التصويب الأمين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
التصويب الأمين
لما نشره بعض القادة السابقين
عن التنظيم الخاص للإخوان المسلمين

بقلم : محمود الصباغ

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

"يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ".(سورة الحجرات).

صدق الله العظيم
بسم الله الرحمن الرحيم

" لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم لم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" . (سورة التوبة).

صدق الله العظيم

إيضاح للقارئ قبل القراءة

الحمد لله رب العالمين ، الذي أحياني حتى إذن لهذا الكتاب بالظهور بعد سنوات من ظهور الكتاب الأول " حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين " . ولقد كان القصد عند طبع مادة هذين الكتابين أن يكون الكتاب الأول هو الجزء الأول، وأن يكون هذا الكتاب هو الجزء الثاني لكتاب واحد يغطي الموضوع.

ولكن طول الفترة بين ظهور هذين الكتابين اضطرتني لأن أخصص كتابا لكل جزء على الرغم أن القارئ سيجد عند قراءة كلمتي : الجزء الأول، والجزء الثاني على النحو الذي كان مقررا من قبل، فأرجو أن يغفر لي القاري الكريم ذلك وأن يعتبر كلمة : " الجزء الأول" أنها تعني : " الكتاب الأول" وكلمة : " الجزء الثاني" أنها تعني : " الكتاب الأول"

والله ولي التوفيق
المؤلف

موجز الكتاب

حدث في سنة 1953م ، في وقت كانت فيه علاقة قيادة الإخوان المسلمين في مصر ممثلة في الإمام حسن الهضيبي وإخوانه المقربين، على أحسن الصلات مع مجلس قيادة ثورة يوليو سنة 1952م، أن أصدر مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين قرارا بفصل أربعة من قدامى الإخوان هم: عبد الرحمن السندي، وأحمد زكي حسن، وأحمد عادل كمال ، ومحمود الصباغ من الدعوة ومن الجماعة.

وقد أحدث صدور هذا القرار، في هذه الظروف، لغطا كثيرا في صفوف الإخوان المسلمين، أوقع الكثيرين منهم في معاص وشكوك، خاصة وقد كانت صيغة القرار غير مقبولة شرعا، فليس لأحد الحق في أن يفصل أحدا من الدعوة، وإن جاز لمسئولي الجماعة أن يفصلوا ما يشاءون من جماعتهم.

وبعد صدور هذا ا لقرار ساءت العلاقات بين قيادة الثورة وقيادة الإخوان المسلمين وانتهت بما هو معروف من حل الجماعة وتعذيب أفرادها تعذيبا شديد، واستمر وقوعهم تحت ضغط السلطة الحاكمة في مصر إلى اليوم.

وقد مضى على هذا القرار ما يقرب من أربعين عاما، لم يتمكنوا خلالها من العودة إلى الوجود العلني في مصر، ومباشرة نشاطهم الديني بصفة شرعية، وذلك على عكس ما حد بعد حل الجماعة في سنة 1948م حيث لم تمر ثلاث سنوات حتى كانت الجماعة قد استعادت وجودها الشرعي في مصر وأعيدت لها ممتلكاتها كاملة، وأزال الله عرش عدوها من الوجود.

ويبين هذا الكتاب حقيقة الأحداث التي أخفاها هذا القرار، وما جرت وراءه من نتائج محزنة، ليعلم المشتغلون بالخدمة في حقل الدعوة الإسلامية، كيف يمكن أن يتسلل الخلل إلى صفوفهم سواء كانوا قادة أو أفرادا، فيجتنبوه مستقبلا، وليعلم كل الناس أن الله تبارك وتعالى لا يمكن أن يتخلى عن المسلمين إلا إذا تخلوا هم عن بعض مبادئ دينهم، فيرجعون إلى ربهم ويتوبون إليه ويستغفرونه إنه غفور رحيم، وليذكروا وعده الحق " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (الحج- 40)، فإذا لم يحالفهم للنصر فتشوا عن عيوبهم وصححوها لينالوا رضا الله ونصره.

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
محمود الصباغ

تقدمة الكتاب الأول

حقيقة التنظيم الخاص
ودوره في دعوة الإخوان المسلمين

أحمد الله تبارك وتعالى، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد سيد المرسلين، وإمام المجاهدين، وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أحمده سبحانه أن أنعم علىَ بنعمة الإسلام.. وهي أفضل النعم، ثم تفضل وأنعم عليَ بنعمة الانتماء إلى "جماعة الإخوان المسلمين" التي أنشأها الإمام الشهيد "حسن البنا" رضي الله تعالى عنه وأرضاه.. وكان ذلك منذ أكثر من خمسين عاما، سعدت خلالها بالعمل في حقل الدعة الإسلامية..

بما في ذلك المحن التي هي سنة الله في الدعوات.. وقد زادتني الأيام والأحداث اعتزازا بهذا الانتماء ، وثقة بالجماعة ورسالتها، وتأثيرها الفعال على الساحة الإسلامية.. بل على الساحة العالمية.. خاصة في إبراز الفهم الصحيح الشامل للإسلام كمنهاج كامل للحياة، وفي ضرورة تطبيق شريعة الله، وفي مجال التربية وتخريج نماذج رائعة للفرد المسلم، وللأسرة المسلمة القدوة.. وكذلك دورها في بعث روح الجهاد في سبيل الله، وحب الاستشهاد لإعلاء كلمة الله، وإقامة دولة الإسلام وخلافته.

وفي مجالات عملي بالجماعة شاكت في "النظام الخاص" وفي قيادته فترة من الزمان.. وقد أدى هذا الجهاز الدور الذي أنشئ من أجله ضد المحتل البريطاني، وضد العدو الصهيوني.ز وقد عرض الأخ الأستاذ محمود الصباغ في هذا الكتاب الكثير من هذه الصفحات المشرقة.. فجزاه الله خيرا، ونفعه ونفع به.

وقد تعرفت على الأخ محمود الصباغ في مراحل الدراسة الثانوية الجامعية.. وقد تشرف هو أيضا بالانتماء إلى "جماعة الإخوان المسلمين" وساهم بالعمل في مجالات الدعوة، وبالعمل في "النظام الخاص" وشارك في قيادته كذلك.

ولعله من توفيق الله عز وجل أن يعنون هذا الكتاب بعنوان " حقيقة النظام الخاص" فقد تميز بأن مؤلفه اجتهد في تحري الحقيقة من واقع الممارسة العملية.. لا النقل والسماع، وأنه أيد معظم ما جاء به بأحكام قضائية، وشهادات كبار الشهود..

هذا وقد درج غيره من الإخوان على كتابة كتب ومذكرات حول الجماعة عموما، وحول جهادها في فلسطين وفي القنال، وحول موقفها من رجال انقلاب يوليو 52.. إلى غير ذلك من مجالات عمل أو مواقف، وتعرض بعضهم في كتاباته إلى النظام الخاص من قريب أو بعيد.. والحقيقة أن معظم الذين كتبوا لم يكن لهم سابق ارتباط بالنظام، وما كتبوه عنه عن طريق السماع.

وبسبب ظروف المحن الشديدة التي مرت بالجماعة وبأفرادها، كتب معظم هؤلاء مذكراتهم بعد مرور عشرات السنين على الأحداث التي ذكروها.. ومن ثم تعرضت هذه الكتابات إلى شيء من عدم الدقة لتعرض الذاكرة إلى النسيان بسبب طول المدة.. وقد تختلف الروايات، وكذا وجهات النظر حول بعض القضايا عند أصحاب هذه المذكرات.

لذلك أحب في هذه المناسبة أن أنبه السادة القراء إلى أنه ليس من الإنصاف أخذ كل ما ذكر في هذه الكتب والمذكرات عن الجماعة أو عن النظام الخاص كقضايا مسلمة للأسباب التي ذكرتها سابقا.. فالأمر يحتاج إلى قدر من التوفيق والتبين.. وربما تعذر ذلك على القارئ لوفاة الكثرة ممن ساهموا في صنع هذا التاريخ رحمهم الله جميعا.

ونحن مطالبون بحسن الظن بإخواننا الذين كتبوا المذكرات.. فمن اجتهد وأخطأ فله الأجر.. ومن اجتهد وأصاب فله أجران.. وهذا الشعور يدفعني إلى أن أختم تقديمي لهذا الكتاب يقول الله تعالى " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا. ليجزي الله الصادقين بصدقهم..".

أسأل الله تعالى أن يختم لنا جميعا بالخير، وأن يجمعنا بمن سبقونا مع النبيين والصديقين والشهداء والصاحين وحسن أولئك رفيقا.. اللهم آمين.

مصطفى مشهور

إهداء واعتذار

إلى الإخوان المسلمين .. الأتقياء.. الأنقياء.. الذين عرفوا حقوق دعوتهم.. وعلما أنها دعوة الحق والحرية والقوة.. تنتصر بنصر من الله العزيز الحكيم.. لا بقوة البشر.. أيا كانت هذه القوة.. إذا ما التزموا..

أهدي هذا الكتاب..

ومعذرة إلى إخواني الأحبة الذين رأوا أن في نشر هذه الحقائق ما قد يثبط الهمم، لو يضعف من متانة الرابطة بين الإخوان، أو يشكك في قياداتهم، أو يقيد أعدائهم، فكل ذلك وهم لا أساس له من المنهج الإسلامي الصحيح.

فقد علمنا ربنا جل وعلا أن كشف أخطاء المسلمين العامة، ونشرها بينهم هو المنهج الصحيح لتربية الأمة، ووضع أيدي أبنائها على مواطن الداء، فيتحصنون منه، ولا يكررون الوقوع فيه.

ولم يستثن القرآن الكريم في هذا أحدا من المسلمين، بما في ذلك سيد البشر محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.. فما أن أمره ربه أن يتزوج مطلقة ابنه بالتبني " زيد بن حارثة" حتى غلبت عليه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم عادته العربية التي كانت تحم هذا الزواج، ولم يكن أحد قد اطلع على هذا الحرج الذي وقع في قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم غير رب العزة والجلال، فأنزل في هذا الأمر قرآنا يتلوه محمد صلى الله عليه وسلم، ويتلوه الناس كافة مبلغا عن محمد صلى ا لله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ليثبت به فؤاده وأفئدتهم على شريعة الحق، فيتعلموا حدودها ويطبقوها دون أدنى حرج، وليعلموا أن كل البشر معرضون لمثل هذا الحرج فيما يتعلق ببعض النصوص الشرعية التي تبدو وكأنها مغايرة لما درج عليه الناس، وأن أول خطوة لعلاج مثل هذا الحرج في نفوسهم هي الاعتراف به دون حساسية.. فذلك هو السبيل الشرعي لاكتساب الحصانة التي تحول بينهم وبين الوقوع في مثله مرة أخرى.

واقرأوا أيها الإخوة الأحبة معي قول الحق تبارك وتعالى: " إذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا" (الأحزاب: 37).

وتعلموا أيها الإخوة الأحبة من هذا الذكر الحكيم أهمية نشر الحقائق العامة في تربية رجال الدعوات، وثبوتهم على الحق الذي أمر به رب الخلق حتى إذا تعارض مع آرائهم وأهوائهم.

ولعل في الآية الكريمة التي صدرت بها هذا الكتاب، والتي نزلت في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم الدليل على عموم هذا المنهج بين المسلمين كافة.. لا خصوصيته بشخص رسول لله صلى الله عليه وسلم .. فقد حدث أن أصاب صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم العجب والخيلاء بكثرتهم يوم غزوة حنين، ولكنها لم تغن عنهم شيئا، ونزلت فيهم آية (التوبة: 25) تكشف لهم سر هزيمتهم في ذلك اليوم بنص قوله تعالى:" ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين" وصار هذا الحدث قرآنا يتلوه هؤلاء الصحابة بأنفسهم، ويتلوه المسلمون كافة من بعدهم، معترفين بذنبهم وهم خير القرون، دون خوف مما يقوله الناس عنهم لأنه قول الحق تبارك وتعالى، ومتقربين بهذا الاعتراف إلى ربهم، وعازمين على عدم العودة أبدا ..وبهذا وغيره من جميل خصال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم :" إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون وينذرون ولا يوفون، ويظهر فيهم السمن" (رواه مسلم عن عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنهم) قال عمران: ( فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا).

كما حق فيهم قول الحق تبارك وتعالى:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون. لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون" (آل عمران : 110- 111).

أما بالنسبة للإخوة الأحبة الذين نصحوني أن أحتسب ما أصابني وأصاب إخواني من تشهير بالباطل عند الله، وأن أمتنع بذلك عن نشر هذه الحقائق على الناس.. خاصة وقد دخل الإخوان المسلمون في مرحلة جديدة من مراحل التربية نسوا فيها هذه الأحداث الأليمة، وتوجهوا بقلوبهم إلى الله، يبنون ولا يهدمون.. فأقول لهم: لقد احتسبت كل ما أصابني وأصاب إخواني عند الله منذ وقوعه وحتى تقوم الساعة إن شاء اله.. ولكن ماذا أفعل في حق التاريخ؟ وقد عمد من اجتهد فوقع في هذه الأخطاء، وأوقع الإخوان فيها، إلى نشر كتابه( صفحات من التاريخ- حصاد العمر) وقد شوه فيه التاريخ، ومزقه كل ممزق، ولكي يتلقى الإخوان كتابه على أنه حق لا مزية فيه مهد له بنشر هذه التشويهات شفاهة بين الإخوان في السجون والمعتقلات، فأخذوا يتناقلونها تحت هذه الظروف وكأنها حقائق لا يتطرق إليها الشك لصدورها من واحد من أقرب المقربين إلى المرشد العام.. وهو الأستاذ صلاح شادي (رحمه الله) ، كما تلقف المؤرخون الوقائع التي وردت في كتابه هذا، فيما يختص بالنظام الخاص، يسجلونها في كتبهم نقلا عن هذا الأخ ذي المكان البارز في صفوف الجماعة، دون أن يجدوا من يتعرض لها إلى اليوم بالتصحيح من قادة الجماعة الذين يعرفون بيقين حقيقة النظام الخاص ودوره في جماعة الإخوان المسلمين.. بل إن كل من تولوا منصب الإرشاد العام في الجماعة بعد مقتل الإمام الشهيد رددوا هذه الوقائع على أنها حقائق تاريخية في حياة الجماعة مما زادها رسوخا في عقول الناس.

فهل يمكن أن يغني عني هؤلاء الإخوة الأحبة من الله شيئا يوم القيامة، إذا أنا شاركتهم معصيتهم، وكتمت شهادة الحق التي أعرفها ويعرفونها لمجرد الخوف من الناس ؟ اللهم؟ لا..

محمود الصباغ

بين يدي الكتاب

حديث الإخوة في الله

  • 1- القدوة الصحيحة:

لم أكن أتصور أن الوقائع المنشورة في هذا الجزء من الكتاب، لا تزال محفورة في قلوب المسلمين في معظم أنحاء العالم الإسلامي رغم مرور ثمانية وثلاثين عاما على وقوعها، حتى فاجأني أخي في الله الدكتور حسن يا حفظ الله أستاذ الجيولوجيا بجامعة الملم عبد العزيز بجدة بسؤال إن دل على شيء إنما يدل على ان هذه الوقائع لم تمح آثارها رغم مرور هذه الفترة الطويلة المليئة بالأحداث الجسام.. فقد فاجأني سعادته ونحن في شهر مارس 1991م بهذا السؤال:

" هل اشتر عبد الرحمن السندي مع أتباعه في محاصرة منزل فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي بقصد إرغامه على الاستقالة؟".

فقلت له: " اعلم يا أخي أن عبد الرحمن السندي برئ من هذه الفرية براءة الذئب من دم ابن يعقوب، فإن أحدا لم يشهد عبد الرحمن السندي مع هؤلاء الإخوة".

قال:" إذن فقد ذهبوا بتحريضه ولحسابه" :

قلت: " إني أربأ بعيد الرحمن السندي أن يقدم على ذلك.. فإن عبد الرحمن رحمه الله كان من خيرة الإخوان الذين وهبوا حياتهم للدعوة منذ بداية الشباب، وحمل مسئولية من أضخم مسئولياتها طوال حياة الإمام الشهيد وبعضا من حياة الإمام الهضيبي، وهي مسئولية قيادة النظام الخاص، واستمر كذلك حتى صدر قرار بفصله من الجماعة ومن الدعوة يحمل اسم "مكتب الإرشاد" في وقت كانت علاقته هو وإخوانه أعضاء مجلس قيادة النظام بالإمام الهضيبي على أقوى ما تكون.. وقد كان لهذا القرار وقع شديد على قلوب الكثيرين من الإخوان الذين علموا لعبد الرحمن صدقه وجهاده، خاصة وقد تجاوز نص القرار سلطات مكتب الإرشاد الشرعية، فإذا حق لهذا المكتب أن يفصل من يشاء من رجال جماعة الإخوان المسلمين فإنه لا يحق له شرعا أن يفصل أحدا من الدعوة.. فالدعوة لله، وجماعة الإخوان للإخوان.

وقد اندفع هؤلاء الإخوان الثائرون على هذا القرار بالذهاب إلى منزل الإمام الهضيبي يستوضحونه أسباب هذا القرار، وأسباب تعمد نشره، ونشر صورة تجمعه مع أعضاء مجلس قيادة الثورة وهم في منزله في جميع الصحف المصرية الصادرة في نفس اليوم.

ولابد لك يا أخي أن تعلم أن جميع هؤلاء الإخوان كانوا رجالا راشدين يزين تاريخهم جهاد عظيم ضد الإنجليز وضد اليهود، فقد شبوا عن الطوق، ولم يعودوا بحجة إلى محرض لهم على ما يفعلون من زمن طويل.. كما أنه لابد لك يا أخي أن تعلم أن النتيجة الطبيعية لنشر القرار في جميع الصحف المصرية قد قصد به أن يعلم جميع الإخوان أن " عبد الرحمن السندي " قد فصل من الجماعة فلا يسمع له رأي، ولا يؤتمر له بأمر.. فبيعة الإخوان للمرشد العام وليست لعبد الرحمن السندي .. فمن يعلم أن عبد الرحمن السندي لم يصبح من الإخوان فقد علم أنه ليس له حق في الطاعة.. فكيف يمكن إذن لعبد الرحمن السندي أن يكون محرضا لأحد من الإخوان في هذه الظروف.

قال:" إن قلوبنا تنفطر ونحن نذكر هذه الأحداث تقع من رجال هم في موضع القدوة للمسلمين" .

قلت: " إن القدوة الصحيحة للمسلمين في جميع أنحاء الأرض وعلى مدى الأجيال هي سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، نبي هذه الأمة وزعيمها، وأن جميع المسلمين أتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقومون إلى هذه لقدوة إن هم ضلوا الطريق، وزر إصرارهم على الخطأ إن امتنعوا .. ولا شك أن السر في تفرق المسلمين إلى شيع وأحزاب هو تجاهلهم لهذه الحقيقة الشرعية، واتخاذهم أشخاصا غير رسول الله صلى لله عليه وسلم قدوة لهم والله تعالى يقول:

" لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (الأحزاب: 21).

ومبادئ جماعة الإخوان المسلمين تقول:

" الرسول زعيمنا".

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأذن للمسلمين أن يراجعوه في كل ما لم يصدر عن الوحي ، وكان صدره صلى الله عليه وسلم يتسع لمراجعاتهم، وكثيرا ما كان ينزل على آرائهم، فتدعمت بذلك أواصر الإخوة بين المسلمين، وتمكنوا في فترة وجيزة من الزمن، تثبيت دعائم الإسلام في معظم أرض الله المعمورة في ذلك الوقت من الزمان.

ولقد كنا نراجع الإمام الشهيد رضي الله تعالى عنه، وكان ينزل على رأينا إن وجد فيه الصواب، ويتسع صدره ليشرح لنا سر تمسكه بالرأي الآخر مستشهدا بنصوص القرآن الكريم، والسنة المطهرة، إذا رأى التمسك برأيه، دون أي حرج أو حساسيات على النحو الذي سوف تراه أيها القارئ العزيز في صفحات هذا الكتاب.

رحم الله الإمام الشهيد وجزاه الله خير الجزاء، ورحم الله كل أئمتنا وبارك في خلفائهم والسائرين على نهجهم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

  • 2- الرأي الصحيح:

زارني في جدة أخي الأستاذ محمود صوان من إخوان مدينة الإسكندرية، وشكا لي موقف الإخوان من قضية عدوان صدام حسين على الكويت، واتفقت آراؤنا على أن هذا الموقف إن دل على شيء فإنما يدل على انعدام الخبرة بشئون الدول العربية لدى أصحاب قرار الإخوان في هذا الشأن..

ولقد حمدت الله تعالى الذي وفقني إلى القيام بواجبي نحو هذه الجماعة الإسلامية، بصفتي رجلا من المسلمين أهتم بأمورهم بحكم الشريعة الإسلامية الملزم لكل المسلمين فـ " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم" حيث كتبت إلى زميلي في الدراسة وفي العمل بعدها بالهيئة العامة للأرصاد الجوية، وفي قيادة النظام الخاص، ما يقرب من 40 عاما متصلة، كانت علاقتنا خلالها قد تأصلت باشتراكنا معا في قيادة النظام الخاص للإخوان المسلمين اثني عشر عاما متصلة.. ذلك هو أخي في الله الأخ " مصطفى مشهور " نائب المرشد العام للإخوان المسلمين.. حيث لم تكن علاقتنا قد تأثرت بقرار الفصل الذي صدر في حقي من مكتب الإرشاد لهذه الجماعة سنة 1953 لعلمه اليقيني بحقيقة الوقائع المنشورة بين دفتي هذا الكتاب، وإن كنت أعتب عليه اعتذاره عن التقديم لهذا الجزء من الكتاب بسبب انضمامه إلى من يرون عدم نشره، وهو مالا أملك موافقته عليه ما حييت.

كتبت لزميلي " مصطفى" بالنصيحة الواجبة لله ، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم.. أقول:

بسم الله الرحمن الرحيم
أخي الكريم الحاج مصطفى مشهور..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أرجو أن تكون والأسرة الكريمة بخير وعافية، وأدعو الله تعالى أن يحفظكم ، ويرعاكم، ويسوق الخير على يديكم.

لقد أسعدني الأخ حسن عاشور بزيارة سريعة في هذه الظروف التي تمر بها الأمة الإسلامية، ولم يكن بوسعي إلا أن أتحدث معكم في مصلحة المسلمين التي تحملون جزءا من مسئولياتها أمام الله، فهو قدركم، والله معينكم إن شاء الله.

إن معلوماتي الشخصية نتيجة إقامتي بالعراق ثلاث سنوات تقطع بأن أعضاء حزب البعث بتمسكهم بمبادئ هذا الحزب يعتبرون من وجهة النظر الشرعية مرتدين عن الإسلام، فإن مبادئ هذا الحزب تقوم على:

" أن الأمة العربية أمة واحدة ذات رسالة خالدة وأن هذه الرسالة الخالدة هي الاشتراكية.. وليست الإسلام، وأن " محمدا" كما يذكرونه هكذا دون صلاة ولا تسليم هو فيلسوف من أكبر فلاسفة الإنسانية، وأنه يعتبر دليلا ماديا على عبقرية هذه الأمة قد غابت عنه رسالة الحزب الخالدة وهي الاشتراكية فإنه قدم إلى الأمة رسالة أخرى انقضى زمانها وكان اسمها الإسلام".

ولا عجب فإن مؤسس هذا الحزب هو الصليبي " ميشيل عفلق" الذي لا يؤمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكنه يؤمن بعظمته، وهو من فرط هذا الإيمان بعظمة الإنسان العربي والفيلسوف الفذ " محمد" سمي ابنه "محمدا" بن ميشيل عفلق.

هذه هي الحقيقة برؤيتي ومشاهدتي العينية.. فقد شاهدت بنفسي في بغداد موكبا يقل كلا من " أحمد حسن البكر" رئيس الجمهورية العراقية حينئذ و "صدام حسين" نائبه يتوجهان إلى مقر ميشيل عفلق القائد المؤسس لحزب البعث لتهنئته بكل من عيد الفطر المبارك وعيد الأضحى المبارك، فهما من وجهة نظرهما عيدان عربيان وليسا عيدين إسلاميين.. ومن ثم وجب على القيادة الأممية لدولة العراق وإن كان دينها الرسمي الإسلام أن تنتقل إلى القيادة الأممية في بغداد- وإن كان دينها الرسمي النصرانية ليهنئ القائد القطري رئيسه وزعيمه القائد الأممي بعيد هو عيد المسلمين بالإجماع فيما عدا أصحاب الفكر البعثي.

ومعلوم أن ميشيل عفلق هذا قد ذكر للبابا في روما أنه قدم للمسيحية بإنشائه هذا الحزب أجل الخدمات.

ورغم هذه الحقائق التي لا أعتقد أنها خافية على أحد من المشتغلين بالخدمة العامة في العالم العربي والإسلامي، ورغم ما ظهر من سلوك صدام حسين اللا إسلامي بغدره واعتدائه وعدوانه على دولة الكويت فقد انخدعت بع الجماعات الإسلامية باجتماع صدا حسين مع علماء المسلمين قبل العدوان، وإعلانه أنه مع الإسلام، وصدقوه وهم لا يدرون أنه يخدعهم" ليوقعهم في شباك خطته العدوانية عندما يقع منه هذا العدوان الذي عقد عيه العزم.

ويذكرني في ذلك بمقولة " نابليون بونابرت" لعلماء المسلمين في مصر إنه قد جاء إلى مصر ليحمي حمى الإسلام فصدقوه ورحبوا به، ولم يفيقوا حتى دخل الأزهر الشريف بخيوله يعيث فيه فسادا.

وإن أعجب العجب أن تقع بعض الجماعات الإسلامية في هذا "الفخ" كما هو ظاهر في الأردن، فيحكموا على أنفسهم بالغفلة وعدم اليقظة.

إن التمحك في وجود القوى الغربية في المنطقة واعتباره نقطة البحث الآن، وإهمال الجريمة البشعة التي أقدم عليها صدام حسين وهو واثق أنه سيتبعها فور تنفيذها يقينا دخول القوات الغربية إلى المنطقة رضي العرب أو لم يرضوا، دعاهم العرب أم لم يدعوهم، هو ظلم للحقيقة لا يدل إلا على غفلة صاحبه عن جوهر المصالح الموجودة الآن بين دول العالم، وهي التي تحكمه في غيبة الشريعة الإسلامية عن التطبيق في معظم الدول العربية إن لم يكن فيها جميعا.. هذا إذا لم يكن صدام حسين قد تعمد وهو يقدم على هذه الخطوة التعاون مع الدول الغربية من وراء ستار لضرب الدول الإسلامية، خروجا على الدين الحنيف.

والصحيح هو أن من ألزم الأمور على من يحملون الدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في هذا الموقف العصيب، أن يقاوموا هذا الطاغية الجديد الذي يقوم على مبادئ الردة عن الإسلام، ونقض العهود والمواثيق، والاعتداء والبغي والعدوان، ولا تصلح أي فلسفة أو منطق لإخفاء هذه الحقائق إلا عند الضالين والعياذ بالله رب العالمين.

إن الذي أدخل القوات الغربية عمدا مع سبق الإصرار والترصد هو صدام حسين، وإن من هدد الأمة العربية بالانشقاق، وشتت كلمتها هو صدام حسين، ولن يقول أي متجبر أو مفتر أو ضال، حين يتجبر أنه يتجبر أو يفتري أو يضل.. ولكنه يقول كلاما مثل ما يقوله صدام حسين فهو يدعي أنه يدافع عن الحرمين الشريفين.. أيقتله الكويتيين؟.

كيف يكون مدافعا وهو المسئول الأول عن حضور القوات الغربية إلى المنطقة، وهو الرجل الوحيد الذي ظل يملك أن يفقدهم حجة وجودهم في المنطقة بعودته إلى الحق، وإعادة الحق إلى أصحابه وإحلال السلام محل الحرب المدمرة المتوقعة في حالة العناد والإصرار، وحينئذ فقط كان يحق لكلمة الأمة أن تجتمع على إجلائهم إن هم امتنعوا.

إننا إذا كانت عواطفنا كلها مع أمتنا الإسلامية، وحمايتها من التدمير والخراب فإن صدام حسين ليست له مثل هذه العواطف، وإن كل همه أن يكون القائد الرئيس، نبي الاشتراكية على سطح الكرة الأرضية بعد أن أزال الله النبوة الاشتراكية المزعومة من أيدي مؤسسيها الروس، فصار الطريق إلى زعامة الاشتراكية في العالم ممهدا أمامه مع غفلة الغافلين.

أخي مصطفى..

كتبت لك هذا وفاءا واتباعا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة " قالوا لمن يا رسول الله .. " لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" ولست إلا عبدا من عباد الله أعيش في أرضه المقدسة متمتعا بالعبادة فيها حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمود الصباغ
5/ 3/ 1412 هـ

وإنني لأعجب من كون عدوي إخوان الأردن انتقلت رغم هذه الحقائق إلى إخوان مصر، فأصدروا بياناتهم للتخذيل عن صدام حسين باسم مقاومة الوجود الأجنبي في البلاد العربية، وكأن أحدا لم ينصح، وكأن أحدا لم يقرع طبول الخطر لهؤلاء المسلمين؟

ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.

  • 3- التعبير الصحيح:

قال لي صحفي إسلامي عجوز: لو أنك غيرت بعض الألفاظ في مقدمة كتابك هذا لكان ذلك أوفق، فقرأتها عليه لأقف عمليا على وجهة نظره في التغيير المنشود.. ولكنه لم يستوقفني إلا في عبارتين اثنتين الأولى صفة الأخوين العزيزين الشيخ أحمد حسين الباقوري، والشيخ سيد سابق بالشيخين الجليلين.. وهذه فهمتها على الفور وسوف أعالجها في الفقرة القادمة إن شاء الله تعالى.. والثانية هي صفة آثار الأخطاء التي وقعت فيها الجماعة بعبارة " تصطلي بنار الأخطاء التي وقعت فيها دون قصد" حيث في اللفظ تصوير لحقيقة ما حدث.. فضلا عن أنه يبرئ الجماعة من تعمد الخطأ، فقد كان التعذيب الذي وقع على الإخوان بالغ القسوة إلى حد تعجز عن وصفه الأقلام، وأن عبارة الإصطلاء بنار هذا التعذيب هي تعبير صحيح لتصوير ما وقع على الإخوان فعلا من تعذيب تحت حكم جمال عبد الناصر، وقد كنت شخصيا أحد الذين اصطلوا ببعض هذا التعذيب.

ولكنني فوجئت بعبارة في كلامه تصف الألفاظ التي يريدني أن أستخدمها بعبارة " أكثر تهذيبا" ، فعجبت أشد العجب، وقلت له يا أخي اعرض مسودة الكتاب قبل نشرها على أي كاتب تراه، ليعدل أي لفظ يرى تعديله بلفظ أفضل، وذلك بشرط واحد هو أن لا يغير حقيقة من الحقائق الواردة فيه، فالتعبير الصحيح عندي هو ما لا يمس جوهر الحقيقة ولا شدة وضوحها.

ولقد أثار هذا الحديث الأخوي بيننا في نفسي تساؤلا عن معنى التهذيب في اللفظ في مثل هذا المجال.. مجال الغيرة على الدعوة ، وتوضيح الوقائع للوصول إلى ابلغ الحكم، وتمثلت مقالته أمير المؤمنين أبي بكر الصديق لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما دخل عليه يشير بتغيير قيادة أسامة بن زيد لجيش المسلمين.. حيث قال: " ثكلتك أمك يا ابن الخطاب .. أتريد أو أوقف أمرا أصدره رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ " وكطيف أن هذه العبارة على خشونتها قد ردت إلى عمر بن الخطاب رشده فعلم أن الالتزام بأوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم هو التزام بأوامر الله تعالى لقوله جل وعلا: " وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا" ولم يطرأ على ذهن عمر بن الخطاب أبدا أن يغضب لهذا اللفظ، ولم يسمح للحساسية أن تحول بينه وبين الحكمة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: " الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها" ( رواه الترمذي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما).

اللهم اجعل لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فلا يضيع الحكم في ظلال الألفاظ.. بل نندفع جادين إلى الهدف من القول دون أن نسمح للشيطان أن يكون له علينا سبيلا.. إنك نعم المسئول وخير المجيب آمين..

  • 4- السلوك الصحيح:

قال لي أخ في الله من مسلمي تنزانيا الذين اعتنقوا الإسلام حديثا بعد أن كان أبوه " قسا نصرانيا" وهو يعيش في جدة للاستزادة من الدراسة والتأمل في أمر هذا الدين وأهله.. قال لي هذا الأخ: إنني أعجب كيف يجد الغربيون وهو على دينهم طاقة إنشائية ترتفع بهم إلى مستواهم الحضاري الحالي ولا يجد المسلمون في الإسلام مثل هذه الطاقة فيبقون حيث هم دولا نامية تتأخر ولا تتقدم؟.

قلت: إن وصفك لكل من الغربيين والمسلمين صحيح .. ولكن لا علاقة لذلك بالدين.. فالغربيون أخرجوا الدين من حياتهم، وعملوا للدنيا بعقولهم وقلوبهم، وتركوا أمر العلاقة بين العبد وربه إلى الأفراد دون الجماعات قائلين:" دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله" فأعطاهم الله أجر عملهم للدنيا في الدنيا.. ولا يظلم ربك أحدا..

أما المسلمون فقد علموا أن الدين لا يمكن أن يخرج من حياتهم.. لأن حجته بالغة، ونصوصه يقينية لا شك فيها ولا لبس ولا غموض.. ولكنهم فقدوا السلوك الصحيح الذي يفرضه عليهم الالتزام بتطبيق هذا الدين في حياتهم " فضاعوا وضاعت عليهم هذه الحياة.

إن الطاقة الإنشائية في الدين الإسلامي وحدها قد مكنت المسلمين في صدر الإسلام من نشر الإيمان في ربوع الجزيرة العربية على ما كانت عليه من جهل وفقر وتمزق فجعلتها أمة واحدة امتدت حدودها لتشمل الغالبية العظمى للأرض المعمورة، واستمرت دولتهم على هذه الأرض خمسة قرون متصلة ازدهر فيها العلم، وازدهرت المدنية ازدهارا هو الأصل الحقيقي لما نشاهده اليوم في الدول الغربية من مظاهر المدنية والتقدم.. وذلك حين التزموا بالسلوك الصحيح الذي يفرضه هذا الدين على الأفراد والجماعات ، وجعلوه أسلوب حياتهم الذي لا يحيدون عنه.

فتنبه الرجل وقال صدقت.. وقلت في نفسي: ماذا لو تنبه المسلمون إلى أنهم أمة واحدة وصفها الحق تبارك وتعالى بقوله:" كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (آل عمران: 110) بدلا من تشبثهم بما فرضه عليهم أعداؤهم من الانقسام إلى دويلات تلتزم كل دويلة بشعار وضعه لها أعداؤها، شعار : " عدم التدخل في الشئون الداخلية للدويلات الأخرى ليضمنوا استمرار انقسام هذه الدويلات إلى الأبد وعدم عودتها إلى ما أراد الله لها من أن تكون أمة واحدة؟

فإذا تحولت دويلة العراق مثلا إلى العلمانية والاشتراكية والدكتاتورية وجعلتها أسلوب حياتها دون الإسلام فإن هذا الأمر لا يصح أن تتدخل فيه باقي الدويلات الإسلامية الأخرى لأنه من شئون العراق الداخلية.. وكأن فساد حياة الشعب العراقي واختلال مبادئ العيش فيه لا تعني أحدا من المسلمين، فكانت النتيجة القاسية أن خرج هذا الشعب تحت قيادة " دكتاتور" على جيرانه من الدويلات الإسلامية يريد أن يلتهمها أو يحرقها ، فلما وقفت في حلقه وعجز عن التهامها حرقها فعلا وكانت هذه النتائج المفجعة التي عشناها جميعا نتيجة لتطبيق هذا الشعار الزائف الذي يكرس استمرار انقسام العالم الإسلامي إلى دويلات، ويضمن للعالم العربي استمرار السيطرة عليه.. فالغربيون هم الذين قسموا فيما بينهم تركة "الرجل المريض" كما يسمونه في الغرب عقب الحرب العالمية الأولى، وما كانت هذه التركة إلا العالم الإسلامي، وما كان الرجل المريض إلا حاكمه التركي ، وجعلوها دويلات لا تتدخل إحداها في شئون الأخرى، والمسلمون من ورائهم يطبقون هذا الشعار إلى اليوم بمنتهى الإخلاص، لا يدرون أنه السلاح الذي صنعه أعداؤهم ووجهوه إلى قلوبهم ليبقوا ممزقين، بعيدين في التطبيق عن أمر دينهم الصريح :

" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" (الأنبياء: 92).

وإني لأتساءل : أين المسلمون الآن منهم في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب القائل:" والله لو عثرت ناقة في العراق لوجدت نفسي مسئولا عنها يوم القيامة؟ لم لم أمهد لها الطريق؟" إنهم اليوم مسلمون.. وما هم بمسلمين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لا تنفعهم كثرة المساجد، ولا كثرة عمارها.. فهذه لا تنفع إلا روادها المخلصين يوم الدين.. أما الأمة فلا ينفعها إلا وحدتها الإسلامية الشاملة كما حققها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الغر الميامين، فإن هذه الأمة لا تصلح إلا بما صلح أولها.

فإذا تركنا أمر الجماعات، وتحولنا إلى أمر الأفراد، واقتصرنا في أمر الأفراد على النظر في علاقاتهم العملية وهم يسعون جميعا إلى العودة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لوجدنا العجب العجاب.. فهذا أخي الصحفي الإسلامي العجوز الذي ناقضني في التعبير في الفقرة السابقة يستنكر علي أن أذكر صفة "الشيخين الجليلين" أمام كل من الشيخ أحمد حسن الباقوري ، والشيخ سيد سابق لمجرد أنه اختلف معهما في الرأي.. فهل كان في الإسلام إهدار لقيم الرجال إذا اختلفوا في الرأي؟ اللهم لا..

إن الإسلام يدعو المسلم للحرص على أخوة أخيه يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضها" وشبك أصابعه صلى الله عليه وسلم.. (رواه البخاري عن أبي موسى رضي الله تعالى عنهما).

فهل رأينا في حياتنا بنيانا قائما على لبنات يطرد بعضها بعضا، أو أصابع يقطع بعضها بعضا.. اللهم إن هذا مستحيل إلا في عالم المسلمين اليوم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

محمود الصباغ

مقدمة الجزء الثاني

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد.. فإذا كان الجزء الأول من هذا الكتاب قد خصص لصفحات ناصعة البياض من تاريخ النظام الخاص، ودوره الوطني والديني في دعوة الإخوان المسلمين فإني أرجو أن تكون هذه الصفحات قد بددت كل ما علق بأذهان الناس عامة، وبأذهان المشتغلين في مجال الإخوان المسلمين ومحبيهم، خاصة، نتيجة لما زعمته وسائل الإعلام المعدية، وركزت عليه طوال أربعين عاما متصلة (1948- 1988) من افتراءات ضالة مضلة، قصد بها تشويه أعمال المجاهدين الأبطال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيل الدفاع عن عقيدة المشتغلين بالعمل الإسلامي، عليها تستطيع أن تدق إسفينا يزلزل أفكار المشتغلين بالعمل الإسلامي، فيشوش لديهم خططهم في الاستجابة لأمر الحق تبارك وتعالى:

" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الأنفال: 60).

فإن هذا الجزء قد خصص لدراسة متأنية لما أحدثته هذه الافتراءات فعلا في صفوف الإخوان المسلمين، حتى نتبين وجه الصواب ووجه الخطأ فيما اتجهت إليه الأفكار المتباينة حول هذه الوقائع، وما ترتب على هذا التباين من آثار في سير الدعوة، بعد أن فقدت الجماعة رائدها ومؤسسها الإمام الشهيد حسن البنا، بضربة غادرة من أعداء الله، في وقت كانت الجماعة في اشد الحاجة إليه لما وهبه الله عز وجل من رسوخ في العلم، وصفاء في القلب، ومقدرة على جمع الصفوف، وتأليف القلوب، وتوحيد الأفكار، وخبرة في القيادة الحكيمة التي تفتح المجال لكل أخ للعمل فيما يتقنه، وتكفيه مخاطر العمل فيما لا يتقنه، دون إيجاد أي حساسيات بين العاملين في أنشطة الدعوة المختلفة، فتتآزر الجهود، ويسير الركب قدما نحو الهدف المنشود " وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون" (الأنعام: 153).

ولعل ظروف مصر- حيث نشأت دعوة الإخوان المسلمين- قد فرضت أن يكون التنظيم للقيام بفريضة الجهاد تنظيما سريا بعد أن نصت القوانين الاستعمارية على حرمان المواطنين من حق حيازة السلاح، لتأمين حياة العساكر الإنجليز المحتلين لأرض مصر، من شعب مسلم تدفعه عقيدته إلى قتال قوى الاحتلال حتى يجلوهم عن أرضهم، بل تجعل هذا القتال فرض عين، على كل مسلم ومسلمة من شعب مصر، فإن عجزوا صار فرض عين على المسلمين جميعا خاصة في البلاد الإسلامية المجاورة لها.. الأقرب فالأقرب حتى يتم الجلاء.

وفي ظروف العمل السري تكثر الأقاويل والتكهنات، والعقائد والتفسيرات، لكل عمل من أعمال التنظيم السري، وتبقى الحقيقة كامنة في صدور القادة المخططين والمنفذين لهذه الأعمال.. وقد تتضارب وتتناقض أقوال رجال من كبار الأعضاء في الجماعة، حول أي عمل من الأعمال.. لا لشيء إلا لأنهم لم يكونوا من أعضاء التنظيم، الذين تركوا في هذا العمل بالذات.. وقد يؤدي هذا التضارب والتناقض إلى خلافات.. بل وانشقاقات في الصفوف، ما لم تكن الثقة متوافرة تماما المرشد في العام للجماعة، الذي يقع في اختصاصه وحده، اتخاذ القرارات الموجهة لأعمال النظام الخاص ، لما لها من خطورة على الجماعة ، إذا ما تركت للمناقشة داخل مكتب الإرشاد في تلك المرحلة من مراحل العمل النضالي في مصر.. وقد يؤدي استمساك المرشد العام بحقه في الكتمان عن قادة الجماعة المقربين الذين لم ينتظموا في صفوف النظام الخاص، إلى تعليقات من المرشد العام عن بعض الأحداث ، يقصد بها مجرد الكتمان لحقائق هذا الأمر، في هذه الظروف، عملا بالحديث : " استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود: (رواه الطبراني عن معاذ بن جبل) فيتلقف هؤلاء القادة هذه التعليقات، ويبنون عليها استنتاجات وآراء وحججا ضد من يتصورون أنهم قاموا بهذا العمل.ز أو ذاك من أعضاء النظام، فيقيمون الدنيا ولا يقعدونها ضد هؤلاء الأفراد،وهم لا يدرون حقيقة طبيعة العمل في النظام الخاص، التي لا تسمح لقائده ولا لأحد من المسئولين فيه أن يقوم بأي عمل دون إذن المرشد العام وأمره، وأن كل اختصاصات قيادات النظام الخاص محصورة في الأعمال التنظيمية والتربوية لرجاله، ووضع الخطط التنفيذية للعمليات التي يتلقون الأمر بالقيام بها من المرشد العام شخصيا.

ولو كان الأمر على غير ذلك لكان النظام الخاص عصابة مستقلة تهدد كيان الجماعة، بالقيام بأعمال لم يأذن بها مرشدها لكون أعضائها جميعا أعضاء في الجماعة.

ومن هذه الحقيقة، يتبين أن كل ما يقال عن مستويات قيادات النظام الخاص، الفقهية أو السياسية، وأنها لا تتناسب مع مسئوليات هذا النظام، هي أقوال لا تصيب كبد الحقيقة، فرجال النظام الخاص، رجال لا يتميزون إلا بصدق العقيدة، والاستعداد للاستشهاد في سبيلها، باذلين كل ما يملكون من دم ومال، ومدربين تدريبا كافيا على الأعمال، أو تقدير الأثر السياسي لأي من هذه الأعمال، شيء على الإطلاق.. فالفتيا في هذه الأمور، وتقدير آثارها، متروكة تماما لحكمة المرشد العام وفقهه.

وتأييدا لهذه الحقيقة أذكر أن الأخ الكريم الأستاذ أحمد حسن الباقوري رحمه الله ظل طوال حياته يعتقد أن أعضاء النظام الخاص هم الذين قتلوا أحمد ماهر باشا (يرحمه الله) وقد سجل ذلك في مذكراته التي نشرتها جريدة "المسلمون" قبيل وفاته، كما أن فضيلة الأخ الكريم الشيخ السيد سابق كان ولا يزال يعتقد هذا الاعتقاد حتى اليوم لدرجة أنه أدلى إلى جريدة "المسلمون" هذا العام بتصريح بهذا المعنى.. وكل من الشيخ أحمد حسن الباقوري، والشيخ سيد سابق من رجال الجماعة البارزين، طوال حياة الإمام الشهيد، التي وقع فيها هذا الحادث من حوادث الاغتيالات السياسية في مصر.. بينما الحقيقة عن هذا الحادث أنه من عمل أحد أعضاء الحزب الوطني، وأنه لا علاقة للنظام الخاص به على الإطلاق، وقد كتبت الحقيقة عن هذا الحادث في الجزء الأول من هذا الكتاب حتى يطلع عليها من أراد.. وأما ما وقر في ذهن الشيخين الجليلين فهو من مخلفات ما قرآه في وسائل الإعلام المصرية والاستعمارية عن هذا الحادث في حينه، ولم يفكرا في مراجعة المرشد العام فيه، رغم أنهما من أهل الفتيا والعلم.

وإذا كان هذا المثل يعتبر من الأمثلة الصارخة الدالة على عدم إحاطة كبار المسئولين عن الجماعة بأعمال النظام الخاص فإنه لم يترتب عليه أي شقاق في صفوف الجماعة في حياة الإمام الشهيد، لثقة الجميع في حكمته، ودقة تقديره للأمور، والتزامه بأحكام الشريعة الإسلامية.

ولكن مثل هذه النماذج أدت إلى تشتت الآراء بين صفوف الجماعة بعد مقتل الإمام الشهيد وتعصب بعض كبار الإخوان إلى معلوماتهم الخاطئة عن أعمال النظام الخاص، فهاجموا قيادته التنفيذية ممثلة في الأخ الكريم الأستاذ" عبد الرحمن السندي" رحمه الله، دون هوادة، صنفوا في هذا الهجوم الكتب والمذكرات المنشورة في الصحف السيارة، وهم لا يدرون أنهم على الموتى يفترون، وأن الأجدر بهم، أن يستغفروا ربهم مما ذكروا من غير يقيني في حق الأموات، وأن يستسمحوا الأحياء ليصفحوا عنهم قبل أن يدركهم الموت، فتتعقد لهم الأمور، حين ترفع الحجب عن سائر الأقوال والأعمال في حضرة العلي الكبير المتعال.

وإذا كان من أهداف هذا الجزء تصحيح الأخطاء التي وقع فيها هؤلاء الإخوة الكبار بقصد تصحيح تاريخ الجماعة من الأخطاء التي تضمنتها كتاباتهم عسى أن تكتمل الصورة الحقيقية للعاملين في حقل الدعوة عن تاريخ الجماعة، فيحسن الناس دراسته، والاستفادة من تجاربه على أساس من الحق الذي يشهد به من عرفوه، وخفي بحكم مصلحة الجماعة عمن جهلوه، فقد عالج هذا الجزء من الكتاب واقع حياة جماعة الإخوان المسلمين بعد استشهاد إمامها يرحمه الله، وبين كيف يمكن ن يؤدي الاستسلام للظن السيئ دون تحقيق أو بينة إلى كوارث للجماعات، ما كان أغناها عنها لو أن رجالها التزموا بتطبيق نص ما علمهم في قوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا.." (الحجرات: ).

ومن المؤسف أن هذه الظنون جميعا كانت موجهة إلى أكثر تنظيمات الجماعة دقة وحساسية، فهو درعه إذا ما اشتد الخطب، وتربص الخصم، فكانت النتيجة هذا التمكن المشين لأعداء الله من رقاب أحبابه وحملة دعوته، دون أن يجدوا منهم دفعا ولا ردعا.. وإذا كنا لا نستطيع أن ندفع عن أنفسنا الشعور بالأسى والحزن لوقوع هذه الحقائق المرة التي نجدها بين دفتي هذا الكتاب، بين رجال هم أمل الأمة الإسلامية في رفع مشاعل النور والهداية للإنسانية كافة في العصر الحديث، فإننا لا نفتأ أن نهون من حدة هذا الأسى على النفوس إذا تذكرن أن وقوع مثل هذه الأحداث هو من سنن الله في خلقه يمتحن بها أصحاب الدعوات، إذا ما فقدوا رواده الملهمين على حين غرة، فتضطرب بهم السبل فترة، ثم ينتبهون ويتعودون على تحمل المسئوليات، متحصنين بالخبرة والتجارب التي اكتسبوها خلال محنتهم، وهم يشقون طريقهم الجديد، فتستقيم مسيرتهم، وتنتشر دعوتهم على هدى من الله ونور إن شاء الله.

ولقد علمنا القرآن الكريم كيف عاد بنو إسرائيل إلى عبادة العجل فور أن تغيب عنهم نبيهم موسى عليه السلام لعدة أيام، وهم الذين رأوا الآيات المعجزات التي لا يمكن أن يتزعزع بعدها إيمان مؤمن، فحق لنا أن نحمد الله أن نجانا من هذا السلوك، سلوك الردة عن دين الله الذي وقع فيه بنو إسرائيل، واقتصر الأمر على اجتهاد وخطأ بين رجال هذه الدعوة رغم أن مصيبتهم في فقد إمامهم كانت أكثر شدة وأعظم هولا.. أما ردة بني إسرائيل فإنها وقعت في غيبة مؤقتة لنبيهم، يعلمون يقينا أنها لعدة أيام يعود بعدها إليهم، وهو ما لا يمكن أن يعد مصيبة بحال من الأحوال، ولما تبين من مذكرات فضيلة الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر أطال الله عمره أن ما وصله من معلومات خاطئة عن النظام الخاص قد استقر في فكره على أنه حقائق، وسجلها في مذكراته التي نشرت في جريدة "المسلمون" راجعت فضيلته شخصيا على مشهد من بضع عشرات من رجال الإخوان المقيمين في المملكة العربية السعودية حين جمعتنا مائدة غداء في منزل أحدهم، وقد وعدني بتحقيق ما راجعته فيه ثم تبليغي بالنتيجة حتى أضمنها هذا الجزء من الكتاب.. فلما لم يرد لمرضه أو لكثرة مشاغله أرسلت لفضيلته خطابا شخصيا حمل كل من الأخوين محمد مالك وحسن عاشور نسخة منه، وطلبت من فضيلته أن يتفضل بتقديم هذا الجزء من الكتاب للقراء ليزداد أثره، ويعم نفعه، بعد أن تأخر صدوره انتظارا لرد فضيلته الذي لم يصل.. ولكن الأخ محمد مالك بعد أن سلم فضيلته خطابي، رد علي ردا يفيد أن فضيلته لم يشأ أن يقدم هذا الجزء من الكتاب، فكان لابد من السير في خطوات نشره تصحيحا للتاريخ، ووفاء للأمانة، فإذا كانت فرصة تصويب مسار الجماعة في غمرة الأحداث قد ضاعت، فلا أقل من عدم ضياع فرص الدرس والتمحيص لهذه الأحداث، وقد حرصت على أن أنشر نص خطابي إلى فضيلة الأخ محمد حامد أبو النصر عقب خطابي إلى فضيلة الأخ عمر التلمساني في صدر هذا الكتاب فقد أصبح هذا الخطاب أيضا في ذمة التاريخ حيث لم أتلق عليه ردا.

ولم يتبق أمامي إلا أن أحسب للعمر حسابه فأضع أمانة نشر هذا الجزء من الكتاب في عنق أخي الفاضل الدكتور أحمد العسال وقد سلمته نسخة من مسودته، مع رسالة فوضته فيها في نشره بعد وفاتي شرط أن يتحقق من صحة جميع الوقائع الواردة فيه من الإخوة الأحياء الذين يعرفون الحقيقة ويعرفهم فضيلة الأخ الكريم الدكتور أحمد العسال معرفة تامة.. ذلك إذا لم يطل بي العمر فأستطيع أن أقوم بهذا الواجب قبل أن أفارق دنيا الناس، وارحل إلى رحاب خالقهم الواحد القهار ، والله أدعو أن يفتح القلوب والأبصار، فنرى الحقيقة المؤكدة، ونستلهم منها مناهج العمل في المستقبل، حتى تقوى الجماعة على القيام برسالتها المقدسة، مؤيدة من الله عز وجل الذي ضمن النصر لمن ينصره وهو القوي العزيز.

بسم الله الرحمن الرحيم: " ولينصرن الله من ينصره ، إن الله لقوي عزيز" (الحج).

وسبحانك اللهم وبحمدك، وأشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك.

محمود الصباغ

بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب مفتوح
على صفحات جريدة "المسلمون" الغراء
من محمود الصباغ:

إلى فضيلة الأستاذ عمر التلمساني المرشد العام للإخوان المسلمين (أطال الله عمره).

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد عبده ورسوله وبعد:

فقد دفعني إلى الكتابة العشية إلى فضيلتكم عدة أمور:

الأول: مسئولية فضيلتكم المعلنة على الملأ كمرشد عام للإخوان المسلمين .. هذه الجماعة التي شرفني الله بعضويتها لمدى ثلاثة عشر عاما متصلة (1940- 1953) ، ثم انفصلت عنها طوال الثلاثة والثلاثين عاما التالية (1953- 1986) ، والتي تعرضت فيها هذه الجماعة لكثير من المحن والشدائد أدت إلى اختفائها عن المسرح العلني في مصر حتى اليوم.. لحكمة لا يعلمها إلا الله.

الثاني: مسئوليتي كمسلم أدين بحمد الله بما يدين به كل مسلم قرأ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا أمرا بينا كتاب الله وسنة نبيه" (رواه ابن اسحق).

وهو ما اتخذته جماعة الإخوان المسلمين شعارا وعلا وعملا.. أرجو ويرجو معي كل مسلم أن توفق الجماعة إلى تحقيقه بأيدي أعضائها الغر الميامين.

الثالث: ما تكرر نشره على لسان فضيلتكم وعلى صفحات كتابكم من أخبار عن النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين، ولا يستطيع أي مسلم حين يقرأها إلا أن يعتقد بصحتها لأنها صادرة عن المرشد العام لهذه الجماعة.

ولا يمكن لأي قارئ أن ينتبه إلى قولكم أنكم لم تنالوا شرف عضوية هذا النظام، فينظر إلى هذه الأخبار بما يحتمل الصواب والخطأ، باعتبارها لم تصدر عن عضو في هذا النظام ولكن على العكس لابد أن يصدقها قارئها لأنها صادرة عن المرشد العام.

كذلك ما نشر في مذكرات فضيلة المرحوم الأستاذ أحمد حسن الباقوري من أخبار عن خذا النظام، ولا يستطيع أي قارئ يقرؤها إلا أن يعتقد بصحتها لأنها صادرة عن كثير من علماء المسلمين نال شرف عضوية مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين ما يزيد على عشر سنوات متصلة

ولا يمكن لأي قارئ أن ينتبه إلى ما أعلنه فضيلته في نفس هذه المذكرات من أنه لم يكن أبدا عضوا في هذا النظام، فينظر إلى هذه الأخبار على أنها تحتمل الصواب والخطأ.

ولا يقلل من الأثر الإيجابي في نفوس الناس ومعتقداتهم ما أعلن عن فضيلتكم وعن هذا الفقيد الكريم أن مصدر هذه الأخبار هو الأخ صلاح شادي (أطال الله عمره) ، إذ يكفي نقلكم عن سيادته لتؤخذ أقواله إليكم على محمل الصدق لا الكذب.. وأنتم من أنتم مكانة وعلوا في صفوف هذه الجماعة حاليا وسابقا.

الرابع: إن أمانة التاريخ ثقيلة، وأنه ترتب على ما سبق ، أن أضاف مؤرخ محدث هو الأستاذ محسن محمد الذي يؤرخ حاليا عن دعوة الإخوان المسلمين من وجهة نظر أعدائها في سلسلة من المقالات المتتابعة في مجلة "المسلمون" أضاف الكثير من الوقائع الخاطئة التي تشوه تاريخ هذه الجماعة الناصع تحت قيادة فضيلة مؤسسها الإمام الشهيد.. وهو ينسب إليها ما هي منه استنادا إلى ما يقوله التابعون والأصحاب لفضيلة الإمام الشهيد من أقوال منشورة على صفحات "المسلمون" وفي الكتب المؤلفة بأقلامهم وغيرها.

خامسا: إنني لم أجد أثرا إيجابيا للنصائح الشخصية التي قدمتها إلى من يعلمون الحقائق ممن لا يزالون منتظمين في أماكن مرموقة في صفوف الجماعة ليصححوا لفضيلتكم المعلومات التي كانوا عليها من الشاهدين، فاعلم يا أخي الكريم يرحمني ويرحمك الله:

1- إن فضيلة الإمام الشهيد لم يختلف مع عبد الرحمن السندي قط طيلة حياتهما، وأنه لم يفكر في تغييره قط، وأن عبد الرحمن السندي لم يخرج قط على فضيلة الإمام الشهيد.. لا هو ولا أحد من أفرد النظام الخاص.

وقد مات يرحمه الله وهو راض كل الرضا عن قيادة هذا النظام وعن أفراده جميعا.

2- أن الأخ الكريم صلاح شادي (أطال الله عمره) كان يرغب أن يصل إلى قيادة النظام الخاص في حياة الإمام الشهيد دون أن يسبق له عضوية فيه، وأن فضيلة الإمام الشهيد دعاه فعلا إلى حضور اجتماع لهذه القيادة التي لم تكن فردية لعبد الرحمن السندي يرحمه الله بل كانت جماعية منه ومن أربعة غيره من الإخوان.. ولكن أفراد هذه القيادة مجتمعين لا عبد الرحمن السندي وحده، نبهوا فضيلة الإمام الشهيد في حضور الأخ الكريم صلاح شادي إلى نقطة نظام.. حيث ينبغي لعضو النظام الخاص أن يمر بمراحل اختبار مهينة قبل ضمه إليه، وقد اقتنع فضيلة الإمام الشهيد بهذه النقطة، وقرر في حضور الأخ صلاح شادي أن يقتصر على ما كان عليه من مسئولية في أجهزة الجماعة، وأن لا يكون له علاقة بالنظام الخاص على الإطلاق.. خاصة وأن مسئولية الأخ صلاح كانت غير هينة. ويبدو أنه " قد أسرها صلاح في نفسه إلى اليوم ولم يبدها لكم".

ومن ثم يكون كل ما يقوله الأخ صلاح شادي عن النظام الخاص هو اجتهاد منه فيما لا علم له به.. فطبيعة عمل النظام الخاص تحتم سريته التامة على كل من لم ينضموا إلى عضويته.. فمن أين لصلاح أو غير صلاح ممن أعلنوا أنهم لم يكونوا أبدا أعضاء في لنظام الخاص، من أين لهم العلم بشيء عن هذا النظام أو عما دار بين أعضائه وبين فضيلة الإمام الشهيد؟.

3- أن فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي (يرحمه الله) الذي خلف الإمام الشهيد في رئاسته للجماعة قد أقر قيادة النظام الخاص الخمسة على الاستمرار في مسئوليتهم دون تغيير أو تبديل في أفرادهم، وأنه رفض منهم عرضهم التنحي عن هذه المسئولية وتفويضه في اتخاذ ما يراه بشأن هذا النظام الخاص من قرارات سواء بالإلغاء أو التغيير أو التبديل تمكينا له من القيام بمسئولياته أمام الله كمرشد عام.

4- أن قيادة هذا النظام الخمسة لم يختلفوا قط فيما بينهم في ظل قيادة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي للجماعة (يرحمه الله) وأنهم قدموا استقالتهم مجتمعين دون استثناء فضيلة في حضور ما يقرب من أربعين رجلا من قيادات النظام في القطر، وكانت استقالتهم مسببة بعد تجارب طالت لمدة سنتين ثبت بعدها مسئولية فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي - يرحمه الله) عما يصيب صفوف هذا النظام من اضطراب لا يمكن معه أن يستقيم العمل فيه.

5- أن هذه الاستقالة المسببة التي تمت في حضور ما يقرب من أربعون شاهدا عدلا من المسلمين قد نشرت في الجرائد على أنها قرار بفصل أربعة من الإخوان ثلاثة منهم من الخمسة الأول في قيادة النظام الخاص وواحد من الصف الثاني، وكنت أنا وعبد الرحمن السندي رحمه الله وأحمد زكي حسن هؤلاء الثلاثة، وكان الأخ أحمد عادل كمال هو أخ الصف الثاني.

6- أن هذا التبديل للحقائق الذي نشر علنا في الجرائد المصرية منسوبا إلى مكتب الإرشاد، والذي يمكن أن تكون قد اقتضته سياسة الجماعة لأسباب لا يعلمها إلا الله قد أفرخ كل هذا التشويه لتاريخ الإخوان المسلمين ولجهادهم الناصع البياض في سبيل الله، كما أوجد العذر للإخوان وغيرهم ممن لم يعرفوا الحقائق بالخوض في ضلالات كثيرة أدعو الله أن يغفر لي ولهم آثامها، وأن يبدل سيئاتي وسيئاتهم حسنات إن ربي سميع مجيب.

7- إنه لظروف الجماعة عقب نشر هذا القرار المغاير للحقيقة لم يمكن إثارة هذا الأمر للتصحيح على نطاق واسع إلا في وقت زالت فيه محنة الإخوان الأولى، وأصبحت لهم جريدة يرأس تحريرها فضيلة الشهيد سيد قطب (يرحمه الله) وحينئذ فقط كتبت قصة النظام الخاص مع فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي (يرحمه الله) في ثلاث عشرة صفحة، وطلبت منه نشرها في جريدة الإخوان التي يرأس تحريرها بصفتها لسان حال دعوة الحق والحرية والقوة.. وقد وعد يرحمه الله بذلك.. ولكنه عاد فاعتذر لي فأعلمته أنني سأعلن هذه الحقائق بطريقتي الخاصة.. وقبل مني ذلك بكل رضا.

8- وزعت بالبريد هذه الحقائق على جميع أعضاء مكتب الإرشاد وعلى جميع أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، وطالبت مناقشتها في اجتماع هيئة تأسيسية حرصا على أن لا يتحمل الإخوان المسلمون ككل أخطاء بعض أفرادها وإن كانوا في مراكز القيادة.. ولكن يبدو أن تطورات علاقات الإخوان بالحكومة وقتئذ لم تحملهم على أداء الواجب إزاء هذه الرسالة الموجهة إليهم جميعا.. فقد كانوا جميعا مندفعين إلى هدف آخر لا يعلمه إلا الله.

9- أن النظام الخاص بكل أعماله تحت قيادة الإمام الشهيد قدم إلى المحاكمة العلنية أمام القضاء المصري في عهد أعدى أعداء الإخوان المسلمين وهو إبراهيم عبد الهادي الذي استصدر قانونا يجعل عقوبة حيازة الأسلحة دون ترخيص تتراوح بين الأشغال الشاقة والإعدام وبأثر رجعي، ليضمن إدانة هذا النظام وإدانة أعماله بالحق أو بالباطل.. ولم يمنعه ضميره الوطني وهو يستصدر هذا القانون علمه أن الإخوان المسلمين كانوا في حيازتهم للأسلحة والمفرقعات يستندون إلى الموافقة العملية لسلفه محمود فهمي النقراشي الذي أظهر للناس كافة أنه يساند حركة تحرير فلسطين ممثلة في قائدها المجاهد الحاج أمين الحسيني الذي عاش في هذه الأثناء في مصر لاجئا سياسيا تحت رعاية ملكها وعاش معه الأخ الكريم الشهيد عبد القادر الحسيني القائد العسكري للمجاهدين الفلسطينيين ومعاونوه.

ومن هنا كان تشجيع الحكومة للإخوان المسلمين في حيازة السلاح والمفرقعات، وتسليح الهيئة العربية العليا، وتدريب أفراد النظام وغيرهم من لإخوان أمرا واقعا لا حظر عليه.. وكذلك كان تشجيع العديد من ضباط مصر على طلب الإحالة إلى الاستيداع لدخول فلسطين مجاهدين بقيادة الشهيد أحمد عبد العزيز (يرحمه الله) مع فتح مخازن أسلحة الجيش المصري لهم على الرغم من انتهاء صفتهم كأفراد في القوات النظامية وكان ذلك كله قبل دخول الجيش المصري فلسطين بعدة شهور بالنسبة لضباط الجيش وبما يقرب من سنتين بالنسبة للإخوان المسلمين.

ولكن قضاء مصر العادل لم تنطل عليه أساليب إبراهيم عبد الهادي الملتوية، بعد أن رأي برهان ربه وهو يستعرض كل الحقائق التي فصلت أمامه أثناء دراسة هذه القضية التاريخية الشهيرة بقضية "السيارة الجيب" فبرأ النظام الخاص من جميع التهم التي نسبتها إليه النيابة العامة، ولا يزال ينسبها إليه الجهلة بحقيقة التاريخ، وأشاد بشرف الغاية ونبل المقصد في حيثيات حكمه التي هزت مصر هزا، وأوردت بنظام إبراهيم عبد الهادي قبل مرور سنة واحدة على هذا الحكم التاريخي المجيد.

وإلى هذا الحكم القضائي أحيل الأستاذ محسن محمد وغيره من المؤرخين فالفضل ما حكمت به الأعداء.

لقد بدأت هيئة المحكمة محملة برغبة الحكومة المؤكدة في إدانة هذا النظام ومؤيدة بالقوانين الاستثنائية اللازمة لهذه الإدانة، وانتهت إلى الانضمام بكامل هيئتها إلى الإخوان المسلمين، والإشادة بفضلهم لما رأوا من الحق، كما أسلم لي ممثل النيابة الأستاذ محمد عبد السلام الذي رقي إلى وظيفة النائب العام فيما بعد ذلك في أول لقاء شخصي معه بعد صدور هذا الحم أنه كان مخطئا في كل ما ذهب إليه من اتهامات، وذلك دون أن أوجه إليه أي سؤال عن هذا الموضوع.

والله يقضي بالحق وهو أحكم الحاكمين.

المؤلف

20/ 6/ 1406 هـ

خطاب مفتوح
حضرة صاحب الفضيلة الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين.

حفظه الله وأحسن جزاءه بما عمل ويعمل في سبيله.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

أرجو أن تكون على خير ما يكون عليه العباد المؤمنون.. صحة وعافية وجلدا في الدفاع عن الحق ودحض الباطل .. آمين.

وبعد..

تذكر فضيلتكم يوم لقائنا بمنزل فضيلة الشيخ مصطفى العالم حفظه الله حين كنتم بالأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج، وشاء الله أن يجمعنا على مائدة الغداء وكان من بين الحاضرين الأخ الكريم الحاج حسني عبد الباقي، وقد استفسرت في ذلك اليوم من فضيلتكم عن اسم من أبلغكم أننا الخمسة عبد الرحمن السندي، ومصطفى مشهور، ومحمود الصباغ، وأحمد حسنين، وأحمد زكي حسن، كنا قد ذهبنا إلى بلدة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي يرحمه الله وواجهناه بما لا يليق من اللفظ والقول على النحو الذي تفضلتم بنشره في مذكراتكم في جريدة "المسلمون" لأن هذا الرجل الذي أبلغكم بهذا لابد وأن يكون فتانا في الإسلام.. حيث الحقيقة أننا عندما ذهبنا إلى فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي ذهبنا جنودا مخلصين للدعوة نبلغه بأمر تنظيمي هام من أمورها، وتطمئن منه على سير الأمور، ونتلقى منه، ما يشاء من تعليمات.. وقد أكرم فضيلته وفادتنا وطمأننا على سير الأمور، ووعدنا بأنه سيكون في القاهرة في اليوم التالي لإصلاح هذا الأمر التنظيمي الهام.. ثم عدنا دون أن يحدث في هذا اللقاء شيء ما يعكر الصفو أو يثير الجدل.. فقد كانت الأمور شديدة الوضوح، وكان الاتفاق تاما لا لبس فيه ولا خلاف، ولا تمرد ولا عصيان، ولا شيئا من قريب أو بعيد يمكن أن يفسر على النحو الذي جاء بمذكرات فضيلتكم التي تنشر بعد ما يقرب من أربعين عاما من وقوع هذه الواقعة.

وقد تفضلتم فوعدتموني بمحاولة تذكر هذا الاسم وإفادتي، وظللت أنتظر حتى أصحح هذه المعلومة في الجزء الثاني من كتابي "حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين" الذي خصصت الجزء الأول منه للفترة التي قاد فيها الإمام الشهيد الدعوة واقتصر الموضوع على حقيقة النظام الخاص دون غيره من الأدوار الهامة الأخرى التي امتد إليها نشاط الدعوة ورجالها.

ولكن رد فضيلتكم لم يصلني إلى اليوم..

ولهذا السبب لا يزل الجزء الثاني محجوزا تحت الطبع رغم صدور الجزء الأول منذ أكثر من سنة، وأنا آمل أن أمكن من إصدار الجزء الثاني ممهورا بتقديم فضيلتكم الكريم لأنه لا يصحح هذا الواقعة فقط ولكنه يصحح الوقائع الكثيرة التي ملأت صفحات كتاب الأخ صلاح شادي " صفحات من التاريخ" والجزء الثالث من كتاب الأخ محمود عبد الحليم "الإخوان.. نظرة من الداخل" وكلها أخطاء شوهت تاريخ الجماعة تشويها لا يمكن أن يزيله إلا أن يكون فضيلتكم صاحب المقدمة لهذا الجزء التصحيحي للتاريخ.

وقد سلمت مسودة هذا الجزء إلى الأخ عاشور حامل خطابي هذا لإطلاعكم الكريم، مع العلم أنه تم إطلاع الإخوة مصطفى مشهور، وأحمد حسنين، وأحمد زكي حسن، وأحمد عادل كمال ولم تختلف في صحة أي واقعة وانحصر الخلاف فقط في التوقيت الصحيح لنشر الحقيقة وهل مثل هذا النشر يفيد أو يضر..؟ ولهذا السبب جاء عرضي لهذا الجزء على فضيلتكم لكتابة مقدمته بعد الاستيثاق من الإخوة مصطفى مشهور، وأحمد حسين، وأحمد زكي حسن من صحة جميع الوقائع فيه، فلم يعد في العمر قدر ما فات.. والتاريخ أمانة في أعناقنا.. وإعلان الحق وإزهاق الباطل هو رسالتنا.. لا تنتصر دعوة إلا بأدائها مهما بلغ رجالها من قوة.. ولا تنهزم إلا بالنكوص عنها مهما قل العدد وقلت العدة.

" والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" (يوسف: 21).

وفقكم الله، وجزاكم عنها وعن المسلمين خير الجزاء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المخلص
محمود الصباغ
10 /8/ 1410هـ
7/ 3/ 1990م

الفصل الأول النظام الخاص بعد الانتصار في معركة 1948م

مقدمة

كانت معركة 1948، التي قادها محمود فهمي النقراشي باشا ضد الإخوان المسلمين في مصر، تهدف إلى إبادتهم، والقضاء على دعوتهم حتى لا تقوم لهم قائمة بعد، كما هو واضح في نص الأمر العسكري الممهور بتوقيعه، والقاضي بحل "جماعة الإخوان المسلمين"، والذي ورد نصه ونقده في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وقد شاء الله عز وجل أن تسير الأمور بعد القرار على النحو الآتي:

1- يعتقل محمود فهمي النقراشي باشا كل أعضاء مكتب الإرشاد إلا المرشد العام، ويعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية، والأعضاء المعلومة عضويتهم لدى الحكومة من الإخوان المسلمين، وقد كان هذا الاعتقال من عمله، وبغرس يديه، على الرغم مما سبق أن أوردناه في الجزء الأول من هذا الكتاب، عن التعاون الوثيق بينه وبين الإخوان المسلمين، قبل وبعد وفي أثناء معركة فلسطين سنة 1948، وعدم وجود أي خلاف على الإطلاق فيما يتعلق بهذه القضية بين الحكومة وبين الإخوان، لا من حيث الفكر، ولا من حيث الأمن، وعلى الرغم من تصريح الحكومة للإخوان، بجمع وحيازة واستعمال الأسلحة والمفرقعات تصريحا عمليا ولكنه غير مسجل في الأوراق، من فرط الثقة بين الطرفين، فيما يقتضيه العمل، لأجل قضية المسلين المركزية، قضية فلسطين. وقد جاءت الحجة الواهية المكذوبة التي أعلنتها الحكومة على الناس تبريرا لقرار الحل على مرحلتين هما:

(أ) ضبط بعض الأسلحة والمفرقعات في عزبة الشهيد الشيخ " محمد فرغلي" واعظ الإسماعيلية، وقائد الإخوان في فلسطين.. رغم علم الحكومة بأن هذا المخزن كان لازما لإمداد المتطوعين في فلسطين بالسلاح والمفرقعات حسب الحاجة.. أي أنه كان مركزا من مراكز تموين المجاهدين في المواقع الخلفية للمعركة.

وقد اتخذت الحكومة هذه الحجة الباطلة ذريعة لإعلان قرار بحل الإخوان المسلمين في منطقة السويس.

(ب‌) ضبط سيارة جيب بها بعض الأسلحة والمفرقعات، والأوراق التنظيمية للنظام الخاص للإخوان المسلمين، أمام منزل أحد الإخوان في منطقة العباسية، وقد اتخذت الحكومة هذه الحجة لإعلان الأمر العسكري القاضي بحل" الإخوان المسلمين" في جميع أنحاء القطر ومصادرة أملاكهم، واعتقال جميع أفرادهم، وتحريم قيام نشاط يهدف إلى تحقيق مبادئهم.

2- يصدر محمود فهمي النقراشي باشا أمرا إلى قادة الجيش المصري في فلسطين باعتقال جميع المتطوعين من "الإخوان المسلمين" ، وهم في جبهة المواجهة مع العدو على أرض فلسطين، يقاتلون العدو، ويحمون خطوط الجيش المصري، ويمنع سفر أي متطوعين جدد إلى الجبهة، رغم استصراخات قيادة الجيش على الجبهة بطلب المزيد من متطوعي "الإخوان المسلمين"، لبسالتهم النادرة في القتال، وثباتهم الراسخ في الدفاع، كما هو ثابت في الجزء الأول من هذا الكتاب.. فلا يملك قادة الجيش إلا تنفيذ الأمر، وإنشاء معسكرات اعتقال في الجبهة تضم كل متطوعي "الإخوان المسلمين" ، رغم تقديرهم البالغ لهؤلاء المجاهدين إلى الحد الذي حمل اللواء فؤاد صادق باشا القائد العام للحملة المصرية في فلسطين أن يعتمد عليهم وهم معتقلون في احتلال التبة 86 التي عجز الجيش المصري عن احتلالها في هجومين متتاليين مستخدما كل أسلحته، فيلبي المعتقلون دعوته، ويخرجون من معسكر الاعتقال بأسلحتهم، ويحتلون التبة، ثم يعودون إلى معتقلهم طائعين مختارين على النحو الذي شهد به اللواء فؤاد صادق باشا في المحكمة التي فصلت في قضية السيارة الجيب، والتي جاءت تفصيلاتها في الجزء الأول من هذا الكتاب.

3- تتدخل يد القدرة الإلهية ليتم تنفيذ أرادة المدير لهذا الكون، فيعتقل البوليس قادة النظام الخاص وهم ينتظرون زميلهم الأخ مصطفى مشهور في منزله، دون ان يكون للبوليس أي فضل أو جهد في هذا الاعتقال.. ولكنها حكمة الله البالغة التي لا يفقهها إلا العالمون، والتي لمسناها جميعا بعد ذلك على النحو الوارد في الجزء الأول من هذا الكتاب.

4- تصبح حكومة محمود فهمي النقراشي باشا بقواتها وعساكرها في مواجهة عسكرية مع أفراد التنظيم السري للإخوان المسلمين الذين هالتهم خيانة النقراشي باشا لقضية فلسطين، وانقطعت الصلة بينهم وبين قياداتهم العسكرية التي اعتقلت بقدر الله في هذا الظرف العصيب، كما انقطعت الصلة بينهم وبين قيادتهم السياسية والروحية بفعل محمود فهمي النقراشي باشا الذي حدد إقامة المرشد العام للإخوان المسلمين في منزله، ومع أي اتصال بيه وبين الناس سواء باللقاء الشخصي، أو بالاتصال التليفوني، إلا أن يكون هذا اللقاء تحت أعين رجال الأمن، وأن تكون حركته محروسة بسيارة من رجال الأمن إذا أريد له اللقاء بأحد المسئولين في الدولة خارج منزله. أما باقي أعضاء مكتب الإرشاد ، وجميع أعضاء الهيئة التأسيسية، وجميع الإخوان المسلمين المعروفين لدى الحكومة فقد انقطعت الصلة بهم جميعا، بسبب حجزهم خلف أسوار الاعتقال.

5- يبدأ أعضاء النظام السري عملياتهم بقتل محمود فهمي النقراشي باشا وهو في عربته، وبين ضباطه بوزارة الداخلية، جزاء له على خيانته الصارخة لقضية فلسطين، والانضمام إلى العدو في محاربة مقاتليه من رجال الإخوان المسلمين. سواء كانوا في الجبهة فعلا أو في الخطوط الخلفية على أرض وادي النيل.

6-تبالغ أجهزة الإعلام في التنديد بالإخوان المسلمين، وتصورهم بصورة المجرمين في نظر الشعب، وتتخذ من الأوراق المضبوطة في قضية السيارة الجيب أدلة توهم بها الشعب باتساع شبكة هؤلاء المجرمين في مقولتها إلى الحد الذي قالت فيه إحدى الجرائد الحكومية أنه لو أن عصابات "شترن" و "الهاجناة" الصهيونية قد احتلت القاهرة لما فعلت عشر معشار ما كان يخططه الإخوان المسلمون لتدمير هذه العاصمة الإسلامية الكبرى . فيفكر أعضاء النظام السري الذين لا يعلمون شيئا عن حقيقة ما في هذه الأوراق في التخطيط لعملية حرق أوراق هذه القضية حتى تقف ادعاءات الحكومة بأن لديها أدلة على إجرام رجال دعوتهم، ويتم تنفيذ الخطة بنجاح لولا إدراك أحد المخبرين للحقيبة التي تحتوي على المواد الحارقة، فيخرج بها مسرعا إلى الشارع، وتنفجر هناك دون إحداث أضار تذكر.. وقد كان الأخ الكريم شفيق أنس هو الذي وضع الحقيبة الحارقة جوار الصوان الذي يحتوي على أوراق القضية، ثم غادر المحكمة مسرعا.

ولكن أجهزة الإعلام الحكومية ضخمت من أمر هذه الحقيبة الصغيرة، وأسمت المحاولة أنها محاولة نسف محكمة مصر بما فيها طبعا من آلاف المتقاضين والمحامين والقضاة، لتوغر الصدور ضد جماعة الإخوان المسلمين فلا يبقى على أرض مصر إلا من يتبرأ منها ومن أعمالها الإجرامية، ويدعو للحكومة بالنصر والتأييد جزاء سهرها الأمين على أرواح المواطنين.

7-تنفذ الحكومة مخططها الإجرامي الذي رسمته منذ إصدار قرار الحل، واعتقال جميع الإخوان المسلمين الذين تمتد إليهم أيديها، ما عدا المرشد العام الذي حددت إقامته، وجعلت تحركاته تحت حراستها المسلحة فتأمر رجالها بقتله غيلة في الشارع العام، في قلب مدينة القاهرة على النحو الثابت في قضية مقتل الإمام الشهيد، والتي أدان القضاء فيها بعض رجال الأمن العام ومخبريه فصارت وصمة في جبين هذا العهد لا يمكن أن يمحوها الزمن، أو تداريها أجهزة الإعلام مهما بالغت في المداورة أو المدارة.

8-تتوالى الكمائن العسكرية من رجال التنظيم السري ضد أفراد الحكومة حتى يرتعد الملك خوفا على عرشه، فيقيل رئيس الحكومة في يوم عيد من أعياد المسلمين، ويعلن أن هذه الإقالة هي: " هدية الملك للشعب" ، فشهد بذلك الإعلان شاهد من أهلها، راغما لا راضيا، فارا رعديدا ، لا صادقا مناضلا، شهد بجريمة حكومته ضد شعبه، ونسي أن شعبه يعلم علم اليقين أنه كان يختفي وراء كل عمل إجرامي، أقدمت عليه حكومته.

9-يكون قرار الإقالة هو إعلان نصر الله للمؤمنين، فيتمهد الجو بحكومات انتقالية، تعود بعدها دعوة الإخوان المسلمين أقوى مما كانت عليه قبل قرار الحل، وتدوي كلمة القضاء المصري في قضية السيارة الجيب ببراءة الإخوان المسلمين، وبراءة التنظيم السري من كل ما نسبته إليهما النيابة العامة، وتهتز القلوب والأسماع، بكلمات المحكمة أن النيابة قد بنت اتهاماتها على غير أساس، وأن القلة القليلة التي أدانتها المحكمة تستحق الإعجاب والتقدير لشرف الغاية ونبل المقصد.." ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون" (يونس: 82) نراه ناصعا مجلجلا مدويا تطمئن له القلوب، وتفرح به الأفئدة ، ويزاد الإيمان بنوره قوة، ورسوخا، ويرى الناس رأي العين أبعاد الآية الكريمة: " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (الحج: 40) يرونه ماثلا أمامهم كفلق الصبح بعد انقضاء عهد النبوة والخلفاء الراشدين بأربعة عشر قرنا، ويتأكد لديهم قول الحق تبارك وتعالى: " سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" (الأحزاب: 12).

وقوله : " .. فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا. استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا" (فاطر: 42- 43).

وقوله تعالى: " سنة الله في الذين خلوا من قبل وكان أمر الله قدرا مقدورا" (الأحزاب: 38).

وقوله تعالى: " ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا. سنه الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا" (الفتح: 22- 23).

ذلك لأن هذا العهد بأكمله لم يلبث- وقبل أن تنقضي تسعة أشهر على خروج قادة التنظيم السري من السجن في سبتمبر سنة 1951- أن زال ، فقد قامت ثورة يوليو 52 تطرد رأس المؤامرة " فاروق" من مصر، وتحاكم أذناب المؤامرة، فتحكم على إبراهيم عبد الهادي قاتل الإمام الشهيد بالإعدام ، وتقضي على ضباطه وعساكره الذين نفذوا القتل بأيديهم بالإعدام، وتقضي على ضباطه بتعويض مالي لورثة الإمام الشهيد، ويتوجه مجلس قيادة الثورة إلى قبر الإمام الشهيد بين الحشود المحتشدة من رجال الإخوان المسلمين، يؤبنه ويطيب ثراه، ويشهد له بالفضل في حياته، والشهادة في وفاته، ويدعى الإخوان المسلمون للاشتراك في أول وزارة من وزارات الثورة بأربعة وزراء فيعتذرون عن الاشتراك الصريح في الحكم ، ويرشحون للوزارة بدلا من الإخوان وزراء يثقون فيهم، مثل الأستاذ أحمد حسني وزير العدل في أول وزارة للثورة، فقد كان واحدا من الذين رشحهم فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام الثاني للإخوان المسلمين، وتقبل الثورة جميع الأسماء التي رشحها الإخوان للوزارة الأولى من خارج صفوفهم، وتصدر قرار عفو شامل عن جميع المسجونين السياسيين قبل الثورة، وكانت الغالبية العظمى منهم من الإخوان المسلمين، فيخرجون بما في ذلك قاتلوا الخازندار، ويقرر مجلس الدولة اعتبار مدد السجن والاعتقال عملا، فيصرف المسجونون والمعتقلون المفرج عنهم مرتباتهم عن جميع فترات السجن والاعتقال قبل الثورة، ويحصلون على ترقياتهم وعلاواتهم كما لو كانوا في عمل، ويقول مستشاروا مجلس الدولة في حيثياتهم بأن هذا هو أقل ما يستحق أمثالهم، وأن الأجدر أن تمنحهم الدولة أنواطا ونياشين.

الآثار السلبية لمعركة 1948 على النظام السري للإخوان المسلمين

كان لمعركة 1948 آثار سلبية خطيرة على النظام السري للإخوان المسلمين، لعبت في تحقيقها عدة عوامل، ما كان أحدها ليؤثر تأثيرا ذا بال في سير الأمور، لولا قضاء الله باستشهاد الإمام الشهيد خلال هذه المعركة، ووجود هذه العوامل مجتمعة في مواجهة مرشد عام جديد لم يسبق له نشاط عاد داخل صفوف الجماعة حتى بلغ الستين من عمره، وهذه العوامل هي:

  • 1- عنصر كامن داخل النظام السري نفسه:

وذلك هو أعضاء لجنة الشباب المسلم، ولظهور هؤلاء الأعضاء قصة:

المعلوم أن طبيعة النظام الخاص للإخوان المسلمين هي طبيعة عسكرية إسلامية قصد بها تأمين الدعوة الإسلامية ضد مكائد الكفار، والإعداد لتطهير الوطن العربي من الاحتلال الأجنبي، بدءا بمصر مهد هذه الدعوة، وانتهاء بكل بلد إسلامي من المحيط الأطلسي إلى أندونيسيا وبلاد جنوب شرقي آسيا الإسلامية.

وقد ثبت أن هذا النظام كان جديرا بالمسئولية التي وقعت على عاتقه.. فقد أمن الدعوة فعلا من المكيدة التي دبرتها لها قوى الكفر مستخدمة فاروق الأول ملك مصر، ووزيره الأول محمود فهمي النقراشي باشا، وخليفته إبراهيم عبد الهادي باشا، فارتدت سهامهم إلى نحورهم خاسئين.

كما ثبت أن هذا النظام قاد المتطوعين من شباب الدعوة في حرب مزعجة ضد قوات الاحتلال الإنجليزي لمصر حتى أقض مضاجع هذه القوات، وسهل على المفاوض المصري الحصول على قبول الإنجليز بالجلاء عن مصر جلاء تما ناجزا.

وثبت أيضا أن هذا النظام قد أسهم في الإعداد للحرب في فلسطين سنة 1948، فجهز المجاهدين الفلسطينيين بكل ما احتاجوا إليه من أسلحة ومفرقعات، ثم قاد ما يقرب من عشرة آلاف متطوع من الإخوان المسلمين للاشتراك الفعلي في الحرب، كانت لهم الأعمال البطولية، التي أزعجت القيادة العالمية للاستعمار والصهيونية، فأحكموا خناجرهم في ظهر فاروق والنقراشي وعبد الهادي لإرغامهم على القضاء على دعوة الإخوان المسلمين التي أخرجت هؤلاء المقاتلين الأفذاذ بحيث لا تقوم لمثل هذه الدعوة ولا لمبادئها قائمة على أرض مصر إلى أبد الآبدين وكل ذلك ثابت بالدليل القاطع في الجزء الأول من هذا الكتاب.. ولكن أعضاء لجنة الشباب المسلم جد لديهم رأي آخر.

لقد كان من ظهرت أسماؤهم فيما بعد كأعضاء للجنة الشباب المسلمين صفوة رجال النظام الخاص وخيرتهم. . ولا نزكي على ا لله أحدا.

وكان الأمر الذي يشغل قيادة ا لنظام الخاص لأداء رسالتها في تربية جنود هذا النظام تربية إسلامية صحيحة داخل اجتماعاتهم في مجموعاتهم السرية هو ابتكار الوسيلة الصحيحة لهذه التربية من غير أن ينكشف فرد من أفراد النظام السري إذا انتظم في حضور الاجتماعات التربوية العامة، التي تنظمها الجماعة علنا، لتربية رجالها تربية إسلامية صحيحة. فالنظام بطبيعته لا يشترط لعضويته، أن يكون العضو داعيا ولا فقيها، ولا عالما، ولا خطيبا، فمثل هذه الكفاءات لازمة لا غنى عنه في مجال الدعوة العامة.. ولكن الشرط اللازم والكافي لعضوية رجل النظام هو ثبوت إيمانه الراسخ بالعقيدة الإسلامية شرعة ومنهاجا لهذه الأمة، واستعداده لبذل دمه وماله في هذا السبيل، وقدرته البدنية والعقلية على تحمل مسئوليات الكفاح المسلح، وكتمان أسراره حتى عن أهله وذويه.. وقد كانت هذه هي شروط قبول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمجاهدين في صدر الإسلام.. باستثناء شرط القدرة على كتمان الأسرار حيث كانت معارك رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها علنية لم يستعمل هذا الشرط إلا في العلميات الخاصة التي كان تنفيذها يقتضي التحلي بهذه الصفة البالغة الأهمية في مثل هذه الأحوال ، وقد قرأنا عن الرجل يكون كافرا ثم يسلم فيتولى أعلى مناصب القيادة العسكرية في الجيش الإسلامي من قبل أن يكون فقيها أو خطيبا أو داعيا، فمسئوليته لا تتطلب شيئا من ذلك.. بل تتطلب الحنكة والقدرة والإخلاص لله عز وجل في العمل العسكري الذي يناط به، فيسوق الله عز وجل على يديه النصر لجند المسلمين، ويلقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيف الله المسلول، وقد كان من قبل قائدا لقوات الكفر التي هزمت جيش المسلمين في أحد، وقتلت من بين من قتلت حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقوى حماة الدعوة الإسلامية في حياته، والذي لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسد الله.

وكان سبيل قيادة النظام لتحقيق هدفها حتى يصبح رجال النظام الخاص على فقه ووعي بالدعوة التي يقدمون أرواحهم فداء لها هو اختيار طائفة من أخلص شباب النظام وأكثرهم ذكاء ليتفقهوا في الدين خارج صفوف الجماعة، ويكونوا رواد النظام الخاص في هذا المجال عملا بقوله تعالى :" وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون" (التوبة: 122)

وكانت الأسماء المختارة من هذا الشباب هم الإخوة " محمود نفيس حمدي" ، و " عبد الحليم محمد أحمد" و " جمال الدين عطية" و " يوسف عبد المعطي" و " إسماعيل على" وغيرهم من خيار الإخوان، وقد اجتهد هؤلاء الإخوة جميعا في تحصيل العلم، وتتلمذوا على فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة القاهرة يرحمه الله ، والأستاذ محمود شاكر، وقرءوا للأستاذ أبو الأعلى المودودي، ثم انتهت بهم قراءاتهم، ومناقشاتهم مع هؤلاء العلماء وغيرهم بفكر جديد يقول: إن وجود النظام السري في الجماعة لا يفيدها، وقد يضرها، وأن السبيل الصحيح للوصول إلى الحكم بالشريعة الإسلامية في البلاد الإسلامية، هو بذل قصارى الجهد لنشر الدعوة الإسلامية بين الناس، وتصحيح عقائدهم وسلوكياتهم، فإن تحقق ذلك ولي الله عليهم منهم حكام مسلمين يطبقون ما نشأوا عليه في أحضان التربية الإسلامية العامة .. أحكام الإسلام وشرائعه.

وقد تجاهل هذا الرأي أمرين: الأمر الأول هو أن مصر محتلة بالقوات الإنجليزية، وأن هذا الاحتلال يجعل قتال الإنجليز فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ومن ثم فإن هذا الرأي يوقع الجماعة في معصية أمر الله تبارك وتعالى في قوله: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم.. " ويجعل من شعارها " الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" شعارا أجوف يتعلق به اللسان ولا يصدقه العمل.. خاصة وأن معظم دول العالم الإسلامي كانت أيضا محتلة بقوات كافرة، وأن هذه الدعوة تمتد إلى آفاق العالم الإسلامي من مشرقه إلى مغربه.

أما الأمر الثاني فهو أن التبشير بدعوة الإسلام قائم فعلا بعلماء الأزهر، ووعاظه، ومعاهده الدينية المنتشرة في جميع البلاد، وأن الذي ينقص المسلمين هو العمل بما علموا، وهذه الحقيقة هي السبب في وجود ضرورة لقيام دعوة الإخوان المسلمين التي لم تأت بشيء جديد من عندها لم يعرفه المسلمون.. ولكنها اهتمت بتربية جيل يلتزم بالعمل بما يعرفون عن طريق التربية الصحيحة، والقدوة الصالحة، ولو اقتصر رجال الدعوة على الوعظ والتعليم لما أضافوا للحال الواقع شيئا، وهو وقوع المسلمين تحت نير الاستعمار، وقبولهم الحكم بغير ما أنزل الله لأن الوعاظ يبنون والعلمانيين يهدمون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

والحقيقة أن هؤلاء الإخوة الكرام لم يحاولوا أن يدعوا إلى انشقاق في صفوف النظام الخاص.. بل التزموا بالقواعد الصحيحة، وهي طرح رأيهم على قيادة النظام للمناقشة الواعية، ثم سعيهم بالجهود الذاتية لتطبيق رأيهم بالتوسع في النشاط التربوي وكانت وسيلتهم الكتاب ومن ثم فقد فتح بعضهم مكتبة تخصصت في الكتب الإسلامية كخطوة أولى من خطوات العمل البناء لتحقيق نظريتهم.. بل إن الأمر كان أبعد من هذا.. فقد استمر هؤلاء الإخوة في الانتظام في صفوف النظام، والالتزام بقواعد السمع والطاعة، وأسهموا في العمليات العسكرية ضد حكومتي النقراشي وعبد الهادي، إسهاما مشرفا حتى تم نصر الله عز وجل.. وقد ساعد على بقاء نظرية لجنة الشباب المسلم محصورة في أذهانهم، ولم تمتد إلى سواهم أن كل أفراد النظام الخاص العالمين في مجموعات سرية تحت قيادتهم لم يستجيبوا لها، لأنهم جميعا لم ينتسبوا إلى عضوية النظام إلا بعد التثبت من عقيدتهم الراسخة بحتمية القتال الفوري مع المحتلين.. ومن ثم فقد بقيت هذه النظرية كامنة ولم تظهر ظهورا رسميا إلا بعد فراغ الإخوان من المعركة، ودخولهم المعتقلات والسجون، وتطور الأحوال في صالح الدعوة ورجالها وهم لا يزالون بعد في السجون، وكان الإفراج قد بدأ فعلا عن المعتقلين، وظهرت معالم نشاط الدعوة، وأمارات التفاف الإخوان حول مرشد عام جديد خارج السجون والمعتقلات.

