد ذهبت لزيارة الموقع ذات يوم، فقال لي على مشهد من الجنود أن هناك دوريات إسرائيلية تجوب المنطقة وأنه يعد لها كميناً، واقترح عليّ أن نذهب سوياً لمطالعة المكان، وقد أدركت أنه يقصد إحراجي وإظهاري بمظهر الضعف والجبن، فلم أملك سوى الموافقة رغم خطورة المغامرة، فقد كان الوقت عصراً والساحات مكشوفة وقد نصبح هدفاً سهلاً لدوريات العدو بدل أن نجعلها هدفاً لنا، وهكذا ركبنا الخيول وعلى كتف كل واحد رشاشه، وتوغلنا بين "الحواكير" التي تعتبر منطقة معادية تخترقها الطرق الممتدة من المستعمرات وحين بدأت الشمس تميل نحو المغيب، كنا نحاول اجتياز ستار كثيف من شجر الصبر "التين الشوكي" حين سمعنا قهقهة الجنود والمجندات اليهوديات وراء الساتر، ولمحنا شبح سيارتهم المصفحة، كان الموقف حرجاً للغاية فنزلنا على أطراف الأصابع، وقد كتمنا الأنفاس، ويبدو أن خيولنا أحست بما نحن فيه فكتمت أنفاسها أيضاً، ولو بدرت منها أي حركة لجلبت علينا النيران من كل اتجاه، لقد بقينا على هذه الحالة فترة من الوقت حسبناها زمناً طويلاً حتى خيم الظلام، فانسحبنا بهدوء تتبعنا خيولنا الذكية حتى قطعنا مسافة معقولة ثم امتطيناها وتركنا لها العنان.
تمت المنازلة الصامتة التي دعاني إليها هذا المغامر الجريء بسلام، لكن بقي منها درس لا ينسى وهو أن التنافس والمزايدة تكون عادة على حساب الأمن والسلامة والمصلحة، ولا بد من تفادي أسبابها إذا أريد للعمل أن يكون محكماً، وأن يحكمه التخطيط الرصين والمسؤولية وليس مجرد تسجيل النقاط، غير أن هذه الحادثة توضح مفتاح شخصيته.
كان لدى نجيب جويفل قدرة عجيبة على شق أي مجموعة متحدة عن طريق "المزايدة" وأخذ مواقف التطرف، وهذا النوع يروج في الجماعات الإسلامية أكثر من غيرها لأنه ينفق من رصيد عاطفي زاخر يستطيع أن يبرز فيه تراث خالد بن الوليد، وأبو عبيدة، وغيرهم من أبطال الإسلام، بعد أن يضع حولهم ببلاغته هالة مضاعفة، وقد استطاع نجيب أن يشق معسكر البريج لعدة "شلل" حتى اضطررت لاعتقاله في انتظار ترحيله، ولكنه هرب في مرحلة ما وعلمت بعدها أنه ذهب للاشتراك في عملية عنيفة في بلد عربي، ثم ظهر في احتلال المركز العام، وحين حط بنا المقام في المنفى وجدناه ما دخل بلداً إلاّ أحدث فيه انشقاقات، إلا أن الختام المفجع قد وقع حين ظهر في بزته العسكرية ضابطاً في المخابرات العسكرية!
هل كان من البداية مزروعاً في الجماعة؟ أم هل وقع تجنيد له في مرحلة لاحقة؟
من الإنصاف لنجيب جويفل أن نقول أنه لم يستخدم منصبه الكبير لإيذاء أحد من رجال الجماعة، بل يبدو أنه حاول مساعدة بعض الأسر المنكوبة، لكنه يبقى نموذجاً فريداً لنوع من الشباب يدخل العمل الإسلامي للصيد والقنص باحثاً عن مصلحته وحدها، يساعده على ذلك مناخ الحزبية والعمل السري، الحزبية التي تثير الميول والمطامح الدنيوية، والسرية التي تعيش في الظلام، وتخفي النوايا، وملامح الوجوه.
شهادة الدكتور يوسف القرضاوي:
بقيت في حمص نحو عشرة أيام مليئة بالحيوية والنشاط في إطار السرية المفروضة على العمل الإسلامي، وكان يقيم في حمص أخونا محمد نجيب جويفل رجل النظام الخاص، وهو صديق رفيقي محمد علي سليم، وكلاهما شرقاوي، ولكنه لم يكن موجودا بحمص ولا بسوريا فترة بقائي بها، فلم يتح لي أن ألقاه.