وحينئذ أخذ بعض أعضاء لجنة الشباب المسلم، وقد كانوا جميعا مسجونين في سجن مصر مع قيادة النظام الخاص في عنبر واحد.. بل وفي دور واحد هو الدور رقم 6، أحد هؤلاء الإخوان يفتتحون المناقشة مع قادة النظام الخاص الذين يواجهونهم صباحا ومساء في أمر نظريتهم.

ولقد كانت قيادة النظام الخاص تقدر لهؤلاء الإخوة إخلاصهم وتفانيهم، وصبرهم على السجن والتعذيب، فقد لقي الأخ "إسماعيل على" من صنوف التعذيب ما يعجز القلم عن وصفه حتى أنه شاع في جميع أوساط السجن أنه قتل أثناء التعذيب، فبكته العيون، وانشقت القلوب حزنا عليه.. ولكن رحمة الله عز وجل أدركته فأفاق من غيبوبته الطويلة، وعادت إليه الحياة ثم أصبح بعد ذلك من كبار رجال الأعمال بالكويت.

ون ثم، فإن قيادة النظام الخاص لم تستنكر من هؤلاء الإخوة تفكيرهم حين عرضوه، رغم ما فيه من خطأ ظاهر.. بل كان ردها عليهم ردا نظاميا بحتا لم يتعرضوا فيه للموضوع، وكان ملخص رأي قيادة النظام الخاص أنها غير مختصة بالنظر في مبدأ قيام النظام من عدوه.. ولكنها ملتزمة بتعليمات المرشد العام في هذا الشأن.. ومن ثم، فإن الموضوع مؤجل حتى يعرض على المرشد العام الجديد، ليقضي فيه قضاءه الذي يلتزم الجميع بالسمع والطاعة.

وقد شكل بعض هؤلاء الإخوان عند عرض القضية على المرشد العام الجديد سببا من أهم الأسباب لعرقلة سير النظام الخاص في عهده.

فوجئت أعداد كبيرة من صفوف الإخوان العاملين في الدعوة العامة- وبخاصة من كن منهم في الصفوف القيادية- بكل ما قد قام به النظام من عمليات عسكرية.. حيث لم يكن لديهم- رغم مراكزهم القيادية المتقدمة- أي علم بوجود هذا التشكيل، ولم تكن لهم- عندما وقع لصدام بين ا لحكومة والإخوان- من مصادر المعرفة إلا ما تنشره وسائل الإعلام الحكومية من اتهامات مثيرة لثائرة بكل كل إنسان غيور على وطنه ودينه.. فضلا عما لاقوه من عنت الاعتقال، بسبب انتظامهم في صفوف الجماعة، فصاروا ينادون بضرورة حل هذا النظام الخاص، وإزاحة الجماعة مما يعرضه لها من متاعب في مواجهة السلطات.. خاصة وأنهم ما دخلوا دعوة الإخوان المسلمين إلا ليمارسوا نشاطا إسلاميا هادئا، ولم يعدوا أنفسهم لمثل هذه الاعتقالات.

ولكن عندما انتهت الأزمة بانتصار الإخوان خفت حدة هجوم هذه الطائفة من داخل الجماعة، وتحولت إلى مجرد طائفة تبدي نصحها للقيادة، مع استعدادها للسمع والطاعة فيما تقرره في هذا الشأن، ومن ثم، فإن هذه المجموعة لم يكن له إلا اثر سلبي طفيف على كيان النظام وتشكيلاته في عهد المرشد العام الجديد، وقد ظهر من بين أفكار هذه الفئة، فكرة ضرورة محاكمة قيادة النظام الخاص بسبب كل ما قام به هذا النظام من أعمال، ولم يكن لد قيادة النظام الخاص أي اعتراض على تنفيذ هذه الفكرة، بل إنهم أيدوها وطالبوا بها المرشد العام ليكون العمل في المستقبل مبنيا على خبرات الماضي الصحيحة.. ولكن فضيلة المرشد العام الجديد (يرحمه الله) رفضها حيث قال: إن أعمال الماضي اجتهادات.. للمخطئ أجر وللمصيب أجران.

(أ‌) من هو الأخص صلاح شادي:

كان الأخص صلاح شادي ضابطا من ضباط البوليس، ظهر منه حب الدعوة، واستجابته للداعية الأول الإمام الشهيد، فاخرط في صفوفها، وتدرج في تحمل المسئوليات فيها حتى صار رئيسا لقسم من أقسام الدعوة العامة هو قسم الوحدات.. وكان اختصاص هذا القسم هو العمل على نشر الدعوة بين ضباط البوليس، وبين أفراد الوحدات الفنية بالقوات المسلحة.. ومن ثم كان كل الإخوة الذين يعملون تحت قيادته عسكريين، لا ينقصهم إلا التفقه في الدين، والعمل الجاد في خدمة الدعوة، في كل الميادين، ومنها الميدان العسكري إذا لزم الأمر.

(ب‌) صلاح شادي يرغب في الانضمام لقيادة النظام الخاص:

(ت‌) لما أحس الأخ صلاح شادي بوجود تشكيل عسكري داخل صفوف الجماعة، رغب في أن يشارك في مسئوليته، وعرض ذلك على الإمام الشهيد، فلم يشأ الإمام الشهيد أن يبعث به إلى الأخ عبد الرحمن السندي مسئول النظام، ليضعه تحت المراحل المختلفة، التي لابد أن يجتازها عضو النظام، ولم يشأ أن يصارحه بأن طلبه الانضمام إلى قيادة النظام مباشرة غير مقبول نظاميا، ولكنه أراد أن يأخذ صلاح بنفسه القرار في شأن طلبه، حرصا منه على إرضاء الأخ لتفانيه في العمل من أجل تحقيق مبادئ الدعوة، في حقل من أهم حقولها هو ضباط البوليس ووحدات الجيش . فاصطحبه معه إلى اجتماع من اجتماعات قيادة النظام السري، وكان هذا الاجتماع بمنزل الأخ الكريم الأستاذ عبد الرحمن السندي (يرحمه الله).

(ج‌) كيف بدأت عداوة الأخ صلاح شادي للنظام الخاص وقيادته:

وفي الاجتماع طرح الإمام الشهيد رغبة الأخ صلاح شادي، في الانضمام إلى مجموعة قيادة النظام للمناقشة ، فتكلم الأخ عبد الرحمن السندي مبديا أن هذا الطلب مخالف للنظم الموضوعة لإعداد جندي النظام، وأشار غلى أن حضور الأخ صلاح شادي هذه الجلسة دون علم سابق من قيادة النظام، هو في حد ذاته مخالفة نظامية، وقد أيد جميع أعضاء قيادة النظام كلام الأخ عبد الرحمن السندي لصحته، ونظر المرشد العام إلى وجه صلاح ليقرأ انطباع هذا الكلام على وجهه، وكان واضحا أن صلاح قد اقتنع بصحة هذه النظرة النظامية للموضوع، فدعاه المرشد العام لمصاحبته عائدين إلى لمركز العام.

ولكن الذي ظهر بعد ذلك مما نشره الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) أن الأمر لم يمر على نفس صلاح يسيرا، بل أسرها في نفسه، وحملها عداوة شخصية للنظام الخاص بصفة عامة ولعبد الرحمن السندي بصفة خاصة.

(د) رأي قيادة النظام الخاص في نشاط صلاح شادي:

والحقيقة أن هذا الذي استقر في نفس صلاح لم يشعر به أحد من رجال النظام الخاص، طوال حياة الإمام الشهيد، ولم يتعد الظن به أكثر من أنه يحاول أن ينافس النظام الخاص بنشاط القسم الذي يرأسه، وهو من العسكريين، ولم يكن لدى قيادة النظام الخاص أي بأس من هذه المنافسة التي لا تخرج عن طاعة الله تبارك وتعالى في قوله جل وعلا: " ختامه مسك وفي هذا فليتنافس المتنافسون" (المطففين: 26).

وقد مرت حياة الإمام الشهيد كلها دون أن يكون لهذا الذي أسره الأخ صلاح شادي في نفسه أثر في سير النظام.. ولكن عندما اغتيل الإمام الشهيد واختير الإمام حسن الهضيبي (يرحمه الله) مرشدا عاما ثانيا للإخوان المسلمين، كان الأخ صلاح شادي من أقرب المقربين إلى الأستاذ الهضيبي (يرحمه الله)، وقد لعب من هذا الموقع دورا بالغ الخطورة على سير النظام خاصة، وعلى سير الدعوة عامة على النحو الذي سيجئ تفصيله فيما بعد.

(أ‌) أثر حرب فلسطين على الفكر العام لضباط الجيش المصري:

كان للنظام الخاص فرع داخل الجيش يخضع لجميع القواعد الموضوعة لجندي النظام الخاص بين المدنيين، وكانت قيادة هذا الفرع موكولة إلى خمسة من الإخوان هم عبد المنعم عبد الرؤوف (يرحمه الله) وأبو المكارم عبد الحي وصلاح خليفة وجمال عبد الناصر وحسين حمودة، وكان كل من هؤلاء الخمسة يقود خمسة.. وهكذا على نفس الوارد وصفه في الجزء الأول من هذا الكتاب.

وكان جمال عبد الناصر يعمل " ضابط أركان حرب الكتيبة" التي حوصرت في الفالوجا في حرب فلسطين، وقد أسهم الإخوان المسلمون المتطوعون في حرب فلسطين في تموينها حتى فك حصارها، وعادت إلى أرض الوطن سالمة بعد أن أسر اليهود قائد فصيلة تموين هذه الكتيبة من الإخوان وهو الأخ الكريم معروف الحضري (يرحمه الله) أحد أفراد الإخوان المسلمين من ضباط القوات المسلحة الصالحين.

وقد شعر ضباط القوات المسلحة جميعا على أثر هزيمتهم في حرب فلسطين بالاستياء من الملك فاروق بعد أن كانوا يكنون له كل عطف وتقدير عقب حادث 4 فبراير 1942 فقد ظهر لهم خلال هذه الحرب أنه تآمر على الجيش، وتاجر في أرواح رجاله بصفقة السلاح الفاسدة وتسبب في ضياع فلسطين، والإساءة البالغة إلى سمعة الجيش المصري العالمية، وجسارة القضاء على الإخوان المسلمين ثم قتله لإمامهم رغم ما أبدوا من بسالة في قتال اليهود، وحماية خطوط الجيش في حرب فلسطين.

ومن ثم فقد كثر الحديث بين ضباط الجيش الذين اشتركوا في هذا الإحساس في مجالسهم الشخصية حول هذه الخيانة، وهذا العار، وطريق رد الاعتبار للقوات المسلحة.. وكانت أغلبية هؤلاء الضباط تتوافد على منزل الفريق عزيز المصري (يرحمه الله) الذي كان يسبقهم في معرفة هذه الحقائق، وأكثر منها منذ أن كان وصيا على الملك فاروق مع أحمد حسنين باشا، ، ولمس بنفسه كيف كان أحمد حسنين باشا ييسر للملك فاروق وهو طالب في لندن طريق الانحراف، بينما كان عزيز المصري يأمل أن يجعل من فاروق ملكا صالحا كفأ، فلما غلب جانب الشيطان على جانب الإنسان في الملك فاروق كان ما كان.

ولهذا السبب ولغيره من الأسباب التي كان يعلمها الفريق عزيز المصري فإنه كان يجاهر بالدعوة إلى خلع الملك فاروق من قبل وجود تنظيم الضباط الأحرار، وكان ينفث في روح كل من يتعاطف معه من الضباط روح الرجولة والكرامة والشرف، وحتمية التخلص من الملك فاروق بعد أن ساءت سمعته الشخصية والدولية، وفاحت رائحتها فأصبحت تزكم الأنوف. وقد عرفني الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف أحد ضباط الإخوان المسلمين في الجيش بالفريق عزيز المصري، ودعت ظروف العمل الوطني إلى أن أجلس معه أكثر من مرة، فأنا هنا أنقل عنه ما سمعته أذناي. والله على ما أقول شهيد.

(ب‌) كيف استفاد جمال عبد الناصر من الفكر الجديد لضباط الجيش:

لقد أحس جمال عبد الناصر بكل هذا الذي يدور في أذهان بعض ضباط الجيش، وشعر أن الفرصة مواتية في هذه الظروف لتنظيم هؤلاء الثائرين، وقيادتهم إلى عمل يخلص البلاد من فاروق وعهده، ولكن جمال عبد الناصر كان عضوا في تنظيم خاص، وأقسم على المصحف على السمع والطاعة له ولم يكن بوسعه أن يتقدم خطوة واحدة في هذا الذي فكر فيه قبل أن يحصل على إذن من قيادته في هذا التنظيم، ولم يكن في مقدوره وفقا لقواعد النظام الخاص أن يتصل بالمرشد العام للإخوان المسلمين في هذا الشأن إلا عن طريق الأخ " عبد الرحمن السندي" قائد النظام الخاص (يرحمه الله).

وكان عبد الرحمن السندي حبيسا على ذمة قضية السيارة الجيب في ذلك الوقت، ولكن لظروفه الصحية قررت النيابة أن يكون نزيلا بمستشفى قصر العيني تحت حراسة مشددة، حتى يتلقى العلاج الطبي ألزم لحالته الصحية الخطيرة وهي الروماتيزم بالقلب.. فأخذ جمال عبد الناصر يتردد على عبد الرحمن السندي في مستشفى قصر العيني ويعرض عليه فكرته وهي: " أننا إذا قصرنا أنفسنا على ضباط الإخوان المسلمين فإننا لن نستطيع أن نعمل عملا مؤثرا في جيلنا لأن المتدينين من الضباط قلة في الجيش، لا يمكنها بنفسها فقط أن تعمل مثل هذا العمل. بينما الآن توجد أعداد كبيرة من الضباط في كل أسلحة الجيش ، ثائرة على ما آلت إليه الأمور في مصر، وهم وإن كانوا غير متدينين، إلا أنهم وطنيون يحملون رؤوسهم على أكفهم من أجل تصحيح الأوضاع المنهارة.

وقد ثبت فيما بعد أن جمال عبد الناصر لم يكن يعرض اقترحه هذا من فراغ، فقد كثر نشاطه بعد مقتل الإمام الشهيد، وتصور أن جماعة الإخوان المسلمين قد قضي عليها ، فتحدث في هذا الأمر مع كثير من ضباط الجيش سواء ممن كانوا أعضاء معه في النظام الخاص، أو من العناصر غير المتدينة، وتحقق من أن بوسعه جمعهم جميعا في تنظيم سري جديد هو تنظيم الضباط الأحرار.

(ج)كيف واجه عبد الرحمن السندي الفكر الجديد لجمال عبد الناصر:

لم يكن عبد الرحمن السندي بحكم سلطاته يملك أن يتخذ قرارا فيما يطلبه جمال عبد الناصر.. فمثل هذا القرار من اختصاص المرشد العام، وكان الإخوان المسلمون قد اختاروا فعلا في هذا الوقت الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا عاما بقرار وقعه أعضاء الهيئة التأسيسية بالتمرير.. حيث لم تكن الجماعة قد استعادت وضعها القانوني بعد، ولم يكن في الإمكان اجتماعها لمناقشة اختيار مرشد عام جديد في اجتماع علني للهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، فاستمهل عبد الرحمن جمالا حتى يتم عرض هذا الاقتراح على المرشد العام الجديد.

وقد شاءت الإرادة الإلهية أن يخرج عبد الرحمن السندي من السجن في مارس سنة 1951.. حيث صدر الحك في قضية السيارة الجيب بسجن ثلاثة من أعضاء قيادة التنظيم الخاص ثلاث سنوات، أما عبد الرحمن السندي المتهم الأول في القضية، فقد قضت المحكمة بحبسه سنتين، مراعاة لظروفه الصحية، فخرج وخرج معه العضو الخامس من أعضاء قيادة النظام الخاص، وهو الأخ الكريم الأستاذ أحمد زكي حسن حيث كان الحكم عليه بسنتين فقط.

فلما خرج عبد الرحمن من السجن، اصطحب معه جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف عضو مجموعته في تشكيل ضباط النظام الخاص بالجيش إلى المرشد العام وطلب من جمال عبد الناصر أن يعرض فكرته عليه، فلما عرضها عليه قال المرشد العام إنه يوافق على فكرته كعمل وطني.. ولكن التنظيم الذي يقترحه لتحقيقها، لن يكون تنظيما إسلاميا لطبيعة الضباط الذين سينضمون إليه.. ومن ثم ، فلا بأس من أن يشكل جمال عبد الناصر التنظيم الذي يراه قادرا على تحقيق هذا الهدف الوطني، وأن يكون هذا التنظيم صديقا للإخوان المسلمين وليس من تنظيماتها. ذلك لأن العمل الوطني جزء من دعوة الإخوان المسلمين.. ولكن دعوة الإخوان المسلمين لها أهداف ومبادئ أبعد وأوسع من مجرد حدود الوطن .. فأهدافها عالمية ومبادئها إنسانية منزلة من لدن رب العالمين.

(د) عبد الناصر يصبح صديقا للإخوان بعد أن كان واحدا منهم:

وقد خرج عبد الناصر من هذا اللقاء صديقا للإخوان بعد أن كان واحدا منهم، له هدف وطني يسعى لتحقيقه، بجنود لا يشترط فيهم التدين ، مع وعد من المرشد العام بأن يقف تنظيم الإخوان إلى جواره في حركته التي عزم على القيام بها إذا ما حان وقت الجد.

وقد طلب جمال من المرشد العام اختيار ضباط اتصال بينهما فاختار له، الأخ صلاح شادي ولم يكن لدى عبد الرحمن السندي أي مانع من هذا الاختيار، فالأمر للمرشد يقر فيه ما يشاء، خاصة وأن قيادة النظام كانت مشغولة بمعالجة السلبيات الأخرى الكائنة في جسد الجماعة، والمناوئة لفكرة النظام الخاص، وتنظيماته داخلها.. حيث لا يمكن الاعتماد على مثل هذا النظام إلا إذا انتظمت صفوفه تحت قيادة المرشد العام انتظاما تاما.

وقد كان لقرار المرشد العام- بشأن إطلاق يد جمال عبد الناصر في إنشاء التنظيم الوطني "الضباط الأحرار" واختيار الأخ صلاح شادي ضابط اتصال بينه وبين جمال عبد الناصر- أثر كبير على سير الجماعة وعلى دور النظام الخاص، سيأتي تفصيله فيما بعد.

(هـ) الأصل الذي صدرت عنه هذه المعلومة :

لابد لي قبل أن أنتقل من هذه النقطة الأخيرة، ذات الأثر الخطير على سير الجماعة ، وسير النظام الخاص، أن أذكر الدليل الذي أستند عليه فيها وقد وقعت هذه الواقعة، وأنا لا أزال حبيس السجن ولم أكن من شهودها.

وإنني أقرر أنه لما كانت هذه الواقعة بين أربعة لا خامس لهم إلا الله، وقد نقلها إلي الأخ عبد الرحمن السندي، بعد أن خرجنا من السجن. وعندما تطورت الأحوال بين قيادة النظام وبين المرشد العام الجديد تطورا أدى إلى استقالة قيادة النظام الخاص مجتمعين، ثم أصدر مكتب الإرشاد قرارا بفصل ثلاثة هم الإخوة: عبد الرحمن السندي، ومحمود الصباغ، وأحمد زكي حسن، بالإضافة إلى أخ رابع من رجال الصف الثاني هو الأخ أحمد عادل كمال، ثم تطورت الأمور، إلى حد أوجب علي عرض الأمر على الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، حررت مذكرة عن قضية النظام الخاص برمتها مع فضيلة الإمام الأستاذ حسن الهضيبي (يرحمه الله) من ساعة اختيار فضيلته مرشدا عاما حتى قرار الفصل، وكانت وقائع هذه القضية جميعها تحت سمعي وبصري، إلا هذه الواقعة فقد جاءتني نقلا عن الأخ عبد الرحمن السندي، فطلبت منه حرصا على أمانة التاريخ، أن يوقع على ما كتبت تسجيلا للأحداث التي أدت إلى استقالة أعضاء قيادة النظام الخاص الخمسة، ليكون شاهدا معي على كل الأحداث التي رأيناها وعايشناها مجتمعين، ويكون مسئولا وحده أمام الله عن هذه الواقعة التي لم يشهدها أحد من الإخوان المسلمين غير عبد الرحمن السندي، وعبد المنعم عبد الرؤوف، وكانت تدور بين المرشد العام للإخوان المسلمين وبين جمال عبد الناصر، بصفته عضوا في التنظيم الخاص وله رأي جديد في أسلوب العمل.

وسوف يجد القارئ نص هذه المذكرة كما وزعت على جميع أعضاء مكتب الإرشاد وجميع أعضاء الهيئة التأسيسية في حينها (في سنة 1953) في الفصل التاسع من هذا الكتاب إن شاء الله ، وقد أرسلتها بالبريد لكل هؤلاء الأعضاء بعد أن تمت كتابتها على الآلة الكاتبة وطباعتها على الاستنسل بمعرفة إحدى مجموعات النظام الخاص، وكان من بينها الأخ أحمد عادل كمال، وهو الرجل الرابع الذي قرر مكتب الإرشاد فصله من الدعوة ومن الجماعة، مع الثلاثة السابق ذكرهم من أعضاء قيادة النظام، وقد وقعت هذه الوثيقة في ثلاث عشرة صفحة فلوسكاب.

وإنني أعتبر توزيعي لهذه الوثيقة على كل أعضاء مكتب الإرشاد وعلى كل أعضاء الهيئة التأسيسية في وقت المصالحة بين مكتب الإرشاد العام، وبين قيادة الثورة لا وقت الخصام، وسكون الجميع عما ورد فيها توثيقا لها يجعل لها قيمة تاريخية حقيقية.. وسوف أذكر تفاصيل عرض هذه الوثيقة على المسئولين في الإخوان المسلمين في الفصل التاسع من هذا الكتاب إن شاء الله .

(د) رؤية فضيلة الأستاذ محمد حامد أبو النصر لهذه الوثيقة:

ولقد تعجبت كثيرا وأنا أقرأ مذكرات فضيلة الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين التي نشرت في جريدة "المسلمون" وإذا به يشير إلى هذه الوثيقة فيقول: أما محمود الصباغ فلم أره من قبل.. ولكن وصلتني منشوراته ضد الهيئة التأسيسية وضد مكتب الإرشاد..

فعلمت أن الله على كل شيء قدير، قدير إذا أراد لقضائه أن ينفذ أن لا يحول دون قضائه حائل.. لقد شاء الله أن ينظر رجل عالم فقيه مجاهد مخلص ألمعي مثل الأخ" محمد حامد أبو النصر" إلى هذه الوثيقة على أنها منشورات ضد الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد، وما كانت إلا طلبا لدعوة الهيئة التأسيسية للاجتماع لمناقشتها، ولم يكن هناك أي مانع قانوني في هذا الوقت من اجتماع الهيئة التأسيسية حيث كانت الجماعة لها وضعها القانوني القائم الذي يطلق نشاطها كما تشاء.. سواء بالاجتماع أو الصحافة، أو الخطابة، أو كل الوسائل التي تراها لنشر الدعوة، دون أدنى اعتراض السلطة.

وأشهد الله، أنه لولا أنني وزعت هذه الوثيقة على المسئولين في الإخوان المسلمين، الذين يحملون أمانة هذه الدعوة المباركة قانونا، أمام الله، وأمام الناس، لمت كمدا من هول ما رأيت من صنوف القمع والاضطهاد التي حاقت بالإخوان المسلمين عندما دخلت في الصدام مع حكومة الثورة ، أو دخلت حكومة الثورة معها في الصدام.. فالأمران يتساويان.. فقد أراح قلبي أنني بذلت أقصى ما يستطيعه بشر لأبصر إخواني بالحقيقة المخلصة التي لا يشوبها أدنى غرض، ولكن يبدو أن أصوات الإعداد لصارع بين الطرفين، كانت أقوى بكثير من صوت قلم ضعيف، لرجل مفصول من الجماعة بقرار من مكتب الإرشاد، يريد أن يجلي الحقيقة.

الفصل الثاني الآثار الخطيرة التي ترتبت على هذه السلبيات في ظل القيادة الجديدة للإخوان

أول اتصال بين قيادة النظام الخاص، وبين القيادة الجديدة للدعوة وإعلان الإمام الهضيبي مرشدا عاما

عندما خرج باقي أعضاء قيادة النظام من السجن في سبتمبر سنة 1951، لم يكن من حقهم الاجتماع قبل إعلان فضيلة الإمام الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا عاما للإخوان المسلمين.. حيث أن القاعدة الأساسية لوجود النظام الخاص أن يكون نظاما ملحقا بالمرشد العام، يأتمر بأمره، في كل ما يقع من اختصاص هذا النظام فاستمتع أعضاء النظام بفترة راحة حتى اجتمعت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين اجتماعا حضره الإمام الهضيبي، وأعلن فيه اختيار فضيلته مرشدا، وأقسم فيه اليمين أمام أعضاء الهيئة التأسيسية.. فكان ذلك إيذانا قيادة النظام الخاص بتسليم نفسها إلى المرشد الجديد.

حضرت من بلدتي على الفور واتفقت مع إخواني عبد الرحمن السندي، وأحمد حسنين، ومصطفى مشهور، وأحمد زكي حسن، على ضرورة أن نسعى فورا لنتصل بالإمام الهضيبي، ونضع بين يدي فضيلته وضع النظام الخاص، ونظامه وأهدافه ، وما يقابله حاليا من سلبيات، ومرئياتنا في مواجهة هذه السلبيات.

وقد اتفقنا على تكليف الأخ أحمد زكي حسن، بالاتصال بفضيلة الأستاذ الهضيبي لتحديد موعد لهذا الغرض، وكان الأستاذ الهضيبي قد بدأ أعماله بإجراء تعديل في مسئوليات أعضاء مكتب الإرشاد، فاختار الأخ الكريم الشهيد عبد القادر عودة وكيلا، بدلا من الأخ الكريم الأستاذ صالح عشماوي الذي كان وكيلا للجماعة في حياة الإمام الشهيد، والذي قاد مسيرتها حتى استعادت وضعها القانوني عقب انتصار الإخوان في معركة سنة 1948، وقد رأى الإمام الهضيبي أن ينيب الأستاذ عبد القادر عودة عنه في الاتصال بقيادة النظام الخاص.

ولابد لي أن أسجل هنا أن ألأخ الكريم الشهيد عبد القادر عودة كان من قضاة مصر اللامعين، وأنه اشتهر بحبه لدعوة الإخوان المسلمين، ومناصرته لها، وأنه استخدم قلمه في تأليف كتاب قيم عن " التشريع الجنائي في الإسلام" إسهاما منه في تحقيق هدف الدعوة الكبير، وهو أن تكون الشريعة الإسلامية هي أساسا الحكم في مصر، وقد لقي ترشيحه وكيلا عاما للجماعة تأييدا من كل الإخوان، اعترافا بعلمه وفضله.. ولكن هذا الاختيار كان له تأثير سلبي على كيان النظام الخاص، ففضيلته لم يكن من الذين اندرجوا في تنظيمات الجماعة بحكم عمله في سلك القضاء، وقد جرى العرف في مصر على أن يبتعد رجال القضاء عن الأعمال العامة، حتى يظلوا محايدين، أمام جميع المتخاصمين أمامهم من شعب مصر.

وقد كان فضيلته عند اختياره وكيلا للإخوان المسلمين، رئيسا لإحدى الدوائر القضائية في مصر، بينما كان فضيلة الإمام الهضيبي حين تم اختياره مرشدا عاما للإخوان المسلمين وكيلا لمحكمة النقض والإبرام أعلى درجات المحاكم في مصر.

وهكذا شاءت إرادة الله أن يكون كل من المرشد العام الجديد، للإخوان المسلمين، والوكيل العام الجديد للإخوان المسلمين، من رجال القضاء الذين اكتسبوا حكمهم على الأشياء من واقع ما يعرض عليهم من أوراق فلم يسبق لهما ممارسة النشاط الشعبي في الحركات العامة، بحكم مناصبهما القضائية التي تفرض عليهما هذا الابتعاد.. ولم يكن لديهما أي خلفيات عن التفصيلات الدقيقة لنشاط جماع الإخوان المسلمين، مع أنه كانت نظرتهما عامة وشاملة للفكر الإسلامي، وكان إيمانهما بالدعوة، وأهدافها، وضرورة التضحية والفداء في سبيلها إيمانا عميقا.. ولا نزكي على الله أحدا.

(ب)لماذا رحب الإخوان المسلمون بالقيادة الجديدة؟

لعل من الأسباب النفسية التي جعلت ترحيب الإخوان المسلمين باختيار الأخوين الكريمين لقيادتهم الجديدة ترحيبا عاما وشاملا هو أن هذا الاختيار يثبت في نفوس الإخوان الأمن والاطمئنان بأنهم رجال دعوة مسالمون ملتزمون بالقانون، وينفي عنهم ما كرسته وسائل الإعلام الحكومية والعالمية ضدهم بأنهم خطرون على الأمن وخارجون على القانون ، فينعمون ببعض الراحة والاستقرار بعدما لا قوه في سجون إبراهيم عبد الهادي ومعتقلاته من صنوف التعذيب، وألوان القمع، ما تقشعر له الأبدان.. مع أنهم من كل ما نسب إليهم أبرياء، كما ثبت ذلك بأحكام القضاء الواردة تفصيلا في الجزء الأول من هذا الكتاب.

كما ضاعف من شعور الإخوان بالاطمئنان لاختيار فضيلة الإمام الهضيبي مرشدا لهم أنه كان على صلة وثيقة بأحد رجال القصر الملكي، وهو أمر يحقق الرضا السامي على الإخوان ويؤمنهم من مغبة هجمة شرسة جديدة ضدهم، ويمكنهم من العمل على نشر دعوتهم في جو مشوب بالطمأنينة والاستقرار، خاصة وقد أعرب الملك فاروق عن تراجعه في تنفيذ خطة المستعمرين للقضاء على الإخوان المسلمين.. فأقال إبراهيم عبد الهادي باشا في يوم عيد من أعياد المسلمين، وأعلن أن هذه الإقالة هي هدية الملك للشعب.

ولم يكن على الإخوان من تثريب في هذا كله، لأنه يعبر عن حقيقة سياسة دعوة الإخوان المسلمين.. فليس من مبادئ الدعوة مناصبة أي حكومة مسلمة العداء.. ولكن واجبها هو دعوة الحكام المسلمين إلى تطبيق شريعة الإسلام.. خاصة وأن دستور البلاد ينص على أن الإسلام هو الدين الرسمي.. أما الجهاد والنضال فهو موجه ضد المحتل الأجنبي والصهيوني المغتصب ولا يملك الإخوان بحكم مبادئهم التقاعس عن الاشتراك في هذا النضال وإلا كانوا عصاة لربهم، قوالين لا فعالين لمبادئهم التي عاهدوا الله عليها.

(جـ) المقابلة الأولى مع الأخ الشهيد عبد القادر عودة (يرحمه الله):

اتصل الأستاذ عبد القادر عودة بالإمام الهضيبي، ليحدد موعدا لمقابلة قيادة النظام، بناء على طلب الأخ أحمد زكي حسن مندوب هذه المجموعة.. فرأى الأستاذ الهضيبي أن ينتدب عنه الأخ عبد القادر عودة ليكون صلة بين المرشد العام وبين قيادة النظام، في كل ما يتعلق بشئون هذا النظام.

وإطاعة لهذا الأمر اجتمعنا بالأخ عبد القادر عودة الذي كرر في أول اجتماع لنا معه ما نقله عنه الأخ أحمد زكي حسن، وهو أن أمور النظام الخاص هي من اختصاص المرشد العام وحده، وأنه مجرد صلة بيننا وبين المرشد العام ينقل إلينا آراء المرشد العام وتعليماته في أي شأن من شئون النظام الخاص دون أن يكون له فيها رأي، وأنه مفوض أن يجتمع بنا على هذا الأساس، وأن ينقل إلى فضيلة المرشد العام، ما يدور بيننا أولا بأول، وينقل إلينا أوامره إزاء أي نقطة من ا لنقط التي يدور حولها البحث.

وقد بدأنا الاجتماع بتوضيح رسالة النظام الخاص، والأسباب التي تجعل من الضروري أن يكون اتصاله بالمرشد العام مباشرة، وأهمية ألا يستمر هذا النظام إلا إذا كانت ثقة المرشد العام بقيادته ثقة تامة، حتى يبذل الجهد المستطاع لإزالة السلبيات المتخلفة عن معركة 1948، سواء داخل بعض أعضاء النظام أو داخل بعض أعضاء الجماعة في الدعوة العامة، واقترحنا على فضيلته أن يدرس الإمام الهضيبي فكرة النظام الخاص من حيث المبدأ.. هل تقوم في عهد فضيلته أو لا تقوم، كما طلبنا أن يدرس مع فضيلته كل ما يدور في صفوف الإخوان حول المسئولين عن النظام في الفترة السابقة لعهده، ويبحث جميع تصرفاتهم السابقة ويقضي فيهم بأمره. إما التغيير أو الإبقاء.. فذلك حقه الذي لا ينازعه فيه أحد.. وكان من بين الآراء الناضجة التي قيلت هو وجوب تغيير جميع إخوان النظام الخاص الذين اتهموا في القضايا، وأصبح أمرهم معروفا للحكومة.. ولم يكن لدى قيادة النظام الخاص أي اعتراض على تنفيذ هذه الفكرة لولا أن فضيلة الأستاذ الهضيبي رفضها قائلا إن كل أعمال الماضي اجتهاد، للمخطئ أجر وللمصيب أجران، وأنه ليس من الحكمة التفريط في هذه الخبرة الطويلة لقيادة النظام الخاص.

وقد حرصنا في هذا اللقاء على أن نوضح خلاء أن تعبير أشخاصنا أو الإبقاء عليهم لقيادة هذا النظام هو أمر لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لنا شخصيا، وأن أهم ما نطلبه هو أن يصدر قرار القيادة بعد الدراسة والتمحيص.. فإذا صدر الأمر أصبح غير قابل للتعديل، حتى لا تتخبط في وسائلنا ولا تتفكك بذلك روابطنا.

(د) المقابلة الثانية مع الأخ الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة :

التقينا مع الأخ الشهيد عبد القادر عودة اللقاء الثاني بعد أن قابل الإمام الهضيبي وبحث معه كل ما ذكرناه له في اجتماعنا الأول.. وقد أبلغنا فضيلته في هذا الاجتماع قرارين من المرشد العام:

1- أن النظام الخاص أمر أساسي في دعوة الإخوان المسلمين، وأنه إذا نزع منها يكون بمثابة نزع حرف الخاء من كلمة الإخوان، فتصبح عديمة المعنى.. وبذلك ينبغي أن يسير النظام بأسلوبه وتشكيله، وأن يوضع كل رجل حيث كان في الصف.

2- أنه لا حاجة للمرشد العام ببحث تصرفات الماضي، ثم الحكم لقادة النظام أو عليهم فيما سبق وقوعه من أحداث.. ذلك لأن كل الأعمال في الماضي لا تعدو أن تكون اجتهادا للمجتهد أجران في حالة الصواب وأجر في حالة الخطأ.. ومن ثم، فإن المرشد العام متمسك بضرورة استمرار قيادة النظام كما هي، حتى لا تضيع خبرة مدة طويلة لا يمكن تعويضها.

وقد شرحنا في هذا الاجتماع للأستاذ عبد القادر عودة السلبيات الموجودة داخل الجماعة، وداخل النظام نتيجة لمعركة سنة 1948 ، والتي سبق ذكرها في البند (1) ، (2) ، تحت عنوان الآثار السلبية لمعركة 1948م.. ولكننا لم نذكر شيئا عن البندين (3)، (4)، تحت نفس العنوان لأن هذين البندين لم يكن قد ظهر لهما وجود بعد.

وقد أوضحنا لفضيلة الأخ الشهيد أن معالجة هذين الأمرين بنجاح تتطلب التضامن التام بين القيادة والمسئولين على النظام حتى يمكن القضاء على البلبلة القائمة، فتنتظم الصفوف ويلتزم كل عضو من أعضاء النظام الخاص بموقعه في الصف حيث كان: فأكد لنا وضوح هذه النقطة تماما، وتأكدنا من أن عنصري العاطفة والمجاملة لم يدخلا في اتخاذ هذا لقرار، فتوكلنا على ا لله، نبدأ أول خطواتنا بتنقية النظام من سلبيات معركة سنة 1948.

(هـ) ظهور خطورة أعضاء لجنة الشباب المسلم على انتظام الصف في ظل القيادة الجديدة للإخوان:

كان أول واجباتنا متابعة الدفاع عن إخواننا الذين لا يزالون في السجن على ذمة قضية الأوكار، وقد وفق الله هيئة الدفاع عنهم فصدر قرار من المحكمة بالإفراج عنهم جميعا، وكان من بين المفرج عنهم الإخوان جمال عطية، وإسماعيل على، من إخوان لجنة الشباب المسلم فانضم إليهما الإخوة الذين يشاركونهم الاعتقاد بفكرتهم مثل الأخ الكريم الأستاذ أحمد البساطي (يرحمه الله) .. وقد كان هؤلاء الإخوة من خيرة إخوان النظام الذين حملوا فكرة إلغائه على النحو الذي ذكرناه سابقا.

وكنا قد تواعدنا معا ونحن معهم بالسجن على تأجيل النظر في هذا الأمر إلى حين عرضه على المرشد العام الجديد للإخوان المسلمين، لأنه هو وحده صاحب القرار في إبقاء النظام الخاص أو إلغائه.

فلما خرج هؤلاء الإخوة من السجن أبلغناهم بقرار المرشد العام في شأن نظريتهم الجديدة عن النظام الخاص، حتى نسير معا في صف منتظم، في ظل القيادة الجديدة للإخوان، وقد حددت لهم موعدا مع الأستاذ عبد القادر عودة، حتى يستمعوا فيه بأنفسهم إلى هذا القرار من فضيلته، ولم تكن فكرتنا من هذا الاجتماع خوفا أن يكذبونا.. فمثل ذلك لم يكن له وجود بيننا، ولكن فكرتنا كانت المعاونة في اطمئنان هؤلاء الإخوان إلى جدوى العمل الذي يكلفون بالقيام به في صفوف الجماعة فيحسنون أداءه.. فليس من السهل أن تنتزع من أذهان إخوة بحثوا نظريتهم بحثا علميا واسعا، بمجرد تبليغهم بقرار.. ولكن لابد أن تتاح لهم الفرصة لمناقشة هذا القرار مع وكيل الإخوان الممثل الشرعي للمرشد العام في شئون النظام الخاص، فتستقيم طاعتهم في الصف، وتنسد عنهم منافذ الشيطان.

وقد تم بالفعل لقاء الإخوة جمال عطية وإسماعيل على وأحمد البساطي بالأخ عبد القادر عودة الذي حدد لهم في حضوري ما استقر عليه رأي فضيلة المرشد العام كيفما أراد، وانتهى الاجتماع بإعلانهم السمع والطاعة.

ولكننا لاحظنا أن الإخوة لم يلتزموا بالسمع والطاعة في هذا الأمر على غير عادة الإخوان، وببحث هذه الظاهرة تبين لنا أن الإخوة إسماعيل على وجمال عطية وأحمد البساطي قد ضموا إليهم الأخ محمود نفيس حمدي وتحدثوا مع الأستاذ عبد القادر عودة في أمر النظام مباشرة، وأنهم أقنعوا الأستاذ عبد القادر عودة قبل إبلاغهم بذلك في أن هذا الأمر ليس من اختصاصه أصلا، وأن عليه قبل أن يعلنهم باقتناعه وعزمه على تغيير ما تم الاتفاق عليه أن يستلهمهم حتى يعرض الأمر على المرشد العام.. وبانكشاف هذا الذي حدث اتضح لنا السبب الذي من أجله بقي هؤلاء الإخوة خارج الصف يدعون إلى إلغاء النظام الخاص، رغم ما صدر لهم أمامنا من تعليمات على لسان الأستاذ عبد القادر عودة.

(و) تشكيل لجنة لإعادة النظر في أمر النظام:

كان من مظاهر البلبلة التي أحدثها إخوان لجنة الشباب المسلم، في فكرة الأخ عبد القادر عودة عن النظام الخاص أن دعا فضيلة المرشد العام لتشكيل لجنة منا نحن الخمسة أعضاء قيادة النظام، على أن ينضم إليها الإخوة الدكتور حسين كمال الدين والحاد حسني عبد الباقي وهما من أعضاء مكتب الإرشاد تحت رئاسة الأستاذ عبد القادر عودة لدراسة ما إذا كان من الأفضل تعديل بعض نظم النظام، وما هي أحسن الوسائل للسير به مستقبلا ، وقد جاءت اجتماعات هذه اللجنة بعد قيام الثورة.

وقد ظهر في هذه الاجتماعات أن كلا من الأستاذ عبد القادر عودة والدكتور حسين كمال الدين (يرحمهما الله) يريان إمكان تحقيق فريضة الجهاد بغير حاجة إلى النظام الخاص، وقد كان من حججهم أن الحكومة فتحت ميادين التدريب وأنه يمكن تدريب الإخوان جميعا على استعمال السلاح بدون حاجة إلى الجهد الضخم الذي يستوجبه هذا العمل داخل صفوف النظام.

وقد عارضنا جميعا هذا الرأي لأننا نعلم أن أهداف الثورة تختلف عن أهداف الجماعة، وأن التربية في النظام لا تقتصر على تدريب عضو النظام على استعمال السلاح.. ولكنها تربية خاصة على أعمال خاصة تقتضيها مصلحة النضال ضد عدو شرس بقوى غير متكافئة.

وقد أشركنا معنا في المناقشة الإخوة الدكتور محمد خميس حميدة وصالح عشماوي ويوسف طلعت في آخر.. هذه الاجتماعات، وكانوا متفقين معنا في الرأي والأخ حسني عبد الباقي وأما الأستاذ عبد القادر عودة والدكتور حسين كمال الدين فقد ثبتا على رأيهما.

(ز) قيادة النظام تطلب أن يكون اتصالها مباشرا بالمرشد العام:

وإزاء هذا التعديل في رأي الأستاذ عبد القادر عودة طلبنا منه أن يبلغ فضيلة المرشد العام حرصنا على أن يكون اتصالنا بالمرشد العام مباشرة، حيث ظهر لنا أن الأستاذ عبد القادر عودة قد أدلى برأي في شأن النظام قبل أن يعرضه على المرشد العام خلافا للقاعدة المقررة، وهي أنه غير مختص بإصدار قرارات بشأن النظام، ما لم تصدر عن المرشد شخصيا ثم ينقلها إلينا، وهي قاعدة قديمة قدم النظام، وتجدد الاتفاق عليها فور تعيين الأستاذ عبد القادر عودة ليكون صلة بين المرشد وقيادة النظام الخاص.

كما أننا شعرنا أنه من واجبنا أن نطمئن إلى أن وجهة نظرنا تنقل بوضوح إلى المرشد العام، وذلك لا يتم إلا باللقاء الشخصي، خاصة وقد ظهرت وجهة نظر جديدة لم يشترك المرشد العام في إبدائها، ولم نبلغ أنها عرضت على فضيلته.

(ح‌) ما الذي دعا الأستاذ عبد القادر عودة إلى أن يبدي رأيا جديدا في تشكيل النظام الخاص؟

ولابد لنا هنا من وقفة نستقرئ فيها هذه الواقعة لنتبين ما هي التغيرات التي طرأت على الموقف لتجعل الأستاذ عبد القادر عودة يبدي رأيا جديدا خلاف الرأي الذي سبق أن أبلغنا به نقلا عن المرشد العام شخصيا، والذي أكده أمام ثلاثة من أعضاء لجنة الشباب المسلم هم الإخوة إسماعيل على، وجمال عطية، وأحمد البساطي.

نلاحظ أنه لم يتغير إلا أمران، الأمر الأول أن الأخ محمود نفيس حمدي انضم إلى زملائه الثلاثة في لقاء مع لأستاذ عبد القادر عودة، وأن انضمام هذا الأخ قد دعا الأستاذ عبد القادر عودة لاحتضان رأي جديد يدعو إليه قبل عرضه على المرشد العام، وهو عدم حاجة الدعوة إلى قيام النظام الخاص.

أما الأمر الثاني فهو قيام ثورة 1952، وأن طلب إلغاء النظام الخاص جاء رغبة من قيادة الثورة، وقد حرص الأستاذ عبد القادر عودة على تلبيتها.. وأحب أن أؤكد أنه لا تثريب على الأستاذ عبد القادر عودة في أن يعمل على إجابة رغبة مجلس قيادة الثورة،فقد كان هذا المجلس على وفاق تام مع قادة الدعوة في هذا الوقت من الزمان.

ولكن المأخذ الوحيد هو نقطة نظام، حيث لم يبلغنا الأستاذ عبد القادر عودة شيئا عن موقف المرشد العام من هذا الرأي الجديد، ولهذا السبب وحده طلبنا إلغاء وساطة الأستاذ عبد القادر عودة بيننا وبين المرشد العام حتى لا يحدث أدنى تعتيم على فضيلته في مجريات الأمور.

وإن المنطق يقول ‘إن الأمر الثاني هو الأرجح، لأن إضافة الأخ محمود نفيس حمدي إلى زملائه لا تمثل جديدا، فهو لا يتميز عن واحد منهم بمنطق جديد ، ولا بمزيد من قوة الشخصية، فقد كانوا جميعا على نفس المستوى من المنطق والثقافة الإسلامية وقوة الشخصية، وخضوعا لهذا المنطق فإنني أستبعد أن يكون الاحتمال الأول هو سبب التغيير، وأرجح أن يكون الاحتمال الثاني هو السبب، ولقد أثبتت الوقائع الحقيقية فيما بعد صدق هذا المنطق، ومطابقته للحقيقة على النحو الذي سيأتي بيانه إن شاء الله، فهذا الاحتمال هو باكورة الصعوبات لناشئة عن البند (4) من سلبيات معركة سنة 1948 السابق بيانها:

أثر هذه المخالفة البسيطة في استواء الصف داخل النظام الخاص:

كان لهذه المخالفة البسيطة التي أقدم عليها فضيلة الأخ الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة بنية مخلصة، وحب أكيد لخدمة الدعوة، أثر خطير على استواء الصف داخل النظام.

فقد أعلن رأيا بصفته وكيل الجماعة يقول بأنه يرى أنه لا داعي للنظام الخاص للقيام بفريضة الجهاد.. حيث فتحت الثورة ميادين التدريب العسكري للشباب في الحدائق العامة والطرقات، وكان إعلانه لهذا الرأي موجها إلى أربعة من أعضاء لجنة الشباب المسلم وهم في نفس الوقت من خيرة رجال النظام الخاص، وأكثرهم حظوة بالتقدير في صفوف النظام، فطار هؤلاء الأربعة من صفوف الإخوان يذيعون هذا الرأي، ويقولون إن قيادة الجماعة لا تقبل باستمرار النظام الخاص، فقد جاء هذا الرأي مطابقا لرأيهم وإن اختلفت المبررات، وصاروا في حل من الإعلان به لأنهم سمعوه من وكيل الجماعة شخصيا وممثل المرشد العام فيما يتعلق بشون النظام الخاص.

وتستطيع أيها القارئ العزيز أن تتخيل حجم الصعوبة التي يشكلها هذا الخروج الذي يبدو يسيرا على قواعد النظام، فإنه يثير بلبلة واسعة النطاق بين أفراد النظام الخاص، لأنهم جميعا يثقون في هؤلاء الإخوة ويعتبرونهم قدوة، ولا يمكن أن يظنوا بهم تقولا باطلا بحال من الأحوال.. ومن هنا تكون البلبلة حيث يترتب عليها أن يطلب إخوان النظام من قيادتهم ما يثبت لهم أن النظام ملتزم فعلا بأوامر المرشد العام وأن ما يقوله هؤلاء الإخوان غير صحيح.

وسر صعوبة علاج هذه المشكلة هو طبيعة النظام السرية ، فأنت لا تستطيع أن تجمع إخوان النظام بالمرشد، ليبلغهم أن ما سمعوه من هؤلاء الإخوان كان سابقا لأوانه، ولم يصدر به قرارا، ولا تستطيع أن تقول لأحد من إخوان النظام أن هؤلاء الإخوة ينقلون إليكم كذبا، فهم صادقون فيما ينقلون إلى إخوانهم، ولم يختلقوا من أنفسهم شيئا.. هذه هي الصعوبة.

(ى) الاجتماع الأول لفضيلة المرشد العام الجديد مع قيادة النظام:

وافق فضيلة المرشد العام على طلب قيادة النظام بأن يكون العمل معها بالاتصال المباشر منعا من تكرار مثل هذا الخطأ (غير المتعمد طبعا) من الأستاذ عبد القادر عودة، وقد تقرر عقد الاجتماع بمنزل الأخ الكريم الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة وحضره من قيادة النظام أربعة فقط حيث اعتذر الأخ عبد الرحمن السندي لمرضه، كما حضر من المستشارين لقيادة النظام وكبار أعضائه الإخوة الدكتور خميس حميدة وصالح عشماوي ويوسف طلعت وحسني عبد الباقي وقد دعا المرشد العام الأخ الكريم الأستاذ حسين كمال الدين لحضور هذا الاجتماع.

وقد تحدث فضيلة الأستاذ الهضيبي في هذا الاجتماع حديثا بين فيه أهمية وجود النظام الخاص ضمن تنظيمات الجماعة، ولكنه أشار إلى ما نسب إلى هذا النظام من أعمال أساءت إلى سمعة الجماعة وقال: " جئت لأطهر الإخوان من الجريمة".

ففهم الموجودون أن فضيلة المرشد الجديد متأثر في نظرته إلى أعمال النظام ضد حكومتي النقراشي وإبراهيم عبد الهادي بما كان ينشر في الجرائد المصرية وقتذاك وله عذره في هذا المفهوم، فهو لم يكن قد انضم إلى صفوف الجماعة بعد، ولم يكن لديه علم بحقيقة هذا الصراع ووسائله، مما اضطرني أن أرد على فضيلته قائلا: إن فضيلتكم تتكلم عن أعمال النظام بنفس المنطق الذي كان يتكلم به إبراهيم عبد الهادي، فاستدرك فضيلته الموقف وقال إنه لم يقصد ذلك أبدا، وإنما يقصد التوجيه إلى ضرورة الحرص على تطبيق الشريعة الإسلامية وعدم مخالفتها في اي عمل من أعمال النظام، فوافقه المجتمعون على ذلك.

كما ظهر في هذا الاجتماع أن الأستاذ عبد القادر عودة كان قد أفهم المرشد العام أن اللجنة التي شكلها لإعادة النظر في أمر النظام الخاص قد اتفقت بالإجماع على الرأي الجديد الذي أعلنه الأستاذ عبد القادر عودة على إخوان لجنة الشباب المسلم، كما ظهر أن المرشد العام قد فوجئ بأنه وجد في هذا الاجتماع غير ذلك.. فقد وجد أن الخمسة المسئولين عن النظام ويشاركهم الإخوة الدكتور خميس وصالح عشماوي ويوسف طلعت وحسني عبد الباقي يعارضون هذا الرأي، وأنه لم يقف بجوار هذا الرأي إلا الأخ عبد القادر عودة، والأستاذ حسين كمال الدين وكلاهما لم يكونا من أفراد النظام الخاص ولا من مستشاريه، كما ظهر من الاجتماع أهمية طلبنا بأن يكون اجتماعا بالمرشد العام مباشرا، حيث أن وساطة الأخ الكريم الأستاذ عبد القادر عودة لم تسهم في علاج الموقف بل زادت الأمر تعقيدا.

وبناء على هذه الحقائق وافق المرشد العام على أن يكون اتصاله بقيادة النظام الخاص اتصالا مباشرا، وحدد لنا موعدا تجتمع به فيه، وقد غضب الأستاذ عبد القادر عودة من هذه النتيجة التي تخالف ما تعجل به وأعلنه على إخوان لجنة الشباب المسلم.

(ك) الاجتماع الثاني لفضيلة المرشد العام الجديد مع قيادة النظام:

تم الاجتماع الثاني لفضيلة المرشد العام مع قياد ة النظام، وقد حضره الخمسة المسئولون دون سواهم، وقد كان من الأمانة أن نعيد على فضيلة المرشد العام كل ما سبق أن قلناه للأخ الكريم الأستاذ عبد القادر عودة بشأن طبيعة النظام الخاص وأهدافه ووسائله والسلبيات التي تعترضه الآن بسبب معركة 1948 وما خلفته من آثار، وما أضافه إليها استعجال الأخ الكريم الأستاذ عبد القادر عودة بإبلاغ أعضاء لجنة الشباب المسلم بقرار لم يكن قد تم الاتفاق عليه بعد، الأمر الذي أدى إلى موقف بالغ الصعوبة أمام قيادة النظام الخاص عند محاولاتها إعادة انتظام الصفوف فيه.

ولقد انتهى الاجتماع بتأكيد من المرشد العام على قراره بشأن ضرورة استمرار النظام الخاص بقيادته السابقة كما هي، وطلب أن تكون الاتصالات به مباشرة في كل ما يتعلق بأعمال هذا النظام، وقد تكررت اجتماعاتنا بفضيلته لمزيد من دراسة أوضاع النظام الخاص، ورأينا أن يجتمع فضيلته بجميع المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم لإعلان قراره عليه حتى تحاصر البلبلة التي أثارها أعضاء لجنة الشباب المسلم بين الصفوف.. وقد تم هذا الاجتماع فعلا وعلم جميع الإخوة المسئولين عن النظام بقرار فضيلة المرشد العام بشأن النظام وقيادته وأخذنا في العمل سريعا على إعادة توثيق صفوف النظام في القاهرة والأقاليم.

معركة القنال- أول تجربة ميدانية لأعمال النظام الخاص في ظل القيادة الجديدة للإخوان المسلمين

(أ‌) إخوان النظام بالإسماعيلية اشتركوا في العمليات التي قادها مكتب الضباط كمال رفعت دون أن يشعر:

اقتضت مصلحة البلاد العليا أن يبدأ شعب مصر مناوشات عسكرية ضد القوات الإنجليزية المحتلة لمنطقة القنال، وقد التقت إرادة الحكومة مع أماني الإخوان المسلمين في الاشتراك في هذه المناوشات بغية إقلاق مضاجع الإنجليز فيضطرون إلى التفكير الجدي في الجلاء عن القتال، وبذلك تكون حكومة الثورة قد نفذت مبدأ من مبادئها الستة ويكون الإخوان المسلمون قد نفذوا مبدأ من أهم مبادئهم الخمسة "الموت في سبيل الله أسمى أمانينا" .

وقد بدأت قيادة النظام في وضع الخطة لعملياتها في القنال، كما كلفت الثورة أحد ضباطها وهو الضابط كمال رفعت بقيادة عمليات عسكرية ضد الإنجليز في القنال، وقد كان مدير مكتب كمال رفعت لهذه العمليات واحدا من خبرة إخوان النظام الخاص بالإسماعيلية، الأمر الذي هيا لكمال رفعت جنودا من أخلص رجال الدعوة الإسلامية أسهموا في إزعاج القوات الإنجليزية إزعاجا شديد الوقع " فقد وضع الأخ الشهيد الأستاذ يوسف طلعت مسئول النظام الخاص عن منطقة الإسماعيلية كل رجاله في خدمة العمليات العسكرية التي تفرضها الظروف، دون أن يعلم الضباط كمال رفعت شيئا عن هوية هؤلاء الرجال أكثر من أنهم ثمار نشاط مدير مكتبه للعمليات، المخلص الأمين، والفدائي المقتدر.

هكذا عمل إخوان النظام في منطقة الإسماعيلية متعاونين مع كمال رفعت إلى أقصى حدود التعاون ومستقلين بكثير من العمليات التي ذكرنا البعض منها تفصيليا في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(ب‌) قيادة النظام تضع خطتها لقيادة المتطوعين من الإخوان النظام وغيرهم من القاهرة والأقاليم:

أعدت قيادة النظام الخاص خطتها للعمليات التي يقوم بها المتطوعون من إخوان النظام، وغيرهم سواء من منطقة القاهرة أو من المناطق الأخرى خارج القاهرة، ووافق المرشد العام عليها، وبدأ التنفيذ فعلا على النحو الذي ذكرنا البعض من وقائعه تفصيليا في الجزء الأول من هذا الكتاب.

(جـ) ظهور الصعوبات التي واجهت قيادة النظام الخاص عند تنفيذ العمليات:

ظهرت الصعوبات الآتية عند تنفيذ الخطة الموضوعة:

1- أن المرشد العام دعا الأستاذ محمود عبده لقيادة عمليات متطوعي الإخوان في منطقة القنال، والأخ محمود عبده هو بطل من أبطال النضال المسلح في فلسطين، وكان من أكبر قادة العمليات الذين اشتركوا في المعارك الفلسطينية سنة 1948 بجنود من الإخوان المسلمين، ومن ثم فإن كفاءته وأهميته وخبرته هي موضع تقدير جميع الإخوان صغيرا وكبيرا، ولكن نقطة النظام التي شعرنا بأنها لم تحقق هي أن فضيلة المرشد العام لم يعلمنا بقراره هذا حتى نبلغ جميع إخواننا في أرض العمليات بهذا القرار، ولكننا لم نشك في أن هناك عمدا في عدم إبلاغنا مسبقا بالقرار لتسليمنا بأن قيادة كل هذه الأنشطة في دعوة الإخوان المسلمين كانت أمرا جديدا على المرشد العام، ولابد أن توجد بعض الثغرات عند التنفيذ. وتقع أهمية هذه النقطة من الناحية النفسية، أن يشعر جنود النظام أن قيادتهم متصلة اتصالا وثيقا بالمرشد، وأنه يبلغها قراراته أولا بأول فيما يتصل بالعمليات العسكرية، فيتم علاج الخلل الذي أحدثته الثغرة الأولى التي فتحتها مجموعة الشباب المسلم في الصفوف.. ولكن ذلك لم يحدث مع الأسف.

2- أن الدكتور حسين كمال الدين كان يصدر أوامره للإخوان فيما يختص بأعمال المعركة عن طريق رؤساء متجاهلا القيادة والتسلسل القيادي لقوات النظام الخاص التي تقع أعمال المعركة من صلب اختصاصها. وكان من شأن هذا السلوك أن يفقد هذا الجهاز قيمته العملية، ويعرض صفوفه للتفكك، وقد أثبتت الوقائع أن الأخ الدكتور حسين كمال الدين كان يدري تماما آثار سلوكه هذا بل وأنه كان يقصدها عامدا متعمدا، إيمانا منه برأيه السابق في أن النظام لا لزوم له بين تنظيمات الجماعة، وعلى الرغم من علمه بقرار المرشد العام بشأن اعتماد النظام وتشكيلاته للعمل العسكري في الجماعة.

3- أن المرشد العام لم يكن يمد النظام الخاص بأي مدد مادي يساعده على أعباء المعركة أو على الأقل يضفي على النظام صفة الجهاز العامل فعلا تحت قيادته.

ولولا اعتماد إخوان النظام على تشكيلاتهم في الجماعة التي لم يمسها الاضطراب، واستفادتهم من الذخيرة المسلمة إليهم في المعسكرات، لما استطاعوا أداء شيء ذي بال في المعركة.

4- إن الإخوان جمال عطية ومحمود نفيس حمدي وإسماعيل على ينشطون في هذه الظروف بقيادة حملة تشيع بين الإخوان أن النظام الخاص غير معتمد من المرشد وأنه لم يعد له وجود، مستغلين في ذلك الملاحظات من 1 إلى 3 أعلاه.

(د) فضيلة المرشد العام يحاول تذليل هذه الصعوبات:

لقد أوضحنا هذه الملاحظات الأربع لفضيلة المرشد العام، وبينا له ضررها، وخطرها على انتظام الصفوف داخل النظام، بل إنها تؤيد بعضها بعضا في أن النظام يعمل بعيدا عن قيادة المرشد العام بينما يعلم جميع الإخوة المسئولين عن النظام فير ذلك من فم المرشد العام شخصيا، الأمر الذي يزعزع الثقة في النفوس إما في قيادة النظام، وإما في قيادة المرشد العام.

ولكن المرشد العام أكد أنه لم يعن أبدا بهذه الإجراءات عدم قيام النظام، وقرر تكوين لجنة لقيادة العمليات في القنال تحت إشراف المرشد العام وتتكون من :

1- عبد الرحمن السندي بصفته مسئولا عن النظام.
2- حسين كمال بصفته مسئولا عن مكتب إداري القاهرة.
3- محمود عبده بصفته خبيرا بالعمليات العسكرية وقائدا لمتطوعي الإخوان في فلسطين.
4- صلاح شادي بصفته مسئولا عن قسم الوحدات.

أما بالنسبة لنشاط أعضاء لجنة الشباب المسلم فقد أكد المرشد العام أنه أصدر أمره للإخوان الذين يقودون هذه الحملة ضد النظام بالكف عنها وقال: يبدو أنهم لا ينفذون أوامره، وطلب منا أن نبلغه عن أي مخالفة تقع منهم مستقبلا.

(هـ) تصميم الأخ الكريم الدكتور حسين كمال الدين (يرحمه الله) على العمل برأيه المعارض لقرار المرشد العام:

كان قرار المرشد العام بتشكيل لجنة لإدارة العلميات في القنال ينضم الأخ صلاح شادي إلى عضويتها أول محك عملي لإظهار حقيقة موقف الأخ صلاح شادي من النظام الخاص، فقد سبق أن ذكرنا السبب الذي حمل الأخ صلاح شادي على كراهية النظام بصفة عامة وكراهية عبد الرحمن السندي بصفة خاصة عندما كنا نتكلم في البند رقم (3) من سلبيات معركة 1948، وأن هذه الكراهية ثابتة بقلم الأخ صلاح شادي نفسه في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) الذي نشره بعد وقوع الإخوان في قبضة الثورة، وتعرضهم لألوان شتى من التعذيب والحبس والاعتقال مدة زادت على خمسة عشر عاما متصلة.

وكان هذا القرار نفسه محكا للأخ الدكتور حسين كمال الدين يبين مدى استعداده لتنفيذ تعليمات المرشد العام التي صدر بسببها هذا القرار، وهي الاعتماد على النظام الخاص وتنظيماته في العمليات العسكرية التي تقررها اللجنة عن طريق عضو اللجنة الأستاذ عبد الرحمن السندي قائد النظام الخاص.

ولكن الواقع التطبيقي لها القرار شهد تعمد كل من الأخ الدكتور حسين كمال الدين والأخ الأستاذ صلاح شادي تجاهل وجود عبد الرحمن السندي تماما في اللجنة، فقد حرصا على الاجتماع منفردين مع الأخ الكريم الأستاذ محمود عبده للاتفاق على احتياجات العمليات من شباب الإخوان، فيتلقاها الأخ الدكتور حسين كمال الدين ويصدر بها تعليمات مباشرة للإخوان عن طريق رؤساء المناطق الإدارية بنفس الأسلوب الذي كان يتبعه قبل تشكيل اللجنة متجاهلا تماما وجود نظام ينبغي أن تصل التعليمات عن طريقه فيما يختص بالعمليات العسكرية، ومتجاهلا تعليمات المرشد العام الصريحة في هذا الشأن عند تشكيل اللجنة.. ولكنه فوجئ بأن تعليماته التي يصدرها للإخوان بالنسبة للعمليات العسكرية لا تنفذ، ما لم تأتهم عن طريق المسئولين عنهم في النظام الخاص، فثارت ثائرته لهذه النتيجة، واتهم النظام الخاص بالفساد، واتهم وجوده بالازدواجية، على الرغم من أنه هو المخالف لتعليمات المرشد العام مخالفة صريحة.

كما حاول الأخ صلاح شادي أن يستعين بإخوان النظام الخاص بالإسماعيلية مباشرة دون أي تفاهم مع الأخ عبد الرحمن السندي.. بل ودون علم عبد الرحمن السندي ، ففوجئ بأن إخوان الإسماعيلية تجاهلوه ولم يستمعوا لشيء مما يطلبه منهم، فجن جنونه هو الآخر، على الرغم من أنه على يقين من مسئوليته عن هذه النتيجة، فإخوان في النظام وهم بحكم طبيعة تنظيمهم لا يعملون في العمليات العسكرية إلا بأوامر من رئاستهم في النظام الخاص.

(و) ضربني وبكى.. وسبقني واشتكى.. ولكن المرشد العام لم يحسم الخلاف:

اشتكى كل من الأخوين حسين كمال الدين وصلاح شادي من هذه النتيجة لفضيلة المرشد العام.. بينما كانت العمليات في القتال تدور بنجاح تحت قيادة النظام الخاص وفي حدود قرارات اللجنة، وفقا للتعليمات التي يصدرها إليهم الأخ عبد الرحمن السندي، لا لأن هؤلاء الإخوان يحبون عبد الرحمن أكثر من حبهم لحسين أو صلاح.. ولكن لأن هذا هو النظام، وتعليماته، ولولا الدقة في تنفيذ هذه التعليمات لوقعت في صفوفه خسائر لا يعلم مداها إلا الله.

وقد دعا المرشد العام قيادة النظام لبحث شكوى الأخوين حسين كمال الدين وصلاح شادي، فأوضحنا لفضيلته هذه الصورة النظامية ، التي تعتبر أساس النجاح.. لكننا لم نجد منه قرارا حاسما إزاء مخالفة الأخوين حسين كمال الدين وصلاح شادي لتعليماته، وعلى العكس فقد اشتكى فضيلته لنا من إخوان الإسماعيلية الذين لم يستمعوا لصلاح شادي قائلا: لماذا لم يستمعوا إليه؟ أليس أخا لهم؟

وتقديرا من قيادة النظام للأمر الواقع وهو أن قيادة مثل هذه الأمور هي أمر جديد على فضيلة المرشد العام فقد أوضحنا لفضيلته أنه لو أن الأخ صلاح شادي أخطرنا بأنه مسافر إلى الإسماعيلية، لعمل عسكري لعملنا له الترتيب اللازم.. ولكنه لم يفعل، واصطدم بطبيعة النظام الصارمة في هذا الأمر والتي تقضي بألا يستجيب الأخ إلا لأمير مجموعته في هذه الأمور العسكرية الخطيرة.

وتعجبنا لأن فضيلة المرشد العام على الرغم من هذا الإيضاح لم يحسم هذا الأمر، ليحول بين ما استمر عليه كل من الإخوة أمثال صلاح شادي وحسين كمال الدين وإخوان لجنة الشباب المسلم من اتخاذ كل طريق من شأنه أن يفقد قيمته العملية، ولم تكن قيادة النظام الخاص تملك إزاء هذا السلوك الذي لا ينطوي على شيء إلا على الرغبة في فرض إرادتهم على قرار المرشد العام، إلا أن تصبر على توضيح الأمر الواقع لفضيلته، وكان فقهنا دائما أن عذره في عدم تقدير أهمية هذه الأمور في العمل العسكري هو أنه جديد تماما على هذا النوع من الأعمال.

ولهذا السبب كنا نقاوم محاولاتهم بما يضمن للصف انتظامه، وقد ساعدتنا الطبيعة الخاصة لأفراد النظام التي تميزهم عن غيرهم بالوعي الكامل لمثل هذه الأمور.

موقف من المرشد وموقف من عبد الرحمن السندي

كان من نتائج تحدي هؤلاء الإخوة لقرار المرشد العام أن بلغت دعواهم بأن النظام الخاص غير معتمد من المرشد العام للإخوان المسلمين إلى الأخ إسماعيل عاصم، مهندس التليفونات وعضو النظام الخاص، كما أن هذا الأخ لم يسكت إزاء هذه الدعوى، بل طلب أن يستمع بنفسه من المرشد العام إلى موافقة من النظام الخاص حتى يطمئن قلبه إلى أنه يؤدي بيعته على الوجه الصحيح، فبيعته كبيعة جميع إخوان النظام ليست لقيادة النظام وإنما هي للمرشد العام، ولو شك أحد أفراد النظام في اعتماد المرشد العام قيادة هذا النظام لوجب عليه التوقف فورا عن السمع والطاعة لها، وإلا أصبح عضوا في عصابة لا تمت إلى جماعة الإخوان المسلمين بصلة، وكان هدف المجموعة التي تثير هذه الدعوى هو الوصول من هذا المنطلق إلى حالة عصيان عامة داخل النظام لقيادته، فيتحقق حملهم بالتخلص من النظام الخاص، وينتهي اعتباره مشروعا من أنشطة الجماعة بحكم الأمر الواقع وليس بقرار من المرشد العام.

وقد عرض الأخ عبد الرحمن السندي طلب المهندس إسماعيل عاصم على المرشد العام فوافق المرشد العام على أن يحضر إليه الأخ إسماعيل عاصم ليقص عليه قصة من بلغوه شرعية النظام لعدم اعتماده من المرشد العام حتى يؤكد له كذبهم .

وبالفعل حضر الأخ إسماعيل عاصم إلى منزل المرشد العام بصحبة الأخ أحمد عادل كمال وقد كنت أنا وعبد الرحمن السندي عند المرشد العام بمنزله نشرح له خطورة استمرار هؤلاء الإخوة على هذا الأسلوب الهدام في صفوف النظام.

ولما سمح المرشد العام لإسماعيل عاصم بالكلام عرض عليه أنه عضو منتظم في صفوف النظام الخاص، ولكنه سمع من إخوان يثق فيهم ثقته بالأخ المسئول عنه في النظام أن هذا الجهاز غير معتمد من المرشد العام.. ولهذا اضطر إلى التوقف حتى يسمع من المرشد العام أمره في هذا الشأن، هل يستمر منتظما في عضوية النظام أو يستمر متوقفا.

وقد كان رد فضيلة المرشد العام على الأخ إسماعيل عاصم هو أغرب رد يمكن أن يتخيله العقل، فقد قال له فضيلته:" ابق كما أنت" فطلب الأخ عبد الرحمن السندي من فضيلة المرشد العام أن يبين لإسماعيل عاصم إذا كان فضيلته قد اعتمد النظام وقيادته للعمل في صفوف الجماعة أم لا.. ولكن المرشد العام تمسك بموقفه للعمل في صفوف الجماعة أم لا.. ولكن ا لمرشد العام تمسك بموقفه فلم يرد إلى إسماعيل عاصم شيئا أكثر من عبارته:" ابق كما أنت" فاعتبر عبد الرحمن السندي هذا الموقف من فضيلة المرشد العام تعاونا واتفاقا مع الإخوان الذين يحرضون على اضطراب الصفوف داخل النظام الخاص بهدف هدمه وظهر عليه الغضب الشديد، ولما أحسست بسخونة الموقف طلبت من كل من الأخوين أحمد عادل كمال، وإسماعيل عاصم الانصراف مشكورين.

وبعد خروجهما أراد المرشد العام أن يهدئ من غضب عبد الرحمن فمد إليه يده قائلا عاهدني على أن نعمل معا لخدمة الدعوة، فرفض عبد الرحمن أن يمد يده للمرشد العام، بل رد عليه قائلا:" إنني أحس أنني لا أستطيع أن أحافظ على إسلامي إلا إذا بعدت عنك".

وقد حاول فضيلة المرشد العام أن يثني عبد الرحمن عن موقفه، وأن يوضح له حكمته من الصمت في مواجهة إسماعيل عاصم قائلا: " اسمع يا عبد الرحمن.. ما دام قد ظهر لي أن إسماعيل عاصم لا يثق بالمسئول عنه في قيادة النظام الثقة التي تجعله يسير معه على السمع والطاعة، فإنه أصبح لا يستأهل الثقة التي تجعل المرشد العام يأمره بالسير في النظام فالقاعدة أن المرشد العام لا يظهر دوره في هذا الجهاز العسكري السري، ومثل هذا العضو لا يؤتمن عل هذا السير بعد أن ثبتت زعزعة ثقته بقيادته في النظام".

وقد كان هذا التفسير الذكي من المرشد العام دليلا على أن الرجل عميق الأغوار، وليس كما كنا نظن غير خبير بإدارة مثل هذه الأنشطة، وليس كما كان يعلن دائما للإخوان أنه رجل جديد على الجماعة لا يعرف من شئونها الكثير، وأن على الإخوان أن يحلوا مشاكلهم فيما بينهم، وأن يسيروا أمورهم كعادتهم، وليس لهم عليه إلا اعتباره رمزا لوحدتهم، والتفافهم حول المرشد العام أمام الناس، بل إن هذا الرد يدل على أن الرجل يمسك كل الخيوط بيده، ويدبر لها تدبيرا يصل به إلى أهدافه التي يريدها دون أن يعلن عنها.

أما عبد الرحمن السندي فقد رفض هذا المنطق رفضا باتا، واعتبر فضيلة المرشد العام متفقا فعلا مع الإخوة صلاح شادي، وحسين كمال الدين، وإخوة لجن الشباب المسلم على هذا الأسلوب من وراء ظهره، وأن كل ما قيل لنا من تأكيدات وقرارات باعتماد النظام لم يكن إلا ذرا للرماد في العيون، فصمم على رفض يد المرشد العام الممتدة إليه ليبايعه من جديد قائلا: " لا أستطيع أن أبايعك بيعة مطلقة إلا أن تكون بيعة مشروطة بالسمع والطاعة على أوامر الإسلام" وبهذا صارت أزمة بين عبد الرحمن السندي ، والمرشد العام لم يكن من الممكن حلها في نفس الجلسة فغادرنا منزله العامر، والأمر على هذه الصورة المتأزمة لتصميم كل على رأيه.

عزل عبد الرحمن السندي عن قيادة النظام للمرة الأولى

على الرغم من أن موقف عبد الرحمن السندي قد انبنى على منطق سليم، فلو أن فضيلة الإمام حسن الهضيبي كان عازما على أن يصحح المعلومات الخاطئة المنقولة إلى الأخ إسماعيل عاصم لفعل، أما إذا لم يكن لديه هذا العزم فما كان أيسر أن يقول الحجة التي ذكرها لعبد الرحمن بعد تأزم الموقف، بادئ ذي بدء، ولم يكن هناك داع لأن يضيف المرشد العام إلى المجموعة التي تعلن أنه لم يعتمد النظام وقيادته فردا جديدا سمع من المرشد شخصيا ما يؤيد أنه لم يعتمد النظام الخاص ، ولكفى الله المؤمنين شر سوء الظن.

ولكن هذا المنطق شيء وقواعد النظام الخاص شيء آخر، فقد أصبح عبد الرحمن السندي بعد أن خلع بيعته للأستاذ المرشد العام ورفض أن يعيدها.. أصبح رجلا مسلما، ولكنه لي من الإخوان المسلمين، ومن ثم فإنه لم يعد صالحا ليبقى رئيسا للنظام الخاص لهذه الجماعة، ولا مفر من عزله وترشيح من يحل محله، أو حل النظام الخاص بأكمله إذا رأى المرشد العام ذلك.

ولم يكن هذا الاتجاه ليغضب عبد الرحمن السندي.. فهو اتجاه نظامي لا علاقة له بأشخاصنا، ولابد من أن نحترم جميعا النظام، وفي ؟ل هذه الخلفية اجتمعنا نحن الخمسة ومعنا عبد الرحمن، واتخذنا القرار بتنحية عبد الرحمن بالإجماع، فلم يعترض عبد الرحمن أو يتململ، بل كان خاضعا بكل الرضا والارتياح لمقتضيات القواعد الصحيحة التي أنشأنا عليها النظام الخاص.. ولقد دار في أذهاننا اختيار اسم آخر نرشحه بديلا لعبد الرحمن يكون من قدامى إخوان النظام، وممن يمكن أن تكون علاقته وثيقة بالمرشد العام فرشحنا الأخ حلمي عبد المجيد مسئولا للنظام بدلا من عبد الرحمن السندي.

ولم نشأ أن ننفرد بهذا الإجراء دون اشتراك باقي الإخوة المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم فجمعناهم جميعا في منزل عبد الرحمن السندي، وعرضنا عليهم الأمر الواقع، فعارض الإخوان قرار المجموعة القيادية للنظام بتنحية عبد الرحمن، وكان يحمل لواء المعارضة فضيلة الأخ الشهيد الشيخ محمد فرغلي.. ولكن إزاء إصرارنا بأن الأمر لم يعد أمرا شخصيا، بل إنه أمر نظامي، لا يملك أحدنا أن يخرج عنه قرر الاجتماع أن تسافر لجنة مكونة مني ومن فضيلة المرشد العام الاقتراحين الآتيين ليختار أيهما، أو يأتي بقرار جديد لم يخطر على أذهاننا.

سافرت مع الشيخ محمد فرغلي إلى الإسكندرية، وقابلنا فضيلة المرشد العام هناك وحملنا إليه اقتراحين:

الأول: من مجموعة قيادة النظام الخمسة وهو تنحية عبد الرحمن السندي وترشيح الأخ حلمي عبد المجيد بدلا منه لتحمل مسئولية السير بالنظام الخاص.
الثاني: من قادة النظام الخاص في القاهرة والأقاليم باستثناء الخمسة المسئولين وهو دعوة المرشد العام لحل الأزمة الطارئة بينه وبين عبد الرحمن السندي، حتى يمكن الإبقاء على عبد الرحمن السندي مسئولا عن النظام.

وقد اختار المرشد العام الاقتراح الأول وأقره وأعلن أنه يستريح جدا لشخصية الأخ حلمي عبد المجيد بدلا منه أمرا شرعيا أقره المرشد العام، وتم إعلانه عن طريق رؤساء المجموعات إلى جميع أفراد النظام الخاص بالقطر.

الآثار السلبية لقرار تنحية عبد الرحمن السندي

كان اعتماد المرشد العام لاقتراح قيادة النظام تنحية عبد الرحمن السندي، يعني أن عبد الرحمن السندي أصبح رجلا مسلما، ولكنه غير ملتزم بشيء قبل جماعة الإخوان المسلمين، أما كونه مسلما فإن ذلك يفرض عليه الالتزام بقواعد الإسلام الحنيف في كل ما يفعل ويقول كإنسان مسلم، نشأ وتربى في ظل هذه الدعوة، وإن كان قد فارق العمل في صفوفها. ولكن الذي لا شك فيه أن العديد من إخوان النظام الخاص، قابلوا هذه النتيجة بعدم الارتياح، لعلمهم اليقيني أن عبد الرحمن لم يكن مخطئا فيما قال أو فعل، فتحققت بذلك آثار سلبية لهذا القرار سوف يأتي تفصيلها فيما بعد.

ولكننا لا نستطيع أن ننسب إلى عبد الرحمن السندي مسئولية هذه السلبية، فهو لم يعمل إلا أنه أبان لإخوانه أنه ترك الجماعة لأسباب حقيقية حددها لهم.. فإذا تصرف هؤلاء الإخوان استنادا إلى هذه المعلومات تصرفات ضارة لم يأمرهم بها عبد الرحمن ولا يمكن أن يأمرهم بها لأنه فقد صفته عليهم كقائد بل وكعضو في الجماعة، فإن مثل هذه التصرفات تكون مسئولية هؤلاء الإخوان وحدهم.

فقه الإخوان لمعنى الطاعة:

لقد تعلمنا أن طاعة الإخوان لم تكن من النوع الأعمى الذي يستطلع رأي القيادة فيؤازره دون تبصرة، بل إن الإسلام والتربية الإسلامية علمتهم داخل صفوف الجماعة أن يراجعوا المسئولين عنهم بكل صدق وشجاعة، في كل ما يظنون أنه خطأ.. فطاعة الإخوان كانت دائما طاعة مبصرة لا طاعة عمياء، هكذا علمنا الإسلام، وهكذا علمنا الإمام الشهيد.

فقد قرأنا جميعا خبر نزول المسلمين ببدر، بعيدا عن مياهها، وهم ينتظرون لقاء العدو ثم سؤال واحد من المسلمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهذا منزل أنزلكه الله يا رسول الله.. أم هو القتال والحرب والمكيدة." فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " بل هو القتال والحرب والمكيدة" فقال له الصحابي: إن كان ذلك كذلك فليس هذا بمنزل، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم الرأي، فقال:" ننزل بعين بدر فنسيطر على الماء، ونحرم منها أعداءنا، فيكون ذلك أدعى لقوتنا وجلدنا على ا لقتال، وغلى ضعفهم وهزيمتهم يوم النضال" فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأيه، وأمر المسلمين بالانتقال إلى المنزل الذي أشار إليه الصحابي الجليل، وكان نصر الله يومئذ للمؤمنين نصرا عظيما.. فقد قتل في هذه المعركة صناديد قريش وكبار رؤوسها، وانتصر المسلمون بثلاثمائة جندي أو يزيد قليلا على ألف جندي أو يزيد من الكافرين نصرا أعز الله به الإسلام وثبت أركانه في الأرض ولذلك اشتهرت هذه الغزوة باسم " غزوة بدر الكبرى".

ولقد وقع لي موقف مشابه مع لإمام الشهيد في حرب فلسطين سنة 1948، فقد كنت قائد الدفع الأولى من المتطوعين من الإخوان الذين عبروا صحراء سيناء، متجهين إلى فلسطين وقد عسكرنا قرب حدود فلسطين لتجمع قواتنا وندرس الموقف قبل بدء المعارك، وباستطلاع الموقف تبين لي أن كل المعلومات المتوافرة عن أرض فلسطين وموقف اليهود فيها معلومات قديمة لا يصح أن تتخذ أساسا للدخول في قتال واسع النطاق على أرض مجهولة لقواتنا تماما.. وقد شاءت إرادة الله أن يستدعيني الإمام الشهيد إلى القاهرة قبل أن يدخل متطوعونا فلسطين.. وفي القاهرة استطلع رأيي في الموقف، فأشرت عليه بأن المعلومات الحقيقية عن قوة العدو وتحصيناته غير متوافرة لدينا، ولا لدى قيادة قواتنا المسلحة، ولا لدى قيادة الهيئة العربية العليا..فضلا عن أن قرار الإخوان بدخول الحرب جاء قرارا مفاجئا لم يكونوا قد أعدوا أنفسهم له بسبب انشغالهم بتسليح مجاهدي الهيئة العليا التي أعلن رئيسها الحاج أمين الحسيني أنه لا يحتاج إلى رجال.. بل يريد بندقية لكل متطوع من متطوعي الهيئة العربية العليا ، ليلقي باليهود إلى البحر.. ومن ثم فإن إمكاناتنا على فرض دخولنا لا تكفي لخوض معارك واسعة النطاق بقوات الإخوان المسلمين فوق أرض فلسطين.

ولكن هذه الإمكانات تكفينا لعمل عمليات خاطفة مباغتة سريعة من نوع حرب العصابات، واقترحت على فضيلته أن تنحصر مهمتنا في مثل هذه العمليات.

ولكن فضيلته كان يرى رأيا شرعيا آخر.. كان يرى أن المسلمين غير مكلفين إلا بإعداد ما استطاعوا من قوة، وأن النصر من عند الله، وأنه لا يمكن للإخوان المسلمين أن يدخروا جهدا في حرب اليهود وإلا أثموا جميعا، ومن ثم فعلينا أن ندخل معهم في حرب شاملة، وأنه سوف يعتمد على أن للإخوان قوة محاربة في فلسطين فيدعو شعب مصر كله للإسهام في المعركة، " وما النصر إلا من عند الله" وكان أن نفذنا قرار المرشد العام على النحو الواضح تفصيليا في الجزء الأول من هذا الكتاب.

هكذا كنا نعرض آراءنا على فضيلة الإمام الشهيد، وهكذا كان الإمام الشهيد إما أن يأخذ بها أو يرى غيرها ويقنعنا بالمبررات من كتاب الله عز وجل وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.ز وإذا كان المثل الحالي يروي واقعة لم يأخذ الإمام الشهيد فيها برأينا، وأقنعنا بغيره، فإن حالة عرض الإمام الشهيد بضم الأخ صلاح شادي إلى قيادة النظام، وما بيناه له من مخالفة هذا العرض لقواعد النظام تمثل الصورة الأخرى التي كان فيها رأينا مخالفا لرأي الإمام الشهيد، فأخذ به لما ظهرت له صحته دون أدنى حساسيات.

أما بعد أن أصبح عبد الرحمن السندي خارج صفوف الإخوان المسلمين، رغم ارتباطه القوي بمبادئها، وحرصه التام على أن يبذل في سبيلها نفسه وماله، فقد شعر بأن من واجبه لحماية هذه الدعوة أن يبصر أصدقاءه من الإخوان المسلمين الذين كانوا من جنود النظام حين كان رئيسا للنظام بالرأي الذي رآه، وفرض عليه خلع بيعته للمشد العام، ورفضه العودة إليها رغم طلب المرشد العام ذلك منه، وليس عليه في ذلك من تثريب لقوله تعالى:" ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله وما الله بغافل عما تعملون" (البقرة: 140).

وبهذه الصورة ، تحول عبد الرحمن السندي إلى سلبية خامسة من سلبيات معركة سنة 1948 حيث حرص على أن يبلغ كل الإخوان الذين يتصلون به رأيه في المرشد العام، بعد اعتقاده بأن فضيلته كان متفقا سرا مع العاملين على هدم النظام، على عكس ما كان يعلنه على المسئولين عن قيادة النظام من أنه مصمم على استمراره، وبنفس قياداته، وأنه يعتبر هذا السلوك من فضيلة المرشد العام سلوكا غير إسلامي، لأنه يعمل بعكس ما يقول.

وكان حديث عبد الرحمن مع إخوانه يصل إلى المرشد العام، وكان ذلك يسوؤه جدا، خاصة أنه كان ينقل إليه أن الكثيرين من إخوان القاهرة، يستنكرون مع عبد الرحمن أسلوب المرشد العام.

وهكذا لم يمر قرارنا بتنحية عبد الرحمن دون آثار سلبية، ولكن هذا القرار كان من أوجب الضرورات في ظل موقف عبد الرحمن من المرشد العام مهما كانت النتائج.

الفصل الثالث النظام الخاص تحت قيادة الأخ حلمي عبد المجيد

استمرار العمليات العسكرية ضد الإنجليز بقيادة حلمي عبد المجيد

كانت عملات حرب العصابات التي يقوم بها إخوان النظام ضد الإنجليز في القتال مستمرة، لا تتأثر بكل هذه السلبيات التي تواجه قيادة النظام، في سبيل الوصول إلى الاستقرار الأمين الذي كان عليه الأمر في حياة الإمام الشهيد.

ولم تكن قيادة الثورة بعيدة عن هذه العمليات، بل إنها كلفت أحذ الضباط الأحرار، كما سبق أن ذكرنا وهو الضابط كمال رفعت بقيادة المتطوعين لإحداث عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال في منطقة القنال، وكان معظم المتطوعين معه من الإخوان المسلمين سواء يدري أو لا يدري، فلم يكن الإخوان يهتمون إلا بإزعاج المستعمر بأي وسيلة دون ضرورة إلى تعريف أو إعلان.

وكانت العلاقة بين قيادة الثورة وقيادة الإخوان علاقة ود وتفاهم حتى هذا الوقت، وشعرت قيادة الإخوان أن من واجبها أن تستعد لمواجهة أي تحركات من الجيش الإنجليزي تهدف إلى إحباط حركة 23 يوليو 1952، وما كان أيسر على هذه القوات أن تفعل ذلك وهي رابضة على أرض القنال ما لم تجد مقاومة عنيفة تمنع وحداتها من التوجه إلى القاهرة.

المرشد العام يقرر اشتراك الإخوان في مقاومة أي محاولة لإحباط الثورة

اضطر الأخ حلمي عبد المجيد لطلب أجازة من قيادة النظام لظروف شخصية، في الوقت الذي فكر فيه المرشد العام للإخوان المسلمين بأنه من واجب الجماعة الإعداد لمواجهة أي محاولة من الإنجليز لإحباط ثورة يوليو سنة 1952، وقد أسندت إلي رئاسة النظام بالنيابة خلال أجازة الأخ حلمي عبد المجيد ، في الوقت الذي فكر فيه فضيلة المرشد العام في هذه العملية.. فاستدعاني فضيلته إلى الإسكندرية بصفتي رئيس النظام الخاص بالنيابة وطلب مني أن يستعد إخوان النظام لهذا الأمر، فاجتمعت على الفور بإخواني من قيادة النظام، وأعددنا الخطة المقترحة على أساس أن الحكومة متعاونة مع الإخوان تمام التعاون.

ثم سافرت إلى الإسكندرية، وعرضت هذه الخطة على المرشد العام فوافق عليها، وأصبح الأمر منتهيا لا ينتظر إلا إشارة البدء بالتنفيذ.

ومن ناحية أخرى دعا المرشد العام الأخ الكريم الأستاذ محمود عبده إلى الإسكندرية لنفس الغرض، للاستفادة بخبراته في أي معارك منتظرة..

الثورة تطلب أن تقوم قوات الجيش بتدريب الإخوان على القتال

عرضت قيادة الثورة أن يقوم الجيش بتدريب الإخوان الذين سبق لهم دراية بالأعمال العسكرية لتأهيلهم للاشتراك في القتال المنتظر، فوافقت قيادة الإخوان على هذا العرض وأصدرت تعليماتها إلى الأخوين حسين كمال الدين ومحمود عبده لتنظيم التدريب بالاتفاق مع قيادة ا لجيش.

ولم يصل إلى علم قيادة النظام شيء مما تم الاتفاق عليه مع الأخ محمود عبده، أو ما تم الاتفاق عليه مع قيادة الجيش بشأن تدريب الإخوان عسكريا، ولكن الأخ محمود هبده أبلغ الدكتور حسين بالخطوات التي اتفق عليها بشأن هذا التدريب.

الدكتور حسين كمال الدين يخرج على قواعد النظام مرة أخرى:

تكرر من الأخ الدكتور حسين كمال الدين في هذه المرة ما سبق أن فعله سابقا فقد أصدر أوامره إلى الإخوان عن طريق رؤساء المناطق، للحضور إلى المركز العام لشحنهم في عربات الجيش إلى مراكز التدريب في معسكرات الجيش، وإذا بثورات من الغضب تصل إلى قيادة النظام من أعضائه، يعجبون كيف تصل إليهم تعليمات بخصوص نشاط عسكري عن غير طريق رؤساء مجموعاتهم في النظام، فنقلت قيادة النظام هذه الظاهرة إلى فضيلة المرشد العام، وشكت له كيف يتكرر هذا العمل عمدا من الدكتور حسين كمال الدين، رغم تكرار شرح خطورته على انتظام الصف داخل النظام، وزعزعة الثقة بمدى ارتباط قيادة النظام بقيادة الإخوان، ثم بينت قيادة ا لنظام لفضيلة المرشد العام كيف أن هذا الطلب من قيادة الجيش، يمكن أن يكون تكتيكا متعمدا من قيادة الثورة لكشف إخوان النظام لحكومة، واقترحت على فضيلته أسلوبا للاستفادة من معسكرات التدريب التي تعدها الحكومة لهذا الغرض، دون أن تستطيع الحكومة كشف إخوان النظام بهذه الوسيلة الساذجة، وقد وافق فضيلة المرشد العام على اقتراحنا نظريا، ولكن الأخ لكريم الأستاذ الدكتور حسين كمال الدين ضرب به عرض الحائط عمليا، وسيبدو ذلك بوضوح في الفقرة التالية: تشكيل لجنة للإعداد هدفها مقاوم الإنجليز:

أمر المرشد العام بتشكيل لجنة لهذا الغرض تتكون من :

1- محمود الصباغ بصفته مسئولا عن النظام بالنيابة .
2- حسين كمال الدين بصفته مسئولا عن مكتب إداري القاهرة.
3- صلاح شادي بصفته ضابط الاتصال بين الحكومة والإخوان.
4- محمود عبده بصفته من محاربي الإخوان الأكفاء.

في أول اجتماع لهذه اللجنة قدمت لها الخطة المقترحة من النظام والمعتمدة من فضيلة المرشد العام لمواجهة تقدم القوات الإنجليزية نحو القاهرة، ثم طلبت من الأخ الكريم الدكتور حسين كمال الدين أن يترك لي تبليغ تعليماته بخصوص العمليات العسكرية لإخوان النظام، حتى لا ينكشف إخوان النظام من غيرهم، عن طريق طاعة الإخوان العاديين لوصول الأوامر إليهم من الطريق الشرعي بالنسبة لهم وهو الأخ حسين كمال الدين، وامتناع إخوان النظام عن الطاعة لوصول الأوامر إليهم عن غير الطريق الشرعي، وهو أمراؤهم المسئولون داخل النظام، كما أن فضيلة المرشد العام قد أبلغني أنه أصدر إلى الأخ الكريم الدكتور حسين كمال الدين أمرا بمراعاة ذلك منها من اضطراب الصفوف داخل الجماعة.

وعلى الرغم من ذلك فقد أبلغني بعض المسئولين في قيادة النظام أن هناك تعليمات صادرة للإخوان عن طريق مكتب إداري القاهرة بالمبيت في المركز العام، فأمرتهم أن يطيعوا جميع ما يصدر إليهم من تعليمات تصلهم عن طريق مكتب إداري القاهرة في كل ما يتصل بالنشاط العام، أما ما يتصل بالنشاط العسكري فإن الاتفاق تام على أن مثل هذه الأوامر ستصل إليهم عن طريق رؤساء مجموعاتهم في النظام.

الدكتور حسين كمال الدين يوقع نفسه في حرج كبير مع ضباط الجيش

تبين فيما بعد أن هذه التعليمات قد صدرت إلى الإخوان بقصد المبيت في المركز العام، ثم التوجه في الصباح الباكر إلى معسكرات الجيش للتدريب.

وقد توجه الإخوان فعلا للمبيت في المركز العام، كتعليمات الدكتور حسين كمال الدين وليس مكتب إداري القاهرة، ولكنهم عندما علموا أن المقصود هو ذهابهم إلى معسكرات الجيش للتدريب انصرفوا ولن يطيعوا أمر الدكتور حسين كمال الدين بالبقاء، وممارسة التدريب.

وكان هذا الموقف محرجا أيما إحراج للدكتور حسين كمال الدين، إذ أخذ يكرر أن النظام أظهرنا بمظهر الأطفال أمام الجيش، ولم يحاول الدكتور حسين كمال الدين أن ينتبه إلى أنه هو المسئول عن وقوع هذا الموقف الأسيف.. حيث كان عنده علم أكيد ومتكرر وموثق من المرشد العام، بألا يصدر تعليمات مباشرة بشأن العمليات العسكرية.. ولكنه ضرب بكل ذلك عرض الحائط، وانتظر خبرا.. وليس أدل على أنه ليس للأخ الكريم الدكتور حسين كمال الدين أي عذر يدعوه إلى هذا السلوك أنني كنت معه في هذه الليلة المطلوب أن يبيت فيها الإخوان بالمركز العام حتى العاشرة مساء، ولكنه لم يطلب مني شيئا، ولم ألمح منه أي إشارة تدل على أن في نيته أن يعمل شيئا عسكريا هذه الليلة، ولو أنه أبلغني لأصدرت الأوامر على الفور إلى قيادة المجموعات للطاعة، ولما تعرض الأخ الدكتور حسين كمال الدين لهذا الموقف.. ولكنها الرغبة المتعمدة في تجاهل وجود النظام رغم تعليمات المرشد العام، والثقة الزائدة بأن الإخوان لا يعصون الدكتور كمال الدين ما أمرهم، ولو كان ذلك ضد ما بايعوا عليه يوم أن انضموا إلى عضوية النظام الخاص.. وهي ثقة لم تكن تمت إلى الأمر الواقع بأدنى صلة.

الدكتور حسين كمال الدين يطلب أن يكون قائدا لإخوان النظام في القاهرة

وجدت من واجبي أن أقابل المرشد العام وأشرح له تفصيلات ما حدث في اللجنة، وخروج الأخ حسين كمال الدين للمرة الثانية عن الالتزام بتنفيذ ما اتفقنا عليه جميعا، وعلى الرغم من هذا الإيضاح، لم يحسم فضيلة المرشد العام خطأ الدكتور حسين كمال الدين الظاهر ظهور الشمس في وضح النهار بل أنه كرر موقفه السابق فأعلن غضبه من الإخوان لأنهم لم يطيعوا أخاهم حسين كمال الدين كما سبق أن أعلن غضبه من إخوان الإسماعيلية لأنهم لم يطيعوا أخاهم صلاح شادي، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أخذ الأخ حسين كمال الدين يطالب بحتمية تعيينه مسئولا عن النظام الخاص في القاهرة، وقد استوضحني فضيلة المرشد العام الرأي إزاء طلب الدكتور حسين كمال الدين فقلت له:

" إنني أحب الدكتور حسين كمال الدين شخصيا وأثق فيه كل الثقة لأنني أعلم أنه اشترك معنا في القواعد الأساسية التي ينبغي أن يقوم عليها النظام، وإن لم ينتظم بعد ذلك في صفوفه بسبب الحاجة للاستفادة بكفاءته في ميدان الدعوة العامة التي لا يمكن أن يحل محله فيها رجل آخر ولكن الإخوة المسئولين عن النظام في القاهرة كانوا يعلمون من المواقف السابقة للدكتور حسين كمال الدين أنه يرى الاستغناء عن النظام الخاص كوسيلة معتمدة لدى الإخوان لأداء فريضة الجهاد ، ويحسون من أسلوبه العملي دائما أن عمله مكرس لتحقيق هذا الرأي، رغم علمه بمخالفة ذلك لتعليمات المرشد العام.. ولهذا السبب فإنني أحس أن الأخ الدكتور حسين كمال الدين لن يستطيع أن يقوم بعمل رئيس إخوان النظام بالقاهرة، وأنه سوف يجد من إخوانه معارضة شديدة ضد كل ما يصدر إليهم من تعليمات إن تولى هذا الأمر فاقتنع فضيلة المرشد العام بما قلت، ولم يدخل تعديلات في قيادات النظام الخاص.

وقد نقلت إلى الأخ الدكتور حسين كمال الدين ما قلته حرفيا للمرشد العام، فقد تعلمنا من الإمام الشهيد الصدق في القول، والاستقامة في العمل. ولكن الأخ الدكتور حسين كمال الدين استبعد أن يكون ما قلته عن الإخوة المسئولين في القاهرة صحيحا، وطلب مني أن أواجهه بهم، ليتأكد بنفسه من الحقيقة، فإن رفض الإخوان التعاون معه في مواجهته تنازل عن طلبه مسئولية النظام في القاهرة.

وتقديرا مني لأخي الدكتور حسين كمال الدين، وحرصا مني على أن تكون نفسه طيبة راضية وهو يعمل في سبيل الدعوة في ميدان تخصصه عملا متواصلا، لا يقوى عليه إلا الأفذاذ من الرجال، جمعت له الإخوة المسئولين عن النظام في القاهرة، وفي هذا الاجتماع أعلن هؤلاء الإخوة في مواجهة الدكتور حسين كمال الدين أنهم يعترضون على تعيينه رئيسا لإخوان النظام في القاهرة، وبذلوا قصارى جهدهم لإقناع الدكتور حسين كمال الدين أن هذا الاعتراض لا يمس ثقتهم فيه، واحترامهم له، ولكن مصدر اعتراضهم هو تعارض رأي الدكتور حسين كمال الدين مع فكرة قيام النظام أصلا.. فكيف يمكن أن يتحمل قيامه في القاهرة؟ وهو لا يرى لوجوده داعيا؟

وعلى الرغم من هذا الوضوح من جانب الإخوان أعلن الدكتور حسين كمال الدين غضبه، وطلب مني أن اصدر لهم أمرا بالتعاون معه والسير تحت قيادته فيما يتصل بالأمور العسكرية، ولكن صدور مثل هذا الأمر مني لم يكن جائزا شرعا، لأنه من اختصاص المرشد العام من الناحية التنظيمية ، ومتعارض مع قواعد الإسلام من الناحية الشرعية حيث يقضي الإسلام بأن لا يولى على الناس إلا من يرضونه وليا عليهم.

قيادة النظام الخاص تطالب بمحاكمتهما عن أعمال معركة سنة 1948

لما لاحظت قيادة النظام الخاص استمرار تأزم الموقف.. فلمرشد العام لم يقف موقفا حاسما من الدكتور حسين كمال الدين تقديرا لمركزه القيادي في الجماعة، والدعاية بين صفوف الإخوان بعدم شرعية النظام وعدم اعتماده من المرشد العام قائمة، ولم تنجح محاولات المرشد العام في وقفها، وإخوان النظام الخاص يواجهون هذه السلبيات الخطيرة التي تؤدي إلى الفرقة في الصفوف بكل ما يستطيعون من جهد لإحباط تأثيرها على وحدة الصفوف داخل النظام الخاص.

لما لاحظت قيادة النظام الخاص كل هذه الأمور فضلت أن تعيد وضع النظام الخاص في تنظيمات الجماعة للدراسة مرة أخرى، فقد تكون الفترة التي باشر فيها المرشد العام قيادته للنظام قد أوضحت له وجهات نظر أخرى تفسر هذا الموقف اللين إزاء سلوك الدكتور حسين كمال الدين، وإخوان لجنة الشباب المسلم، فطلبت من فضيلة المرشد العام إعادة البحث في موضوع قيام النظام الخاص من عدمه، واقترحت أن يبدأ هذا البحث بإجراء محاكمة لقادة النظام الخاص عن كل ما صدر من أعمال عسكرية خلال معركة سنة 1948، التي تخلفت عنها كل هذه السلبيات داخل صفوف الجماعة.. لأن مثل هذه المحاكمة سوف تفصل بين الحق والباطل، فيجتمع الإخوان على الحق بطبيعة حبهم لدعوتهم، وينبذون الباطل فور ظهوره إيمانا منهم بقوله تعالى: " وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا" (الإسراء: 81).

فضيلة المرشد العام يوافق على رأي قيادة النظام بتشكيل لجنة للتحقيق

أخذ المرشد العام بهذا الاقتراح فشكل لجنة من :

1- الدكتور عبد العزيز كامل .
2- الدكتور خميس حميدة.
3- الدكتور حسين كمال الدين.

للتحقيق في كل ما يقال عن أعمال النظام الخاص، وإخوان النظام الخاص وقد أعلن عن هذه اللجنة بين صفوف الإخوان، فذهب كل من عنده كلام بشأن النظام الخاص إلى اللجنة، وأدلى بما عنده، من أفكار وأقوال ، واستمرت اللجنة تستمع إلى الأقوال المختلفة والآراء المتعددة طوال شهرين كاملين صم أصدرت اللجنة قرارها الآتي:

" يجب أن يبقى النظام الخاص في تشكيلات الدعوة كما هو وبقيادته الحالية"

وقد طلبنا من الدكتور خميس أن يجمعنا بالإخوان الذين يقودون حملة التقول على النظام الخاص ليعلن فيهم هذا القرار، ولكنه تخلص من هذا الطلب، وأكد لنا أنه أبلغهم جميعا بهذا القرار، وطلب منهم هو وفضيلة المرشد العام عدم التحدث في أمر النظام بحال من الأحوال.

الواقع التطبيقي لقرار اللجنة لم يعالج المشكلة:

ولكن الواقع التطبيقي يعد صدور هذا القرار كان متعارضا معه كل التعارض، فقد اتسعت الشقة ولم تندمل، وأصبحنا نرى أن الجماعة تخسر يوما بعد يوم، بلبلة وفرقة، واضطرابا.. ولكننا لم نشك أبدا بأن قيادة الجماعة تتعمد اتساع هذه الفرقة.. بل كنا نلتمس لها عذرا، فنفسر عدم الحسم من ناحية المرشد العام بظروفه كرجل جديد على الدعوة لا يريد أن يصطدم بأحد قادتها القدامى اصطداما ظاهرا.

الفصل الرابع إعلان قانون الأحزاب وظهور رأي جديد لقيادة النظام الخاص

عودة قيادة النظام كما كانت عليه بما في ذلك عبد الرحمن السندي

أعلنت حكومة الثورة قانون الأحزاب في وقت كانت لا تزال العلاقة بين قيادة الثورة وقيادة الإخوان المسلمين طيبة.. وقد أعلن فضيلة المرشد العام أن القانون ينطبق على الإخوان المسلمين وذلك في تريح نشرته الصحف السيارة.. ثم تأكد هذا القرار من المرشد العام عندما أعلنه الأخ الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة وكيل الإخوان المسلمين في درس الثلاثاء بالمركز العام، وقد عقب على هذا القرار وعلى انطباق القانون على الإخوان المسلمين بأنه أمر طبيعي.. وكان هذا القانون ينص من بين فقراته على أن ينتخب كل حزب رئيسه، وأن مدة الرئاسة لأي حزب لا تزيد على عامين يتعين بعدهما أن ينتخب الحزب رئيسا جديدا.

ومن ثم فإن إعلان المرشد العام والوكيل العام قبولهم تطبيق قانون الأحزاب عل جماعة الإخوان المسلمين وأنه أمر طبيعي يعني أن النص القائم في اللائحة الداخلية لجماعة الإخوان المسلمين، الذي ينص على أن مدة رئاسة المرشد العام للإخوان المسلمين هي مدى الحياة أصبح من المقرر تعديله بأن تكون مدة رئاسة المرشد العام للجماعة باعتبارها حزبا من الأحزاب هي سنتين فقط.. يعاد بعدها انتخاب مرشد جديد بقوة القانون.

وبوضوح هذا القرار اجتمعت قيادة النظام، وقد كنت لا أزال رئيسا لها بالنيابة، ودرست الموقف وخرجت بنتيجة محددة، هي أن فرصة تطبيق قانون الأحزاب على جماعة الإخوان المسلمين هي فرصة مواتية لكي يخفف الإخوان هذا العبء الثقيل على المرشد العام في أول سنتين حتى يستطيع بديله من قدامى الإخوان أن يحزم دون حرج مع زملائه الذين يعرفهم ويعرفونه منذ بدأ انضمامهم لصفوف الجماعة، ويلزمهم بإطاعة كل ما يصدره من أوامر، بعد أن ثبت أن حداثة عهد المرشد الحالي بالجماعة تمنعه من أن يحزم من رجل كالأخ حسين كمال الدين في أمر خطير مثل أمر النظام، لا لشيء إلا لأنه يرى أن الأخ حسين كمال الدين من أقدم الرجال في صفوف الإخوان، وأوسعهم نشاطا في تنظيماتها وأنشطتها المختلفة.

وقد كان اقتناع قيادة النظام بهذا الرأي من واقع خبرة طويلة في محاولات انتظام الصف في ظل قيادة فضيلة الأستاذ الهضيبي لمدة عامين كاملين دون جدوى، ولم يكن أحد من قادة النظام الخاص يطعن في كفاءة فضيلة الأستاذ الهضيبي، ولا إخلاصه التام للدعوة والجماعة، ولكن الأمر الواقع كان متفقا مع ما أعلنه الأستاذ الهضيبي نفسه على الإخوان بأنه ليس إلا رمزا يلتف حوله الإخوان، وعليهم وحدهم أن يعملوا على توحيد صفوفهم وتنفيذ سياستهم.

وقد حرصت قيادة النظام وهي تدرس الموقف وتصل إلى هذا الرأي أن تبعد تشكيلات النظام الخاص عن الدعاية له، بل تقتصر الدعاية له على المرشد العام شخصيا، وأعضاء مكتب الإرشاد، وأعضاء الهيئة التأسيسية باعتبارهم أهل الحل والعقد في اختيار المرشد العام الجديد.

ولما عاد الأخ حلمي عبد المجيد من الأجازة تسلم قيادة النظام الخاص، وقد أبلغته بما استقر عليه رأي قيادة النظام في غيابه حول تطبيق قانون الأحزاب على الإخوان، والاستفادة منه في تخفيف هذا العبء الثقيل على فضيلة الإمام الهضيبي، وضرورة اختيار أخ قديم في السنوات الأولى لقيام الحزب، حتى تستقيم الصفوف، وتتخلص الجماعة من الآثار السلبية لمعركة سنة 1948 وأن من الظلم أن تكلف رجلا جديدا على أنظمتنا بالأمور المعقدة التي تمر بها الجماعة في هذا الظرف العصيب الذي جاء عقب محنة شديدة جعلت الإخوان جميعا على مفترق الطرق، كل له رأيه، وأسلوبه الذي خرج به من تجربة معركة سنة 1948، ولا يمكن لأحد من غير قدامى الإخوان أن يجمع هذه الآراء، ويوفق بينها، ويسوي الصف كما كان قبل هذه المعركة.

وزيادة في إيضاح هذا الرأي لفضيلة المرشد العام، ومنعا من أن تتولد بسببه أي حساسية، وتقديرا مني لمسئوليتي كرئيس لمجموعة قيادة النظام التي أقرت هذا الرأي رأيت أن أسجله كتابة بخط يدي، وأحمله أمانة للأخ حلمي عبد المجيد ممهورا بتوقيعي ليسلمه إلى فضيلة المرشد العام حتى يحيط علما بمضمونه، ودوافع الحقيقية ، ويعلم أن الأخ عبد المجيد لم يكن له وجود عند اتخاذ قيادة النظام لهذا الرأي الجديد.

عدول جماعة الإخوان المسلمين عن فكرة اعتبارها حزبا

حدث أن أعاد جمال عبد الناصر إلى جماعة الإخوان المسلمين أوراق طلب اعتمادها كحزب سياسي في مصر، وأسر إلى ممثلها بأنه يعتزم حل الأحزاب السياسية، ولا يريد أن يحل جماعة الإخوان المسلمين معها في قرار واحد.. فاجتمعت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين واتخذت قرارا باستمرارها هيئة مع عدم التقدم إلى الحكومة لاعتبارها حزبا ينطبق عليه قانون الأحزاب.

وبصدور هذا القرار من الهيئة التأسيسية [[للإخوان المسلمين] أصبح اقتراح قيادة النظام الخاص غير ذي موضوع، فقد بنى أساسا على أن الجماعة سينطبق عليها قانون الأحزاب، ومن ثم فإن مرشدها العام سوف يتغير كل سنتين... ولكن الوضع القانوني للهيئة عام إلى الوضع السابق على إصدار قانون الأحزاب، ومن نصوصه أن مدة بقاء المرشد العام للهيئة هي مدى الحياة.

وعاد بناء على ذلك العمل في صفوف الجماعة إلى الوضع الذي كان عليه، وقد فصلناه من قبل تفصيلا وفاء منا لأمانة التاريخ.

وأصبح على الأخ حلمي عبد المجيد أن يقود النظام الخاص في ظل استمرار هذه الأوضاع، وأخذ يعاني الأمرين من مشكلة إصرار الدكتور حسين كمال الدين على قيادة النظام الخاص في القاهرة، وامتناع ذلك عليه لاعتراض المسولين على النظام في القاهرة على هذا الطلب، ولم يكن في طبيعة الأخ حلمي عبد المجيد الصبر على معالجة المشاكل، فأعلن عجزه عن السير بالنظام الخاص وطلب من المرشد العم إعفاءه من هذه المهمة.

اختيار قيادة النظام الخاص بالانتخاب واعتراض المرشد. العام على انتخاب محمود الصباغ عضوا في هذه القيادة:

إزاء استقالة الأخ حلمي عبد المجيد تقرر أن يتم اختيار قيادة النظام الخاص بالانتخاب من بين جميع الأعضاء المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم، حتى يمكن حل مشكلة الأخ حسين كمال ا لدين.. وقد اجتمع فعلا هؤلاء الإخوان، وحضر الاجتماع مع الحاضرين الإخوة الشهيد محمد فرغلي، والدكتور خميس حميدة، والدكتور حسين كمال الدين.. وقد دارت مناقشة حول جواز اختيار الدكتور حسين كمال الدين ليكون عضوا في قيادة النظام من عدمه، وكانت هذه النقطة خلافية، ولم يتحمل الدكتور حسين كمال الدين استمرار البقاء في الجلسة أثناء المناقشة، فخرج من الاجتماع غاضبا وفي غيابه تم الانتخاب واختير بأغلبية الأصوات الإخوة:

محمود الصباغ .
مصطفى مشهور.
أحمد حسنين .
أحمد زكي حسن.

وهم الأربعة القدامى في مجموعة قيادة النظام، وضم إليهم الأخوة:

الشيخ محمد فرغلي.
الدكتور عبد العزيز كامل .
الدكتور حسين كمال الدين .

وقد زارني كل من الشيخ محمد فرغلي والأخ أحمد محمد حسنين والأخ يوسف طلعت وكانوا هم أعضاء لجنة فرز الأصوات لتبليغي بنتيجة الانتخاب، ولكنني طلبت إعفائي بسبب رأيي المعروف عن عدم استطاعة فضيلة المرشد العام بظروفه الحالية تسوية صفوف إخوان النظام، الأمر الذي يجعل جهودنا لبناء النظام غير ذات قيمة حقيقية.. ولكن الإخوان أصروا على ن أقبل باستمرار عضويتي في قيادة النظام، فقبلت منهم إصرارهم ثم ذهب الأخ أحمد حسنين بقائمة المنتخبين ليعتمدها من المرشد العام.. ولكن فضيلته اعترض على اسمي عندما قرأه بين الأسماء الواردة في القائمة.. وقد جاءني الأخ أحمد حسنين ليبلغني باعتراض فضيلته.

وقد حمدت الله وأثنيت عليه أن جاء اعتراض المرشد العام مطابقا لرغبتي في اعتزال العمل في هذه الظروف التي لا يرجى من ورائها ثمرة، فذهبت غلى منزله العامر لأشكره على قراره بإعفائي، وقد كان متعبا، فاستقبلني في حجرة النوم، وهو مستلق على سريره طلبا للراحة فدعوت له بالعافية، وشكرته على قرار إعفائي مبينا له أننا تعلمنا أن المسئوليات في الدعوة تكليف لا تشريف، ثم سلمت عليه وقبلت يده وأنا أودعه، وانصرفت إلى أعمالي الخاصة، ولم يسمع لي أحد صوتا عقب هذا اللقاء، وقد لاحظت وأنا أحيي المرشد العام صورة الملك فاروق الضخمة مثبتة على الحائط فوق رأس السرير، ولم أستغرب ذلك حيث لم يكن من وسائل الإخوان قلب نظام الحكم، ولم يكن يليق بالمرشد أن يهين هدية كان قد قبلها لمجرد أن زالت الدنيا عن صاحبها فخلعته الثورة عن ملك مصر والحق أحق أن يقال.. والرجال مبادئ..

المرشد العام يطلب عودة قيادة النظام بما في ذلك عبد الرحمن السندي

مر شهران أو ثلاثة على القيادة الجديد للنظام الخاص، وأنا في عملي الخاص لا أتابع سير الدعوة وأنشطتها، فهي في أيد أمينة، لها كامل الشرعية للقيام بأعبائها، وقد أراحني الله بالقعود، ولم يحرمني الأجر.. حيث كان قعودي بأمر فضيلة المرشد العام للجماعة، ولم أكن من الخوالف بحمد الله تعالى.

ولكن جد في سير الأمور جديد .. فقد استدعى فضيلة المرشد العام الدكتور خميس حميدة من المنصورة، وكلفه بالعمل نائبا للمرشد العام، وهو منصب جديد، استحدث بين منصبي المرشد العام والوكيل العام لأول مرة في تاريخ الجماعة، وقد كلف المرشد العام نائبه بالعمل على تسوية الصف والسير بالجماعة على أحسن وجه.

وفوجئت ذات يوم بالدكتور خميس يطلبني، ويشرح المسئولية التي ألقاها المرشد العام على عاتقه، ويقول إنه درس موضوع النظام الخاص وإخوان النظام الخاص مع المرشد العام، وأن المرشد العام أبلغه بكل ما وصل إلى سمعه من أكاذيب، كان لها أكبر الأثر في أفكاره، وأن الدكتور خميس وضح للمرشد الحقائق، فتألم على ما فات، ثم طلب من الدكتور خميس أن يعود الإخوان الخمسة بما في ذلك عبد الرحمن السندي للسير بالنظام الخاص، إلى جانب تكليفهم بأعمال هامة أخرى في الدعوة. ثم طلب الدكتور خميس مني أن أعمل إلى جانب مسئوليتي في النظام، وكيلا لمكتب إداري القاهرة، وقال إنه بهذا ستنتهي الشكوى من الازدواجية لأن وكيل مكتب إداري القاهرة سيكون هو المسئول عن النظام الخاص في القاهرة.

وقد كان ردي على الدكتور خميس هو الاعتذار.. حيث أنه لم يظهر حتى ألآن جديد يجعلني أغير رأيي في إمكانيات فضيلة المرشد العام، ولهذا فإنني لا أستطيع أن أقوم بعمل أعرف سلفا أن مآله الفشل بسبب عدم الحسم والسماح باستمرار بلبلة الصفوف.

وكان رد الدكتور خميس أن المرشد العام هو الذي غير رأيه، وأنه عرف معلومات جديدة لم يكن يعرفها، وأنه مصر على عودة الخمسة القدامى بقيامهم بالمسئولية، وأنه أصبح يستريح إليهم تماما بعد أن عرف مواقفهم الماضية، وأنه قد أخذ برايي في تكليف واحد من الإخوان القدامى بالسير بالجماعة لتسوية الصف، وأن مصلحة الدعوة تقتضي أن نسير جميعا ولا يتخلف منا أحد.

فطلبت من الدكتور خميس مواجهتي بالمرشد العام، وعند لقائنا قلت لفضيلته إن الدكتور خميس يكلفني بوكالة مكتب إداري القاهرة إلى جانب عودتي في مجموعة قيادة النظام الخاص ولكنني أمتنع، لأن ريي في سياسة فضيلتكم لم يتغير، فالأمور معقدة، والخلفيات اللازمة لحلها غير متوافرة، فرد فضيلة المرشد العام مؤكدا ما قاله الدكتور خميس وطلب أن نعمل صفا واحدا لصالح الدعوة وهنا قبلت العمل، فهو تكليف لا تشريف.. وهكذا كانت طاعة الإخوان دائما مبصرة لا طاعة عمياء.

أول اجتماع لقيادة النظام الخاص بالمرشد العام بعد عودة عبد الرحمن السندي

اجتمع الخمسة القدامى برئاسة عبد الرحمن السندي بالمرشد العام، في أول اجتماع لهم مع فضيلته عقب تعيين الدكتور خميس حميدة نائبا للمرشد العام، وفي هذا الاجتماع كرر فضيلة المرشد العام على أسماعنا معاني الثقة التامة بنا، وعلمه بماضينا، وقال إنه كان يستمع من جهات متعددة من غير تحقيق، وأخذ يضاعف معاني الثناء، والثقة بالأخ عبد الرحمن السندي فتعاهدنا على العمل معا، واتفقنا مع فضيلته على أن نضع قانونا للسير بالنظام الخاص نتفق عليه، ونحتكم إليه ليكون مستمدا من تجارب العامين الماضيين الأليمين حتى لا تعود الأمور إلى الاضطراب بعد ذلك أبدا ووافق فضيلة المرشد العام على ذلك.

وكتبنا دستور النظام الخاص ولائحته، وقرأناها على فضيلة المرشد العام فعدل فيها بعض الشيء ، ثم أقسمنا جميعا على السير في حدود هذه اللائحة والاحتكام إليها.. فكان هذا القسم بيعة جديدة من عبد الرحمن السندي لفضيلة المرشد العام وتجديدا لبيعة باقي الأربعة.

ثم جمعنا الإخوة المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم بفضيلة المرشد العام، وأعلن فيهم فضيلته ما انتهى إليه القرار في شأن النظام الخاص، و قد اعتذر الدكتور حسين كمال الدين عن حضور الاجتماع، رغم أننا وجهنا إليه الدعوة ليسمع بنفسه من المرشد العام وبأمره. ولهذا السبب طلبنا من الدكتور خميس أن يجمعنا بكل من الأخوين حسين كمال الدين، والشيخ محمد فرغلي ليسمعا قرار المرشد العام بتغير قيادة النظام باعتبارهما العضوين اللذين تناولهما التغيير، أما الدكتور عبد العزيز كامل فقد طلب ألا يظهر له نشاط في قيادة النظام طوال فترة انتخابه عضوا فيها، ويبدو أنه اكتفى بإخوانه وبقي كمستشار للنظام كلما لزم الأمر، ولكن الدكتور خميس أكد لنا أنه قد بلغ كلا من الدكتور حسين كمال الدين والشيخ محمد فرغلي هذا القرار، وأنهما يباركان الاتجاه الجديد ويدعوان له.. وقد اكتفينا ببيان الدكتور خميس، وأخذنا نجمع الإخوان ونوحد الصف، وسارت الأمور بشكل مرض.. ثم سافر الدكتور حسين كمال الدين إلى سويسرا، مدة شهرين أو يزيد، كنا خلالها قد سرنا خطوات واسعة في سبيل القضاء على البلبلة القائمة في صفوف الإخوان، ثم حضر الدكتور حسين كمال الدين من سويسرا.

الدكتور حسين كمال الدين يخرج للمرة الثالثة على تعليمات المرشد العام

فور عودة الدكتور حسين كمال الدين من سويسرا فوجئنا بقرار من الأخ الكريم الأستاذ صلاح أبو الفضل رئيس إحدى مناطق القاهرة الإدارية، بوقف الأخ أحمد العسال عن العمل في الجماعة بدعوى أنه يأتي بأعمال ضارة بالدعوة، وكانت هذه الأعمال هي أن الأخ أحمد العسال يعمل مسئولا عن النظام في هذه المنطقة.

وقد تعجبت كيف يصدر الأخ صلاح أبو الفضل هذا الأمر قبل أن يخطرني به وأنا وكيل إداري القاهرة الذي يبلغه بتعليمات الرئيس؟ فكتبت إليه بوقف هذا الأمر حتى يقابلني، ولكنه امتنع، وظهر أن الدكتور حسين كمال الدين كان وراء هذا الأمر، وكان مصمما عليه.

ثم فوجئت بعد ذلك بالأخ سيد سالم يزورني بالمنزل، ويبلغني أن الدكتور حسين كمال الدين، قد عقد اجتماعا لقيادة النظام في القاهرة وكانت هذه القيادة مكونة من رؤساء المناطق قبل التعديل الجديد في قيادة النظام الخاص، وحضر هذا الاجتماع الإخوة حسين كمال الدين وسيد أبو سالم وكمال السنانيري وصلاح أبو الفضل ومحمود البراوي ومحمد الخضري باعتبارهم رؤساء المناطق الإدارية في منطقة القاهرة ورؤساء مجموعات النظام الخاص في هذه المناطق بتعيين الدكتور حسين كمال الدين عندما كان عضوا في قيادة النظام ورئيسا له في منطقة القاهرة قبل التعديل الجديد، ثم قال السيد أبو سالم لي إن هذا الاجتماع عقد عقب اجتماع مكتب إداري القاهرة، وأنه أفهم الدكتور حسين كمال الدين أن المرشد العام، قد أمر بتغيير قيادة النظام، وأنه سمع هذا الأمر بأذنيه من فضيلة المرشد العام عندما جمعناه بالمسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم ليبلغهم بالتغيير الجديد فأنكر عليه الدكتور حسين كمال الدين ذلك، وقل له إن الذين أبلغوك بهذا كذابون.. فأكد له الأخ أبو سالم أنه سمع بأذنيه من المرشد العام، في اجتماع حضره إخوان القاهرة والأقاليم، وطلب منه وقف هذا الاجتماع لعدم شرعيته، حتى يرجع إلى المرشد لكي لا يضطرب الصف من جديد.

ولكن الدكتور حسين كمال الدين ثار على الأخ السيد أبو سالم واستنكر منه أن يسمح لنفسه بالتعاون مع القيادة الجديدة للنظام بدون أمر منه شخصيا ، وطرده من الاجتماع.

استمعت إلى ما قاله الأخ سيد أبو سالم وأنا مذهول من هذا الذي أسمع، وقدرت أن الدكتور خميس لابد وأن يكون قد قصر في إيضاح التعديل الجديد للدكتور حسين كمال الدين قبل سفره، فسافر الرجل دون أن يعلم شيئا عن التغيير فذهبت بنفسي إلى الدكتور حسين كمال الدين وأبلغته حقيقة الأمر، وقلت له لابد وأن يكون الدكتور خميس لم يوضح لك، وأن الأمر لا يحتاج منا إلى أكثر من الصبر حتى يحضر فضيلة المرشد العام، بدلا من أن نظهر متضاربين كقادة للإخوان في القاهرة، وبهذا تمتنع الثقة بنا جميعا، ويصبح أمر الإخوان فوضى.

ولكن الدكتور حسين كمال الدين أصر على أنه لا يمكن أن يقبل الكلام بحال من الأحوال.

قيادة النظام تقرر عرض موقف الأخ الدكتور حسين كمال الدين على المرشد العام

أبلغت إخواني في قيادة النظام بما ثبت من سلوك الأخ الدكتور حسين كمال الدين، فاجتمعنا وقررنا أن نسافر إلى فضيلة المرشد العام، وقد كان مقيما في قريته "عرب الصوالحة" لعد أيام، وكانت علامات سوء العلاقة بين الإخوان والثورة قد بدأت تظهر في الأفق، حتى أننا ظننا احتمال أن تكون الثورة قد حددت إقامته في بلده، وقد كان سفرنا لغرضين:

الأول: أن ننقل إليه موقف الأخ الدكتور حسين كمال الدين الخطير والذي ينذر بهدم كل ما بنيناه في الشهور الماضية.

الثاني: أن نطمئن إلى حقيقة السبب في إقامة فضيلته بالقرية هذه المدة، وأن نستمع منه إلى اي تعليمات إن وجدت.

وقد استقبلنا فضيلته في منزله أحسن استقبال وسمع منا ما قلناه عن سلوك الدكتور حسين كمال الدين واستنكره بشدة.

أما عن الغرض الثاني فقد أكد لنا المرشد العام، أنه لا يوجد شيء مثل تحديد الإقامة أو خلافه، ولكنه كان بالقرية هذه الأيام لأمور عائلية، وأنه سيحضر غدا إلى القاهرة ليصحح موقف الأخ حسين كمال الدين.

ثم انصرفنا شاكرين ومودعين من فضيلته أجمل توديع، ندعو جميعا الله العلي القدير أن يعز الإسلام وينصر المسلمين.

فضيلة المرشد العام يرفض مواجهة الأخ الدكتور حسين كمال الدين فتستقيل قيادة النظام استقالة جماعية

حضر فضيلة المرشد العام بالفعل إلى القاهرة كما وعدنا في اليوم السابق، فاجتمعنا بفضيلته في المركز العام، وكان مكتب الأخ الدكتور حسين كمال الدين في الدار القديمة للمركز العام التي لا يفصلها عن الدار الجديدة التي يقع فيها مكتب المرشد العام إلا عبور الشارع، فقال لنا فضيلته إنه كلف الدكتور خميس حميدة بإبلاغ الدكتور حسين أمره بتغيير قيادة النظام في القاهرة من زمن بعيد، وأنه طلب من الدكتور حسين كمال الدين أن يوقف قيادته لمجموعة النظام بالقاهرة، ثم كلفنا فضيلته بتأكيد هذه التعليمات على لسانه من جديد.

فذهبت أنا والدكتور خميس إلى الأخ حسين كمال الدين بتكليف من المرشد ، وقد أعاد الدكتور خميس تعليمات المرشد العام بشأن قيادة النظام على مسامع الدكتور حسين في حضوري بمنتهى الوضوح، ولكن الدكتور حسين ثار وغادر مكتبه معلنا أنه لا يستمع لهذا الأمر.

فذهبت أنا والدكتور خميس إلى فضيلة المرشد العام، وأبلغناه بما قال الدكتور حسين إذ سمع تعليماته من الدكتور خميس، وقلنا له أنه لا يوجد حل لهذا الإشكال إلا أن نجتمع مع الدكتور حسين كمال الدين في حضور فضيلته، وأن يقوم فضيلته بإبلاغ الأخ حسين كمال الدين تعليماته أمامنا .

ولكن فضيلة المرشد العام رفض هذا الاقتراح، وقال إنه لا يستطيع أن يغضب حسين، فليستمر حسين مسئولا عن النظام في القاهرة كما يشاء.

وكان هذا الكلام يعني أن المرشد العام يعلن بنفسه أنه نقض كل ما قاله لنا وأعلنه على إخوان النظام، وهدم كل ما ترتب على طاعتنا تعليماته من جهد لمدة تقرب من ثلاثة شهور من العمل المتواصل، وأصبح استمرارنا في العمل على رأس النظام أمام هذا التناقض الصارخ في التعليمات مستحيلا فقررنا الاستقالة الجماعية من قيادة النظام، وعرضنا هذا القرار على فضيلة المرشد العام على الفور، ولكننا طلبنا أن لا يكون قبول هذا القرار سرا بيننا وبين فضيلته، ولكنه يجب أن يكون علنا أمام كل المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم الذين سمعوا من فضيلته قرار إعادتنا للعمل على رأس النظام، فقبل فضيلته على الفور وحددنا اجتماعا بعد أسبوعين لنعلن فيه القرار وأسبابه أمام هؤلاء الإخوان، وفي حضور المرشد العام حتى نضع هذه المسئولية عن كواهلنا أمام الله والناس.

وفي اليوم المقرر حضر كل إخوان القاهرة والأقاليم للاجتماع بمنزل الأخ أحمد زكي حسن وحضر المسئولون عن النظام جميعا ما عدا الأخ عبد الرحمن السندي، واعتذر فضيلة المرشد العام عن عدم الحضور، ولكنه أوفد نيابة عنه رجلين، هما الدكتور خميس حميدة، وفضيلة الشيخ محمد فرغلي ، وفي حضور نائبي المرشد وحضور الإخوة الدكتور عبد العزيز كامل ، وصالح عشماوي ومحمود عساف من مستشاري النظام الخاص أعلنا قرارنا وأسبابه، فحاول المجتمعون تكليف الأخ الدكتور خميس بمحاولة جديدة لإزالة هذه الأسباب ولكن السيل كان قد بلغ الربى.. حيث صممنا على استقالتنا من قيادة النظام مع التزامنا كجنود في الجماعة نسمع ونطيع، واشتركنا كجنود في اختيار مسئول عن النظام في نفس الاجتماع ووقع الاختيار على الأخ الشهيد يوسف طلعت مسئولا عن النظام الخاص، وترك الاجتماع له اختيار معاونيه فيما بعد، وقد بدأ هذا الاجتماع بعد مغرب ذلك اليوم وانتهى في وقت متأخر من الليل.

مقتل الأخ الشهيد السيد فايز

ظهر في اليوم التالي أنه في عصر اليوم الذي كنا مجتمعين فيه مع إخوان القاهرة والأقاليم في منزل الأخ أحمد زكي حسن ومعنا نائبا المرشد الإخوان الدكتور خميس والشيخ محمد فرغلي، أن توجه مجهول إلى منزل الأخ الشهيد المهندس سيد فايز وسلم أخته لفافة ادعى أنها هدية بمناسبة المولد النبوي الشريف، فلما حضر شقيقها سيد فايز سلمته اللفافة فحاول فتحها، فإذا هي رسالة متفجرة، انفجرت على أثر فتحها فقتلت الشهيد وشقيقه الصغير وهدمت جزءا من المسكن الذي كانوا يقطنون فيه، ولم تصب الشقيقة الصغرى بسوء، حتى ينفذ قدر الله فتبلغ للمسئولين هذه القصة كاملة.

وقد بكينا جميعا هذا الأخ البطل الشهيد، الذي كان له دور مجيد في معركة 1948 وقد حضرت جنازته، وسمعت على قبره الأخ عبد الحكيم عابدين يؤبنه، وينسب إلى يد مجهولة آثمة، هذه الفعلة الشنعاء.

صدور قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من الإخوان كنت واحدا منهم:

انصرفنا بعد الدفن كل إلى داره، ولكنني فوجئت بعد ذلك بصدور قرار من مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين يقضي بفصل أربعة من الإخوان من الجماعة ومن الدعوة نشرته جميع الصحف السيارة وهم عبد الرحمن السندي ، وأحمد زكي حسن، وأحمد عادل كمال، ومحمود الصباغ، ولقد سعدت جدا بصدور هذا القرار رغم ما فيه من مخالفة للواقع، وسجدت لله شكرا فور قراءته، لأنه يضع عن كاهلي مسئولية كبيرة مستعصية الحل، وفي نفس الوقت فإنه لا يحرمني الأجر، لأنه نقل المسئولية إلى رجال من المسلمين، وأعفاني منها، فلم أكن من الخوالف، ولكنها كانت مصلحة الدعوة أن أعمل فعملت، ومصلحة الدعوة أن أعفى فقعدت في داري لا يسمع لي أحد صوتا، إلا أنني وأنا منتش بصدور هذا القرار ذهبت إلى عملي ومعي إحدى الجرائد في الصباح، فقابلت أخي مصطفى مشهور زميلي السابق في قيادة النظام، وزميلي أيضا في العمل، وأطلعته على القرار فتعجب، لأننا مستقيلون ولسنا مفصولين، وقد نقلت له كيف قابل قلبي هذا القرار بحمد الله والثناء عليه وقد لفت نظرنا أن أعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا مجتمعين بالمرشد العام وببعض أعضاء مكتب الإرشاد في منزل المرشد العام في الليلة السابقة، وكان هذا الخبر منشورا ومزينا بالصور في نفس الجريدة التي نشر فيها قرار الفصل .

خاتمة هذا الفصل من الكتاب

وإلى هنا تنتهي الفصول الأربعة الأولى من هذا الكتاب، وقد أوضحنا فيها كيف واجهت قيادة النظام الخاص سلبيات معركة 1948، وتبقى فصول أخرى تلقي الضوء على حقيقة كل ما نشر باطلا عن النظام الخاص بأقلام الإخوة صلاح شادي ومحمود عبد الحليم في كتابهما صفحات من التاريخ لصلاح شادي والإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ (الجزء الثالث) لمحمود عبد الحليم وإن كان الأخ محمود عبد الحليم لم يكن إلا ناقلا عن الأخ صلاح أو عن غيره كل ما نشره عن النظام الخاص، وعن العمل العسكري للإخوان المسلمين لانقطاع صلته بهذا العمل تماما منذ أن وضعنا قانون تكوين جيش مسلم دون أن يشترك الأخ محمود عبد الحليم في وضعه، وأسندت قيادة النظام الخاص لهذه المجموعة الخمسة من الإخوان، فلم يكن لأحد من هؤلاء الخمسة به أدنى معرفة أو علاقة فيما يختص بالخدمة العامة في حقل الإخوان المسلمين، إلا كونه عضوا بالهيئة التأسيسية لهذه الجماعة كما قال في كتابه.

وسوف يوضح الفصل القادم السلبية الرابعة من سلبيات معركة 48، وهي وإن كانت قد أصابت الجماعة من خارج صفوفها إلا أنها وليدة خطأ سياسي وقع فيه عدد من قادة الجماعة الأعزاء وهم لا يشعرون، ذلك أن جمال عبد الناصر اقترح على المرشد العام تنظيم الضباط الأحرار في تنظيم جديد لا يشترط أن يكون عضوه من المتمسكين بالإسلام ولكن يكفي أن يكون وطنيا مستعدا أن يحمل رأسه على كفه في سبيل تطهير مصر من حكم فاروق الفاسد، وقد وافق فضيلة المرشد العام على هذا الاقتراح واشترط أن يكون التنظيم الجديد صديقا للإخوان وليس من الإخوان، حتى يعاون الإخوان هذا التنظيم في عمله الوطني، وقال إن الوطنية جزء من ا لدعوة ولكن أهداف الدعوة أكثر بعدا وأكثر شمولا، ثم عين الأخ صلاح شادي حلقة اتصال بين قيادة الإخوان المسلمين، وقيادة الضباط الأحرار. وليس هناك أدنى شك في أن هذه السلبية الرابعة قد عرقلت سير الجماعة من خارج صفوفها، وعرضتها إلى الحل، وعرضت رجالها إلى إعدام البعض وسجن الكثيرين وتعذيب الأغلبية الساحقة من العاملين في حقل الدعوة الإسلامية تعذيبا وحشيا لم يسبق له مثيل امتد إلى كل عامل للإسلام من الجماعات الأخرى غير جماعة الإخوان المسلمين، وإن كانت جماعة الإخوان المسلمين هي المحور الرئيسي لكل هذا الاضطهاد والتعذيب الذي استمرت آثاره إلى اليوم وقد مضى على بدئه سبعة وثلاثون عاما، حيث ما زالت جماعة الإخوان المسلمين غير معترف بها رسميا، وما زالت قضيتها أمام القضاء تؤجل عاما تلو عام، لأن حكم مصر لم يتطهر حتى اليوم من روح ثورة 52 العدائية للإخوان المسلمين، وإن كان حكامها قد تطهروا من كثير من غلاة المحاربين لهذه الدعوة المباركة. ولكن القلة الباقية منهم ما زالت تناصب هذه الجماعة العداء، فعمدت إلى استمرار قانون الطوارئ حتى يتح لها اعتقال من تشاء وتعذيب من تشاء دون رقيب أو حسيب إلى اليوم.

الفصل الخامس السلبيات التي أضافتها ثورة يوليو سنة 1952 في سير دعوة الإخوان المسلمين

مقدمة

سبق أن ذكرنا أن جمال عبد الناصر حين قدم اقتراحه إلى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين بتنظيم الضباط الأحرار الذين كثر عددهم في الجيش بعد ظهور نتائج حرب فلسطين سنة 1948، وإن كان لم يجمعهم أي تنظيم من قبل.. كان وهو يقدم هذا الاقتراح لا يزال عضوا ملتزما من أعضاء تنظيم الإخوان المسلمين في الجيش، وقد قدم اقتراحه هذا بطريقة نظامية، فلم يذهب إلى المرشد العام مباشرة.. ولكن رئيس النظام الخاص الأستاذ عبد الرحمن السندي يرحمه الله هو الذي اصطحبه إلى فضيلة المرشد العام ليقدم بنفسه هذا الاقتراح، ويتلقى بنفسه تعليمات المرشد العام بشأنه، وقد صحبهما في هذا اللقاء الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف عضو قيادة ضباط إخوان النظام بالجيش.

أما بعد أن حصل جمال على موافقة المرشد العام على اقتراحه فقد خرج وهو رجل مسلم.. ولكنه ليس من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين.. بل صديق لهم فقط، وملتزم بأن يعد تنظيما وطنيا لإصلاح الأوضاع المتدنية في مصر بسبب حكم فاروق الفاسد، ومبشر بأنه سوف يجد من الإخوان المسلمين كل تأييد عندما يقوم بحركته الوطنية، فالوطنية جزء من الدعوة.. ولكن الدعوة ذات أهداف أكثر أتساعا وأكثر شمولا.

وقد طلب جمال عبد الناصر من فضيلة الإمام الهضيبي أن يعين له ضابط اتصال يكون حلقة صلة بين تنظيم الضباط الأحرار، وبين فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين، فعين فضيلته الأخ صلاح شادي في هذا الموقع.. وبهذا التعيين انقطعت الصلة بين جمال عبد الناصر وتنظيم الضباط الأحرار الذي يتبعه، وبين عبد الرحمن السندي وتنظيم النظام الخاص الذي كان جمال عبد الناصر عضوا فيه من قبل، وبقي لكل من التنظيمين أسرارهما.. فليس هناك أي التزام من قبل جمال عبد الناصر إلى عبد الرحمن السندي بأن يبلغه شيئا عن تنظيمه، ولا يحق لعبد الرحمن السندي شرعا ودينا أن يبلغ جمال عبد الناصر عن شيء من تنظيمه.. وإن بقيت بين الرجلين الصداقة والمودة القديمة النابعة من طاعة قول الحق تبارك وتعالى: " ولا تنسوا الفضل بينكم" (البقرة: 237).

وواجه كلا الرجلين مسئولياته، فواجه عبد الرحمن سلبيات معركة 1948 في داخل صفوف الجماعة على النحو الذي فصلناه في الفصول الأربعة الأولى من هذا الجزء، وأخذ جمال عبد الناصر يواجه مسئولياته في تشكيل الضباط الأحرار على النحو الذي نشره جمال وإخوانه على الناس في كتبهم، ومذكراتهم على مسئولية كل منهم أمام الله وأمام التاريخ.

أما احتياجات جمال عبد الناصر من الإخوان فلم يكن ينقلها إلى فضيلة المرشد العام إلا الأخ صلاح شادي بصفته ضابط الاتصال، ولم يكن للإخوان المسلمين أي طلبات يمكن أن يطلبوها من جمال عبد الناصر.. حيث كان في مرحلة تنظيمية لرجاله، لا يعرف أحد إلى أي شكل ستصير، ولا إلى أي نتيجة ستنتهي إليها الأمور.

السلبية الأولي:

صلاح شادي يضلل ضباط النظام في الجيش فيبعدهم عن المواقع القيادية في الثورة:

في يوليو سنة 1952 قرر جمال عبد الناصر القيام بالثورة، ولما حدد تاريخها وجد أن مصلحته الاتصال بقيادة الإخوان المسلمين ليستوثق من تأييد الإخوان له، كما وعد فضيلة المرشد العام، وسوف أنقل إلى القارئ الكريم نص ما كتبه الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) ليشهد بنفسه الحقيقة التي لم تتضح في الصفحات التي تصف ما دار قبل هذا اللقاء التاريخي:

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة (177) على لسان الأستاذ عبد القادر حلمي ما يأتي:

" في يوم 21 يوليو حضر جمال عبد الناصر وحده مبكرا إلى منزلي قبل حضور الأخ صلاح شادي، وفي هذه الأثناء اتصل بعض الإخوان تليفونيا من المركز العام، سائلين عن الأخ صلاح شادي، وأكدوا أهمية لقائه، فاتفق معهم على لحضور في منزلي للقائهم، وعندما عرف عبد الناصر أسماء الأشخاص الذين اتفق معهم على الحضور طلب عدم تعريفهم بوجوده وأسبابه، وقد انتقلوا فعلا إلى غرفة داخلية ليتمكن الأخ صلاح من لقاء القادمين من الإخوان في غرفة الاستقبال، وزيادة في الاحتياط نقلت سيارة عبد الناصر من أمام المنزل إلى شارع خلفي.. إلخ". إلى أن قال في نفس الصفحة الفقرة الأخيرة " في خلال الاجتماع لمذكور حضر الإخوة حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي ومعهما الضابطان عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي، وكان الأستاذ صلاح شادي قد استشار إخوانه الأربعة فيما إذا كان من المصلحة تعريفهم بما يجري من أمور في هذا الشأن أم لا؟ واتفقوا أنه ليس من المصلحة الآن الكشف عما يجري من اتصالات مع هذه الجماعة، وأن على ضباط الجيش من الإخوان تنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم، وقد التزم الأخ صلاح بهذا الرأي عندما قابل الأخوين عبد المنعم عبد الرؤوف، وأبو المكارم عبد الحي وقالا له: إنهما باعتبارهما ضابطين في الجيش قد شعرا بتحركات للضباط الأحرار، ولما سألا حسين كمال الدين وعبد الرحمن السندي لم يجدا عندهما معلومات بهذا الشأن، وقالا إنهما ما جاءا للاستفهام من الأخ صلاح عن هذا الموضوع، وقد انصرفا قبل انصراف عبد الناصر" .. انتهى.

إن هذه الواقعة التاريخية المهمة والتي تحدد كيف أبعد الأخ صلاح شادي ضباط إخوان النظام في الجيش عن المراكز القيادية للثورة، وأخفى عنهم أخطر المعلومات التي كانت تتصل بمسئولياتهم عن خدمة الدعوة في أوساط القوات المسلحة، وبأساليبها، وكان ذلك نزولا على رأي جمال عبد الناصر، الذي طلب من الأخ صلاح أن يخفي عن هؤلاء الإخوان مجرد وجوده بينهم.. فضلا عن أسباب هذا الوجود.. وكيف اجتهد الأخ صلاح شادي في تنفيذ تعليمات جمال عبد الناصر بمنتهي الدقة والحذر، فنقل سيارة جمال عبد الناصر المعروفة عند كل من الإخوة أبو المكارم عبد الحي، وعبد المنعم عبد الرؤوف، وعبد الرحمن السندي، نقلها من أمام المنزل إلى شارع خلفي حتى لا تقع أعينهم عليها فيعرفون أن جمالا في الدار.

هذه الواقعة الهامة من تحرير الأخ صلاح شادي وبقلمه، ولا أدري حكمته الفنية، وهو يقصها بلسان الأخ عبد القادر حلمي.. مع أنه لم يكن هناك حاجة لذلك.. فهو من شهودها، وعلى أي حال فإن تسجيله لها بقلمه أنه يشهد بصحتها، لأنه يستشهد بها وهو يقص علينا حصاد عمره.

وما دامت هذه الواقعة صحيحة برواية الأخ صلاح شادي، فلننظر في نصها برواية الأخ عبد الرحمن السندي كما سجلها قلمي، وأنا أكتب لأعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين تطورات قضيتنا مع الأستاذ الهضيبي، من يوم أن أتي به مرشدا إلى يوم إصدار قرار الفصل وقد طلبت من الأخ عبد الرحمن السندي أن يوقع على أصل هذا النص حتى يتحمل مسئولية صحته التاريخية، أمام الله، وأمام التاريخ.. وقد جاء هذا النص في صفحة 6 من مذكرة تطورات قضيتنا تحت عنوان " الانقلاب" (راجع نص الوثيقة كاملة في الفصل التاسع من هذا الجزء من الكتاب) وذلك على النحو الآتي:

وحدث أن أعد جمال عبد الناصر لعمل انقلاب، وأخطر بهذا الأخ صلاح شادي الذي سافر مع الأخوين حسن عشماوي وصالح أبو رفيق لإخطار المرشد بهذا العزم في الإسكندرية، وقد وعد الأخ صلاح شادي جمال عبد الناصر بأن الإخوان سيقفون إلى جانب الانقلاب بكل قوتهم، وصدرت الأوامر من جمال عبد الناصر، وأحس ضباط الإخوان بموعد الانقلاب، فذهب أبو المكارم ليعرض على جمال التعاون معه بوصفه مسئولا عن ضباط الإخوان، ولكن " أبو المكارم" سمع من جمال أنه لو كان من الإخوان لبلغه من قيادته الواجب الذي عليه، فذهب أبو المكارم إلى عبد الرحمن لأنه لم يكن يعرف غيره رسميا، ليخبره أن جمال عبد الناصر يعتزم عمل انقلاب بعد يوم واحد، وأن قيادة الإخوان تعلم بهذا، وأن ضباط الإخوان في موقف لا يحسدون عليه، لأنهم لم يبلغوا من قيادتهم بأي خبر أو أمر إزاء هذا الموضوع الخطير.

فأخذ عبد الرحمن أبو المكارم وعبد المنعم عبد الرؤوف وتوجهوا إلى الأستاذ عبد القادر عودة وكيل الإخوان ليسألوه إذا كان عنده علم بهذا الأمر، وكيف يمكن التصرف فيه، فأكد الأستاذ عبد القادر عودة أنه لا يعلم شيئا، كما توجهوا إلى الأستاذ عبد الحكيم عابدين فوجدوه في الفيوم فتوجهوا إلى الأستاذ حسين كمال الدين، ولكنه أكد لهم أنه لا يعلم شيئا ، فأخذوه إلى الأخ صلاح شادي، فاجتمع بهم جميعا، وأكد لهم أنه لا يعلم شيئا، وقد ظهر فيما بعد أن جمال عبد الناصر كان عنده بالمنزل في الحجرة المجاورة يسمع هذا الحوار.

وخرج الإخوان من عند صلاح، ولم يستطيعوا إزاء هذا الأمر إلا أن يتركوا ضباط الإخوان يتصرفون بوصفهم ضباطا في الجيش ليس لهم صفة الإخوان.

انظر يا أخي القارئ العزيز خطورة هذه السلبية على سير الدعوة بعد أن ثبت التطابق التام بين ما ذكره لي عبد الرحمن السندي عن هذه الواقعة، وسجلته ووزعته على جميع أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية سنة 1953، وبين ما حرره الأخ صلاح شادي بقلمه بعد ثمانية وعشرين عاما عن نفس الواقعة التي كان من شهودها، ثم انظر معي في آثارها ومعانيها.. أما عن معانيها فإليك البيان:

السلبية الأولى التي أضافته ثورة 23 يوليو 52 في سير دعوة الإخوان المسلمين

1- أن هذه الواقعة تعني دقة ارتباط ضباط الإخوان بالجيش بعبد الرحمن السندي كرئيس للتنظيم.. فقد هرعوا إليه لأنهم لا يعرفون غيره، لينقلوا إليه خبرا من أهم الأخبار في تاريخ مصر الحديث، وهو أن جمال عبد الناصر يعد لانقلاب بعد يوم واحد، كما أنها تبين أن ضباط الإخوان بالجيش كانوا من اليقظة، بحيث لم يستطيع جمال عبد الناصر إخفاء هذا الخبر المهم عنهم داخل صفوف الجيش، ثم إنهم كانوا من الرجولة بحيث ذهب المسئول عنهم الأخ أبو المكارم عبد الحي إل جمال يعرض عليه أن يعاونه ضباط الإخوان في الانقلاب بوصفه مسئولا عن ضباط الإخوان في الجيش وقد كان جمال عبد الناصر عضوا مع في مجموعة قيادة الإخوان في الجيش.

2- إن هذه الواقعة تؤكد انقطاع الصلة تماما بين عبد الرحمن السندي وجمال عبد الناصر منذ أن اختير الأخ صلاح شادي ضابط الاتصال بين الضباط الأحرار والإخوان المسلمين، وأن كل المسئولية المترتبة على ما جرى بين الإخوان، وبين الضباط الأحرار وبين الثورة هي مسئولية الأخ صلاح شادي شخصيا، فهو الممثل الرسمي للإخوان المسلمين عند جمال عبد الناصر وتنظيمه الثوري، وأن كل ما ينسب ضد عبد الرحمن السندي من تعاون مع جمال عبد الناصر هو محض اختلاق ليس له أي دليل من الأمر الواقع.

3- أن عبد الرحمن السندي بوصفه مسئولا عن النظام، كان ملتزما بعزل جمال عبد الناصر عن أي معلومات عن النظام الخاص، كما أنه لم يحاول رغم صداقته الأخوية لجمال عبد الناصر أن يذهب إليه عندما علم أنه يعد لانقلاب بعد يوم واحد، ولكنه ركز على الذهاب إلى قيادة الإخوان، ليعلمهم بالخبر ويسمع منهم التوجيه، حتى يخدم دعوته ، وفاء لبيعته على النحو الذي يأمره به المرشد العام.

4- أن الأخ صلاح شادي اتخذ مع إخوان النظام الخاص بالجيش نفس الأسلوب الخطير الذي اتخذه الأخ حسين كمال الدين يرحمه الله مع إخوان النظام الخاص في الجماعة، وهو الحرص على إبعاد النظام الخاص عن كل الأعمال العسكرية التي تهدف إلى الدفاع عن الوطن والدين، بقصد القضاء على هذا النظام من الناحية العملية ما دام الإخوان الكريمان قد عجزا عن القضاء عليه، من الناحية التنظيمية ظنا منهما أنهما يخدمان ا لدعوة رغم علمهما بتصميم فضيلة المرشد العام على استمرار النظام بقياداته دون أدنى تبديل، كما أن الأخ أبو المكارم عبد الحي مسئول ضباط الإخوان بالجيش شكا من خطورة أثر هذه السياسة على ضباط الإخوان، ووصف ذلك بأنهم أصبحوا في حالة لا يحسدون عليها، لأنهم لم يبلغوا من قيادتهم بأي خبر أو أمر إزاء هذا الموضوع، وهي نفس الشكوى التي كررها المسئولون عن النظام الخاص في الجماعة عندما اتخذ الأخ حسين كمال الدين (يرحمه الله) سياسة عزل أمرائهم عن تلقي أخبار العمليات العسكرية، واستعمال رؤساء المناطق في تبليغ هذه الأخبار ، الأمر الذي جعلهم في حالة لا يحسدون عليها أيضا.

5- أن الأخ صلاح شادي هو الذي أطلق يد جمال عبد الناصر في ضباط الإخوان، يكلفهم بما يشاء من أعمال دون أن يكون لقيادة الإخوان أدنى فضل في هذا ، كما أطلق يد الأخ حسين كمال الدين ليضع جميع الإخوان سواء كانوا من النظام الخاص أو غير النظام الخاص في خدمة الثورة ليلة قيامها. السلبية الثانية- جمال عبد الناصر يضع الإخوان أمام فوهة المدفع دون مقابل:

كلف جمال عبد الناصر أكبر ضابطين من ضباط تنظيم الإخوان بالجيش وهما الضابط أبو المكارم عبد الحي والضابط عبد المنعم عبد الرؤوف بأخطر عمليتين في الثورة في حال فشلها، فكلف أبو المكارم عبد الحي بقيادة القوة التي حاصرت قصر عابدين، وكلف الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف بقيادة القوة التي حاصرت قصر رأس التين، حيث كان يعيش الملك فاروق، بقصد الحصول منه على التنازل عن العرش.

فلو فشلت الثورة لكان هذان الإخوان هما دليل الحكومة على أن الإخوان المسلمين هم قادة هذا الانقلاب ضد الملك، رغم براءتهم التامة من مسئولية قيادة الانقلاب، ولأعدم هذان الإخوان، وتم إعدام كل قيادات الإخوان المسلمين، وحبس واعتقال أعضائها، ووقوعهم جميع تحت أبشع أنواع التعذيب التي ابتدعها في مصر إبراهيم عبد الهادي وعرف القاصي والداني مدى بشاعتها.

أما جمال عبد الناصر وضباطه فسيخرجون من المسئولية دون أدنى تأثير، كما تخرج الشعرة من العجين.. حيث سجل جمال عبد الناصر نفسه عضوا بالحزب الشيوعي المصري من لحظة تفكيره في القيام بتنظيم الضباط الأحرار، ولا يمكن للمحقق أن يدين الشيوعيين بالتعاون مع الإخوان المسلمين، فسيبرئهم، ويغفر لهم طاعتهم لقيادتهم العسكرية من الإخوان المسلمين.. كما حدث أن أخرجت النيابة أربعة من المتهمين في قضية السيارة الجيب ، بحيازة السلاح وهم فضيلة الشيخ عبد المنعم النمر وفضيلة الشيخ عبد الرحمن الصوالحي ، والأستاذ محمود أبو النجا، والأستاذ محمد سعد عندما ثبت أنهم من أعضاء مصر الفتاة فلم يقدموا للمحاكمة رغم ضبط الأسلحة والمفرقعات في حيازتهم، ولم يكتف عبد الناصر لنفسه بهذا الضمان فقط.. بل إنه لم يشترك إطلاقا في أحداث الانقلاب وظل هو وعبد الحكيم عامر بملابسهما المدنية حتى تم ليوسف صديق اعتقال قادة القوات المسلحة. ثم قبض عليهما يوسف صديق ونقلهما إلى مقر القيادة وهناك توليا أعظم المراكز القيادية في الثورة وهما آمنان.

أما إذا نجحت الثورة فسيكون لفضل كل الفضل في نجاحها لجمال عبد الناصر وضباطه الأحرار، وتصبح لهم كل سلطات السيادة دون منازع، ولا يمكن للمجهودات المدنية التي تقوم بها الأحزاب السياسية والإخوان المسلمون أن تؤثر قيد أنملة في مجريات الأمور وقد سيطر عليها الجيش بكافة أسلحته سيطرة تامة، ويكون لزاما على هذه الأحزاب والجماعات أن تخضع لما تأمرها به القيادة العامة للقوات المسلحة وإلا سحقتها هذه القوات، فذلك هو ما جرى عليه العرف في كل الانقلابات العسكرية وهو أمر يعرفه الإخوان المسئولون ويدركون يقينا هذه النتائج، ولا أدري كيف فاتهم تقدير هذا الموقف رغم علمهم اليقيني به كما هو ثابت في كتاب الأخ صلاح شادي نفسه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) وكتاب الأخ حسين حمودة "[[أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون]]" الدراسات التحليلية التي نوردها فيما يلي:

لنقرأ المناقشات التي دارت بين جمال عبد الناصر وبين الإخوة صالح أبو رقيق وحسن عشماوي وصلاح شادي عن أهداف الانقلاب في منزل الأخ صلاح شادي كما سجلها الأخ صلاح في كتابه يقول سيادته في صفحة 169:

" وقد جمال عبد الناصر رأيه في هذا الأمر بأن الغية من الانقلاب تتمثل في ثلاثة أمور:

(أ‌) إصلاح نظم الحكم السياسي بإرساء قواعده على أساس حكم نيابي سليم.
(ب‌) تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عملاء الملك وعناصر الفساد.
(ج)إصلاح اجتماعي وإصلاح اقتصادي شامل.

هكذا لم يذكر جمال الحكم بالإسلام كهدف من أهداف الانقلاب القريبة، ولا البعيدة.

ثم في ص 170، 171 يتابع الأخ صلاح شادي تحت عنوان ثلاثة احتمالات فيقول:

" وقد أوضح عبد الناصر أن الدراسة بينت أن موضوع إسناد الحكم بعد الانقلاب لا يخرج عن ثلاثة احتمالات إما أن يتولى الإخوان الحكم أو يتولاه الجيش أو تتولاه شخصية مستقلة عن الأحزاب يعتني باختيارها.

وقد أظهر تبادل الآراء بين عبد الناصر من جهة ومجموعة الإخوان من جهة أخرى أن ليس من المصلحة بادئ الأمر أن يتولى الإخوان الحكم حتى لا ينكشف الاتجاه الإسلامي للحركة مما قد يكون له رد فعل دولي ضدها من أعدائه" انتهى.

ويجب على أن أحيل القارئ هنا إلى أهداف الانقلاب التي ذكرها عبد الناصر وحررها صلاح شادي ليعلم أن عبارة (حتى لا ينكشف الاتجاه الإسلامي للحركة) هي عبارة لا سند لها من أقوال جمال عبد الناصر.

صحيح أن الأخ صلاح شادي عبر في نفس كتابه ص 170 بعد أن حدد جمال عبد الناصر أهداف الانقلاب ولم يذكر منها شيئا عن الحكم بالإسلام عن رأيه فقال:

" وكانت وجهة نظرنا (أي مجموعة الإخوان) تتلخص في أن مبادئ الإسلام هي الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر، وإصلاح الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي منها، وأقر عبد الناص ذلك، وأكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، وأوضح أن هدفه الإسلام إلا أنه قال (إن المصلحة عدم المجاهرة بذلك في بدئ الأمر، ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها).

وهذا يعني أن جمال عبد الناصر قد لعب بالألفاظ، ليضمن معاونة الإخوان ولكنه لم يحدد الحكم بالإسلام ضمن ما عزم عليه كهدف من أهداف الانقلاب.. بل أجل النظر في هذا الأمر إلى ما بعد نجاح الانقلاب، وأعلن أن الأمور حينئذ ستؤخذ بالتدريج، ووافق الجميع وهم لا يدرون أن الحكم بالإسلام لم يكن موضع اتفاق فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين مع عبد الناصر.. ولكن الاتفاق كان محددا بقيام انقلاب وطني لإصلاح الفساد المستشري في مصر، وأن الإخوان سيعاونون العمل الوطني، لأنه جزء من دعوتهم وكان يجب عليهم قبل أن يرتبطوا بتمكين الانقلاب من حكم مصر أن يلزموا جمال عبد الناصر بوضع الحكم بالإسلام هدفا من أهداف الثورة، أو يرجعوا إلى المرشد العام إذا رفض عبد الناصر ذلك.. ومن ثم فإنه كان يجب تصحيح مفهوم ما ظهر من تبادل الآراء بين عبد الناصر من جهة وبين مجموعة الإخوان من جهة أخرى إلى النص الآتي:

" أن ليس من المصلحة بادئ الأمر أن يتولى الإخوان الحكم حتى لا يعلن أمام العالم أن الحركة إسلامية بدليل أنها أسندت الحكم إلى الإخوان المسلمين، مما قد يكون له رد فعل دولي ضدها من أعدائه" والفرق بين مفهوم النصين كبير رغم تقارب ألفاظهما ففرق بين أن تكون الحركة إسلامية وفقا لهذا النص بمعنى إلزامها بادئ ذي بدء بتحكيم شريعة الإسلام وبين أن يكون هدفها الإسلام، فكل هدف قابل للتغيير وفقا لمجريات الأمور.

ثم استطرد الأخ صلاح شادي بيان ما ظهر من تبادل الآراء فقال:

" أما عن العسكريين فلا يجب أن يتولوا الحكم إطلاقا.. لأن التجارب على مدى التاريخ أثبتت أن تدخل العسكريين في السياسة وتوليهم الحكم يؤدي إلى انحرافهم إلى الطغيان الشديد، مما لا يمكن لأحد أن يحده أو يقف في مواجهته، كما أنهم يتعرضون للانحراف عن المبادئ والأهداف التي قاموا من أجلها أكثر من غيرهم، لتجمع السلطة في أيديهم.. وقد لاحظ أحد الإخوان الحاضرين تأثير هذه المناقشات على وجه عبد الناصر، فقد أظهر الارتياح والاطمئنان لفكرة استبعاد تولى الإخوان، كما ظهر عليه الوجوم الشديد عندما تولى الأخ حسن العشماوي مهاجمة فكرة تولي العسكريين الحكم بالشرح والتفصيل مؤيدا فكره بحجج منطقية ووقائع تاريخية" (انتهى).

  • ثانيا: الخطأ لسياسي الكبير الذي وقع فيه ممثلو الإخوان:

جاء في أولا أن الإخوة المؤتمنين على مستقبل الدعوة، والذين يغامرون به فيضعونه بين أيدي ضباط لا يحددون الحكم بالإسلام مبدأ من مبادئهم، يعلمون يقينا خطورة إسناد قيادة مصر إلى حكم عسكري مادي، ويشعرون من قسمات وجه عبد الناصر أنه لا يقبل بإبعاد العسكريين عن الحكم، وإن لم يذكر لهم ذلك صراحة، وأنه سعيد كل السعادة بإبعاد الإخوان عن الحكم وقد ذكر لهم ذلك صراحة.

فما هي الاحتياطات التي اتخذها هؤلاء الإخوة الفضلاء لو أن جمال بعد نجاح الانقلاب حكم مصر حكما عسكريا ماديا، فأرهقها هذا الإرهاق الذي نعيشه أربعين سنة متصلة ومن يدري متى تعود إلى مصر سلامتها؟

هل يمكن أن تكون الوعود المعسولة من رجال عسكريين معظمهم غير متدينين لا يضعون الحكم بمبادئ الإسلام من شعراتهم هي الضمان؟ إن هذا خبل مغرق في الخيال.

إن الضمان الوحيد الذي كان يمكن أن يقبل معه هذا الوعد هو أن يكون ضباط الإخوان في الجيش ممثلين في مجلس قيادة الثورة بأعداد مؤثرة، وحينئذ فقط لا يستطيع مجلس قيادة ا لثوة أن يلعب بالألفاظ وإلا تعرضت وحدات الجيش إلى أن يضرب بعضها بعضا وحينئذ ستكون الغلبة لقوات الإخوان حيث يمثلون الأغلبية.. وهذه بديهة غفل عنها الإخوة الأفاضل على الرغم من أنها مبدأ من مبادئ الإخوان المسلمين يعلنونه في تعريف دعوتهم للناس فيقولون إنها "دعوة الحق والحرية والقوة" فالحق الذي لا تسنده قوة ضائع لا محالة.

فإن تاهت عن الإخوة الفضلاء هذه البديهة فهل يصح لهم أن يطلقوا يد عبد الناصر في ضباط الإخوان، فيضعهم في أخطر مواضع المسئولية في الثورة، ويطلقوا يد الأخ حسين كمال الدين فيضع الإخوة المدنيين في أخطر المواقع في الثورة يقيمونها ثورة مادية دون أي ضمان من قوة يضمن تحقيق الوعود المعسولة بأنها ستتجه فيما بعد اتجاها إسلاميا ؟ هل يصبح في عقل واد أن تخفي أخبار الثورة عن قواتك، وأن تبعد هذه القوات عن المراكز القيادية، على الرغم من تكليفهم بأخطر العمليات اللازمة لنجاح الثورة؟ لا لشيء إلا لكي لا يظهر للنظام الخاص أثر فعلي في سير الدعوة وليعيش قسم الوحدات؟

إن سحق الشعوب إذا ولي أمرها عسكريون لم يكن معلوما فقط عند هؤلاء الإخوة الكرام الذين سلموا مصر للعسكريين ليحكموها، وجعلوا الإخوان خداما لها، يقتدون هذا الهدف الكريه بالمهج والأرواح.. ولكن هذه الحقيقة كانت معلومة أيضا بوضوح لدى فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي ، ولا أدري كيف غابت عن العقول عند التطبيق .. إنه أمر الله على كل حال .. سبحانه.. إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون.

لقد كنت ذات يوم أتحدث مع فضيلته بمنزله العامر في شأن من الشئون التنظيمية للنظام الخاص قبل قيام الثورة، فاشتكى لي من فضيلة الأخ الشيخ محمد الغزالي قائلا: " إنه في خطبة الجمعة بالسويس هاجم الملك هجوما شديدا، وهذا يعرض الدعوة للخطر لأن الملك بسيطرته على الجيش يمثل أقوى جبهة في البلد".

وقد وافقت فضيلته في ذلك اليوم على هذه النظرة الصائبة قائلا: " إننا فعلا ليس لنا مصلحة في مهاجمة الملك.. فليس من وسائلنا قلب نظام الحكم.. بل محاربة المحتلين والغزاة، والوصول إلى الحكم بوسائله الديمقراطية المشروعة التي يضمنها اتساع قواعدنا الشعبية بين الناس" .

فأين كانت عقولنا ونحن نسلم مصر للجيش؟ لا للملك يسنده الجيش ، دون أن نضع في خططنا أي ضمان يمنع الجيش من الطغيان، رغم توافر إمكانيات وضع هذا الضمان، فلنا في الجيش قوات قادرة يمكنها أن تشترك في المسئولية اشتراكا مؤثرا في سير الأحداث فإن لم نضمن ذلك، لا كانت الثورة التي تضعنا وتضع شعب مصر معنا تحت أقدامها، أين كانت عقولنا ونحن نقدم ضباطنا للفداء في سبيل قيام ثورة مادية، دون أن نمنحهم الحق في حالة نجاح الثورة بحماية مبادئنا، وحماية أرواحنا، وحماية وطننا؟

اتفق الإخوان الذين أسندت إليهم أمانة الحفاظ على مستقبل الدعوة، والذين يغامرون به، فيضعونه بين يدي ضباط لا يحددون الحكم بالإسلام هدفا من أهدافها اتفقوا مع هؤلاء الضباط على أن يتولى الإخوان الدفاع عن الانقلاب من الناحية الشعبية وذلك بنص كلام الأخ صلاح شادي في صفحة 172 في آخر كلامه عن المناقشات التي دارت بين مجموعة الإخوان وبين جمال عبد الناصر عن الموقف الداخلي فقال لنا لا حرمنا الله من صدق بيانه:

" اتفق على أن يتولى الإخوان مسئولية الانقلاب وحمايته والدفاع عنه من الناحية ا لشعبية، أي أن الضباط الأحرار يقومون بالجانب العسكري في الانقلاب، ويقوم الإخوان بالجانب الشعبي" واقرأ معي أيها القارئ العزيز كيف يصف الأخ حسن عشماوي قيام شباب الإخوان بهذه المهمة في صفحة 31 من كتابه الإخوان والثورة فيقول:

" كل مصري كان يعلم أن طريق السويس ومناطق القتال كانت محفورة من الفدائيين وكل مصري كان يعلم أن السفارات الأجنبية والمراكز الحساسة في ا لقاهرة والأقاليم، ومنازل عبد الناصر وزملائه وأشخاصهم كانت تحرسها مجموعات من الإخوان في زي مدني، ليدفعوا عنها أي اعتداء من جانب المتطرفين، وكل مصري كان يعلم أن رحلة الرئيس نجيب وزملائه في أقاليم مصر لم تنجح إلا بسبب الإعداد الذي تم لها من جانب الإخوان" (انتهى).

يرحمك الله يا أخ حسن إذ تسجل لنا حقيقة تاريخية عن صدق الإخوان إذا وعدوا ، وجليل عملهم إذا عملوا، فمن يتحمل مسئولية ضياع هذه الجهود الصادقة التي أثبتت حنظلا؟ رواه دعاة الإسلام بسواعدهم، وسهر عيونهم، دون عمل أي ضمانات لحمايتهم، إذا تحققت بديهيتك التي سجلها لنا الأستاذ صلاح شادي في كتابه وهي تقول: " إن تدخل العسكريين في السياسة وتوليهم الحكم يؤدي إلى انحرافهم إلى الطغيان الشديد مما لا يمكن لأحد أن يحده أو يقف في مواجهته، كما أنهم يتعرضون للانحراف عن المبادئ والأهداف التي قاموا من أجلها أكثر من غيرهم لتجمع السلطة في أيديهم" (انتهى).

الحمد لله الذي أنقذك من جحيم عبد الناصر بالهرب إلى الكويت، وليحسن الله جزاء إخوانك الذين لقوا من صور العذاب والتعذيب ما لا يخطر على قلب بشر، تحت كرابيج زبانية عبد الناصر، وابتكاراتهم الشيطانية في فنون التعذيب الذي تستحي الوحوش الضارية أن تأتيه ، لا لشيء إلا لأن المجموعة التي اؤتمنت على مستقبل الدعوة لم تأخذ حذرها، وهل تغامر بهذا المستقبل فتضعه بين يدي ضباط لا يضعون الإسلام هدفا من أهداف انقلابهم.

عمل عبد الناصر على الاستفادة من وجوده السابق في التنظيم السري للإخوان المسلمين على محورين:

المحول الأول:

الاستفادة مما يعلمه عن العلاقات السيئة بين الأخ صلاح شادي شخصيا وبين النظام الخاص، فيوغر إليه ما يثير الخوف من استمرار النظام الخاص.. إما بادعاء أن عبد الرحمن السندي ليس أهلا لقيادة النظام وأنت ترى ذلك واضحا في كلام الأخ صلاح شادي نفسه في كتابه (صفحات من التاريخ) صفحة 121 حيث يقول:" ولكن عبد الناصر لم يجد بغينه المنشودة لدى عبد الرحمن السندي حيث لم يقدم له الأخير من المعرفة سوى أجزاء المسدس وإعادة تركيبه، وكان طموحه أبعد من ذلك" ، ويسجل الأخ صلاح شادي تحت رقم (2) من ذيل هذه الصحيفة الوقت الذي سمع من عبد الناصر ذلك فيقول:" كما دار في حديثه الصريح معي عند تعرفي به لأول مرة سنة 1950" ، وإما بإظهار خوفه من النظام بعد نجاح الثورة، فيبدي للأخ صلاح أن الثورة ترغب في حل النظام، وهذا هو التفسير المقبول الوحيد لموقف فضيلة المرشد العام من مخالفات الأخ حسين كمال الدين لتعليمات المرشد العام الصريحة بشأن النظام.

فكيف تفسر أن يتراجع المرشد العام ثلاث مرات عن تعليمات أصدرها علنا بشأن النظام الخاص أمام جميع المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم لمجرد أن الأخ حسين كمال الدين يرفضها؟. ما لم يكن وراء رفض الأخ حسين كمال الدين قوة ضاغطة، لا يستطيع كل من الأخ حسين كمال الدين ولا المرشد العام إعلان معارضتهما لها في ظروف الدعوة في تلك الأيام؟ وهل يمكن أن تكون هذه القوة إلا ضغط الثورة على المرشد العام عن طريق الأخ صلاح شادي ضابط الاتصال بينهما وبين المرشد العام، لوقف نشاط النظام الخاص، بدليل اتفاق كل من الأخوين صلاح شادي وحسين كمال الدين في وسيلة تنفيذ رغبة الثورة وهي العمل على وقف نشاط النظام الخاص عمليا، رغم إظهار بقائه بالأقوال، كما حدث من محاولات الأخ صلاح شادي تشغيل إخوان النظام الخاص عن غير طريق قيادتهم في الإسماعيلية، ومحاولة الأخ حسين كمال الدين تشغيل إخوان النظام الخاص عن غير طريق قيادتهم في القاهرة؟

لا يمكن أن يكون هناك تفسير لهذه الظاهرة غير الاستجابة لهذا الضغط من الثورة.. فالمرشد العام رجل قوي الشكيمة، عميق الذكاء، واسع الحيلة.. ولكنه لم يكن بوسعه أن يقف ضد رغبة الحكومة في أمر تراه الحكومة مكمن الخطر عليها، ويصله مضخما عن طريق ضابط اتصاله الأمين ، وهو لا يدري أن وقف عمل النظام الخاص هو في نفس الوقت أمنية العمر لهذا الضابط لأسباب لم يستطيع أن يخفيها حين حاول كتابة كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) ، ومن ثم يكون فضيلته قد رأي أن من الحكمة أن لا يقف ضد تصميم هين الأخوين على إبطال فاعلية النظام الخاص تأمينا لجماعة من صدام عاجل مع الحكومة قبل الأوان وسوف نخصص لكل خطأ سجله الأخ صلاح شادي عن النظام الخاص ورئيسه فقرة خاصة ثم نصححها في الفصل السابع من هذا الكتاب حتى يدرك القارئ العزيز كيف خطط جمال عبد الناصر ليضمن عدم فاعلية النظام الخاص، وهو يطمئن إلى تجاوبه مع ما يكنه الأخ صلاح شادي لهذا النظام ولرئيسه من آراء ضاربة في الخطأ إلى الأعماق.

المحور الثاني:

أن يستقطب جمال عبد الناصر كل من يستطيع استقطابه من ضباط الإخوان في الجيش ليضمه إلى صفوف الضباط الأحرار، ويضمن بذلك تضاؤل تمثيل الإخوان المسلمين بين صفوف القوات المسلحة تضاؤلا يعجزون معه عن التفكير في عمل أي انقلاب ضده، وأنت تجد دليل ذلك واضحا في كتاب" أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون" الذي كتبه حسين محمد أحمد حمودة أحد أفراد المجموعة القيادية لضباط الإخوان المسلمين عندما كان جمال عبد الناصر لا يزال واحدا منها..

فيقول الأخ حسين حمودة في صفحة 74 من هذا الكتاب: " وقد فاتحني جمال عبد الناصر في أوائل عام 1950 (اي قبل خروج عبد الرحمن السندي من السجن) في إعادة تكوين التنظيم السري للضباط وذكر لي أنه سيتكون من عناصر التنظيم السري السابق للإخوان المسلمين في القوات المسلحة، ومن عناصر أخرى من الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا، وسيحاول أن يضم عناصر أخرى من غير المتدينين بشرط أن تتوافر في الضابط صفة الشجاعة وكتمان السر.. وقال جمال عبد الناصر إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان المسلمين بالتنظيم السري لضباط الجيش الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943، وأنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني لشباب الإخوان وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين جمال عبد الناصر وإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بشأن قيام عبد الناصر وبعض رفاقه من الضباط بتدريب شباب الإخوان المسلمين على استعمال الأسلحة قبل حرب فلسطين.

وقال إن تسرب هذه الأنباء للحكومة ربما كان بسبب تعرض بعض شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في عهد عبد الهادي للتعذيب في السجون بواسطة رجال البوليس السياسي.

فوافقته على عدم الاتصال بعبد الرحمن السندي ضمانا لأمن تنظيم الضباط (السري الجديد).

ولكني تناقشت مع جمال عبد الناصر فش الشروط الواجب توافرها في الضباط الذين سنضعهم للتشكيل الجديد، وقال له: إننا كنا نراعي فيمن نضمهم لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش ن يكونوا من ذوي الأخلاق الحميدة، والضمائر الحية، فضلا عن صفة الشجاعة وكتمان السر، وأن من لا يخشى الله لا يستبعد عليه ارتكاب أي جريمة، وبخاصة لو نجحت الثورة وأصبح في يده سلطة .. فأجاب عبد الناصر بأن الحالة السياسية في مصر خطيرة جدا، والإصرار على توافر التدين في الضباط تزمت لا داعي له لأن أغلبية ضباط الجيش في ذلك الوقت لا تتوافر فيهم صفة التدين.. وبالتالي سيتأخر تنفيذ الثورة وربما قد لا نستطيع القيام بها إلا بعد وقت طويل جدا، وطول الوقت قد يؤدي إلى كشف الحركة والقائمين عليها فتموت الثورة قبل أن تقوم، إلى أن قال في صفحة (75):

ولما كنت قد نقلت للكلية الحربية في 19/ 11/ 1950 فقد انتظمت بناء على تعليمات جمال عبد الناصر في تشكيل الضباط الأحرار في الكلية الحربية وكان يقوم بالتدريس معي في هذه الكلية مجموعة من الضباط.

وقد أخبرني جمال عبد الناصر بأسماء الضباط الأحرار الموجودين في الكلية الحربية الذين نجح جمال عبد الناصر في ضمهم لتنظيم الضباط الأحرار وهم : زكريا محيي الدين، وعبد الحليم عبد العال يوسف، ومحمد حمدي عاشور، ومحمد أحمد البلتاجي، وكمال الدين الحناوي.

إلى أن قال في صفحة (76):

وشكلت قيادة الضباط الأحرار من نفس القيادة السابقة للتشكيل الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف مع محمود لبيب سنة 1944. فكان عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر عن سلاح المشاة، وكمال الدين حسين عن سلاح المدفعية وخالد محيي الدين عن سلاح المدرعات، وأنور السادات بعد عودته للجيش عن سلاح الإشارة.

وحدث بعد ذلك خلاف في الرأي بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف بخصوص تبعية هذا التنظيم السري للإخوان المسلمين كالتنظيم الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف سنة 1943 مع المرحوم محمود لبيب، ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين، ووافق باقي الضباط على رأي جمال عبد الناصر، فانسحب عبد المنعم عبد الرؤوف من قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة (انتهى).

إننا نأخذ من هذا السرد التاريخي الذي سرده الأخ حسين حمودة الحقائق الآتية:

(أ‌) أن جمال عبد الناصر بدأ تفكيره في إنشاء تنظيم جديد يضم أعضاء من ضباط الإخوان المسلمين، وأعضاء من ضباط الجيش الذين يتصفون بالشجاعة وكتمان السر وإن كانوا من غير المتدينين بعد مقتل الإمام الشهيد حسن البنا في سنة 1949، وكان قادة النظام الخاص بما في ذلك عبد الرحمن السندي لا يزالون في السجون، وأنه استقطب من ضباط التنظيم السري للإخوان لهذا التنظيم كلا من: جمال عبد الناصرعبد المنعم عبد الرؤوف- كمال الدين حسين- خالد محيي الدين- عبد الحكيم عامر- حسين حمودة- ومن غير ضباط الإخوان أنور السادات- وزكريا محيي الدين- وعبد الحليم عبد العال يوسف- ومحمد حمدي عاشور- ومحمد أحمد البلتاجي- وكمال الدين الحناوي.

فالثابت أن كلا من جمال عبد الناصر ، وعبد المنعم عبد الرؤوف ، وكمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، وعبد الحكيم عامر، وحسين حمودة قد بايع على أن يكون عضوا في التنظيم السري للإخوان المسلمين على المصحف والمسدس، ثم تعرف فور البيعة بعبد الرحمن السندي، وذلك بدليل ما هو ثابت في نفس المرجع صفحة 35 بالنسبة إلى عبد المنعم عبد الرؤوف، وجمال عبد الناصر، وكمال الدين حسين، وخالد محيي الدين، وحسين حمودة.. أما انضمام عبد الحكيم عامر لتنظيم الإخوان فهو ثابت فيما يرويه كمال الدين حسين عن بيعته وبيعة كل من جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر على المصحف والمسدس، وتعرفهم بعبد الرحمن السندي فور البيعة، وقد ورد ذلك في كتاب (الصامتون يتكلمون صفحة 158).

(ب‌) أن جمال عبد الناصر كان حريصا وهو يدعو لفكرة التنظيم الجديد وقبل أن يأخذ تصريحا من فضيلة المرشد العام بالتنفيذ على أن يدعو ضباط النظام الخاص الذين يستطيع أن يستقطبهم إلى مقاطعة عبد الرحمن السندي حتى لا يصل إلى عبد الرحمن السندي أخبار نشاطه لإنشاء تنظيمه، وأنه في نفس الوقت اتصل بالأخوين صلاح شادي، وحسن العشماوي على النحو المذكور في كتاب الأول صفحات من التاريخ (حصاد العمر) وكتاب الثاني: "الإخوان والثورة" تفصيليا، وأنه كان يستغل هذا الاتصال ليزيد من إيعاز صدر الأخ صلاح شادي ضد عبد الرحمن السندي حتى يضمن اكتساب ثقة الأخ صلاح شادي من ناحية، وذلك بإيجاد نقطة لقاء مشتركة في فكرهما إزاء عبد الرحمن، تضمن لصلاح الاطمئنان إلى أن نشاط عبد الناصر الجديد سيكون بعيدا عن النظام الخاص، وتضمن لجمال أن يجد وسيلة يستعملها لخلق شقاق بين النظام الخاص وقيادة الجماعة يبطل به أي خطورة للنظام الخاص على نظامه الجديد إذا كتب للإخوان المسلمين العودة إلى النشاط مرة أخرى.

(ج)أن بعضا من ضباط النظام الخاص في الجيش كانوا يعتبرون بداية انتظامهم في صفوف الإخوان المسلمين على شكل أسر سرية بقيادة الأخ الكريم الصاغ محمود لبيب يرحمه الله، هو بداية دخولهم التنظيم الخاص السري للإخوان المسلمين .. وهذا غير صحيح.. فإن انضمام ضباط الجيش في صفوف الإخوان المسلمين قديم قدم قيام دعوة الإخوان المسلمين ، وكانت الأسر التي تضمهم سرية لأن القانون كان يمنع ضباط الجيش من الانتظام في الجمعيات والتنظيمات السياسية، فالسرية في هذه الحالة لم تكن إلا لتأمين الضابط من مخالفة إدارية هي انضمام إلى جمعية سياسية، أما انضمام ضباط الإخوان المسلمين إلى النظام الخاص فهو يتطلب بيعة أخرى على المصحف والمسدس غير البيعة العادية التي يتلقاها المرشد العام في الاجتماعات العامة، وتكون هذه البيعة بقصد تجديد العهد على بذل المال والنفس في سبيل نشر الدعوة الإسلامية، وإضافة عهد جديد على الطاعة والكتمان في كل ما يخص تنظيمات النظام الخاص وأعماله حتى على الأهل وأقرب المقربين، وتكون السرية بعد هذه البيعة على كل ما يتعلق بالعمل العسكري للإخوان المسلمين الذي يتم التكليف به، أو العلم به عن طريق أجهزة النظام الخاص.

فقد لاحظنا أن الأخ حسين حمودة رغم أنه مر بالمرحلتين فبايع الصاغ محمود لبيب سنة 1944 في اجتماع سري على العمل والإخلاص وبذل المال والنفس في سبيل دعوة الإسلام، وهذه هي البيعة العامة التي تضمه إلى صفوف الإخوان المسلمين العامة، وهو اختصاص الصاغ محمود لبيب (راجع كتابه صفحة 76) ثم بايع في أوائل عام 1946 على المصحف والمسدس ومعه كل من اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف، واليوزباشي جمال عبد الناصر ، والملازم أول كمال الدين حسين، والملازم أول سعد حسن توفيق، والملازم أول خالد محيي الدين، والملازم أول حسين حمودة، والملازم أول صلاح خليفة، وفور أدائهم لهذه البيعة تعرفوا على عبد الرحمن السندي، فكانت هذه البيعة هي بيعة اختيارهم من بين ضباط الإخوان المسلمين في الدعوة العامة ليكونوا ضمن ضباط الإخوان المسلمين في النظام الخاص (راجع كتابه صفحة 33) وعلى الرغم من اختلاف هاتين المرحلتين فإننا نجد الأخ حسين حمودة يصف بيعته الأولى سنة 1944 أنها بيعة للدخول في التشكيل الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف مع محمود لبيب سنة 1944 (راجع كتابه ص 76) بل ويذهب إلى أكثر من ذلك فيقول في نفس الصفحة وهو يعرض إلى الخلاف بين عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف بشأن تبعية التنظيم السري للضباط الأحرار إلى الإخوان المسلمين، فيشبه التنظيم السري للضباط الأحرار بالتنظيم السابق الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف سنة 1943 مع المرحوم محمود لبيب ولكن الحقيقة أن بيعته الأولى كانت للدخول في عضوية جماعة الإخوان المسلمين.

أما البيعة الثانية فهي بيعة على الدخول في النظام الخاص، الذي يقوم برسالة خاصة من واجبات جماعة الإخوان المسلمين تقتضي السرية والفداء، والدخول بهذه البيعة في النظام الخاص، هو الذي يشبه العهد بالدخول في تنظيم الضباط الأحرار، لأن كليهما قد قصد به دخول في تنظيم خاص له أهداف خاصة، وواجبات خاصة، والتزامات خاصة لا يلتزم بها باقي الضباط الذين لم يبايعوا هذه البيعة.

وجدير بالذكر أن الأخ صلاح شادي وقع في نفس اللبس فتحدث عن تشكيلات ضباط الجيش من الإخوان منذ سنة 1936، 1943، 1944 إلخ مما يوحي بأنها تشكيلات النظام الخاص في الجيش، وذلك أثناء كتابته صفحات من التاريخ (حصاد العمر) فأوقع القارئ في كثير من اللبس والخطأ، وسوف نصحح المواقع التي أدت إلى هذا اللبس من كتاب الأخ صلاح شادي في الفصل السابع من هذا الكتاب إن شاء الله.

إن التعليل الذي سجله الأخ حسين حمودة على لسان عبد الناصر رغم مرور 34 عاما على تفكير عبد الناصر في إنشاء تنظيم سري جديد للضباط الأحرار، غير تنظيم النظام الخاص لضباط الجيش المصري من الإخوان المسلمين، قد جاء مطابقا للتعليل الذي ذكره لي الأخ عبد الرحمن السندي وسجلته في وثيقتي التي وزعتها على أعضاء الهيئة التأسيسية، وأعضاء مكتب الإرشاد، عن فكر عبد الناصر الجديد، وكان هذا التسجيل بعد عامين فقط من عرض عبد الناصر الفكرة الجديدة على عبد الرحمن السندي.

فقد كان عرض عبد الناصر فكره على حسين حمودة سنة 1950، وكان تحرير حسين حمودة لكتابه أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمين في 1/ 11/ 1984، أي بعد 34 عاما كاملة كما كان عرض عبد الناصر فكره على عبد الرحمن السندي في سنة 1951، وكان تحريري لهذا الفكر في وثيقتي سنة 1953، أي بعد سنتين فقط.

ولا شك أن تطابق التسجيلين في النص والمعنى، يدل دلالة واضحة على صحة مضمونها المطلقة خاصة أن حسين حمودة لم يطلع يقينا على وثيقتي، فقد جعلتها سرية على جميع الإخوان المسلمين إ على أعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء مكتب الإرشاد والأخوة الأربعة المفصولين لأنهم كانوا وحدهم المعنيين، بما جاء في هذه الوثيقة دون غيرهم من الناس.

كان هدف جمال عبد الناصر من عرض هذا الفكر على حسين حمودة هو استقطابه لتنظيم الضباط الأحرار، وإبعاده عن التنظيم الخاص للإخوان المسلمين في الجيش، فلما نجح جمال في تحقيق ذلك الهدف، وأقنع حسين حمودة وغيره بقطع علاقته بعبد الرحمن السندي والتفرغ لتنظيم الضباط الأحرار أمن من نفسه من جهة هؤلاء الضباط، وأخذ يتردد على عبد الرحمن السندي عن طريق الأخ أبو المكارم عبد الحي رئيس تنظيم ضباط الإخوان المسلمين الخاص في الجيش لإقناعه بفكره، حتى يستقطب باقي ضباط الإخوان في الجيش سواء الذين يعرفهم أو الذين لا يعرفهم.. ولكنه يخشى باسهم.

ولكن عبد الرحمن استعصى على جمال عبد الناصر، ولم يوافق على طلبه، وكان ذلك في حضور الأخ أبو المكارم عبد الحي.. خاصة وأن البت في هذا الطلب لا يقع أصلا من اختصاص عبد الرحمن السندي.. ولكنه من اختصاص المرشد العام، وقد أرجأ عبد الرحمن البنا في هذا الموضوع إلى ما بعد خروج من السجن، ولقائه بالمرشد العام.. خاصة أن الإخوان كانوا قد اتفقوا على مرشدهم الجديد وهو فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي (يرحمه الله) فأصبح هو المختص باتخاذ قرار في هذا الفكر الجديد الذي يقترحه عبد الناصر.

وقد انتظر عبد الناصر فعلا حتى خرج عبد الرحمن السندي من السجن واصطحبه ومعه الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف إلى فضيلة الأستاذ الهضيبي الذي وافق جمال عبد الناصر على فكره واشترك فقد أن يكون تنظيم جمال صديقا للإخوان المسلمين وليس من تنظيماتهم.. وبذلك يكون جمال عبد الناصر قد تحلل من بيعته للإخوان المسلمين وأصبح مستقلا عنهم ولا تزيد علاقته بهم عن الصداقة والتعاون في مجال تحقيق هدفه الثوري لصالح مصر.