وقد اختلف الإخوة السوريون في دور جويفل في إخوان سوريا، وبعضهم يحمّله تبعة ما حدث من انقسام هناك، وليس عندي علم بتفاصيل ذلك، وقد أفضى إلى ما قدم، سامحه الله وجزاه بنيته
شهادة عدنان سعد الدين:
في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، وعندما ضيق أديب الشيشكلي الخناق على الشيخ الدكتور مصطفى السباعي مراقب الجماعة وقائدها، وعلى إخوانه من قادة الجماعة، واضطر إلى مغادرة دمشق إلى لبنان، لم يجد شيخنا من يسد فراغه وينوب عنه مثل الأخ عبد الكريم عثمان ليقوم بمهمة المراقب العام وكالة، ولما يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره الميمون.
كانت حركة الانشقاق التي قادها ضابط المخابرات الناصرية نجيب جويفل، ومن التف حوله من دمشق وحمص وإدلب، قد استفحلت، وصارت تشكل خطراً على كيان الجماعة، فرأى المنشقون في الأخ عبد الكريم عثمان سداً في طريقهم، وعقبة أمام تطلعاتهم، وإحباطاً لمخططاتهم، فهدده أحدهم هشام جندل الرفاعي بالتصفية إذا لم يوافقهم، ويذعن لهم، أو على الأقل أن لا يعترض سبيلهم، فإذا بالأخ الوديع ذي الحاشية الرقيقة يتحول بلحظة إلى غضنفر، يواجه شططهم بموقف صلب، وعزيمة غير مألوفة ولا متوقعة، متحدياً المنشقين أن يفعلوا ما يعن لهم، فإذا بهم يرجعون القهقرى، ويرضون من سوء خلقهم بالإياب والتراجع، وطي صفحة التمرد الذي قاده ضابط المخابرات الناصرية نجيب جويفل وعصابته التي تبعثرت، وكأنها لم تكن، أمام صلابة الإخوان، وعلى رأسهم عبد الكريم عثمان والإخوة المخلصون في دمشق، وثباتهم وتلاحمهم، والتفافهم حول قيادتهم، وعلى رأسها فضيلة مراقبهم الفذ الشيخ الدكتور مصطفى السباعي طيب الله ثراه، وتلاشت حركة الضلال، وذهبت أدراج الرياح، ولم نعد نعثر لها على أثر.
شهادة الحاج عبد الحميد الزهرة:
يقول الحاج عبد الحميد الزهرة أحد القيادات العمالية في الرعيل الأول للإخوان، وأمير الكتيبة الثانية من محافظة الدقهلية أثناء حرب 1948 م:
لا أستطيع نسيان الأستاذ محمد نجيب جويفل (شرقية) أحد قادة المعسكر، والذي تميز بالشحنات الإيمانية العالية التي يغرسها فينا، وفي إحدى المرات أوصى جويفل أحد أفراد الكتيبة أن يقص شعره الطويل، فرفض فقال له أ. محمد: اتفضل روّح طالما أنك مش هاين عليك شوية شعر، إزاي هتهون عليك روحك.
المراجع
1- محمود عبدالحليم: الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ، نسخة إلكترونية على موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين.
2- مذكرات عبد الرحمن البنان، إعداد عبده مصطفى دسوقي وابتسام صالح، دار النشر للجامعات.
3- عبد المنعم عبد الرؤوف: أرغمت فاروق على التنازل عن العرش، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
4- مذكرات الدكتور يوسف القرضاوي.
5- عدنان سعد الدين: مذكرات وذكريات ما قبل التأسيس وحتي عام 1954 نسخة إلكترونية على موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين.
6- الجماعة الإسلامية في لبنان منذ النشأة حتى 1975م: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت، 2009م.
7- محمود الصباغ: حقيقة التنظيم الخاص - دار الاعتصام.
8- أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف : دار الزهراء للإعلام العربي.
9- جريدة الأهرام: يوم الاثنين العدد 43183 السنة 129- 28 فبراير 2005م الموفق 19 من محرم 1426 هـ
10- جريدة العرب العدد 7714 الموافق الأحد 26 يوليو 2009م - 4 شعبان 1430 هـ
11- محسن محمد: من قتل حسن البنا، دار الشروق.
12- ترجمة: السيدة آمال العشماوي
13- ترجمة:الأستاذ حسن العشماوي
للمزيد عن الإخوان في سوريا
1- الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964م) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان. 2- الأستاذ عصام العطار (1964- 1973م). 3- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1973-1975م). 4- الأستاذ عدنان سعد الدين (1975-1981م). 5- الدكتور حسن هويدي (1981- 1985م). 6- الدكتور منير الغضبان (لمدة ستة أشهر عام 1985م) |
7- الأستاذ محمد ديب الجاجي (1985م لمدة ستة أشهر). 8- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1986- 1991م) 9- د. حسن هويدي (1991- 1996م). 10- الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996- أغسطس 2010م) 11- المهندس محمد رياض شقفة (أغسطس 2010) . |