إن ضرورة الالتزام بما تفرضه بيعة العضوية في النظام الخاص مدى الحياة كانت واضحة عند إخوة كعبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي وغيرهم فقد رفض عبد المنعم عبد الرؤوف استمراره في تنظيم الضباط الأحرار الذي تحدث بشأنه جمال عبد الناصر معه ومع غيره من ضباط النظام الخاص، واشترط للدخول في التنظيم الجديد الالتزام ببيعته للإخوان المسلمين أي أن يكون امتدادا لتنظيم الإخوان الخاص في الجيش.. فلما خالفه عبد الناصر في الرأي، ووافق على رأي جمال عبد الناصر انسحب عبد المنعم عبد الرؤوف (يرحمه الله) من قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الكريم عامر عن سلاح المشاة.

  • عاشرا: مفاضلة بين إخوان النظام لدورهم الحقيقي في خدمة الدعوة ووعي الأخ صلاح شادي وصحبه:

ولهذه النقطة أهمية كبرى فهي تدل على أن ما غاب عن الإخوة صلاح شادي وحسن العشماوي من أن اتجاه عبد الناصر بالانقلاب هو اتجاه وطني وليس إسلاميا، كان معروفا بوضوح عند الإخوة عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي وعبد الرحمن السندي، وكان جمال عبد الناصر يعلم ذلك يقينا.. ولكنه لرغبته في أن يضمن معاونة الإخوان، وقد قرب موعد الانقلاب لعب بالألفاظ وطمأن هذين الأخوين الكريمين ومن معهما من الإخوان على أنه سيتدرج في تطبيق الشريعة الإسلامية بعد نجاح الانقلاب .. وشتان بين ما لم يقبله الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف، وقبله صلاح شادي وإخوانه، ولم يفكروا في بيانه للمرشد العام بل نقلوا إليه أن جمال عبد الناصر ملتزم بتطبيق الشريعة الإسلامية بعد الانقلاب فصدقهم دون أن يستوثق بنفسه من هذا الأمر الخطير.

  • حادي عشر: صرح شادي وصحبه لم يحسنوا نقل ما اتفقوا عليه مع عبد الناصر إلى المرشد:

إنك أيها القارئ العزيز لتجد دليل هذا الكلام واضحا فيما نشه الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) فأنت تجد في هذا الكتاب صفحة (82) ما نصه:

" وفي يوم 30 يوليو سنة 1952 الساعة السابعة صباحا تم اللقاء بين المرشد وعبد الناصر لأول مرة في منزل الأخ صالح أبو رقيق لقربه من مقر القيادة العامة للجيش، وقد دار الحديث بينهما من منطلق ما اتفق عليه عبد الناصر مع الإخوة الذين كانوا يجتمعون معه قبل قيام الحركة كما سبق أن ذكرنا بالتفصيل.. غير أن عبد الناصر بدأ يتنصل شيئا فشيئا من بعض الالتزامات التي تقتضيها المشاركة المتفق عليها.. فمثلا عندما قيل له بوجوب التشاور مع الإخوان في الأمور الرئيسية في السياسة العامة قبل اتخاذ أي قرار نهائي سواء في النواحي السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية. وذلك بصفته شركاء في المسئولية. هنا رفض عبد الناصر وقال عبارته التي كان يكررها في مناسبات مختلفة " إنه لا يقبل وصاية من اي جهة على الثورة" وهنا وجه المرشد حديثه متسائلا يتعجب إلى حسن عشماوي ألم تتفقوا على المشاركة يا حسن؟ فأجاب بلي اتفقنا.. وهنا ظهر على المرشد العام عدم الارتياح أو الاطمئنان لدرجة أنه لم يشارك في الحديث تقريبا حتى نهاية الجلسة التي دامت حوالي الساعتين، بعدها انصرف عبد الناصر.

أبدى المرشد للإخوان عقب انصراف عبد الناصر عدم اطمئنانه إلى اتجاه هذه الحركة، وعدم ثقته بالقائمين عليها، لما بدا من تنصل المسئول الأول الفعلي من التزاماته، ووعوده، التنصل الذي بلغ حد الكذب، وذلك في أول خطوة في طريق الحركة، ورتب على ذلك أنه لا يمكن اعتبارها حركة إسلامية تسير على الخط والهدف الذي يتبعه الإخوان.. وإنما يمكن اعتبارها على أحسن الوجوه حركة إصلاحية ويبتغي القائمون بها الانفراد بالعمل، وأنه يجب أن يكون تعامل الإخوان معهم قائما على هذا الفهم" (انتهى).

فأنت ترى أيها القارئ الكريم أن الأستاذ المرشد قد خرج من اللقاء الأول له مع عبد الناصر في اليوم السابع بعد نجاح الانقلاب، بنتيجة محددة هي أن كل ما نقله إليه الإخوة الكرام المؤتمنون على مستقبل الدعوة، وهم يضعون رجالها في خدمة الانقلاب، لم يكن له وجود في ذهن عبد الناصر، وأنه صارح المرشد العام بذلك في مواجهتهم ، فعبد الناصر لم يتزحزح في هذا اللقاء عن المبادئ التي أعلنها على هؤلاء الإخوان يوم لقائه بهم في منزل الأخ عبد القادر حلمي للمناقشة في أهداف الانقلاب والمنشورة في كتاب الأخ صلاح شادي صفحة 169- 170 وهي بشهادة الأخ صلاح شادي نفسه.

1- إصلاح نظام الحكم السياسي بإرساء قواعده على أساس حكم نيابي سليم.
2- تطهير الجيش وأجهزة الدولة من عملاء الملك وعناصر الفساد.
3- إصلاح اجتماعي واقتصادي شامل.
  • ثاني عشر: القيمة العملية لوجهات نظر الإخوان التي ذكروها لجمال أثناء المناقشة:

أما وجهة نظر هؤلاء الإخوان التي تتلخص في أن مبادئ الإسلام هي الأساس الوحيد الصالح لحكم مصر، ولعلاج الجانب السياسي والاجتماعي منها، وقد ذكروها لعبد الناصر فور تحديده لمبادئ الانقلاب.ز فهي لا تزيد عما هو منصوص في دستور مصر قبل وبعد الثورة من أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، أو أن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع.. بل إنها تقل لأن الثابت في الدستور قبل الثورة وبعدها عن الالتزام بالإسلام شرعة ومنهاجا هو نصوص معلنة على الناس ومع ذلك لا تلزم بها السلطة ورغم ذلك فإن عبد الناصر لم يسلم للإخوان بوجهة نظرهم ولكنه قال إنه لن يعلن أي ارتباط بالإسلام قبل نجاح الانقلاب ولكنه سوف يأخذ الأمور تدريجيا بعد ذلك كما جاء نصا في نفس كتاب الأخ صلاح شادي صفحة 170 حيث قال:

" أقر عبد الناصر ذلك وأكد تمسكه بالإسلام أساسا للتغيير المنشود، وأوضح أن هدفه الإسلام.. إلا أنه قال: إن المصلحة عدم المجاهرة بذلك في بادئ الأمر.. ولكن تؤخذ الأمور تدريجيا حتى لا يحارب أعداء الإسلام الحركة في أول عهدها".

ومعنى هذا الكلام أنه لم يرتبط في هذا اللقاء بإعلان أن حركته إسلامية.. ولكنه أرجأ دراسة هذا الموضوع إلى ما بعد نجاح الانقلاب واشترط أن تؤخذ الأمور تدريجيا.

لكن هؤلاء الإخوة الكرام عند عرضهم ما اتفقوا عليه مع عبد الناصر قبل قيام الثورة على المرشد العام لم يوضحوا له هذه النقطة بصراحة وهم يحاولون أخذ موافقته على اشتراك الإخوان في الانقلاب، وقد جاء ذلك في كتاب الأخ صلاح شادي صفحة 176 تحت عنوان " مخاوف المرشد" بالنص الآتي:

" وقد عرض الإخوة الموضوع الذي جاءوا من أجله على المرشد ووجه إليهم المرشد عدة استفسارات أهمها مدى تمسك هؤلاء الضباط بالإسلام، ومدى إخلاصهم في قولهم بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، وهل تم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر؟ وهل اتفق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في المسئولية إزاءه، والتعاون في تنفيذه، وبعد نجاحه (يعني الانقلاب)، وفي النهاية أعطاهم المرشد موافقته المشروطة بالأمرين السابقين، كما أعطاهم الحق في الاتصال بالإخوان لتنفيذ التعليمات في الوقت المناسب، التي تترتب على قيام الانقلاب والمشاركة فيه، بما فيهم ضباط الإخوان في الجيش لتنفيذ ما يصدر إليهم من تعليمات قيادتهم".

وهذه العبارة القوية الصريحة الصادرة عن المرشد العام التي يسجلها الأخ صلاح شادي على أنه من شهودها ولا يعفيه من التسليم بدقة صياغتها ومطابقتها للحقيقة أنه ينسبها إلى الأخ عبد القادر حلمي.. لأنها تمثل وقائع هو نفسه طرف فيها.. هذه العبارات شديدة الصراحة في أن هؤلاء الإخوة أجابوا على أسئلة فضيلة المرشد العام بالإيجاب، وإلا لما أذن لهم فضيلته بهذه الموافقة على وضع كل الإخوان مدنيين وعسكريين تحت تصرف القيادة العامة للقوات المسلحة.

فهل كان الرد على فضيلة المرشد العام بالإيجاب ردا مطابقا لحقيقة ما اتفق عليه هؤلاء الإخوة مع جمال عبد الناصر؟

الواضح الذي أثبتناه أن ما نقله الأخ صلاح شادي ومجموعته عن الاتفاق الذي تم بينهم وبين جمال عبد الناصر إلى فضيلة المرشد العام لم يكن مطابقا للحقيقة.. فجمال عبد الناصر لم يذكر لهم شيئا، وهم لم يذكروا له شيئا عن الاتفاق على المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في المسئولية ومدى صدق هؤلاء الضباط وإخلاصهم بالعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية، كما أننا بينا أنه لم يتم الاتفاق في وضوح وصراحة على هذا الأمر.. وليراجع القارئ الكريم بنفسه نصوص ما سجله الأخ صلاح شادي عن هذا الموضوع في كتابه صفحة 170 وقد نسخناه حرفيا ونحن نناقش هذا الموضوع ليتأكد أن عبارة المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط، الأحرار في المسئولية لم ترد إطلاقا أثناء المناقشات ، وكل ما ورد هو استبعاد جماعة الإخوان نهائيا عن احتمال إسناد الحكم إليها بعد نجاح الانقلاب، وقد كان هذا الاستبعاد موضع موافقة الطرفين.

وإنني لا أدري لماذا اقتصر الأخ صلاح شادي وهو يختار المثل على تنصل عبد الناصر شيئا فشيئا من بعض التزاماته على مبدأ المشاركة الكاملة بين الإخوان والضباط الأحرار في المسئولية.. على الرغم من أن هذا المبدأ لم يرد له اي ذكر عند سرد صلاح للمناقشة التي دارت مع عبد الناصر عن أهداف الانقلاب، وكان الأولى له لو أنه متأكد أن عبد الناصر التزم بتطبيق الشريعة الإسلامية ثم تنصل شيئا فشيئا أن يضرب هذا المثل.. فالإخوان لا يهمهم أن يشتركوا مع الحاكم في تطبيق الشريعة الإسلامية، إذا التزم الحاكم بتطبيقها فذلك هو أقصى آمال الإخوان المسلمين المعلنة في مبادئهم.. ولكن المستفاد من عدم ضرب صلاح لهذا المثل هو عجزه عن إثبات أن جمال عبد الناصر ارتبط به فعلا كهدف من أهداف الثورة، فاكتفى بضرب مثل لا وجود له متعلق بالوسائل دون الأهداف.

والواضح مما سبق النص عليه من مناقشة بين فضيلة المرشد العام وبين جمال عبد الناصر في لقائه الأول في اليوم السابع من قيام الثورة بمنزل الأخ صالح أبو رقيق أن المرشد العام صدم صدمة شديدة لما ظهر له أنه أمام احتمالين لا ثالث لهما.. إما أن يكون جمال عبد الناصر كاذبا فيما أنكره، وإما أن يكون الإخوة الذين أسند إليهم مهمة الاتصال بجمال لم يحسنوا النقل إليه عن جمال.

وقد اختار فضيلة المرشد العام على الفور الاحتمال الأول وهو أن جمال كان كاذبا.. وعلى الرغم من ذلك فقد خلص إلى نفس النتيجة التي كان قد عاهد عليها جمال عند عرض فكرته الجديدة بإنشاء تشكيل سري للضباط الأحرار يكون صديقا للإخوان وليس منهم.

فقد قال فضيلة المرشد العام لجمال عبد الناصر حينئذ إن العمل الوطني هو جزء من مسئولية الدعوة، وأننا سنعاونكم في تحقيق أهدافكم الوطنية كأصدقاء.. أما الدعوة فلها أبعاد وأهداف أكثر اتساعا من مجرد الأهداف الوطنية.

كما قال فضيلة المرشد العام فور أن رجح كذب جمال عبد الناصر ما نصه حسب رواية الأخ صلاح شادي.

" إن فضيلة المرشد العام رتب على ذلك (الكذب في اول خطوة في طريق الحركة) أنه لا يمكن اعتبارها حركة إسلامية تسير على الخط والهدف الذي يبتغيه الإخوان .. وإنما يمكن اعتبارها على أحسن الوجوه حركة إصلاحية ويبتغي القائمون بها الانفراد بالعمل" .

ولكن الأخ صالح أبو رقيق يصف لنا ما دار بين جمال عبد الناصر وبين فضيلة المرشد العام في اللقاء الأول لهما بعد نجاح الانقلاب بصورة أخرى، وكان هذا اللقاء في منزل صالح أبو رقيق كما سبق أن ذكرنا.

  • خامس عشر: رواية الأخ أبو رقيق لما دار في الاجتماع الأول بين المرشد وجمال بعد نجاح الثورة:

يروي الأخ محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ من الداخل" الجزء الثالث صفحة 24 نقلا عن الأخ صالح أبو رقيق ما نصه:

" وتم أول لقاء بين عبد الناصر والمرشد حسن الهضيبي يوم 28 يوليو – حضر عبد الناصر إلى منزلي حيث كان ينتظره المرشد العام وعبد القادر حلمي وحسن العشماوي وصلاح شادي، وقال عبد الناصر ونحن نصعد درجات السلم:

" أنا خايف على الأولاد من نشوة النصر" ووجدتني أقول له بسرعة، نصر إيه؟ ده لسه المشوار طويل.. عايزين ننظف البلد، ونطهرها من الفساد، وتقوم المشروعات.. وعندما ودخل عبد الناصر وصافح المرشد فوجئت به يقول للمرشد:

" قد يقال لك إن إحنا اتفقنا على شيء.. إحنا لم نتفق على شيء".

والواضح من مبادرة جمال عبد الناصر للمرشد العام بهذا النص فور المصافحة أنها تعقيب على حديث سابق تم بين المرشد وبين جمال عبد الناصر بشأن الانقلاب، وأن هذا الحديث لم يعلم به أحد من الإخوة صلاح شادي، وحسن العشماوي، وعبد القادر حلمي، وصالح أبو رقيق.. حيث عقب صالح أبو رقيق فور سماعه لهذه المفاجأة بقوله: (كما هو ثابت في السطر التالي مباشرة عن نفس المرجع لما قاله جمال للمرشد العام).

وكانت مفاجأة فقد كان اتفاقنا أن تكون الحركة إسلامية ولإقامة شرع الله.. واستمرت المقابلة في مناقشات أنهاها المرشد بقوله لجمال عبد الناصر:

" اسمع يا جمال.. ما حصلش اتفاق.. وسنعتبركم حركة إصلاحية إن أحسنتم فأنتم تحسنون للبلد، وإن أخطأتهم فسنوجه إليكم النصيحة بما يرضي الله" وانصرف جمال وقال لنا المرشد: " الراجل ده ما فهش خير.. ويجب الاحتراس منه" انتهى.

ولم يكن هذا اللقاء السابق إلا اللقاء الذي تم بين جمال والمرشد في حضور عبد الرحمن السندي يرحمه الله وعبد المنعم عبد الرؤوف، وقد سجلته في وثيقتي التي قدمتها لأعضاء الهيئة التأسيسية ولأعضاء مكتب الإرشاد سنة 1953 والتي بينت فيها أن فضيلة المرشد العام وافق على فكرة جمال عبد الناصر بتنظيم الضباط الأحرار السري، ووعده بأن يجد كل معاونة من الإخوان لتحقيق هدفه الوطني، ولم يلزمه في هذا اللقاء بأي سيء قبل جماعة الإخوان المسلمين.. ويبدو أن فضيلة المرشد العام لم يذكر شيئا عن هذا اللقاء لأحد من هؤلاء الإخوة لأنه لم يظهر له وجود في كتبهم، ولا مذكراتهم التي نشروها.. فلم بين له جمال أنه لم يحدث أي إضافة جديدة على ما كان بينهما في هذا اللقاء سلم له بصفته المرشد العام بذلك فورا، وأعلنه أنه يعتبر الحركة حركة إصلاحية، ولها حق النصيحة فقط م الإخوان.

أفراح الإخوان وأتراحهم فور نجاح الانقلاب

كان طبيعيا أن يفرح الإخوان كافة بنجاح الانقلاب.. لأن كل فرد منهم سواء المدنيين أو العسكريين قد أسهم بنصيب في إنجاحه، فعم البشر جميع تشكيلات الإخوان المسلمين لزوال عهد سبق أن غدر بهم فطعنهم من الخلف أن يفرحوا كل هذا الفرح وهم لا يدرون شيئا عم يدور وراء الكواليس من خلاف عميق بين قيادتهم وبين قيادة الانقلاب أدى إلى فقدان ثقة قيادة الإخوان بقيادة الانقلاب عند أول لقاء وقع بين فضيلة المرشد العام وجمال عبد الناصر في اليوم السابع من نجاح الانقلاب.

وقد ساعد إخفاء هذا الخلاف عن جماهير الإخوان على استمرار تعاطف أعداد كبيرة من الإخوان مع الثورة وهي لا تعلم شيئا عن تغيير رأي المرشد العام في قيادة الثورة.. هذا التغيير المفاجئ الذي لم تسبقه أي مقدمات معلنة.

ولم يكن أحد من كبار قادة الإخوان المسلمين أصحاب الماضي المجيد في نشأة هذه الجماعة وتنشئة رجالها قد اشترك في مقدمات هذا الخلاف، أو سمع عنه.. فقد كانت هذه المقدمات محصورة في عمل ستة أفراد من جماعة الإخوان المسلمين لم يكن لأحد منهم نشاط في مجال تربية الإخوان يمكن أن ينظر إليه على أنه نشاط فذ.. فهذه المجموعة هي كما أسلفنا الإخوة صلاح شادي، وعبد القادر حلمي، ومنير دله، وحسن عشماوي يرحمهما الله وفريد عبد الخالق، وصالح أبو رقيق.. وهي جميعا أسماء لم تكن معروفة في صفوف الإخوان العامة ما عدا الأخ فريد عبد الخالق الذي كان رئيسا لقسم الطلبة، أما الباقون فكان كل نشاطهم نشاط الصالونات وروادها الذين يتابعون نشاط الإخوان ويناقشونه مع المرشد العام عقلانيا وعاطفيا، ويتحدثون عنه مع نظرائهم من أولاد الذوات الذين رقت قلوبهم لدعوة الإسلام، فيستمعون بهذا النشاط المرهف، وكان من يتعرف من الإخوان على أحد من هؤلاء الإخوة يقدر فيهم أكبر ما يقدر أنهم استطاعوا رغم كونهم من أولاد الذوات أن يلتزموا في حياتهم الشخصية بتعاليم الإسلام ومبادئه، وأن ينتصروا على المغريات الكثيرة التي تتوافر في بيئتهم الاجتماعية، وكان هذا الانتصار وحده كفيلا بأن يلقي هؤلاء الأفراد محبة وتقدير كل من يتعرف عليهم من الإخوان المسلمين.

ولهذا السبب وحده لم يستطع الراسخون في تأسيس دعوة الإخوان المسلمين أمثال صالح عشماوي، ومحمد الغزالي، والسيد سابق، والبهي الخولي، وعبد العزيز كامل ، والدكتور محمد سليمان، وأحمد حسن الباقوري، وأحمد عبد العزيز جلال، وعبد الرحمن البنا، وأنس الحجاجي أن يستسيغوا من قيادة الإخوان تسخيرها للإخوان جميعا مدنيين وعسكريين ليكونوا في خدمة الانقلاب حراسا ومقاتلين.. فإذا نجح الانقلاب قادتهم هذه القيادة نفسها فورا وبلا مقدمات إلى مناصبته العداء غير عابئين بما يمكن أن تؤدي معاداة حكومة عسكرية إلى أذى وهدم لكل ما بناه الإخوان بسواعدهم طوال عشرين عاما أو يزيد، فوقف هؤلاء الإخوان كل بطريقته إما بالاتصال الشخصي كما فعل السيد سابق، أو بالنشر في مجلة الدعوة كما فعل صالح عشماوي ومحمد الغزالي وأنس الحجاجي، أو بتحمل المسئوليات مع الانقلاب كما فعل أحمد حسن الباقوري والدكتور محمد سليمان من أول الأم وتلاهما الدكتور عبد العزيز كامل ، وكمال أبو المجد بعد ذلك في فترات متلاحقة، وقفوا من سياسة قيادة الجماعة التي تقودها إلى صدام أكيد مع الثورة موقف العداء.ز وبلغ من هجوم صالح عشماوي، ومحمد الغزالي على المرشد إزاء هذا الموقف العجيب حد اتهامه بالماسونية، فهما لم يفهما من تعريض الإخوان إلى نكسة جديدة مع فاروق إذا فشل الانقلاب، ثم تعريضهم إلى نكسة جديدة مع فاروق إذا فشل الانقلاب، ثم تعريضهم إلى نكسة أكثر منها خطورة إذا نجح الانقلاب إلا على أنه تدبير محكم للقضاء على دعوة الإخوان المسلمين التي عاشوا من أجلها، يقتلونها بالمهج والأرواح.

وقد أدى هذا الموقف طبعا إلى انشقاق هؤلاء القادة الأفذاذ للإخوان المسلمين عن الجماعة التي تربت على السمع والطاعة لمرشدها في المنشط والمكره، وبلغ الأمر أن وجهت قيادة الجماعة عواطف أتباعها إلى اتهام هؤلاء الإخوان بأنهم عملاء لعبد الناصر، وأنهم باعوا أنفسهم ودينهم بدنياهم، وهم لا يدرون أنه لو صح فيهم هذا الاتهام لكان على التربية الإسلامية التي تربوا في أحضانها العفاء، ولكن مجريات الأمور أثبتت صدق هؤلاء الإخوان في الدفاع عن دعوتهم، فقد ثبت هؤلاء الإخوان على الدعوة لدين الله فسخر صالح عشماوي مجلة الدعوة لصالح الجماعة، واشترك في تحريرها معاونة منه للجماعة على القيم من عثرتها، وعاد الغزالي إلى صفوف الجماعة بعد أن شاهد ما وقع على ا لإخوان من ظلم واجهوه بثبات وإيمان، واستمر سيد سابق فقيها يملأ الأرض علما ونورا.

أول لمحة لوجود خلاف بين قادة الدعوة وقادة الثورة

مما يذكر أو أول لمحة لوجود شيء غامض بين قيادة الإخوان وقيادة الثورة، كانت من رهط من قدامى الإخوان جمعهم حرصهم على الدعوة من أن تضيع مجهوداتهم لإنجاح الانقلاب هباء إذا ما ساءت العلاقة بين الحكومة والإخوان.

وإنني أشهد أنني كنت واحدا من هذا الرهط لم يجمعنا التنظيم السري ولكن جمعتنا إرادتنا في دفع سياسة الجماعة إلى ما يمكنها من الاستفادة من نجاح الانقلاب لتحقيق هدفها في توجيه الحكومة إلى الحكم بشريعة الإسلام.. باعتبارنا من أبناء هذه الدعوة ولقادتها علينا حق النصيحة شرعا.

وإنني أذكر أننا كنا حوالي عشرين رجلا نجتمع بدار الكتاب العربي في الأيام الأولى للثورة لنفكر في أثر بعد المرشد العام عن القاهرة رغم وقوع هذا الحدث الخطير، واستمرار صمت الجماعة عن إعلان علاقتها بهذا الانقلاب الذي لم ينجح إلا بسواعد الإخوان، وتقديمهم جميعا أنفسهم فداء للتخلص من عهد فاروق الذي تجسدت في آخر أيامه خيانة مصر والعروبة، وتعرضت فيه الجماعة للحل والقتل والحبس والاعتقال والتعذيب والمصادرة.

إنني لا أذكر وأنا أكتب هذا الفصل من أسماء هؤلاء الإخوان إلا اسمي، واسم الأخ أبو المكارم عبد الحي واسم فضيلة الشيخ السيد سابق.ز وذلك لأن الدور الذي أداه هذا الرهط كان دورا صغيرا انتهينا منه في فترة قصيرة، وافترق كل منا إلى التزاماته في الجماعة بعد ذلك.

كنا نخشى مغبة استمرار المرشد العام بالإسكندرية وصمت الإخوان عن إعلان دورهم في الانقلاب، وعلاقتهم به، في الوقت الذي نشرت فيه كل الأحزاب السياسية في مصر تأييدها للانقلاب.. كنا نخشى أن يؤدي ذلك إلى سوء العلاقات بين الثورة والإخوان، ولما ينقضي على تضحية الإخوان لإنجاح الانقلاب إلا أيام قلائل.. فلما اقتربنا من اليوم الخامس دون أن يظهر ما يبين للناس دور الإخوان في هذا الانقلاب وعلاقتهم به قررنا أن نذهب مجتمعين إلى المركز العام لنطالب السكرتير العام الموجود في القاهرة وهو الأخ لكريم الأستاذ عبد الحكيم عابدين بضرورة أن يصدر المركز العام بيانا لتوثيق العلاقة بين الثورة والإخوان.. حيث لا يجوز أن ينفك وثاق متين أراده الله بين الجماعة وبين الحكومة لمجرد إهمال من المسئولين في المركز العام في واجباتهم، ولم نكن نرى أن غياب المرشد العام في الإسكندرية يصلح أن يكون سببا للوقوع في هذا الخطأ الكبير.. فما أقرب الإسكندرية إن كان لنا بها حاجة ملحة.

ولم يملك الأخ عبد الحكيم عابدين إلا أن يسلم بصحة منطقنا، فأمسك القلم على الفور وبدأنا جميعا نتعاون في إعداد صياغة أول بيان يصدر من جماعة الإخوان المسلمين يعلن للناس بأن الثورة هي ثورة الإخوان ويعلم الإخوان بأن الثورة هي ثورتهم، وقد طابت نفوسنا جميعا لصدور هذا البيان ونشره في الصحف، ونحن لا ندري شيئا عما يدور وراء الكواليس من خلافات بين حكومة الثورة وقيادة الإخوان.. هذه الخلافات التي تفاقمت تدريجيا وانتهت بحل الإخوان، واعتقالهم، وتعذيبهم ، وقتلهم دون رحمة أو عدل أو وفاء.

خاتمة هذا الفصل من الكتاب

وهكذا أدت السلبية الرابعة لمعارك 1948 إلى تدمير كل ما جناه الإخوان من نصر في هذه المعارك، ثم وقوعهم تحت نير حكام طغاة مستبدين.. لم يكن أحد من قادة الإخوان يجهل أن هذا سيكون مآل هؤلاء الحكام الذين أسهموا في تسليمهم قيادة مصر، وتقديم إخوانهم فداء لنجاح الانقلاب دون اتخاذ الضمانات الكافية لمنع هذا الطغيان الكبير الذي أوقع مصر كلها فيما تعانيه حتى ليوم من مصاعب سياسية، واقتصادية، وهزائم عسكرية لم يسبق لها في هذا البلد الطيب مثيل من قبل.. ولله عاقبة الأمور.

ولابد لي قبل أن أنهي هذا الفصل الحزين من سلبيات سنة 1948 أن أشير إلى ما كتبه الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) صفحة 177 بعد أن أتم سرد روايته عن المناقشات التي دارت بين مجموعته وبين جمال عبد الناصر عن أهداف الانقلاب، والاتفاقات التي تمت بين هذه المجموعة وبين جمال عن أسلوب التنفيذ والتحرك سواء خلال الانقلاب أو بعد نجاحه.. لابد لي أن أشير غلى ما كتبه الأخ صلاح في صفحة 177 تحت عنوان (تذكير بالبيعة) حيث مسجل سيادته على لسان الأخ عبد القادر حلمي أحد أفراد المجموعة الأولى النص الآتي:

" وقبل انصراف عبد الناصر استأذن الأخ صلاح من الإخوة الموجودين أن ينفرد بعبد الناصر، وقد تم الانفراد فترة قصيرة انصرف بعدها عبد الناصر، ثم أبلغنا صلاح بأنهما تذاكرا في هذا اللقاء عهدهما السابق على المبادئ والأهداف التي بايعنا الله عليها قبل الإقدام على هذه الخطوة المصيرية، وأشهدا الله على هذا العهد بقراءة الفاتحة".

ويستوقفني في هذا النص طلب التفسير للخلوة بين الأخ صلاح شادي وجمال لهذا الغرض.. فصلاح وجمال وأفراد المجموعة كلها وهم حسن العشماوي وفريد عبد الخالق وعبد القادر حلمي ومنير دله وصالح أبو رقيق ناقشت مجتمعة المبادئ والأهداف التي سيقوم عليها الانقلاب..

فلماذا لا يكون تذاكر هذه المبادئ والأهداف قبيل انصراف جمال عبد الناصر للتنفيذ أمام الجميع ليكونوا شهودا عليه من ناحية، وليكون أدعى لقبول الله لدعائهم بقراءة الفاتحة جماعة.. فليس هناك سر خاص بين صلاح وجمال لم يناقشه هؤلاء ا×وان معهما مجتمعين، ويعتبر كل منهم شاهد أما التاريخ على كل ما تم الاتفاق عليه خاصة وأن هؤلاء الإخوة موجودون بالفعل في نفس الزمان والمكان بمسكن الأخ عبد القادر حلمي.

ليس هناك من تفسير لهذا الانفراد إلا أن يكون الأخ صلاح شادي راغبا في أخذ بيعة لنفسه من جمال عبد الناصر تقليدا لما يتصوره عن عبد الرحمن السندي من أنه كان يأخذ لنفسه بيعة من إخوان النظام، وهو تصور خاطئ ليس له ظل من الحقيقة كما سيجئ بيانه في الفصل السادس من هذا الكتاب.

أو أن يكون هناك سر بين صلاح شادي وجمال عبد الناصر لم يعرفه أحد من الإخوان إلى اليوم، أو أن يكون هناك علاقة روحية خاصة بين جمال عبد الناصر وصلاح شادي أراد صلاح أن ينفخ من روحه الطاهرة في جمال ليكون ذلك أدعى إلى ثبات جمال على العهد ببركة أخينا وحبيبنا الناسك المتعبد الأخ صلاح شادي.ز وأشهد الله أنني لا أقولها هنا سخرية بل إني أقولها حقيقة ولا أزكي على الله أحدا.

أو أن يكون الأخ صلاح قد شعر بعدم وضوح الاتفاق أمام الإخوان من جانب جمال وهو أن تلتزم الثورة بتطبيق الشريعة الإسلامية على النحو الذي سردنا تفصيلاته وبينا منها أن هذا الاتفاق لم يكن واضحا ولا محددا ولا مبرمجا بالفعل، فأراد صلاح من الانفراد بجمال أن يرجوه بأن لا يخيب ظنه فيه، فيتحمل المسئولية وحده، عن ضياع جهود الإخوان سدى أمام الله، وأمام الناس بعد أن صاروا قاب قوسين أو أدنى من إقامة حكم إسلامي في مصر.

كل هذا جائز.. والحقيقة فيها عند الله.. وليس علينا إلا الرضا بقضاء الله وقدره فهو فرض واجب على المسلمين، ما بذلوا الجهد وأخلصوا لله العمل.

والحمد لله رب العالمين.. فقد مر الإخوان المسلمون بهذه المحنة البالغة العنف بسلام، وبدأت أعلامهم ترتفع بعد خمسة وثلاثين عاما، وبدأ صوت الحق يعلو رويدا رويدا، ويتردد في جنبات العالم باسم الصحوة الإسلامية التي نرجو أن تصل بالمسلمين إلى تحكيم شرع الله، وإعادة الإنسانية إلى نور الحق، ونصر العدل، وإنقاذها من موقفها المتردي بين ظلمات الضلال، وفجور الطغيان، وقد تسلح المسلمون بمعرفة الطريق الأمثل للجهاد في سبيل الله في هذا الزمن الذي تعقدت فيه أساليب الحياة.. والله تعالى من وراء القصد، والله على كل شيء قدير.

تصحيح الأخطاء التاريخية التي وقع فيها الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) ودعوة إخوانه إلى الاستغفار عنه الأخطاء التي وقع فيها في ذلك الكتاب- دروس وحقائق مستفادة أثناء هذا التصحيح.

مقدمة

قد يكون عنوان هذا الفصل غريبا في نوعه.. ولكنه يعبر تعبيرا صادقا عن الهدف المقصود منه.. فقد اختار الأخ صلاح شادي (يرحمه الله) لغلاف كتابه خنجرا ملكيا، وقد طعن به صفحات من التاريخ طعنة نجلاء، أسالت دم التاريخ على صفحات الكتاب، بلون مائل إلى الصفرة، فكان لزاما وحقا للتاريخ أن يجد من يضمد هذه الجراح التي أصابت صفحاته، بحسن نية طبعا من الأخ صلاح شادي (يرحمه الله) فنحن لا نتوقع من هذا الأخ الكريم إلا أن يكون دائما حسن النية، في كل ما يعمل أو يقول. ولا نزكي على الله أحدا.

وقد يظن أحد أن الاهتمام بهذا الأمر يبدو قضية شخصية لا يصح أن تنشر في كتاب، بل يجمل بها أن تكون نصيحة ودية بين الإخوة لا يسمع بها أحد. ولكن الحقيقة أن الأخ صلاح شادي (يرحمه الله) فيما أخطأ به في حق التاريخ لم يكن إلا شخصية عامة، لعبت دورا خطيرا في حياة "جماعة الإخوان المسلمين" ويمكن أن تتكرر مثل هذه الشخصية في أوساط العاملين في الحقل الإسلامي.. وهي من هذه الزاوية تستحق أن تأتيها النصيحة، ويأتيها التصحيح علنا، فإن أحدا لا يستطيع أن يحدد من الناس يمكن أن يأخذ شخصية الأخ صلاح شادي في المستقبل فيذهب إليه الناصحون ليسروا له بمثل هذه النصيحة إلا أن تنشر لتكون درسا يستوعبه كل الناس، وينتفعون به في أداء النصح في مثل هذه الظروف.

كما أن حق من نشر عليهم الأخ صلاح شادي هذه الأخطاء في كتابه أن يعلموا وجه الصواب ، وأن يحذروا الوقوع في مثل هذه الأخطاء، وهم كثرة مجهولة لا يمكن أن يأتيها هذا التصحيح، ولا هذا التحذير إلا على صفحات كتاب.

أما عن حق الأخ صلاح شادي في النصيحة فقد أعانني الله على أن أقدمها مع دعوته إلى التصحيح شفاهة بواسطة أحد حبيب من أحبائي وأحبائه هو اللواء كمال عبد الرازق ، عندما كان عندي في جدة قبل أكثر من عام من تحرير مسودة هذا الكتاب، وكان ذلك في حضور حرم اللواء كمال عبد الرازق الأخت المسلمة السيدة كريمان حمزة.. ولا أظن إلا أن يكون هذا الأخ الكريم قد بلغ الرسالة وأجره على الله.. إلا أنني لم أجد من الأخ الكريم الأستاذ صلاح شادي استجابة لها، فالقلوب بيد يدي الرحمن يقلبها سبحانه كيف يشاء، وهو الهادي إلى سواء السبيل.. وما دام الأخ صلاح شادي قد انتقل إلى رحمة الله قبل أن يصدر هذا الكتاب فلم يعد في الإمكان معاونته بشيء إلا بدعوة إخوانه للاستغفار له.. والله غفور رحيم.

الخطأ الأول وتصحيحه (حول تنظيم ضباط الإخوان في الجيش)

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة 32 من كتابه:

وعرفني الإمام الشهيد في باكورة عملي بهذا القسم بالأخ عبد الرحمن السندي باعتباره المسئول عن القسم الخاص الذي يضم تشكيلا من المدنيين من مختلف طوائف الأمة يؤهلون فيه تأهيلا عسكريا للقيام بأعمال فدائية يتطلبها نشاط الجماعة في الداخل والخارج، سواء في محاربة الإنجليز، أو مواجهة عدوان الحكومات التي تخدم مصالحهم، أو في الجهاد في فلسطين، كما كان يضم فريقا من ضباط الجيش منهم " جمال عبد الناصر"، و" كمال الدين حسين" وغيرهما ضمن تشكيل هذا النظام الخاص.

فلما تكاثر عدد الضباط بعد ذلك، رغب الإمام الشهيد في جعل الجيش تحت قيادة خاصة يرأسها الصاغ محمود لبيب باعتباره ضابطا سابقا في الجيش، وخاض عمليات حربية مع " عبد الرحمن عزام" , " عزيز المصري" في حروب السلوم وغيرها" (انتهى).

والفقرة الأولى في هذا النص حتى قوله ضمن تشكيل هذا النظام الخاص، تصور حقيقة تشكيل النظام الخاص وأهدافه كأدق ما يكون التصوير، سواء كان فضيلة المرشد العام قد ذكر كل هذه المعلومات إلى الأخ صلاح شادي عند ما عرفه بعبد الرحمن السندي لأول مرة أو لم يذكرها له، أو أنه وعاها من متابعة محاكمات "قضية السيارة الجيب".

أما الفقرة الثانية فهي خطأ ضارب في الأعماق، فإنه لم يحدث إطلاقا أن رغب الإمام الشهيد في جعل ضباط الإخوان في الجيش تحت قيادة خاصة يرأسها الصاغ محمود لبيب.ز ولكن الحقيقة كما سبق أن أوضحنا هي أن ضباط الإخوان في الجيش الذين يرغبون في الانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين كانوا يسلمون أولا إلى "الصاغ محمود لبيب" باعتباره داعية من دعاة الإسلام العسكريين، فيكون منهم أسرا تقتصر عضويتها على الضباط وتكون اجتماعاتها في بيوتهم دوريا حماية لهم من مخالفتهم الإدارية بالانخراط في صفوف تنظيم ديني سياسي يحظر على ضباط الجيش الانخراط في مثله، وكثيرا ما يقع ضباط الجيش في تصور أن هذا التشكيل هو التشكيل السري للإخوان المسلمين، ولكن الحقيقة هي أن هذا التشكيل هو تشكيل عام من تشكيلات الإخوان المسلمين، يحاط نشاطه بغلاف من السرية رقيق، لا يزيد عن حماية المنتظمين فيه من أن تنسب إليهم مخالفة إدارية بسيطة.

وهو في هذا الشأن يشبه تماما تشكيلات قسم الوحدات التي يرأسها الأخ صلاح شادي، فهي تشكيلات عامة، يقتصر الأخ صلاح شادي في قبول عضويتها على الفنيين من أفراد القوات المسلحة، أو ضباط البوليس.

والقصد من هذين التشكيلين هو نشر الدعوة الإسلامية بين ضباط الجيش بواسطة الأخ محمود لبيب (يرحمه الله) ونشر الدعوة الإسلامية بين الفنيين في الجيش وبين ضباط البوليس بواسطة الأخ صلاح شادي (يرحمه الله)، ويتسع هذين التشكيلين إلى أي عدد من الضباط أو الفنيين ولو بلغ الملايين.

أما من يثبت أنه راغب في الانضمام إلى النشاط السري المسلح للإخوان المسلمين فإنه يسلم إلى الأخ "عبد الرحمن السندي" قائد النظام الخاص فيجري عليه اختيارات لا يشعر بها للتحقق من صلاحيته كعضو من أعضاء النظام، ثم يدعى إلى بيعة خاصة يتلقاها عن "المرشد العام" لا عن " عبد الرحمن السندي" الأخ صالح عشماوي وكيل الجماعة، وقد تخفى في زي ملائكي حتى لا يعرفه أحد من الذين يعطون البيعة، فقد كان القصد هو أن يتأكد المبايع المرشد العام شخصيا، لا صالح عشماوي ولا غيره من الناس، وأن يد الله فوق أيديهما، وكتاب الله الحق وما جاء فيه من شرعة ومنهاج هو موضوع هذه البيعة والمسدس وهو رمز القوة التي فرضها الله على الناس للدفاع عن هذا الحق بنص قوله تعالى: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الأنفال: 60) بين أيديهما.

وبعد أن انتهى هذا الأخ من البيعة يقدم له عبد الرحمن السندي بصفته الحقيقية وهي أنه " قائد النظام الخاص" الذي يأتمر في كل ما يعمل ويقول يأمر فضيلة المرشد العام شخصيا.

وقد سبق لنا في الجزء الأول من هذا الكتاب أن بينا طريقة تشكيل أعضاء " النظام الخاص" في مجموعاتهم، واتضح أنها تسمح بانتظام الملايين من الناس في هذا التشكيل، دون أن يشكل ذلك أدنى عبء على قائد التشكيل، يستدعي من المرشد العام استبدال عبد الرحمن السندي بمحمود لبيب، فلكل منهما مسئوليته المحددة والتي لا تتناقض مع مسئولية الآخر.

والواضح أن الأخ صلاح شادي وهو يكتب هذه الفقرة إنما كان يعبر فقط عن مفهومه الشخصي الذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة.

الخطأ الثاني وتصحيحه (أول أحلام الأخ صلاح شادي في الاشتراك في قيادة النظام الخاص)

يقول الأخ صلاح شادي في نفس الصفحة (32) من كتابه عقب ما صوبناه من كلام ما نصه: " وثبت في الوهلة الأولى من لقائي مع عبد الرحمن السندي أن الذي عناه الإمام الشهيد من هذا اللقاء هو تنسيق العمل بين جهازين يعملان في خدمة الجماعة في حقل واحد مشترك من العمل، ولذا لزم تنسيق الروابط بينهما.. ولكني أدركت أخيرا- بالإضافة إلى ذلك- أن مرشد الإخوان إنما كان يخطط لأمر آخر هو ألا يجعل كل رجال النظام الخاص تحت يد واحدة وفقا لما يمكن أن يواجه الجماعة من أحداث" (انتهى).

والواضح من هذه الفقرة أن الأخ صلاح شادي لا ينقل هنا عن المرشد العام شيئا على الإطلاق، وإنما يتصور ما دار في ذهنه شخصيا من استنتاجات تتجدد وتتمدد حسب ما صور له منطقه دون سواه.

والحقيقة أن الإمام الشهيد لا يمكن أن يعني بهذا اللقاء تنسيق العمل بين جهازي يعملان في خدمة الجماعة لاختلاف طبيعة النظام الخاص تماما عن طبيعة أي من أجهزة الجماعة، ولأن نشاط النظام الخاص هو نشاط سري على جميع أعضاء الجماعة وأجهزتها، ما لم يعلن بلسان المرشد العام على الناس لمصلحة يراها.

ولكن كل ما كان يقصده المرشد العام من لقاء صلاح بعبد الرحمن هو توجيه لصلاح أن يسلم لعبد الرحمن كل من يلتمس فيه القدرة على الانتظام في النظام الخاص، ليتولى عبد الرحمن إجراءات ضمه إلى النظام، ثم يختفي نشاط هذا الأخ داخل صفوف النظام الخاص عن صلاح اختفاء تاما، وإن بقي يعمل بين صفوف قسم الوحدات عاديا كما كان من قبل انضمامه إلى النظام الخاص، ما لم يأمره النظام الخاص بالانقطاع عن النشاط في قسم الوحدات دون أن يحيط صلاح علما بشيء من هذه التعليمات.. ولكن صلاح لم يستوعب ما هدف إليه المرشد العام استيعابا صحيحا.. ولعل من الأدلة الصارخة على دقة هذا المنهج أن الأخ صلاح شادي ذكر في كتابه صفحات من التاريخ (حصاد العمر) صفحة 30 أنه ضم إلى قسمه من بين الأعضاء الضابط أحمد فؤاد (يرحمه الله) وهو لا يعلم أن هذا الضابط كان عضوا بالنظام الخاص . وقد أسند إليه النظام قيامه بعملية قتل النقراشي باشا دون أن يدري صلاح شادي عن ذلك شيئا.. ولو علم لذكر ذلك لنا في كتابه هذا دون إبطاء.

أما الخاطرة الثانية التي خطرت لصلاح وسجلها في آخر الفقرة فهي أيضا خطأ، لأن الإمام الشهيد لم يخطط أبدا لتعدد شخص قائد النظام.. فذلك ضد الفطرة.ز حيث المعلوم دائما هو أن يكون لكل جماعة أمير واحد، وبالتعبير العامي يقول المثل: " المركب اللي فيها ريسين تغرق".

فإذا أضفنا أن تشكيل النظام الخاص الذي بيناه تفصيلا في الجزء الأول من هذا الكتاب لا يجعل من قائد النظام قائدا مطلقا، ولكنه يضع قيادة النظام، في يدي مجموعة من خمسة رجال أميرهم هو قائد النظام، تبين أن ما يقوله الأخ صلاح من أن المرشد العام كان يخطط حتى لا يكو رجال النظام الخاص تحت يد رجل واحد هو قول خاطئ حتما.

وكان عذر الأخ صلاح في هذا الظن أنه لا يعرف شيئا عن تشكيل النظام الخاص، لأن نظام الجماعة لا يسمح له أن يعرف شيئا عن هذا التشكيل.. وقد أوقعه هذا الخاطر في خطئه الثالث.

الخطأ الثالث وتصحيحه (كيف فقد الأخ صلاح الأمل في ضمه لقيادة النظام؟)

جاء عقب ما ذكره صلاح شادي مباشرة في صفحة (32) وصححنه له النص التالي:

" وفي نفس الوقت أراد أن يعرفني بقيادة هذا النظام، فكلفني يوما بمصالحته إلى اجتماع قادة هذا النظام في مصر والأقاليم في منزل الأخ "عبد الرحمن السندي" في حي بولاق، ولم يكن لبعد الرحمن السندي سابق علم بمصاحبتي للمرشد في هذه الزيارة، ويبدو أن المرشد لم يكن قد أبلغه بصحبتي له، ولذلك ظهر على وجهه الامتعاض، وصارح المرشد بأنه كان يلزم إخطاره مسبقا قبل حصول هذه المفاجأة.. وربما كان لعبد الرحمن السندي الحق في هذا التحفظ، إلا أن الصورة التي انطبعت في نفسي من مواجهته للمرشد بهذه الصورة أنه كان يتحدث إليه كما لو كان الحديث بين ندين.ز لا بين مرشد الجماعة وبين رئيس أحد أقسامها.. وبدا الضيق على وجه المرشد ولم نمكث كثيرا في المنزل، ووضح أن المرشد كان مستاءا من دفعه هكذا ودفعي معه بالتالي.. إلا أن المرشد لم يعلق على هذا التصرف" انتهى.

وهذه الواقعة التي يسجلها الأخ صلاح شادي واقعة حقيقية، ولكنه أخطأ في كل ما استنتجه منها على النحو الآتي:

أولا: يقول الأخ صلاح إن فضيلة الإمام الشهيد أراد أن يعرفه بقيادة هذا النظام.. وهذا خطأ.. والحقيقة أن فضيلة الإمام الشهيد لمس بعبقريته ما جال في خاطر صلاح واعترف به في الفقرة السابقة حيث ظن أن المرشد العام يخطط لأن يضيف يدا جديدة مع يد عبد الرحمن، وأنه كان يتمنى أن تكون هذه اليد هي يده، فأراد أن يرده عن هذا الظن ردا رقيقا، فاصطحبه إلى اجتماع قيادة النظام، ليأخذ بنفسه قرار نزع هذا الخاطر من فكره، بدلا من أن يبلغه إليه لمرشد العام كقرار أو كنظام، وفي الاجتماع عرض الإمام الشهيد رغبة الأخ صلاح في أن يضم إلى قيادة النظام الخاص.

وكان لابد أن يعلن قائد النظام الخاص وجهة نظر النظام في هذا الطلب فيبين أمام الأخ صلاح أولا: أن حضور الأخ صلاح إلى هذا الاجتماع خطأ شكلا، فليس من قواعد النظام الخاص أن يحضر اجتماعاته رجل لم ينضم إلى عضويته، وأن المرشد العام يعلم ذلك، وما كان يحسن أن يحضر معه الأخ صلاح قبل التشاور مع عبد الرحمن، وكانت هذه النقطة موضع اقتناع الأخ صلاح حيث سجل بنفسه أنه ربما كان لعبد الرحمن الحق في هذا التحفظ ، أما أن يكون المرشد قد ظهر على وجهه الضيق، أو يكون عبد الرحمن السندي قد ظهر على وجهه الامتعاض، فإن ذلك خطأ لوجهين:

1- أن قواعد النظام معلومة ومعتمدة من المرشد ولا يمكن أن يتضايق المرشد من تطبيقها على أحد.
2- أن عبد الرحمن السندي كان أخا بشوش الوجه مع الإخوان عامة، ويستحيل أن يظهر امتعاضا أو كراهية لعمل يأتيه المرشد العام.

ولكن كل ذلك قد دار في نفس الأخ صلاح لأنه لم يكن على غير هواه فامتعضت نفسه ولم يمتعض سواه.

أما ما ذكره الأخ صلاح لتفسير ضيق المرشد فقال إنه كان مستاءا من دفعه هكذا، ودفع صلاح معه فإنه خطأ، لأن عبد الرحمن السندي لا يستطيع أن يدفع المرشد من منزله، وهو يدين له بالطاعة والحب في الله- ولكن ك الذي حدث هو أن عبد الرحمن دفع فكرة الأخ صلاح في أن ينضم إلى قيادة النظام على النحو الموضح في ثانيا أدناه.

ثانيا: أن الانضمام إلى عضوية النظام له إجراءات ، ويكون الوصول إلى المراكز القيادية فيه وفقا للاحتياجات من بين الأعضاء القدامى في النظام الخاص.

وكان ذلك أمرا معروفا للمرشد ومعبرا عن بديهيات قواعد النظام الخاص، وكان كل ما قصد إليه المرشد هو أن يعرفها الأخ صلاح من المختصين بها فلا يحزن.

ولكنه مع الأسف حزن، واعتبر ذكر الحق دفعا له من منزل عبد الرحمن، وكأنه لا يعلم أن تربيتنا الإسلامية تفرض علينا أن نصارح أئمة المسلمين بالنصيحة، وأن واجبهم أن يتقبلوها غير كارهين.. فما بالنا في هذا الموقف الذي لا يعدو أن يكون بيانا لنظام مقرر ، ولم يرق إلى مستوى النصيحة.. فهل يمكن أن يضيق به المرشد العام وهو أستاذنا الذي علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضيق ذرعا بنقد رأيه في موقع الجيوش يوم بدر، ولا من نقد رأيه في طريقة تلقيح النخيل.. بل قال" أنتم أعلم بشئون دنياكم" قال ذلك للثاني، واستمع إلى نصيحة الأول فكان النص يوم بدر. الخطأ الرابع وتصحيحه ( حادث ضرب القطار الإنجليزي بالقنابل واتجاه الأخ صلاح إلى عزم مدمر):

جاء في صفحة 33 تحت عنوان "حادث القطار الإنجليزي" ما نصه:

" وفكر إخوان قسم الوحدات في القيام من هذا المكان (يقصد الشرابية) بقذف القطار بقنابل متفجرة تسقط في يسر من شباط القطار إلى داخله، حيث يجلس الجنود، وحمل الإخوة بدران، وحسن عبيد من الطيران، والأخ إبراهيم بركات من الصيانة، سلال السميط والجبن والبيض، وشأن الباعة المتجولين الذين يشاهدون في هذه الأماكن عادة، حملوه لتغطية ما بداخله من قنابل، وترصدوا موعد وصول القطار، ثم بدأوا يقذفون القنابل داخل القطار من نافذته أثناء سيره المتمهل في هذا المكان، وكانت المسافة التي يتحرك فيها القطار بعد قذف القنابل تكفي لتباعد بين الإخوان وبين الانفجاريات التي تحدثها القنابل بعد ثوان من إلقائها.

وكانت خطتهم في هذه العملية صائبة وناجحة بتوفيق الله، وأخبرت المرشد بها قبل تنفيذها، ووافق عليها، وأخطرت الإخوان بالإذن بالتنفيذ الذي جرى على أكمل صورة بفضل الله، وعاد الإخوان سالمين بحمد الله، ورصدت الحكومة خمسة آلاف جنيه للكشف عن القائمين بالحادث".

وإلى هنا فالقصة صحيحة مائة في المائة، ولا تثريب على الأخ صلاح شادي أن يذكرها هكذا كما وقعت، ويبقى علي أن أوضح لغزا استتر فيها لا يعرفه الأخ صلاح.

اللغز المستتر في هذه القصة:

أحب أن يتنبه القارئ العزيز إلى أن الأخ صلاح شادي لم ينسب لنفسه فكرة العملية ولا خطتها.ز بل قال وهو صادق فيما قال: إن الإخوة بدران وحسن عبيد وإبراهيم بركات هم الذين فكروا فيها ووضعوا خطتها، فوافق عليها، واستأذن المرشد العام في تكليفهم بها، فنفذوها، ولكن أفلم يخطر ببال الأخ صلاح شادي- وهو يستمع من هؤلاء الإخوة إلى خطتهم للقيام بالعملية- احتمال أن هذه الخطة كانت من تصميم جهة أخرى غير قسم الوحدات. خاصة أنه يعلم أن من الممكن أن يكون من بين رجاله رجال منتظمون في النظام الخاص وهو لا يدري شيئا عن انتظامهم فيه لطبيعة قواعد النظام الخاص؟

فتشكيلات قسم الوحدات كما سبق أن ذكرنا لا تعدو أن تكون تشكيلات أسرية عامة، يمكن أن يجند أي فرد فيها في النظام الخاص دون علم رئيس القسم.. شأنه شأن أي قسم آخر كالطلبة والعمل وغيرهما.. وفي هذه الحالة تكون كل أعمال المجندين في النظام الخاص سرية حتى على رئيس القسم ما لم يذن لهم أمراؤهم بغير ذلك.

وقد كان هؤلاء الإخوة أعضاء في النظام الخاص، وقد وضع النظام الخاص لهم خطة تنفيذ حادث القطار، وعلم بها المرشد العام، وأذن بها، وتصرح للمكلفين بتنفيذها أن يبلغوا رئيسهم بهذه العملية بالذات.. حيث لا يوجد تعارض بين قيام النظام الخاص بعمليات عسكرية ضد الإنجليز، وقيام متطوعين من قسم الوحدات بعمليات عسكرية مشابهة.. لأن كل أعضاء قسم الوحدات عسكريون بطبيعتهم.. ولكن المحظور على أعضاء النظام الخاص هو أن يبلغوا رئيس القسم أنهم أعضاء في هذا التشكيل.. بل يظهرون له أن الخطة خطتهم والفكرة فكرتهم، فيشاركهم الفكر والأجر عليه من رب العباد.. خاصة وأن هذه العملية من العمليات التي يرى النظام الخاص أن يعلنها بين صفوف الإخوان ليعلموا أن الإخوان هم الذين قاموا بها.. فهي ضد الإنجليز، ويعتبر القيام بمثلها أمل كل مسلم.

وإذا كان الأخ صلاح شادي قد أقر الفكرة وبلغ بها المرشد العام فأقرها وأذن بها فأصدر الأخ صلاح الأمر، فإن ذلك كله جائز وممكن، ولكن الذي لا يجوز هو أن يطلعه المرشد على علمه المسبق بهذه العملية، وأنها من تخطيط النظام الخاص، فالمرشد أول ما يعلم أن أعمال النظام الخاص سرية حتى على رؤساء الأقسام. وهذا ما حدث بالفعل فظن الأخ صلاح شادي أن هذه الخطة نابعة من قسمه، وليس وراءها أي تنظيم آخر.

الأخ صلاح يتحرى:

ولكن يبدو أن الأخ صلاح كان يشك في احتمال تكليف النظام لإخوانه بهذا العمل، بدليل أنه فور نجاح العملية لم يفكر في الذهاب إلى المرشد العام لإبلاغه، بل فكر في الذهاب إلى عبد الرحمن السندي على الرغم من أنه غاضب جدا من سلوك عبد الرحمن السابق ، يوم اصطحاب المرشد للأخ صلاح ليعرض على قيادة النظام قبوله عضوا معهم في مجموعة القيادة.. وقد علم الأخ صلاح في ذلك اليوم أن النظام الخاص له وضعه السري الذي لا يجوز معه أن يحضر رجل من غير أعضائه أي اجتماعات من اجتماعاته ، وقد تلقن هذا الدرس في حضور المرشد العام كما سبق أن أوضحنا، ولا شك أن حجم الغضب الذي أصاب الأخ صلاح بسبب تصوره أن عبد الرحمن دفعه دفعا من منزله لا يسمح له وقد نجح في حادث مهم أن يكون أول من يذهب إليه ليبلغه بهذا الحادث هو عبد الرحمن، فالمنطق يدفع الأخ صلاح دفعا للذهاب إلى المرشد العام وتبليغه بهذا لنجاح الذي حققه، والذي يؤهله للتخطيط والتنفيذ في عمليات مشابهة في المستقبل حتى تحدث في ذهن المرشد العام، دراسة مقارنة بين إمكانيات عبد الرحمن وإمكانيات صلاح، فيفرض على عبد الرحمن قبول صلاح معه، أو يطلق يد الأخ صلاح في استمرار التخطيط والتنفيذ بجنوده في كثير من هذه العمليات مستقبلا، وهو ما كان يأمل فيه الأخ صلاح.. أما أن يسجل لنا الأخ صلاح شادي ما فعله فور علمه بنجاح الحادث فيقول في أول صفحة 34:

" وذهبت من فوري في اليوم التالي لأخبر عبد الرحمن السندي بنجاة الإخوان، ونجاح العملية، وإذا به يفاجئني قبل أن أتحدث إليه قائلا" هل قرأت الصحف؟" نعم.. قال: " هل أدركت سر البراعة في هذه العملية، وكيف أصابت الإنجليز في القطار؟؟" .

فسرني ذلك، وأخجلني سوء ظني السابق بصاحبي، وظننت أن المرشد لابد أن يكون قد أعلمه بقصة القطار، وهو يتحدث إلي منطلقا من علم سابق" انتهى.

الأخ صلاح يضيع الحقيقة:

لقد صدق حدس الأخ صلاح في أن عبد الرحمن يكلمه منطلقا من علم سابق، ولكنه ظن خطأ أن المرشد العام هو الذي أعلم عبد الرحمن، ولم يفكر في أن العكس هو الصحيح، وأن عبد الرحمن هو الذي أعلم المرشد العام وحصل على موافقته، وقد اعتبر الأخ صلاح كلام عبد الرحمن تقريظا له، على الرغم من أن النص الذي أورده الأخ صلاح من كلام عبد الرحمن لا يفيد التقريظ لأن عبد الرحمن لم يظهر لصلاح إعجابه بدقة البراعة في العملية، ولكنه سأل الأخ صلاح عما إذا كان صلاح قد أدرك سر البراعة في العملية، وهو كلام شدي الوضوح في أن عبد الرحمن يقول لصلاح إن عبد الرحمن يعرف سر البراعة في العملية، ويتساءل عما إذا كان الأخ صلاح قد أدرك هذا السر وهو ما يفيد بأن عبد الرحمن يقرظ نفسه، ولا يقرظ الأخ صلاك فكيف فهمها الأخ صلاح على العكس؟ ثم فرح لهذا الفهم المعكوس واعترف أنه كان سيئ الظن بعبد الرحمن ولكن سوء ظنه قد انتهى وأنه قد خجل من نفسه لسوء ظنه، وعلم أن عبد الرحمن رجل عدل.

وقد لاحظ عبد الرحمن أن ألخص صلاح لم يفهم ما يقصده فزاد الأمر وضوحا وقال حسب النص الوارد بقلم صلاح في صفحة 34 ما يأتي:

" ولكنه استطرد في الحديث في صراحة تنبئ أنه شخصيا الذي أمر بالإعداد لهذه العملية وأنها تمت بناء على تكليفه وإشرافه. وأصابني الذهول مما اسمع فسألته مستوضحا؟ وهل كنت تعرف توقيت التنفيذ؟ فأجاب في ثقة:" طبعا أعلم" . هل أنت الذي باشرت هذا التنفيذ فعلا؟ فرد بالإيجاب كذلك، ولم يعد هناك مفر أمامي من الصمت فماذا أقول والموقف لا يحتمل إلا الأسى والألم، وهل تصل الرغبة في إظهار النفوذ والقدرة والهيلمان إلى هذا المستوى" انتهى.

الأخ صلاح يقع في الخطأ:

وهنا تبدأ أخطاء الأخ صلاح، فهو يتهم أخاه بالكذب في أكثر الموضوعات حساسية رغم أن هذه الموضوعات تقع في اختصاصه، ثم يتهمه بحب ظهور النفوذ والقدرة والهيلمان وهي صفات مرضية خطيرة، لا تصيب النفوس المؤمنة بحال من الأحوال وذلك بالإضافة إلى ذلك أن الأخ صلاح لم يحاول أن يكمل التحقيق مع عبد الرحمن، ليتأكد من صدقه قبل أن يدينه هذه الإدانة التي لا تليق بمسلم وهو يعلم مكانته من الجماعة ومسئوليته فيها، ولا أدري لماذا صمت الأخ صلاح عند هذا الحد من الأسئلة، ولو يوجه لعبد الرحمن الأسئلة عن أسماء الأشخاص الذين كلفهم عبد الرحمن، فإن عجز عن الإجابة فقد ثبت كذبه وإن أجاب إجابة صحيحة فكان يجب عليه أن يسأله: وكيف عرفت هؤلاء الأشخاص؟ فإن عجز عن الإجابة فقد ثبت كذبه، وإن أجاب إجابة صحيحة لاستراح الأخ صلاح وترك أخاه وقلبه سليم ولكنه وهو ضابط بوليس يقع التحقيق الدقيق من مهام عمله الرسمي لم يتمم هذا التحقيق، بل سجل حالته النفسية على أثر الحكم الظالم الذي أصدره ضد أخيه دون بينة فقال- غفر الله لي وله- النص الآتي:

" وخرجت من منزله كسيف الخاطر، مهزوز الوجدان، تعصف بي كل الظنون، وكأن الله أراد أن ينزع من قلبي هذه القداسة التي أضفيتها على من يحملون مثل هذه المسئولية، وإذن فهم بشر يصيبون ويخطئون ويمرضون" انتهى.

وللمرة الثانية أكرر وأقول: غفر الله لك يا أخ صلاح.. كيف تسمح للظنون بأن تسيطر على قلبك وقد وصف الله هذه الظنون بالإثم فقال جل وعلا: " يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحكم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" ( الحجرات: 12).

هل فكر عبد الرحمن أن يهدد المرشد العام؟. هل فكر عبد الرحمن أن يملي على المرشد العام أمرا استنادا على سلطانه وقدرته وهيلمانه؟ وحرصا على هذا الذي يتخيله عقل الأخ صلاح في نفس أخيه المسلم عبد الرحمن؟ .

لم يفكر عبد الرحمن في شيء منذ لك كله، ولكنه فكر في إسلامه فقط، فقال للمرشد العام، إنني أشعر أنني لا أستطيع أن أحافظ على إسلامي وأنا أعمل معك، ورد يد المرشد العام الممتدة إليه لطلب التعاون بالأسلوب الذي اتخذه المرشد العام، ويراه عبد الرحمن خطيرا على صفوف الجماعة استماعا لصوت قلبه، أن في قبوله لهذا الأسلوب معصية لله، ولو أن عبد الرحمن كان يشعر أنه في موقعه هذا صاحب نفوذ أو قدرة أو هيلمان أو سلطان لما وقف هذا الموقف بل وعد وتوعد، وهدد وزمجر.. ولكنه لم يزد على سحب البيعة التي منحها لمرشد العام في مواجهته، لخلفه لوعده الذي اعتبره عبد الرحمن من غير عمل المسلمين.

وهكذا علمنا الإسلام أن صاحب السلطان والهيلمان والقدرة والنفوذ هو الله وحده، وأن ليس لأحد شيء من ذلك على الأرض.. حتى المرشد العام، فإن رأى أحد من الناس خطأ فيه، قومه، حيث علم نبي الإسلام المسلمين أن يراجعوه إذا أخطأ في أمور الدنيا كما سبق أن ذكرنا موقف الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر وفي تلقيح النخيل.

موقف قادة النظام الخاص من عبد الرحمن السندي

ثم ماذا كان موقف قادة النظام الخاص في القاهرة والأقاليم حين اتخذ عبد الرحمن السندي هذا الموقف؟ . هل خاف أحد من نفوذه أو من قدرته ومن هيلمانه أو سلطانه؟ أم أنهم جميعا وفي مواجهته وفي منزله اتخذوا قرار عزله من قيادة النظام، وترشيح غيره وهو الأخ حلمي عبد المجيد .. لا لشيء إلا لأنه هو الذي ينقل أوامر المرشد العام إلى جند النظام، فإن فقد قائد النظام الخاص تعاونه مع المرشد، فقد فورا قيادته للنظام.

هذا هو المسلك الإسلامي الصحيح، طبقه قادة النظام الخاص على أنفسهم وعل أخيهم عبد الرحمن دون حساسية، أو حسبان لوجه أحد إلا وجه الله الذي لم توجد دعوة الإخوان المسلمين إلا لتوجيه الناس كافة إلى وجهه، فهو الخلاق العظيم، البر الرحيم، الحكم العدل، الفعال لما يريد.. سبحانه جل في سمائه، وبطل كل ما عداه.

لم يتعصب واحد من قادة النظام لعبد الرحمن، رغم لأنهم جميعا لم يقتنعوا بموقف المرشد العام من قضية إسماعيل عاصم من ناحية، ولكنهم لم يروا في هذا الموقف الرأي الذي رآه عبد الرحمن وهو خروج المرشد العام، عن سلوك المسلمين، فأخذوا قرارهم، كما يفرضه دينهم من غير حساسيات، فأدوا النصيحة للمرشد العام، وتركوا له اتخاذ القرار.

كلفوا لجنة منهم تنصح المرشد العام بمعالجة هذا الخطأ الذي وقع عند معالجة موضوع إسماعيل عاصم، وإعادة العلاقة الطيبة مع عبد الرحمن أو عزل عبد الرحمن، واختيار أحد غيره لقيادة النظام مع ترشيح الأخ حلمي عبد المجيد لهذه المسئولية فورا، ليكون ذلك أدعى ليستيقن المرشد من التزام رجال النظام بقواعده المتينة.

ولكن المرشد العام اختار الرأي الثاني، فنفذ على الفور من أعضاء قيادة النظام في القاهرة والأقاليم دون أدنى مراجعة من أحد، فهو المرشد العام الذي يتحمل مسئولية توجيه الجماعة أمام الله، والذي له حق البيعة على كل المنتظمين في صفوف جماعة الإخوان المسلمين في المنشط والمكره.

المرشد العام يلقن الإخوان درسا في واجبات القيادة وعبد الرحمن السندي يستجيب:

ثم درس آخر أحب أن أحيل القارئ الكريم إليه فأقول:

هل سعى عبد الرحمن غلى مركزه من جديد؟ كلا.. هل حاول أحد إخوانه أن ينتصر له أو يفرضه على المرشد؟ كلا. هل اتخذ المرشد العام موقف عبد الرحمن وهو يعتقد أنه يحافظ على إسلامه موقفا عدائيا منه؟ كلا..

ولكن عندما استمرت الصفوف بسبب استمرار السياسة التي عالج بها سير النظام الخاص، وأدرك المرشد العام خطأ هذه السياسة بعث نائبه غلى عبد الرحمن ينقل إليه رجوع المرشد العام عن سياسته، وثقته التامة بعبد الرحمن.. حيث ظهر له من المواقف ما يجعله مقتنعا تمام الاقتناع بضرورة عودة عبد الرحمن لموقعه الأول من قيادة النظام.. فهل تعجل عبد الرحمن تنفيذ القرار الجديد الذي يعيد إليه ذلك الوهم الكائن في مخيلة الأخ صلاح من نفوذ ومقدرة وهيلمان وسلطان؟ كلا. وهل امتنع عن الاستجابة إلى رغبة المرشد في عودته؟ كلا. ولكن عبد الرحمن اشترط فقط أن يكون هذا التكليف أمام جميع قادة النظام الخاص في القاهرة والأقاليم ليكون ذلك أدعى لتحقيق الهدف الذي خرج من الجماعة حين افتقده. وها هو ذا يعود إلى الجماعة حين تجدد الأمل في تحقيقه، فلا يضطرب هذا الصف بعد ذلك أبدا، ولا تتكرر أو تتجدد حول علاقة قيادة النظام الخاص بالمرشد العام الأقاويل مرة أخرى.

درس آخر في واجبات المسلم:

هذه كلها بديهيات الأسلوب الإسلامي في الخدمة العام’ وقد سبق أن وقع لي شخصيا موقف عكسي قرر المسئولون عن النظام الخاص اختيار المجموعة القيادية فيهم بالانتخاب، وانتخبني المسئولون في القاهرة والأقاليم عضوا في هذه المجموعة، ثم رأى المرشد العام رفع اسمي رغم انتخابي من هذه المجموعة.. فماذا حدث ؟ هل غضبت؟ هل استقلت من الإخوان؟ كلا بل ذهبت غلى منزل المرشد العام وشكرته على تفضله برفع هذه المسئولية الجسيمة عن عاتقي، وبينت له مفهومي أن المسئولية في الجماعة تكليف لا تشريف، وقبلت يده شاكرا، وعدت أستأنف عملي الخاص في هدوء لم يسمع لي أحد صوتا، ولم يعرف أحد بهذه الواقعة إلى الآن.. وقد بلغ العمر مبلغه، وتعين تصحيح ما نسبته الأقلام التي لا تعرف شيئا عن النظام الخاص إلى تاريخ الجماعة، وتاريخ الجماعة منه برئ ، وليرجع القارئ الكريم إلى الفصل الرابع من هذا الجزء ليجد هاتين الواقعتين مسجلتين تفصيلا.

أرجو المعذرة أيها القارئ الكريم للإطالة في بيان أبعاد الخطأ الرابع وتصويبه.. لا لشيء إلا لتوضيح حجم الخطأ فيما استقر في قلب الأخ صلاح.. هذا الخطأ الذي تجاوز حدوده فدخل في حدود معصية الله تبارك وتعالى بظن السوء في المسلمين وقد نهانا الله عنه، وأمرنا بالتبين ولكن الأخ صلاح لم يحاول أن يتبين، رغم سهولة ذلك ويسره بين يديه.

تصحيح الأخطاء التي ختم بها الأخ صلاح معتقداته:

ولكن لاستكمال الدروس المستفادة من هذه الواقعة، دعنا نقرأ كيف ختم الأخ صلاح هذا الذي اعترك في صدره من ظنون وأوهام حيث قال بالنص صفحة (35):

" لم تكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالأمر الهين.. ولكني أدركت في نهاية الأمر أن المرشد لم يكن مخدوعا، ولم يتوقف عن علاج أمراض أتباعه، ولم يدخر وسعا في وضع الرجل الصالح في مكانه المناسب.. ولكن عاجلته منيته قبل أن يتم رسالته" انتهى.

وأقول لمن يقع في مثل ما وقع فيه الأخ صلاح أن الإجابة عن هذه الأسئلة كانت أمرا هينا حدده القرآن الكريم في قول الحق جل وعلا:

" وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" 0(الأنبياء: 7) فكيف غاب هذا النص عن الأخ صلاح؟ ولم يسأل الإمام الشهيد فور توجيه كل هذه الأسئلة التي عجز عقله أن يجيب عليها، وهو يعلم يقينا أن ردودها متوافرة عند الإمام الشهيد. خاصة وأنه من المقربين إلى فضيلته والذين لا يجدون أدنى صعوبة في مقابلته والتحدث إليه؟ بل إن شخصية الإمام كانت من البشاشة والود بحيث تجذب كل ما يعرفه ومن لا يعرفه للحديث معه في أي أمر يعرض له .

ما هو المسلك الصحيح الذي كان على الأخ صلاح أن يلتزم به؟

لو أن الأخ صلاح أكمل الاستفسار من عبد الرحمن، أو لجأ إلى الإمام الشهيد للاستفسار، لصحح معلوماته ومفاهيمه، ولخرج من هذه الأزمة النفسية التي صورها لنا في كتابه تصويرا بالغ الألم والحدة، بأيسر من اليسر .. ولكنها إرادة الله الذي سن أن يكون لكل شيء من إرادته في هذا الكون سبب.. لقد أراد جل وعلا لرجال هذه الدعوة أن يبتليهم بحكم طاغية العصر جمال عبد الناصر وأذاه دون أن يكون لهم أدنى حول أو قوة لمقاومته، فكانت هذه الخواطر السوداء في نفس الأخ صلاح بشأن النظام الخاص وقائده سببا من أسباب تنفيذ مشيئة الله بانعدام المقاومة لدى الإخوان في مواجهة طغيان جمال :" ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعلهم في جهنم أولئك هم الخاسرون" (الأنفال: 37).

وإني أستغفرك ربي من قولة "لو" فما قصدت بها اعتراضا على قضائك، وقد نهانا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن ذلك. في قوله : " لا تقولوا لو.. فإن لو تفتح باب الشيطان" ولكنني عنيت بها فقط عرض الرأي التبادلي الأرشد للحصول على سلامة النفس وصدق اليقين، وهو ضرورة التبين واستكمال أسبابه قبل إصدار أي حكم من الأحكام.. حتى إذا كانت نفس الإنسان الأمارة بالسوء هي التي تنقل إليه النبأ، فلا يضل ولا يظلم ، عملا بقوله تعالى:" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فيبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" (الحجرات: 6).

صلاح يشعر بالندم .. ولكنه لا يستفيد من صحوة فكره:

ولقد أحس الأخ صلاح شادي فعلا بالندم لتقصيره في هذه النقطة فسجل لنا هذا الندم واضحا لا لبس فيه في صفحة 321 حيث قال عن هذا الموضوع في السطر الأخير من هذه الصفحة ما نصه:

" وما كان يحسن بي الإعراض عن مناقشة هذا الأمر مع المرشد نفسه للوقوف مع السندي موقف المفاصلة.. ولكن منعني الحياء من هذه المكاشفة الفاضحة الفاصلة.. وليتني فعلت" انتهى.

غفر الله لي ولك وللمسلمين التوابين النادمين على خطاياهم،وألهمنا وإياهم دوام التزام الصواب فيما أمر، والبعد عن الخطأ فيما نهى.. إن ربي سميع مجيب.

ولكن لابد لي هنا من وقفة عتاب مع الأخ صلاح كان لابد منها لو أنه بقي على قيد الحياة حتى ظهر هذا الجزء من الكتاب ، لا يقصد منها إلا النفع العام.. فقد أزف الوقت ليخرج جيلنا من مسرح الأحداث ولم يعد يعنينا إلا أن ننقل إلى الأجيال التي بعدنا الحقيقة التي عشناها ليبدأوا من حيث انتهينا.

أما العتاب فهو لماذا تماديت يا أخ صلاح، وقد انتهيت إلى أنك كنت مخطئا حيث لم تتبين الحق؟ بل غلبت الظن، وقد كان المرشد العام أمام:، وما أيسر التبين منه.. لماذا تماديت في نشر هذه النتائج الخاطئة التي استقرت في نفسك عن أخيك عبد الرحمن، وأنت تعلم أنك كنت مقصرا في تحققك منها؟؟ لماذا لم تبدأ بنشر الصواب فتعفي إخوانك الذين يعدون بالملايين من قراءة هذه الصورة البشعة التي رسمتها لأخيك عبد الرحمن دون أن تتبين؟ إنني أدعو الإخوان أن يراجعوا كلامك في صفحة 322 من كتابك لتزول من نفوسهم هذه الآثار الدامية عن إخوانهم في الله الذين أخلصوا العمل له، فلقوا الأجر العظيم إن شاء الله من رب العباد.. وإن لم يسلموا من طعنات ألسنة الذين قرأوا كلامك، وأنت الأخ الحبيب ، الثقة الذي يؤخذ كلامه على الفور مأخذ التصديق، أدعوهم إلى قراءة كلماتك التي تقول بالنص في هذه الصفحة:

" فكلها أخطاء جرت إلى أخطاء أسوأ منها. حين أسقطت السندي من حسابي كرجل يوثق به للتحقق مما ادعاه عبد الناصر في شأنه، في نفس الوقت الذي ظل في موقعه من معاملتي له رئيسا للنظام الخاص. وظل هذا التناقض قائما بين حقيقة مشاعري وواجباتي، حيال الأمور التي تتعلق بمركزه في الجماعة.. بل وبين مشاعره هو كذلك وواجباته حيالي بعد أن أدرك طبعا سقطته معي في هذا الحادث" انتهى.

إن عتابي لك يا أخ صلاح هو أنك لو كنت أدركت فعلا حقيقة أخطائك التي جرت إلى أخطاء أسوأ منها لكتبت التاريخ كتابة صحيحة، ولم تملأه بهذه الصفحات الخاطئة عن عبد الرحمن وإنني أشهد اله أنني لم أهدف من هذا الكتاب إلى أدنى سوء.ز ولكنني هدفت به إلى علاج نتائج أخطائك عسى الله أن ينفع المسلمين بها، وأن ينفعك بآثار هذا النشر، فيجبر خطأك، ويحيل نتائجه إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين.. إن ربي على كل شيء قدير.

احذروا أسلوب الزمار وكونوا من الأوابين:

ثم ما هذه السقطة التي تنسبها إلى عبد الرحمن في آخر كلماتك التي تعترف فيها بخطئك.. أقول لك إنها ليست إلا سقطتك بعدم استيعاب الدرس الذي تعلمته وكأنك تؤكد لنا صحة المثل الدارج " يموت الزمار وصباعه يلعب" وهو خطأ فاحش في مجال الدعوة إلى الله التي تدع دائما إلى نزوع الناس عما اعتادوا عليه من ظلم وضلال، بدعوتهم إلى التوبة إلى الله، والعزم على عدم العودة أبدا لما كانوا فيه من أخطاء.

تقول في ذيل نفس الصفحة (322) بقصد تعريف القارئ بهذه السقطة ما نصه:

" أبلغني الأخ محمد شديد أن السندي حاكمه أثناء عضويته لمكتب إرشاد النظام، وأوقف عنه تلك العضوية بسبب ما تردد من كثرة زياراته لي وللأستاذ منير دله، وأنه برئ من هذه التهمة ولكنه عزل عن عضوية المكتب".

فهل فكرت يا أخ صلاح وأنت توحي إلينا بأنك استوعبت درس الزمان في أن تسأل أحدا من مجموعة قيادة النظام الذين ما زالوا على قيد الحياة، وأنت تكتب كتابك، فأنت تعرفهم وقد سبق أن جمعك بهم فضيلة الإمام الشهيد في منزل عبد الرحمن السندي في يوم من الأيام؟ هل فكرت أن تسأل واحدا منهم عن حقيقة ما قاله لك الأخ محمد شديد؟

اعلم يا أخي ( والقصد أن يعلم كل من يتعرض للخدمة العامة) أنه ليس للنظام الخاص مكتب إرشاد حتى يكون الأخ محمد شديد عضوا فيه ثم يفصل.. ولكن كان للنظام الخاص قيادته التي لم تتغير طوال حياة الإمام الشهيد وبعضا من حياة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي إلا في حدود ضيقه جدا سبق ان فصلناها في الفصل الثاني والرابع على التوالي من هذا الجزء من الكتاب ولم يرد فيها ذكر اسم الأخ محمد شديد، وأن هذه المجموعة لم تقف أبدا موقف القطيعة من الأخ الأستاذ منير دله ولا من غير الأستاذ منير دله، ولعله وصل إلى علمك أن الأخ منير دله دعا هذه المجموعة ليستوضحها المشورة عندما ساءت العلاقة بين الإخوان وبين الثورة، وشعر الأخ منير دله أن الأمور قد تتطور فتقوده إلى السجن، فاستجابت هذه المجموعة دون أن يعتذر منها أحد لدعوة الأخ منير، وتناولت عنده طعام الغذاء، وكان الأخ حسن عشماوي من الحاضرين في هذا اللقاء، ولم يكن لديها أي معلومات عن سبب هذه الدعوة، فلما ظهر السبب، وعرض الأخ منير مدى سوء العلاقات بين الثورة والجماعة، وبين مخاوفه من أن يؤدي ذلك إلى دخوله السجن، وقد كان صريحا في بيان أنه لا يتحمل السجن، وهو الرجل الذي اعتاد الحياة الناعمة الهانئة، وكنا نشعر فعلا بحجم الاضطراب في صفوف الجماعة الذي يعجزها عن أي مقاومة في حالة صدام الثورة بها.. حيث كان إخوان الدعوة العامة القدامى أمثال صالح عشماوي، ومحمد الغزالي، وسيد سابق، وأنس الحجاجي، والدكتور محمد سليمان لا يدخرون جهدا في توضيح عدم ثقتهم بالمرشد العام، وكان المرشد العام لا يدخر جهدا في توضيح عدم ثقته بالثورة، وكانت قيادة الثورة تحاول أن تستفيد من هذا الموقف بمحاولة احتواء من يعلنون عدم ثقتهم بالمرشد، وكانت سلبيات معركة 1948 لا تزال تعمل عملها في صفوف إخوان النظام الخاص كما أسلفنا بيانه، كانت كل هذه الأمور أمام نظرنا ونحن نقدم المشورة، ولا نضن بها.

نصيحة مخلصة من قيادة النظام للأخ منير دله:

لقد قلنا للأخ منير دله حينئذ إننا نرى أن مصلحة الجماعة هي إبعاد الفريقين المتنابذين على قيادتها عن مراكز القيادة منها، وأن نلزم الفريقين بذلك، وأن نحمل مسئولية قيادة الجماعة إلى مكتب إرشاد جديد لم يسبق لأحد أن طعن في أعضائه، ولم يسبق له خلافات مع الثورة، وتكون مهمته هي قيادة الجماعة إلى طريق بعيد عن الاصطدام بالثورة، حتى تنجو الجماعة من صدام مهلك، لا تملك لا تملك له ردا، وتتهيأ لها أسباب إبلاغ رسالتها إلى الناس، والمساهمة في تقديم نصيحتها للدولة من غير خلفيات سوداء بينها وبين الحكومة تحول دون قبول النصيحة.

وإنني أشهد أن الأخ منير دله تقبل هذا الكلام بقبول حسن، وأن فضيلة المرشد العام يبد أن الأحداث، وسرعة جريانها لم تمنحهما الفرصة لتحويله من القول إلى العمل، فالأمور تجري بمقادير ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الأخ صلاح يتمادى في ترتيب نتائج خاطئة على مقدمات خاطئة:

دعني أيها القارئ الكريم أعود بك إلى العبارة التي سجلها الأخ صلاح شادي في صفحة (35) بعد أن استوفينا مناقشة الجملة الأولى منها ونصها " لم تكن الإجابة عن هذه الأسئلة بالأمر الهين" .. فقد بينا أن الحصول على الإجابة من مصدرها الشرعي كان هينا جدا لو أن الأخ صلاح التزم بتطبيق شرع الله على نفسه، كما بينا اعتراف الأخ صلاح بخطئه الجسيم الذي قاد إلى أخطاء أسوأ ، وعلى الرغم من ذلك الاعتراف فإنه استمر في الخطأ.. بل وسجله في كتابه، وتوسع فيه إلى حد أثار البلبلة والاضطراب في فكر الإخوان إلى اليوم، ومن أدلة استمراره في الخطأ قوله عقب الجملة الأولى من هذه العبارة مباشرة ما نصه:" ولكن أدركت في نهاية الأمر أن المرشد لم يكن مخدوعا، ولم يتوقف عن علاج أمراض أتباعه، ولم يدخر وسعا في وضع الرجل الصالح في مكانه المناسب .. ولكن عاجلته منيته قبل أن يتم رسالته" وسنعرض بالشرح لما قدمنا بمشيئة الله".

أيها الإخوان إن الإمام الشهيد لم يمت إلا بعد أن أتم رسالته:

وأقول للأخ صلاح، ولكل من قرأ هذا الكلام عن الأخ صلاح أن المرشد العام لم تعاجله منيته قبل أن يتم رسالته، فقد أتمها على الوجه كامل، ونصح لإخوانه كل النصح، وأصبح يطلب الشهادة في سبيل الله، وقد أدى أمانته وبلغ رسالته كاملة، حيث جمع الإمام الشهيد قادة النظام الخاص في يناير سنة 1948، وأعلن فيهم هذا الكلام الذي أقول، ثم أعلن قراره بأن يذهب إلى فلسطين لا يعود منها إلا بعد أن تتحرر من اليهود أو ينال الشهادة، وكان ذلك في منزل الأخ عبد الرحمن السندي بحلوان وفي حضور ما يزيد على عشرين رجلا من قادة النظام في القاهرة والأقاليم، ولولا أننا كفيناه هذا الأمر لسبب واحد هو أن الإخوان المسلمين لم يخططوا لدخول فلسطين بل اقتصروا على تسليح المجاهدين من الفلسطينيين كطلب قائدهم سماحة الحاج أمين الحسيني الذي أعلن أن فلسطين لا تحتاج إلى رجال ولكنها تحتاج إلى سلاح، وطلب بندقية لكل مجاهد من مجاهديه ليلقي باليهود في البحر، وقد قام الإخوان بإجابة هذا الطلب بحمد الله على أحسن ما يكون القيام وأتمه .. ولكن ما إن بدأ التطوع لفلسطين حتى سارع فضيلة الإمام الشهيد بالتطوع لقيادة الإخوان الذين يعلنون استعدادهم للخروج معه حتى ينال الشهادة أو يدحر أعداء الله.. فلما أقنعاه أننا لم نكلف بالاستعداد لتجهيز جيش منا إلى فلسطين يقوده المرشد العام، ويتناسب حجم قواته لتجهيز جيش منا إلى فلسطين يقوده المرشد العام، ويتناسب حجم قواته مع مكانة الجماعة في العالم، وعرضنا على فضيلته أن يخرج رجل منا على رأس أول دفعة من المجاهدين من الإخوان إلى فلسطين، حتى نحفظ للجماعة قدرها بين الناس، ويتسع الوقت لاستعداد يتناسب مع خروج المرشد العام قائدا للإخوان في الميدان، وافق فضيلته.. ولكنه لم يهدأ في مضاعفة الدعوة للجهاد في فلسطين حتى بلغ عدد الإخوان عشرة آلاف مجاهد، أبلوا بلاء حسنا في ميدان القتال، وأيدهم الله بنصره في كثير من المعارك، ونال الإمام الشهيد ما تمناه من شهادة على أرض الوطن بأيدي عملاء الصهيونية من حكام مصر، فكانت دماؤه الطاهرة شهادة على أن حكام مصر في هذا الزمن، لم يكونوا إلا عصابة إجرامية، تقتل أولياء الله، وأئمة الناس على قارعة الطريق، ولا لشيء إلا لأنهم أعداء للصهيونية العالمية، وأنصار الله ولرسوله، وذلك على النحو الذي فصلناه في الجزء الأول من هذا الكتاب.

الإمام الشهيد لم يدخر وسعا في وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب:

أما أن يكون الإمام الشهيد لم يدخر وسعا في وضع الرجل المناسب في مكانه المناسب، فتلك هي فطرته وألمعيته التي قاد بها جماعته من اليوم الأول، ولم يكن فضيلته بحاجة إلى كثير من الزمن ليتعلم هذا الذي دار في نفس الأخ صلاح وينفذه، ولو أن الأخ صلاح راجعه عما دار في رأسه من أفكار سوداء لاستراح ولأراح، ورغم أن الأخ صلاح اعترف بخطئه في ذلك، فإنه ما زال يكابر وينسب التقصير ظلما إلى الإمام الشهيد، وهو المريد الذي يستحي أن يسأل إمامه في مثل هذا الفكر الخطير الذي أقض مضجعه.. فهل يليق من يريد في هذا المستوى من المقدرة أن يدعي وضوح الرؤية عنده عنها عند شيخه؟ وإذا تصورنا أن قلة خبرته في ذلك الوقت قد بررت له عدم القدرة على عرض فكره على مرشده، فهل نقبل منه بعد ثمانية وعشرين عاما، علمته خلالها الأحداث الجسام أنه كان مخطئا أن يستمر في المكابرة؟ مع اعترافه بأنه أخطأ خطأ جسيما أدى إلى أخطاء أسوأ.. إن هذا والله ما لا يمكن أن يقبله عقل. وسوف ننظر فيما قدمه هذا المنطق المعكوس من شرح.. فقد يمنحنا الله من الصبر على مناقشة الأخ صلاح في مثل هذا الموضوع.

الخطأ الخامس وتصحيحه ( دعوى شعور السندي بالاستقلال عن سلطان الجماعة وبطلانها)

جاء في صفحة (55) بقلم الأخ صلاح شادي وهو يتكلم عن مسئولية الأخ عبد الرحمن السندي في حادث مقتل المستشار الخازندار ما نصه:

" ولكن الحقيقة كانت كامنة وراء شعور السندي في هذا الوقت باستقلاله هو ومن يتولى قيادتهم من الإخوان، عن سلطان الجماعة وقائدها، الأمر الذي سهل له هذا السلوك، فلم يكن من حق أحد من إخوان النظام أن يتصل في شأن من شئون النظام الخاص إلا عن طريقه وبهذا عزل إخوان النظام تماما عن قيادة الدعوة، وأصبح فهم السندي لدور المرشد هو أن يبحث له عن مخرج أمام الناس لترميم الصدوع التي تحدثها أمثال هذه التصرفات غير المسئولة ، وتكييف الرأي العام في داخل الجماعة وخارجها لتقبل هذه الحوادث" انتهى.

وإنني أحيل القارئ الكريم غلى حقيقة ما عمله النظام الخاص ورجاله لمواجهة حادث الخازندار وآثاره في الجزء الأول من هذا الكتاب فسيجد الحقيقة مفصلة تفصيلا كاملا خالية من أي مجاملة أو زيف.

القاعدة الصلبة للنظام الخاص تشهد بخطأ الأخ صلاح شادي:

أما عن اتهام صلاح شادي للأخ السندي بأنه كان يشعر باستقلاله هو من يتولى قيادتهم من الإخوان عن سلطان الجماعة وقائدها فذلك هو الخطأ الذي لا يسمح به النظام ولا رجاله.. فرجال النظام لم يترددوا في عزل عبد الرحمن لما أعلن عجزه عن العمل مع فضيلة الأستاذ الهضيبي رغم اقتناعهم التام بأن عبد الرحمن له من المبررات ما يدعوه إلى اتخاذ هذا الموقف.ز ولكن هذه المبررات شيء.. والقاعدة الصلبة للنظام الخاص- التي لا تسمح لأحد من رجاله أن يستقل عن سلطان الجماعة وقائدها- شيء آخر.ز ومن ثم فقد أقر عبد الرحمن السندي قرار عزله في مواجهته وفي منزله، ولم يملك إلا الإعلان أنه قرار نظامي ليس عليه أدنى مأخذ.

حقوق أعضاء النظام وواجباتهم قبل القيادة من واقع الممارسة العملية:

أما عما يقوله الأخ صلاح من أن أحدا من إخوان النظام لم يكن من حقه أن يتصل بالمرشد في شأن من شئون النظام الخاص إلا عن طريق السندي فهذا صحيح.. ولكنه أشبه بمن يقف عند قول الحق تبارك وتعالى: " فويل للمصلين" لأنك تجد في مقابل هذه الفقرة الصحيحة من قواعد النظام أنه ليس من حق أمير اي مجموعة أن يرفض طلب مقابلة أي عضو من أعضائها لرئيس المنطقة إذا عَن له أمر من أمور النظام، وليس من حق رئيس المنطقة أن يرفض طلب أي عضو من أعضاء النظام الذين عرضوا عليه ما عَن لهم أن يقابل قائد النظام، وليس من حق قائد النظام إذا طلب ها العضو مقابلة المرشد العام بشأن ما عنَ أن يرفض طلبه على الإطلاق.

وعندنا من الوقائع التي ذكرناها في هذا الجزء من الكتاب أمثلة كثيرة منها تقديم عبد الرحمن السندي جمال عبد الناصر إلى المرشد العام لعرض ما عنَ له من اقترح بشأن تعديل التنظيم السري للإخوان بالجيش إلى تنظيم الضباط الأحرار، وتقديم قيادة النظام إخوة لجنة الشباب المسلم إلى ممثل المرشد العام لعرض ما عنَ لهم من اقتراحات بشأن إلغاء النظام، وتقديم عبد الرحمن السندي المهندس إسماعيل عاصم للمرشد العام عندما شعر بالبلبلة والشك في أن قيادة النظام غير معتمدة من المرشد العام.. وهكذا كان إخوان النظام يلتزمون من صغيرهم إلى كبيرهم بقواعده الصحيحة المبنية على الأصول الإسلامية الخالصة.. فإمارة المجموعة أو قيادة النظام أو رئاسة المنطقة تنظيم إداري لا يرفع من قدر أحد على أحد داخل التنظيم، وليس لأحد من جند النظام طاعة أحد في معصية الله حتى إذا كان الأمر صادرا من المرشد العام.. فمن حق العضو أن يراجع قيادته قبل تنفيذ أي أمر يصدر إليه ما لم يكن متأكدا أن هذا ألأمر خال من المعصية، ولا خطر له على الدعوة، وكل التزام العضو قبل النظام هو السرية التي تساعد على قضاء الحوائج.

فقرة ختامية لهذه المناقشة:

ومن ثم يكون ما ورد بقلم الأخ صلاح من أن عبد الرحمن عزل إخوان النظام تماما عن قيادة الدعوة وأصبح فهم السندي لدور المرشد هو أن يبحث له عن مخرج أمام الناس لترميم الصدوع التي تحدثها هذه التصرفات غير المسئولة، وتكييف الراي العام في داخل الجماعة وخارجها لتقبل هذه الحوادث هو تصور خاطئ قائم في ذهن الأخ صلاح، يبرره له خطؤه الذي اعترف به أولا وهو حقده الدفين على عبد الرحمن.. أما ما يصوره هذا الأخ الكريم في صفحة 35 من كتابه عن احتمال غياب طبيعة قائد النظام عن الإمام الشهيد.. بل واضطراب فكره إزاء هذه الطبيعة حتى أصبح لا يدري هل هو خطأ يغتفر، ويقوَم صاحبه، وهل يقوَم هذا الخطأ وهو في رئاسة النظام أم تنزع سلطاته؟ فهو غني عن أي تعليق، لأنه لو صح هذا التصور لما استحق الإمام الشهيد أن يكون مرشدا عاما على الإطلاق.

الخطأ السادس وتصحيحه( واقعة محاولة تهريب نجيب جويفل)

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة (75) من كتاب صفحات من التاريخ (حصاد العمر) تحت عنوان هروب جويفل أنه في سنة 1950 أخطره الأخ حسن عشماوي أن موقف نجيب جويفل من قضية الأوكار يعرضه إلى حكم الإعدام ثم يقول بالنص:

" وكان نجيب جويفل قد استأذن السندي في تهيئة من يقوم بتهريبه فرفض، بدعوى عجز الإمكانيات المتاحة لهذه العملية، وسمح له بالقيام بها على مسئوليته الخاصة إذا استطاع بدون أن يتحمل النظام الخاص نفقاتها" انتهى.

وقد غاب عن الأخ صلاح شادي بعد 28 عاما أو يزيد أن عبد الرحمن السندي كان سجينا حتى مارس 1951، فكيف يتأتى له أن يهيئ من يقوم بتهريب نجيب جويفل؟ وهل يكون لعبد الرحمن السندي حق أن يسمح أولا يسمح بتهريب أحد من الإخوان، إذا تمت هذه العملية خارج قوات النظام كما يدعي الأخ صلاح؟ إن هذا القول يحتاج إلى كثير من النظر.. وقد آن لي أن أسأل عن السبب في تركيز الأخ صلاح شادي على تهريب الأخ نجيب جويفل دون غيره من الإخوان الذين كان يتهددهم حكم الإعدام هم كثيرون.. وهل هناك علاقة بين موقف الأخ نجيب جويفل في الخدمة العامة بعد خروجه من السجن وبين علاقته بالأخ صلاح شادي ومجموعته؟ هذا مجرد سؤال لا أدعي أن لدي عنه جوابا وحبذا لو كان الأخ صلاح قد نشر على المسلمين الجواب.ز فقد كان موقف الأخ نجيب جويفل في الخدمة العامة بعد خروجه من السجن مثارا لكثير من التساؤلات التي تحتاج أن يجيب عنها من له بذلك علم.. يرحم الله نجيب جويفل الأخ المجاهد في فلسطين.. لقد خرج جميع المتهمين في قضية الأوكار بعفو شامل من السجن قبل أن تتم محاكمتهم، ولم يكن أمر أحد منهم يحتاج إلى التهريب. بما في ذلك الأخ نجيب جويفل.

الخطأ السابع وتصحيحه : ( الخيط الذي يربط صالح عشماوي بالنظام الخاص وتأثيره على اختيار المرشد العام الجديد)

جاء في كتاب الأخ صلاح شادي صفحة (80) وهو يصف الأخ صالح عشماوي كواحد من أربعة رشحهم الإخوان وهو داخل المعتقل لشغل منصب المرشد العام بعد قتل الإمام الشهيد ما نصه: " ثانيا: الأستاذ صالح عشماوي- وكيل الجماعة والذي يحظى بتأييد جناح النظام الخاص حيث كان يعتبر رأسا من رؤوسه".

والحقيقة أن دور الأخ صالح عشماوي في أعمال النظام الخاص لم يكن يزيد على قيامه نيابة عن الإمام الشهيد في تلقي بيعة عضوية النظام السرية على المصحف والمسدس.

وقد كان الأخ صالح يؤدي هذا الدور وهو مرتد ثوبا ملائكيا يغطيه من قمة رأسه إلى أخمص قدمه، بحيث لا يمكن أن يعرفه أحد من الذين يؤدون البيعة على يديه، ولم يكن الأخ صالح يقدم إلى من يؤدون البيعة بعد أدائها.. حيث لا علاقة له بالتسلسل القيادي للنظام بل كان من يؤدي البيعة يقدم إلى عبد الرحمن السندي باعتباره المسئول رقم(1) في النظام الخاص، ولم يكن لعبد الرحمن السندي رؤساء في النظام الخاص غير فضيلة المرشد العام مباشرة، وكانت كل أعمال النظام السرية حتى على الأخ صالح عشماوي فيما عدا الأحوال التي تتطلب اشتراك مستشارين للمرشد العام في شأن من شئون النظام، فقد كان الإخوة صالح عشماوي وعبد العزيز كامل وخميس حميدة، والشيخ محمد فرغلي والدكتور محمود عساف يدعون للاشتراك بقصد الشورى في مثل هذه الأمور، وكلها تتعلق بالأمور التنظيمية ولا علاقة لها بالأمور التنفيذية.

ومن ثم فمن الخطأ أن يقال أن الأخ صالح عشماوي يعتبر رأسا من رؤوس النظام، فلم يكن للنظام رأس غير المرشد العام، وقد وقع الأخ صلاح شادي في مثل هذا الخطأ مرة ثانية عندما ذكر أن الأخ الدكتور حسين كمال الدين كان رئيسا لعبد الرحمن السندي في النظام.

وهو قول غير صحيح فلا علاقة إطلاقا بين عمل عبد الرحمن السندي وعمل حسين كمال الدين إلا الحب في الله والتعاون كلما تطلب الأمر.

تأثير فكرة النظام الخاص على اختيار المرشد العام:

لقد آن لي وأنا أقرأ صفحة 80 من كتاب الأخ صلاح شادي أن أسأل عن السبب الحقيقي في دعوة الأخ منير دله للإخوة الأربعة عبد الرحمن البنا، وصالح عشماوي، وعبد الحكيم عابدين، وأحمد حسين الباقوري إلى منزله، ودعوة الأخ عبد القادر حلمي معهم للاتفاق على واحد من هؤلاء الأربعة ليكون مرشدا عاما للجماعة، باعتبار أن هذه الأسماء الأربعة هي الأسماء التي رشحتها جماهير الإخوان لاختيار واحد منهم ليكون مرشدا عاما، حيث بدأ الاجتماع ظاهريا لهذا السبب وانتهى لسبب آخر هو ترشيح الأستاذ حسن الهضيبي ليكون مرشدا عاما، وجمع كلمة الإخوة الأربعة أولا، ثم باقي الإخوان عليه، حيث ظهر مما عرضه الأخ صلاح شادي على لسان الأخ عبد القادر حلمي عما دار في الاجتماع، انتفاء وجود ما يبرر إهدار رغبة جماهير الإخوان، واختيار رجل لم يكن معروفا من قبل، لا لجماهير الإخوان ولا للأغلبية العظمى من خاصتهم ليكون مرشدا عاما بما في ذلك الأربعة الكبار المرشحون لمنصب المرشد العام.

ونحن نرى بنص رواية الأخ صلاح شادي على لسان عبد القادر حلمي في صفحة 80 من كتابه " صفحات من التاريخ" أن اثنين من الأربعة المرشحين اعتذرا في الاجتماع عن قبول منصب المرشد العام حيث قال الأخ عبد الحكيم عابدين إنه لن يرشح نفسه، ولن يسعى إلى المنصب.. ولكن إذا دعي إليه من الإخوان أجاب.ز وقال الأستاذ الباقوري إنه لن يرشح نفسه ولن يسعى إلى الانتخاب وإذا دعي إلى المنصب رفض.. أما الأخ عبد الرحمن البنا فقد قال إنه يرشح نفسه للمنصب ويسعى إليه. وقال الأخ صالح عشماوي أنه يرشح نفسه للمنصب ولن يسعى إليه.

فهل يمكن أن تقوم قضية لاختيار المرشد العام من بين الإخوان بعد ذلك؟ هل يمكن أن يكون هناك أيسر من أن لا يتقدم للترشيح لمنصب المرشد العام إلا رجلان اثنان من أعضاء مكتب الإرشاد؟ يقول أحدهما أنه سيرشح نفسه للمنصب ولن يسعى إليه؟ أين خلاف الإخوان وعدم اتفاقهم على مرشد منهم إذن؟ إنني لا أرى له وجودا وليس هناك وقد انسحب اثنان من الأربعة تلقائيا ما يبرر أن يبحث أحد عن مرشح من خارج الجماعة خشية الخلاف على أيهما يختار الإخوان من الاثنين الباقيين؟ لم يكن هناك أيسر من تمرير استمارة اختيار على أعضاء الهيئة التأسيسية مسجل بها هذان الاسمان لاختيار أحدهما وإعلان فوز الحاصل على الأغلبية المطلقة للأصوات بدلا من تمرير اسم واحد غير معروف حتى لأحد من هؤلاء الأربعة المرشحين لمنصب المرشد العام للإجابة عليه بنعم أو لا دون إعطاء أي فرصة للخيار.. عذرا أيها القارئ الكريم.. فإن قلمي لم يستطع أن يغفل هذه النقطة الهامة التي وقفت وراء كل المشاكل التي ظهرت في صفوف الإخوان وأدت إلى كل النتائج المؤلمة التي مر بها الإخوان تحت قيادة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي ، والذي يظهر للناظر في هذا الأمر هو أن كل المقصود كان إبعاد الأخ صالح عشماوي من منصب المرشد العام لأسباب لا يعلمها إلا الله.. ولكننا نستطيع بأمانة المسلمين أن ننقد مثل هذا القصد فنقول:

1- كان واضحا أنه لن يختلف الإخوان على اختيار الأخ صالح عشماوي إذا ما خير الإخوان بينه وبين الأخ عبد الرحمن البنا.. لا لفضل صالح على عبد الرحمن.. ولكن لتمرس صالح في قيادة الإخوان بكونه استمر وكيلا للإمام الشهيد طوال حياته فور استقالة الأخوين أحمد السكري والدكتور إبراهيم حسن، ثم قيادته للإخوان فترة معركة 48 حتى عادت إليها كل حقوقها كاملة، وهزم الله في ظل قيادته أعداء الدعوة هزيمة نكراء فلم يكن هناك مجال للخوف من شقاق بين الإخوان خاصة أن صالح قد أعلن أنه لن يسعى لهذا المنصب.. أي أنه لو اختار الإخوان عبد الرحمن البنا لبايعه فورا.

2- كانت جماهير الإخوان مع تقديرها للأخ عبد الرحمن البنا تفضل أن لا تختاره اتباعا لسنة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فضلوا اختيار أبي بكر بدلا من على حتى لا يسن لمنصب المرشد العام أن يكون منصبا عائليا. كما لم يشأ صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختيار علي لأسباب منها أن لا يسن أن يكون خليفة المسلمين من أهل البيت.

3- لوحظ أنه بعد اختيار فضيلة الأستاذ الهضيبي مرشدا، تم إبعاد الأخ صالح عشماوي عن منصب الوكيل، وإحلال أخ كريم من رجال القضاء الذين لم يسبق لهم دراية أو تمرس في قيادة الجماعة من قبل.. فاختلطت الأمور على كل من المرشد والوكيل وكانت النتائج المؤسفة التي عرفناها وفصلناها في هذا الجزء من الكتاب.

فهل من حكمة في هذا الإجراء؟ الله أعلم.. إن كل الذي يمكن أن تجود به القريحة وهي تستقرئ الحكمة وراء اتخاذ هذا الأسلوب لاختيار المرشد العام هو ما استقر في أذهان هؤلاء الإخوان من أفكار لاختيار النظام الخاص بثتها وسائل الإعلام المعادية، فصدقوها.. لا لسبب إلا لأنهم رغم كونهم من كبار الإخوان لم يعلموا شيئا عن نشاط هذا النظام.. فلم يكن لهم من مصادر المعلومات عن هذا النشاط غير وسائل الإعلام المعادية، يقرأونها ثم يصدقونها، ويتبادلون الفكر والنقاش والتخطيط لمستقبل الدعوة على أساسها.. ومن ثم كان اتجاههم جميعا أن النظام الخاص هو الذي أوقع الجماعة في مشاكل سنة 48، وأنه لابد للجماعة أن تتخلص من هذا النوع من النشاط، وتقتصر على العمل على نشر الدعوة الإسلامية بأنشطة الأقسام العلنية للإخوان دون سواها.. وقد تأيد هذا الرأي علنا في شهادة الشهيد عبد القادر عودة (يرحمه الله) في مذكراته التي نشرت في جريدة الشرق الأوسط، وبشهادة الشيخ أحمد حسن الباقوري في مذكراته المنشورة في جريدة المسلمون، والتي سيأتي ذكرها في الفصل العاشر من هذا الكتاب.

وإني لأعجب بعد هاتين الشهادتين لماذا إذن كانت كل هذه المناورات مع قادة النظام وأعضائه.. خاصة أنهم جاءوا للمرشد العام الجديد فور مبايعته مرشدا عاما يسلمون أنفسهم، ويتركون له وبكل الإخلاص القرار بشأن حل النظام أو محاكمة المسئولين عنه عن أعمال فترة سنة 1948 وما قبلها ، أو تغييرهم أو بقائهم كما هم دون أي مجاملات ، لا شك أن وراء هذا المسلك سرا لم يتضح بعد.

القائمون بأعمال القيادة السياسية للإخوان يجتمعون على محاربة النظام الخاص:

وقد كان هذا الرأي مستقرا في رؤوس أفراد مجموعة الأخ صلاح شادي القائمة فعلا بأعمال القيادة السياسية للإخوان في عهد الثورة والتي تضم الإخوة منير دله، وحسن عشماوي، وعبد القادر حلمي، وفريد عبد الخالق وصالح أبو رقيق، وغيرهم.. بل إن هذه المجموعة تأثرت بعامل إضافي هو هذه الفكرة المقززة التي جملها الأخ صلاح شادي ضد عبد الرحمن السندي، وضد النظام الخاص والتي بسببها كانت هذه المجموعة لا تعتبر وجود النظام الخاص اجتهادا خاطئا، أضر بالجماعة فحسب.. بل كانت تعتبره جسدا غريبا مستقلا برئاسته عن المرشد العام.. بل وتعتبر أن قائده يفرض وجوده على المرشد، ويفرض عليه أعمالا إجرامية، ويكلفه أن يبحث له عن مخرج أمام الناس لترميم الصدوع التي تحدثها أمثال هذه التصرفات غير المسئولة، وتكييف الرأي العام في داخل الجماعة وخارجها ليقبل هذه الحوادث. (راجع صلاح شادي- صفحات من التاريخ.. حصاد العمر ص 55) فقد نص صلاح شادي على هذا المفهوم في هذه الصفحة، وقد سبق لنا ذكره نصا في أول الكلام عن الخطأ الخامس في هذا الفصل.

ولكي تستيقن أيها الأخ الكريم من أن هذا المفهوم كان المفهوم السائد لدى هذه المجموعة عن النظام الخاص ورجاله من قبل وقوع حوادث سنة 1948، فإنني أدعوك إلى قراءة النص الذي سجله الأخ صلاح شادي في كتابه (صفحات من التاريخ.. حصاد العمر) .. صفحة 92 حيث قال نصا:

" ولعل من المشاهد التي كانت تستوقفنا (يقصد مجموعته السابق تسجيل أسمائهم في هذا الصدد) أننا كنا نستطيع أن نعرف من النظرة العابرة، كثيرا من الإخوان الملحقين بالنظام الخاص، من بين جموع الإخوان التي كانت تموج بهم دار الجماعة.

والأمر لم يكن يحتاج إلى ذكاء.. فأسلوب الحديث مع هؤلاء كان ينبئ عن صرامة، قد لا يحتاج إليها موضوع الحديث نفسه، وقسمات الوجه تصيح أن صاحبها يحمل أسرارا. وطابع الحركة والمشية تثير انتباه الرأي أو تساؤله على الأقل عمن يكون وما عمله؟ " انتهى.

الهوى والغرض يجعل صاحبه يرى الأمور معكوسة:

هنا يعترف الأخ صلاح شادي ومن قبل حوادث 48 بأن كل رجال النظام كانوا شواذا في نظره ونظر مجموعته، ويمكن أن يميزهم الناس عن مجموع الإخوان من النظرة العابرة دون أن يحتاج ذلك إلى ذكاء.

ثم اقرأ يا أخي الكريم كيف ناقض الأخ صلاح شادي نفسه على الفور في الفقرة التالية مباشرة لهذا الكلام فقال نصا:

" ولعل من فضل الله أن شرطة المباحث أو القسم المخصوص لم يكن لديهم من الفطنة والذكاء ما يدعوهم إلى التحقق من هذه الأمور وتتبعها".

فهو هنا أولا يسجل أن اكتشاف إخوان النظام من بين صفوف الجماعة يحتاج إلى ذكاء وفطنة أعلى من ذكاء شرطة المباحث أو القسم المخصوص فيكون قد نقض كل ما قاله عن عدم الحاجة إلى ذكاء لتمييز هؤلاء الشواذ عن غيرهم من الإخوان .. ولكنني أضيف هنا أ المعروف أنه يتم اختيار شرطة المباحث أو القسم المخصوص من أكثر الناس ذكاء في قطاع البوليس.. أما الأدنى فهم الذين يعملون في أعمال البوليس العلنية المعروفة لكل الناس.. وهذه بديهية مسلم بها.

ثم يقول الأخ صلاح شادي أنه لم يكن لشرطة المباحث أو القسم المخصوص ما يدعوهم إلى التحقق من هذه الأمور وتتبعها.

وأقول إن شرطة المباحث والقسم المخصوص لم توجد إلا للتحقيق في هذه الأمور وتتبعها.. ولكن الهوى، والغرض يجعل صاحبه يرى الأمور معكوسة، والحقائق البديهية ألغازا.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الفيصل بين الحق والباطل:

هذا ولم يكتف الأخ صلاح شادي وهو يحرر ما أسماه (صفحات من التاريخ.. حصاد العمر) أن يعلن للناس رأيه في أعمال النظام الخاص في صفحة 93 فيقول ما نصه:

" ونعود لنقول إن هذه المغالاة في الطاعة لا يمك أن يرجع إليها وحدها السبب في كشف كل الأحداث التي قام بها النظام الخاص وإنما يعزي الكثير منها إلى سوء التخطيط" وأقول إن هذا هو الباطل.ز أما الحق فلعل القارئ الكريم قد أدركه بعد أن قرأ الجزء الأول والجزء الثاني من هذا الكتاب وعلم أن أعمال النظام الخاص في سنة 1948 قد أودت بعهد فاروق كله وما فيه من قوى عنيفة ضد الإخوان في خلال ثلاث سنوات.. وهذه هي النتيجة التي تبطل كل ما قاله الأخ صلاح، وأن تخطيط الأخ صلاح ومجموعته التي قامت بأعمال القيادة السياسية للإخوان في عهد الثورة أدى إلى اختفاء جماعة الإخوان المسلمين عن الوجود الرسمي في مصر ما يقرب من أربعين عاما متصلة.. ولا يدري أحد إلى الآن إلى متى سيظل هذا الاختفاء.. أما ما يقوله الأخ صلاح عن الطاعة فإنه لا يوجد شيء اسمه مغالاة في الطاعة.. فإما أن يكون الإنسان مطيعا أو يكون غير مطيع.. ولكن الطاعة قد تكون عمياء، وقد تكون مبصرة.. وقد سبق لنا أن أوضحنا أن الطاعة العمياء مرفوضة في الإسلام، وذكرنا نماذج كثيرة عن مراجعة أعضاء النظام لرؤسائهم في كل ما يرونه متصادما مع أفكارهم، كما أوضحنا سلوك هذه القيادات قبل مثل هذه المراجعات الذي كان نموذجا لتطبيق مبادئ الشورى الإسلامية على أحسن ما يكون التطبيق وأنفع.

المفاهيم الخاطئة وأثرها في اختيار المرشد العام الجديد:

وتحت تأثير هذه المفاهيم الخاطئة التي ختمها القدر بحوادث سنة 1948 تحركت هذه المجموعة التي قامت بأعمال القيادة السياسية للإخوان في عهد الثورة لترشيح المرشد العام للإخوان المسلمين من رجال القانون المشهود لهم بحب الفكر الإسلامي من بين رجال القضاء.. ليطمئنوا إلى أن قيادة الدعوة ستكون في أيد قانونية لا تسمح بأي عمل غير قانوني تقوم به الجماعة،فيتعرضون مرة ثانية لما تعرض له الإخوان سنة 1948.. وزيادة في التأكيد على تحقيق ها الهدف رشحوا الأخ الكريم الشهيد عبد القادر عودة وهو أيضا من رجال القانون وكيلا للجماعة ليقطعوا كل صلة بين الأخ صالح عشماوي وبين توجيه سير الدعوة.. وذلك لعقيدتهم الخاطئة بأن صالح عشماوي يحظى بتأييد جناح النظام الخاص، والتي أفصح عنها الأخ صلاح في كتابه(صفحات من التاريخ .. حصاد العمر) وبذلك خسرت الجماعة رائدا من أقدم روادها.

المرشد العام يؤكد بنفسه أثر هذا الفهم الخاطئ في اختياره مرشدا:

وإنه لمما يؤكد صحة هذا الاستقراء لحكمة ترشيح كل من الأستاذ الهضيبي والأستاذ عبد القادر عودة لمنصب المرشد العام والوكيل العام وهما من رجال القضاء أن فضيلة الأستاذ الهضيبي في أول لقاء له مع قيادة النظام الخاص بمنزل الأخ الشهيد الأستاذ عبد القادر عودة لخص مهمته في الإخوان المسلمين في كلمتين حيث قال فضيلته" جئت لأطهر الإخوان المسلمين من الجريمة".

وقد رددت على فضيلته في نفس الاجتماع، وأنا أقدر أثر ما أذاعته وسائل الإعلام المعادية في رؤوس كل المحبين للدعوة الإسلامية الذين لا يعلمون شيئا عن نشاطها العسكري ، فقلت على الفور " يا فضيلة المرشد إنك تحدثنا عن فكر إبراهيم عبد الهادي.. فهو وحده الذي أضفى على أعمال الإخوان صفة الجرائم.. والحقيقة أن الإخوان لم يرتكبوا أي جريمة" فانتبه فضيلة المرشد العام إلى ما قلت، وتغير أسلوبه في المناقشة والتخطيط وكانت النتائج التي فصلناها قبل ذلك عن سير النظام الخاص في مواجهة سلبيات سنة 1948 هي المظهر العملي لأسلوبه الجديد مع الأسف الشديد.

الخطأ الثامن وتصحيحه ( حادث محاولة حرق أوراق قضية الجيب)

يتحدث الأخ صلاح شادي في كتابه: (صفحات من التاريخ.. حصاد العمر) عن حادث محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب فيقول نصا في صفحة 94 من هذا الكتاب:

" ويفسر لنا هذا الحادث الذي نفذ في هذا الوقت مدى فقد الشعور بالمسئولية التي كان السندي ينظر من خلالها إلى الأحداث".

والحقيقة أن السندي كان سجينا عند وقوع هذا الحادث ولا صلة له به، وليرحم الله تاريخ صلاح شادي الملء بالأخطاء مع فقدان المنطق البديهي.. فقد مزق صلاح هذا التاريخ شر ممزق.

الخطأ التاسع وتصحيحه والمدخل إلى المعصية الثانية (الاتهام بالقتل دون بينة)

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة 94، 95 عقب الفقرة المحتوية على الخطأ الثامن مباشرة ما نصه:

" ويجدر بي أن أشير هنا إلى أنه قبل هذا الحادث بأشهر قليلة (يقد حادث محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب) عرفني المرشد بالأخ السيد فايز باعتباره المسئول عن النظام وكان عبد الرحمن السندي في هذا الحين محبوسا بسبب اتهامه في قضية سيارة الجيب، ورأيت في سيد فايز صنفا من الرجال يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد.. وفي نفس الوقت مكان يفكر في الأحداث بعقل مستنير يستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة .. يخدمها بجهده وعزمه، ولا يستخدمها في هواه، وكان سيد فايز يشارك حسن البنا إدراكه خلل روابط السندي بالقيادة، ويعلم أن حسن البنا كانت تشغله قضية الإصلاح، وأن الظروف ربما أتاحت هذه الفرصة بواسطته حيث إنه أصبح مسئولا عن إرادة النظام تحت إشراف من يوافقه في الفكر والرغبة في الإصلاح.

ولذلك فقد حدثني عن كيفية ذلك وعن الصعاب التي واجهها في نقل الاختصاصات إليه حتى انتهى الأمر إلى الفشل.. وكان تخطيطه لهذا الإصلاح سببا في إيعاز صدر السندي عليه".

والحقيقة أن هذه القصة تحمل أدلة اختلاقها.. لا لشيء إلا لرغبة الأخ صلاح شادي أن يمهد القارئ ليقبل بالمعصية الكبرى التي أوقع فيها الإخوان المسلمين.. ولعل شيطان الأخ صلاح شادي هو الذي قاده وقاد الإخوان معه إلى هذه المعصية الكبرى التي لا يزالون متردين فيها، لم يطهرهم منها طول الوقت، ولا قسوة السجون والمعتقلات والتعذيب.. فقد تمكنت منهم هذه المعصية حتى أصبحت داء لا يستطيعون منه شفاء.. أسأل الله أن يقبل عثرتهم، ويهديهم إلى التوبة عن هذه المعصية ، حتى تتنزل عليهم الملائكة، ويذكرهم الله في ملأ عنده

كيف لعقل راشد أن يتخيل أن عبد الرحمن السندي وهو سجين احتياطيا بسبب اتهامه في قضية السيارة الجيب يستطيع أن يضع صعابا في وجه السيد فايز في نقل الاختصاصات إليه؟ وهل يظن الأخ صلاح أن قراءه قد فقدوا عقولهم؟

إن النظام الخاص بطبيعته ينقل المسئولية تسلسليا من رقم 1 إلى رقم 2 ثم إلى رقم 3 .. وهكذا فور اعتقال الأرقام المتقدمة في الترتيب إلى الأرقام التي تليها.. ولهذا السبب آلت المسئولية إلى السيد فايز أوتوماتيكيا باعتقال كل قيادات النظام الخاص التي تسبقه في الترتيب.. وقد باشر عمله على أحسن ما تكون المباشرة.. فقد زلزل حكم السعديين بإدارته لعملية قتل النقراشي باشا، وبمحاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب ، وقد وجد من إخوان النظام السمع والطاعة، ولم تحدث له أي صعوبات في أداء رسالته حتى دخل السجن، وقد كان معنا وفي عنبر واحد، وبقينا نلتقي صباح مساء ما يقرب من ثلاث سنوات لم نسمع من السيد فايز شيئا من هذا الذي يقوله الأخ صلاح شادي.. وإنما سمعنا فقط من أعضاء لجنة الشباب المسلم رأيهم بإلغاء النظام الخاص، فلما خرجنا لم نسمع عن السيد فايز أي محاولة لإحداث اضطراب في الصف داخل النظام الخاص، ولا أي رغبة في تولي قيادة النظام.. ولكن كل المحاولات جاءت من لجنة ا لشباب المسلم، ومن الأستاذ حسين كمال الدين، والأخ شادي.ز وقد ذكرناها جميعا في هذا الجزء من الكتاب، وإن من يطلع على وثيقتي التي سردت فيها علاقة النظام الخاص بالأستاذ الهضيبي من يوم تنصيبه مرشدا عاما حتى استقالتنا.. وهي مكتوبة قبل أن يكتب الأخ صلاح شادي كتابه بثمان وعشرين سنة أو يزيد، وموزعة على جميع أعضاء الهيئة التأسيسية وجميع أعضاء مكتب الإرشاد لسنة 1953- 1954 مما أعطاها صفة الوثيقة التي يعتمد عليها عند تسجيل التاريخ.. إن من يطلع على هذه الوثيقة لا يجد أي ذكر ولا أي دور للأخ سيد فايز في الخلافات والاضطرابات التي حدثت في صفوف النظام طوال فترة قيادة الأستاذ الهضيبي للنظام.

من هذه الحقيقة يتضح أن الأخ صلاح شادي لم يختلق هذه الواقعة إلا ليوحي إلى القارئ بسبب ما، يبرر به اتهام عبد الرحمن السندي بقتل سيد فايز قبل أن يقع في المعصية ذاتها فيوجه هو شخصيا هذا الاتهام على صفحات كتابه (صفحات من التاريخ.. حصاد العمر) ويوقع كل الإخوان المسلمين معه في هذه المعصية الكبرى، فيرددون اتهامه لعبد الرحمن بارتكابه هذه الجريمة الشنعاء من غير دليل أو برهان أو بينة.. وسوف يأتي في وقت لاحق من هذا الكتاب مناقشة هذه المعصية الكبرى التي وقع فيها "الإخوان المسلمون" وما زالوا واقعين فيها إلى اليوم لم يعلنوا توبتهم منها حتى تتنزل عليهم الرحمة.. وذلك دون أن يكون لدى أحد منهم دليل ولا برهان ولا بينة، إلا آراء الأخ صلاح شادي وغيره ممن رددوا قوله، وأضافوا إليه ما شاء الله لهم أن يضيفوا، دون دليل أو برهان أو بينة وذلك هو الإفك المبين.

الخطأ العاشر وتصحيحه (صلاح شادي يصب جام غضبه على الإمام الشهيد لأنه لم يعزل عبد الرحمن السندي)

أفرد الأخ صلاح شادي صفحتين كاملتين كشف فيهما عن غضبه الشديد على الإمام الشهيد لأنه لم يعزل عبد الرحمن السندي من قيادة النظام هما صفحتا 96، 97 ومن يقرأ هاتين الصفحتين يشعر بالأخ صلاح شادي وهو ينتفض غيظا لأن حلمه في إقالة عبد الرحمن السندي لم يتحقق في حياة الإمام الشهيد فيقول هذا الأخ الكريم (غفر الله لي وله) ما نصه:

1- وفقد المرشد بعد حادث الاستئناف كل سلطان على قيادة النظام بعد فشل سيد فايز في ربط خيوط النظام بيده، وأعلن في صراحة أن القيادة بعد أن أصبحت غير قادرة على مزاولة سلطتها فإن مسئولية حادث الحكمة تقع على عاتق من قاموا به وليس على عاتق الجماعة.

2- وهكذا فشلت محاولة التغيير التي أراد حسن البنا أن يحققها في رئاسة النظام منذ عجز سيد فايز عن أن يمارس اختصاصه الذي كان يأمل حسن البنا أن يحققه، فوجد نفسه عاجزا عن وضع يدع على الرجال والأسلحة والذخيرة والعتاد.. حيث كان يملك خيوطها كلها عبد الرحمن السندي.ز بل زاد الأمر تعقيدا أن قام السندي بتنفيذ عملية المحكمة في الظروف الحالكة التي تلت مقتل النقراشي.. بالرغم من تأكيد المرشد عليه بعدم القيام بها، فلم يقف السندي هذه المرة عند حد إغفال حق المرشد في الاستئذان منه.. ولكن تعداه إلى رفض تلبية أمره والإطاحة بحقه في السمع والطاعة.

3- وعاجلت المرشد منيته فلم يستطع أن يتم دوره الذي بدأن في إزاحة السندي غن رئاسة النظام وربما تساءلنا عن مدى مسئولية المرشد في إبقاء السندي في موضعه ومدى قدرته على علاج هذا الحاجز القائم بينه وبين أفراد النظام إذا خرج قائده عن طاعته.

4- نقول في هذا الصدد إن المرشد حسن البنا رحمه الله منذ سنة 1944 كان يحاول تقليص سلطات السندي جهد الطاقة بدون مواجهة صارخة بعزله.ز فقد أراد أن يجنب الجماعة صراعا في داخلها لا تحمد عواقبه ولكنه لم يغفل عن التخطيط لإزاحته في هدوء، وحين تواتيه الفرصة كما بدأ ذلك في تكليف محمود لبيب بمباشرة العمل مع ضباط الجيش في الجهاز السري، وتكليفي بممارسة نفس الواجبات بمعزل عن نشاط النظام الخاص.

5- أما بعد حادث الخازندار في مارس 1948 فقد رأى رحمه الله أن يحزم الأمر بأن يكلف شخصا آخر يثق في أمانته وطاعته وقدراته في النهوض بتبعات العمل في النظام الخاص، ولم يتحقق ذلك إلا قبل قتل النقراشي بأشهر بما كان من أمر تعيين سيد فايز على ما سبق شرحه.

وكان محور تفكير الإمام الشهيد هو أن إبعاد السندي دفعة واحدة في وقت تتربص فيه الحكومة بالإخوان يمكن أن يؤدي إلى إحداث فتنة وسط الجماعة لا تعلم عواقبها وأبسط نتائجها أن تعصف الحكومة بكيان الجماعة.. ليس فقط في الجانب الظاهر منها.. ولكن كيانها كله.

6- وكذلك لم يكن من السهل إبلاغ أفراد النظام بعدم السمع والطاعة لقادته فيما يصدرونه من أوامر إلا بعد علمهم وتأكدهم من موافقة المرشد عليها.. لأن ذلك يجعل الاختصاص في التنفيذ لغير صاحبه.. فضلا عما يورثه هذا السقوط من أخطار تلحق بمرشد الجماعة إذا جرى استيثاق الأفراد بشرعية الأعمال الموكل إليهم بها من غير قيادتهم المباشرة.

7- ولهذا لم يكن هناك حل يستطيع المرشد الوصول إليه إلا بتغيير قائد النظام بصورة لا تحقق أخطارا على كيان الجماعة، وكان من الممكن الوصول إلى هذا الحل بمساءلة السندي في أعقاب موقفه المتخاذل من تحقيقات قضية السيارة الجيب.ز الأمر الذي أدى إلى كشف كثير من الوقائع والأشخاص بمجرد التحقيق معه في البوليس ولنيابة.

8- ونقول إن قيادة الإخوان لا يمكن إعفاؤها من مسئولية عدم مبادرتها إلى مساءلته عن ذلك بحكم موقعه من المسئولية باعتباره قائدا للنظام الخاص.. وهذه المسائلة لو حدثت وقتها لتحت معها إبعاده عن منصبه، ولتجنبنا المرة التي حدثت فيما بعد في صفوف الجماعة – خاصها وعامها- عندما عزل السندي سنة 1953 بدون أسباب ظاهرة لعامة الإخوان كما سيجئ فيما بعد . انتهى. وأنت أيها القارئ الكريم من هذا النص الذي رقمنا فقراته بأرقام مسلسلة من (1) إلى (8) حتى يمكننا مناقشة كل فقرة على حدة دون إعادة تدوينها .. نستطيع أن نتبين بوضوح ما يأتي:

9- الخطأ الظاهر في الفقرة (1) لأن الحكومة قطعت الصلة بين المرشد العام وبين رجال الدعوة منذ إصدارها لقرار حل الإخوان المسلمين في 8/ 12/ 1948 وهو تاريخ لاحق لتاريخ ضبط السيارة الجيب بثلاثة وعشرين يوما فقط، اعتقل النقراشي خلالها جميع الإخوان المسلمين المعروفين لدى الحكومة سواء من أعضاء الشعب أو رؤساء المناطق أو أعضاء الهيئة التأسيسية أو أعضاء مكتب الإرشاد، فلم يبق طليقا إلا المرشد العام ومن لا تعرف الحكومة عنه أنه عضو بجماعة الإخوان المسلمين من إخوان النظام أو غيره.

ولم يكن من الممكن للمرشد العام الذي حددت إقامته في بيته ووضع تحت مراقبة البوليس المستمرة أن يتصل بأحد من الإخوان المسلمين كذلك لم يمكن من الممكن لأحد من الإخوان المسلمين الذين لم يعتقلهم البوليس الذهاب لمقابلة المرشد العام في منزله.. وإلا اعتقل على الفور، ولم يكن أمام إخوان النظام إلا المقاومة المسلحة للحكومة على مسئوليتهم.. لأن الحكومة قررت القضاء على جماعتهم غدرا، ودون أي خلاف بين الحكومة والإخوان، بل كان التعاون بين الإخوان بين الحكومة قائما على أشده ضد اليهود ، فكان هذا القرار خيانة للإسلام والمسلمين تستوجب أن يقوِم المسلمون هذا الخائن بحد السيف شرعا كما سبق أن قال صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لخليفته الأول:" والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بحدود سيوفنا" فما بالنا والأمر هنا ليس اعوجاجا .. لكنه انضمام إلى اليهود في محاربة المسلمين؟.

إذن فلا علاقة لحادث الاستئناف بقطع الصلة بين المرشد العام والنظام الخاص خاصة أن حادث الاستئناف هذا لم يقع إلا في 13/ 1/ 1949 بعد قتل النقراشي باشا بخمسة عشر يوما.. حيث قتل النقراشي باشا في 28/ 12/ 194 واشتد الضغط على الإخوان مع إحكام القيود على تحركاتهم.

فإذا أضفنا أن كلا من حادث قتل النقراشي وحادث المحكمة قد نفذا بناء على تعليمات الأخ الشهيد السيد فايز الذي آلت إليه قيادة النظام الخاص بعد اعتقال كل من يعلونه في التسلسل القيادي لتبينا أن عبارة الأخ صلاح بعد أن فشل سيد فايز في ربط خيوط النظام بيده، هي عبارة مغرقة في الخطأ، ومتناقضة تماما مع الأمر الواقع.. فإن المرشد العام لم يعين ( سيد فايز) قائدا للنظام، ثم كان على سيد فايز أن يربط خيوطا بيده ولكن النظام كانت خيوطه مرتبطة بقوة التنظيم أساسا في يد الأخ سيد فايز، وكانت قيادته للنظام محددة بقوة التنظيم.. فهي لأعلى رئاسة طليقة لم تستطيع الحكومة اعتقالها، ولولا ذلك لما استطاع الأخ السيد فايز أن يخطط لقتل النقراشي وينفذه.. ولا أن يخطط لحرق أوراق قضية السيارة الجيب وينفذه..

ولكنه الوهم الخاطئ في نفس الأخ صلاح الذي يصور له أن الأخ السيد فايز قد أسندت له قيادة النظام بأمر من المرشد رغبة في التخلص من اعبد الرحمن السندي، وهو وهم لا أساس له على الإطلاق.

2-والخطأ ظاهر في الفقرة (2) .. حيث أن المرشد العام في هذه الظروف لم يكن له أي علاقة بالنظام الخاص ولم يكن هناك مجال للتفكير السفسطائي في إحداث تغييرات إدارية في قيادات النظام الخاص.. فالمعركة دائرة والراية مرفوعة لأعلى رئاسة قائمة.. فإذا اعتقل حملها من يليه، دون أمر أو نوايا تغيير، إلا في مخيلة الأخ صلاح شادي.

كذلك لم يكن هناك أي صلة بين عبد الرحمن السندي والنظام الخاص في هذا الوقت فقد كان عبد الرحمن السندي سجينا على ذمة قضية السيارة الجيب وكانت خيوط النظام كلها مفصولة- لا موصولة- عن عبد الرحمن السندي.. ومن ثم يكون ادعاء الأخ صلاح شادي في الفقرة على عبد الرحمن السندي أنه هو الذي قام بتنفيذ عملية المحكمة بينما هو سجين، افتراءا فاضح يكشف صدر الأخ صلاح، ليرى الناس ما يعتور في داخله من غليان ضد عبد الرحمن السندي، ويكون ادعاء الأخ صلاح أن المرشد العام أكد على عبد الرحمن بعدم تنفيذ حادث المحكمة، وأن عبد الرحمن رفض تلبية أمره، وأطاح بحقه في السمع والطاعة، هو ادعاء خرافة.. فالمرشد العام محددة إقامته بمنزله وعبد الرحمن السندي مغيب في السجون.

3-أما الفقرة (3) فيظهر منها أن الأخ صلاح شادي لم يكن يرى دورا للمرشد العام للإخوان المسلمين إلا أن يزيح له السندي من رئاسة النظام.. هذا الخاطر الذي صاحب الأخ صلاح منذ أن ظهر له أن طلبه الانضمام إلى النظام كان طلبا غير نظامي، وهو تمكين عجيب في عقل الأخ صلاح أخذ عليه فكره ووجدانه حتى أنه لا يأسف لموت المرشد العام.. لا أنه يأسف لأنه لم يحقق له أمنيته في خلع عبد الرحمن السندي بل إنه يحاكم المرشد العام فيما بينه وبين نفسه بعد أن استشهد فضيلته في أعظم مواقع البطولة والفداء فيقول:" وربما تساءلنا عن مدى مسئولية المرشد العام في إبقاء السندي في موضعه من القيادة.. إلخ".

ولي سؤال واحد ما هو موقعك من المرشد العام يا أخ صلاح، لتصدر عليه كل هذه الأحكام بعد وفاته وأنت باعترافك لم تكن تجرؤ على سؤاله رأيه فيما غم عليك فهمه من أحداث في حياته، رغم ما كان معروفا عن فضيلته من حسن اللقاء..

4-إن الخطأ في الفقرة الرابعة ظاهرا أيضا وقد سبق لنا أن أوضحناه حيث لم يحدث إطلاقا أن كلف المرشد العام الأخ الكريم محمود لبيب بمباشرة العمل مع ضباط الجيش في الجهاز السري، ولا كلف الأخ صلاح بممارسة نفس الواجبات بعزل عن نشاط السري.

ذلك لأن نشاط كل من الأخ محمود لبيب والأخ صلاح شادي هو نشاط علني لنشر الدعوة العامة بين ضباط الجيش وضباط البوليس والفنيين في الجيش والبوليس.. وهي أعمال لا علاقة لها بالتنظيم السري، وأن قيام أي من هؤلاء الأفراد بأعمال عسكرية علنية من قبيل الأعمال التي يقوم بها أي مواطن ضد الإنجليز أو اليهود لا يعني قيامه بشيء من مسئوليات النظام الخاص.. ولعل من ابرز الأمثلة على ذلك النشاط الواسع المدى الذي قام به الأخ معروف الحضري ضد اليهود سواء في التجهيز للمعركة أو في القتال في الجبهة، رغم أنه لم يكن عضوا في النظام الخاص.. فمثل هذه الأعمال لا تستوجب السرية في التشكيل، ولكنها تستوجب فقط الحذر عند التنفيذ.

ونلاحظ في هذه الفقرة أن الأخ صلاح شادي يصور لنا الإمام الشهيد سنة 1944 بالشخص العاجز عن إجراء تعديل إداري صغير بين جنوده.. وهذا قول لا يمكن أن ينطلي إلا على عقول لم تتعامل مع الإمام الشهيد ولم تشهد قدراته الفائقة في التخطيط والتنظيم والتوجيه.. لقد شاهدنا في الفصل الثاني من هذا الكتاب أن قيادة النظام عزلت عبد الرحمن السندي عن قيادة النظام بقرار في مواجهته وفي منزله ورشحت بدلا منه الأخ حلمي عبد المجيد كما شاهدنا أن عبد الرحمن السندي استقال مع باقي قيادة النظام من موقعه ولم يشذ عن القرار.. لا لشيء إلا لأن ذلك هو السلوك الإسلامي الصحيح الذي يستبعد الأخ صلاح أن يكون قائما بين إخوانه في الدعوة.ز إن كل رجل من الإخوان المسلمين لا يرى في مواقع المسئولية إلا أنها تكليف لا تشريف,.. فماذا دهاك يا أخ صلاح أن تظنها استبدادا وسيطرة وهيلمانا وسلطانا؟

5-أرجو أن يرجع كل من لا يعرف أن الفقرة (5) من كلام الأخ صلاح قد جانبها الصواب إلى الجزء الأول من هذا الكتاب ويقرأ تفاصيل "حادث الخازندار" وكيف واجهته قيادة النظام الخاص. فقد وقفت قيادة النظام من الأخ عبد الرحمن في حضور المرشد العام وجميع مستشاري النظام الخاص موقف النائب العام تطلب القصاص منه في دماء ثلاثة من الرجال المسلمين هم: المستشار أحمد الخازندار الذي قتل والإخوان حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم اللذان قتلاه بأمر من الأخ عبد الرحمن فأصبح مصيرها إلى الإعدام.

ولا شك أن مثل هذا الموقف من قيادة النظام الخاص ومستشاريه مجتمعة، لا يدع أي صعوبة لدى المرشد العام في عزل عبد الرحمن السندي حيث يقف منه كل أعضاء النظام الخاص مطالبين بدمه قصاصا لمن قتل غيلة ولمن قتلوه بأمر الأخ عبد الرحمن فأصبحوا معرضين للإعدام.

ولو أن لفضيلة المرشد العام أدنى ميل لعزل عبد الرحمن السندي كما يدعي الأخ صلاح شادي لعزله وقد تخلى عنه من يتخيل الأخ صلاح أنهم رجاله ويتناسى أنهم جند الله، ولكن فضيلة الإمام الشهيد لم يفعل.ز بل إنه حكم في مكالبة قيادة النظام الخاص بدم عبد الرحمن أنه برئ من تهمة القتل العمد، ومدان بتهمة القتل الخطأ.. فقد وقع هذا الحادث نتيجة خطأ في فهم الأخ عبد الرحمن لبعض عبارات صدرت من فضيلة لمرشد العام في نقد المستشار الخازندار، لمغالاته في الأحكام ضد الوطنيين الذين يحاربون الإنجليز وتساهله في الأحكام ضد المجرمين الحقيقيين الذين يسفكون دماء الناس وينتهكون أعراضهم مثل وحش الإسكندرية حسن قناوي.

ومن عجب أن الأخ صلاح يؤكد في هذه الفقرة، وللمرة ا لثالثة على أن المرشد العام أمر بتعيين السيد فايز قائدا بدلا من عبد الرحمن.. لا لشيء إلا ليمهد إلى قبول الإخوان للمعصية القاتلة وهي اتهامه عبد الرحمن السندي بقتل السيد فايز.

6-إن ما جاء في الفقرة السادسة يكشف لنا بوضوح فكر الأخ صلاح في مقاومة النظام من خلف ظهر المرشد العام.. فهذا الفكر الذي نص الأخ صلاح على صعوبة تنفيذه في حياة الإمام الشهيد رغم وجوده في عقل الأخ صلاح هو نفسه الفكر الذي استخدم في مقاومة النظام في حياة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي وأدى في النهاية إلى استقالة قيادة النظام مجتمعة، حيث حاول كل من الأخوين صلاح شادي، وحسين كمال الدين (يرحمهما الله) إصدار تعليمات إلى أفراد النظام الخاص عن غير طريق قيادتهم فيه فاستعصى عليهم تنفيذ شيء من تعليماتهم.

فقد كان الإمام الشهيد من الحصافة في القيادة بحيث لا يستطيع الأخ صلاح أو غيره التخطيط لأفكار هدامة من خلف ظهره.. أما في حياة فضيلة الأستاذ الهضيبي فقد كان تطبيق هذا الفكر سهلا.. ولقد سبق لنا أن بينا تكرار محاولات الإخوة صلاح شادي وحسين كمال الدين في تطبيقه رغبة في القضاء على النظام الخاص من الناحية العملية، وإن أبقت قيادة الإخوان على وجوده من الناحية الإدارية الشكلية.. فهو هنا يضبط متلبسا بالوقوف خلف كل المحاولات التي أدت إلى اضطراب الصفوف داخل النظام الخاص في حياة فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي باستخدام هذه النظرية الشيطانية التي يحررها صلاح بقلمه، وهو لا يدري أنها تبين المدى الذي وصل إليه الأخ صلاح في الانقياد وراء رغبته بالانضمام لقيادة النظام أو يكون الطوفان.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

7-إن الفقرة السابعة تمثل لنا بوضوح كيف أن الغرض يحول بين صاحبه وبين الحق.ز فكيف يتخيل عقل، إمكان محاكمة عبد الرحمن السندي في عهد الإمام الشهيد عن موقفه المتخاذل من تحقيقات قضية السيارة الجيب وهو نفسه متهم في هذه القضية.. بل هو المتهم الأول.. وقد استشهد الإمام الشهيد ولا يزال عبد الرحمن سجينا على ذمة هذه القضية؟

8-أما هذه الفقرة فإنه صريحة في كشف خيال الأخ صلاح شادي الملئ بالأوهام حيث أنه :

(أ)يدين الإمام الشهيد بإدانة لا يمكن إعفاؤه منها لأنه لم يحاكم عبد الرحمن السندي على شيء ليس له وجود.
(ب)لا يرى الأمر الواقع وهو أن عبد الرحمن السندي انقطعت علاقته فورا بقيادة النظام بمجرد اعتقاله، وأنه لم يعد إلى قيادة النظام إلا بتكليف من فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي له ولجميع قيادات النظام معه، حيث أمر فضيلته أن يبقى كل في موضعه في الصف الذي كان يشغله من قبل تعيين فضيلته مرشدا عاما.
(ج)أن عبد الرحمن السندي عندما عزله إخوانه من قيادة النظام سنة 1953، لم يحدث عزله أي بلبلة أو اضطراب في الصفوف.. بل انتقلت قيادة النظام هادئة إلى حلمي عبد المجيد .

الخطأ الحادي عشر أو المعصية القاتلة (اتهام صريح لعبد الرحمن السندي بقتل أخيه السيد فايز)

لقد سجل الأخ صلاح شادي اتهامه الصريح لعبد الرحمن السندي بقتل أخيه السيد فايز وذلك في صفحة 98 من كتابه" صفحات من التاريخ حصاد العمر" وهو الاتهام الذي حطم صفوف الإخوان من الداخل تحطيما.. فقد انساق الإخوان وراءه انسياقا أعمى، ولم يحاولوا تحقيقه.. بل أذاعوا كبره بين الصفوف فاستحقوا غضب الله وهزيمتهم النكراء أمام عدوهم الأثيم .. فتلك هي سنة الله في المسلمين.. لا ينتصرون بقوة عددهم ولا كثرة عددهم، وإنما ينتصرون بالالتزام بالحق وتجنب المعاصي.. هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته علما وعملا.

اقرأ يا سيدي نص ما قاله صلاح شادي في صفحة 98:

" ولا يجب أن يغيب عنا بعد ذلك آثار هذه الانحرافات في نفس السندي بما أفرزته بعد ذلك من استخفافه بواجب الطاعة لمرشده حسن الهضيبي وربما أشار السبب في مقتل سيد فايز بعد ذلك غلى حدة وخطورة هذه الانحرافات في نفس السندي حين لم يطق صبرا أن يكون من بين إخوان النظام من يخالفه الرأي أو ينال بالنقد الجدي أسلوبه في العمل أو موقعه من قيادة النظام" انتهى.

وفي هذه الفقرة ينسب الأخ صلاح شادي إلى عبد الرحمن السندي في صراحة أنه قتل أخاه السيد فايز.. بل ويتخذ من هذا القتل دليلا على حدة وخطورة الانحرافات في نفس السندي حين لم يطق صبرا أن يكون من بين إخوان النظام من يخالفه الرأي أو ينال بالنقد الجدي أسلوبه في العمل أو موقعه من قيادة النظام.. وهو يقصد بذلك " سيد فايز".

ولو أن لدى الأخ صلاح شادي دليلا أو حتى شبهة على هذا الاتهام لوجب عليه شرعا أن يطالب بالقصاص من عبد الرحمن في حينه، كما طالبت قيادة النظام بالقصاص من عبد الرحمن في حادث قتل المستشار أحمد الخازندار.

ولكن خطورة إثم الأخ صلاح في هذا الاتهام الذي أقدم عليه من غير بينة واضحة باعترافه في صفحة 100 من كتاب: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" حيث يقول ما نصه:

" ولم يجر تحقيق من قيادة الجماعة بخصوص مقتل المرحوم سيد فايز ، كما لم يتهم أحد بارتكاب الحادث.. وإن جرى ظن الإخوان باتهام السندي على ا لأقل بأن له صلة بالحادث".

انظر معي أيها القارئ الكريم إلى هذا الأخ الذي وضع في مكان التوجيه لأكبر جماعة إسلامية.. كيف يوجه هذه التهمة الشنعاء، وهو يعلم ويبلغنا لكي نعلم أنه لم يجر بشأنها تحقيق من قيادة الجماعة.. ثم انظر إليه وهو يحكم على عبد الرحمن السندي أنه قتل السيد فايز وكل حجته أنه جرى ظن الإخوان باتهام السندي على الأقل بأن له صلة بالحادث. ثم تعجب معي اذا كان ها الرجل لم يقرأ قط قول الحق تبارك وتعالى:

بسم الله الرحمن الرحيم: " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاثم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون" يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" (الحجرات: 11- 12).

لم أن هذه المعصية قد اقتصر أثرها على الأخ صلاح فأمره بينه وبين ربه.. أما وق جرت.. هذه المعصية وراءها وقوع الأغلبية العظمى من الإخوان المسلمين فيها، ثقة منهم فيما يقوله لهم بعض قادتهم من أمثال الأخ صلاح، فسوف أتناولها بالتحقيق المنصف في الفصل القادم من هذا الكتاب إن شاء الله ليعلم الأخ صلاح، والمقصود أمثاله حيث توفاه الله قبل أن يقرأ هذا الجزء من الكتاب كيف كان يجب عليه أن يفعل لو أنه أقام شرع الله في نفسه.

الخطأ الثاني عشر وتصحيحه (كيف تم تعيين الشهيد يوسف طلعت قائدا للنظام الخاص)

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة 100 فور أو وجه الاتهام الصريح لعبد الرحمن ا لسندي بقتل أخيه السيد فايز مباشرة ما نصه:

" وكان المرشد قد عين في هذا الوقت الأخ يوسف طلعت لرئاسة النظام بعد فصل السندي، وبدا يوسف طلعت رحمه الله يمارسه دوره في تسلم أجهزة النظام بدون موافقة السندي" انتهى.

الحقيقة التاريخية التي تصحح هذه الفقرة هي أن إخوان المجموعة القيادية للنظام الخاص كانت قد قدمت استقالتها إلى المرشد العام بالإجماع عندما تحققت من أن قيادة المرشد العام للنظام الخاص بأسلوبه الخاص تزيد صفوف النظام اضطرابا وهو أمر لا تحمد عواقبه، وقد اتفقت هذه المجموعة مع المرشد العام على أن يعلن هذه الاستقالة في حضور فضيلته على جميع المسئولين عن النظام الخاص في القاهرة والأقاليم بعد أسبوعين من تاريخ تقديمها وقبولها.

وتم عقد الاجتماع في الموعد، ولم يكن في علم أحد أن الأخ سيد فايز قد قتلن واجتمع الإخوان في منزل الأخ أحمد زكي حسن، ولم يحضر فضيلة المرشد العام، وأناب عنه الإخوة خميس حميدة والشيخ محمد فرغلي، وكان من بين الحاضرين الإخوة صالح عشماوي، وعبد العزيز كامل ، ومحمود عساف، ويوسف طلعت وأعضاء قيادة النظام ما عدا الأخ عبد الرحمن السندي.. وأعلن الإخوان الأربعة استقالتهم مجتمعين ومعهم الأخ عبد الرحمن السندي من قيادة النظام كما أعلنوا التزامهم جميعا بالانتظام في صفوف الدعوة كجنود، وذكروا الأسباب واضحة، واشتركوا في انتخاب من يخلف الأخ عبد الرحمن السندي لقيادة النظام.

وقد تم اختيار الأخ الشهيد يوسف طلعت بالإجماع، وقد ترك المجتمعون ليوسف اختيار أعوانه لقيادة النظام على النحو الذي يجري عليه الاتفاق بينه وبين المرشد العام.

وفي اليوم التالي لهذا الاجتماع سمعنا عن مقتل سيد فايز، واشتركت شخصيا في دفنه، وسمعت كلمة الأخ عبد الحكيم عابدين وهو يؤبنه قائلا: إن يدا آثمة امتدت إليه فقتلته ، وانتظرت أن أقرأ أنباء التحقيق في مقتل الشهيد السيد فايز خاصة وقد أعلن وكيل الإخوان أن في الأمر جريمة، فلم يظهر إلا أن النيابة حققت في الحادث وعرضت الأخ عادل كمال على شقيقة القيل ثم أفرجت عنه وقيدت الحادث ضد مجهول.

إذن فعبد الرحمن السندي كان مستقيلا من قيادة ا لنظام مع إخوانه مجتمعين قبل مقتل السيد فايز بأسبوعين أو يزيد وأن تسليم قيادة النظام الخاص إلى الأخ يوسف طلعت تمت بموافقة جميع الحاضرين في الاجتماع، وأنكل ما قاله الأخ صلاح في هذه الفقرة هو أبعد ما يكون عن الحقيقة لا لسبب إلا لأن الأخ صلاح لم يكن عضوا في قيادة النظام فلم يعرف شيئا من حقيقة ما يدور، وترك لقلمه العنان يكتب ما في مخيلته على أنه من حقائق التاريخ.

الخطأ الثالث عشر وتصحيحه (عود إلى تنظيم ضباط الإخوان بالجيش وعلاقة صالح عشماوي بالنظام)

يقول الأخ صلاح شادي في صفحة 119 ما نصه:

" وكان من مهام الدعة المدنيين، التعرف بضباط الوحدات حتى إذا وجدوا منهم تجاوبا في الفهم ورغبة في الاستزادة رسموا لهم طريق الصلة بالمرشد الذي كان يعرفهم بدوره في أول الأمر بالصاغ محمود لبيب، ويعرفهم هذا بدوره بعبد الرحمن السندي الذي كان يقوم بتبعية العمل الحقيقي في النظام تحت رئاسة صالح عشماوي وحسين كمال الدين المشرف على النشاط العام في القاهرة" انتهى.

وقد سجلت هذه الفقرة في أول جزء منها، التسلسل الصحيح لانضمام العسكريين إلى صفوف الإخوان الذي سبق لنا أن أوضحناه وذلك بتقديمهم إلى المرشد ثم إلى الصاغ محمود لبيب لينتظم معهم في أسر تربوية دينية.. ولكن الصاغ محمود لبيب لم يكن يقدم كل ضباط الوحدات الذين ينضمون إلى الإخوان إلى عبد الرحمن السندي.. ولكنه كان يسلم له فقط الضباط الذين يصلحون للانضمام إلى النظام الخاص للإخوان داخل الجيش .. أما الباقون فيستمرون في النشاط في القسم العام لضباط الجيش بقيادة الصاغ محمود لبيب.ز وإن الإنسان ليدهش كيف يوفق بين أقوال صلاح المتناقضة تماما في موضوع واحد إلا أن يكون عنصر العمد في قلب الحقائق لدى الأخ صلاح هو الأسلوب والمنهاج.

هذا وقد علمنا من قبل أن رئاسة الأخ عبد الرحمن كانت مباشرة للمرشد العام..أما ما يقوله الأخ صلاح شادي أن عبد الرحمن كان يعمل تحت رئاسة صالح عشماوي وحسين كمال الدين المشرف على النشاط العام في القاهرة فهو قول خطأ لا وجود له في الحقيقة ولهذا لزم تصحيحه.

كما علمنا من قبل أنه يجوز لعضو النظام الخاص أن يزاول عملا بالنشاط العام.. ولكنه يحتفظ بأسرار عمله في النظام الخاص حتى عل رئيسه في النشاط العام.. ولكن ألأخ صلاح شادي يقع بسبب عدم إحاطته بهذه الحقيقة التي غابت عنه في خطئه الرابع عشر.

الخطأ الرابع عشر وتصحيحه (استطراد حول تنظيم ضباط الإخوان بالجيش)

يقول الأخ صلاح شادي في ص 119 عقب الفقرة السابقة مباشرة:

" ولما كثر عدد المنتسبين من الضباط في النظام وضاقت قدرات عبد الرحمن السندي وثقافته عن تلبية نوازعهم الفكرية، واشتياقهم إلى العمل الجدي، أفرد لهم المرشد قسما خاصا يرأسه الصاغ محمود لبيب وكيل الإخوان ورئيس الجوالة وقتئذ، وبدأ استقلال محمود لبيب بعمله في هذا القسم في سنة 1944 مستعينا بعبد المنعم عبد الرؤوف الذي كن يمارس نشاطه معه سنة 1943" انتهى.

وقد أخطأ الأخ صلاح شادي في هذه الفقرة خطأين:

1- أنه يقول أن قدرات عبد الرحمن السندي وثقافته قد ضاقت عن تلبية نوازع الضباط الفكرية وأشواقهم إلى العمل الجدي. والحقيقة أن أحدا من حضرات الضباط لم يكن يتفوق ثقافيا على عبد الرحمن السندي فكلهم لم ينالوا من التعليم المدني إلا شهادة إتمام الدراسة الثانوية، وقد نالها عبد الرحمن ودخل بعدها الجامعة واستمر لمدة سنتين فهو يفوقهم جميعا من هذه النقطة.

وكلهم تفرغ بعد ذلك للدراسات العسكرية والعمل العسكري النظامي سواء في الكلية الحربية أو في الجيش ، وكذلك تفرغ عبد الرحمن للدراسات العسكرية الإسلامية والعمل العسكري الإسلامي الذي لم يكن يدرس في مدارس الجيش ولا في فرقه، وليس عجيبا أن يتفوق عبد الرحمن السندي في دراسته العسكرية، وهو من الهواة الذي عشقوا هذا العمل لأنه تكليف ديني وفرض عين أخذه عبد الرحمن على أنه عبادة لله، تدفع إلى التفوق في هذا المجال مرات مضاعفة عما يصل إليه المحترفون في المجال العسكري.

أما عن نوازع الضباط الفكرية وأشواقهم إلى العمل ا لجدي فهي لم تكن تزيد عن نوازع الفكر الوطني والعمل الجدي لخدمة الوطن.. ولكن نوازع عبد الرحمن الفكرية كانت تتسع إلى الفكر الإسلامي الشامل،والعمل الجدي لتحقيق الإسلام شرعة ومنهاجا للبشرية.. وشتان بين النازعين العملين فمجالهما عند عبد الرحمن أكثر رحابة، وأعمق أثرا.

2- لقد توهم الأخ صلاح شادي أن اتساع قسم ضباط الجيش بقيادة الصاغ محمود لبيب في المركز العام ويساعده الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف يعني أن عبد الرحمن لم يعد له علاقة بضباط الجيش وصارت القيادة عامة للصاغ محمود لبيب.. وهذا خطأ.. والحقيقة أنه من كانت تثبت صلاحيته من هؤلاء الضباط للعمل في صفوف النظام الخاص كان يسلم إلى عبد الرحمن لينضم إلى صفوف النظام الخاص وينقطع نشاطه عن عيون الأخ محمود لبيب وغيره، إلا من يسمح عمله بأن يجمع بين عضوية النظام الخاص والنشاط العام مثل الأخ عبد المنعم عبد الرؤوف الذي استمر في معاونة الصاغ محمود لبيب في النشاط العام للضباط مع اشتراكه في نفس الوقت في المجموعة القيادية لضباط النظام الخاص بالجيش.. ومن ثم فقد استمر عبد الرحمن السندي في قيادته لضباط الإخوان من أعضاء النظام في الجيش منذ تقليده قيادة النظام الخاص حتى استقالته الأخيرة أيام الأستاذ الهضيبي.. ولم يحدث أن استقل الصاغ محمود لبيب برئاسة جميع ضباط الجيش من الإخوان.. بل اقتصرت مسئوليته على الدعوة العام للإسلام بين ضباط الجيش في قسم علني لا علاقة له بالنظام الخاص على الإطلاق إلا في حدود التعاون الذي تتطلبه مصلحة الدعوة.

الخطأ الخامس عشر وتصحيحه (إلى من تؤخذ البيعة في عضوية النظام الخاص)

يقول الأخ صلاح شادي في ص 120، 121 ما نصه:

" وكانت عادة السندي في أخذ البيعة أن يجريها في غرفة مظلمة.. حيث يقسم الأخ الجديد على المصحف والمسدس بما يشعر بأهمية ما هو مقدم عليه.. أو هكذا كان يعتقد السندي" انتهى.

ثم أضاف صلاح إلي هذه العبارة في ذيل صفحة 121 ما نصه:

" لم أر المرشد يفعل ذلك عندما كان يعقد البيعة مع الإخوان الجدد. خاصة ما يتعلق بالمصحف والمسدس".

والخطأ الذي وقع فيه الأخ صلاح شادي في هذه الفقرة، نصححه هنا على الوجه الآتي:

1- إن السندي لم يأخذ البيعة من أحد.. ولكن الذي يأخذ البيعة على المصحف والمسدس هو رجل مغطى من قمة رأسه إلى أخمص قدمه بلباس ملائكي كرمز للمرشد العام.. فالبيعة إذن بيعة خاصة للمرشد العام غير التي يراها الأخ صلاح شادي في مجال الدعوة العامة، وكانت تعطى وفقا لنظام وضعه المرشد العام، وكان من يأخذها هو رمز للمرشد العام لا يعرفه أحد ممن يعطى البيعة، ولا يبدأ اتصال من يعطي البيعة بعبد الرحمن إلا بعد أدائها على هذه الصورة.

2- أن ما قاله الأخ صلاح لمزا لهذه البيعة بعبارة " أو هكذا كان يعتقد السندي " غير صحيحة وصحتها هي: " هكذا أمر المرشد العام".

الخطأ السادس عشر وتصحيحه (صلاح شادي والضباط الأحرار)

لقد أثبت الأخ صلاح بهذا الخطأ صحة المثل الذي يقول:" رمتني بدائها وانسلت" أو صدق الوصف الذي يوصف به بعض الناس فيقال عن أحدهم: " إنه لا يرى العود في عينه ويرى القشة في عين غيره".

لقد خصص الأخ صلاح صفحات كثيرة من كتابه يثبت لنا فيها أنه عرف جمال عبد الناصر، وعمل مع جمال، ومع الضباط الأحرار منذ زمن بعيد قبل الثورة، وأنه اشترك معهم في عمليات وطنية مثل محاولة إغلاق قناة السويس في وجه الملاحة الدولية، وذلك بإغراق باخرة مدنية في مجراها، وأنه خطط مع جمال جميع عمليات تأمين الثورة من الداخل بجهود الإخوان المسلمين الذين كلفهم بحراسة المرافق العامة جميعا، والاستعداد لمواجهة الإنجليز إذا فكروا في التقدم نحو القاهرة لإجهاض الثورة، ولا يخفى ما في هذه العملية من خطورة وتضحية، وأنه يضمن لجمال ولضباطه الأحرار أن لا يتقدم إلى مراكز القيادة في الثورة أحد من ضباط النظام الخاص للإخوان في الجيش لتكون الثورة وقياداتها جميعا من الضباط الأحرار فقط، ويكون ضباط النظام الخاص للإخوان في الجيش مجرد عساكر يأتمرون بأوامر قياداتهم العسكرية فيكلفهم جمال بأخطر عمليات الثورة وهي محاصرة قصري عابدين ورأس التين، دون أن يكون لهم أي صوت في توجيه الثورة إلى الوجهة الإسلامية، وذلك بأن أخفى عن إخوانه من ضباط النظام الخاص في الجيش ما أؤتمن عليه من أسرار قيام الثورة، رغم أنهم جاءوا إليه وقد علموا بما يدور في الجيش ليستوضحوا الحقيقة فلم يبصرهم بها، بل وطلب منهم أن يسمعوا ويطيعوا لقياداتهم في الجيش.. ونحن نصدق الأخ صلاح في كل ما سود به هذه الصفحات، ونسأله ما هو العائد على الدعوة الإسلامية نظير كل هذه المجهودات التي بذلت، كل هذه المخاطرة التي عرضت لها الإخوان لو فشلت الثورة؟

لقد بعت الإخوان للثورة بلا أدنى ثمن يا أخ صلاح، وهبتها أرواحهم وأموالهم وثمار دعوتهم نظير ثقتك الشخصية بجمال.ز فأنت الذي عاهدته على أن يكون للإخوان حق المشاركة في الحكم بعد الثورة، وأنت الذي ذكرته بالبيعة على أن يكون الحكم بالإسلام، وأنت الذي نقلت على مسئوليتك إلى المرشد العام أن "جمال عبد الناصر" سيلتزم بذلك كله، واستصدرت الأمر من المرشد العام بأن يوضع الإخوان بكل إمكاناتهم في تأمين الثورة، فأكدت بذلك لجميع الإخوان أن الثورة ثورتهم، فأحبوها وأحبوا جمال، هللوا لقيامها، واقتدوها بأرواحهم ثقة منهم في كلمتك، وقدرتك على التخطيط والتنفيذ، ومعك مجموعة الإخوان حسن عشماوي، وعبد القادر حلمي، ومنير دله، وصالح أبو رقيق.

فماذا كانت النتيجة ؟ ذبحهم جمال. وذبحك معهم. وذبح الإخوان جميعا. وأضاع جهودهم المضنية لنشر الدعوة. ولو أنك وقفت عند هذا الحد لقلنا: رجل اجتهد فأخطأ، وأن الشدائد تصقل الرجال..ولكنك أثبت لنا بما سطرته على صفحات كتابك أنك لا تذكر خطأك إلا بقول عابر لا يصدقه العمل.. فبدلا من الندم الشديد، والألم الشديد، والاعتذار الأكيد، نراك تحاول إلقاء المسئولية على أساتذة الدعوة، وتتسلل من المسئولية وكنك الحمل الوديع.

وإني أدعو القارئ العزيز أن يقرأ معي ما قاله الأخ صلاح نصا في صفحة 131 من كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" ليشهد معي هذا العجب العجاب.. يقول الأخ صلاح متسائلا:

" فهل غابت طبيعة عبد الناصر المتعشقة للنفوذ عن بصر قائد الدعوة حسن البنا؟ ورئيس ضباطها العسكري محمود لبيب؟ ولا أضيف السندي، لأن مصيبته هو الآخر بحب الرئاسة كانت شبيهة بمصيبة عبد الناصر".

إن المصيبة بحب الرئاسة هي مصيبتك يا أخ صلاح، فأنت لم توقع نفسك وإخوانك بين مخالب عبد الناصر إلا وأنت غارق في هذه المصيبة، فقد علمنا من قبل في هذا الكتاب أن كل غضبك على السندي وعلى النظام الخاص، هذا الغضب الذي أوقعك في الستة عشر خطأ السابقة لم يكن له من سبب إلا عدم قبولك عضوا في المجموعة القيادية للنظام الخاص أليس ذلك هو مرض حب الرئاسة مجسدا ؟

لقد سلب هذا الغضب إرادتك لدرجة أنك بذلت جهدك لإبطال فعالية هذا النظام لحماية الدعوة.. لا لسبب إلا أنك لست من بين أفراد رئاسته، وسلب إرادتك لدرجة أنك حرصت على إبعاد ضباط النظام الخاص عن المراكز القيادية في الثورة لتكون أنت وحدك صاحب اليد، وصاحب الفضل في تسخير الإخوان لتأمينها، فتحظى بتوجيهها على الوجه الذي تحب، أليس ذلك هو مرض حب الرئاسة أيضا؟

.. ولكن خاب ظنك، وظهر لك سوء تقديرك للرجال واضحا جليا عندما تأكدت أن جمال لم يمكنك لا من المشاركة في الحكم ولا من تنفيذ وعده بتوجيه الحكم تدريجيا إلى الإسلام، وإذا بك تحاول أن تلقي بالمسئولية على من؟ على الإمام الشهيد الذي نال شهادته قبل قيام الثورة فلقي ربه راضيا مرضيا، أو على محمود لبيب الذي انتقل إلى رحاب الله من قبل قيام الثورة فلم يكن له أدنى مشاركة في أعمالها.. أو على عبد الرحمن السندي الذي انقطعت الصلة بينه هو ونظامه الخاص وبين جمال عبد الناصر وضباطه الأحرار من قبل قيام الثورة، فأوكلك فضيلة المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي إلى هذه المسئولية، حيث قدمت كل ما ذكرت للثورة من خدمات، وانساق الإخوان وراء ثقتهم بك وبمجموعتك ، فقدموا للثورة هم أيضا المهج والأرواح.

إن عبد الرحمن هذا الذي صورته لنا في كتابك بقلة الثقافة، وقلة الخبرة وقلة الطموح لم يقبل من جمال مجرد فكرة أن يقوم تنظيم للإخوان يضم الضباط الوطنيين مع ضباط الإخوان لخطورة هذا الضم على سلامة التشكيل، ولولا أن فضيلة الأستاذ الهضيبي قبل من جمال الفكرة بشرط أن لا يكون هناك علاقة بين تنظيم الضباط الأحرار وتنظيم الإخوان في الجيش لما قامت هذه الثورة.

وأن عبد المنعم عبد الرؤوف أحد ضباط النظام الخاص بالجيش لم يقبل أن يستمر في تنظيم الضباط الأحرار بمجرد أن أعلن جمال أن هذا التنظيم لا يدين بالتبعية إلى الإخوان المسلمين، لإدراكه لخطورة هذا الوضع على الجماعة فانسحب من هذا التنظيم وحل محله عبد الحكيم عامر كما سبق أن أثبتنا في هذا الجزء من الكتاب.

فأين خبرتك من خبرة كل من عبد الرحمن السندي، وعبد المنعم عبد الرؤوف بعد أن رأيت النتائج بعيني رأسك؟ فتحاول أن تنسب لمثل هؤلاء الرجال أنهم قد غابت عنهم طبيعة جمال عبد الناصر، وتنجو أنت من المسئولية وكأنك الحمل الوديع، وكأنك تحقق لنا المثل القائل: " رمتني بدائها وانسلت":.

ثم ما هي النسبة بين حجم الخدمات التي قدمتها أنت بما سخرت من جهود الإخوان للثورة وبين الخدمات التي قدمها لها رجال أمثال من ذكرت واتهمت بأنهم ارتموا في أحضان الظالم؟

لقد قدمت أنت بجهود الإخوان للثورة كل أسباب قيامها.. فماذا قدم لها الشيخ أحمد الباقوري، والأستاذ البهي الخولي، وفضيلة الشيخ السيد سابق، وفضيلة الشيخ محمد الغزالي، والدكتور عبد العزيز كامل ، وكمال أبو المجد؟ لا شيء إلا المشاركة في الحكم أو بالرأي حتى تبقى رائحة الإسلام ويبقى حبه، قائمين بين سلطات الدولة.. وإن قضت هذه الدولة على جماعة الإخوان المسلمين .. فما هي إلا جماعة من المسلمين أوقعتهم قيادتهم تحت سنابك خيول الثورة.

إن هؤلاء الرجال الذين نسبت إليهم الارتماء في أحضان جمال لعبوا أدوارا هامة في التخفيف عن الكثير من الإخوان بما حرصوا عليه من حسن علاقتهم بالثورة، ولم يأثم أحدهم كما أثمت بكل ما ذكرناه في هذا الفصل، لم ينل أحد منهم لشخصه ـ أكثر مما استحق عن عمله الشريف.. فلكل من هؤلاء الرجال مكانته في المجتمع التي يربح منها أضعاف ما كانت الثورة تعطيهم من مرتبات عن الوظائف العامة التي تقلدوها بشرف، كل في اختصاصه.. ولو درست الفارق بين دخل هؤلاء الإخوة عندما كانوا يشتركون مع الثورة في الحكم أو في الرأي، ودخلهم بعد أن زالت الحكمة من استمرار هذه المشاركة لوجدتهم بغير الثورة أكثر ربحا وأوفر مكانة في المجتمع .

من أنت يا أخ صلاح حتى تنسب أو لا تنسب رجالا أمثال الباقوري والبهي الخولي والصباغ وسيد سابق وعبد العزيز كامل والسندي وغيرهم إلى الإخوان كما ذكرت في صفحة 328 من كتابك:" صفحات من التاريخ حصاد العمر" حيث تقول:.

" ونحن إذ ننسب عبد الناصر إلينا فإنما ننسبه كما ننسب الباقوري والبهي الخولي والصباغ وسيد سابق وعبد العزيز كامل والسندي وغيرهم" انتهى.

إن انتساب هؤلاء الأفراد إلى الإخوان كان قرارهم حين دفعهم إيمانهم للعمل في صفوف هذه الجماعة دفاعا عن عقيدتهم الإسلامية.. لا قرارك ولا قرار غيرك، وإن استقالاتهم من الإخوان لما رأوا أن صفوفها تختلـ وسهمها يطيش بسبب طيشك وطيش مجموعتك الذي أوضحناه جليا في هذا الكتاب، كان قرارهم.. لا قرارك ولا قرار غيرك. سبحان ربي العظيم في سماه.

خاتمة هذا الفصل من الكتاب

وهنا يجدر بي أن أختم هذا الفصل من الكتاب الذي كشف حقيقة الدور الذي لعبه الأخ صلاح شادي في سير الدعوة منطلقا من أخطاء متعددة سجلناها في ستة عشر خطأ بسؤال أخير للأخ صلاح : من هو الذي صافح عبد الناصر وأيديهما ملوثة بدماء الإخوان؟

أنت تقول في صفحة 318 من كتاب: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" عن عبد الرحمن السندي ما نصه:

" حين انتهى به المطاف مع عبد الناصر إلى أن صافح كل منهما صاحبه وأيدهما ملوثة بدماء الإخوان" انتهى.

فهل علمت الآن من الذي بدأ به المطاف بمصاحبة جمال عبد الناصر ثم انتهى وأيدهما ملوثة بدماء الإخوان؟ إنه أنت يا أخ صلاح.. فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة .. وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم.

وسؤال آخر: من هو الصديق الذي لفظه عبد الناصر ونكل به أشد ما يكون ..هل هو صلاح.. أم عبد الرحمن السندي؟

أنت تقول عن عبد الرحمن السندي في صفحة 318 ما نصه:

" ولكنها صحبة لم تدم طويلا. إذ لفظ عبد الناصر صديقه في مرضه الأخير وهو أحوج ما يكون إليه" انتهى.

وأنا أقول لك الحقيقة.. إننا لم تنقطع صلتنا بعبد الرحمن حتى انتقل إلى رحاب الله، ونحن نشهد ويشهد كذلك أبناؤه وهم جميعا على قيد الحياة بأن يد عبد الناصر لم تمتد إلى عبد الرحمن بأذى لا في مرضه الأخير ولا طول حياته.. ولكنك أنت الذي لم تدم صحبتك طويلا بعبد الناصر فأودعك السجن ما يقرب من ربع قرن من الزمان، أذاقك خلالها كل صنوف العذاب والتعذيب، بعد أن كنت تعامله وأنت تركن إلى قوة الإخوان من خلفك وكأنه طفل أمام عملاق.. وهذا كتابك في صفحة 196 ينطق بصحة ما أقول حيث سجل قلمك بالنص لمحة من مناقشة دارت بينك وبين جمال في مكتبه بمجلس قيادة الثورة ما نصه:

" ولم أتمالك نفسي من النظر إليه في دهشة قائلا: كبرت والله يا جمال أهذه طريقة التفاهم التي ألفناها من قبل؟".

وهو قول واضح في أنك كنت تعامله أنت مرتكن إلى قوة الإخوان على أنه طفل صغير.. فلما خاطبك بندية ذكرته بهذا الأمر الواقع قائلا له: كبرت والله يا جمال فحقد عليك وعلى إخوانك وأودعهم بفضل غرورك أعواد المشانق وأعماق السجون.

أي نوع من الرجال كان صلاح ومجموعته:

ولعل ما يثير الدهشة أن تجيء هذه العبارة ، حين يعرض صلاح بنفسه تحذيرا قدمه إليه واحد من الرجال الذين عناهم صلاح بقوله:" ونحن إذ ننسب عبد الناصر إلينا فإنما ننسبه كما ننب الباقوري والبهي الخولي والصباغ وسيد سابق وعبد العزيز كامل والسندي وغيرهم".

فذلك الرجل الذي يحذر صلاح هو " عبده قاسم" وهو واحد ممن يعنيهم صلاح بكلمة وغيرهم.. فعلاقة "عبده قاسم " بهؤلاء الإخوان معروفة معلنة فهو واحد منهم، ومع ذلك تجده يحذر الأخ صلاح من عزم الحكومة على رب الإخوان فماذا فعل الأخ صلاح بعد هذا التحذير؟ يقول الأخ صلاح تحت عنوان تمثيلية القبض على عبده قاسم صفحة 195 من كتاب صفحات من التاريخ (حصاد العمر) ما نصه:

" كنت لدى عبد الناصر في مكتبه بقيادة كوبري القبة لأبصره بهذه الحقيقة (يقصد عزم الحكومة على ضرب الإخوان) وأخبرته بما يتناقل عنه بأن الوقت لم يحن لضرب الإخوان ولكن الضربة قادمة لا شك.. حدثني بذلك عبده قاسم رحمه الله وطلب مني التحقق من هذا الأمر مع عبد الناصر بما يوضح الحقيقة".

وعندما أبلغت عبد الناصر بذلك هاج وبدأ يدوس أجراسا فوق مكتبه ويطلب من أحد ضباط البوليس الحربي أن يأتي بعبده قاسم مقبوضا عليه" انتهى.

سبحانك ربي "عبده قاسم" المنبوذ هو ومجموعته من صلاح شادي ومجموعته ، ينقل إلى الأخ صلاح تقديرا للدور الذي يقوم به الأخ صلاح في العلاقة بين الثورة والإخوان سرا من أخطر أسرار الثورة، وهو أنها تعتزم أن تضرب الإخوان لا محالة، ليحذره فيذهب الأخ صلاح ويبلغ جمال أن عبده قاسم أبلغه بذلك ليثيره.. سواء ثورة حقيقية أو ثورة مصطنعة كما يدعي الأخ صلاح.. فحقيقة ثورة جمال لا تعنينا، ون الذي يعنينا هو أن عبده قاسم من موقعه ينقل إلى الإخوان حقيقة ما يحاك لهم في الظلام، رغم أنهم لا ينسبونه إلى الإخوان إلا كما ينسبون جمالا ؟ وصلاح وهو الأمين على الإخوان ينقل إلى جمال هذا السر الذي أوعز إليه به عبده قاسم ليأخذ حذره .. ذلك بنص قلم صلاح.. وأترك لك أيها الأخ الكريم أن تتعرف من هذه الواقعة وحدها أي نوع من الرجال كان عبده قاسم ومجموعته.. وأي نوع من الرجال كان صلاح ومجموعته.

والله تعالى من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وتتكرر هذه الواقعة في تاريخ صلاح وإخوانه بأبشع منها فقد حدثني الأخ أبو المكارم عبد الحي وهذا الكتاب على وشك الصدور بأنه بواسطة الثقاة من ضباط الإخوان في الجيش الذين انتظموا في تنظيم الضباط الأحرار وكانوا موضع ثقة عبد الناصر، قد تمكن من الحصول من درج مكتب جمال عبدج الناصر على وثيقة بخط جمال شخصيا يخطط فيها لنواياه العدوانية على الإخوان المسلمين، في وقت كان صلاح شادي وإخوانه على صلة وثيقة بجمال، ويظنون أنه سيقربهم من السلطة وينفذ وعده معهم للحكم بالإسلام.

وحرصا من أبي المكارم على تنبيه قيادة الإخوان إلى هذا الذي يدبره جمال لهم أخذ الوثيقة وذهب بها إلى الإمام الهضيبي وسلمها إليه وحذره مما يحاك للإخوان ثم أخذ منه موثقا وعهدا أن لا يبوح بهذا السر حفاظا على الأخ الثمين الذي تمكن من إحضار الوثيقة من درج جمال عبد الناصر، ثم انصرف إلى لقاء آخر في العاشرة مساء.

ولكن أبي المكارم فوجئ في صباح اليوم التالي، بعبد الناصر شخصيا في الكلية الحربية يريد أبي المكارم عبد الحي، فلما قابله عبر له عن شدة خطورته، فقال إذا كنت يا أبا المكارم قد استطعت أن تحصل على أوراق بالغة السرية من درج مكتبي، فأنت برجالك قادر على أن تقتلني أو تدس لي السم في طعامي، ولابد لي من أن أخشى على حياتي منك.

استطاع أبو المكارم أن يعالج الموقف مع عبد الناصر بلباقة واستشهد بإخوانه الذين ذهب إليهم في العاشرة مساء ونفى زيارته للإمام الهضيبي، ثم ذهب في اليوم التالي مستخفيا إلى الإمام الهضيبي يعاتبه على نقض موثقه معه بالمحافظة على السر الثمين، فاعتذر له الإمام الهضيبي بأن صلاح شادي وإخوانه زاروه بعد انصراف أبي المكارم من عنده، وأخذوا يؤكدون له ثقتهم في أن عبد الناصر على العهد في التعاون مع الإخوان وفي العمل على الحكم بالإسلام، ففلتت أعصاب الإمام الهضيبي ونسي عهده وصرخ فيهم قائلا : " خذوا شوفوا ماذا يعتزم جمال عبد الناصر ضد الإخوان؟" .

فأخذ الإخوان الأكابر الوثيقة، وذهبوا بها إلى عبد الناصر يواجهونه بها، لا لشيء إلا ليتقربوا أكثر، وهو يظنون أن ذلك سيغير من فكر عبد الناصر الذي حرره من وراء ظهورهم بخط يده، ويالها من سذاجة اضطرت الإمام الهضيبي غلى الاعتذار المغلظ لأبي المكارم عبد الحي عما بدر منه، ولكن هذا الاعتذار لم يجد شيئا، فقد حكم عبد الناصر على كل من أبي المكارم عبد الحي وعبد المنعم عبد الرؤوف بالإعدام، ولولا أن رجالا صادقين استطاعوا تهريبهما من السجن إلى الخارج، لتنفذ فيهما الحكم بسبب هفوات الإخوة الذين يمثلون جماعة الإخوان المسلمين عند عبد الناصر.

أي نوع من الرجال كان صلاح ومجموعته وأي نوع من الرجال كان إخوان النظام الخاص؟ اللهم فاشهد.

الفصل السابع كيف واجه الإخوان المسلمون حادث مقتل الأخ الشهيد المهندس

السيد فايز وشقيقه الصغير

مصدر الفتنة:

لقد وقع حادث مقتل ا لأخ الشهيد سيد فايز وشقيقه الصغير في ساعة من ساعات نفس اليوم الذي تحدد ليعلن في المسئولون عن النظام استقالتهم الجماعية من قيادة النظام في حضور فضيلة الستاذ حسن الهضيبي المرشد العام على جميع الإخوة المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم.

وقد سبق لنا أن ذكرنا كيف أصدر مكتب الإرشاد قرارا بفصل أربعة من الإخوان منهم ثلاثة من بين الخمسة المسئولين في المجموعة القيادية للنظام من الدعوة ومن الجماعة، وكيف جاء نشر هذا القرار في جميع الصحف في اليوم التالي لاستشهاد الأخ السيد فايز.

كما سبق لنا أن أوضحنا تربص الأخ صلاح شادي بالنظام الخاص والمسئولين عنه بصفة عامة وبالأخ عبد الرحمن السندي بصفة خاصة.

ولهذا السبب صور له خياله أن يستغل حادث مقتل سيد فايز فيفسر للناس هذا الحادث الأليم على أنه حقد وحسد من عبد الرحمن السندي على رجل يريد أن يزيحه عن موقعه، وهو يدري أو لا يدري أن عبد الرحمن السندي مستقيل من هذا الموقع من قبل حادث مقتل الشهيد السيد فايز بأسبوعين.

أين مبررات القتل:

اقرأ يا أخي الكريم نص ما كتبه الأخ صلاح شادي في صفحة (99) من كتابه: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" ليوهم القراء أن لعبد الرحمن السندي دافعا في قتل السيد فايز حيث يقول:

" واستمع المرشد إلى رأي سيد فايز في إصلاح النظام الذي يدعو إلى تخلي كل قادته المعروفين لدى الحكومة عن مراكزهم. إذ لا يتصور أن يتم عمل فدائي يكون اسم صاحبه معروفا لدى الشرطة. وإلا فقد النظام السري مضمونه وأصبح نظاما علنيا واقتنع المرشد بهذا الرأي، وبدأ يحكم خطوه بالإعلان عن عدم وجود هذا النظام داخل الجماعة في نفس الوقت الذي ظل مبقيا على واقع التنظيم بدون أي تغيير" انتهى.

وتعليقا على هذه الفقرة أقول إن ما ينسبه الأخ صلاح شادي إلى السيد فايز لم يكن رأي السيد فايز وحده، ولكنه كان راي قيادة النظام الخاص مجتمعين، وقد عرضوه بأنفسهم على الأستاذ عبد القادر عوده، عندما أنابه المرشد العام عنه في الاتصال بقيادة النظام، ثم عرضوه على المرشد العام شخصيا في أول اجتماع لهم معه.. ولكن فضيلته صمم على بقاء قيادة النظام كما هي ، وعلى وقوف كل رجل في مكانه في الصف قبل اختيار فضيلته مرشدا عاما.

إذن فدعوى الأخ صلاح أن المرشد اقتنع برأي سيد فايز هي دعوى باطلة، يؤيد بطلانها الأخ صلاح شادي في نفس الفقرة أعلاه فيقرر أن المرشد أخذ يعلن عن عدم وجود هذا النظام داخل الجماعة، في نفس الوقت الذي ظل مبقيا على واقع التنظيم بدون أي تغيير.

وهو تسليم واضح بأن المرشد أبقى قيادة التنظيم كما هي دون أي تغيير .. فأين هي إذن القضية بين عبد الرحمن السندي وبين السيد فايز التي تدعو الأول إلى قتل الثاني؟

لو كان هناك إحساس بالخصومة بين الإخوان بشأن التنافس على قيادة النظام، لكان الإخوان صلاح شادي وحسين كمال الدين أحق الناس بهذه الخصومة ، ولكان أعضاء جنة الشباب المسلم في المرتبة الثانية من هذه الخصومة، ولكان الأجدر بالقتل دفاعا عن السلطان والهيلمان والنفوذ هو أحد أو كل هؤلاء الرجل الذين أعلنوا خصومتهم للنظام عملا من موقع القيادة المؤثرة، وقولا من مواقع القاعدة المبلبلة.. ولكن أحدا منهم لم يناله أذى.. وقد أراد الأخ صلاح أن يدخل في العقول أن رأي الأخ السيد فايز هو الذي أدى إلى قتله وهو لا يعلم أن هذا الرأي لا يختلف عن رأي قيادة النظام حيث اشترك الطرفان في عرض نفس الرأي على المرشد. ولكن المرشد صمم على الأخذ بغيره، وأبقى الأوضاع دون تغيير.. ولنبحث معا كيف حول الأخ صلاح أن يدخل في العقول أن هذه الحقيقة التي يسلم بها والتي تقول إن المرشد ظل مبقيا على واقع التنظيم بدون أي تغيير، يمكن أن تؤدي إلى قتل سيد فايز؟

اقرأ معي يا أخي الفقرة التالية مباشرة لهذه الفقرة لتعلم أن صلاح لا يبني النتائج على المقدمات.. إنه يقول عقب الفقرة السابقة مباشرة ما نصه:

" وايقن السندي أن الأرض التي يقف عليها لم تعد صلبة وأن هناك تفكيرا في تغييره وتغيير غيره من قادة ا لنظام، وأدرك أن الفكرة التي حملها سيد فايز يحملها في نفس الوقت كمال القزاز، ومحمد شديد، وغيرهم، وكان قد سبق طرحها غليه فلم يوافق، فبدأ يعرض على الإخوة أعضاء مكتب إرشاد النظام فكرة خلع المرشد" انتهى.

المقدمة أن المرشد أبقى كل شيء بدون تغيير، وأن إعلان فضيلته أنه لم يعد هناك وجود للنظام كان لمجرد التمويه، والنتيجة أن السندي أيقن أن الأرض التي يقف عليها لم تعد صلبة وأنه عرض على الإخوة أعضاء مكتب إرشاد النظام فكرة خلع المرشد.. فهل يمكن لعاقل أن يقبل بهذه النتيجة استنادا إلى هذه المقدمة اللهم لا.

ثم يبني الأخ صلاح على هذه النتيجة التي لا يقبل بها عقل بشر أن عبد الرحمن هداه هواه إلى أن إفضاء سيد فايز للمرشد بمعلوماته عن النظام خيانة تبيح قتله شرعا.

فهل الراي الذي قال به سيد فايز للمرشد هو معلومات أو راي.. إنه رأي نوقش وعرض ولم يأخذ به المرشد، فانعدم أثره نظاما، فأين مبررات القتل؟ وحتى إذا كان سيد فايز قد نقل معلومات فهل نقلها إلى الأعداء أم إلى المرشد العام صاحب الحق في كافة المعلومات.. فأين إذن مبررات القتل؟

وهل أخفت قيادة النظام عن المرشد نظامها حتى يعتبر تبليغ أي فرد للمرشد بأي معلومات عن النظام خيانة؟ وأن قيادة النظام هي التي سعت للمرشد وأعطته كل المعلومات عن النظام وعرضت كل الأفكار والاقتراحات، ثم نفذت قرار المرشد في طاعة تامة؟ فأين إذن مبررات القتل؟

الإجراءات التي واجهت بها قيادة الجماعة هذا الحادث:

1- يعلمنا الأخ صلاح شادي في كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" بموقف قيادة الجماعة من هذا الحادث فيقول في صفحة 100:

" لم يجر تحقيق من قيادة الجماعة بخصوص مقتل السيد فايز، كما لم يتهم أحد بارتكاب الحادث، وإن جرى ظن الإخوان باتهام السندي على الأقل بأن له صلة بالحادث" انتهى.

ولقد سمعت بنفسي وأنا على قبر سيد فايز ساعة دفنه الأخ عبد الحكيم عابدين وهو يؤبن سيد فايز فيقول: إن يدا أثيمة امتدت إليه فقتلته.. ولكنه لم يشر من قريب أو بعيد إلى هذه اليد.

إذن فقيادة الجماعة أكدت أن يدا أثيمة قتلت سيد فايز، وهي لم تهتم بإجراء تحقيق في قتل أخ عزيز من إخوانها ولم تتهم بذلك أحدا.. فهل يكون اتهام صلاح لعبد الرحمن السندي إلا خروجا على رأي القيادة؟ ولأسباب لا تعلم بها القيادة؟

ثم يقول الأخ صلاح: إنه جرى ظن الإخوان باتهام السندي" فماذا فعلت قيادة الجماعة إزاء هذا الظن الذي لم ينبن على تحقيق والذي يصفه الحق تبارك وتعالى بالإثم؟ هل نصحت الإخوان بتجنب الإثم؟ كلا .. إنها اشتركت فيه وأذاعت كبره على النحو الذي سوف نورده في بند (2) ، من حيث تدري أو لا تدري فكلاهما سواء في الواقع العملي.

2- أصدر مكتب إرشاد الجماعة قرارا بفصل أربعة من الإخوان ثلاثة منهم من المجموعة القيادية للنظام الخاص الذين قدموا استقالتهم مع باقي إخوانهم من هذه المسئولية ووقفوا في الصف كجنود.. والرابع كان من رجال الصف الثاني للنظام، وهو الأخ أحمد عادل كمال، وأما الثلاثة الأول فهم عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد زكي حسن.

وكان صدور القرار وإذاعته في جميع الصحف في اليوم الثاني لمقتل السيد فايز ليس له إلا واحدا أو أكثر من ثلاثة أهداف:

(أ‌) قطع كل علاقة بين هؤلاء الإخوة الأربعة وبين جماهير أعضاء النظام الخاص، بحيث لا يكون لأي منهم أدنى فاعلية في صفوف النظام الذي بايع رجاله جميعا المرشد العام على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وذلك على الرغم من أن هؤلاء الرجال مستقيلون واستقالتهم معلنة على جميع رؤساء النظام الخاص في القاهرة والأقاليم، ويبدو أن الفصل جاء تحسبا من أن يكون في نفوس المستقيلين ضغينة وراء هذه الاستقالة، وفكان قرار الفصل تأمينا من أن يكون لأي منهم أدنى فاعلية في صفوفه.. حتى ولو صاروا مجرد جنود، فرغبت الجماعة أن تباعد بينها وبينهم لتصبح في مأمن من اي انشقاق داخلي في الصفوف، وتعمدت إعلان القرار في جميع الصحف حتى لا يكون لأي عضو حجة في اي تعاون بينه وبين أحد من المفصولين.
(ب‌) إعلام أعضاء مجلس قيادة الثورة أن الجماعة قد تخلصت من النظام الخاص، وإزالة أي احتمال لديه بأن يكون إعلان المرشد بعدم وجود النظام داخل الجماعة إعلان في الظاهر فقط.. وبذلك يكون المرشد العام قد عزز السياسة التي قررها الأخ صلاح شادي وذكرناها في أول هذا الفصل وهي أن المرشد بدأ يحكم خطوه بالإعلان عن عدم وجود هذا النظام داخل الجماعة في نفس الوقت الذي ظل مبقيا على واقع التنظيم بدون أي تغيير ، ولا شك أن فصل كبار قادة النظام الخاص من الدعوة كلها يعتبر تعزيز قويا لهذا الذي بدأ المرشد يحكم خطوه فيه، وهو يقرر سرا استمرار النظام الخص بقيادة الأخ الشهيد الأستاذ يوسف طلعت بينما يعلن عزل قادة النظام من الدعوة ومن الجماعة.
(ج)الاستفادة من حادث مقتل السيد فايز وإذاعة كبره بين الإخوان، حيث يسهل إشاعة أن هناك علاقة بين هذا الحادث وبين المفصولين من شأنها أن تحول جماهير الإخوان من مجرد إخوة في الإسلام لا تربطهم علاقة تنظيمية بالمفصولين إلى خصوم ألداء لهؤلاء المفصولين فيزداد أمن الجماعة من خطرهم عليها، ولقد أظهر لنا الأخ صلاح شادي بما نشره في كتابه" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" وناقشناه في الفصل السابق وفي هذا الفصل أنه صاحب العقل المدبر لهذا الهدف من بين قادة الجماعة.

ولكي يظهر للقارئ العزيز أن الأخ صلاح شادي قد أصاب هدفه، أنقل لنص الذي وصف به الأخ عباس السيسي قرار فصل الإخوان الأربعة في كتابه" في قافلة الإخوان المسلمين – الجزء الثاني" ما نصه:

" وبدأنا نترقب التطورات ونتأمل المواقف وإذا بقرار فصل يصدر من مكتب الإرشاد بطرد أربعة من الإخوان الأعضاء في قيادة الجهاز وهم عبد الرحمن السندي، وأحمد عادل كمال، وأحمد الصباغ (يقصد محمود الصباغوأحمد زكي حسن، وكان لهذا النبأ المرادف لمقتل الأخ السيد فايز أسوأ الأثر في نفوسنا.. حيث اختلط الأمر علينا فظننا أن للإخوة المفصولين صلة وثيقة بحادث مقتل الشهيد.. وإلى الآن (1987م – 1408هـ ، أي بعد مرور 34 عاما ميلاديا) وقد مضت سنين طويلة ولا يزال أمر اغتيال الشهيد فايز غامضا ومجهولا ولا ندري متى نعرف الحقيقة "انتهى.

وهنا ينتهي قول الأخ عباس السيسي فيما يعرفه يقينا لأنه يصف وقع الحادث على نفسه وعلى نفوس إخوانه، ثم ينتقل إلى الظن المبني على مرادفة قرار الفصل بمقتل الأخ السيد فايز فيقول كلاما لا علم له به، وأدعوه إلى أن يتوب إلى الله منه توبة نصوحا، حيث ينحدر هذا الأخ العزيز في الهوة السحيقة التي حفرها الأخ صلاح شادي حيث يقول على الفور في نفس الصفحة من الكتاب:

" وبهذا القرار الخطير.. انحاز هؤلاء الأربعة إلى المجموعة التي انحازت إلى سياسة جمال عبد الناصر، وبدأت تكيد للأستاذ المرشد العام في شكل مؤامرة ومناهضة .. إلخ" انتهى.

ويتحقق بذلك الهدف الذي لا يمكن أن يحلم أعدى أعداء الإخوان المسلمين بتحقيقه.. وهو وقوعهم في الظن السيئ بإخوانهم من غير دليل ولا بينة، فيضيع بذلك أثمن ما يميز رجال الدعوة الإسلامية.. وهو الألفة بين القلوب التي وصفها القرآن الكريم بقوله تعالى:" لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم" (الأنفال: 63) بل وأقسى من ذلك يتحول الأحباب إلى أعداء.

وقد استدل الأخ عباس السيسي على ما قاله ظلما للإخوان الأربعة مدعيا انحيازهم إلى سياسة جمال عبد الناصر وبدئهم الكيد للأستاذ المرشد بدليل هو حجة عليه وعلى جميع الإخوان الذين يقولون مقولته.. وليس حجة لهم.. فهو يستدل على مقولته الظالمة بذهاب مجموعة من واحد وعشرين عضوا إلى منزل الأستاذ المرشد العام في منيل الروضة يطالبونه بالتوقيع على استقالته من منصب المرشد العام.. ولم يقل هو كما لم يقل أحد غيره من الإخوان المسلمين إلى اليوم إن واحدا من الأربعة المفصولين كان من بين هذه المجموعة.. فأين إذن وجه الاستدلال على علاقة المفصولين بهذا الحادث؟ (فاطر: 6) ثم يؤكد سبحانه وتعالى على هذا المعنى مرة ثانية فيقول:" ألا تزر وازرة وزر أخرى " (النجم: 38).

وسوف أوضح فيما بعد أن فكرة الذهاب إلى المرشد العام ومطالبته بالاستقالة نبتت أول ما نبتت في ذهن الأخ على صديق (يرحمه الله) .. وهو من قادة الفصائل المجاهدة ضد اليهود في فلسطين، وضد حكومتي النقراشي باشا، وإبراهيم عبد الهادي باشا في مصر، وضد الإنجليز في القنال ببسالة منقطعة النظير تجعله عند جميع الإخوان فوق كل شبهة وسوف يكون سندي في هذا الإيضاح ما نقله إلينا الأخ صلاح شادي في كتابه:" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" وهو يروي شهادة الأخ سيد عيد التي أوجزناها في الفقرة التالية مباشرة من هذا الفصل.

وأضيف هنا أنه لا يمكن أن تكون هناك إهانة لشباب الإخوان أبلغ من تهمتهم أنههم كانوا أداة في يد رجال مفصولين عن الجماعة ومن الدعوة بقرار أصدره مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين، ونشره في جميع الصحف.. وكأن شباب الدعوة في نظر المتقولين قطع من الشطرنج يحركهم من يشاء.. وليسوا أصحاب عقائد تحركهم معتقداتهم في خدمة دعوتهم.. فإذا جرت الأمور على نحو مثير يدفعهم إلى سؤال المرشد العام عن حقيقته أو الاستقالة، فذلك رأيهم وحدهم، وحقهم الذي رسمه لهم منهجهم الإسلامي دون جدال، وقد قرأوا جميعا قول الخليفة الأول للمسلمين:" لو رأيتم في اعوجاجا فقوموني" قالوا: " والله لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناك بحدود سيوفنا" قال : الحمد لله الذي جعل في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من يقوم أبا بكر بحد السيف" أو كما قال.

فإذا راجعنا بعض الأسماء التي اشتركت فعلا في هذا اللقاء مع الأستاذ الهضيبي من واقع ما كتبه الأخ أحمد عادل في كتابه: " النقط فوق الحروف- الإخوان المسلمون والنظام الخاص" صفحة 285 لوجدنا أن الأخ أحمد عادل كمال يقول بالنص:" وكعادته في حصاد عمره ذكر أن عبد الرحمن السندي هو الذي أرسل هذه المجموعة من الإخوان إلى بيت الأستاذ الهضيبي لإرغامه على الاستقالة وعمل (انقلاب)، ينصب فيه صالح عشماوي مرشدا.. وأقرر أن ذلك لم يحدث.. وإنما ذهب من ذهب باتفاقهم ومن تلقاء أنفسهم، ومن شاء فليسأل من كان منهم هناك.. وما زالوا والحمد لله أحياء، ليسأل من شاء محمد مهدي عاكف، وعلى صديق، وصلاح العطار، ومحمد أحمد، وفتحي البوز وعبد الرحمن البنان، وفوزي فارس، وسامي البنا، ومحمود زينهم.. إلخ.

هل أرسلهم عبد الرحمن السندي؟ فإن كان لم يرسلهم أصلا فلا معنى للاسترسال في أنه أرسلهم لإرغام الأستاذ الهضيبي على الاستقالة وتنصيب صالح عشماوي ..إلخ.

ولم يكن عبد الرحمن ولا غيره من السذاجة بحيث يظن أن تعيين المرشد أو تبديله يتم بانقلاب.. ولكن الذي حدث أنه بعد أن ذهبوا باتفاقهم وكانت النفوس معبأة، والأعصاب مشدودة حدث ما حدث في بين فضيلة المرشد ، ثم ذهبوا إلى دار المركز العام وبدأوا يتصلون بي وبعبد الرحمن، أما أن عبد الناصر قد فرح بهذه الأحداث فإنه مما لا شك فيه أن فرحه بد بصدور قرار الفصل، وبطبيعة الحال استمر فرحه يتزايد.. وأي فرح كان أكبر من ذلك" انتهى.

والذي يهمني من قراءة هذا النص هو توجيه نظر القارئ العزيز إلى الأسماء التي ذكرها الأخ عادل كمال من بين من ذهبوا إلى الأستاذ الهضيبي ليعرف أنها جميعا أسماء رجال ناضجين اشترك معظمهم في القتال ضد اليهود، والاستعمار وأعوانه فأبلوا بلاء حسنا، وذكرناه بالتفصيل في الجزء الأول من هذا الكتاب، كما أن منهم من له دور ريادي في التربية والتوجيه في مجال الالتزام بالدعوة الإسلامية ومبادئها في كل حركة وسكنة ليعلم أن هؤلاء الرجال لا يمكن أن يكونوا أداة في يد أحد.. ولكنهم رأوا خطأ ظاهرا فعمدوا إلى تصحيحه وهو أدنى واجبات المسلم رجل الدعوة.

مناقشة الوقائع التي توافرت لدى الإخوان والتي أثارت لديهم الظن بأن أحمد عادل كمال هو الذي قتل السيد فايز بتعليمات من عبد الرحمن السندي:

من الطبيعي أن لا يدخر الأخ صلاح شادي جهدا في أن يجمع في كتابه كل واقعة أو إشارة أو لمحة تبرر إثارة الشكوك عند الإخوان في أن عبد الرحمن السندي كان وراء مقتل السيد فايز، لأنه انفرد عن سائر الإخوان بأن نسب قتل السيد فايز إلى عبد الرحمن السندي يقينا لا ظنا في مخيلته.. ومن ثم فإن مناقشة ما ذكره الأخ صلاح في هذا الموضوع تجلى لنا وجه الحق من الباطل، فهو جامع مانع لكل ما أثير حول هذا الاتهام.

لقد اختار الأخ صلاح شادي ما أسماه شهادة الأخ سيد عيد يوسف أحد رجال النظام الخاص الثقاة وذلك في صفحة 100 من كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" وحتى صفحة 102 وأنني حرصا مني على أن أوفر على القارئ كتابة كل ما نشره الأخ صلاح في هذا الصدد سأسرد الوقائع التي ذكرها الأخ صلاح على لسان الأخ سيد عيد وأناقشها واقعة واقعة لاستخراج أي علاقة بين أي منها وبين مقتل الأخ فايز، يمكن أن يقول بها رجل عاقل.

ولابد لي قبل أن أبدأ هذه المناقشة أن أقرر أن الأخ سيد عيد كان من المتطوعين للحرب في فلسطين في أول مجموعة غادرت أرض مصر من الإخوان المسلمين تحت قيادتي ، وقد شهدت منه صدق المؤمن وتبتل العابد، وجسارة الفدائي، ولا أزكي على الله أحدا.

الوقائع التي ساقها لنا الأخ صلاح شادي نقلا عن الأخ سيد عيد:

1- أن سيد عيد من بين الذين نهضوا بدور كبير في أحداث مقتل السيد فايز ومحاولة استكتاب المرشد استقالته واحتلا المركز العام لصلته الوثيقة بأحمد عادل كمال.
2- أن خطة عبد الناصر في ذلك الوقت كانت هي الاتصال بأعضاء من الجماعة من خلف ظهر المرشد ساعيا لتجميعهم ضده بعد أن تبين له أن الأستاذ الهضيبي يشكل عقبة خطيرة في طريق تنفيذ مخططاته ضد الجماعة.
3- أن المرشد كان يحاول تصحيح أوضاع النظام الخاص الذي كانت قيادته تتصرف بعيدا عن قيادة الجماعة،وخاصة بعد فصل الأربعة المسئولين، فأصبحوا يجاهرون بعدم ارتباطهم بالمرشد بل ويغدون روح العداء تجاهه في أفراد النظام الخاص.
4- أن المشد كلف الأخ حلمي عبد المجيد وأحمد حسنين الاتصال بالأعضاء لعلاج هذا الخلل دون جدوى.
5- أن السيد فايز بدأ الاتصال بأفراد النظام الخاص باعتباره واحدا من قادته ليبين لهم خروج السندي عن طاعة المرشد ويدعوهم للارتباط بشخصه بدلا من عبد الرحمن.
6- أن السندي وأحمد عادل كمال اعتبرا هذا التصرف فيه إذكاء للفتنة بين أعضاء النظام وبين المرشد.
7- أن السيد فايز عبد المطلب استشهد في وقت كان فيه السيد عيد في السنبلاوين، وقد طالع الخبر في الصحف التي صدرت يوم الجمعة 21 نوفمبر سنة 1953، فعاد إلى القاهرة.
8- أن سيد عيد علم أن الحادث تم الساعة الثالثة بعد ظهر الخميس عندما حمل أحد الأشخاص إلى منزل المهندس سيد فايز (هدية المولد) وهي عبارة عن علبة حلوى بداخلها شحنة ناسفة من مادة الجنجلايت سلمت إلى شقيقته وادعى حاملها أن اسمه كمال القزاز.
9- عندما حضر سيد فايز بعد ذلك انفجرت المادة الناسفة في محيط الغرفة الضيقة، وأطاحت بحاملها بل وبحائط الغرفة جميعه الذي هوى إلى الشارع.
10- أن سيد عيد عندما عاد إلى القاهرة فوجئ بأن والدته تبلغه أن أحمد عادل كمال قد حضر إلى منزل سيد عيد في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم الخميس، وأحضر معه حقيبة فلما فتحها وجد فيها أشياء يحرص أحمد عادل كمال كل الحرص على سريتها، تتضمن جوازات سفر مصرية بدون أسماء وتقارير مخابرات الإخوان عن حركة الجيش، وتحركات السفارات البريطانية والأمريكية في مصر، وتقارير عن تحركات الشيوعيين، وهي أمور سرية للغاية وأشياء أخرى تخصه.
11- أن سيد عيد أدرك أن عادل كمال أتى بهذه الأشياء لأنه يخشى من تفتيش بيته وأنه رجح أن يكون هناك ارتباط بحادث السيد فايز وهذا السلوك من عادل، فتوجه إلى المركز العام وأبلغ فضيلة المرشد والأخ الدكتور خميس حميدة نائب المرشد حينذاك بهذا الأمر وسلم لهم محتويات الشنطة.
12- بعد هذه المسألة بثلاثة أيام- السبت 22 نوفمبر وهو اليوم التالي لتشييع سيد فايز صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل أربعة من قادة النظام الخاص هم عبد الرحمن السندي، وأحمد عادل كمال، ومحمود الصباغ، وأحمد زكي حسن.. فلما علم سيد عيد بهذا القرار عاد إلى المركز ثانية لإبلاغ الدكتور خميس حميدة أن له ارتباطا خاصا مع أحمد عادل كمال أحد هؤلاء القادة فقد كان عنده مخزن سلاح يقع تحت بيت أحمد عادل كمال ولكنه كان هو المسئول عنه، فأبلغه الدكتور خميس أن صلته التنظيمية بالمفصولين انتهت، وبقيت صلة الجوار والمودة.
13- أن أحمد عادل كمال كان بالمركز العام في هذا الوقت ورآه سيد عيد وكان عادل يسأل عن أسباب فصله، فأجابه الدكتور خميس بأن عليه أن يقدم شكوى لمكتب الإرشاد لينظر في أمرها، فكتب الشكوى، وأن سيد عيد تحدث مع عادل عن الفتنة التي تسببت في فصلهم، وأن موقفهم الآن بالغ الدقة ، وأن عليهم تجنيب الجماعة أية منزلقات، فأجاب أنه لن يقوم بأي عمل يذكي الفتنة، وأنه سيمكث في منزله ولن يكلم أحدا حتى تظهر براءته.
14- بعد عدة أيام صدرت توجيهات لبعض شباب النظام الخاص لإحراج المرشد بالأسئلة حول أسباب فصل قادة النظام الخاص.. لكن المرشد خاصة بعد مقتل سيد فايز- لم يكن يذكر أسبابا دعت لهذا الفصل، وإن لفي المركز العام وجود صلة بين قرار الفصل وحادث سيد فايز.
15- أن الأسباب الجوهرية كانت صلة المفصولين بقادة الثورة من خلف قيادة الجماعة، وليس من الحكمة الجهر بهذا السبب بينما نتربص الحكومة بالجماعة.
16- استغل المفصولون هذا الأمر وبدأوا يشيعون في صفوف الإخوان أن الجماعة تخلت عن الجهاد وأصبحت مجرد جمعية خيرية بعد حل الأحزاب.ز ولهذا يسعى المرشد لحل النظام الخاص.
17- أن سيد عيد سمع من أحمد عادل كمال أن على صديق جاء إليه بالمنزل واقترح عليه أن يذهب جمع من شباب الإخوان إلى منزل المرشد لسؤاله عن أسباب الفصل، فإذا لم يجب إجابة واضحة طالبوه بالاستقالة. وفي نفس الوقت تتواجد في المركز العام مجموعة من المتعاطفين مع القادة المفصولين من أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية منهم الإخوة صالح عشماوي، ومحمد الغزالي، وعبد العزيز جلال، وسيد سابق لكي يختاروا مرشدا عاما للإخوان بدلا منه، وكان التدبير أن يختاروا "صالح عشماوي" حيث كان قد اتهم قادة الجماعة في إحدى الخطب بالتخلي عن الجهاد.
18- أن سيد عيد صارح عادل كمال أن هذه بوادر فتنة، وأنه لن يسكت إذا حدثت ، ومن وقتها بدأ عادل كمال يحجب عن سيد عيد الأخبار بعد أن أيقن أنه لن يقف مكتوف اليدين أمام أي خروج عن الجماعة ومرشدها.
19- أن سيد عيد كانت تساوره الشكوك في أن أحمد عادل كمال ضائع في مقتل السيد فايز، وقد عرض في التحقيق على الفتاة التي تسلمت الطرد فلم تتعرف عليه الفتاة، مما يقطع بأنه لم يكن هو الذي نفذ العملية.
20- أن سيد عيد علم أن هناك طالبا في كلية الطب في السنة النهائية وقتها كان مشتركا في رحلة مع الطلبة صادف موعدها يوم الحادث فمنعه أحمد عادل كمال من اللحاق بإخوانه واستدعاه من الرحلة وهو يشبه كثيرا أحمد عادل كمال في قصر قامته وصلع رأسه واسمه محمد أبو سريع، وعندما عرض أحمد عادل كمال على الفتاة التي تسلمت الطرد لم تتعرف عليه إنما قلت إن الجاني يشبهه.
21- أن سيد عيد يستعجب من أن الحكومة رغم حرصها في اعتقالات 1965 أن لا تترك شيئا من قضايا السلاح القديمة التي تم التحقيق فيها عام 1945 دون إعادة تحقيقها، فإنها لم تحاول أن تثير موضوع مقتل سيد فايز إطلاقا، ولو حاولت لحصلت على ما تريد من معلومات لأن أحمد عادل كمال وقتها كان مستعدا من شدة التعذيب أن يقول كل شيء.

مدى الارتباط بين هذه الوقائع وبين مقتل السيد فايز:

إن المطلع على هذه الوقائع جميعه يستطيع أن يلحظ أنه لا يوجد ارتباط بينها وبين مقتل السيد فايز إلا في الوقائع رقم : 1، ، 6، 7، 11، 19، 20، 21 ونحن نلاحظ أن الواقعة (7) صريحة في أن سيد عيد كان في بلده السنبلاوين يوم استشهاد فايز، وأنه طالع الخبر في الصحف فعاد إلى القاهرة.. ومن ثم فإن هذه الواقعة تلغي صحة الواقعة التي صدر بها ألأخ صلاح شادي شهادة سيد عيد قائلا في وصف سيد عيد أنه من بين الذين نهضوا بدور كبير في أحداث مقتل السيد فايز.. إذ كيف ينهض بدور كبير من كان في بلده ولم يعلم بالخبر إلا من الصحف؟

مناقشة الكلام المنسوب إلى الأخ سيد عيد بقلم الأخ صلاح شادي فيما يتعلق بمقتل السيد فايز

بينا أن ما جاء في الفقرتين (1)، (7) ينقص بعضه بعضا، ويصرح بأن سيد عيد لم يكن له أي دور في أحداث مقتل سيد فايز، لا صغيرا ولا كبيرا، ويتعين على العقل أن يلغي أي أثر للفقرتين (1)، (7) من شهادة سيد عيد التي صاغها لنا الأخ صلاح شادي.. ولم يبق أمامنا إلا الفقرات 5، 6، 10، 11، 19، 20، 21 نناقشها على الوجه التالي:

أولا: أن الفقرتين (5، 6) صيغتا لتوجدا سببا يدعو السندي لقتل السيد فايز بدعوى أن السيد فايز دعا إخوان النظام للخروج عن طاعة السندي والارتباط به ومن ثم فإنه بدافع من حرص عبد الرحمن على ما تخيله صلاح شادي من السلطان والهيلمان والنفوذ فإنه أقدم على قتل أخيه فهل لهذا السبب من ظل في الحقيقة؟ وهل يمكن أن يكون رأي السندي وأحمد عادل كمال في تصرف سيد فايز هذا وهو إذكاء الفتنة بين أعضاء النظام والمرشد سببا في قتله؟ لقد علمنا أن عبد الرحمن السندي استقال من رئاسة النظام مرتين، وأن سبب الاستقالة في المرتين كان استمرار جهود بعض الإخوان في اضطراب صفوف النظام، وامتناع المرشد العام عن تنفيذ الإجراء الذي وعد بتنفيذه في كل حالة، ليحول بين هؤلاء وبين ما يفعلون، ولم يكن لسيد فايز أي وجود بين هؤلاء الإخوان حيث علمنا أن هؤلاء الإخوان كانوا أعضاء لجنة ا لشباب المسلم بالإضافة إلى الأخوين صلاح شادي والدكتور حسين كمال الدين، وأن أكثرهم خطرا على انتظام الصفوف داخل ا لنظام كان الدكتور حسين كمال الدين بسبب المركز الإداري المرموق الذي كان يشغله في الجماعة وهو عضوية مكتب الإرشاد ورئاسة مكتب إداري القاهرة.

ولم يحدث أن شكت قيادة النظام للمرشد العام من نشاط السيد فايز المزعوم في هذا المجال لأنها لم تحس به، ولكنها شكت مرارا وتكرارا من العاملين فعلا على اضطراب صفوف النظام، وكان الأجدر بعبد الرحمن السندي أن يقتل واحدا منهم، لو صح في عقل عاقل أن رجلا مستقيلا أمام جميع المسئولين في النظام الخاص في القاهرة والأقاليم من رئاسة النظام الخاص بل ومن جماعة الإخوان المسلمين قاطبة من قبل قتل سيد فايز بعدة شهور يمكن أن يفكر في قتل أحد دفاعا عن مركزه، فإذا تذكرنا أن عبد الرحمن السندي سبق أن رفض يدج المرشد العام الممدودة إليه للتعاون قائلا له إنه لا يستطيع أن يطمئن إلى إسلامه وهو يعمل معه، وتذكرنا حرص المرشد العام بعد ذلك على دعوته للعودة للجماعة ولرئاسة النظام الخاص بعد أن عرف من مواقفه ما أقنعه أنه كان مخطئا في تقييم عبد الرحمن، فعاد الرجل وانتظمت الصفوف دون أن يعكر انتظامها أحد لا لشيء إلا لأن الدكتور حسين كمال الدين كان في أوربا، فلما عاد الدكتور حسين أعلن عصيانه لأوامر المرشد العام وتصميمه على إرباك صفوف النظام، وكان هذا هو سبب استقالة عبد الرحمن السندي في المرة الثانية ومعه الأخوة الأربعة الباقون، وكانت الاستقالة هذه المرة من قيادة النظام فقط مع الإبقاء على عضوية الجماعة، لأن المخطئ الكبير في هذه المرة كان الدكتور حسين كمال الدين وليس المرشد العام.

أولا: يقول العقل الإجرامي الذي يتخيله الأخ صلاح شادي في هذه الحالة بقتل حسين كمال الدين، دون غيره من العاملين؟ ولكن الذي حدث هو عدم وجود عقل إجرامي في هذه المجموعة إلا في خيال الأخ صلاح شادي ومن ثم فلم يقتل أحدا حسين كمال الدين، الذي عاش بحمد الله حتى قارب الثمانين من العمر راضيا مرضيا، ولا شك أن هذا القول الحق ينطبق على أحمد عادل كمال كما ينطبق على عبد الرحمن السندي.. بل إن أسباب رفض لعقل لما ذكره الأخ صلاح بحق السندي ينضم إليها سبب جديد هو أن أحمد عادل كمال الدين لم يكن من وجهة نظر الأخ صلاح ذو سلطان ولا هيلمان ولا نفوذ، فماذا يدفعه إلى التفكير في قتل أحد؟

ثانيا: أن الفقرات 11، 19، 20، 21 تقدم أسبابا تثير شكوكا عند سيد عيد حسب ما يدعي الأخ صلاح بأن أحمد عادل كمال له علاقة بمقتل السيد فايز، ومن ثم فإن واحدا من هذه الأسباب لا يقوم مبررا للاتهام الصريح من صلاح شادي بأن عبد الرحمن السندي قتل السيد فايز.

إن العقل الراشد إذا رأى أن يقبل هذه الشكوك، فإنه يوجهها إلى أحمد عادل كمال ولا يوجهها إلى عبد الرحمن السندي، ومع ذلك دعنا نناقش هذه الشكوك لنتبين هل يمكن لعقل راشد أن يقبلها ضد أي إنسان.

1- البندان 10، 11 يفيدان أنه في ظهر اليوم الذي قتل فيه السيد فايز، ذهب أحمد عادل كمال إلى منزل السيد عيد وكان السيد مسافرا إلى بلده في السنبلاوين ، فترك له حقيبة فيها أشياء يحرص أحمد عادل كمال كل الحرص على سريتها، تتضمن جوازات سفر مصرية، بدون أسماء وتقارير لمخابرات الإخوان عن حركة الجيش، وتحركات السفارات البريطانية والأمريكية في مصر، وتقارير عن الشيوعيين، وأن سيد عيد أدرك أن عادل كمال أتى بهذه الأشياء لأنه خشي من تفتيش بيته، وأنه رجح أن يكون هناك ارتباط بحادث السيد فايز وهذا السلوك من عادل، فتوجه إلى المركز العام، وأبلغ فضيلة المرشد والأخ الدكتور خميس حميدة نائب المرشد حينذاك بهذا الأمر وسلم لهم محتويات الشنطة. وقبل أن نناقش هذا الأسلوب الفكري الغريب من الأخ سيد عيد على حد قول الأخ صلاح شادي، دعنا نسأل: هل شارك المرشد والدكتور خميس حميدة الأخ سيد في ترجيحه أن يكون هناك ارتباط بحادث السيد فايز وهذا السلوك من عادل؟

يجيب الأخ صلاح شادي على هذا السؤال وتأتي إجابته على لسان الأخ سيد عيد في البند 14 قائلا:" إن المركز العام نفى وجود صلة بين قرار الفصل وحادث سيد فايز".

كما يؤكد الأخ صلاح شادي بلسان نفسه في صفحة (100) من كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" ما نصه:

" لم يجر تحقيق من قيادة الجماعة بخصوص مقتل السيد فايز، كما لم يتهم أحد بارتكاب الحادث".

إذن فكل ما نقله الأخ سيد عيد إلى فضيلة المرشد العام والدكتور خميس حميدة عندما سلمهما الشنطة التي تركها في منزله الأخ أحمد عادل كمال ظهر حادث مقتل السيد فايز، لم يثر لديهما أي شكوك تدفعهما إلى التفكير في تحقيق أي علاقة بين هذا الكلام وبين مقتل سيد فايز ، وإنما الشك القائم لم يتعد ظن السيد عيد وحده على حد قول الأخ صلاح شادي الذي لا تفسير له إلا إعلان قرار فصل الإخوان الأربعة منهم أحمد عادل كمال هذه واحدة.

والذي يريد هذا الأمر وضوحا هو ما يقرره الأخ صلاح شادي على لسان سيد عيد في البند (12) إذ أنه يقرر صراحة في هذا البند أن عادل كمال ذهب إلى المركز العام يوم نشر قرار فصله في الجرائد ليسأل عن سبب فصله، وأن سيد عيد ذهب في نفس الوقت إلى المركز العام ليبلغ الدكتور خميس أن له ارتباطا خاصا بأحمد عادل كمال فأبلغه الدكتور خميس أن صلته التنظيمية بالمفصولين انتهت، وبقيت صلة الجوار والمودة.

ولو كان الدكتور خميس قد حمل في فكره أدنى شك في عادل كمال لما دعا سيد عيد إلى المحافظة على صلة جواره ومودته في اليوم التالي لمواراة جسد السيد فايز التراب.

وإذا فرضنا أن كلا من فضيلة المرشد العام والدكتور محمد خميس حميدة، قد أحكم إخفاء حقيقة ما ذهب إليه فكره على أثر كلام الأخ شيد عيد عن سيد عيد نفسه في ما رواه الأخ سيد عيد على حد قول الأخ صلاح شادي، ما يثير أي شبهة ضد أحمد عادل كمال في حادث مقتل السيد فايز؟

الدليل على خطأ الأخ السيد عيد في ظنه السيئ بعادل كمال إذا صح هذا الظن

إن أحمد عادل كمال بصفته من رجال الصف الثاني لم يكن قد أعلم بقرار استقالة مجموعة قيادة النظام بعد، فهو لم يعرف بهذا الإعلان إلا في مساء هذا اليوم بمنزل الأخ أحمد زكي حسن بصفته أحد المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم- ومن ثم فإنه كان يباشر عمله كمسئول في منطقته، كان سيد عيد من جنوده الذين أسند إليهم عادل مسئولية مخزن سلاح يقع تحت بيت عادل ولكن سيد عيد كان هو المسئول عنه.. وذلك بنص ما يعلمنا به الأخ صلاح شادي نقلا عن لسان سيد عيد في البند 12.

فإذا حدث أن تجمعت عند عادل بعض الممنوعات كالتي ذكرها سيد عيد في البند (10) مثل جوازات سفر مصرية بدون أسماء، وتقارير لمخابرات الإخوان عن حركة الجيش.. إلخ فهل يستغرب من الأخ أحمد عادل كمال وهو من قادة النظام الخاص الذين انكشف أمرهم للبوليس بسبب اتهامه في قضية الجيب، أن يعمل على إخفاء هذه الممنوعات فورا عند الأخ المختص أمين مخزن الممنوعات، الذي لم يظهر اسمه في أي تحقيقات من قبل؟ إن أي عاقل يقول بأن أحمد عادل كمال، وقد صممت قيادة الدعوة على بقائه في موقعه من قيادات النظام، رغم انكشاف اسمه للبوليس، يتعين أن تكون من إستراتيجيته الدائمة أن لا يبقى في حيازته شيئا من الممنوعات تحت أي ظروف، خاصة أن العلاقة بين الإخوان والحكومة كانت متوترة في هذه الأيام، وعليه أن يتخلص من مثل هذه الممنوعات فور وصولها إليه بإيداعها في المخزن المخصص لها فورا، فإذا كان مسئول المخزن مسافرا إلى بلده بالسنبلاوين، فلابد له أن يتركها له في المنزل حتى يحضر، حيث أن النظام لم يعين الأخ يد عيد أمينا للمخزن إلا لأن اسمه لم يظهر للبوليس في أي نشاط سري من قبل، ومن ثم يكون إيداع هذه الممنوعات بمنزله أكثر أمانا من أن يحتفظ بها عادل حتى يعود السيد عيد من السنبلاوين.

إن هذا هو السلوك الطبيعي الذي يدركه كل عقل راشد في تفسير سلوك أحمد عادل كمال في هذه الواقعة ما لم تكن الإشاعة المغرضة بوجود علاقة بين حادث مقتل السيد فايز وعادل كمال قد بثها أحد إلى عقل سيد عيد من قبل نشر قرار الفصل في الجرائد.. حيث كان هذا القرار معلوما لدى أعضاء مكتب الإرشاد الذين أصدروه، وذلك في نفس اليوم الذي ذهب فيه سيد عيد لتسليم الشنطة إلى فضيلة المرشد وإلى الدكتور خميس حميدة في المركز العام.. ومن المنطق أن يتحدث الإخوان في المركز العام عن صدور هذا القرار فور إصداره فهم بحكم وقعهم في المركز العام يعلمون الخبر ويعلقون عليه ولا يحتاجون إلى الانتظار التالي لأخذ العلم به من الجرائد.

مصدر الإشاعة بوجود علاقة بين الفصل ومقتل السيد فايز

فمن يا ترى هو الذي أصدر هذا التعليق فأوقع في نفس سيد عيد هذا الخاطر الشاذ وهو يفسر أمرا روتينيا تفرضه طبيعة أعمال النظام الخاص على الأخ عادل كمال؟ إنني لا أجد إجابة على هذا السؤال إلا من استقراء انفراد الأخ صلاح شادي بتوجيه الاتهام الصريح للإخوة عبد الرحمن السندي وأحمد عادل كمال بقتل سيد فايز. فهذه الجرأة على الحق هي وحدها التي تدعو لمثل هذا التعليق فتتناوله الألسن وتتولى كبره، كتفسير لصدور قرار فصل أربعة من الإخوان لا يعلم أحد شيئا عن نشاطهم إلا من خلال هذه الإشاعة التي لف بها قرار الفصل فسارت في الإخوان كما تسير النار في الهشيم، ووقعوا جميعا- إلا من حفظ ربي في هذا الإثم القاتل، إثم إشاعة أن الإخوان المسلمين بلغوا من الإجرام أن صار بعضهم يقتل بعضا.. ولم يعد لأحدهم من حديث إلى اليوم، وبعد أن مضى على هذا الحادث المشئوم أربعة وثلاثون عاما، إذا ما قابل أخ من الإخوان أحدا من المفصولين فإنه يسأله: من قتل السيد فايز؟ وإني أقرر أنني سئلت ولا أزال أسأل هذا لسؤال إلى اليوم من إخوة أحبة لا تزال وساوس الشيطان تراودهم في هذا الأمر الخطير.

معصية فرد تقود إلى معصية جماعة

إن هذه الحقيقة القائمة إلى اليوم لتدل دلالة قاطعة على أن تمكن هذا الإثم القاتل في نفوس الإخوان المسلمين كان قد بلغ أعماق نفوسهم، واختلط بدمائهم ، فتردوا فيه ناسين- إلا من حفظ ربي- حكم دينهم الذي حملوا رؤوسهم على أكفهم قتالا في سبيله، وتاركين- إلا من حفظ ربي- أمر ربهم ظهرانيا الذي أدبهم فقال جل وعلا:

بسم الله الرحمن الرحيم" يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم" (الحجرات: 11-12).

لم يحفظ المسلمون هذا الدرس الرباني، فعصوا أمر ربهم، فظهرهم وأدبهم بسنة من سننه القائمة إلى يوم القيامة في تأديب وتطهير من أحب من عباده الصالحين.. فقد كتب عليهم الهزيمة وهم كثرة لا يظن أحدهم أن جمعهم يمكن أن يهزم، وقد أصبحوا في منعة بعد حل الأحزاب جميعا إلا "الإخوان المسلمون" فصاروا بهذا القرار الممثلين الوحيدين لشعب مصر، وأصبحوا قاب قوسين أو أدنى من حكم مصر التي يسعى رئيسها إليهم متوددا، ويعهد إليهم بأخطر المهام، ويضع على أكتافهم الأمانات الجسام.

كتب عليهم الهزيمة ( وهم أهل ا لحق) أمام عبد الناصر وجنده( وهم أهل الضلال) كما كتبها على المسلمين يوم حنين وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم المصطفى صلى الله عليه وسلم قائد الغر المحجلين، الذي جعله الله رحمة ونورا للعالمين.. فهذه سنته جل وعلا القائمة إلى يوم الساعة، والتي بينها القرآن الكريم، الذي نزل على الرسول الخاتم الأمين صلى الله عليه وسلم فقال جل من قائل: بسم الله الرحمن الرحيم "لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين. ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها وعذب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين. ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء والله غفور رحيم" (التوبة: 25- 27).

درس إلهي للمسلمين كافة حتى تقوم الساعة.. المسلمون المجاهدون الصالحون العاملون القائمون القانتون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر لا ينفعهم شيء من ذلك كله، وهم يخوضون معارك الحق ضد الباطل، إذا وقعوا في معصية الله فهذا الدين الكريم، لا ينتصر بقوة رجاله ولا بعدتهم ولا بعددهم إنما يكون نصر هذا الدين على أيدي من التزموا التزام الأوابين بطاعة ربهم، فتجنبوا معصيته فيما أمر، وأقاموا ليلهم ونهارهم وهم يخشونه، ولا يأمنون مكره.. لأن الله تعالى قد علم المسلمين قوله جل وعلا:" وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم" (آل عمران: 126) وقوله تعالى:" وما النصر إلا من عند الله إن اله عزيز حكيم " (الأنفال: 10).

وقد حذر الله تبارك وتعالى المسلمين من مكره إن هم مكروا مكر السوء.. فإن الله تعالى دائما أسرع مكرا، واشد غضبا لدينه أن يعصاه فيه من أئمتهم عليه، وحملهم أمر إبلاغه للناس فقال جل من قائل: بسم الله الرحمن الرحيم: " من كان يريد العزة فله العزة جميعا إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه والذين يمكرون السيئات لهم عذاب شديد. ومكر أولئك هو يبور" (فاطر: 10) ثم تأمل يا أخي أيضا هذه الآيات الكريمة التي تحلل النفس البشرية وهي تتأرجح في الحياة الدنيا بين رحمة الله الغامرة وغضبته القاهرة فيقول رب ا لعزة: بسم الله الرحمن الرحيم " وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما يمكرون. هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين" (يونس: 21- 22).

يعلمنا الحق تبارك وتعالى أن طلب العزة فرض عين على المؤمنين.. ذلك لقوله جل وعلا:" ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون" (المنافقون: 8).

وهذا يعني أن ربنا سبحانه وتعالى يوجه الحديث إلى المؤمنين إذ يقول : " من كان يريد العزة" فليعلم أولا أن العزة لله جميعا حتى لا يضل إذا أعجبته منزلته بين الناس فأصابه الغرور، ولكن يلتزم بالكلم الطيب والعمل الصالح.. فالكلم الطيب يصعد إليه، والعمل الصالح يرفعه إليه.ز أما إذا أنستهم منزلتهم فضل ربهم، فمكروا السيئات فإن مكرهم بائر لا محالة.. فضلا عن أن لهم من الله عذاب شديد.. هذا هو ما ينبغي للمؤمن أن يستحضره وهو يقرأ آية : (فاطر: 10) التي سطرناها أعلاه.

أما آيات يونس : 21- 22 التي جئنا بها بعدها فإن الله تبارك وتعالى يبدأ بتسجيل سنة من سنن النفس البشرية وهي أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم، مثل نصر الله للإخوان المسلمين عقب 1948، وما قدموا فيها من تضحيات فإن الشيطان يوسوس لهم بنسبة هذه الرحمة إلى عملهم وإلى ذواتهم، وتناسى فضل الله تبارك وتعالى، أن أدركهم برحمته وهو ما نصت عليه الآية بقوله جل وعلا:" إذا لهم مكر في آياتنا" فإن وقعوا في هذا المعصية وأخذوا ينسبون إلى أنفسهم العقل في الخروج من المحنة، والقدرة على تسيير الأحداث حسب هواهم ناسين فضل الله، فإن الله يأمر رسله بتسجيل كل ما يمكرون، ثم يفاجئهم بمكره السباق لما سواه من عمل البشر. فتلزمهم الحجة يوم القيامة، إذ يذكرهم الله مخاطبا العقول السليمة ، بأنه جل وعلا الذي يسير الناس في البر والبحر فإذا أمنوا واطمأنوا وظنوا أن هذا هو فنهم في الملاحة، وجهدهم في الصناعة، ونسوا فضل الله عليهم، جاءتهم ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان، حتى إذا هزتهم الرهبة واستيقنوا الضعف الذي يعرضهم إلى الهلاك، عادت إليهم عقولهم، وتذكروا ربهم، فدعوه مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين . وهذا هو ما ينبغي للمؤمن أن يتعلمه فلا يغفل عن أن ينسب كل فضل، وكل نصر، وكل عزة لله، مهما أوتي من نجاح وتوفيق، فيلتزم أوامره حتى لا يقع في الهاوية، إذا لم يتداركه الله برحمته، فيوحي إليه بذكره ودعائه أن يخلصه من هذا البلاء العظيم وأن يدركه برحمته وهو أرحم الراحمين، وهذا هو ما ينبغي للمؤمن أن يستحضر بقلبه ووعيه وهو يقرأ آيتي: ( يونس: 21- 22) التي سطرناها أعلاه.

استكمال تحقيق الوقائع التي نسبها صلاح شادي إلى سيد عيد بشأن مقتل سيد فايز

جاءت الواقعة رقم (19) تقول إن سيد عيد كانت تساوره الشكوك في أن أحمد عادل كمال ضالع في مقتل السيد فايز، وقد عرض في التحقيق على الفتاة التي تسلمت الطرد فلم تتعرف عليه مما يقطع بأنه لم يكن هو الذي نفذ العملية..

والمستفاد من هذه الفقرة أن إشاعة وجود علاقة بين قرار الفصل وبين مقتل سيد فايز، والتي زكاها خيال الأخ سيد عبيد إذا صح ما نقله عنه الأخ صلاح شادي، قد أسهمت في كبر الاتهام إلى حد أنه أبلغ إلى النيابة العامة للتحقيق، حيث تطوع مجهولون بإبلاغ النيابة العامة أنهم يشكون أن يكون عادل كمال هو الذي نفذ هذه العملية.

والواقعة إلى هذا الحد لا غبار عليها ما دام المتقولون كانوا رجالا، فطالبوا النيابة بتحقيق ما إذا كان لعادل دور في الحادث استنادا إلى الخواطر التي دعتهم للشك في أنه مسئول عنه.

ولكن إن تبقى هذه الشكوك بعد أن تستجيب النيابة العامة لطلب هؤلاء المجهولين فتستدعي أحمد عادل كمال وتعرضه على شقيقة السيد فايز التي تسلمت الطرد المقال بأنه اطرد الناسف من أحضره، ثم لا تتعرف الفتاة على عادل وقد تفحصته جيدا، وقالت إنه ليس هو (حسب رواية سيد عيد) ولكنه يشبهه.. إن تبقى الشكوك في عادل بعد ذلك وبعد أن برأته النيابة فإن ذلك هو الضلال المبين.. ويدلنا على هذا الضلال مناقشة الواقعتين الختاميتين لهذه المأساة وهما الواقعتان رقم: 20، 21.

يقول الأخ صلاح شادي في كتابه: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" صفحة 103 نقلا عن لسان الأخ سيد عيد ما سبق أن سجلناه في البند رقم (20) وهو ينص على أن سيد عيد علم أن هناك طالبا في كلية الطب كان وقت الحادث في السنة النهائية، واشترك في رحلة مع الكلية صادف موعدها يوم الحادث فمنعه أحمد عادل كمال من اللحاق بإخوانه واستدعاه من الرحلة وهو يشبه كثيرا أحمد عادل كمال في قصر القامة وصلع الرأس واسمه محمد أبو سريع، وصلته مباشرة بأحمد عادل كمال ومن الأسر المرتبطة به ارتباطا خاصا، وعندما عرض أحمد عادل كمال على الفتاة التي تسلمت الطرد لم تتعرف عليه إنما قالت إن الجاني يشبهه.

وهذه الواقعة تعني أن الأخ صلاح شادي يريد أن يقول لنا نقلا عن لسان الأخ سيد عيد إن أحمد عادل كمال خطط لأن يقتل السيد فايز عبد المطلب، وقد حرص أن لا يقتله بنفسه.. بل اختار رجلا كثير الشبه به وكلفه بالعملية، والدليل على صدق هذا الكلام هو أن أحمد عادل كمال منع هذا الرجل من اللحاق برحلة لطلبة كلية الطب كان قد اشترك فيها ولا دليل غير ذلك، فهل يصح في عقل عاقل قبول هذا الكلام؟

إذا كان عادل كمال يفكر في جريمة، ويريد أن يكلف بها رجلا غيره، فما هي الحكمة أن يتحرى اختيار رجل كثير الشبه به؟ هل يريد أن يثير الشكوك حول نفسه عامدا متعمدا؟ وهل هذه الشكوك من الخير الذي يحرص عاقل على أن تثور حوله؟ أو أن العقل يقول باختيار رجل ليس بينه وبين عادل شبه حتى لا يثير الشكوك حول نفسه دون موجب أو مبرر؟ هذه واحدة.

والثانية إذا كان سيد عيد يعلم أن عادل قد اختار رجلا يشبهه ليقتل سيد فايز وأن شقيقة سيد فايز قالت إن القاتل ليس عادل ولكنه يشبه عادل، فلماذا لم يقدم سيد عيد هذا الرجل إلى النيابة لينال القصاص لأخيه؟ أو لماذا لم يقدم المجهولون الذين أبلغوا النيابة بشكهم في أن يكون عادل كمال هو القاتل وهم يعلمون من سيد عيد قطعا قصة هذا الرجل الذي يشبه عادل والذي منعه عادل من الاشتراك في رحلة كلية الطب؟ هل كان ذلك لأن سيد عيد أو هؤلاء المجهولين لديهم الاستعداد التام للتستر على جريمة محمد أبو سريع بقتله للسيد فايز بتعليمات من عادل ولكن ليس لديهم أي استعداد للتستر على أحمد عادل كمال؟ وما هي العلاقة بين هؤلاء وبين محمد أبو سريع ليتستروا عليه على الرغم أهم لو أرشدوا النيابة عنه لنالوا من خصمهم أحمد عادل كمال حيث لابد أن يدل أبو سريع على عادل في التحقيقات لو صح حدس الشكاكين المخمنين؟

هذه أسئلة لا تجد إجابة في عقل عاقل إلا السخرية من هؤلاء الذين يريدون ذر الرماد في العيون حتى تعمى الأبصار، وتضيع الحقائق، وهم لا يعلمون قول الحق تبارك وتعالى أو يعلمون ولما يدخل إلى قلوبهم بعد.. بسم الله الرحمن الرحيم "ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين، ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون" (الأنفال: 7- 8)

وأخيرا فإنه لم يبق من الوقائع التي سردها لنا ا لأخ صلاح شادي في كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" نقلا على لسان الأخ سيد عيد ليثير الشكوك حول أحمد عادل كمال في قتل سيد فايز إلا الواقعة رقم 21 التي سجلناها من قبل، وفيها ينقل إلينا الأخ صلاح شادي ما نصه: " والغريب في الأمر أنه رغم حرص الحكومة في اعتقالات 1965: أن لا تترك شيئا من قضايا السلاح القديمة التي تم التحقيق فيها عام 1954 دون إعادتها للتحقيق فإنها لم تحاول أن تثير موضوع سيد فايز إطلاقا، ولو حاولت لحصلت على ما تريد من معلومات لأن أحمد عادل كمال وقتها كان مستعدا- من شدة التعذيب- أن يقول كل شيء.

وأقول ما هذا الذي أقرؤه؟ هل استمر سيد عيد يقص على صلاح شادي وقائعه المتعلقة بحادثي قتل السيد فايز ومحاولة استكتاب مرشد الإخوان استقالته من سنة 1953 حتى سنة 1965؟ أم أن سيد عيد لم يقص هذا القصص إلا بعد سنة 1965 أو في خلال 1965؟ الذي أرجحه أن هذا الاستنتاج من مبتكرات عقل الأخ صلاح شادي وأنه قد جرى به قلمه عفوا في وسط شهادة الأخ السيد عيد فذلك هو التفسير الوحيد المقبول.ز والله أعلم. وعلى أي حال فإننا لسنا هنا أمام واقعة متعلقة بموضوع قتل السيد فايز، ولكننا أمام واقعة متعلقة بحكومة عبد الناصر وهي تعذيب الإخوان المسلمين تعذيبا شديدا، لتعرف أين يخزنون السلاح ومن بينهم أحمد عادل كمال- الذي لقي على أيدي رجال هذه الحكومة أشد ألوان العذاب.

فهل يصح في عقل عاقل أن يتوقع من حكومة حفظت قضية مقتل السيد فايز منذ اثنى عشر عاما لم يتخللها أي إثارة لها من قريب أو بعيد أن تتطوع الحكومة بفتح تحقيق هذه القضية من جديد هكذا ودون أي مناسبة؟ ذلك لأن السبب الذي يحاول أن يوحي إلينا صاحب هذا الاستنتاج والذي كان في تصوره يدعو الحكومة لإعادة التحقيق في هذه القضية هو بحثها في جميع قضايا السلاح التي سبق تحقيقها سنة 1954، وقد غاب عن هذا العقل الألمعي أن حادث مقتل السيد فايز ليس من قضايا السلاح التي حققتها الحكومة سنة 1954 ولكنه قضية مستقلة بقتل السيد فايز وشقيقه سنة 1953 ومن ثم يكون هذا العقل قد قدم لنا مقدمة خاطئة لاستنتاج خاطئ لا يقبل به عقل رشيد.

هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى، ألا يعلم صاحب هذا الاستنتاج أن أحمد عادل كمال قبض عليه وعذب تعذيبا شديدا سنة 1954، لعله لا يقل إن لم يزد عن تعذيب سنة 1965، وأنه كان من باب أولى فتح ملف التحقيق في قضية مقتل السيد فايز سنة 1953 ولما ينقض على حفظها ضد مجهول عام واحد بدلا من مساءلة الحكومة عن عدم فتح التحقيق في القضية سنة 1965 بعد اثني عشر عاما من حفظها ضد مجهول أو ليس ذلك دليلا على أن هذا العقل الذي يستنتج لنا من الأحداث أحداثا أخرى، ليس إلا عقلا يحركه الهوى بعد أن بينا أنه عقل غائب عن الرشد، إذا كيف توفق بين تعذيب الحكومة لعادل تعذيبا شديدا ثم تعمدها حمايته من جريمة قتل؟ مع ن التلويح بهذه التهمة يكون أكثر أثرا في الحصول على اعترافات عادل بشأن السلاح من أي تعذيب مهما اشتد.

أقرب الروايات إلى العقل بشأن مقتل الأخ السيد فايز

ولابد لي وأنا في هذا المكان من التحقيق أن أذكر الرواية القريبة من العقل عن مقتل الأخ الشهيد السيد فايز ليعلم القارئ العزيز كل ما أثير حول هذه القضية التي وإن بدت قضية قتل رجل واحد وشقيقه الصغير إلا أنها في الواقع قضية قتل جماعة كبرى من الجماعات الإسلامية، قتل فيها العقل والمنطق والعدل والرشاد ولا أقول التقى والإيمان إلا من رحم ربي.. ولكن لابد لي من أن أؤكد على القارئ العزيز أن لا يأخذ هذه الرواية ولا غيرها مأخذ اليقين لأنها وغيرها لم تقدم دليلا قطعيا في هذه القضية ولكنها تفتح مجالا لمزيد من التحري في اتجاه صحيح يصل بنا إلى اليقين إن شاء الله.

رواية الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر عن حادث قتل الشهيد السيد فايز

نشرت جريدة "المسلمون" سلسلة مقالات كتبها الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العم الرابع للإخوان المسلمين بعنوان "عبد الناصر والإخوان المسلمين" خلال شهري شوال وذو القعدة 1406هـ .وقد تضمنت هذه المقالات أقرب الروايات المتعلقة بحادث مقتل الشهيد السيد فايز إلى العقل والمنطق.. حيث تقوم شواهد عدة تبرر إمكانية قبولها، ولكن هذه الشواهد لا تكفي لاعتبارها حقيقة يسجلها التاريخ على حكومة جمال عبد الناصر قبل أن يتعمق الباحثون في تحقيقها وتقديم الوثائق الدالة على صحتها.

قال الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر في ههذ المقالة ما نصه:

" وبينما كان المكتب الجديد يعمل على تقريب وجهات النظر بين الإخوان وقيادة الحركة إذ شغل بوقوع حادث مقتل سيد فايز، وقد تضاربت الأقوال حول هذا الحادث المؤسف وأذكر أن عبد الرحمن السندي ذكر لي أن حادث مقتل السيد فايز قام بتنفيذه الضابط أنور السادات بغية إشعال الفتنة في صفوف الإخوان.. قتلت له وما دليلك على ذلك؟

قال: إن شئت أقرأ أوصاف القاتل الذي أحضر طرد الحلوى وما يحتويه من متفجرات إلى منزل الشهيد سيد فايز كما وصفته شقيقته فهي تنطبق تماما على أوصاف أنور السادات، وأقسم على صدق قوله، وكتمت الخبر في نفسي حتى أتحقق من مطابقة الأوصاف التي ذكرها لملامح وجه الضابط أنور السادات، وأتحقق بذلك من صدق هذه الرواية التي يتحمل أمانتها السندي. ثم قال:

ودعا عبد الحكيم عامر قائد القوات المسلحة وعضو مجلس قيادة الحركة المرشد ومعه أعضاء مكتب الإرشاد الجديد لتناول الشاي في حديقة منزله بثكنات العباسية، وفي الموعد المحدد للدعوة حضر أغلبية أعضاء المكتب، فيما عدا الشيخ أحمد شريت، إذ اعتذر لوجوده في أسيوط والدكتور كمال خليفة لاجتماعه مع خبير أجنبي، وقد لاحظت أن أعضاء مجلس قيادة الحركة كانوا جميعا موجودين ما عدا اللواء محمد نجيب وأنور السادات، وكان الأخير موضع اهتمامي لرؤيته وبسؤالي عنه رد عبد الناصر أنه مشغول في جريدة الجمهورية، وكان الدافع لسؤالي هو التحقق من الملامح والأوصاف التي ذكرتها شقيقة الشهيد سيد فايز، كما أخبرني عبد الرحمن السندي والتي قيل أنها تنطبق على ملامحه" انتهى.

تصحيح قصة رواها الأخ صلاح شادي في كتابه صفحات من التاريخ بشأن أول تحقيق أجراه الإخوان المفصولون في مقتل الشهيد السيد فايز:

لقد فسرت لي هذه الواقعة التي يقصها علينا فضيلة الأستاذ محمد حامد أبو النصر نقلا عن عبد الرحمن السندي موقفا لعبد الرحمن السندي معنا ونحن جاهدون للتحقيق في مقتل الأخ السيد فايز، وقد أشار الأخ صلاح شادي إلى هذه الواقعة في كتابه:" صفحات من التاريخ" ص 100 فقال ما نصه:

" وقد روى لي الأخ على صديق أن الأخ محمود الصباغ حاول أن يعرف سر حادث مقتل سيد فايز، فذهب مع الشيخ الغزالي والشيخ سيد سابق إلى عبد الرحمن السندي بعد الحادث بفترة ليست طويلة ليسألوه عن حقيقة الحادث، وأفهموه أنهم لا ينتظرون منه جوابا بالنفي أو الإثبات، وأن ما يقدمه من شروح دون ذلك يعني عندهم ارتكابه للحادث "انتهى".

والحقيقة أن هذه الواقعة التي يقول الأخ صلاح شادي إن على صديق نقلها إليه عني هي واقعة أكثر إثارة، ولكن لم يفسرها لي إلا رواية الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين والتي نشرتها "المسلمون" في سلسلة مقالاته المشار إليه عاليه. ولابد لي أن أبادر فأقول إن ما يزعمه الأخ صلاح وهو يسرد هذه الواقعة من أننا خرجنا باقتناع واضح أن عبد الرحمن السندي هو الذي دبر الحادث هو زعم باطل وغير صحيح، وأن تسلسل هذه الواقعة جاء على النحو التالي:

رواية أحمد عادل كمال بشأن مقتل سيد فايز وتحقيقها

فاجأني الأخ أحمد عادل كمال الذي ظل يجد السعي معنا ليصحح مفاهيم الإخوان الشرعية عن فتنة مقتل الشهيد السيد فايز لعدة شهور متصلة وهو ثابت على نفي هذه الشائعة التي تدور بينهم وتقول إنه هو الذي قتل سيد فايز بتحريض من عبد الرحمن السندي دون أدنى سند أو دليل مما أدى إلى فتنة حقيقية في صفوف الإخوان المسلمين.. ونحن نؤيده في هذا النفي لانعدام أي بينة، فاجأني في ظروف عسيرة كان الإخوان فيها في أوج خلافاتهم مع الحكومة، وبدأت مظاهر قرب الصدام بين الفريقين واضحة للعيان.. فاجأني ذات يوم برواية هي أقرب إلى الخيال منها إلى الحقيقة.. حيث لم يكن من المعقول أن يصدر عن عادل الذي اتهم في مقتل الشهيد سيد فايز وتوليت النيابة التحقيق معه ثم برأته، ولم يصدر منه أثناء التحقيق ما يفيد أن لديه أي معلومات عن مقتل الشهيد السيد فايز، لم يكن من المعقول أن يصدر عن عادل بالذات ما فاجأني به يوما ونحن في مقر الشركة التي أسستها مع الإخوة مصطفى مشهور وأحمد قدري الحارث بالعمارة رقم 2 شارع شريف باشا بالقاهرة وتدعى "الشركة الشرقية للتجارة والهندسة -إيتكو" لم يكن من المعقول أن يأتيني عادل كمال يوما ويقول لي: إنني أؤكد لك أن عبد الرحمن ا لسندي هو قاتل السيد فايز، وأن السيد سابق هو الذي أفتى بشرعية هذا القتل، فأخذت بما قال لأننا قضينا جميعا عدة شهور ومعنا عادل نوجه الاتهام إلى الجماعة لما تثيره من إشاعة من غير دليل ولا بينة، توقع صاحبها في معصية، ثم هاأنذا أسمع من عادل هذا الأخ المجاهد الحديدي الإرادة اتهاما محددا لعبد الرحمن السندي والسيد سابق بقتل السيد فايز، فلعنت عبد الرحمن على الفور وقلت أو لم يتعظ هذا المجرم بحادث الخازندار؟ ثم هدأت فقلت لعادل علي بدليلك يا عادل. قال أنا أعرف الأخوين الذين كلفهما عبد الرحمن بإرسال الطرد الملغوم إلى منزل السيد فايز فقلت له علي باسميهما فورا.. قال أنا لا أستطيع أن أقول لك أسميهما.. قلت: وهل تظن أنني يمكن أن أقبل منك كلامك دون بينة في مثل هذا الأمر الخطير؟ إن لم تخبرني باسمهما فإنني أعتبرك مروجا لإشاعة.. قال لي: اسأل أحمد زكي حسن.. فسألت أحمد زكي حسن فأيد عادل. فطلبت البينة فلم يقدم أحد منهما أي بينة، ظانا أنني يمكن أن آخذ في مثل هذا الأمر الخطير كلاما من إنسي مهما كانت صلته بي دون بينة، وأنا الذي قضيت شهورا أخاصم جميع الإخوان المسلمين رغم قوة ما تربطني بهم من علاقة بسبب وقوعهم في نفس المعصية؟

ولم يكن أمامي وقد حجب عني كل من أحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن أي دليل يمكن أن يدعم قولهما الجديد في مقتل السيد فايز، خاصة وقد قضينا معا عدة شهور نبين للإخوان هذه المعصية علهم يرجعون عنها، كما ثار عدد من الإخوان ذاتيا على المرشد العام بسبب هذه المعصية، وطالبوه بضرورة إعلان أسباب قرار الفصل أو الاستقالة، ثم يأتي عادل بكل بساطة عندما ساءت العلاقة بين الحكومة وبين الإخوان إلى حد ظهور شرر الصدام المسلح المرتقب فينضم إلى المروجين، ولكن بمظهر وكأنه حق اليقين، لم يكن أمامي إلا مواجهة من وجه إليهم عادل وأحمد زكي حسن هذا الاتهام خاصة وهما يعملان معنا يد بيد ومعهما الإخوة محمد الغزالي وأحمد نس الحجاجي.

مواجهة عبد الرحمن السندي فيما رواه عادل كمال وسؤال السيد سابق عنه

بدأت بسؤال فضيلة الشيخ السيد سابق إذا كان قد أفتى بشرعية قتل السيد فايز قال حاشا الله أن أفتي بمثل ذلك، وأكد لي أن اسم السيد فايز لم ينطق به أمامه في مثل هذه الفتوي، وقال إن الفتوى التي أفتى بها هي إباحة قتل المحارب للإسلام والمسلمين، فذلك فرض على المسلمين أن يقتلوا محاربهم.. أما قتل السيد فايز شخصيا فإنه لم يكن أبدا موضوعا لحديث معي ولم أفت أبدا فيه بأي قول.. وهنا ظهرت أول علامة على بطلان كلام الأخوين أحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن، فقفلت لفضيلة الشيخ سيد سابق ما قاله أحمد عادل كمال وأيده أحمد زكي حسن فصمم على نفي صدور أي فتوى منه في هذا الموضوع، واتفقنا على أن نلتقي جميعا مع عبد الرحمن للتحقيق في هذه الرواية.

اجتمعنا مع عبد الرحمن بمنزله أنا، والشيخ سابق، والشيخ محمد الغزالي، وأحمد أنس الحجاجي، وأحمد عادل كمال، وأحمد زكي حسن، ثم وجهت إلى عبد الرحمن التهمة التي يقولها الأخ أحمد عادل كمال ويؤيدها الأخ أحمد زكي حسن، وإذا به يقول لنا: أنا لا يمكن أن أتحدث في هذا الموضوع إلا في حضور الأخ صالح عشماوي، وكان صالح عشماوي بالحجاز فاستحثثت عبد الرحمن أن يذكر لنا حقيقة ما يقوله عادل كمال فالموضوع موضوعنا جميعا وليس موضوع صالح عشماوي، ونحن الذين نحمل على الجماعة لعصيانها الله فيه، والأجدر بنا أن نكون أول من يراقب الله في هذا الأمر فنعلن الحقيقة مهما كان خطرها، ونزهق الباطل مهما كان شأنه.. ولكن عبد الرحمن صمم على موقفه أن لا يتكلم إلا في حضور صالح عشماوي، فخرجنا غاضبين لكرامتنا التي لم يرعها عبد الرحمن، فهو يعلقنا جميعا على حضور رجل غائب لا يعلم إلا الله متى يعود.

السيد سابق يتعجل إدانة عبد الرحمن ومحمد الغزالي يعترض على رأيه:

ولما هبطنا إلى الشارع قال لي الشيخ السيد سابق كان يجب عليك أن تقول بإدانة عبد الرحمن حيث امتنع عن الرد مثبتا أو نافيا.. قلت: لا يا شيخ .. سيد.. لا يمكن أن يؤدي الامتناع عن الكلام إلى إدانة فلا إدانة بلا دليل، وقد وافق فضيلة الشيخ محمد الغزالي على ما قلت: وقال: إن الصباغ محق وهو لم يكن يستطيع أن يزيد شيئا على ما قال لعبد الرحمن وانصرفنا وليس في يقينا شيء قبل عبد الرحمن، ولكن في نفوسنا غضب من عبد الرحمن لأنه لم يرع حقنا في الرد على سؤالنا.

توقف تحقيقي في هذا الحادث إلى أجل غير مسمى:

ثم عمت الاعتقالات وشملت كلا من عادل وأحمد زكي حسن ولم يكن في الإمكان مواصلة تحقيق هذا الأمر إلا بعد خروج الإخوان من المعتقلات والسجون.

لم نكن نستطيع أن نتقدم إلى النيابة العامة ببلاغ استنادا إلى كلام عادل، حيث أننا لا نملك أي دليل على صحة هذا الكلام لنقدمه إلى النيابة، كما أننا قدرنا أن مقل هذا البلاغ في هذا الوقت من شأنه أن يستغل ضد الإخوان على أنهم يقتل بعضهم بعضا، وإن انتهى التحقيق إلى غير نتيجة لانعدام أي دليل.

العودة إلى محاولة معرفة من قتل سيد فايز:

وعندما خرج الإخوان من السجون قصصت على أخي مصطفى مشهور قصة رواية أحمد عادل كمال الأخيرة بشأن مقتل السيد فايز، ولتعجب يا أخي أن ذلك قد تم بعد مرور خمسة عشر عاما قضاها الإخوان في السجون منذ أن قال عادل روايته، ورغم ذلك فإن الموضوع لم ينس، وكانت متابعته فرضا علي بيني وبين ربي، فالسيد فايز أخي ولابد أن أطالب بدمه قصاصا مهما كان القاتل.ز فاتفقنا أنا والأخ مصطفى مشهور على لقاء بمنزله يحضره الإخوة صالح عشماوي، وأحمد حسنين ، وأحمد زكي حسن، وأحمد عادل كمال لمعرفة الحقيقة في هذا الموضوع، واجتمعنا في الموعد المحدد ولكن أحمد زكي حسن لم يحضر الاجتماع.

وكررت على المجتمعين ما حدث من أحمد عادل كمال، وأحمد زكي حسن، وعبد الرحمن السندي، في مراحل تحقيقنا لكلام كل من أحمد عادل، وأحمد زكي حسن قبيل اعتقالات 1954 ثم طلبت من الأخ صالح عشماوي أن يذكر لنا معلوماته عن هذا الموضوع الذي رفض عبد الرحمن السندي الكلام فيه إلا في حضوره.. ولكن صالح عشماوي قال إنه ليس لديه أي معلومات في هذا الموضوع على الإطلاق، وأنه يعجب كيف يرجئ عبد الرحمن السندي أقواله في هذا الموضوع لحين حضوري؟ ولم يكن بوسعنا توجيه هذا السؤال إلى عبد الرحمن السندي حيث كان قد لقي ربه خلال هذه الفترة وأصبح في دار الحق بينما لا نزال نجن جميعا في دار الباطل؟

ومن ثم فقد توقف تحقيقنا في معرفة القاتل الحقيقي للأخ سيد فايز باستنفاد كل المراحل الممكنة للتحقيق خاصة إزاء امتناع أحمد عادل كمال عن تقديم أي دليل يؤيد اتهامه الذي عاد بنفسه بعد أن قرأ مسودة هذا الكتاب فقرر أن كلامه كان نقلا عن آخر ولم يكن عن مشاركة شخصية أو علم يقيني فانهارت بذلك أدلة هذا الاتهام حيث صمم عادل على عدم ذكر اسم الآخر الذي نقل عنه روايته.

الشواهد التي تدل على احتمال صدق رواية الأخ محمد حامد أبو النصر

أولا: استوقف نظري وأنا أقرأ كتاب الأخ صلاح شادي " صفحات من التاريخحصاد العمر ص 95" ولا يزال موضوع مقتل الأخ الشهيد المهندس السيد فايز في ذهني ملاحظتان:

(1) أن الأخ صلاح شادي يبدي إعجابه الشديد بنوعية سيد فايز من بين الرجال، ويشيد بحرصه على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد فيقول بالنص:" ورأيت في سيد فايز صنفا من الرجال يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد، وفي نفس الوقت كان يفكر في الأحداث بعقل مستنير يستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة".
(2) أن الأخ صلاح شادي يقول:" إن الأخ سيد فايز أصبح مسئولا عن إدارة النظام تحت إشراف من يوافقه في الفكر والرغبة في الإصلاح وأنه بحث معه الصعاب التي يواجهها في نقل الاختصاصات إليه حتى انتهى الأمر إلى الفشل، وكان تخطيطه لهذا الإصلاح يوغر صدر السندي عليه" وهو ما يؤكد أن المشرف على الأخ سيد فايز وهو مسئول عن إدارة النظام لم يكن عبد الرحمن السندي بأي حال من الأحوال..

وهاتان الملاحظتان تدلان على أنه في وقت ما قد حصل تعاون وثيق بين الأخوين السيد فايز وصلاح شادي والمرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي، وقد كان شكل هذا التعاون هو تكليف سيد فايز ليكون مسئولا عن إدارة النظام تحت إشراف الأخ صلاح شادي الذي يوافقه في الفكر والرغبة في الإصلاح والذي يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد والذي يفكر في الأحداث بعقل مستنير يستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة.

ولكن الغريب هو أن يصور لنا الأخ صلاح شادي حدوث هذا التعاون في حياة الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا بينما كل لوقائع تقول إن هذا الكلام لا يمكن أن يكون قد حدث إلا في عهد الإمام حسن الهضيبي وذلك للأسباب الآتية:

1- أن الأخ صلاح شادي لم يكن له علاقة بالنظام الخاص في حياة الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا، بل إن كل علاقة له بالنظام الخاص كانت قد استبعدت في حضوره وبأمر الإمام الشهيد، حين اصطحبه الإمام إلى اجتماع قيادة النظام لعرض فكرة ضمه إليه، وقد تم رفض هذه الفكرة نهائيا. ومن ثم فلا يمكن أن يدور بحث بين الأخ صلاح شادي وسيد فايز عن نقل الاختصاصات إليه في عهد الإمام الشهيد، كما يدعي الأخ صلاح شادي.

2- أن نقل الاختصاصات في عهد الإمام الشهيد إلى الأخ سيد فايز، قد جاء روتينيا باعتقال كل من يعلونه في قيادة النظام، وأنه تم دون أي صعوبة بدليل أن السيد فايز قام بأكبر عمليتين في تاريخ النظام الخاص وهما عملية قتل النقراشي وعملية محاولة حرق أوراق السيارة الجيب. وقد دلت دقة التخطيط والتنفيذ لهاتين العمليتين على شدة التماسك بين صفوف النظام الخاص في هذه المرحلة، كما دل استمرار مقاومة حكومة إبراهيم عبد الهادي حتى سقطت لي استمرار هذا التماسك إلى ما بعد استشهاد الإمام الشهيد.

3- أن الأخ صلاح شادي يناقض نفسه فينسب إلى سيد فايز أنه لم يكن لديه أي حرص على الالتزام بأوامر الإمام الشهيد في حياته حيث يقول في نفس الصفحة "95" ما نصه: " وصل إلى علم لمرشد عزم لسندي على القيام بحادث إحراق المستندات التي كانت في دولاب محكمة الاستئناف بميدان باب الخلق فكلفني بإبلاغ سيد فايز برفض هذه العملية والتأكيد على ذلك" إلى أن قال:" وأكدت .. على سيد فايز هذا المفهوم الذي أبلغني بدوره أنه أكده على إخوان النظام".

ونحن نعلم أن الحادث قد وقع رغم تأكيد الأخ صلاح شادي على الأخ سيد فايز حسب ما يدعي الأخ صلاح بأن الإمام الشهيد لا يوافق على هذه العملية، فكيف يوصف سيد فايز على أنه صنف من الرجال الذين يحدوهم الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به الإمام الشهيد، وهذا هو شأنه، في مخالفة صريحة لأوامر الإمام الشهيد، إلا أن يكون الأمر قد اختلط على الأخ صلاح شادي وهو يكتب كتابه هذا، فخلط بين وصف سيد فايز في أيام الإمام الشهيد ووصفه في أيام الأستاذ حسن الهضيبي؟ ولا عبرة لمحاولة الأخ صلاح شادي بإسناد عملية محاولة حرق أوراق المستندات إلى عبد الرحمن السندي من خلف ظهر السيد فايز حيث كان عبد الرحمن السندي في هذا الوقت سجينا على ذمة قضية السيارة الجيب، ولا صلة له إطلاقا بقوات النظام الخاص التي تقاوم الحكومة خارج السجن حتى يصدر إليهم أمر حرق هذه المستندات.

والحقيقة أنه لو صح هذا الاستنتاج الذي يمكن أن نفهمه ضمنا من كلام الأخ صلاح شادي رغم محاولته إخفاءه وهو أن الأستاذ الهضيبي كان قد كلف السيد فايز بنقل اختصاصات النظام الخاص إليه على أن يكون العمل تحت إشراف الأخ صلاح شادي ومن وراء ظهر عبد الرحمن السندي القائد الفعلي للنظام الخاص، وأن اختيار السيد فايز لهذا الغرض جاء على أساس أن صلاح وجد فيه نوعا من الرجال الذين يحدوهم الحرص على الالتزام بأوامر المرشد ، لتغيرت الصورة تماما ولظهرت مصلحة حكومة جمال عبد الناصر في قتل السيد فايز ولوجدنا دليلا قويا يؤيد رواية الأخ عبد الرحمن السندي المنقولة إلينا عن طريق الأخ محمد حامد أبو النصر، وهي أن أنور السادات هو الذي سلم الصندوق الملغوم إلى شقيقة السيد فايز، وأن اتهام عادل كمال في أول الأمر جاء لأن الأوصاف التي ذكرتها الفتاة كانت مطابقة لأوصاف عادل كمال ، لما بين عادل وأنور السادات من شبه كبير في الحلقة.

لو صح هذا الاستنتاج لكان معناه أن السيد فايز عمل نظاما خاصا في الجماعة غير النظام الخاص الأصلي الذي كان يتولى قيادته عبد الرحمن السندي وإخوانه ثم خلفهم في هذه القيادة الشهيد يوسف طلعت وإخوانه ذلك لأن الأخ سيد فايز كان يشارك كلا من الأخ صلاح شادي، والأستاذ الهضيبي في التفكير في الأحداث بعقل مستنير يستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة، يخدمها بجهده وعزمه ولا يستخدمها لهواه (وذلك وفقا للنص الذي كره الأخ صلاح شادي في ص 95) وأن الأستاذ الهضيبي اعتمد النظامين وأبلغ بذلك الدكتور حسين كمال الدين على أساس استمرار خلخلة صفوف النظام القديم لعدم الاطمئنان إلى قيادته وتقوية صفوف النظام الذي يرأسه السيد فايز، والذي لم يظهر إطلاقا على مسرح الأحداث في حياة الأستاذ حسن الهضيبي إمعانا في السرية ، وأن الحكومة قد علمت بهذا النظام الجديد الذي يرأسه السيد فايز وخافت من وجوده على حياة جمال عبد الناصر ، خاصة أنها تعلم أن سيد فايز قد سبق له نجاح منقطع النظير في قتل محمود فهمي النقراشي باشا، فخططت لقتل السيد فايز، واستعملت أحد رجالها الثقاة وهو أنور السادات في ذلك حتى لا ينكشف سرها بحال من الأحوال. كما سبق أن انكشف سر إبراهيم عبد الهادي عندما اعتمد على الضبط والمخبرين في قتل الإمام الشهيد الأستاذ حسن البنا.

رأي اجتهادي للملابسات التي يمكن أن تكون قد أحاطت بمقتل الشهيد السيد فايز مستندا على جميع الروايات، ولكنه لا يغني عن الحق شيئا حتى يقوم الدليل القطعي:

والرأي عندي أن عبد الناصر إذ خطط لهذه العملية، إن صح استنتاجي، فإنه يفعلها من أجل أن يطمئن على حياته من خطورة تنظيم السيد فايز، الذي يعمل تحت إشراف صلاح شادي الذي تحول من صديق لجمال إلى عدو يريد أن يقضي على جمال وثورته بأي صورة من الصور، وفي هذه الحالة فإن جمال عبد الناصر ، يستهدف في نفس الوقت استخدام هذا الحادث لإحداث زلزال في صفوف الجماعة ككل. والذي أراه بنور الله إن صح هذا الكلام أن تكون خطة جمال عبد الناصر كالآتي:

1- يطلب جمال من عبد الرحمن السندي فتوى من الشيخ السيد سابق بجواز اغتيال من يحارب المسلمين ويتلقى هذه الفتوى ما دامت مشروطة بأن الخصم يحارب المسلمين وفي هذا تصديق لكلام فضيلة الشيخ السيد سابق عندما سألته عن اتهام عادل له بإصدار فتوى بقتل السيد فايز فقال إنه لم يصدر إلا فتوى بقتل من يحارب المسلمين.

2- يطلب جمال من عبد الرحمن السندي أن يقوم هو ورجاله بهذه العملية بعد أن يأتيه عبد الرحمن السندي بالفتوى فيعتذر عبد الرحمن ولا يفكر في عرض هذا الطلب على قيادة النظام ذلك لأن جمال سبق له أن طلب أن يقوم إخوان النظام بقتل فاروق في أوربا بعد مغادرته البلاد تأمينا للثورة، من أن تحتضن إحدى الدول الكبرى فاروق وتعيده إلى ملك مصر وقد عرض عبد الرحمن هذا الطلب على قيادة النظام وكان من مؤيديه، ولكن قيادة النظام رفضته لمخالفته للشريعة الإسلامية، حيث انتفت صفة فاروق كمحارب للإسلام منذ أن أقال إبراهيم عبد الهادي هدية الملك للشعب، فإذا رغب جمال في اغتياله لأسباب سياسية أخرى فذلك ليس من أهداف النظام الخاص ولا من سياسته. ويتعين رفضه. وقد سبق أن كلفت مجموعة قيادة النظام الأخ عبد الرحمن بالاعتذار لجمال عن عدم اقتناعها بهذا الطلب الذي جاءها في وقت كانت علاقة الإخوان بالحكومة على أحسن ما تكون، وقد لاحظنا أن جمال استخدم في هذا الطلب (طلب قتل فاروق) علاقته الشخصية مع عبد الرحمن، ولم يفكر في استخدام العلاقة الرسمية مع صلاح شادي لتكون هذه الخطة ورقة يلعب بها في إحداث شقاق في صفوف الجماعة إذا قبلت قيادة النظام تنفيذ هذه العملية دون أن تمر على المرشد العام، وقد اعتذر عبد الرحمن فعلا ونفذ جمال هذه العملية دون أن تمر على المرشد العام، وقد اعتذر عبد الرحمن فعلا ونفذ جمال هذه العملية في فاروق بواسطة مخابراته، ولم يكن ليخشى شيئا لأنه استخدم انحلال فاروق في حانات أوربا ليدس عملاءه له السم في الشراب وحسب ما نشر في الصحف العالمية في ذلك الوقت.

3- يكلف جمال رجلا من ثقاته بتنفيذ العملية يكون قريب الشبه جدا من أحد رجال النظام الخاص، فيختار أنور السادات لهذه العملية ويحدد تنفيذها، موعد إعلان قيادة النظام لاستقالتهم، وقد كان لديه الوقت الكافي لمعرفة ذلك حيث أن قرار الاستقالة مبلغ للمرشد العام ومنقول منه من قبل يوم إعلان الاستقالة على الإخوان المسئولين في القاهرة والأقاليم بأسبوعين ولا أعتقد أنه كان من الصعب على مخابرات جمال أن تعرف هذا القرار، عن طريق اندساس عملائها بين كل من المرشد والأخ صلاح شادي والأخ حسين كمال الدين وغيرهم ممن كانوا أصحاب مواقع حساسة في الجماعة تسمح لهم بإظهار سعادتهم باستقالة قادة النظام في أحاديثهم الخاصة قبل نشرها على المسئولين في القاهرة والأقاليم من رجال النظام.

4- يستخدم جمال الحادث في قطع كل صلة بين قادة النظام الخاص وبين الجماعة حتى لا يمثلوا خطورة عليه، بعد أن قطع كل صلة بين السيد فايز وقيادة الجماعة بقتله، ثم يجهز على هذه الجماعة وهو آمن من أي خطر يتهدده من رجالها.

5- يحاول جمال بعد أن يتمكن من جماعة الإخوان المسلمين العامة، أن يتخلص من الكتلة المعارضة لسياستها والتي يظن جهلة الإخوان المسلمين أنها عملية لعبد الناصر لمجرد معارضتها لسياسة الأستاذ الهضيبي، حتى لا يبقى من جسد الإخوان المسلمين كتلة متماسكة، لا مؤيدة للأستاذ الهضيبي ولا معارضة له، فيوحي عن طريق بعض عملائه إلى الأخ أحمد عادل أن الذي أدار عملية قتل السيد فايز هو عبد الرحمن السندي، لينقلب عادل وينقلب باقي أعضاء هذه المجوعة على عبد الرحمن السندي وينفك عقد هذه الكتلة التي بقيت متماسكة تحاول أن توجه الإخوان إلى الوجهة الصحيحة، ويزول بذلك أي أثر للإخوان في مجال الخدمة العامة. ولو راجعنا كتاب الأخ عادل كمال "النظام الخاص النقط فوق الحروف" (ص 28) لتبين لنا أن الإيحاء للأخ عادل كمال بذلك سهل وميسر، حيث يبدو الأخ عادل كمال في مقدمته لكتابه إلى فضل اللواء فؤاد علام مدير مباحث أمن الدولة عليه يرد مذكراته التي سبق لأمن الدولة مصادرتها وشكره الجزيل له على ذلك الفضل الذي لولاه ما استطاع أن ينشر كتابه بعد أن محى الزمن من ذاكرته كل ما لم يسجله على الورق من أحداث.

المرجحات التي تقف إلى جانب هذا الرأي الاجتهادي

ويرجح احتمال تنفيذ عبد الناصر لهذه الخطة المؤشرات الآتية:

1- أن عبد الرحمن السندي لا يمكن أن يكذب على حامد أبو النصر وهما منفردان ، فكلاهما من أصدق رجال الدعوة. ولو كان عبد الرحمن السندي عميلا لعبد الناصر وأراد أن يكذب على حامد أبو النصر، فلابد أن يكون اتجاه كذبه هو إبعاد الشبهة عن عبد الناصر في تدمير مقتل السيد فايز، أما وإن الحقيقة هي أن عبد الرحمن السندي رجل من أصدق رجال الدعوة تربطه بعبد الناصر أخوة جهاد قديمة لم يعكر صفوها أي خطأ من جمال قبل عبد الرحمن ولكن كل الأخطاء التي وقعت في حق التنظيم الذي رأسه عبد الرحمن، وقم من حق عبد الرحمن شخصيا، كانت تقع من الإخوان وليس من عبد الرحمن، ثم من حق عبد الرحمن شخصيا، كانت تقع من الإخوان وليس من جمال، فلابد أن تكون رواية عبد الرحمن السندي إلى حامد أبو النصر التي يقرر فيها بكل تأكيد أن أنور السادات هو قاتل السيد فايز صحيحة ،وهذا يعني طبعا أن العملية جاءت بإيعاز من جمال عبد الناصر.

2- أن حامد أبو النصر لا يمكن أن يكذب على الناس وينسب إلى عبد الرحمن السندي رواية لم يقلها له. في مثل هذا الموضوع البالغ الخطورة والتحديد.

3- أن صلاح شادي يسجل في كتابه ما يؤكد أن السيد فايز رأس تنظيما سريا تحت إشرافه في عهد الأستاذ حسن الهضيبي، وإن كان قد استبدل اسم حسن الهضيبي باسم حسن البنا فإن هذا الاستبدال يجعل كلام الأخ صلاح شادي متعارضا مع كل الحقائق التاريخية ولكن وضع اسم الأستاذ حسن الهضيبي بدلا من اسم الأستاذ حسن البنا في السطور من السطر الثاني ص 95 من كتابه" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" حتى نهاية الفقرة الأولى من نفس الصفحة يجعل كلام الأخ صلاح متفقا تماما مع الحقائق التاريخية لفترة الأستاذ حسن الهضيبي حيث يصبح النص كالآتي:

" ورأيت في سيد فايز صنفا من الرجال يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد وفي نفس الوقت كان يفكر في الأحداث بعقل مستنير يستلهم به الحفاظ على كيان الجماعة يخدمها بجهده وعزمه ولا يستخدمها لهواه، وكان سيد فايز يشارك الأستاذ حسن الهضيبي إدراكه بحل روابط السندي بالقيادة، ويعلم أن حسن الهضيبي كانت تشغله قضية الإصلاح، وأن الظروف ربما أتاحت هذه الفرصة بواسطته حيث إنه أصبح مسئولا عن إدارة النظام تحت إشراف من يوافقه في الفكر والرغبة في الإصلاح ولذلك فقد حدثني عن كيفية ذلك وعن الصعاب التي يواجهها في نقل الاختصاصات إليه حتى انتهى الأمر إلى الفشل وكان تخطيطه لهذا الإصلاح سببا في إيغار صدر السندي عليه" انتهى. إن هذه كلمات الأخ صلاح شادي نصا لم يمسها أي تعديل غير رفع اسم حسن البنا ووضع اسم حسن الهضيبي ، فاستقام الكلام تماما وأصبح متفقا مع كل الحقائق التاريخية حيث:

(أ‌) أن وصف سيد فايز على أنه صنف من الرجال يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد. لا يمكن أن يقع إلا في عهد الأستاذ حسن الهضيبي، أما في عهد الأستاذ حسن البنا فقد كانت الصلة مقطوعة تماما بين السيد فايز والأستاذ حسن البنا طوال المدة التي آلت فيها قيادة النظام بالتسلسل القيادي إلى السيد فايز. ففي هذه الأثناء كان الأستاذ حسن البنا محددة إقامته ولا يمكن للسيد فايز أن يتصل به ويتلقى عنه أوامر كثيرة فيلتزم بها جميعا. فيصبح هذا الوصف جديرا به. أما في أيام الأستاذ حسن الهضيبي، فقد كان الاتصال به سهلا وميسورا ، وكان صلاح شادي هو ثقة الأستاذ حسن الهضيبي فيما يختص بالعمليات العسكرية للإخوان، ولقد سجل لنا الأخ صلاح شادي كيف التقى السيد فايز فكريا مع الأستاذ حسن الهضيبي في شأن أعمال النظام حيث قال لنا نصا في ص 99 من كتابه "صفحات من التاريخحصاد العمر" .

" واستمع المرشد إلى رأي سيد فايز في إصلاح النظام الذي يدعو إلى تخلي كل قادته المعروفين لدى الحكومة عن مراكزهم، إذ لا يتصور أن يتم أي عمل فدائي يكون اسم صاحبه معروفا لدى الشرطة، وإلا فقد النظام السري مضمونه وأصبح علنيا. واقتن المرشد بهذا الرأي وبدأ يحكم خطوه بالإعلان عن عدم وجود هذا النظام داخل الجماعة في نفس الوقت الذي ظل مبقيا على واقع التنظيم بدون تغيير" انتهى.

(ب‌) أن الأخ صلاح يقرر أنه أبلغ سيد فايز أمر الأستاذ حسن البنا بعدم تنفيذ عملية حرق المستندات في قضية السيارة الجيب. وأن السيد فايز أكد له أنه أصدر أوامره المشددة لجميع أفراد النظام بعدم تنفيذ هذه العملية ومع ذلك فقد نفت العملية، فهل يستقيم تاريخيا أن يوصف فايز بوصف من يحدوه الحرص على الالتزام بكل ما يأمر به المرشد وقد خرج على هذه التعليمات عمليا. فأمر بحرق أوراق القضية وباشر التنفيذ. ولا عبرة لمحاولات الأخ صلاح أن يخفي هذه الحقيقة التاريخية بزعم أن عبد الرحمن كان قد أبرم أمره وهو في السجن بضرورة تنفيذ العملية. إذ كيف يمكن لسجين أن يبرم أمرا بعملية يقوم بها رجال يأتمرون بأمر أخ طليق، أعطوه الولاء ونفذوا تحت قيادته أجرأ عملية في تاريخ النظام الخاص وهي قتل محمود فهمي النقراشي باشا (راجع صلاح شادي ص 95).

(ج)أنه لم يكن هناك أي خلل في روابط السندي بالقيادة في عهد الأستاذ حسن البنا على الإطلاق وأن هذا الخلل حدث وتكرر في عهد الأستاذ حسن الهضيبي فقط.

(د)أن السيد فايز عندما آلت إليه قيادة النظام بالتسلسل القيادي لم يكن يعمل تحت إشراف أحد لانقطاع صلته بالأستاذ حسن البنا قهريا حيث كانت إقامة فضيلته محددة بمنزله ولم يكن يستطيع الحركة إلا تحت رقابة بوليسية مشددة بينما سيد فايز منهمك في العمليات العسكرية ضد الحكومة ولا يمكن له أن يظهر على مسرح الأحداث و أن يسمح لأحد من جنوده بالظهور على مسرح الأحداث، ليتلقى تعليمات من المرشد العام، بل كان مضطرا أن يضرب بكل قوة لإسقاط هذه الحكومة التي باعت فلسطين، وأعلنت الحرب على المسلمين دن انتظار أي تدخل من المرشد العام الذي لا شأن له بتفصيلات الخطط العسكرية الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، وكان الأستاذ البنا يعلم تمام العلم أن تكليف الأخ صلاح بأي عمل من أعمال النظام مرفوض تماما من قبل رجال النظام كما سبق أن أوضحنا، ومن ثم فلا يمكن أن يقبل أي منطق بقول الأخ صلاح شادي أن المشد قد كلفه بإبلاغ السيد فايز أي تعليمات، ولا بقوله أن السيد فايز حدثه عن الصعاب التي يواجهها في نقل الاختصاصات إليه، في هذه الظروف ولا يمكن أن يستقيم هذا القول إلا في عهد الأستاذ حسن الهضيبي، حيث التقى الرجلان على الإصلاح، ولكن السيد فايز واجه بعض الصعوبات وتفاهم بشأنها مع صلاح.

4- أن الاتصال بأحمد عادل كمال لإبلاغه أخبارا عن مقتل السيد فايز كان أمرا ميسرا لرجال عبد الناصر، حيث أن لقاءات أحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن بجمال عبد الناصر وبغيره من قادة الثورة كان أمرا طبيعيا سعى إليه جمال عبد الناصر ورجاله أكثر من مرة وكان كل من عادل وأحمد زكي حسن يبلغاني ما يدور في هذه اللقاءات وهو لا يخرج عن تبادل التقدير للماضي الوطني والعمل الوطني الذي يقوم به الطرفان، مع استمساك كل من أحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن بضرورة أن توجه الثورة مسارها إلى الاتجاه الإسلامي لتضمن تحقيق أهداف الأمة. ومن هنا جاز عملا أن يكون رجال عبد الناصر رغبة منه في تحطيم الكتلة المعارضة لسياسة الأستاذ حسن الهضيبي بعد أن حطمت وحدة الجماعة العامة قد استخدموا طبيعة هذه العلاقة في دس معلومات مغرضة إلى هذين الرجلين وأنهم اشترطوا عليهما عدم ذكر أي تفصيلات أو أنهم أخفوا عنهما ذكر التفصيلات عامدين.

5-أن هذا الرأي يفسر لنا تصميم الأخ عبد الرحمن السندي على عدم الإجابة على سؤالنا عما إذا كان قد قتل السيد فايز حسب ادعاء الأخ عادل كمال أم لا ، وإرجاءه الحديث في موضوع حادث قتل السيد فايز إلى ما بعد حضور الأخ صالح عشماوي من الحجاز، فمن الطبيعي أن الأخ عبد الرحمن السندي لا يمكن أن يذكر في اجتماع مع خمسة رجال هذا الذي قاله إلى الأخ محمد حامد أبو النصر على انفراد، وهو يعلم أن أربعة من هؤلاء الرجال يتقابلون مع المسئولين أعضاء مجلس قيادة الثورة، ويتحدثون معهم في شئون الإخوان، ولا يمكن لعبد الرحمن أن يأمن كتمان روايته في هذه الصدور الأربعة، وأن طبيعة عبد الرحمن منعته من أن ينفي هذه التهمة الموجهة إليه من واحد من أحب أحبائه، دون أن يقدم الدليل الذي يضحدها على الفور خاصة أن الذي وجه إليه التهمة كان من بين الحضور، فلجأ عبد الرحمن إلى تأجيل الحديث كله محتجا بغياب صالح عشماوي في الحجاز، على الرغم أن صالح عشماوي لم يكن يعرف شيئا عن هذا الموضوع كما ثبت لنا عند استدعائه للتحقيق فيه في منزل الأخ مصطفى مشهور بعد مرور خمسة عشر عاما على الحادث.

6-أن هذا الرأي يفسر لنا تصميم الأخ أحمد عادل كمال على عدم تقديم أي دليل على أقواله ضد الأخ عبد الرحمن السندي كما يفسر إخفاء الأخ عادل أسماء الأخوين اللذين ادعى أن عبد الرحمن أرسلهما إلى منزل سيد فايز لتوصيل الطرد الملغوم.

وإذا كان عادل يتهم عبد الرحمن صراحة، فإنه يتعين عليه من باب أولى أن يكشف لنا أسماء هذين الأخوين حتى نصدق اتهامه. أما وإنه لم يفعل وصمم على الامتناع حتى بعد مرور خمسة عشر عاما على الحادث عندما جمعناه بصالح عشماوي في منزل مصطفى مشهور لتحقيق هذه الواقعة، فإنه لا يبقى إلا أن نقول إن كل المقصود من كلام أحمد عادل كمال وتأييد الأخ أحمد زكي حسن له في ذلك الوقت كان مجرد إحداث فتنة في الكتلة المعارضة لسياسة الأستاذ حسن الهضيبي، حتى لا يبقى أي شكل من أشكال التآخي بين أفراد الإخوان المسلمين سواء المؤيدون أو المعارضون لسياسة الأستاذ الهضيبي، وأن كلا من أحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن استخدما في إثارة هذه الفتنة، عن طريق الإيحاء لهما من قبل سلطات الثورة بأن عبد الرحمن هو القاتل، وهذا وحده هو الذي يعطينا التفسير لامتناعهما وهما الإخوان الصادقان- عن تقديم دليل اتهامهما لعبد الرحمن، فهو طلب لا يمكن لهما أن يجيباه لعجزهما عن إثباته.

هذه كلها شواهد، تغلب عندي صدق رواية الأخ محمد حامد أبو النصر، وتجعلها متناسقة مع الحقائق التاريخية في هذه الظروف، وتبطل رواية أحمد عادل كمال التي أيدها أحمد زكي حسن أولا ثم نفاها كلاهما أخيرا، كما تبطل الإشاعة التي انتشرت بين الإخوان عن مقتل السيد فايز لافتقار كل هذه الإشاعات إلى أي دليل أو قرينة أو ملابسة من الملابسات والله أعلم.

الأخ عادل كمال يحاول أن يتنصل عن روايته بعد أن قرأ مسودة هذا الكتاب :

بعد أن قرأ الأخ أحمد عادل كمال مسودة هذا الكتاب أعادها لي وبها ورقة بخط يده مكتوبة على ورقة من مطبوعات البنك الذي كان يعمل فيه. وقد سجل فيها أفكاره التي تساعده على التنصل من روايته على النحو الآتي:

الفقرة الأولى:

يقول فيها الأخ عادل:" هذا الحوار مع محمود لم يحدث غير هذه الأيام بعد عام 1979 ولم أحادثه حينذاك عام 1954 أبدا".

وردي على هذه الفقرة هو أن الواقعة ثابتة عام 1954 أمام الأخوة أحمد زكي حسن ومحمد الغزالي وسيد سابق وجميعهم أحياء بحمد الله إلى اليوم وكان من حضورها الأخوة عبد الرحمن السندي وأحمد أنس الحجاجي وقد ماتا قبل سنة 1979 وهي مسجلة في كتاب الأخ صلاح شادي " حصاد العمر" نقلا عن الأخ على صديق في سنة 1954 ولما كان هذا النقل غير دقيق فقد سجلت الشكل الدقيق لهذه الواقعة في هذا الجزء من الكتاب، وقد أيد صحة هذه الواقعة، الأخ أحمد زكي حسن عندما قرأ مسودة هذا الكتاب ولكنه قال بعد أن قرأها إن مصدر معلوماته بها كان أحمد عادل كمال وليس أحدا غيره.

وقد أعدنا التحقيق في هذه الواقعة في سنة 1979 بعد أن خرج الإخوان من المعتقلات وذلك بحضور الأخوة أحمد عادل كمال وصالح عشماوي ومصطفى مشهور وأحمد حسين ولم ينكر الأخ أحمد عادل كمال في هذا التحقيق وقوعها سنة 1954 أمام كل هؤلاء الشهود، بل إنه أيدها ولذلك سألنا الأخ صالح عشماوي يرحمه الله عن المعلومات التي لديه والتي أجل عبد الرحمن بسببها الكلام في الحادث لحين حضوره فأكد أنه ليس لديه أي معلومات وبذلك لم يبق أي سبيل لمزيد من التحقيق. ولكن يبدو أن التعذيب الشديد الذي وقع على الأخ أحمد عادل كمال سنة 1965 أنساه وقائع سنة 1954.

الفقرة الثانية:

يقول الأخ أحمد عادل كمال فيها: مضمون الحوار اشتمل على أخطاء فلم أقل أني أعرف اثنين ولم أؤكد شيئا وإنما قلت إن واحدا ذكر كذا وكذا".

وإني أشكر الله أن أحياني لأرى الأخ عادل كمال يسجل بخط يده ما يؤيد صدق استنتاجي لما دار سنة 1954 مخالفا لروايته في ذلك الحين وهي أنه أوحى إليه ليقول أقوالا في وسطنا عن مقتل الشهيد فايز تثير بلبلة في صفوفنا دون أن يقصد ولدا فإني أصدقه فيما سجل الآن خلافا لما ذكره سنة 1954 ، ولو كان الأمر سنة 1954، كما يقول الآن لما كان هناك أي موجب للتحقيق ومواجهة كل من عبد الرحمن السندي وصالح عشماوي وسيد سابق.

الفقرة الثالثة:

يقول فيها الأخ أحمد عادل كمال:" كان طرح الموضوع على مجموعة معلقة بحكم الأمانة ولم يكن حوارا للنشر".

والحقيقة أن هذا الموضوع ذكر لي وحدي من الأخ أحمد عادل كمال سنة 1954 فصممت على تحقيقه بمطالبة الأخ أحمد عادل كمال بالبينة فلما رفض صممت على التحقيق في حضوره مع من نسب إليهم الاشتراك في الحادث، فلما لم يمكن الوصول إلى نتيجة وقتها وانسدت السبل باعتقال الإخوان أعدنا التحقيق سنة 1979، وبذلك يكون قول الأخ عادل أن طرح الموضوع كان على مجموعة معلقة فيه نظر فقد كان طرحه على هيئة لجنة تحقيق تطالب بدم أحد المسلمين ومن ثم فهو قضية عامة، يجب على شرعا طرحها لاستجلاء الحقيقة خاصة وأنه سبق نشرها محرفة في كتاب الأخ صلاح شادي، كما سبق نشر أباطيل كثيرة عن هذه القضية يلزم تصحيحها.

الفقرة الرابعة:

يقول الأخ عادل كمال فيها: " الزج باسم الشيخ سيد وفتاويه". والشهور قائمون أحياء ومنهم الشيخ سيد أطال الله عمره فالأمر ليس زجا مني ولكنه كان بلاغا من عادل حققناه في حضوره وحضور كل الأخوة الذين ذكرناهم أعلاه ومنهم فضيلة الشيخ سيد سابق.

الفقرة الخامسة:

يقول الأخ عادل فيها: " لم يحدث الاجتماع الذي يذكره إلا أن كان يقصد اجتماعا أكبر".

وشهور الاجتماع الذي ذكرته أحياء والحمد لله ويبقى على الأخ عادل أن يبين لنا الاجتماع الذي يقصده، فأنا لم أحضر اجتماعات أكبر بل قمت بواجبي في تحقيق ما وصل إلى علمي على النحو الموضح أعلاه مع من شملهم بلاغ الأخ عادل.

الفقرة السادسة:

يقول فيها الأخ عادل: " الأستاذ محمود لا يراعي أمانة الكلمة والعهد".

فهل من أمانة الكلمة وأمانة العهد السكوت على اتهام بقتل مسلم دون تحقيقه ونشر نتيجة التحقيق على الناس لتصحيح ما نشر عليهم من أخطاء دون سند أو دليل؟.

الفقرة الختامية:

يقول فيها الأخ عادل:" مع تقديري للبواعث فإن هذا الكتاب كتاب في الفتنة" وهذا صحيح وإن للفتن في الإسلام تاريخا طويلا، وهذا الكتاب تأريخ لأحداثها. وتصحيح لما نشر حولها من أخطاء.

ويقول عن الكتاب:" الأسلوب ثقيل" وأقول هذا جهدي وحسبي أنني اجتهدت، فالموضوع بالغ الثقل.

ويقول عن الكتاب أيضا:" التكرار الممل المعاد" وهذا هو طبيعة موضوع الكتاب فهو ليس قصة أدبية ولكنه تحقيق في أخطر أحداث العصر الحديث لابد فيه من ربط الأحداث ومراجعتها والتذكير بها فلا تضيع من القارئ وحسبي أنني اجتهدت.

ويقول عن الكتاب أن "الموضوع غير المقبول" وأقول إن الموضوع ليس من تأليفي ولكنه حقائق تاريخية مؤسفة لا نملك إخفاءها عن الأجيال اللاحقة وهي من قبيل الواقع الأليم.

ويقول:" لا يخرج عن أسلوب ولا إطار حصاد العمر" وأقول لا فإنني لم أكتب إلا فيما أعرف يقينا وأنا الأخ صلاح فقد كتب فيما يعرف وما لا يعرف وهذان أسلوبان جد مختلفان.

ويقول:" الكتاب لا يمثل إلا عقلية كاتبه" هذا صحيح فيما يختص بتحليل الوقائع فأنا لم أستعر عقلا آخر أحلله به أما عن الوقائع ذاتها فهي من حقائق التاريخ التي لابد فيها بل سجلتها كما خلقها الله.

ويكفيني من هذه الورقة التي سجلها الأخ عادل أنها تقطع بوقوع واقعة روايته في مقتل الشهيد سيد فايز وإن حاول أن يتنصل من هذه الرواية فذلك شأنه والحكم للقارئ الذي يزن بعقله ما يقرأ.

رأي فتى يضاف إلى رواية الأخ محمد حامد أبو النصر وهي أقرب الروايات إلى الصحة

لابد لي أن أسجل اقتناعي بأن رواية الأخ محمد حامد أبو النصر هي أقرب الروايات إلى الصحة لأنها تستند إلى:

1- شهادة مؤيدة بالقسم المغلظ من الأخ عبد الرحمن السندي حين انفرد بالأخ حامد أبو النصر ولم يمكنه أن يدلي بها أمام المجموعة التي سألته من قبل لأنه لم يكن يستطيع تحت الظروف القاسية التي كانت تمر بها الجماعة في ذلك الوقت التصريح بهذه الرواية إليها، خاصة أن عبد الرحمن يتهم فيها جمال عبد الناصر وأنور السادات وهما في أوج سلطتهما. فهل يعقل الإخوان الذين اتهموا عبد الرحمن بالعمالة لعبد الناصر في ذلك الوقت من هذه الواقعة التي يرويها مرشدهم أنهم كانوا ولا يزالون على خطأ جسيم؟

2- وجود مبرر ودافع للجريمة، فعبد الناصر يعلم أن سيد فايز هو الذي قاد النظام الخاص في عهد فاروق فقتل النقراشي وحاول حرق أوراق قضية السيرة الجيب وحاول قتل إبراهيم عبد الهادي ونظم أوكارا مسلحة دوخت حكومة إبراهيم عبد الهادي حتى اضطر الملك إلى إقالتها هدية الملك للشعب، فلما اكتشف عبد الناصر أن الإمام الهضيبي أنشأ نظاما خاصا جديدا يقوده سيد فايز جد عنده الدافع لاغتيال هذا المجاهد البطل. خاصة أنه كان قد فقد اطمئنانه لجماعة الإخوان المسلمين التي وقفت منه موقف المعارضة. وإن لم تكن قد ساءت علاقته بها حتى وقوع الحادث ، ولكن هذه العلاقة كانت تتطور من سيئ إلى أسوأ.

3- أن عبد الناصر قد وجد في التعجيل بتنفيذ هذه الجريمة سبيلا للخلاص من جماعة الإخوان المسلمين ومعارضتها له دفعة واحدة. فهو لا يزال على علاقة طيبة بقيادتها تسمح له بالتخطيط لتنفيذ الجريمة بإحكام ثم إبعاد التهمة نهائيا عنه وإلحاقها مستخدما أبواق قيادات ا لجماعة بعبد الرحمن السندي ومستغلا ظروف استقالة عبد الرحمن وإخوانه الأربعة من قيادة النظام الخاص، وترحيب قيادة هذه الجماعة بكل ما من شأنه أن يلقي ظلالا على عبد الرحمن وإخوانه، لتطمئن قيادة الجماعة على نفسها من خطر موهوم تتوقعه بعد استقالة قيادة النظام الخاص. وكان لا يمكن للخطة أن تكون محكمة ما لم يتوافر عنصر يكون محل ثقة عند كل من جمال عبد الناصر والسيد فايز. فإن إرسال الصندوق الملغوم للسيد فايز لا يكفي وحده لضمان نجاح العملية. حيث يمكن أن يشك سيد فايز في محتويات الصندوق فلا يفتحه وهو رجل النظام الخبير بمثل هذه الخطط. والذي يتعود أن يتلقى هدايا بمناسبة المولد النبوي من أحد. فكيف يمكن الاطمئنان إلى ان السيد سيفتح الصندوق عندما يتسلمه، إلا إذا توافر عنصر يكون محل ثقته يتصل به ويزف إله بشرى الهدية التي ستصله بمناسبة المولد النبوي فيفتحها وهو هادئ البال؟.

4- أنه لا يوجد رجل يصلح للقيام بهذا الدور غير الأخ صلاح شادي فهو لا يزال ضابط الاتصال بين جمال عبد الناصر وقيادة الإخوان المسلمين وهو في نفس الوقت المشرف على الأخ السيد فايز القائد الجديد لنظام خاص أنشأته الجماعة خصيصا للدفاع عنها.

واستنادا على هذه الحقائق الأربعة فإنني أرى حتمية أن يكون جمال عبد الناصر قد استعان بصلاح شادي في تبليغ سيد فايز بما يطمئنه ويشرح صدره لفتح الهدية التي سوف تصلح بمناسبة المولد فيفتحها راضية بها نفسه ويلقى حتفه على الفور فيقع صلاح شادي في ورطة يريد منها مخرجا حيث يتبين له أن جمال عبد الناصر خدعه في مقتل سيد فايز، كما سبق له أن خدعه في الوعد بأن يحكم بالإسلام، وتميد الأرض تحت أقدام صلاح شادي فيبحث عن مخرج له من هذه الجريمة التي اشترك فيها وهو لا يدري أو يدري فالأمر سواء ويجد أنه مضطر إلى ا لتركيز بتوجيه الاتهام إلى عبد الرحمن السندي مستغلا استقالة قيادة النظام من عملها. فيحمل راية الهجوم على هذه القيادة وينسب إليها خروجها على المرشد وهي من ذلك براء (فلم يخرج على المرشد إلا حسين كمال الدين) ، ثم ينسب إليها قتل سيد فايز وهي من ذلك براء فلم يقتل سيد فايز إلا جمال عبد الناصر الذي اتخذ من صلاح مخلب قط وهو يدري أو لا يدري.

ولذلك جاءت روايات صلاح ضد النظام الخاص في كتابه " حصاد العمر" مليئة بالأخطاء التي شرحناها واحدة تلو الأخرى، ولم يكن لمؤرخ أن يقع في كل هذه الأخطاء مجتمعة إلا أن تكون كتابته لها دافع آخر غير تسجيل التاريخ، يبعد عن الكاتب شبح جريمة بشعة انساق إلى الاشتراك في أدائها وهو يدري أو لا يدري، ويريد أن يجمع شبهات كثيرة ضد غيره تؤمنه من أن تشير إليه أصابع الاتهام تحت أي ظرف من الظروف.

ويؤيد هذا الرأي الفني أن مجلس قيادة الثورة كان بكامل هيئته في زيارة للإمام الهضيبي بمنزله ليلة إبلاغ قرار فصل أعضاء من قيادة النظام الخاص من الدعوة ومن ا لجماعة إلى الجرائد اليومية فصدرت في اليوم التالي تحمل نص القرار وتحمل أيضا صور أعضاء مجلس قيادة الثورة وهم بمنزل الإمام الهضيبي في زيارة ودية للغاية.

حادث لأبي المكارم عبد الحي يؤيد هذا الرأي:

حدثني الأخ أبو المكارم عبد الحي رئيس مجموعة ضباط الجيش من إخوان النظام الخاص قبيل تجهيز هذا الكتاب للطبع أنه في اليوم الثاني لمقتل الشهيد السيد فايز ذهب مجهول إلى منزله يحمل صندوق حلاوة المولد هدية إليه في وقت لم يكن فيه بمنزله، ولكن السيدة حرمه التي تربت على يدي والدها المجاهد الحاج أمين الحسيني رفضت قبولها لأنها كانت قد تعلمت عن والدها بعدم قبول أي هدية- في غياب رجل البيت الموجهة إليه الهدية مهما كان مرسلها ، وإذا كان رجل البيت موجودا وجاءت الهدية مع رسول من طرف من أرسل الهدية فإنه لا تقبل أيضا ويتحتم لقوبل الهدية شرطان الأول أن يكون صاحب الهدية هو حاملها والثاني أن يكون رجل البيت موجود ليتسلم هديته، ولا شك عندي أن الأخ سيد فايز يعلم هذه القاعدة ولا يمكن أن يحرقها إلا إذا أوعز بما يطمئنه أنها من صديق وليست من عدو.

وهذا الحادث يدل على أن التدبير لم يكن قاصرا على قتل ا لسيد فايز وحده بوصفه مسئول النظام الخاص الجديد الذي يمثل خطورة على حياة جمال عبد الناصر ولكنه كان ممتدا أيضا إلى أبي المكارم عبد الحي رئيس تنظيم ضباط الإخوان في الجيش الذي يمثل خطورة أكثر على حياة عبد الناصر. وقد سبق أن اشرنا إلى أن عبد الناصر صارح أبا المكارم عبد الحي يوم أن وصلت إلى قيادة الإخوان وثيقة هامة مكتوبة بخط عبد الناصر ومحفوظة في درج مكتبه، صارحه بأن هذا يدل على أن أبا المكارم عبد الحي قادر على تدبير قتله أو دس السم إليه في مكتبه، ومن ذلك التاريخ حد لعبد الناصر المبرر لحماية حياته ممن يعتقد أنهم خطرين على حياته فدبر قتلهما في يومين متتاليين، ولكن الله أنجى أبا المكارم واصطفى السيد فايز بالشهادة.

خاتمة هذه الواقعة المؤسفة:

ليس عندي ما أختم به هذه الواقعة المؤسفة إلا بدعوة الإخوان أن يتفكروا كيف كان التزام الإخوة المفصولين بقواعد الإسلام، في ضرورة مطالبتهم بالدليل على من ادعى مهما كانت الثقة فيه، منجاة لهم من وقوع فتنة في صفوفهم، فهم وإلى اليوم على وشائج المحبة والأخوة في الله، متصلة لم تنقطع كما أدعو الإخوان أن يتفكروا كيف كان عدم التزام جماهيرهم بهذا النص الشرعي مثيرا للفتنة،مربكا للعمل، مضيعا للجهود.

أدعو الله أن لا يتكرر ، وأن لا يكون بعد اليوم شيء من هذا القبيل، في صفوف العاملين لخدمة الإسلام، حتى يكون كل امرئ منهم قرآنا يمشي على الأرض. وصدق الله العظيم القائل:" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (النور: 19).

والقائل:" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا " صدق الله العظيم (الحجرات: 6).

ولعل من أمانة نقل تفاصيل ما أحاط بهذه الواقعة المؤسفة. أنني قابلت فضيلة ا لشيخ سيد سابق بمكة في حج عام 1995 واسترجعت شهادته بشأنها. فأكد للمرة الأخيرة أنه لم يفت بقتل سيد فايز ولكنه أضاف أن من استفتاه ذكر له اسم سيد فايز خلاف لما شهد به أيام الحادث، والأمر متروك للقارئ العزيز لتقييمه.

الفصل الثامن واقعة ذهاب أفراد النظام الخاص إلى منزل الإمام حسن الهضيبي

واقعة ذهاب أفراد النظام الخاص
إلى منزل الإمام حسن الهضيبي
لإرغامه على بيان أسباب قرار الفصل أو الاستقالة

الأخ صلاح شادي هو مصدر الفتنة رغم أنه لا سند له فيما يقول:

يصور لنا الأخ صلاح شادي هذا الحادث على أنه مدبر من عبد الرحمن السندي حيث يقول نصا في الفقرة الأخيرة من صفحة 98 ومن كتابه "صفحات من التاريخ- حصاد العمر" :

" وهكذا واجهت الجماعة أخطر حادثين أصاباها من داخلها منذ نشأتها وكان الأول هو مقتل الشهيد السيد فايز والثاني إرسال عبد الرحمن السندي لجماعة من أفراد النظام الخاص إلى منزل المرشد حسن الهضيبي لإرغامه على الاستقالة في الوقت الذي احتلت فيه جماعة أخرى من إخوان السندي المركز العام للإخوان المسلمين بعد ذلك. مخططة لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكي في وهم أصحابه انقلاب الجيش".

وقد انتهينا من مناقشة الحادث الأول وبينا الحقائق الآتية:

1- أن الجماعة لم تحقق في حادث مقتل السيد فايز وهو قصور .

2- أن الجماعة وقعت في معصية إذاعة كبر إشاعة سوء في صفوفها باتهام إخوانهم بقتل السيد فايز دون دليل أو بينة

3- أن الأخ صلاح شادي انفرد دون جميع الإخوان بتأكيد أن قاتل السيد فايز هو عبد الرحمن السندي وأن كلامه قد تولت كبره شخصيات كبيرة في الإخوان دون تمحيص، وأننا عندما وضعنا هذا الكلام تحت نور العقل اتضح بطلانه جذريا ويكون الأخ صلاح قد باء بوزر ما أقدم عليه، إلا أن يعجل بالتوبة والاستغفار ويعلنها على لناس أو يستغفر له إخوانه وأنا أولهم أدعو الله أن يغفر له.

4- إن التفسير الوحيد القابل للنظر بشأن مقتل السيد فايز هو رواية الأخ محمد حامد أبو النصر نقلا عن عبد الرحمن السندي وهي أن أنور السادات هو القاتل بإيعاز من جمال عبد الناصر. وأن هذا التفسير ينقصه إقامة الأدلة القطعية على صحته قبل التسليم به نهائيا، وأن الأخ صلاح شادي قد غرر به للمساهمة في تبرير هذا الحادث بقصد أو بدون قصد.

5- إن رجالا من الإخوان المسلمين حيكت لهم مثل هذه الفتنة بين صفوفهم فالتزموا بقواعد الإسلام، فنجوا منها، واستمرت أخوتهم في الله أقوى ما تكون إلى اليوم.

أما واقعة ذهاب أفراد النظام الخاص إلى منزل الإمام الهضيبي لإرغامه على بيان أسباب قرار الفصل أو الاستقالة واحتلا بعض هؤلاء الأفراد لدار المركز العام. فإننا نجد هنا أن الأخ صلاح شادي يكرر نفسه فينسب هذا العمل إلى أوامر عبد الرحمن السندي وهو يعي أن ذلك قول لا يقبل به عاقل .

ولا يتفق مع الحقائق التاريخية التي رواها الأخ صلاح شخصيا في كتابه. وذلك على الوجه الآتي:

1- أن إخوان النظام الخاص جميعا كانوا قد أخذوا علما من الجرائد السيارة أن عبد الرحمن السندي قد فصل من الجماعة ومن الدعوة سواء كان هذا العلم قد جاءهم قبل ذلك بصورته الصحيحة وهي أنه استقال من قيادة النظام وأن استقالته قد قبلت وأنه قد تعين قائد جديد للنظام هو الأخ الشهيد يوسف طلعت، وذلك عن طريق تسلسل قياداتهم التي أعلن عليه هذا الخبر يوم حادث مقتل السيد فايز أو عن طريق الجرائد فإن ذلك يعني أن علاقتهم الحركية بعبد الرحمن السندي قد قطعت علنا وشهد عليها كل الناس من قبل وقوع هذه الواقعة. فكيف يتأتى لعبد الرحمن السندي أي سلطان عليهم وهم جميعا يعلمون أنه مفصول ومعزل من الجماعة ومن الدعوة. هل هؤلاء الإخوان عساكر في عزبة عبد الرحمن السندي؟ أم أنهم دعاة إلى الله بايعوا مرشدها على السمع والطاعة في المنشط والمكره؟ إن من يقول أنهم عسكر خصوص لعبد الرحمن السندي يثبت أنه يجهل الإخوان المسلمين جهلا تاما، حتى لكأنه أصبح رجلا لا يعي ما يقول، وأما من يقول أنهم رجال دعوة قدموا أرواحهم ودماءهم في سبيلها، وبايعوا مرشد الجماعة على السمع والطاعة في المنشط والمكره فقوله هو القول الحق الذي أثبتته الحقائق التاريخية العديدة التي امتلأ بها الجزء الأول من هذا الكتاب عن صراع الإخوان المسلح ضد الإنجليز واليهود وأعوانهما. وقد تعلمنا أن الطاعة في المنشط والمكره لا تعني العقل، أو الوقوع في المعاصي إذا أمر بها كائن من كان حتى المرشد العام. تعلمنا ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الذين راجعوه في خططه العسكرية يوم بدر وفي آرائه في تلقيح ثمر النخيل. فاستجاب لهم محقق الله بهذه الاستجابة النصر والخير.

2- يذكر لنا هذا الأخ العزيز صلاح شادي كيف بدأت فكرة ذهاب الإخوان إلى منزل المرشد العام منهم ذاتيا في نفس الكتاب الذي ينسب فيه إلى عبد الرحمن السندي أنه هو الذي أمرهم، فبماذا أصفك يا أخي ويا حبيبي صلاح؟ ألست القائل في ص 103 في كتابك " صفحات من التاريخ حصاد العمر" نقلا على ل سان سيد عيد ما نصه: " وسمعت من أحمد عادل كمال بأن على صديق جاء إليه في منزله واقترح عليه أن يذهب جمع من باب الإخوان إلى منزل المرشد لسؤاله ع أسباب الفصل، فإذا لم يجب إجابة واضحة طالبوه بالاستقالة. وفي نفس الوقت تتواجد في المركز العام مجموعة من المتعاطفين مع القادة المفصولين من أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية منهم صالح عشماوي ومحمد الغزالي وعبد العزيز جلال وسيد سابق.ز لكي يختاروا مرشدا عاما للإخوان بدلا منه وكان التدبير أن يختاروا صالح عشماوي حيث كان قد اتهم قيادة الجماعة في إحدى الخطب بالتخلي عن الجهاد"

إذن كيف يمكنك أن توفق يا أخ صلاح بين اتهامك لعبد الرحمن بإرسال عساكره الخصوصيين إلى دار المرشد العام وإلى المركز العام ، وأنت تروي أن الفكرة جاءت من رأس بطل من أبطال الجهاد ضد الإنجليز وضد اليهود وضد أعوانهما من حكام مصر ، جاء يسعى بها إلى عادل كمال، ولم تنزل إليه من عادل كمال؟ أرجوك أيها الأخ القارئ العزيز أن تحاول معاونة الأخ صلاح في الإجابة على هذا السؤال. وأرجو أن لا يظن القارئ العزيز أنني أتهكم على الأخ صلاح حين أنسب إليه فكرة أن لعبد الرحمن السندي عسكرا خصوصيين في الإخوان، فهو يقول أكثر من ذلك وبصراحة شديدة في ص 104 أن سيد عيد رأى محمد أحمد سكرتير السندي – وعلى صديق وفتحي البوز وعلى المنوفي مع آخرين لا يذكر أسماءهم يتشاورون فيمن يكلم المرشد واختاروا على ا لمنوفي لأنه هادئ الطبع، لقد تصور الأخ صلاح أن عبد الرحمن اتخذ من إحمائه للإخوان سلطة وهيلمانا ونفوذا فصار له سكرتيرون من الإخوان بالنص الصريح الذي يذكره هنا عن الأخ محمد أحمد، ونسي أن هؤلاء جميعا أبطال من خلاصة شباب الدعوة ، من حقهم أن يناقشوا قضاياها وأن يراجعوا مرشدها كما فعل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وأنهم مهذبون فيما أقدموا عليه أو على الأقل يعتزمون أن يكونوا مهذبين بدليل اختيارهم على المنوفي لأنه هادئ الطبع.

3- يعطينا الأخ صلاح شادي من حيث لا يدري المثل على طبيعة الإخوان، وكيف يتصرفون ذاتيا لتنفيذ ما يعتقدون أنه الخير، فنحن نجده يسرد لنا على لسان الأخ سيد عيد في ص 106 من كتابه:" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" أن صلاح العطار مسئول النظام عن شبرا ومن المقربين للسندي قابل سيد عيد في المركز العام فقال له ماذا تعمل في المركز العام؟ رد سيد عيد: أؤدي مهمة قال صلاح العطار فمن كلفك بها؟ قال سيد عيد: الله كلفني بها.

أولا يكفي هذا الرد من سيد عيد ليعلم الأخ صلاح أن للإخوان عقولهم وقلوبهم التي يعملون بها في خدمة الدعوة، فهذا هو شاهدك الذي لم يشاهد الأخ عبد الرحمن السندي، ولو مرة واحدة خلال هذه الواقعة بنص شهادته يعلن أنه يتصرف بوحي من ربه لا بأمر من بشر لخدمة دعوته- ومثل آخر تسرده لن يا أخ صلاح أن صلاح العطار الذي يصفه لك الأخ سيد عيد في ص 106 من كتابك (صفحات من التاريخ- حصاد العمر) بأنه من المقربين للسندي وكان معه في الشقة التي تدار منها الأحداث في باب اللوق قرب مبنى الأهرام، يتصرف ذاتيا ضد عبد الرحمن السندي، وينسى أنه عسكري خصوصي لعبد الرحمن فيتفق مع سيد عيد على التصرف بحكمة لمواجهة الفتنة كما تذكر نصا في ص 107 من كتابك المذكور لا لشيء إلا أنه قابل سيد عيد صدفة في المركز العام.

وكان الأجدر بالأخ صلاح شادي أن يحترم عقول إخوانه فيشهد بالحقيقة وهي أن ما فعله مكتب الإرشاد من إعلان فصل أربعة من قادة النظام الخاص المشهود لهم بالعمل الخالص لله طوال حياة الإمام الشهيد وفترة من حياة الإمام حسن الهضيبي، فصلا غير كريم لأنه فصل من الجماعة، وقد يكون هذا من حقه إداريا، وفصل من الدعوة وهو ما لا يقع من حق بشر، فالقلوب بين أصابع الرحمن هو الذي يقلبها كيف يشاء، فإذا أضيف إلى ذلك أن يلف هذا القرار بإشاعة أن لهم يدا في مقتل السيد فايز، لكان إعلان الفصل إعلانا مثيرا لكل عقل راشد، محركا لكل قلب منير، لأنه إعلان قد خرج على كل قواعد العمل النظامي في صفوف الإخوان، فضلا عن خروجه على روح الإسلام وشريعته، وأنه جدير بأن يثير الثورة في النفوس، إلا أن يجد دليلا أو بينة تبرره.

وأخيرا ألاحظ أن كل ما نشره الأخ صلاح شادي نقلا عن لسان الأخ سيد عيد لم يظهر فيه لعبد الرحمن السندي أي وجود إلا داخل سكنه الخاص، فما هذه الجرأة على الحق التي لا تمت بصلة إلى أقوال المسلمين ولا لإلى أفعالهم. أرجو الله أن يتوب على، وعليك وأن يهدينا جميعا إلى طريقه المستقيم، وأن يغفر للمسلمين كافة ويتوب عليهم إنه هو التواب الرحيم.

لم يبق من مناقشة واقعتي الشهيد سيد فايز والذهاب إلى منزل الإمام الهضيبي لإرغامه على بيان أسباب قرار الفصل أو الاستقالة إلا قول الأخ صلاح شادي في ص 98 من كتاب "حصاد من التاريخ – حصاد العمر" أن جماعة أخرى من جماعة السندي احتلت المركز العام للإخوان المسلمين بعد ذلك . مخططة لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكي في وهم أصحابه انقلاب الجيش.

وكأن عبد الرحمن السندي وصالح عشماوي وإخوانهم لم يقرأوا لائحة الإخوان المسلمين ولم يعرفوا كيف يتم اختيار المرشد، من بين أعضاء الهيئة التأسيسية ليكون مرشدا مدى الحياة.

إذا كا عبد الرحمن السندي وإخوانه وصالح عشماوي لم يلجأوا إلى هذا الإجراء عندما غاب المرشد العام عن الوجود العلني بل لجأوا إلى أخذ قرار من الهيئة التأسيسية بالتمرير بمنح المرشد العام أجازة واختيار لجنة مؤقتة لإدارة الجماعة لحين ظهوره. فهل يقبل عقل أن يلجأوا إلى غير هذا الأسلوب والمرشد العام حي يرزق يقيم في منزله بالروضة؟

اللهم إن مثل هذا القول منكر لا يرضيك فهو سخرية من عقول رجال عاهدوا اله على العمل في سبيلك حتى يلقوك فاغفر للذين آمنوا وقهم عذاب الجحيم.

وقفة لازمة نأخذ فيها العبرة وأدعو فيها إخواني ونفسي للتوبة فإن الله تواب رحيم:

إلى هذه الحد يجدر بي أن أقف وقفة أبين كيف وقع الإخوان المسلمون فيما حذرهم الله منه، وكيف سعيت أن أنبههم وأحذرهم من التمادي في هذه المعصية، بكل ما استطعت من وسائل، ولكن قدر الله وحكمته، أبت إلا أن يكون الدرس من الله، وتكون التربية بفضل منه ورحمة، فيركبون رؤوسهم، ثم يأتيهم الريح العاصف، فيعودون إلى ربهم يدعونه مخلصين له الدين فيتداركهم برحمته، ويخرجهم من المعتقلات والسجون، ويجمع حولهم القلوب التي تنافرت، عسى ألا ينسوا مرة أخرى، إذا ما أقبل عليهم نصر الله، فمكنهم في الأرض، من بعد ما أصابهم الضر، لا ينسوا أن هذه هي رحمة ربهم وهو أرحم الراحمين.

كيف واجهت فتنة الإخوان حين أشاعوا وجود علاقة بين قرار الفصل ومقتل الأخ الشهيد السيد فايز ثم صدقوها:

مقدمة

إذا كان الأخ أحمد عادل كمال قد ذهب إلى المركز العام في يوم نشر قرار فصل الإخوة الأربعة في الجرائد ليسأل الدكتور خميس، وفقا لما نقل إلينا الأخ صلاح شادي على لسان الأخ سيد عيد وسبق لنا ذكره في البند رقم (13) من الوقائع التي ذكرها إليه الأخ سيد عيد، فقد جاء في هذا البند أن سيد عيد رأى عادل كمال في اليوم التالي لنشر قرار الفصل في الجرائد وهو يسأل الدكتور خميس حميدة عن أسباب فصله، وأنه سمع الدكتور خميس يجيبه بأن عليه أن يقدم شكوى لمكتب الإرشاد لينظر في أمرها، فكتب الشكوى، وأن سيد عيد تحدث معه عن الفتنة التي تسببت في فصل عادل وإخوانه وقال له إن موقفهم الآن بالغ الدقة، وأن عليهم تجنيب الجماعة أية منزلقات، فأجابه عادل بأنه لن يقوم بأي عمل يذكي الفتنة، وأنه سيمكث في منزله ولن يكلم أحدا حتى تظهر براءته.

إذا كان عادل قد فعل ذلك، ووعد سيد عيد أنه سيمكث في منزله ولم يكلم أحدا حتى تظهر براءته، فإن هذا القول يعني أن عادل قد سمع باتهام وجه إليه، فآثر أن يجتر آلامه وحيدا في منزله حتى تظهر براءته.

وإني أريد أن يتخيل القارئ حجم الآلام التي يمكن أن يتجرعها رجل وهب حياته للدعوة وابتلي في سبيلها، راضيا مرضيا، م يخرج عن الصف، ولم يدخر جهدا ولا مالا ولا نفسا في سبيل نصر دعوة الحق، ولا يعنيه على هذا الأداء القوي، إلا نعمة الحب في الله التي يتمتع بها المجاهدون في سبيل الله، فتزن هذه النعمة عندهم الأرض وما عليها. هذه حقيقة عاشها الإخوان المسلمون في هذا الزمان وعاشها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر الإسلام الأول وسجلها ربنا في كتابه العزيز ممتنا عل المؤمنين فقال جل وعلا:

" وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم" (الأنفال: 63).

لقد كان حجم آلام عادل حين سمع بهذا الحديث الضال، أنه متهم بقتل أخيه، ممن ؟؟ من إخوانه الذين يمثلون بإخوتهم في الله نعمة من نعم الله على عادل تفوق قدر كل ما في الأرض جميعا. كان حجم هذه الآلام رهيبا على قلب رجل من أرق الناس قلوبا فهو من الفئة الخامسة من أنواع البشر التي قدمنا بها الجزء الأول من هذا الكتاب تحت عنوان حديث القلوب، ولا أزكي على ا لله أحدا.

وأعجب يا أخي وأنا أقول لك إن أعز الإخوان وأحبهم وأصدقهم عندي ولا أزكي على الله أحدا، وهو أخي وحبيبي الأستاذ مصطفى مشهور كان يحدثني عن حالة أحمد عادل كمال وهو معتكف في منزل تهده آلامه بحديث من يتصور بأن عادل يتألم كل هذا الألم ندما على جريمة شنعاء قد يكون هو مرتكبها، وقد علمت فيما بعد أنه كان يعني بهذه الجريمة قتل أخيه السيد فايز ، وكنت أسمع بحديث أخي مصطفى، وأعجب حيث لم يكن عندي أي تفسير لكل هذه المظاهر لتي يتناقلها الإخوان عن آلام أحمد عادل عقب مقتل السيد فايز حتى وجدت التفسير أخيرا، في كتاب الأخ الكريم الأستاذ صلاح شادي" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" وهو أن سيد عيد قد نقل إليه إشاعة ربط الإخوان بين قرار الفصل وقتل السيد فايز، فقرر عادل الاعتكاف في منزله حتى تظهر براءته. تنهش جنبات قلبه آلام مبرحة، لأنه فقد ما يزيد عن ملك ما في الأرض جميعا. فقد إخوة في الله حدد القرآن الكريم حجم الخسارة فيها بقوله تعالى:

" لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم" (الأنفال: 63).

سعادتي بصدور قرار الفصل وانصرافي التام إلى عملي لا يسمع أحد لي صوتا:

أما كاتب هذه السطور فلأن قدره أنه كان في الصف الأول لقيادة النظام، ويعلم كل ما دار حتى اضطرت قيادة النظام إلى تقديم استقالتها استقالة جماعية مسببة، بعد ضياع أكثر من عامين في محاولات تصحيح استقامة صفوف النظام، بذلت خلالها قيادة النظام جهودا مضنية ولكنها جميعا ذهبت هباء، وبأيدي من؟ بأيدي كبار المسئولين في جماعة الإخوان المسلمين لا بأيدي أعداء الدعوة ولا خصومها.

لأن قدري كان كذلك، فقد سعدت أعظم السعادة بصدور قرار الفصل، لأنه حط عن كاهلي مسئولية تنوء بحملها الجبال ، دون أن أخسر شيئا من الأجر، فأنا والحمد لله لم أنوء بحمل المسئولية لا أنا ولا أحد من إخواني، ولكننا تركناها وفاء لبيعتنا للمرشد العام عندما شعرنا، وبيقين أنه هو الذي يرغب في ذلك ولكنه لا يريد أن يقولها خشية أن نزعل. بالضبط كما أنه لم يشأ أن يقول للدكتور حسين كمال الدين حقيقة قراره بشأن النظام الخاص خشية أن يزعل الدكتور حسين كمال الدين.

سعدت أعظم السعادة بصدور قرار الفصل. وسجدت لله شكرا فور قراءة الخبر في إحدى جرائد الصباح وحملت الجريدة معي وأنا ذاهب إلى عملي في الصباح، حيث ألتقي بزميلي مصطفى مشهور على ناصية الطريق فنركب سويا سيارة الأرصاد الجوية إلى مقر عملنا بالمطار، وعلى الناصية أطلعت أخي مصطفى على الخبر فاندهش، كيف نفصل؟ ونحن مستقيلون ولم يمض على استقالتنا وقت يسمح بأي أحداث جديدة تبرر صدور قرار فصل، لا من الجماعة فقط ولكن من الدعوة كلها. وقد أبلغت مصطفى بانطباعي وسجودي لله شكرا، وانصرفت إلى عملي انصرافا تاما، لا يسمع لي أحد صوتا، بل أصبحت قرير النفس هادئ البال خاليا من المنغصات فهناك رجال يحملون عني عبء واجباتي في الدعوة، ويعفونني من متاعب المشاركة معهم في هذا الواجب الثقيل، دون أن أخسر شيئا من أجري عند الله.

الخروج من العزلة

ولكن هذا الهدوء لم يدم طويلا، فقد علمت أن إخوانا في الله قد غضبوا وثاروا على المرشد العام لما أشيع بينهم أنه كانت هناك علاقة بين قرار الفصل وقتل السيد فايز وصمموا على معرفة الأسباب الحقيقية لقرار الفصل قطعا للشك باليقين، حيث لو كانت هناك علاقة، لما صح أن تواجه بقرار فصل من الجماعة، ولكن الصحيح أن تواجه بالمطالبة بالقصاص الذي شرعه الله للناس حياة لهم بقوله جل وعلا: " ولكم في القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون" (البقرة: 179) أما إذ لم تكن هناك علاقة فينبغي على المرشد العام أن يقطع ههذ الإشاعة من جذورها وينشر على الإخوان الأسباب الحقيقية لقرار الفصل. وقد علمت أن هذه الثورة قد هدأت وأن الإخوان صاروا إلى وئام بينهم، ولم يبق إلا محاولة معرفة الحقيقة في هذا الأمر الذي استمر مجهولا إلى يومنا هذا.

ولما علمت بذلك الذي يدور في صفوف الإخوان، اضطررت أن أخرج من عزلتي تقديرا لخطورة هذه المعصية التي يقع فيها إخواني وهم لا يشعرون، إخواني الذي يحملون عني نصيبي من العمل في خدمة الدعوة دون أن ينقص أجري شيئا، ويقومون بكل واجبات الدفاع عن الدعوة حتى تنتصر راية الإسلام خفاقة على العالمين.

اضطررت أن أخرج من عزلتي مقدرا لحجم المعصية الكبرى التي إن بقيت بين صفوف الإخوان فإنها تفقدهم الطريق إلى النصر بالغة ما بلغت جهودهم في سبيله، لأن هذا الدين لا ينتصر بجهود أبنائه بقدر ما ينتصر بقوة الله العزيز الحكيم، فإنه سبحانه لا يهب النصر إلا لمن تجنب المعاصي واستقام على الطريق ، لقد بدأت مجهوداتي للخروج بالإخوان من هذه لمحنة على النحو الآتي:

1- مراجعة أعضاء مكتب الإرشاد بشأن قرار الفصل:

بدأت نشاطي بأن دعوت الأخ الدكتور عبد العزيز كامل . وهو أحد الإخوان الذين حضروا اجتماع قادة أعضاء النظام في القاهرة والأقاليم إلى منزلي، وأوضحت له هذه الخطيئة التي تنتشر بين الإخوان وهم يفسرون قرار فصل الأربعة، فاستنكرها، فقلت إنك تعرف أننا مستقيلون ولسنا مفصولين، وأن استقالتنا مسببة لأسباب لا تمت إلى هذه الإشاعة بصلة، وأن نشر استقالتنا على أنه فصل من الجماعة ومن الدعوة هو في حدا ذاته افتئات على الحقيقة المعلنة على أربعين رجل من قيادات النظام في القاهرة والأقاليم، وما كان يصح أن يصدر مثله عن مكتب الإرشاد. فإذا أضفنا هذا الرداء الذي ألبسه مجهولون لقرار الفصل فصار سببه هو قتل السيد فايز هو سوء ظن بنا ، وأصبح الأمر خطيئة في حق الله وليس فقط خطيئة في حق الناس، وأنه لا علاج لهذه الخطايا إلا أن يعلن مكتب الإرشاد أسباب صدور مثل هذا القرار ونشره في الصحف، حتى تقف الفتنة ويزول سببها، وقد أكد لي الدكتور عبد العزيز كامل أنه سيعمل على تنفيذ ذلك بصفته عضو في مكتب الإرشاد الذي صدر عنه هذا القرار دون أن يعلم به، ولكن شيئا لم يحدث.

فدعوت فضيلة الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد وأحد الإخوة الذين حضروا قرار استقالتنا إلى منزلي وكررت عليه ما قلته للأخ الدكتور عبد العزيز كامل ، ووعدني بمثل ما وعد الدكتور عبد العزيز كامل ، ولكن شيئا لم يحدث.

2- الاتصال بالأخوة المعارضين لسياسة الأستاذ الهضيبي، وقد كان محفوفا بالمكاره:

فذهبت إلى دار مجلة الدعوة حيث كان الإخوة المعارضون لسياسة مكتب الإرشاد يجتمعون وينشرون آراءهم المعارضة لهذه السياسة، بل ويهاجمون الأستاذ حسن الهضيبي شخصيا في مقالات لاذعة عله يعدل عن سياسته الخطرة عله دعوة الإخوان المسلمين، فكنا نلتقي أنا وعبد الرحمن السندي وعادل كمال وأحمد زكي حسن بصفتنا الإخوة المفصولون مع صالح عشماوي ومحمد الغزالي والسيد سابق والدكتور محمد سليمان وأنس الحجاجي وغيرهم من الإخوة الذي يحملون لواء المعارضة ضد الأستاذ حسن الهضيبي وسياسته، وقد لاحظت أنني مراقب من جهة البوليس بمخبر سري يسير خلفي وهو يتصور أنني لم أشعر به، كلما خرجت من منزلي وحتى أعود إلى منزلي.

3- طرفة مع مخبر بوليس:

ومن طريف ما يذكر أنني عمدت إلى اتباع كل الوسائل للاختفاء عن أعين هذا المخبر السري بكل ما أوتيت من حيل. وكان أبسطها أن أنتظر في محطة الترام حتى تمر بي آخر عربة فأقفز إليها والمخبر لا يزال بعيدا في الشارع لا يمكنه إدراك هذا الترام، ثم أنزل فجأة إذا ما بعدت وأغير اتجاه طريقي فجأة ، ولكني ما ألبث إلا وأجد هذا المخبر الذي تركته حلفي بعيدا يتعقبني رغم هذه المحاولة، وقد كررت هذه المحاولة وغيرها من الحيل، حتى اضطر المخبر أن يواجهني شاكيا من المجهود المضني الذي أعرضه له ليؤدي واجب وظيفته، وأنه لا يستطيع أن يحافظ على وظيفته إذا غبت عن عينه لحظة، فسررت لقوله وقلت له إذن ابق معي دائما، فإني لا أمنعك، ولكنني فقط لا أريد أن يكون عملك ضدي تجسسا، أده علنا، فليس عندي ما أخفيه. وقد استراح المخبر لهذا التصريح وأصبح يرافقني كلما خرجت من المنزل وحتى أعود، ولم يكن لديه مانع أن يقبل دعوتي للقهوة أو الشاي بمنزلي بين الحين والحين.

4- وصول خطاب لي يهددني بالقتل ووصول خطاب مشابه للأخ أحمد عادل كمال:

ومن عجيب ما يذكر أنني خلال هذه الفترة فوجئت بوصول خطاب تهديد بالقتل، وصفني فيه كاتبه بأنني ثعبان أرقش، وأنه يتبع خطواتي، ويعرف كل مخططاتي ضد الدعوة وضد الإسلام وأنه استحل دمي ولابد له أن يقتلني.

وقد تألمت لانحدار أساليب العمل في الخدمة العامة إلى هذا المستوى البالغ التدني، يستوي في ذلك أن يكون الخطاب صادرا من المباحث العامة ويرتدي ثوب الإخوان المسلمين، أو كان صادرا من أحد من الإخوان المسلمين حقا. ولكنني لم تتحرك مني شعرة من صيغة هذا الخطاب الشرسة، فأنا عازم على السير في طريقي، إما الشهادة وإما النصر حتى ألقى الله، فألقيت بالخطاب في أحد أدراج مكتبي بالمنزل. ولم أعره أدنى اهتمام.

أما أخي أحمد عادل كمال فقد وصله خطاب مشابه، فحمله إلى المباحث العامة، الذين تعهدوا له بحمايته م، اي اعتداء.

5- فكرة عرض قضيتنا مع الأستاذ الهضيبي من تاريخ انتخابه مرشدا وحتى صدور قرار الفصل على مكتب الإرشاد:

وفي لقاءاتنا بمجلة الدعوة فكرت أنا وعبد الرحمن السندي في أن نعرض على مكتب الإرشاد قضيتنا مع الأستاذ حسن الهضيبي من تاريخ انتخابه وحتى صدور قرار الفصل، حتى يدركوا جميعا الأخطار التي تحيق بالدعوة بسبب سوء القيادة الذي يؤدي إلى إرباك الصفوف وإثارة الفتنة، ولم يكن يعترضنا لتنفيذ هذه الفكرة إلا أننا عاهدنا الله على أن تكون كل أعمال النظام الخاص سرية على غير أعضائه، وأن الأغلبية العظمى لأعضاء مكتب الإرشاد ليسوا من أعضاء النظام الخاص، فكيف يتأتى لنا أن نعرض تفاصيل علاقة النظام الخاص بالمرشد العام من يوم انتخابه مرشدا وحتى صدور قرار الفصل على هؤلاء الإخوة الذين ليسوا أعضاء في النظام؟ كانت هذه هي المشكلة ولكن استمرار تردي الأمور داخل الجماعة وتعرضها للضياع، بسبب هذه القيادة التي لا تشعر بمواطن الخطر. أحل لنا أن نعرض هذه التفاصيل على أعضاء مكتب الإرشاد لأن صدور قرار الفصل باسمهم يجعلهم يتحملون وزر نتائجه إذا لم يبصروا بالخطأ فيرجعون عنه، ولأنهم إذا قبلوا أن يصدر مثل هذا القرار باسمهم، وهم لا يدرون عواقبه الوخيمة التي تصل إلى حد الوقوع في كبيرة من الكبائر التي نهى الله عنها المسلمين، دون أن يتحققوا من صحة أسبابها، لابد أن تقال الحقيقة ليعودوا إلى الصواب، وإلا فماذا نقول لهم بين يدي الله؟ إذا سألونا لقد كنتم أحياء إذ رأيتم خطأنا، فلماذا لم تبصرونا فتؤدوا واجب النصيحة اللازمة لله ولرسوله وللمؤمنين؟ فإذا تعللنا ونحن بين يدي الله بالسرية، فماذا نقول إذا سألنا أحدهم ألم تعلموا أن "الضرورات تبيح المحظورات" خاصة وأن الأمر لا يتعلق بأعمال خطيرة، ولكنه متعلق بتنظيمات إدارية لازمة لانتظام الصف داخل النظام، غابت أهميتها عن المرشد العام، فقاد الصف إلى هذا الاضطراب المخل، بينما لا يترتب على إبلاغ أعضاء مكتب الإرشاد أي ضرر إذا أحيطوا علما بهذه النظم حيث عجز أعضاء المكتب من أعضاء النظام الخاص أن يصححوا مسيرة الباقين.

وعند هذا الحد لزمتنا الحجة فكتبت قصتنا مع الأستاذ حسن الهضيبي من ساعة انتخابه مرشدا وحتى صدور قرار الفصل، لأنني كنت حاضرا كل هذه القصة بنفسي إلا الجزء الخاص بمقابلة جمال عبد الناصر وهو في صحبة عبد الرحمن السندي للمرشد العام، ليعرض عليه فكرته الجديدة في إنشاء تنظيم الضباط الأحرار وموافقة المرشد العام على فكرة جمال بشرط أن يصبح التنظيم الجديد صديقا للإخوان له أهداف وطنية محدودة، حيث أن الكثير من أعضائه سيكونون غير ملتزمين بالمنهج الإسلامي في حياتهم وفي فكرهم، وأن الإخوان سيساعدون هذا التنظيم في تحقيق هدفهم الوطني، لأن الوطنية جزء من أهداف الدعوة الواسعة التي تغطي أركان العالم الإسلامي أجمع حتى يكون الدين كله لله. ولهذا السبب كتبت هذا الجزء ضمن قصتنا مع الأستاذ حسن الهضيبي كما سمعته من عبد الرحمن السندي وقرأت عليه النص كاملا فوافق عليه كلمة كلمة، ثم طلبت منه التوقيع على تفاصيل هذه القصة دليل موافقته على صحة جميع كلماتها سواء ما اشتركنا فيه معا أو ما انفرد هو به، ثم وقعت أنا أيضا ، ثم وقع اختيارنا على الأخ الكريم الشيخ عبد المعز عبد الستار عضو مكتب الإرشاد لتسلمه نص هذه المذكرة ليتولى بنفسه عرضها على مكتب الإرشاد والرد علينا بما يقرره المكتب بشأنها.

وقد قرأ النص ميع الأخوة الذين يمثلون جبهة المعارضة في مكتب الإرشاد وكذلك الإخوان أحمد زكي حسن وأحمد عادل كمال. ليكونوا جميعا على علم بما جاء فيه.

6-الأخ عبد المعز عبد الستار يتعهد بعرض القضية على مكتب الإرشاد:

ولقد نفذت هذا الاتفاق فالتقيت بالأخ عبد المعز عبد الستار وشرحت له القضية، وقلت له كيف أن الأخوة محمد خميس حميدة ومحمد فرغلي وعبد العزيز كامل وصالح عشماوي وهم جميعا من أعضاء مكتب الإرشاد كانوا حاضرين يوم الاستقالة وقد علموا بأسبابها التي تضمنتها هذه القصة وأنهم لم يستطيعوا أن يعملوا شيئا للتصحيح.

وقد تسلم الأخ عبد العزيز عبد الستار الأصل المخطوط بخطي والموقع عليه مني ومن عبد الرحمن السندي وتعهد بعرض القضية على مكتب الإرشاد. ولكننا لم نتلق من فضيلته ردا إلى اليوم.

7-عرض القضية على الأستاذ سيد قطب:

وبوقوع أول صدام سنة 1953 بين الثورة والإخوان توقف عرضنا لهذه القضية، لغياب المختصين داخل المعتقلات، حتى نجح الشعب في إجبار الثورة على خروج محمد نجيب من المعتقل وكذلك الإفراج عن جميع الإخوان المسلمين الذين اعتقلوا معه وعادت الجماعة أقوى مما كانت وأصبح لها جريدة باسمها يرأس تحريرها الأخ الشهيد الأستاذ السيد قطب الذي اتخذ له مكتبا بدار أخبار اليوم، يباشر منه مسئوليته كرئيس لتحرير جريدة الإخوان المسلمين. وهنا بدأت في التحرك ثانية لعرض القضية الدامية على المسئولين عنها بين يدي الله.

أخذت معي صورة من نص المذكرة لمقابلة الأخ الشهيد الأستاذ السيد قطب في مكتبه بدار أخبار اليوم وكان هذا هو اللقاء الأول والأخير مع فضيلته، حيث لم يشأ الله أن يكون بيننا عمل مشترك بعد هذا اللقاء.

بعد السلام قلت للأخ الشهيد الأستاذ سيد قطب نحن أصحاب دعوة الحق والحرية والقوى أو ليس كذلك يا أستاذ سيد؟

قال : بلى.

قلت: لقد أصدر مكتب الإرشاد قرارا بفصل أربعة من الإخوان المسلمين، من الجماعة ، ومن الدعوة، ووزع هذا القرار على جميع الجرائد لنشره على كل الناس، وقد صاحب صدور هذا القرار حادث مقتل الأخ الشهيد المهندس السيد فايز، فسرت إشاعة بين صفوف الإخوان بأن هناك علاقة بين صدور قرار الفصل وبين مقتل الأخ ا لشهيد السيد فايز، بينما الحقيقة أن ثلاثة من هؤلاء مستقيلون استقالة جماعية مع زميلهم في قيادة النظام أمام أربعين رجلا من المسئولين عن النظام في القاهرة والأقاليم، لأسباب لا تمت بصلة إلى مقتل الشهيد السيد فايز فقد كانت الاستقالة الفعلية قبل مقتله بأسبوعين، وكان إعلانها على المسئولين في موعد محدد من قبل مقتله بأسبوعين وقد تصادف أن يكون هذا الموعد بعد مقتله بفترة وجيزة من الزمن لا تتعدى الساعات.

ونظرا إلى أن الإشاعة المنتشرة بين الإخوان بوجود علاقة بين القرار وبين جريمة القتل من شأنها أن توقع جميع الإخوان في معصية لأمر الله، فضلا عما يقع بينهم من اضطراب في الصفوف، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه من علياء السماء بأسماء المنافقين، فلا يقتلهم حتى لا يقال أن محمدا يقتل أصحابه، أما أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم، وحملة رسالة الإسلام إلى الناس ينسون هذه الأسوة الحسنة، وينشرون بين صفوفهم أن الإخوان المسلمين يقتل بعضهم بعضا.

ونظرا إلى أن أربعة من أعضاء مكتب الإرشاد هم الدكتور خميس حميدة، والشيخ محمد فرغلي (يرحمهم الله) والدكتور عبد العزيز كامل ، والأخ صالح عشماوي (يرحمهم الله) كانوا حضورا يوم إعلان الاستقالة، وقد أحيطوا علما بأسبابها.

ونظرا إلى أنني حملت الأخ عبد العزيز عبد المعز عبد الستار نصوص هذه القضية ليعرضها على مكتب الإرشاد وهو عضو فيه ليحمله على تصويب هذا الخطأ، فلم يغن ذلك الإجراء شيئا.

فإنني أتوكل على الله وأسلمك حقيقة هذه القضية لنشرها في جريدة الإخوان المسلمين دعوة الحق والحرية والقوة، ليعلم الناس الحق، فيكفوا عن المعصية، ولتكن هذه مسئوليتك أمام الله باعتبارك رئيس تحرير هذه الجريدة الغراء.

قال لي الأخ الشهيد يرحمه الله ويسكنه الفردوس الأعلى:

لا شك في أنه يتحتم علي أن أنشر الحق، ولكنني لا أستطيع أن أعدك قبل بحث تفاصيل هذا النص والتثبت من أنه يمثل الحق فعلا.

قلت: هذا حسن، فماذا يكفيكم من الوقت؟

قال: أسبوع.

قلت: إنك أن لم تنشر الحقيقة بعد أسبوع فاعلم أنني سأنشرها بطريقتي الخاصة وأنا في حل من ذلك لانعدام كل الوسائل المتوافرة عن طريق خطوط التوصيل التابعة للإخوان المسلمين. قال: حينئذ يكون لك الحق فيما تفعل.

وانتهى اللقاء على أن نتصل تليفونيا بعد أسبوع.

وفي الموعد المحدد اتصلت بالأخ الشهيد فاعتذر لي لأنه لا يستطيع أن ينشر هذه القضية فشكرته وأعلمته أنني سأنشرها بطريقتي إن شاء الله.

8-طلب عرض القضية على الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين:

وعندما هممت بنشر هذه القضية، استوحيت أمر ربي عن وجه المصلحة في نشرها وعلى ما يكون هذا النشر؟ حتى أتجنب معصية، أو خطأ يضر بديني، أو يضر بإخواني وقد اعتصرني التفكير في هذا الأمر اعتصارا، حتى سمعت صوت الإمام الشهيد وأنا يقظ أسمع وأرى يقول لي : " اكتب لي" ولم أعجب فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون يحسون بنا وإن كنا لا نحس بهم، يسمعوننا وإن كنا لا نسمعهم، لهم ما يشاءون عند ربهم، وليس لنا إلا ما يشاء به ربنا جل وعلا.

انشرحت لسماع هذا الصوت الكريم يأتيني هاتفا وأنا يقظان من عالم البرزخ، فقررت أن يقتصر نشري لهذه القضية على أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، وأن أحمل مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين أمانة دعوة الهيئة التي نصبتهم أعضاء للإرشاد، والتي اختارها الإخوان المسلمون في جميع الشعب المنتشرة على أرض مصر، فهؤلاء هم المسئولون الشرعيون عن دعوة الإخوان المسلمين سرها وعلنها، أما السر فكانوا يقبلون بتحمله ثقة منهم في مرشدهم، وأما العلن فهم يتحملون أمانته علنا بين الناس.

وما دامت ظروف هذه الدعوة قد جاءت لها بمرشد جديد، ليس لديه أي خلفيات عن حقيقة النظام الخاص، وقد ثبت وقوعه تحت تأثير إخوة، لم يراعوا حق لهذا النظام، ولم يقدروا قدره،بل حقدوا عليه حقدا، أكاد لا أتصور له نظيرا على الأرض، فقد حق أن تسلم الأمانة بسرها إلى الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، كما تسلمتها بعلنها، والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.

اتخذت هذا القرار وكلفت الإخوة أحمد عادل كمال وعثمان إبراهيم بطبع تفاصيل القضية على الجستنسر ، بأعداد تزيد قليلا عن أعداد الهيئة التأسيسية للإخوان ا لمسلمين وتسلمت جميع النسخ، ثم جمعت عناوين أعضاء الهيئة التأسيسية من أخي محمد علوي عبد الهادي عضو هذه الهيئة، وكان يشغل منصبا مرموقا في غدارة البعثات بوزارة التربية والتعليم كما كان جاري في السكن بحي كوبري القبة بالقاهرة.

9-إرسال القضية برمتها إلى جميع أعضاء الهيئة التأسيسية بالبريد:

صدرت تفاصيل قصتنا مع الأستاذ الهضيبي من يوم اختياره مرشدا حتى قرار الفصل إلى جميع أعضاء الهيئة التأسيسية، بما في ذلك أعضاء مكتب الإرشاد والمرشد العام، على عناوينهم بالبريد. وقد قدمت لهذه التفاصيل بخطابين أحدهما خطاب موجه إلى أعضاء مكتب الإرشاد، أحملهم أمانة دعوة الهيئة التأسيسية للاجتماع لعرض القضية المرفقة التي وقع في الخطأ بسببها أعضاء مكتب الإرشاد أنفسهم والثاني لأعضاء الهيئة التأسيسية ، أعلنهم فيه بصورة من خطابي إلى أعضاء مكتب الإرشاد بطلب دعوتهم للاجتماع للنظر في القضية مع استعدادي التام لحضور الاجتماع ومناقشة كل ما جاء في هذه التفاصيل كلمة كلمة.

10-أعضاء الهيئة التأسيسية يغضون النظر عن القضية المرسلة إلى كل منهم أو يسيئون فهمها:

ولكن قدر الله الذي لا راد لقضائه، أبى إلا أن يغض أعضاء ا لهيئة التأسيسية نظرهم عن أهمية هذه القضية، بل وأن يقرأها بعضهم على أنها منشورات قصد بها التعريض بالهيئة التأسيسية وبأعضاء مكتب الإرشاد وهو أمر لم يخطر لي على بال ولا يمكن أن يفهمه أي قارئ لهذه الأوراق، إلا أن يكون في الأمر إرادة ربانية توحي إليه بهذا المفهوم الذي لا وجود له.

ولولا أن الأخ الكريم محمد حامد أبو النصر قد نشر في سلسلة مقالاته بجريدة "المسلمون" خلال شهري شوال وذي القعدة سنة 1406هـ هذا الانطباع الذي قذف الله به في قلبه حين جاءته رسالتي حيث قال:" وأما محمود الصباغ فلم أره مطلقا، ولم أتعرف عليه ولكن وصلتني منشوراته التي أذاعها ضد الهيئة والمرشد، وقد كانت تصرفاته هذه سببا في عدم التفكير في إرجاعه مرة ثانية إلى صفوف الجماعة" لولا ذلك ما صدقت بوجود مثل هذا الانطباع عند أحد. ولكن أن ينقل إلينا الأخ الكريم الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام الرابع للإخوان المسلمين هذا الانطباع، وهو يقرأ قضية متكاملة الأطراف ليس فيها تعريض بأحد، ولكن فيها صرخة لأعضاء مكتب الإرشاد أنكم عصيتم ربكم، فاعرضوا الأمر على من تصبكم أعضاء للإرشاد ليفصلوا فيه، وهي صرخة لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوه. إن ينقل لنا الأخ حامد أبو النصر هذا الانطباع، فليس لي إلا أن أشهد أن لا إله إلا الله وأنه على كل شيء قدير ، إذا قضى أمرا هيأ له كل أسباب وقوعه وصدق الله العظيم الذي إذا أراد أن يغشي الأبصار فهو يغشيها بقدرته وعظمته لقوله جل وعلا:" فأغشيناهم فهم لا يبصرون" (يس: 9) سارت الجماعة في طريقها الذي رسمه لها مرشدها غير مكترثة بشيء من هذا الذي عرضته عليهم، وقد كانت لهم خطتهم التي لا يعلمها إلا الله ومن رسموها ووضعوها وأشرفوا على تنفيذها من رجالهم، وقد قادتهم هذه الخطة إلى أن تقترب العلاقات بين الجماعة وبين الثورة من الاصطدام المسلح واختفاء المرشد العام عن الأنظار.

11-نشاط الجبهة المعارضة لسياسة المرشد العام:

نشطت الجبهة المعارضة لسياسة المرشد العام نشاطا ملحوظا لإنقاذ الجماعة من صدام دام بين الإخوان وبين الثورة، كانت نتيجته محققة من قبل أن يقع، وهي وقوع الإخوان المسلمين جميعا تحت سلطة مستبدة، تهدف أول ما تهدف إلى القضاء على هذه الدعوة من جذورها، وتملك كل إمكانيات التفوق المادي والعسكري لتحقيق الجانب المادي من هذا الهدف، حيث لا سلطان لأحد على الأرواح، وما تك الصدور.

ولم يكن هذا الجانب المادي بالأمر الهين الذي يمكن القبول بضياعه من غير ضرورة قاهرة، بل إن الخيوط بين حكومة الثورة وبين جماعة الإخوان كان يمكن أن تمتد وتتصل لو أنهم اتبعوا سياسة أخرى غير التي انتهجوها ، ولكن المقادير جرت إلى غير ذلك، حتى بدا الاصطدام وشيكا بين الطرفين.

مهدت الثورة للصدام مع الإخوان بإجراء حركة تنقلات بين الموظفين من الإخوان وهم كثرة لتبعد كل منهم عن مواقع نشاطه الإخواني، وضربت بمصالح الأعمال المسندة إلى هؤلاء الموظفين في الدولة عرض الحائط في سبيل تحقيق هدفها.

وكان ممن شملتهم هذه الحركة الأخ مصطفى مشهور مشهور فعمله في الدولة هو التنبؤات الجوية لا يمكن أن تصدر إلا من مراكز التنبؤات الجوية الموجودة في القاهرة دون سائر بلاد الجمهورية، ولكنهم نقلوا مصطفى إلى مرسى مطروح حيث لا يوجد له أي عمل، إلا أن يكون مبعدا من القاهرة، فتنتفي أي قدرة له على تحريك الأحداث ضد الثورة في صدامها المقبل مع الإخوان.

وقد تكررت هذه الصورة في نقل جميع الإخوان المسلمين العاملين بالدولة استعدادا للمعركة، فرأيت أن أحاول محاولة أخيرة، أخرج بها الإخوان من معصيتهم لله فيما أشاعوه في أوساطهم عن قتل بعضهم بعضا، حتى ينصرهم الله في معركتهم القادمة مع الحكومة، فقد علمنا ربنا أن النصر من عنده وهو لا يهبه إلا للمهتدين ولذا أوصى عمر بن الخطاب بتجنب الشعب المعاصي لضمان النصر، فإن تساوى المسلمون والمشركون في المعاصي والذنوب، انتصر المشركون عليهم بقوة عددهم وكثرة عددهم، أما إذا التزم المسلمون بالالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، نصرهم الله بقوته وبعظمته وقدرته إن الله قوي عزيز.

12-المباحثة يتوجه بها الصباغ ومشهور وأحمد حسنين للحق جل وعلا:

توجهت إلى أخي أحمد حسنين وهو أحد الخمسة المستقيلين من قيادة النظام، ولكنه لم يشمله قرار الفصل لا هو ولا الأخ مصطفى مشهور، وقلت له يا أحمد يعلم أنا مستقيلون من قيادة النظام لأسباب حقيقية لا تمت إلى مقتل الأخ السيد فايز بصلة. قال: نعم. قلت: ولكن الذي يجري بين صفوف الإخوان هو أن فصل الأربعة جاء بسبب علاقتهم بقتل السيد فايز. قال: هذه معصية ولابد من أن يصدر مكتب الإرشاد ما ينفي هذا الكلام حتى لا يستشري بين صفوفهم. قلت: أحسنت يا أحمد ولكن متى تعتقد أن يتم ذلك؟ قال: أمهلني حتى الثلاثاء القادم إن شاء الله وانتظرت إلى لقاء آخر.

ومن المصادفة أن يعود الأخ مصطفى مشهور من مرسى مطروح، ليأخذ بعض الأغراض اللازمة للحياة في مرسى مطروح ثم يعود إليها على الفور ، وكان يوم مجيئه هو نفس اليوم الذي تواعدت مع أحمد عليه، فقلت له أنت ابن حلال يا مصطفى لقد وصلت الآن وأنا على موعد مع أحمد حسين بشأن موضوع هذه الإشاعة القاتلة الدائرة بين صفوف الإخوان ، لنتوجه إليه سويا ونعرف منه الخبر.

وتوجهنا إلى أحمد وكان يدير محلا لتوزيع الأغذية بشارع الموسكي بالقاهرة، وسأل أحمد ماذا فعلت؟ فإذا به يرد قائلا إننا سننتصر. كررت عليه السؤال مبينا أنه لا يتعلق بنصر أو هزيمة، ولكنه قضية معصية أو طاعة، وكان يكرر في كل مرة نفس الإجابة إننا سننتصر، حتى ضقت ذرعا بجواب لا يمت إلى السؤال بصلة، فقلت له فيم ستنتصرون يا أحمد؟ هل نقبل أن نبتهل إلى الله إن كنتم على حق تنصرون وإن كنتم على باطل تنهزمون؟

قال نبتهل فوقفنا أنا ومصطفى وأحمد داخل المحل نبتهل إلى الله إن كان الإخوان على حق ينتصرون وإن كانوا على باطل ينهزمون، وكانت نفوسنا جميعا ساعة هذه المباهلة صافية وقلوبنا صادقة، ودعاؤنا خالصا، كل منا لا يرجو إلا أن يحقق الله النصر للإسلام.

وافترقنا ووقع الصدام بين الحكومة، هذا الصدام الدامي الذي شقت فيه الحكومة ستة من قادة الإخوان، وقتلت المئات داخل ا لسجون، وعذبت الألوف عذابا وحشيا لم يسبق له نظير، وكان الحكم الصدر ضد أحمد الإعدام الذي خفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة وكان الحكم ضد مصطفى السجن خمسة عشر عاما، فغاب عني هذين الحبيبين هذا الردح الطويل من الزمن، ثم خرجا سالمين لا يشغلهما ما وقع عليهما من ظلم شديد وقسوة بالغة بل ووحشية لم يعهدها الناس في أي بشر، لم تقتصر عليهما ولكنها عمت على جميع الإخوان المسلمين، وخرجا لا يشغلهم حتى اليوم إلا كيف يؤديان واجب التبليغ بدعوة الإسلام التي تحول بين ظلم الظالمين- اللهم انصر المسلمين يا رب العرش يا عظيم.

13-تدخل الجبهة المعارضة لسياسة مكتب الإرشاد تدخلا حاسما لإنقاذ الموقف وتحمل مسئولية مكتب إداري القاهرة:

بينما كنت مشغولا بتنقية صفوف الجماعة من معصية الله العلية باتهام الإخوان المفصولين بقتل السيد فايز دون دليل أو بينة، كانت الجبهة السياسية المعارضة لسياسة مكتب الإرشاد، وكان من قادتها الإخوة صالح عشماوي وسيد سابق ومحمد الغزالي والدكتور سليمان وأنس الحجاجي تفكر في تدخل حاسم لإنقاذ جماعة الإخوان المسلمين من هجمة الحكومة الشرسة، حتى ملأت بوادرها الآفاق ،واستكملت شكلها بغياب المرشد العام عن أنظار عامة الإخوان، وعن أنظار الحكومة وتوزيع نشرة سرية بين الإخوان مطبوعة على الجنستيسر باسم" الإخوان في المعركة" وتعيين حراسة عليها مسلحة من الإخوان على المركز العام، فكنت ترى الحراس من الإخوان في الردهات وعلى السلالم مسلحين بالبنادق علنا، بينما لا يضيء المركز العام ليلا إلا أضواء خافتة، وقد خلا من أي نشاط إلا هؤلاء الحراس.

أعدت هذه الجبهة قرارا من الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين بمنح الأستاذ الهضيبي أجازة وإلغاء قرار فصل المفصولين سواء إخوان النظام أو إخوان الهيئة التأسيسية الذين فصلوا بعدهم وهم صالح عشماوي ومحمد الغزالي والسيد سابق وأحمد عبد العزيز جلال. وإسناد إدارة الجماعة إلى مكتب إرشاد مؤقت، حتى يظهر المرشد العام للناس، وقد وقع على هذا القرار أغلبية أعضاء الهيئة التأسيسية بالتمرير.

ونشر هذا القرار في الجرائد الرسمية فأخذت إدارة الجماعة الجديدة شكلا شرعيا، مطابقا للشكل الشرعي الذي أخذه المرشد العام فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي عندما أقرت الهيئة التأسيسية بأغلبية أعضائها بالتمرير اختياره مرشدا عاما لأول مرة، قبل أن تعود للجماعة شرعيتها القانونية بعد معركة سنة 1948.

14-دوري في المحاولة الأخيرة لإنقاذ الموقف:

وحينئذ فقط جندت نفسي مع هذه القيادة لمحاولة إنقاذ الجماعة من صدام محقق، ليس له موجب أو داع، وتحملت مسئولية مكتب إداري القاهرة، وبدأت اللجنة القائمة بأعمال مكتب الإرشاد مسئولياتها بانتظام.

15-تأييد جماهير من الإخوان للجنة الجديدة:

حضر كثير من الإخوان إلى دار المركز العام يؤيدون اللجنة الجديدة، وقد ألقيت من بين الحاضرين كلمات التأييد وكان من أبرزها كلمة الأخ الشيخ عبد المعز عبد الستار، وظهرت أثناء هذه الكلمات بعض الاعتراضات من جانب فرد أو فردين على قيام هذه اللجنة بمسئولياتها والمرشد العام على قيد الحياة، وقد حاول الآخرون إسكاتهم برفع الأصوات على أصواتهم، ولكنني وقد كنت مسئولا عن أمن المركز العام، بصفتي مدير مكتب إداري القاهرة دعوت كل الإخوان إلى الانتظام، وإتاحة الفرصة لكل من يريد أن يتكلم أن يقول ما يشاء حتى يفرغ ثم يستمع إلى الرد، وقد استجاب الإخوان وتم تبادل الآراء بين الحاضرين في هدوء ويسر، وقد حاول الإخوان تصوير المجتمعين بالمركز العام وقد كان الوقت ظهرا تقريبا فجرى خلفه عدد من الإخوان، واختطفوا منه الكاميرا، خشية أن تستخدم الصورة في أغراض صحفية، وصاحب هذه المحاولة هرج دعى أحد الإخوان إلى قفل باب المركز العام، ولكنني سارعت فأمرت بفتح الباب على مصراعيه وعدم العودة إلى قفله بعد ذلك أبدا.

ومما يذكر أن الأخ محمد جودة وقد كان من أبرز المعارضين للأستاذ الهضيبي، لما عرف أنني المسئول عن أمن المركز العام عرض علي مسدس برابيلو كسلاح احتياطي يساعدني على القيام بواجبي، ولكنني رفضته شاكرا، وقلت له إنني لن أستعمل المسدس ضد إخواني حتى وإن كانوا مسلحين، فإنني أفضل أن أقتل شهيدا على أن اقتل شهيدا. وهكذا مر اليوم بسلام، لم يعكر صفوه أي معكر.

16-مقابلة مع الشيخ محمد محمد فرغلي لطلب المعونة في إخراج الإخوان من المأزق الخطير، ولكن فضيلته يعرض علي إلغاء قرار فصلي من الجماعة:

وفي المساء توجهت إلى فضيلة الشيخ محمد محمد فرغلي وكان عضوا في هذه اللجنة ولكنه كان عضوا معارضا لسياستها فهو من المؤيدين لفضيلة الأستاذ الهضيبي، ولكن تربطه بالمعارضين أواشج متينة من حب في الله ومشاركة في الجهاد أغلب سني العمر.

كان فضيلته يسكن شقة بعمرة وهبة المواجهة للبنك الأهلي في شارع شريف وقد عجبت عند اقترابي من باب الشقة بظهور أربعة رجال يتسلحون بالعصي الشوم الغليظة يحيطون بي ويسألون عن طلبي. قلت لهم أنا حاضر للقاء الشيخ محمد محمد فرغلي، فاستأذنوه بدخولي فأذن ودخلت. فلما سلمت ورد السلام بدأنا الحديث، فقلت لفضيلته إن الأمور مستتبة للجنة الجديدة، وإني أرى أن مصلحة الجماعة في أن يلتف الإخوان حولها حتى تنتهي الأزمة بين الإخوان وبين الحكومة دون صدام، فذلك أصلح لشئون الجماعة، وأدعى لاستمرار نشاطها، ودعوته إلى أن يسهم معي في دعوة الإخوان جميعا إلى هذا الرأي في هذه المرحلة، وقلت له إن معارضة المعارضين لن تجدي فأنتم محاطون من كل جانب.

وقد لاحظت أن فضيلة الأخ الكريم الشيخ فرغلي اهتز من كلمة محاطون من كل جانب ، فسألني ومن الذي يحيط بنا من كل جانب؟ متصورا أنني أتحدث عن الحكومة. فقلت له إن إخوانك المؤيدين لعمل هذه اللجنة يحيطون بكم من كل جانب، وأنه لا معنى لظهور خلاف في هذه المرحلة، فاستراح فضيلته لما ذكرت، عند ما تأكد أنني لا أمثل وجهة نظر الحكومة بحال من الأحوال وقال لي: ماذا يغضبك من الأستاذ حسن الهضيبي؟ إنني مستعد أن أعلن على الفور إلغاء قرار فصلك وعودتك إلى صفوف الإخوان. قلت لفضيلته هذا ما لا يمكن أن يكون، كيف أفصل علنا على صفحات الجرائد، ويستغل هذا القرار في إشاعة تهمة شنيعة منسوبة إلى المفصولين، ثم أعود سرا في الظلام وكأن شيئا لم يكن. إن الطريق إلى عودتي للجماعة هو أن تناقش أسباب الفصل علنا، ويقضى في هذا الأمر بقضاء وكانت صلاة المغرب قد آن وقتها وحضر الأستاذ عبد القادر حلمي ليصطحب فضيلة الشيخ فرغلي إلى اجتماع اللجنة بالمركز العام، فركبنا جميعا سيارة الأخ عبد القادر حلمي حتى إذا صعدت الدرج في صحبة الشيخ فرغلي المؤدي إلى مدخل المركز العام استوقفته وقلت له، هل يرضيك يا أخي أن تظلم هذه الدار التي كان يشع نورها ليلا ونهارا، فتضيء للناس عقولهم وقلوبهم، فنظر إلي في ود وقال: إنها ستضيء إن شاء الله كما كانت وصعد لحضور الاجتماع.

17-نصيحتي لأعضاء اللجنة في أول اجتماع لها ومراقبة المباحث العامة لنشاطها:

ولما اكتمل حضور أعضاء اللجنة استأذنتها فدخلت عليها اجتماعها، وبعد السلام استأذنت الأعضاء في الحديث إليهم، وقلت إننا نحس جميعا من سلوك الحكومة بنقل الإخوان العاملين بها إلى مواقع بعيدة عن نشاطهم الإخواني، ومن اختفاء فضيلة المرشد العام أن الجو بين الحكومة وبين الإخوان صار يذر بتصادم عنيف، وأن مثل هذا التصادم ليس في مصلحة أحد. وإنني أرجو أن تنتهي اللجنة الليلية إلى قرار، تعلن فيه أن الإخوان لا يخفون أي عداء للحكومة، وأن مصلحة مصر في التعاون الوثيق بين أبنائها، وأنه ليس هناك ما يبرر إجراء هذه التنقلات بين العاملين في الحكومة من الإخوان المسلمين، وأنه لابد من رد أي مظالم تكون قد وقعت على أحد من الإخوان في هذه الفترة، وأن تعود المياه إلى مجاريها بين الإخوان والحكومة على أساس من التعاون المشترك لمصلحة مصر وأبنائها ثم سلمت على الإخوان وغادرت الاجتماع وقد ودعني فضيلة الشيخ فرغلي بالقبلات. ولما مرت ساعتان على المجتمعين، ولم يفضوا اجتماعهم، وكان كل شيء في المركز العام هادئا لا يعكر صفوه أحد، خرجت متوجها إلى منزلي وإذا بالضابط أحمد صالح مسئول المباحث العامة المختص بشئون الإخوان المسلمين يظهر لي فجأة وكان مختفيا خلف جذع شجرة على الرصيف المواجه للمركز العام، ويقول لي هيه ماذا عملتم يا صباغ؟ فصرخت فيه قائلا وما شأنك أنت وما نعمل. ولكنه سكت وسرت في طريقي إلى منزلي.

18-وقوع حادث المنشية وضياع آخر فرصة لتجنب الصدام مع حكومة الثورة:

وكانت هذه الليلة هي آخر عهدي بالمركز العام حيث وقع حادث المنشية في اليوم التالي، فأجهض كل محاولات الصلح بين الحكومة والإخوان وخرجت الجماهير الموجهة من قيادات التنظيمات الشعبية الحكومية ثائرة فور إعلان حادث المنشية نحو المركز العام فأحرقته، واحتلته قوات ا لحكومة فيما بعد واستعملته مركزا للبوليس بعد صدور قرار حل هيئة الإخوان المسلمين ومصادرة جميع أملاكها وأموالها. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

الفصل التاسع الوثيقة – دعوة قوية صادقة قدمتها إلى أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لعام 1953- 1954م

الوثيقة – دعوة قوية صادقة قدمتها إلى أعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لعام 1953- 1954م
مرفقة بخطابين تاريخيين

مقدمة

إن الانتماء إلى الدعوة الإسلامية، والعمل من أجلها، فريضة على كل مسلم، لا يحتج إلى إذن من أحد، ولا إلى بطاقة عضوية في هيئة أو جماعة، فالدين دين الله، والجهاد سبيل العاملين لله، والموت في سبيل الله أسمى أمانيهم.

وإذا كان الإسلام الحنيف يدعو إلى الجماعة والعمل فيها، وينبذ الفرقة والشقاق لقوله جل وعلا:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا. واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون، ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون. ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب أليم. يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وما الله يريد ظلما للعالمين".

وقوله جل وعلا:" وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين، ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناي. ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط" (سورة الأنفال: 47).

فإن الإسلام الحنيف يجعل من ضمانات الوحدة في الجماعة أن يكون منها أمة تدعو إلى الخير وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، حتى لا تجتمع هذه الجماعة إلا على خير، وينهى أفرادها أن يكون في عملهم فخر أو طغيان وهذا هو البطر، أو أن يحرصوا على إظهار الجميل وإخفاء القبيح وهذا هو الرئاء أي الرياء.

تلك آيات الله وما الله يريد ظلما للعالمين. آيات بينات ، إن التزمها البشر سادوا وعزوا، وإن خرجوا عليها ظلموا أنفسهم، وما ظلمهم الله فهو جل وعلا لا يريد ظلما للعالمين.

ولقد رأينا في الفصول السابقة أن مجموعة قيادة النظام الخاص، وجدت سبيل الفرقة في صفوفه سائدا يتبناه، ويتعمده بعض من خيرة رجال الجماعة، فالتزمت هذه المجموعة بقول الحق جل وعلا:" ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" ونصحت للمرشد العام حق النصيحة مرارا وتكرارا، موضحة له أسباب الفرقة وأسماء القائمين بها،وهو في كل مرة يعد بالتصحيح حتى جاءت المرة الأخيرة التي صمم فيها الأخ الدكتور حسين كمال الدين على أن يعصي أمره علينا، فيتراجع المرشد العام عن أن يرده إلى الحق قائلا أنا لا أستطيع أن أزعل حسين. فتستقيل هذه المجموعة لا من الجماعة ففي ذلك معصية وميل نحو الفرقة ، ولكن من قيادة النظام، ما دام المرشد العام صاحب البيعة وحامل المسئولية بين يدي الله لا يريد أن يرد الأخ حسين كمال الدين عن رأيه، ويزن هذا الرأي بكل ما عداه. فذلك حق المرشد العام وحده الذي لا يحق لأحد أن يخالفه، وتنفيذا لهذا المبدأ أعلن أعضاء قيادة النظام أنفسهم جنودا للدعوة تصرفهم كيف تشاء، فلعل للمرشد العام حكمة أخفاها عنهم، فهي مسئوليته وأمانته، وليس على الجند إلا الطاعة والتنفيذ أعلنوا ذلك مختارين لا مكرهين وقبل المرشد العام وقبل إخوان النظام هذا الإعلان مختارين لا مرغبين.

ولكن الجماعة هي التي انتهجت طريق الفرقة، فصدر باسم مكتب إرشادها قرارا، بفصل أغلبية المستقيلين من قيادة النظام ومن عجب أنها لم تفصل كل المستقيلين، وكأنها تعلن تصميمها على فرقة من داخلها فرقة، وتلك معصية تغلفها معصية. أما المعصية الأولى فهي عدم بيان أن هؤلاء الرجال استقالوا من مراكزهم في قيادة النظام وأعلنوا أنفسهم جنودا في الدعوة حتى يظن الناس أنهم كانوا متشبثين بمراكزهم القيادية على الرغم من أوامر مرشدها، وأما المعصية التي تغلفها فإنهم أعلنوا الاستقالة فصلا، وهذا تعبير للحقيقة لا يحق للمسلمين أن يقعوا فيه، رغم ما في قرار الفصل ذاته من دعوة إلى الفرقة وهي معصية ثالثة نهى الله المسلمين عنها بالآيات السابقات، ورغم ما في صيغة القرار من خروج عن حد سلطة مكتب الإرشاد إلا ما لا سلطان لمكتب الإرشاد عليه، وهو الفصل من الدعوة حيث أنه إذا جاز لجماعة تخدم الإسلام أن تفصل عضوا من أعضائها لأنه أصبح فاسدا، يضر انتماؤه إلى الجماعة ولا ينفع، فإنها لا تملك أي حق في فصله عن دعوة الله التي دعا الناس جميعا إليها، فإن فعلت فإنها تكون قد تجاوزت الحد وخرجت على أحكام الشرع.

وإذا أضفنا أن الأمر لم يقتصر على هذه المعاصي والتجاوزات لكل حد وشرع، بل عمدت الجماعة على أن تشيع بين صفوفها وجود علاقة بين قرار الفصل وقتل رجل من المسلمين له في كل النفوس مكانته، وله من جهاده وإيذائه في سبيل الله، ما يعتز به كل مسلم ويفخر، ولا أزكي على الله أحدا، فإن الأمر يكون قد انقلب إلى فتنة عامة، وظلم جائز " وما الله يريد ظلما للعالمين".

وإذا لاحظنا أن هؤلاء الإخوة المفصولين لجأوا أولا إلى النصيحة لإخوانهم في مكتب الإرشاد الذين يعرفون الحقيقة معرفة محققة، يبصرونهم بما في هذا القرار من خروج على الدين وعلى الشرع وعلى الحق، وأن أداء النصيحة جاء متفقا مع الحكمة التي قالها الإمام الشافعي رضي الله عنه:

" أد النصيحة على أحسن وجه" فجاءت باللقاء الشخصي غير العلني لكل من الإخوة عبد العزيز كامل ثم الشيخ محمد محمد فرغلي من أعضاء مكتب الإرشاد، ثم جاءت باللقاء الشخصي غير العلني مع الأخوين اللذين استقالا مع المفصولين، ولم يفصلهما مكتب الإرشاد، وهما الإخوان: مصطفى مشهور، وأحمد حسين، فلم تجد هذه النصيحة شيئا، بل انتهت بالمفاصلة التي ذكرناها في الفصل السابق من هذا الجزء من الكتاب.

كما جاءت باللقاء الشخصي غير العلني مع عضو ثالث من أعضاء مكتب الإرشاد لم يكن طرفا في أحداث هذا الأمر ولكنه كان أخا صادقا في الدفاع عن الحق هو فضيلة الأخ ا لشيخ عبد المعز عبد الستار. فلم يجد هذا الجهد للعودة إلى الحق نفعا.

ثم جاءت باللقاء الشخصي غير العلني مع المسئول عن الإعلام في الجماعة فضيلة الأخ الشهيد الأستاذ سيد قطب فلم يغير هذا اللقاء من بقاء الخطيئة بين صفوف الإخوان شيئا.

ولم يبق بعد ذلك إلا المخاطبة الشخصية غير المعلنة لجميع أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين مع تحميل مكتب الإرشاد المقترف لهذه المعاصي والمخالفات مسئولية دعوة هذه الهيئة باعتبارها الهيئة المسئولة أمام الله عن تنصيب هذا المكتب مشرفا وموجها لأعمال الجماعة، حتى تستكمل حلقة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي أمر الله بها المسلمين، ضمانا ليكون اجتماع هذه الجماعة على الخير، ووجهتها إلى الله من غير بطر ولا رثاء.

من أجل ذلك كتبت إلى مكتب الإرشاد كتابة الواثق بأن الله قد أسقط هذا المكتب من ساعة أن حكم بغير ما أنزل الله، فتلك سنة مشهودة لله رب العالمين، ولعل من إحقاق الحق أنني لم أكتب هذا الكلام في وقت كان يمر فيه المكتب أو الجماعة بمحنة أو شدة. فقد أخفيته عن كل الناس حتى انزاحت محنة 1953 وخرج الإخوان من المعتقلات وخرج معهم اللواء محمد نجيب، وعاد رئيسا للجمهورية، وأصبح للإخوان جريدة منتظمة، وعمت أنشطتهم واتسعت، كتبت إليهم هذا الكلام في هذا الوقت حتى يجد نفوسا خالية من العناء، تنظر غلى الأمور في روية وهدوء لا يشوبهما مظنة السوء، واتهام العقيدة، فيكون في ذلك عون على النزول إلى حكم الله، والبعد عن عصيانه ومخالفة أمره، وقد جعلت لهجتي قوية صادقة، لا حبا في استعراض العضلات، فقد كنت أمرءا مفصولا، يكتب إلى جماعة قوية مستكملة كل أسباب الحيوية والنشاط، ولكن خشية على هذه الجماعة الحبيبة أن يضيعها مظهر قوتها، إن ضاع صوتي هامسا بين ضجيج نشاطها فأردته صوت جهوريا يسمع الصم، معززا بآيات الله البينات التي تهدي العمى، حتى أكون قد أنذرت وأبلغت وأديت والله من وراء القصد وهو حسبي ونعم الوكيل.

وسوف تجد أيها القارئ العزيز نص هذه الكلمات إلى أعضاء مكتب الإرشاد في الصفحات القادمة معروضة مع كل تفاصيل قصتنا مع المرشد العام فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي على جميع أعضاء الهيئة التأسيسية في هذه الظروف المواتية للدراسة والتمحيص. ورغم هذا الذي تقرأه في الصفحات التالية، فإن إرادة الله الغالبة جعلت منه، وكأنه صرخة في واد لينفذ قضاء الله وهو أحكم الحاكمين.

أولا: نص الخطاب الموجه من المؤلف إلى أعضاء مكتب الإرشاد لسنة 1953- 1954، ومرفق به تفاصيل القضية وصورة الخطاب الموجه إلى أعضاء الهيئة التأسيسية حين كانت الأحداث ساخنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرات أعضاء مكتب الإرشاد (لسنة 1953- 1954).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لقد سبق أن قضيتم في أمر أربعة من المسلمين بفصلهم عن الجماعة وعن الدعوة، وأعلنتم هذا الحكم على الناس في جميع الجرائد. دون أن تكلفوا أنفسكم عناء دعوة واحد من هؤلاء الأربعة لسؤاله أو اتهامه. وبدون أن يسبق لكم عرض أو علم بالموضوع الذي فصلتم فيه.

ولا يمكن أن يسقط من الحسبان الظرف الذي أعلنتم فيه هذا القرار فقد أشعتم في هذا الظرف معنى خطيرا بين الإخوان.

وبهذا وقعتم في مخالفتين حذر منهما الإسلام.

الأول: يقول الحق تبارك وتعالى:" يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا" (صدق الله العظيم).

وأنتم لم تتبينوا. يا من تقومون على دعوة القرآن.

الثانية: يقول الحق تبارك وتعالى:" إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (صدق الله العظيم).

وأنتم أشعتم في الذين آمنوا ما هو خطر شأنا من الفاحشة. فجزاء الفاحشة الجلد وجزاء القاتل القتل.

ولهذا فقد أسقطكم الله من ساعة أن حكمتم بغير ما أنزل الله.

وإلى بعد أن عرضت الأمر على الجهة المختصة في الجماعة ولم تقضي فيه حتى الآن.

فليس أمامي إلا عرض الموضوع كاملا على الهيئة التي أقامتكم على أمر الجماعة وهي الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين.

وإلى أحملكم أمانة عرض هذه القضية على الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين في اجتماعها القادم.

وأرجوا أن تعلنوا فيها أنني على أتم الاستعداد لمناقشة جميع ما ورد فيها ن حقائق وتفصيلها.

أما أنتم فإنني أفوض أمركم إلى الله إن الله بصير بالعباد.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمود الصباغ

ثانيا: نص الخطاب الموجه من المؤلف إلى أعضاء الهيئة التأسيسية لسنة 1953- 1954 ومرفق به تفاصيل القضية وصورة الخطاب الموجه إلى المرشد العام حين كانت الأحداث ساخنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

حضرة الأخ الكريم عضو الهيئة التأسيسية .

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.ز وبعد..

تذكر ذلك القرار الذي سبق أن أصدره مكتب الإرشاد بفصل أربعة من الإخوان ولم يستطع أن يقدم سببا لهذا القرار حتى اليوم.

وعند عودة الأخ عبد المعز عبد الستار من الحجاز قام بالاتصال بالإخوان الأربعة لسماع وجهة نظرهم عسى أن يوفقه الله إلى إحقاق الحق.

وقد سلمت الأخ الشيخ عبد المعز عبد الستار حقائق قضيتنا مع الأستاذ الهضيبي من يوم انتخابه مرشدا حتى قرار الفصل طالبا عرض هذه القضية على الهيئة التأسيسية بصورة من هذا التقرير. وقد أرسلت إلى أعضاء مكتب الإرشاد بوصفهم المسئولين عن إصدار القرار الظالم المشار إليه الخطاب المرفق مع هذا التقرير.

وحينئذ نستاهل نصر الله وتأييده.

والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل.

محمود الصباغ

ثالثا : الوثيقة كما أرسلت نصا إلى جميع أعضاء الهيئة التأسيسية ومكتب الإرشاد لسنة 1953- 1954 حين كانت الأحداث ساخنة.

بسم الله الرحمن الرحيم

تطورات قضيتنا مع الأستاذ الهضيبي مرشدا للإخوان بعد أ استمر اختياره أمرا غير رسمي إلى أن حضر اجتماع الهيئة التأسيسية وأقسم اليمين وكنت يوم إعلان ذلك ببلدتي فحضرت على الفور وطلبت من إخواني عبد الرحمن، وأحمد، ومصطفى، وأحمد ضرورة الاتصال به فورا لتعرض عليه أمر النظام القائم على الإعداد لفريضة الجهاد ما دام قد تحدد للدعوة مرشدا وقد كلف أحمد زكي حسن بالاتصال بالأستاذ حسن الهضيبي لتحديد موعد هذا الغرض وقد طلب الأستاذ أحمد زكي حسن ذلك من الأستاذ عبد القادر عوده الذي اختير وكيلا للإخوان لتحديد هذا الموعد، وقد اتصل الأستاذ عبد القادر عوده بالأستاذ حسن الهضيبي في هذا الشأن ففوضه نيابة عنه بأن يكون صلة بيننا وبين الأستاذ الهضيبي في أمر النظام..

وقد أخبرنا الأستاذ عوده بهذا، وقرر أنه لا يقول برأي إلا ما يرى المرشد، وأنه مفوض أن يحضر نيابة عنه وأنه يبلغه أولا بأول جميع ما يدر بيننا ، ويسمع منه أولا بأول أوامره إزاء كل نقطة.

وبدأنا في الجلسة الأولى نعرض على الأستاذ عبد القادر عوده كل ما يدور حول النظام كفكرة من أقاويل وما يدور حول أشخاصنا كمسئولين عن النظام من آراء ووضحنا له ظاهر الأمرين الآتيين:

1- إن النظام لا يمكن أن يقوم إلا على أساس الثقة التامة من القيادة بضرورته وأهميته والحرص التام منها على قيادته وبذلها كل الجهد المستطاع لتدعيمه وتقويته.

2- الثقة التامة بأفراد قيادة النظام والاطمئنان التام لحسن قيامهم بالعمل.

ثم طلبنا منه مطلبين هما:

1- يدرس مع الأستاذ الهضيبي فكرة النظام والأفكار المقترحة إزاءه ثم يستصدر أمرا بتنفيذ ما استقر عليه الرأي بحيث يكون هذا الأمر ملزما وواضحا وغير قابل للأخذ والرد.

2- أن يدرس كل ما يدور حول المسئولين عن النظام ويبحث جميع تصرفاتهم في الماضي ثم يقضي فيهم بأمر.ز إما التغيير وإما الإبقاء. وقد أظهرنا بجلاء أن تعبير أشخاصنا أو الإبقاء عليهم لقيادة هذا النشاط، أمر لا يقدم ولا يؤخر بالنسبة لنا شخصيا، وأن أهم ما نطلبه هو أن يصدر رأي القيادة بعد الدراسة والتمحيص، بحيث لا يقبل التعديل حتى لا نتخبط في وسائلنا، وتتفكك بذلك روابطنا.

وفي الجلسة الثانية عاد الأستاذ عبد القادر عوده إلينا بعد مدارسته مع المرشد بالأمرين الآتيين:

1- أن النظام أمر أساسي في دعوة الإخوان المسلمين، وأنه إذا نزع منها يكون بمثابة نزع حرف الخاء من كلمة " الإخوان" فتبقى عديمة المعنى. ولذلك ينبغي أ، يسير النظام بأسلوبه وتشكيله وأن يوضع كل رجل حيث كان في الصف.

2- أن الأستاذ المرشد خرج بالنسبة لقيادة النظام بالقاعدة الآتية: أنه لا حاجة لنا ببحث تصرفات الماضي ثم الحكم لهؤلاء الأفراد أو عليهم فإن كل أعمال الماضي لا تعدو أن تكون اجتهادا، له أجرين في حالة الصواب وأجر في حالة الخطأ ومن ثم فالمرشد متمسك بضرورة استمرار قيادة النظام كما هي حتى لا تضيع خبرة مدة طويلة لا يمكن تعويضها.

وبعد مناقشة الأستاذ عودة في هذين الأمرين وشرح كل الظروف الموجودة في جو الجماعة وما يستدعيه السير بهذين الأمرين من التضامن التام بين القيادة والمسئولين عن النظام حتى يقضي على البلبلة القائمة والتأكد من أن عنصر المجاملة أو العاطفة لم يدخلا في الحديث.. شعرنا أننا أمام أمر واجب أن يطاع، وأنها تحمل أمانة يجب أن تحملها وبهذا سرنا. وكانت أول واجباتنا الدفاع عن إخواننا في قضية الأوكار، حتى وفق الله في إصدار قرار من المحكمة بالإفراج عنهم جميعا، وكان بعض الإخوان يحمل فكرة ضرورة ...........عن المسجونين السياسيين وكان يمثلهم في قيام في القيام بهذه المسألة الإخوان جمال عطية، وإسماعيل على السيد، .الأخ أحمد البساطي.

وقد وجهت فكرتهم هذه إلى المرشد العام قبل أن يتقرر الإفراج عنهم .......الإجراءات التي يتم الاتفاق عليها إلى أن أفرج عنهم جميعا وعن ..اجتمعوا معي في شكل فئة تطالب بضرورة العفو عن المسجونين السياسيين.

وكانت هذه أول فرصة يظهر فيها ... تمسك القيادة بأوامرها إذ كان هؤلاء الإخوان ................................................................................................................................................................................................................................................................................

الأفضل تعديل بعض نظم النظام، وما هي أحسن الوسائل ......وقد قال الأستاذ عبد القادر عوده أن يبلغ المرشد .....الرأي، وفي اجتماعات هذه اللجنة ظهر لنا أن رأي كل من الأستاذ عبد القادر عودة والدكتور حسين كمال الدين يدور حول إمكان تحقيق فريضة الجهاد بغير حاجة إلى النظام وقد كانت من حججهم أن الحكومة فتحت ميادين التدريب وأنه يمكن أن ندرب الإخوان جميعا على استعمال السلاح بدون حاجة إلى الجهد الضخم الذي يستوجبه النظام.

وقد عارضنا جميعا هذا الكلام لأن النظام لا يدعو إلى التدريب على السلاح فقط واشترك في المعارضة الدكتور خميس ، صالح عشماوي ، يوسف طلعت، في أن هذه الاجتماعات وإزاء التعديل الظاهر في بداية الأستاذ عبد القادر عوده طلبنا منه أن يكون اتصالنا ..........................................................................................................................................

وقد حشر الأستاذ المرشد اجتماعه الأول بنا بمنزل الأستاذ عبد القادر عوده وكان حاضرا في هذا الاجتماع كل من الدكتور خميس ، صالح عشماوي، حسين كمال الدين، يوسف طلعت، حسني عبد الباقي، واعتذر عبد الرحمن السندي لمرضه وحضر الأربعة الآخرون.

وقد ظهر في هذا الاجتماع أن الأستاذ عبد القادر عوده كان قد افهم المرشد أن الاتفاق قام على الأخذ بالرأي الجديد ولكن المرشد وجد في الاجتماع غير ذلك ووجد أننا الخمسة يشاركنا الدكتور خميس وصالح عشماوي ويوسف طلعت نعارضه وطلبنا نحن الخمسة أن يكون اتصالنا بالمرشد مباشرة بعد أن ظهر أو وساطة الأستاذ عبد القادر عوده لا تسلم من الخطأ في النقل وقد وافق المرشد في هذا الاجتماع على طلبنا وحدد لنا موعدا نجتمع به فيه وقد غضب الأستاذ عبد القادر عوده لذلك .

واجتمعنا بالأستاذ المرشد وعاودنا على أسماعه ما بدأنا به في اللحظة الأولى لاتصالنا بالأستاذ عبد القادر عوده نائبه وطلبنا إليه نفس المطلبين وشرحنا له كل الظروف وضربنا المثل بما حدث للإخوان إسماعيل، وجمال ونفيس عندما تردد الأستاذ عبد القادر عوده واضطرب وطلبنا من الأستاذ المرشد أن يعفينا إذا شاء أو يلغي النظام إذا رأى الإلغاء ولكن المهم هو أن تسير الجماعة على أمر واحد حتى تسلم من الاضطراب.

وقد أعاد الأستاذ المرشد تكليفه لنا بالسير بالنظام معارضا التعديل المقترح من الإخوان عبد القادر عوده وحسين كمال الدين وقد طلبنا منه الاتصال به مباشرة في كل أمور النظام وتكررت اجتماعاتنا به وجمعنا له الإخوان المسئولين في القاهرة والأقاليم وقد أعلن عليهم هذا ا لرأي وطلب منهم الانتظام في الصف.

وتصادف أن كانت معركة القنال تعاصر هذا الأمر فكانت أول محك لمدى تأييد المرشد العملي لقوله الشفوي بخصوص النظام.

كان واضحا أن النظام هو الجهاز المكلف بأعباء الجهاد في الجماعة ومن ثم فكانت معركة القنال هي من اختصاص النظام، يرسم الخطة ويعرضها على المرشد وللمرشد بعد ذلك أن يقرها أو يعدلها ثم يكلف المسئولين عن النظام بتنفيذها فيصل إلى كل فرد من أفراد النظام الواجب الذي عليه أن يقوم به عن طريق أمير مجموعته.

ولكننا لاحظنا الآتي:

1- أن المرشد دعى الأستاذ محمود عبده، من الإسكندرية لقيادة معركة القنال دون علم منا.

2- الدكتور حسين كان يصدر أوامره للإخوان بخصوص أعمال المعركة دون أن يستعمل الجهاز القائم، الأمر الذي يفقد هذا الجهاز قيمته العملية ويعرضه للتفكك.

3- أن المرشد لم يمد الجهاز بأي مدد مادي يساعد على أعباء الجهاد أو على لأقل يضفي على الوضع صفة الجهاز العامل فعلا.

4- أن الإخوان جمال عطية ونفيس حمدي وإسماعيل على يقودون حملة بأن النظام غير معتمد من المرشد وأنه لم يعد له وجد.

وقد أوضحنا هذه الملاحظات الأربعة للمرشد وبينا له ضررها وأنها تعني عدم قيام النظام فعلا في الوقت الذي أعلن فيه المرشد للإخوان غير ذلك فأكد المرشد بأنه لا يعني عدم قيام النظام أبدا وطلب لقيادة معركة القنال أن تتكون لجنة مع المرشد العام من :

1- عبد الرحمن السندي بوصفه مسئولا عن النظام.

2- حسين كمال الدين بوصفه مسئولا عن مكتب إداري القاهرة.

3- محمود عبده بوصفه محيطا بالأعمال العسكرية وكقائد الإخوان الذين سبق أن حاربوا في فلسطين.

4- صلاح شادي بوصفه مسئولا عن الوحدات.

وقد أكد المرشد أنه بالنسبة للملاحظة الأخيرة قد أصدر أمره للإخوان الذين يقودون الحملة ضد النظام بالكف عنها.. ولكنهم لا ينفذون أمره. وطلب منا أن نبلغه عن أي مخالفة.

ولكن للأسف أخذ الإخوان حسين كمال الدين وصلاح شادي بأسلوب تجاهل النظام كجهاز قائم واستغلا الدكتور حسين كمال الدين لتبليغ الإخوان في القاهرة ما يرون من أوامر بخصوص معركة القنال بدون أن تمر هذه الأوامر على الأستاذ عبد الرحمن السندي، ولولا اعتماد إخوان النظام على تشكيلاتهم في الجماعة والاستفادة من الذخيرة المسلمة إليهم في المعسكرات لما استطاعوا أداء شيء ذي بال في المعركة.

وقد نتج عن أسلوب الأخوين صلاح شادي وحسين كمال الدين أنهما كانا يجدان من الإخوان عدم الاستجابة لأوامرهما في أمور الجهاد عملا بمقتضى طبيعة النظم التي تربوا عليها والتي تقتضي بأن يسمع كل جندي من أمير مجموعته فقط وكانت تثور لهذه النتيجة ثائرتهم ويتهمون النظام بالفساد والازدواجية رغم أنهما هما الخارجان على القواعد المعروفة للسير السريع.

وقد وضحنا للأستاذ المرشد هذه الشكوى ولكنه لم يحسم فيها بل حدث أنه اشتكى من إخوان الإسماعيلية لماذا لم يستمعوا إلى صلاح شادي. أليس أخا لهم؟ فأفهمناه أنه لو أخطرنا الأخ صلاح شادي بأنه مسافر للإسماعيلية لعملنا له الترتيب اللازم ولكن طبيعة النظام تقتضي بألا يستجيب الأخ إلا لأمير مجموعته وعجبنا لأنه كان متحاملا، وقد كنا نفسر سكوت المرشد عن حسم هذه الأمور وعجزه عن تنظيمها بأنه لم يعرف بعد نظم الجماعة وأن الإخوان الذين لا يرغبون في استمرار النظام يحرصون على اتباع كل طريق يفقده قيمته العملية وكانت وسيلتنا لمقاومة ذلك هي التوضيح للمرشد والصبر حتى تتضح له الأمور ولم يكن هناك ما يثبت أن المرشد متفق مع هؤلاء الإخوان ومخادع لنا حتى هذه اللحظة ولهذا كنا نقبل كل هذه المنغصات بصبر وهدوء ونتواصى بذلك.

موقف لعبد الرحمن السندي

وحدث أن وصلت دعوى عدم اعتماد المرشد للنظام إلى الأخ إسماعيل عاصم فطلب هذا الأخ لكي يطمئن قلبه أن يستمع بنفسه من المرشد وعرضنا الأمر على المرشد حتى يقص إسماعيل عليه قصة ما سمع وأسماء من بلغوه خصوصا وهم قادة حملة هذه الدعاية الباطلة ووافق المرشد فحضر إسماعيل يصحبه الأخ عادل كمال في وقت كنت مجتمعا أنا والأستاذ عبد الرحمن السندي بالمرشد نوضح له تصرفات الإخوان ومدى ضررها.

وقد عرض إسماعيل عاصم على المرشد أنه منتظم في النظام ولكنه سمع من إخوان يثق فيهم ثقته بالأخ المسئول عنه في النظام أن هذا الجهاز غير معتمد من المرشد.. ولهذا اضطر إلى التوقف حتى يسمع من المرشد أمره إذا كان يسير في النظام أو لا يسير.

وقد رد عليه المرشد بأن يستمر على موقفه من التوقف وعدم السير في النظام وكان هذا الرد تقريبا فطلب عبد الرحمن السندي منه أن يوضح لإسماعيل إذا كان قد اعتمد النظام أم لم يعتمده ولكن المرشد أصر على عدم الإجابة، ولهذا صرفت عادل وإسماعيل عاصم وقد اعتبر عبد الرحمن امتناع المرشد عن أن يوضح هذه الحقيقة لعاصم تعاونا واتفاقا مع الإخوان الذين يعرضون على هدم النظام فغضب غضبا شديدا وقال للمرشد: " إنني أحس أنني لا أستطيع أن أحافظ على إسلامي إلا إذا بعدت عنك".

وقد فسر لنا المرشد موقفه هذا بأنه ما دام قد ظهر من إسماعيل عاصم عدم ثقته بالمسئول عنه في النظام الثقة التي تجعله يسير معه فقد أصبح لا يستأهل الثقة التي تجعل المرشد يأمره بالسير في النظام.

وقد كان هذا التفسير الماكر من المرشد لهذا الموقف دليلا على أن الرجل عميق فحاولت أنا أن أصلح بين عبد الرحمن والمرشد، ولكن عبد الرحمن رفض إلى حد أنه امتنع عن أن يضع يده في يد المرشد ليبايعه من جديد إلا بشرط أن تنحصر البيعة في السمع والطاعة على أوامر الإسلام وبهذا صارت أزمة بين عبد الرحمن والمرشد وانصرفنا على ذلك.

المطالبة بعزل عبد الرحمن

وإزاء هذه الأزمة لم يعد من الممكن تبعا لقواعد النظام أن يكون عبد الرحمن مسئولا عنه ولهذا عرضت الأمر في اجتماعنا نحن الخمسة واتفقنا على ضرورة تنحية عبد الرحمن بسبب هذا الموقف وترشيح حلمي عبد المجيد للعمل بدلا منه وقررنا دعوة إخوان القاهرة والأقاليم لنعرض عليهم ما اتفقنا عليه. وقد حمل الشيخ محمد فرغلي لواء المعارضة في تنحية عبد الرحمن ولكن إزاء إصرارنا رؤي أن تسافر لجنة إلى المرشد بالإسكندرية لتعرض إليه قرارنا بتنحية عبد الرحمن وترشيح حلمي عبد المجيد للعمل بدلا منه مع اقتراح آخر من إخوان القاهرة والأقاليم لتسوية المسألة وحل الأزمة وإبقاء عبد الرحمن.

وسافرت مع الشيخ فرغلي لعرض القرار والاقتراح فأيد المرشد القرار بتنحية عبد الرحمن وأعلن أنه يستريح للأخ حلمي عبد المجيد .

وقد حرص عبد الرحمن في هذا الوقت على أن يبلغ الإخوان الذين يتصلون به رأيه في المرشد بعد أن انكشف له أنه متفق سرا مع العاملين على عدم قيام النظام في يوم حادث إسماعيل عاصم وأنه بهذا الاتفاق يقول بغير ما يعمل.

وكان حديث عبد الرحمن يصل إلى المرشد ويسوءه خصوصا أن كثيرا من إخوان القاهرة كانوا يستنكرون مع عبد الرحمن موقف المرشد.

قيام حركة الجيش

مقدمة

كان جمال عبد الناصر عضوا في مجموعة من المجموعات التي يقوم عليها إخوان النظام في الجيش وحدث أن أوجدت الظروف الكثيرة التي مرت بالبلد تغييرا في أفكار جمال فرأى أنه لكي يمكن إحداث تغيير في هذا البلد ينبغي أن يجمع الضباط الوطنيين في تشكيلات سرية بالجيش ولا يشترط فيهم أن يكونوا إخوانا مسلمين لأن تربية الرجل حتى يعد أخا مستقيما تستغرق كثيرا من الوقت، وقد كان كل من أبو المكارم عبد الحي وعبد المنعم عبد الرؤوف يرى معارضة هذا الاتجاه وضرورة التمسك بالاتجاه الإسلامي في تشكيلات الضباط حتى يتم التغيير إسلاميا من أول يوم.

وكان جمال وأبو المكارم يذهبان إلى عبد الرحمن السندي في المستشفى وهو محبوس على ذمة التحقيق في قضية سيارة الجيب ليعرضا عليه الاتجاهين بوضعه مسئولا عن النظام ليعطي رأيا في أيهما ولكن عبد الرحمن رأى أن يظل إخوان النظام في الجيش بنفس نظامهم واتجاههم حتى يتم اختيار المرشد ويعرض عليه الأمر ويدلي فيه برأي وقد تم الاتفاق على هذا او استمر العمل به حتى تم اختيار الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا فذهب إليه مع كل من جمال وأبو المكارم لعرض الأمر عليه.

وقد رأى المرشد تأييد جمال في أن يسير هو في خطواته بجمع الضباط الوطنيين وفي نفس الوقت تكليف عبد المنعم وأبو المكارم في أن يستمروا في اتجاههم بتنظيم تشكيلات ضباط الإخوان .

وبهذا أصبح جمال يسير بتشكيلات الضباط الأحرار بعد إذن من المرشد.

وجاءت معركة القنال ورأى الضباط الأحرار ضرورة التعاون مع الإخوان في خوض المعركة وكان مفروضا أن يتم هذا التعاون بينهم وبين جهاز النظام، ولكن الأستاذ عبد القادر عوده طلب من جمال أن يوقف اتصاله بعبد الرحمن السندي وأن يتصل بصلاح شادي وحسن العشماوي إذا أراد أن يتعاون مع الإخوان في هذا الميدان (أواخر عام 1951) ، ولم يتصل عبد الرحمن بجمال منذ هذا التاريخ وأصبح عبد الرحمن محددا في الاتصال بأبي المكارم لتنظيم تشكيلات الإخوان في الجيش.

الانقلاب: وحدث أن أعد جمال لعمل انقلاب وأخطر بهذا صلاح شادي الذي سافر مع حسن عشماوي وصالح أبو رقيق لإخطار المرشد بهذا العزم في الإسكندرية وقد وعد صلاح شادي جمال عبد الناصر بأن الإخوان سيقفون إلى جانب الانقلاب بكل قوتهم وصدرت الأوامر من جمال إلى الضباط وأحس ضباط الإخوان بموعد الانقلاب فذهب أبو المكارم ليعرض على جمال التعاون معه بوصفه مسئولا عن ضباط الإخوان ولكن أبا المكارم سمع من جمال أنه لو كان من الإخوان لبلغه من قيادته الواجب الذي عليه، فذهب أبو المكارم إلى عبد الرحمن لأنه لم يكن يعرف غيره رسميا ليخبره أن جمال يعتزم عمل انقلاب بعد يوم واحد وأن قيادة الإخوان تعلم بهذا وأن ضباط الإخوان في موقف لا يحسدون عليه لأنهم لم يبلغوا من قيادتهم بأي خير أو أمر إزاء هذا الموضوع.

فأخذ عبد الرحمن أبا المكارم وتوجها إلى الأستاذ عبد القادر عوده وكيل الإخوان ليسألوه إذا كان عنده علم بهذا الأمر وكيف يمكن التصرف فيه فأكد الأستاذ عبد القادر أنه لا يعلم شيئا.

فتوجها إلى الأستاذ عابدين فوجداه في الفيوم.

فتوجها إلى الأستاذ حسين كمال الدين ولكنه أكد لهما أنه لا يعلم فأخذوه وذهبوا إلى صلاح شادي فاجتمع بهم وأكد لهم أنه لا يعلم شيئا وقد ظهر فيما بعد أن جمال عبد الناصر كان عنده بالمنزل في الحجرة المجاورة يسمع هذا الحوار.

وخرج الإخوان من عند صلاح ولم يستطيعوا إزاء هذا الأمر إلا أن يتركوا ضباط الإخوان يتصرفون بوصفهم ضباطا في الجيش ليست لهم صفة الإخوان.

وتم ذلك وقاد عبد المنعم حصار رأس التين وطرد فاروق واشترك أبو المكارم في حصار عابدين واشترك كذلك كل من بلغه أبو المكارم أن يتصرف بوصفه ضابطا في الجيش لا أكثر.

وتعرض للحرج من لم يبلغه هذا بسبب ضيق الوقت إذ توقف عن تنفيذ الأوامر الصادرة إليه من القيادة وتعرض للاتهام بالخيانة.

وظهر بعد ذلك صدق جمال في أنه كان متفاهما مع قيادة الإخوان من قبل الانقلاب إذا اعترف صلاح شادي بهذا. وبأن جمال كان عنده في نفس الوقت لذي هب إليه الإخوان يستطلعون الرأي، وقد اعتذر صلاح عن كتمانه عن الإخوان أمر هذا الإخطار بأنه لم يؤذن له من المرشد بذلك.

وبدأ صلاح ينفذ التزاماته للقيادة في تأييد الإخوان للانقلاب شعبيا بأن جعل الإخوان حراسا للأمن وعيونا للحكومة يمنعون أي خطر وتم أداء الإخوان لهذا الدور الخطير خاصة وأنهم كانوا يحسون أن هذا الانقلاب هو انقلابهم.

وظل صلاح حلقة الصلة بين القيادة وبين الإخوان.

وكان هذا الأمر محطما لتشكيلات الإخوان في الجيش.

وقد طالبنا بأن يمثل الإخوان عند القيادة المسئول عن تشكيلاتهم في الجيش حتى يمكن تأييد الاتجاه الإسلامي في الحركة ولكننا سمعنا من المرشد ومن عبد القادر عوده ومن صلاح شادي ومن حسين كمال الدين أن القيادة لا تستريح إلى أبي المكارم ولكنها تستريح إلى صلاح وأن الإخوان لهذا السبب غير مخيرين في استمرار تكليف صلاح بدور ضباط الاتصال وكنا نأخذ على المسئولين في الجماعة هذا الضعف المضيع لحقوق الدعوة دون موجب أو داع فالإخوان يتحملون فعلا مسئولية حماية الانقلاب شعبيا ثم هم لا يعترف بهم كممثلين في قيادة الانقلاب بل يبعد ضباطهم عن الصفوف الأولى إرضاء لصلاح شادي ووساطة صلاح شادي ولم يحدث أن دعا المرشد ضباط الإخوان مرة واحدة للتفاهم معهم إلا بعد أن ساءت علاقته بالقيادة ولكن مؤاخذتنا هذه لم تصادف تأييدا من المرشد.

وكان الأمر يستلزم لحماية الحركة الاستعداد لمواجهة أي تحركات من الجيش الإنجليزي وقد دعاني المرشد وطلب مني أن يستعد إخوان النظام لهذا الأمر وعلى الفور قام إخوان النظام بإعداد خطة لهذا الغرض على أساس أن الحكومة متعاونة مع الإخوان.

وسافرت إلى الإسكندرية فقد كنت في هذا الوقت نائبا عن حلمي عبد المجيد لسفره إلى بلدته وعرضت الخطة على المرشد ووافق عليها وأصبح الأمر في انتظار التنفيذ ولكن حدث الآتي:

1- دعي الأستاذ محمود عبده من الإسكندرية لهذا لغرض بدون علم منا.

2- طلب الجيش أن يقوم بتدريب الإخوان الذين سبق لهم دراية بالأعمال العسكرية حتى يمكن أن يساهموا في القتال المنتظر.

وقد أخذ الدكتور حسين يكلف ا لإخوان بالحضور إلى المركز العام لشحنهم في عربات الجيش والتدريب في معسكراته، وكان إخوان النظام يعجبون كيف يتلقون في هذا الخصوص أوامر من غير المسئول عنهم وكانوا ينقلون إلينا هذا العجب في غضب فنقلنا إلى المرشد هذا التصرف وشرحنا له ضرره وكيف أنه يهدم النظام وطلبنا منه تفسير هذه المسألة وقد كان لنا رأي في طريقة التدريب بالمعسكرات يحفظ للإخوان سريتهم، وافق عليه المرشد نظريا ولكن الدكتور حسين ضرب به عرض الحائط عمليا.

وقد اقترح المرشد حلا لهذا، تشكيل لجنة تتكون من :

1- محمود الصباغ بوصفه مسئولا عن النظام.

2- حسين كمال الدين بوصفه مسئولا عن مكتب إداري القاهرة.

3- محمود عبده بوصفه من محاربي الإخوان.

وقد اجتمعت هذه اللجنة وشرحت لهم الخطة الكاملة الموضوعة بمعرفة النظام ووافق عليها الجميع وقد طلبنا من الدكتور حسين أن يبلغني أي رأي يراه بخصوص إعداد الإخوان للجهاد حتى أبلغه لإخوان النظام بطريق المسئولين عنهم منعا للاضطراب في صفوف الإخوان وقد أصدر إليه المرشد أمرا بملاحظة هذا (نقلا عن المرشد).

ولكني فوجئت من الإخوان أن عندهم أوامر بالمبيت في المركز العام عن طريق مكتب إداري القاهرة فأمرتهم بإطاعة جميع أوامر مكتب إداري القاهرة في كل ما يتصل بالنشاط العام أما ما يتصل بالجهاد فإن الاتفاق تام على أن الأوامر ستصل إليهم عن طريق رؤساء مجموعاتهم.

وكانت هذه الدعوة بقصد المبيت بالمركز العام والتوجه في الصباح إلى معسكرات الجيش للتدريب وقد توجه الإخوان إلى المركز العام ولكنهم عندما علموا أن المقصود هو ذهابهم إلى المعسكرات للتدريب انصرفوا ولم يسمعوا هذا الأمر.

وكان هذا الموقف مثيرا للدكتور حسين كمال الدين إذ أخذ يقول إن النظام أظهرنا بمظهر الأطفال أمام رجال الجيش وكان الأولى بالدكتور حسين أن يتصرف هو تصرفا سليما إذ كنت معه في هذه الليلة بالذات حتى العاشرة مساء فلم سمع منه أي إشارة إلى أن في بيته عمل شيء. ولو بلغني حسب الاتفاق لأصدرت الأوامر إلى الإخوان عن طريق رؤساء مجموعاتهم ولما تعرض الدكتور حسين لهذا الموقف.

ووصلت ثورة حسين إلى المرشد وغضب المرشد لموقف الإخوان من أوامر حسين.

وقد واجهته أنا وشرحت له الظروف وبينت له أن الاتفاق تام بيننا على أن حسين يجب أن يبلغني بوصفي المسئول عن النظام بما يريده من الإخوان حتى تصلهم بالطريق الطبيعي ولكن حسين لم يفعل ونشأ عن تصرفه هذا الموقف .

وعلى الرغم من هذا الإيضاح ظل المرشد متبلبلا وبدأ حسين كمال الدين يطالب بأنه لابد أن يكون مسئولا عن النظام في لقاهرة وسألني المرشد في هذا الطلب فأفهمته أنني أحب الدكتور حسين وأثق فيه ولكن إخوان القاهرة جميعا يحسون بأن رأي حسين هو إمكان القيام بفريضة الجهاد بغير حاجة إلى النظام وأن أسلوبه دائما يؤيد هذا الرأي، وهو لهذا لا يمكن الاطمئنان على حسن قيامه بالنظام في القاهرة، ومن ثم فإنهم لا يقبلون أن يعملوا في النظام تحت رئاسته حتى لا يقضي على النظام في القاهرة.

وقد نقلت إلى الدكتور حسين رأي الإخوان ولكنه طلب أن يواجه الإخوان المسئولين في القاهرة فإن رفضوا التعاون معه تنازل عن طلبه الخاص بتحمل مسئولية النظام في القاهرة.

وقد أعددت اجتماعا لإخوان القاهرة مع الدكتور حسين، وبدأت الاجتماع بكلمة مخلصة أطلب فيها إلى الإخوان التعاون مع الدكتور حسين كمسئول عن النظام في القاهرة ولكنهم جميعا اعترضوا على ذلك وحاولوا إقناع الدكتور حسين أن هذا الاعتراض لا يمس ثقتهم واحترامهم له ولكن الاعتراض مصدره تعارض الدكتور حسين مع فكرة النظام. ومع ذلك فقد غضب الدكتور حسين وطلب أن أصدر لهم أمرا بالتعاون معه بالسير تحت قيادته ولكن مثل هذا الأمر لم يكن في الإمكان لأن النظام يقضي أن يكون الأمير موضع رضا، وارتياح الأعضاء وهذا مستمد من الإسلام.

وظل الموقف متأزما فالمرشد لا يقف موقفا حاسما من الدكتور حسين بدعوى أنه لا يستطيع إغضابه والدعاية بعدم شرعية النظام وعدم اعتماده من المرشد مستمرة لا تمنع من المرشد، والإخوان في النظام الخاص يواجهون هذه المشاكل الداخلية التي تؤدي إلى الفرقة بين الإخوان والبلبلة الخطيرة في صفوفهم.

وقد طلبنا إزاء هذه الموجة أن يعاد الأخذ بنظرية تحقيق أحداث الماضي وإصدار حكم فيها حتى لا تستخدم في إثارة البلبلة في النفوس وتكونت لجنة من كل من :

عبد العزيز كامل ، حسين كمال الدين، الدكتور خميس حميده للنظر في كل ما يقال عن النظام وإخوان النظام.

وذهب كطل من عنده كلام تكلم أمام اللجنة واستمر ذلك شهرين تقريبا، ثم خرجت اللجنة بضرورة إبقاء النظام كما هو وأبلغنا الدكتور خميس هذا القرار، وقد طلبنا منه أن يجمعنا بالإخوان الذين يقومون حملة القول على النظام ليعلن فيهم هذا القرار، ولكنه تخلص من هذا الطلب وأكد أنه أبلغهم بهذا القرار، وطلب منهم هو والمرشد عدم التحدث في أمر النظام بحال.

وظهر لنا أن ما قيل قبل أيا كان خلافا لما قيل لهم، إذا اتسعت القضية، ولم تحل وأصبحنا نرى أن الجماعة تخسر يوما بعد يوم، بلبلة ، وفرقة، واضطراب ، وأن القيادة تتحمل مسئولية هذا بشكل ظاهر وكنا نفسر عدم الحسم من جانب المرشد بظروفه كرجل جديد على الدعوة.

إعلان قانون الأحزاب

وفي هذا الجو أعلنت لحكومة قانون الأحزاب وأعلن المرشد أن القانون ينطبق على الإخوان ، ونشر هذا التصريح في الصحف وأيده الأستاذ عبد القادر عودة أظن ذلك في درس الثلاثاء على أنه أمر طبيعي، وكان من نصوص هذا القانون أن ينتخب المرشد كل عامين، ومعنى ذلك أن الجماعة ستعيد انتخاب المرشد.

وهنا اجتمعت بالإخوان المسئولين عن النظام وتدارسنا الموقف وخرجنا بنتيجة دعوة الإخوان للتخفيف عن الأستاذ الهضيبي باختيار أحد الإخوان القدامى لرئاسة الجماعة في السنوات الأولى إلى أن يسوى الصف ويسهل بعد ذلك قيادته على أي إنسان مخلص.

وحدث أن حضر الأخ حلمي عبد المجيد فأبلغته ما استقر عليه رأي الإخوان وبينت له أن وسيلتنا في دعوة الإخوان إلى انتخاب أحد الإخوان القدامي لا تعتمد إطلاقا على تشكيل النظام ولكنها أمانة في عنق كل منا.

وطلب أن ينصح بها أعضاء الهيئة التأسيسية وقد طلبت منه أن يحمل رأيي هذا إلى المرشد وقد حملته إياه مكتوبا.

وأخذت أنبه أعضاء الهيئة التأسيسية الذين التقى بهم بضرورة اختيار أخ قديم في السنوات الأولى حتى ينظم أمر الجماعة وأن من الظلم أن يكلف رجلا جديدا على تنظيمنا بالأمور في هذا الظرف العصيب حتى جاء طلب اللجنة والإخوان جميعا على تصرف الطرق كل له رأيه وأسلوبه ولا يمكن لغير أحد الإخوان القدامى أن يجمع هذه الآراء ويسوي الصف .

ثم حدث أن عدلت الهيئة التأسيسية عن تطبيق قانون الأحزاب على الجماعة.

تغيير قيادة النظام

بإعلان عدم انطباق قانون الأحزاب على الإخوان رجعت الأمور كما كانت عليه وكان على حلمي أن يقود النظام في الجو السابق إيضاحه .

انسحاب حلمي:

ولكن الحاج حلمي عبد المجيد عانى الأمرين من مشكلة إصرار حسين على قيادة النظام في القاهرة وامتناع ذلك عليه بسبب رأي المسئولين في القاهرة في حسين ولم يكن في طبيعة الحاج حلمي الصبر على المشاكل فأعلن عجزه عن السير بالنظام وطلب إعفاؤه ولهذا السبب اجتمع إخوان القاهرة والأقاليم لاختيار مجموعة من الإخوان يقودون أمره وحضر الاجتماع الشيخ محمد فرغلي، والدكتور خميس، وحسين كمال الدين ودار بحث حول جواز اختيار حسين كمال الدين من المسئولين عن النظام أم لا ، وكانت هذه النقطة خلافية ولم يتحمل حسين الحضور أثناء مناقشة هذه النقطة فخرج من الاجتماع غاضبا.

وتم اختيار المسئولين بالانتخاب وانتخب الأربعة القدامى وضم إليهم الشيخ محمد فرغلي وعبد العزيز كامل وحسين كمال الدين.

وحضر الشيخ محمد فرغلي مع كل من أحمد حسنين ويوسف طلعت لمقابلتي وإخطاري بنتيجة الانتخابات ولكنني طلبت إعفائي فلرأيي المعروف في عجز المرشد بظروفه الحالية عن تسوية الصف ولكن الإخوان أصروا وذهب أحمد حسنين إلى المرشد، ولكنه طلب إعفائي عندما علم أن اسمي بين المنتخبين وعندما أبلغني أحمد بهذا ذهبت إليه منزله وشكرت له إعفائي مبينا أن المسئوليات في الدعوة تكليف لا تشريف، وقبلت يده وانصرفت إلى أعمالي الخاصة لم يسمع لي أحد صوتا.

عودة قيادة النظام إلى ما كانت عليه

وبعد شهرين أو ثلاثة حضر الدكتور خميس من المنصورة وكلفه المرشد العام بالقيام بأعمال نائب المرشد وطلب منه العمل على تسوية الصف والسير بالجماعة على أحسن وجه.

وكان من أعمال الدكتور خميس كما قال لنا أنه درس موضوع النظام وإخوان النظام مع المرشد وأنه استمع منه جميع ما كان يقال للمرشد من أكاذيب ويؤثر في أفكاره وأنه واضح للمرشد الحقائق فتألم المرشد على ما فات وطلب أن يعود الإخوان الخمسة للسير بالنظام وللقيام إلى جانب ذلك بأعمال هامة في الدعوة.

وفوجئت ذات يوم بالدكتور خميس يطلبني ليقول لي هذا الكلام ويطلب مني أن أعمل إلى جانب مسئولياتي في النظام وكيلا لمكتب إداري القاهرة، وقال أنه بهذا ستنتهي الشكوى من (الازدواجية) لأن وكيل مكتب إداري القاهرة سيكون هو المسئول عن النظام في القاهرة، وقد كان ردي على الدكتور خميس هو أنه لم يجد ما يغير رأيي في المرشد، ولهذا لا أستطيع أن أقوم بعمل مآله إلى الفشل لسوء السياسة وعدم الحسم.

وقد قال الدكتور خميس ردا على هذا بأن المرشد هو الذي غير رأيه وأنه عرف ما لم يكن يعرف، وأنه مصر على أن يقوم الخمسة بالمسئولية، وأنه أصبح يستريح إليهم تماما بعد أن عرف مواقفهم الماضية وأنه قد أخذ برأيي في تكليف واحد من الإخوان القدامى بالسير بالجماعة لتسوية الصف، وأن مصلحة الدعوة تقتضي أن نسير جميعا ولا يتخلف منا أحد.

فطلبت منه أن نواجه المرشد، وقد قلت للمرشد أن الدكتور خميس يكلفني بوكالة مكتب إداري القاهرة ولكنني أمتنع لأن رأيي لم يتغير فيك.. فرد المرد مؤكدا ما قاله الدكتور خميس وطلب أن تعمل صفا واحدا لصالح الدعوة وهنا قبلت العمل.

واجتمعنا نحن الخمسة بالمرشد وقد أخذ يكرر معاني ثقته بنا وعلمه بماضينا وأنه كان يستمع من جهات متعددة من غير تحقيق، وأخذ يضاعف معاني الثناء، والثقة بعبد الرحمن بالذات، وحسبنا أن الرجل صادق في هذا كله، واتفقنا معه على أن نضع قانونا للسير بالنظام نتفق عليه ونحتكم إليه يكون مستمدا من تجارب العامين الأليمين، حتى لا تعود الأمور إلى الاضطراب بعد ذلك أبدا..

ووافق المرشد على ذلك، وكتبنا دستور النظام ولائحته وقرأناها على المرشد فعدل فيها بعض الشيء وأقسمنا جميعا على السير في حدود هذه اللائحة والاحتكام إليها.. وجمعنا إخوان القاهرة والأقاليم وأعلن فيه المرشد ما انتهينا إليه واعتر عن عدم حضور هذا الاجتماع الدكتور حسين كمال الدين، وقد كان مدعوا حتى يسمع بنفسه من المرشد أن النظام قائم بتكليف المرشد وبأمره.

وقد طلبنا من الدكتور خميس أن يجمعنا بكل من الأخوين حسين كمال الدين والشيخ محمد فرغلي ليسمعوا قرار المرشد بتغيير قيادة النظام باعتبارهم الأعضاء الذين تناولهم التغيير ولكن الدكتور خميس أكد لنا أنه قد بلغ كل منهما هذا القرار وأنهما يباركان الاتجاه الجديد ويدعوان له.

واكتفينا بهذا، وأخذنا نجمع الإخوان ونوحد الصف وسارت الأمور بشكل مرضي، وسافر الدكتور حسين كمال الدين إلى سويسرا وبعد شهرين كنا قد سرنا خطوات كبيرة في سبيل القضاء على البلبلة القائمة في الإخوان، حضر الدكتور حسين من سويسرا.

وفوجئنا أولا بأن الأستاذ صلاح أبو الفضل يصدر أمرا بوقف الأخ أحمد العسال بدعوى أنه يأتي بأعمال ضارة بالدعوة وكانت هذه الأعمال هي أن أحمد مسئول عن النظام في هذه المنطقة، وعجبت لأن يصدر هذا الأمر من صلاح دون أن يخطرني به وكتبت إليه بوقف هذا ا لأمر حتى يقابلني.. ولكنه امتنع وظهر أن الدكتور حسين كمال الدين كان وراء هذا الأمر وكان مصمما عليه.

ثم فوجئت بعد ذلك بالأخ سيد أبو سالم يزورني بالمنزل ليقول لي أن حسين كمال الدين قد عقد اجتماع قيادة النظام في القاهرة المكون من حسين وسيد ابو سالم وكمال السنانيري وصلاح أبو الفضل ومحمود البراوي ومحمد الخضري عقب اجتماع مكتب إداري القاهرة.

وقال السيد أنه أفهم الدكتور حسين أن المرشد غير قيادة النظام فأنكر حسين عليه ذلك وقال أن الذين بلغوك هذا كذابين.. فقال له سيد لقد سمعت هذا بأذني من المرشد في اجتماع حضره إخوان القاهرة والأقاليم ولهذا فإني أطلب منك وقف الاجتماع حتى نرجع إلى المرشد لكي لا يضطرب صف الإخوان.. ولكن الدكتور حسين ثار عليه واستنكر منه أن يسمح لنفسه بالتعاون معنا بدون أمر منه شخصيا. وطرده من الاجتماع.

وقد ظننت أن الدكتور خميس لم يوضح للدكتور حسين التعديل الجديد قبل سفره إلى سويسرا فذهبت إلى الدكتور حسين وأفهمته الأمر وقلت لابد أن الدكتور خميس لم يوضح لك، وقلت له إن الأمر لا يحتج إلى أكثر من الصبر حتى يسمع الدكتور حسين من المرشد بدلا من أن نظهر متضاربين كقادة للإخوان في القاهرة. وبهذا تمنع الثقة علينا جميعا ويصبح أمر الإخوان فوضى. ولكن الدكتور حسين أصر على أنه لا يمكن أن يقبل هذا الكلام بحال.

وهنا التقيت بإخواني أحمد حسنين وأحمد زكي حسن وعبد الرحمن وتوجهنا إلى المرشد ببلدته لإخطاره بموقف حسين وقد أظهر المرشد استغرابه لموقف حسين ووعدنا بالحضور في اليوم التالي لإنهاء هذا الموقف.

وحضر المرشد إلى القاهرة ولم يجمعنا بالدكتور حسين واكتفى بأن قال لنا أنه كلف الدكتور خميس بإبلاغ حسين بأمره بتغيير قيادة النظام في القاهرة من زمن بعيد، وطلب من الدكتور خميس أن يصحبني ليبلغ الدكتور حسين أن يوقف قيادته لمجموعة النظام في القاهرة، واجتمعت أنا والدكتور خميس والدكتور حسين وقد أبلغ خميس حسين أمر المرشد بوضوح ولكن حسين ثار وخرج معلنا أنه لا يسمع هذا الأمر.

انكشاف موقف المرشد

وبلغنا المرشد ما قاله الدكتور حسين وقلنا له أنه لا يوجد حل لهذا الموقف إلا أن يستدعي الدكتور حسين ويبلغه هذا الأمر أمامنا.

ولكن المرشد رفض ذلك. وأصر على أن يستمر حسين حتى لا يغضبه.

وكان هذا الكلام بمثابة إعلان صريح من المرشد أنه قد نقض كل ما قاله وأعلنه للإخوان وهدم كل ما ترتب على ذلك من جهد زهاء ثلاثة شهور. واعتبرنا نحن أن وجودنا كمسئولين عن النظام هو المشكلة. فقررنا اعتزال هذه المسئولية وطلبنا إلى المرشد أن يحدد موعدا للهيئة التأسيسية للنظام حتى نعلن فيه قرارنا في حضور المرشد. ونبين أسبابه.

ووافق المرشد وتحدد موعد الاجتماع. وتم بحضور الدكتور خميس والشيخ محمد فرغلي نائبين عن المرشد. وأعلنا قرارنا وبينا الأسباب وحرص الإخوان على تكليف الدكتور خميس بمحاولة إزالة الأسباب ولكننا أعلنا أننا لا نستطيع أن نثق بتنفيذ وعود الدكتور خميس وأصررنا على طلبنا وتم انتخاب من يقوم بالعمل بدلا منا من الإخوان وأعلنا جنود للدعوة نسمع ونطيع ولا نتحمل فيها مسئوليات.

وفوجئنا بعد ذلك بقرار الفصل من الجماعة ومن الدعوة يذاع في جميع الصحف.

محمود الصباغ

الفصل العاشر تصحيح الأخطاء المنشورة بأقلام الإخوان عن النظام الخاص

تصحيح الأخطاء المنشورة بأقلام الإخوان
عن النظام الخاص

أولا: عن الأخوين صلاح شادي، ومحمود عبد الحليم

كان كتاب " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" للأخ صلاح شادي، أول كتاب تعرض فيه كاتب، من بين الموضوعات التي تعرض لها إلى موضوع النظام الخاص، وقد امتلأ هذا الكتاب بالأخطاء في هذا الموضوع، خاصة وقد كان يؤرخ لنظام سري، ولم يكن لديه عنه أي مرجع حيث لم يسبق لأحد أن كتب في هذا الموضوع. وذلك بالإضافة إلى أن الأخ صلاح شخصيا لم تكن تربطه بالنظام الخاص أي صلة، حتى يقول إنه يؤرخ من واقع مشاهداته عن هذا النظام وعن عمله فيه.

ولو أراد الأخ صلاح وهو يؤرخ عن النظام الخاص أن ينصف التاريخ ، لاتخذ من الأوراق المضبوطة في قضية السيارة الجيب ومن مرافعة النيابة العامة فيها ومن مرافعات المحامين ومن حيثيات حكم القضاء في هذه القضية مرجعا علميا، يعتد به الباحثون، فقد اشتملت الأوراق المضبوطة في هذه القضية على جميع المبادئ والخطط والنظم والدوافع التي تحكم رجال النظام الخاص سواء في تربيتهم داخل النظام أو في مفاهيمهم الشرعية لأهدافه وأعماله ووسائله. وقد رأينا ونحن نستعرض هذه الوثائق في الجزء الأول من هذا الكتاب، أنها كانت جميعا وثائق شرف وفخار لكل من عمل في صفوف هذا النظام، حيث أشاد حكم القضاء على أساسها بشرف الغاية ونبل المقصد. وبرأ الإخوان المسلمين عامة ونظامها الخاص خاصة من كل التهم التي وجهتها إليه النيابة.

ولكن الأخ صلاح لم يكن يقصد أن يؤرخ، ولكن كان يسرد ما يظن (بغير علم) أنه تاريخ ويبني على هذا الظن الخاطئ نتائج خاطئة كما سبق أن أوضحنا في الفصل السادس من هذا الكتاب.

لقد شاء القدر أن يكون الأخ صلاح من أقرب المقربين إلى فضيلة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام الثاني للإخوان المسلمين وأن يسند إليه صفة ضابط الاتصال بين قيادة الضباط الأحرار وقيادة الإخوان المسلمين، فتحمل من هذا الموقع مسئولية توجيه سياسة الإخوان المسلمين قبل الثورة، وبدأ بتسخير كل طاقات الإخوان لنجاح الثورة وتمكينها من حكم مصر، ثم انتهى بإدخال الإخوان في صدام عنيف مع الثورة، أوقعهم جميعا في أشد محنة مرت بهم منذ نشأة الجماعة، محنة أصابتهم في الأرواح والأموال والأبدان، وعطلت نشاطهم نيفا وثلاثين عاما متصلة، فكان لابد للأخ صلاح من تبرير النتيجة المؤسفة التي يعد أول المسئولين عنها، فنسب إلى النظام الخاص وقائده كل الأخطاء التي ملأت كتابه.

وقد ساعد القدر أن يجد كلام الأخ صلاح صدى في نفوس الإخوان لأن المحنة الشديدة صهرت الأخ صلاح معهم صهرا فجمعتهم به آلام التعذيب الشديدة، والظلم البالغ في الأحكام والخسائر الجمة في الأموال والأرواح، وإن من شأن من يشتركون في مثل هذه المصائب الطاحنة، أن تلتقي معتقداتهم على كل ما يفسر هذا الذي وقعوا فيه دون ذنب أو جريرة قبل أن يجدوا الوقت الكافي للتفكير والتمحيص، فالنفس بطبيعتها تستريح إلى تفسير ما يحيق بها من متاعب وآلام بأخطاء الغير، فترى القشة في عين غيرها ولا ترى العمود في عينها.

وقد بلغ من خطورة هذا العامل النفسي أن وقع الكثيرون من قادة الإخوان وكتابهم الذين لم تسبق لهم عضوية النظام في حبائل ما كتبه الأخ صلاح بل إن منهم من احتضنه وبالغ فيه مستخدما عذب البيان وحلاوة الكلام، كما قرأنا في كتاب الأخ محمود عبد الحليم الجزء الثالث" الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ- رؤية من الداخل".

وقد خصصنا الفصل السادس من هذا الكتاب لتصحيح الأخطاء التي وقع فيها الأخ صلاح شادي نظرا لكثرتها مما يبرر تخصيص فصل كامل لها.

كيف بدأ الأخ محمود عبد الحليم أخطاءه التاريخية:

لقد بدأ هذا الأخ الكريم منساقا وراء كلام الأخ صلاح شادي عن خروج قائد النظام على المرشد العام، وعمله على تنحيته وتعيين الأخ صالح عشماوي مرشدا عاما. هذا الكلام الذي فندناه في الفصول السابقة، وأثبتنا بطلانه. فأطلق على النظام الخاص "أولى القوة" ونسب إليهم في فصل كامل موقفا فجا لاختيار المرشد العام، دبجه بقصة ظاهرة البطلان، حتى يضفي على كلامه العذب حلاوة وطلاوة، فالقصة وسيلة لإدخال المعاني في العقول بسهولة ويسر، ومن ثم يحل للأخ محمود عبد الحليم أن يدبج قصة من خياله لينقل إلى العقول المعنى الذي يثق في صحته وما هو بصحيح . بل ولا يمت إلى الحقيقة بصلة.

تذكير بطبيعة الجند الذين ألف عنهم الأخ محمود عبد الحليم قصته الخيالية ونسبها إلى التاريخ:

لقد نسي هذا الأخ الكريم أن شعار جند الإسلام:" أشداء على الكفار رحماء بينهم" فما كان لمسلم أن يجعل سيفه مجاهدا في سبيل الله، يرفعه في وجه أخيه ويفرض عليه ما لا يحب ولا يرضى. إنه لو فعل لكان من جند الشيطان، فهل يقبل عقل أن يتحول هؤلاء الجند الذين يصفهم الأخ محمود عبد الحليم في ص 65 من كتابه هذا بأنهم " أدوا دورهم في مختلف أطوار الدعوة خير أداء وكانوا مثلا رائعا مشرفا في كل ميدان انتدبوا للنهوض بأعباء فيه، ففي داخل مصر حملا العبء الأكبر من مطاردة الاحتلال البريطاني حتى طردوه من القاهرة، ثم لاحقوه في القنال حتى أطاروا من عيون جنده النوم، وفي خارج مصر حملوا العبء الأكبر في حرب فلسطين حيث سجلوا بطولات وألوان من الشجاعة والتضحية والفداء بهرت العالم كله. وقد ظل هذا الأسلوب ديدن هذا النظام، فكان دائما الجندي اليقظ، والحارس الأمين دعوته ولبلاده ولمثله التي بايع عليها. وأعطى العهد على الوفاء بها" انتهى.

هل يمكن لمثل هؤلاء الجند الذين لم يقدموا شيئا من ذلك حبا في دنيا أو منصب أو جاه، ولكن رغبة في أسمى الأماني" الموت في سبيل الله" وتفانيا في الدفاع عن عقيدة " لا إله إلا الله" هل يمكن لمثل هؤلاء الجند أن ينقلبوا أو ينقلب بعض المتصدرين لقيادتهم إلى هذا الوصف البذئ الذي يسرده لنا الأخ محمود عبد الحليم مباشرة عقب وصفه المهيب فيقول في ص 65 نفسها ما نصه:

" لكن فئة قليلة ضمت بعض المتصدرين في هذا النظام، لعب الشيطان برؤوسهم فاشرأبت نفوسهم إلى متاع الحياة الدنيا، وأرادت الانحراف بهذا النظام عن طبيعته الصافية المستقيمة، وما كان ينبغي أن يكون لفئة قليلة وسط هذه الجموع الزاخرة من المجاهدين الصادقين وزن يثير الاهتمام ويبعث على القلق، لولا أن رئيس هذا النظام كان على رأس هذه الفئة القليلة" انتهى.

هل علم الأخ محمود عبد الحليم أن جندي الدعوة يعبد فردا من دون الله؟ هل علم الأخ محمود عبد الحليم ن جند الدعوة يبذلون نفوسهم وأرواحهم في متاع الحياة الدنيا، حتى لو دعاهم لذلك مرشدهم العام لا رئيسهم ؟ وهل هذا هو حصاد التربية في صفوف الجماعة عشرات السنين كما يصوره لنا الأستاذ محمود عبد الحليم. أو أنه غارق في الخطأ إلى أذنيه؟ بل إلى قمة رأسه.

ثم ما هو متاع الحياة الدنيا هذا الذي اشرأبت له أعناق بعض المتصدرين في هذا النظام؟ لقد تركوا جميعا أمر علاقة الجماعة بقيادة الثورة إلى ا لأخ صلاح شادي صاحب هذا الإيحاء الكاذب الذي ألم بعقلك وقلمك يا أخ محمود، وانصرفوا إلى العمل الجاد لتسوية صفوف هذا النظام الذي ذكرت لنا ما ذكرت عن أمجاده ليبقى دائما حصنا للدعوة والوطن، ولكن الأخ صلاح أبى لهذه الصفوف إلا ن تضطرب كما هو واضح وثابت لكل عين تقرأ ما جاء في الفصول السابقة من هذا الكتاب.

هل تشبه هؤلاء الرجال الذين باعوا أنفسهم لله وثبتوا على ذلك عشرات السنين بمجتمعاتنا نحن الشرقيين على النحو الذي تستطرد به كلامك فتقول في ص 65 أيضا:

" ومجتمعاتنا نحن الشرقيين، لا تأتي معاناتها في أكثر الأحيان إلا من رؤساء لها، تمكنوا واستقرت لهم الأمور، نسوا تاريخهم، وقلبوا لمجتمعاتهم ظهر المجن، وصار هدفهم الأوحد الخلود في مناصبهم مهما كان في تحقيق هذا الهدف دمار هذه المجتمعات"

يا لك من ببغاء يا أخي وحبيبي محمود عبد الحليم، عقله في أذنيه.

اقرأ لفصول السابقة من هذا الكتاب لتعلم أن عبد الرحمن السندي الذي جسدت فيه كل هذه الصفات الخبيثة استقال مما تسميه المناصب التي يحلو لصاحبها التمكن والاستقرار فيها حتى ولو أدى ذلك إلى دمار المجتمع الذي يعيش فيه، ولتعلم أنه رفض يد المرشد الممتدة إليه ليبقى في هذا المنصب لما رأى أن إدارة الجماعة تسوس الأمور بما يؤدي إلى تحطيم صفو فهذا النظام هذا إذا لم تكن قد قرأت وثيقتي التي أرسلتها إليك بصفتك عضوا في الهيئة التأسيسية سنة 1953- سنة 1954 وقد أبلغتك فيها بهذه الحقائق، ثم استغفر الله، على تقصيرك في تدارك الأمر لإنقاذ الجماعة من الهلاك. وفاء لقسمك الذي أقسمت.

تقول إن انحراف هذا الرئيس وإعجابه برأيه، لم يكن وليد هذه الظروف التي سوف تشرع في الكلام عنها وإنما بدأ قبل محنة 1948 بفترة قصيرة، وأعلم أنك تشير إلى مأساة اغتيال الخازندار وأنا أدعوك لقراءة تفاصيل هذه المأساة في الجزء الأول من هذا الكتاب وكيف واجهتها قيادة الجماعة وقيادة النظام حتى تصحح معلوماتك عسى الله أن يغفر لي ولك ثم تتأكد أنه ما كان لهذا الرئيس انحراف ولا إعجاب بالرأي فقد انشغل طوال حياة الأستاذ الهضيبي وحتى قرار الفصل من الجماعة بأمر واحد هو تسوية صف النظام الخاص. ولم يكن في هذه المشغلة حده بل كان معه على رأي واحد إخوة لك تحبهم ويحبونك هم الآن في موضع الريادة والقيادة من الجماعة استقالوا معه من قيادة النظام لنفس السبب الذي استقال هذا الرئيس من أجله. وتركوا شئون المناصب التي تشرئب لها الأعناق لمن سعوا إليها فلا هم بلغوها، ولا هم كفونا شرها. إن كتابة التاريخ تتطلب من الكاتب بذل أقصى الجهد الممكن للتحري عن حقائق التاريخ قبل نشرها، فما بالنا نراك تؤلف قصصا أغرب من الخيال وتنسبها إلى الحقائق التاريخية ظلما وزورا؟

وسوف نناقش إن شاء الله موضوع المناصب التي تشرئب لها الأعناق في تاريخ الجماعة ونحققه بشكل واضح في البند ثالثا: فقرة (ب) تحت عنوان الإخوان والوزارة من هذا الفصل.

الدليل على أن قصة الأخ محمود عبد الحليم هي من صنع خياله:

لقد سألت الأخ أحمد زكي حسن عن القصة التي رويتها لنا في ص 66، 67 من الجزء الثالث من كتابك" الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ- رؤية من الداخل" توهم العقول بصدق اتهامك لهذه الفئة من قادة النظام بأنهم " أولي القوة" حيث تقول لنا في ص 67 أنك لم تجد في الدار التي احتلتها مجموعة من أفراد النظام قد احتلت هذه الدار واتخذتها مقرا لها وأنها تطارد كل من يفكر تفكيرا يخالف تفكيرهم في اختيار المرشد حتى إنه لم يعد أحد غير أفرادهم يجرؤ أن تطأ قدمه هذه الدار، وأن عبد العزيز كامل أخبرك أنه يئس من حملهم على العدول عن فكرتهم، أو حتى على التخفف من هذه القيود .. ثم تبين لنا في القصة كيف أن أحمد زكي حسن كان ينصت لك باهتمام لما يعرف عن مدى ما تحظى به من تقدير الكثرة الغالية من قادة النظام ومقدار ما تتمتع به من حبهم وثقتهم.. إلخ.

سألت الأخ أحمد زكي حسن عن هذه القصة الخيالية التي ترويها وهو لا يزال حي يرزق فأكد لي أنه لم يسمه أبدا باسمك من قبل، ولم يعرف أين تعمل؟ ولا شك أنك تعلم يقينا أنني أيضا لم أسمع باسمك من قبل ولم أرك ولم أكن أعرف أين تعمل، فأين هو إذن هذا التقدير الذي تحظى به لدى الكثرة الغالبة من قادة النظام؟

والحقيقة أنني ما كنت بحاجة لأسأل الأخ أحمد، فإن الاختلاق في قصتك واضح وضوحا ماديا لأي أخ من الإخوان، فأنت تقول في هذه القصة أنك سألت عن الأخ صالح فقيل لك أنك تجده في المسجد القريب مقيما به لا يكاد يفارقه ، فدخلت المسجد ولم يكن وقت صلاة ، فوجدت صالحا قد أعفي لحيته ولم يكن قد أعفاها من قبل.. إلخ.

وأقول لك يا أخ محمود عبد الحليم اسأل كل الإخوان المسلمين هل سبق لأحد منهم أن رأى الأخ صالح عشماوي بدون لحية؟ لتعلم أن خيالك قد خانك فأنساك الحقائق المادية التي يعلمها الصغير والكبير من الإخوان. وصدق الله العظيم:

" إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"

إن الذي أعفى لحيته ولم يكن قد أعفاها من قبل هو الأخ عبد الرحمن البنا وليس صالح عشماوي فاذكر ذلك جيدا.

لقد شعرت من واجبي وقد قرأت كلامك، أن أسأل الأخ عبد العزيز كامل تليفونيا وأنا في جدة وهو في الكويت عن هذه الواقعة البادية الاختلاق. وكنت أحسب أنه قد قرأ لك هذا الكتاب، فصار الموضوع حاضرا في ذهنه لكنني تبينت من الاتصال التليفوني أن عبد العزيز لم يقرأ هذا الكتاب، ولم يعد يذكر شيئا لطول العهد بهذه الأحداث، ولكن هذه القصة المثيرة لم تكن لتضيع من ذهن عبد العزيز لو كان لها ظل من الحقيقة، فعلمت أنك مجرد بوق يستخدمه غيرك وألقيت بكتابك هذا الذي يبدأ بالافتراء والكذب والبهتان. فقد يكون كاتب هذا الكلام رجلا غيرك. لم يكن في يوم من الأيام من الإخوان المسلمين .

ثانيا: عن الأستاذ عمر التلمساني (يرحمه الله)

ولكن المؤلم الأسيف أن الأخ محمود عبد الحليم لم يكن وحده الذي وقع في مثل هذه الأخطاء القاتلة، بل إن رجلا أفذاذا لهم في الجماعة مكان الريادة والحب والتقدير وقعوا في مثلها، وكأن الله تبارك وتعالى قد استبدل عقول الإخوان وعيونهم، بعقول وعيون جديدة لا ترى إلا ما يراه الأخ صلاح شادي.

الأستاذ عمر التلمساني يشيد بالنظام الخاص وجنده:

فنحن نقرأ للأخ الكريم الأستاذ عمر التلمساني في صفحة 207 ، 208 من كتابه ذكريات لا مذكرات التي سبق أن نشرت في جريدة الشرق الأوسط على حلقات ما نصه:

" ما كنت يوما من الأيام من أفراد النظام الخاص فما أقوله عن هذا التشكيل بعيد كل البعد عن الهوى، أو العلاقة بهذا النظام.

" ويؤسفني حقا أني لم أكن يوما من أفراد هذا النظام، إن الرجولة الكاملة، والوفاء كله والتضحية في سبيل الله بأغلى ما في الوجود، والفهم الصحيح السليم الشامل يتمثل في هذا النظام، كل ذلك كان يستوجب وجوبا حتميا أن يقوم هذا الجهاز بأي شكل من الأشكال ، ولو لم يقم الإمام الشهيد بإبعاد هذا الجهاز الرجولي النبيل، لكان ومع كل الاعتذار- مقصرا في حق دعوته للأسباب الآتية:

1- الإنجليز يحتلون مصر.. والوطن ، ويصرفون أموره عن طريق المندوب السامي.

2- اليهود نزلوا أرض فلسطين الشهيدة يذبحون أبناءها ويستبيحون مقدساتها ودول العالم تعطف على اليهود د العرب.

3- البنوك الأجنبية تمتص دماءنا امتصاصا ونحن مستسلمون.

4- الحرية منعدمة الوجود فكرا وكتابة وصحافة وتأليفا.

كل 1لك كان بالإسلام، والوطن، والشرف، والرجولة، أن يعد الأحرار للتخلص من هذه المهلكات، ومن لم يفكر في ذلك أو يعمل له، آثم في حق عقيدته، ووطنه وشرفه ورجولته، وما كان للإخوان أن يرضوا هذا الهوان، هذه هي الأسباب الحقيقية لإيجاد هذا التشكيل الذي كن لابد من وجوده ،حماية للدين والوطن والعرض والشرف.

هذا هو السبب الأول والأخير لقيام هذا النظام الخاص في مصر، الذي علمني شرف العمل في صفوفه" انتهى.

مناقشة ما سجله الأخ عمر التلمساني تحت عنوان التمرد:

ورغم هذا الذي تقرأه بقلم الأستاذ عمر التلمساني، فإننا نجده وهو يفرد جزءا من هذه المذكرات بعنوان التمرد ص 135، 136 ينسب فيها غلى رئيس هذا النظام وأحد مؤسسيه طوال حياة الإمام الشهيد وجزءا من حياة الأستاذ حسن الهضيبي " أنه وقع في أحضان جمال عبد الناصر، فعينه في شركة شل، وأسكنه فيلا في الإسماعيلية فيها كل وسائل الراحة ولكنه كعادته في عام 1965 اعتقل كل الإخوان الذين سبق اعتقالهم ، حتى الأستاذ عبد العزيز كامل وأمثاله ممن خرجوا على الإخوان بمن فيهم عبد الرحمن السندي الذي نال في هذا الاعتقال من الإيذاء ما أضر بصحته كثير، فما أن خرج من المعتقل حتى انتقل إلى رحمة الله، غفر الله لنا وله ورحمه ورحمنا" انتهى.

وأقول لك أيها القارئ ولا أستطيع أن أقول شيئا للأخ عمر التلمساني فقد انتقل إلى دار الحق ونحن لا نزال في دار الباطل.

أولا: هل يقبل العقل من قائد النظام الذي ظهرت صفاته أعلاه بقلم الأستاذ عمر التلمساني ، أن يرتمي في أحضان جمال عبد الناصر من أجل وظيفة في شركة شل؟ فذلك كان فعلا هو العهمل الجديد الذي انتقل إليه عبد الرحمن السندي أيام الثورة بعد أن كان موظفا بوزارة الزراعة، ومن هو جمال عبد الناصر الذي يقول لنا الأخ عمر التلمساني أن عبد الرحمن السندي ارتمى في أحضانه ؟ إنه لم يكن طوال حياة الإمام الشهيد إلا جنديا في النظام الخاص تحت قيادة عبد الرحمن السندي، وهما لم يختلفا طوال حياتهما، لأن الأستاذ الهضيبي ألقى بمسئولية الاتصال بقيادة الضباط الأحرار إلى الأخ صلاح شادي ومن ثم فإنه لم يوجد أي سبب أو موجب لكي يختلف عبد الرحمن السندي مع جمال عبد الناصر، في حياة الأستاذ الهضيبي، بل الذي اختلف وأوقع الإخوان في الاختلاف هو الأخ صلاح شادي.

فهل يكون كثيرا على رئيس الدولة أن ينقل صديقا وأخا في الجهاد من وظيفة في وزارة الزراعة إلى وظيفة في شركة شل؟ خاصة أنه علم عنه جهاده وإخلاصه ودوره في خدمة الوطن والدين. وهل لا يتخيل العقل أن يكون لمثل هذا النقل سبب إلا الارتماء في الأحضان؟ غفر الله لك يا أخ عمر. فقد نهانا الله عن الظن وإن بعض الظن إثم. إنك اليوم في رحاب الرحمن. أرجو أن تكون حسناتك قد فاقت سيئاتك فنجوت ونجي معك عبد الرحمن.

إنني أضيف لك أيها القارئ العزيز أن جمال عبد الناصر أهدى في الأيام الأولى من الثورة إلى أبناء عبد الرحمن السندي دراجة أطفال ذهب بها بنفسه إلى منزل عبد الرحمن وزاره متوددا وقدم هديته المتواضعة إلى أبنائه اعترافا بفضله وحفاظا على الأخوة والصداقة على الرغم من انقطاع الصلة في الخدمة العامة بتكليف الأخ صلاح شادي بالقيام بالدور الذي كان ينبغي أن يقوم به عبد الرحمن لتسلم الجماعة من أخطاء الخبرة الفجة لأمثال الأخ صلاح شادي.

ثم أؤكد لك أيها القارئ العزيز الحقائق الآتية:

1- أن الأخ عبد الرحمن السندي لم ينقل سكنه إطلاقا من القاهرة، ولم يزد هذا السكن طول حياته عن شقة في القاهرة، وقد كانت الشقة التي تعرفنا عليه في سنة 1939 أفخم من الشقة التي مات فيها ونقلناه على أكتافنا لنواري جسده الطاهر التراب. وأما قصة إهداء جمال عبد الناصر فيلا في الإسماعيلية فيها كل وسائل الراحة فهي افتراء على الحق نقله الأخ عمر التلمساني للناس من زوره بهتانا، دون تحقيق أو تمحيص أدعو الله أن يغفر لك يا آخي يا عمر.

2- أن الأخ عبد الرحمن السندي لم يعتقل سنة 1965 لأنه كان قد انتقل إلى جوار ربه قبل الاعتقالات وأن الذين اعتقلوا من أسرته كانوا من أقاربه المقربين لأسباب لا تمت إلى الإخوان المسلمين بصلة. ولكنها كانت متعلقة بحيازتهم لسلاح شأنهم في ذلك شأن العديد من الفلاحين الذين اعتقلوا سنة 1965 لهذا السبب.

3- أن الأخ عبد العزيز كامل لم يعتقل سنة 1965 لأنه كان وزيرا من وزراء جمال عبد الناصر وإذا كان الأخ عمر قد قصد اعتقالات سنة 1954 فقد اعتقل فيها فعلا عبد العزيز ولم يعتقل عبد الرحمن. لأن عبد العزيز كان لا يزال عضوا بمكتب إرشاد الإخوان ولأن عبد الرحمن كان مفصولا من الإخوان .

ومن كل ذلك لك أن تتأكد أيها القارئ الكريم أن الإخوان سواء قادتهم أو جنودهم، إذا تكلموا عن عهد الأستاذ حسن الهضيبي، وأسباب خلافه مع عبد الناصر، لم يجدوا واحة يتفيئون ظلالها إلا في تعليق همومهم على إخوان لهم، مستغلين قرار فصل هؤلاء الإخوان من الجماعة أبشع استغلال، وهم لا يدرون خلفيات هذا القرار التي تزيد الرجال المفصولين، منازلا فوق منازلهم، ولا أزكي على الله أحدا . فالحق أحق أن يقال وقد فصلنا هذا الأمر في الفصول السابقة من هذا الكتاب. ومن يرجع إليها يدرك أن كل ما كتبه الأخ عمر التلمساني بعنوان التمرد منقول عن خيالات الأخ صلاح شادي. وقد سجلنا الحقيقة في هذا الكتاب ليعلمها الناس. ولا ينسوا الفضل بينهم. حتى ولو اشتدت الفتنة وحلك الظلام. والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.

ثالثا : عن الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد الرابع للإخوان المسلمين

نشر الأستاذ محمد حامد أبو النصر. عدة حلقات في جريدة "المسلمون" بعنوان " عبد الناصر والإخوان المسلمون" خلال الفترة من 8 شوال 1406 مبتدئ بالعدد رقم 71 إلى 11 ذي الحجة 1406هـ مختتما بالعدد 80 من أعداد هذه المجلة. وقد سبق لنا الرجوع إلى بعض النصوص من هذه المقالات وبقي أن نناقش النصوص المتعلقة بالنظام الخاص وما فيها من ملاحظات.

(أ‌) ما يؤيد المعلومات التي احتوتها وثيقتي الموزعة على أعضاء مكتب الإرشاد وأعضاء الهيئة التأسيسية لسنة 1953- 1954:

1- جاء في العدد رقم 73 الصادر بتاريخ 22 شوال 1406 في العمود (6) ما نصه: " كما أن جمال عبد الناصر بتكليف من عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص في جماعة الإخوان المسلمين كان يقوم بتدريب بعض الأفراد من المتطوعين الذين كانت ترسلهم جماعة الإخوان المسلمين للقتال في فلسطين".

ويعتبر هذا النص تأييدا لما جاء في وثيقتي من أن جمال عبد الناصر كان عضوا من أعضاء النظام الخاص بالجيش وأنه كان يعمل تحت إمرة عبد الرحمن السندي في هذا المجال.

2- كما جاء في العدد 74 الصادر في 29 شوال 1406 هـ في العمود رقم (1) تحت عنوان النشاط داخل الجيش ما نصه: " في أواخر سنة 1951 كان قد تم اختيار حسن الهضيبي مرشدا عاما للإخوان المسلمين، وعندئذ بدأت جماعة الإخوان في مزاولة نشاطها فدب من جديد نشاط الإخوان داخل الجيش بالتجميع والارتباط على تنفيذ فكرة التغيير، وفي خارج الجيش استؤنفت اللقاءات بين ضباط الإخوان وإخوانهم من المدنيين فكانت هذه الاجتماعات تتم تارة في منزل عبد القادر حلمي وتارة أخرى في منزل منير دله أمين صندوق جماعة الإخوان المسلمين.

وكان يحضر هذه الاجتماعات معهم بعض الإخوان المسلمين نذكر منهم صلاح شادي المسئول عن الوحدات العسكرية في جماعة الإخوان المسلمين وحسن العشماوي المحامي والضابط جمال عبد الناصر بصفته أحد المسئولين عن ضباط الإخوان في الجيش، وكانت هذه المجموعة تربطها أواصر الأخوة والمحبة لتعاونهم في بعض العمليات الفدائية السابقة التي عمقت هذه العلاقة. وقد روعي في اختيار هؤلاء الإخوة قلة ا لعدد وسرية الاجتماع لعظم المهمة وخطورتها.

ويعتبر هذا النص مؤيدا لما جاء في وثيقتي من حيث أن التفكير في التغيير لم ينشأ إلا بعد اختيار الأستاذ حسن الهضيبي مرشدا وأن ممثلي الإخوان الذين كلفهم الأستاذ الهضيبي لمناقشة خطط التغيير مع جمال عبد الناصر كانوا الإخوة صلاح شادي وعبد القادر حلمي ومنير الدله وحسن العشماوي ولم يكن من بينهم عبد الرحمن السندي الرئيس الفعلي لجمال عبد الناصر داخل صفوف إخوان النظام في الجيش، قبل أن يحل الأستاذ الهضيبي جمال عبد الناصر من هذا العمل ليتفرغ لتكوين الضباط الأحرار.

وقد فات الأخ محمد حامد أبو النصر حقيقة صفة جمال عبد الناصر الجديدة فهو يظن أن جمال عبد الناصر وهو يتفاهم مع هؤلاء الإخوان إنما كان يمثل ضباط الإخوان في الجيش، والحقيقة أن عضويته للإخوان كانت قد انتهت وأنه كان يمثل الضباط الأحرار في هذه اللقاءات .

ولقد قص علينا الأخ صلاح شادي في كتابه وقصصت على الإخوان في وثيقتي من قبل ظهور كتاب صلاح شادي بثمان وعشرين سنة إن جمال عبد الناصر لم يكن في هذه اللقاءات يمثل إخوان النظام في الجيش، ولكنه على العكس أخفى عن هؤلاء الإخوان أسرار حركته فلما اكتشفوا قربها، وذهبوا مع عبد الرحمن السندي إلى منزل الأخ صلاح شادي يستطلعون رأي قيادة الإخوان فيما يجب على ضباط الإخوان في الجيش، قرر كل من صلاح شادي وجمال عبد الناصر أن يخفوا على ضباط الإخوان في الجيش كل شيء عن الحركة المرتقبة وأن يدعوهم ليتصرفوا حسب ما يشتهون كضباط عاديين في القوات المسلحة.

ومن ثم يتعين تصحيح عبارة الأخ محمد حامد أبو النصر من أن جمال عبد الناصر كان يحضر الاجتماعات مع ممثلي الإخوان المسلمين بصفته أحد المسئولين عن ضباط الإخوان في الجيش لتقرأ بصفته المسئول عن تشكيل الضباط الأحرار الذي أذن له المرشد العام بتشكيله ليكون صديقا للإخوان وليس من الإخوان. وهذا ما قلته فعلا في وثيقتي الموزعة على أعضاء الهيئة التأسيسية وأعضاء مكتب الإرشاد من قبل أن ينشر الأخ صلاح شادي كتابه بثمانية وعشرين عاما ولكنها مع الأسف لم تجد عينا واعية.

(ب‌) أول صدام حقيقي بين الإخوان والثورة:

جاء في نفس العدد عمود (5) (العدد 74 الصادر في 29 شوال 1406هـ ) تحت عنوان الإخوان والوزارة ما نصه:

اضطر المرشد إلى ترشيح الأخوين حسن العشماوي المحامي والمستشار منير دله المستشار بمجلس الدولة، وكان المرشد في هذا الاختيار رجلا حصيفا ومتعاونا وصادقا فالأخ الأول من أحب وأقرب الإخوان إلى قلب الضابط جمال عبد الناصر والأخ الثاني كان العنصر الهام في اللقاءات الأولى الطويلة للتحضير للحركة، فقد كان منزله ملتقى للضباط عبد الناصر وزملائه من الضباط، وهكذا كانت العلاقة بينهم وثيقة والصلة عميقة" انتهى.

ثم استطرد الأخ محمد حامد أبو النصر في نفس العدد: " تحت عنوان استدراج الباقوري" فذكر ما نصه: " وفي الوقت نفسه رفض عبد الناصر ترشيح حسن العشماوي ومنير دله وهكذا ووجه مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين بهذا التناقض فاضطر لاتخاذ قراره برفض الاشتراك في الحكم.

وإن الناظر المتأمل في هاتين الواقعتين يستطيع أن يدرك من هو الذي اشرأبت أعناقه للمناصب فور عرضها على الإخوان؟ فإذ ما رفض عبد الناصر هذه الأسماء التي يظن أنها اشرأبت أعناقها للمناصب تغيرت سياسة الجماعة من أجل عيونهم وقررت عدم الاشتراك في الوزارة.

وقد بدأ أول صدام حقيقي بين الثورة والإخوان بهذا الحادث، وهو صدام لا دخل للنظام الخاص فيه بشكل من الأشكال. ولكنه صدام من أجل المناصب لأفراد معينين دون سواهم. أقول ذلك لمجرد مناقشة من يقولون على إخوان النظام أنهم اشرأبت أعناقهم للسلطان بنفس الأسلوب الذي طرحوا به اتهامهم. وأخص بالذكر ما قاله الأخ محمود عبد الحليم في الجزء الثالث من كتابه" الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ- رؤية من الداخل" ولكن الفارق هو أنني في قولي على واقعة معترف بها، أما الأخ محمود عبد الحليم فإنه يقول قوله من فراغ. وعلى الرغم من ذلك فإنني أعلن براءتي من هذا الظن في إخواني الذين طلبوا الوزارة، فما أحسبهم إلا راغبين في خدمة الدعوة عن هذا الطريق الطويل ولا أزكي على الله أحدا.

لقد حدث في أثناء عرض عبد الناصر على الأخ حسن العشماوي اشتراك الإخوان في الوزارة أن سأله عبد الناصر هل يوجد بين الإخوان من يصلح للوزارة، إن كلهم مشايخ؟

فرد عليه حسن أن من بين من يصفهم عبد الناصر بأنهم مشايخ على سبيل ا لمثال أحمد الباقوري، فاعتبر عبد الناصر هذا الوصف ترشيحا للباقوري وأرسل إليه فعلا للالتقاء بالوزراء في الساعة السابعة لحلف اليمين الدستورية. ولكنه اعتذر عن عدم قبول ترشيح كل من الأخوين حسن عشماوي ومنير دله لصغر سنهما مؤكدا أنه شخصيا لن يدخل الوزارة الأولى لنفس السبب.

فلما دخل الباقوري الوزارة انقلب عليه المرشد وأرغمه على الاستقالة من الجماعة كلها، وهو إجراء من شأنه أن يحمل على سوء الظن حيث يبدو أنه لو قبل عبد الناصر ترشيح الأستاذ الهضيبي للإخوة حسن العشماوي ومنير دله لاشترك الإخوان في الوزارة، أما وأنه لم يقبل فالويل لمن يشترك من الإخوان في الوزارة.

إن هذه هي النتيجة الحتمية التي يصل إليها كل منصف وهو يقرأ كلمات الأخ محمد حامد أبو النصر إذا اعتمد أسلوب الظن السيئ الذي انتهجه هؤلاء الذين يهاجمون قادة النظام الخاص، ولكنني وأنا أبحث عن الحقيقة لابد لي أن أقرر أن النصوص اختلفت في شكل هذه الواقعة الخطيرة، فبينما نجد الأخ حامد أبو النصر يكتبها على هذا النحو الذي ناقشناه نجد الأخ صلاح شادي في صفحات 191، 192 من كتابه: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" يسجل واقعة ترشيح الأخ حسن العشماوي للأستاذ الباقوري وكذلك اسم أو اسمين للوزارة حيث يقول النص:" وفي أثناء المناقشة سأل عبد الناصر هل يوجد من الإخوان من يصلح للوزارة إن كلهم مشايخ فرد عليه حسن أن من بين من يصفهم عبد الناصر بنهم مشايخ على سبيل المثال أحمد الباقوري واسم أو اسمين فاعتذر عبد الناصر وقال فعلا إنهم يصلحون لتولي الوزارة:" وهذا النص يعني أن الأخ حسن بصفته ممثلا للمرشد رشح فعلا الباقوري واسم أو اسمين قبل عرض الأمر على المرشد، والمفهوم أن الاسم أو الاسمين هما الأخوين حسن العشماوي ومنير دله فهناك إجماع بين كل من رووا هذه الواقعة على أنهما كانا المرشحين للوزارة، ولكن الأخ صلاح شادي لم يشأ ذكر ذلك صراحة لسبب مجهول.

ثم يقول الأخ صلاح شادي: كما ذكر عبد الناصر أنه عرض على مجلس قيادة الثورة اقتراحا باشتراك حسن العشماوي في الوزارة وقد وافق الجميع عدا المستشار سليمان حافظ الذي تعلل بصغر السن، فرد الأخ حسن العشماوي على ذلك بأنه حتى لو تمت الموافقة فإنه لا يستطيع قبول هذا العرض لأنه مرتبط برأي جماعة الإخوان المسلمين التي هو عضو فيها، وملتزم بالسياسة التي تقررها، وهذا النص يعني أن عبد الناصر رفض ترشيحات الأخ حسن العشماوي ما عدا ترشيحه للشيخ الباقوري وذلك من قبل أن يعرض الأخ حسن العشماوي على المرشد العام هذه الترشيحات، وهنا فقط ظهرت ضرورة الالتزام برأي الجماعة.

ثم يقول الأخ صلاح شادي : اتصل عبد الناصر في هذه الأثناء وبحضور حسن العشماوي وعبد الحكيم عامر بالأستاذ المرشد وعرض عليه اشتراك الإخوان في الوزارة على ضوء الظروف الجديدة فأجابه المرشد: يجب أن يعرض هذا الأمر على مكتب الإرشاد الذي يبت فيه بالرأي:" وهذا الكلام يعني أن المرشد لم يرشح أحدا للوزارة قبل اجتماع مكتب الإرشاد وفيه تناقض مع كلام الأخ محمد حامد أبو النصر يتعين على المنصف تحقيقه لاكتشاف ما إذا كان هناك دافع عند الأخ صلاح شادي بإخفاء الترشيح الفوري من المرشد للأخوين حسن عشماوي ومنير دله أو أن الأستاذ المرشد لم يرشحهما فعلا والتزم بالقاعدة الأصولية وهي ضرورة عرض الأمر على مكتب الإرشاد، وأن الترشيح تم تلقائيا من الأخ حسن العشماوي دون إذن من المرشد؟

ويلاحظ أن الأخ حسن العشماوي في كتابه الإخوان والثورة ص 29، 30 يروي هذه الواقعة بصورة أكثر اختلافا فيقول ما نصه:

" في منتصف ليلة 7 سبتمبر سنة 1952 طلبني عبد الناصر تليفونيا وأبلغني أنه يريد أن يلقاني في إدارة الجيش في الصباح الباكر. وفي هذا اللقاء أبلغني اعتقال ثلاثة وسبعين شخصا من رجال السياسة والقصر الملكي وعرض على اشتراك الإخوان في الوزارة على أن أكون أنا أحد الوزراء" انتهى. وفي هذا النص لم يذكر الأخ حسن العشماوي شيئا عن ترشيحه للباقوري ولا لنفسه ولا لمنير دله حيث يستطرد في نفس الصفحة فقول " أما دخول الوزارة فقد تركته ليقرره مكتب الإرشاد. وقد رفض المكتب الاشتراك في الحكم وقد أغضب هذا القرار عبد الناصر وظل فترة يظن أنى صاحبه ويحاول أن ينال مني بسببه" انتهى.

ومن هذا العرض يتضح أن الأخوين صلاح شادي وحسن العشماوي يختلفان في واقعة ترشيح أسماء للوزارة من قبل عرض الأمر على المرشد حيث يؤيدها صلاح وينقضها حسن. ويتفقان في أن المرشد لم يرشح أحدا من الإخوان للوزارة.

أما نقض حسن لكلام صلاح فهو واضح العلة إذا قدرنا أن حسن يريد أن ينفي عن نفسه شبهة أنه اشرأبت عنقه للمنصب فور عرض اشتراك الإخوان في الوزارة. ولكن صلاح ليس له مصلحة في ذلك فأثبت الواقعة، والله أعلم.

كما أن اتفاق الأخوين صلاح وحسن في أن المرشد لم يرشح أحدا من الإخوان متناقضين في ذلك مع الأستاذ حامد أبو النصر، يمكن أن يكون واضح العلة أيضا، إذا قدرنا أنهما يريدان الكيد للباقوري بإظهاره أنه قبل الوزارة من غير أن يرشحه المرشد سواء بنفسه أو بمن يمثله، دفاعا عن سياسة مكتب الإرشاد الذي اتخذ قرارا بفصل الباقوري لهذا السبب. والله أعلم.

كما نلاحظ أن الأخ حامد أبو النصر قد أغفل تماما ترشيح الأخ حسن عشماوي للباقوري حيث قال بالنص في العدد 74 المؤرخ 29 شوال تحت عنوان استدراج الباقوري:

" اتصل عبد الناصر مباشرة بالشيخ أحمد حسن الباقوري وتم اللقاء بينهما وأخبره باختياره له وزيرا فقبل الباقوري المنصب شاكرا على حد تعبيره دون الرجوع إلى مرشد الجماعة" انتهى.

وهذا النص يعني أن أحدا لم يرشح الباقوري للوزارة وأن اختياره جاء بمحض إرادة جمال عبد الناصر ، وهو ما ينقض كلام الأخ صلاح شادي ولكنه واضح العلة حيث يريد الأخ حامد أبو النصر الدفاع عن سياسة الجماعة التي رأت فصل الباقوري لقبوله الوزارة رغم قرار مكتب الإرشاد بعدم الاشتراك فيها. والله أعلم.

ولعل أفضل ضوء يمكن أن يلقى على هذه النقطة هو الضوء الذي ألقاه الشيخ أحمد حسن الباقوري في مذكراته المنشورة في جريدة المسلمون "العدد 30" الصادر في 4 شوال سنة 1405 تحت عنوان من رشحني للوزارة؟ حيث ذكر لنا روايتين الأولى نق عن الأخ محمد المسماري المحامي وكان يعمل مع الأخ حسن العشماوي في مكتب واحد للمحاماة فذلك حيث قال ما أوثر أن أدونه هنا بنصه:

" لقد شهدت حديثا بين الأخ جمال عبد الناصر والأخ حسن العشماوي وقد كان يتردد في حديثهما اسم الأخ أحمد حسن الباقوري فقد قال جمال عبد الناصر إن الإخوان شوية مشايخ ليس فيهم من يصلح للوزارة، فأجابه حسن العشماوي قائلا إن في تنظيم الإخوان شيخا أحسن من كل المرشحين للوزارة، فسأله عبد الناصر عن هذا الشيخ فقال له إنه الشيخ أحمد حسن الباقوري فقال جمال عبد الناصر إنني أعتقد ذلك. وبذلك تم ترشيحه للوزارة.

والذي أثار الجدل ليس هو ترشيح الباقوري للوزارة، بل قبوله الوزارة فعلا دون الرجوع إلى مكتب الإرشاد الذي هو عضو فيه فهكذا ذكر الأخ عبد الحفيظ الصيفي المحامي في مذكراته نقلا عن مذكرات حسن العشماوي " انتهى.

وهذا النص يؤيد رواية الأخ صلاح شادي في هذه النقطة ، ويؤكد أن الأخ حسن العشماوي تعمد أن يغفلها عند طبع كتابه:" الإخوان والثورة" والله أعلم.

أما الرواية الثانية التي نقلها لنا الشيخ الباقوري في نفس العدد من المسلمين ( العدد 30 الصادر في 4 شوال سنة 1405هـ فهي منقولة عن كتاب الرئيس محمد نجيب " كنت رئيسا لمصر" حيث قال في ص 167.

" كان مجلس قيادة الثورة قد قرر اشتراك الإخوان في الوزارة فاتصل عبد الناصر تليفونيا بحسن العشماوي يدعوه لمقابلته في إدارة الجيش. وفي هذا اللقاء عرض عبد الناصر عليه أن يشترك الإخوان في الوزارة وأن يكون هو – أعني حسن العشماوي وزيرا منهم- ورغم أن حسن العشماوي ترك هذه الخطوة ، كما علمت بعد ذلك، حتى يكون الإخوان على بينة من سير الأمور، وحتى لا يتركوا الثورة فريسة لمن يأخذها منهم، وفي هذا اللقاء الذي حضره معهما يوسف صديق اتصل جمال عبد الناصر بالمرشد العام وطلب منه ترشيح ثلاثة للوزارة، ورشح الهضيبي بصفته الشخصية- منير دله، وحسن العشماوي ومحمود أبو السعود.

وقبل أن ينهي عبد الناصر المكالمة اشتبك يوسف صديق مع حسن العشماوي في معركة كلامية وشكك في كفاءة الإخوان إذا ما دخل بعضهم الوزارة، فاستدل حسن العشماوي بالشيخ الباقوري على أن في الإخوان كفايات تستحق دخول الوزارة، وينتفع بهم فيها، فالتقط عبد الناصر اسم الباقوري وتحمس له واعتبره مرشحا أساسيا. إلا أن الهضيبي رفي البت في هذه المسألة وأحالها إلى مكتب الإرشاد، الذي رفض الاشتراك في الوزارة وأكد أن اشتراك الإخوان في الوزرة يضعف الإخوان ويقوي الثورة، لأنه يعطيها لونا إسلاميا يبرز مكانتها وسط الجماهير المصرية المسلمة ويمنحها ولاء الإخوان في كل مكان .

ثم اتصل عبد الناصر مرة أخرى بالمرشد العام ليسأله عن قرار مكتب الإرشاد، فقال إن مكتب الإرشاد قرر عدم الاشتراك في الوزارة فأجابه عبد الناصر ، لكننا أخطرنا الباقوري بموافقتك وطلبنا منه أن يلتقي بالوزراء في الساعة السابعة لحلف اليمين الدستورية. فرد الهضيبي أنا أرشح لك أصدقاء الإخوان للاشتراك في الوزارة ثم ذكر له اسم أحمد حسني الذي عين وزيرا للعدل، ومحمد كمال الديب الذي كان محافظا للإسكندرية. وفي اليوم التالي صدر قرار من مكتب الإرشاد بفصل الباقوري من هيئة الإخوان بعد أن أصبح وزيرا بساعات قليلة. وبذلك بدا الصدام بين الإخوان والثورة" انتهى.

ويلاحظ من هذه الروايات المتعددة ما يأتي:

1- أن الإخوة محمد حامد أبو النصر، وصلاح شادي، ومحمد المسماري (نقلا عن مذكرات الأخ عبد الحفيظ الصيفي) اللواء محمد نجيب يتفقون على أن عبد الناصر طلب من الإخوان الاشتراك في الوزارة، وأنه قد ثم ترشيح أسماء حسن العشماوي ومنير دله ومحمود أبو السعود والشيخ أحمد حسن الباقوري قبل عرض الطلب على مكتب الإرشاد، وكان هذا الترشيح إما مباشرة من المرشد أو بواسطة ممثلة الأستاذ حسن العشماوي وأن الثورة رفضت أسماء كنير دله، وحسن العشماوي ، ومحمود أبو السعود، وعينت الشيخ أحمد حسن الباقوري وزيرا، فاجتمع مكتب الإرشاد وقرر رف اشتراك الإخوان في الوزارة لسببين:

(أ‌) السبب الأول قاله الأخ محمد حامد أبو النصر، وهو أن المكتب ووجه بالتناقض عندما رفض عبد الناصر ترشيح حسن العشماوي ومنير دله للوزارة فاضطر لاتخاذ قراره برفض الاشتراك في الحكم. أي أن العنصر الشخصي هو الذي كان يقف وراء قرار مكتب الإرشاد.

(ب‌) السبب الثاني قاله محمد نجيب وهو أن الإخوان رأوا أن اشتراكهم في الوزارة يقوي الثورة ويصبغها بالصبغة الإسلامية ويخلق لها أنصارا من الإخوان المسلمين، وفي نفس الوقت يضعف الإخوان المسلمين. ولهذا السبب قرر مكتب الإرشاد فصل الشيخ أحمد حسن الباقوري من هيئة الإخوان بعد أن أصبح وزيرا بساعات قلائل. وبذلك بدأ الصدام بين الإخوان والثورة.

2- أن الأخ حسن العشماوي وحده هو الذي، لم يذكر في كتابه الإخوان والثورة أن الإخوان رشحوا أحدا للوزارة قبل العرض على مكتب الإرشاد، عندما طلب عبد الناصر من حسن العشماوي اشتراك الإخوان في الوزارة، ولا شك أن شهادة الأخ حسن هذه عليها محاذير هي:

(أ‌) أنه ه الذي بدأ بالترشيح قبل عرض الأمر على مكتب الإرشاد. ومن ثم فإن له مصلحة شخصية أن ينفي عن نفسه هذا الخطأ.

(ب‌) أن اسمه كان من بين المرشحين قبل عرض الأمر على مكتب الإرشاد، سواء كان الترشيح من عبد الناصر ثم رفضه المجلس لصغر السن أو كان الترشيح من حسن العشماوي لنفسه ومن ثم فإن له مصلحة شخصية أن يبعد احتمال أن يكون قد شح نفسه بنفسه.

وعلى هذا الأساس يمكن للمؤرخ أن يثق في الرواية التي أجمع عليها من ليس لهم مصلحة شخصية في هذه الواقعة الخطيرة، وهي أن جماعة الإخوان عندما طلبت الثورة منها الاشتراك في الوزارة رشحت أسماء معينة قبل العرض على مكتب الإرشاد، فلما رفضتها الثورة، وطلبت ترشيح غيرها قررت عدم الاشتراك في الوزارة بقرار من مكتب الإرشاد لسببين كلاهما

الأول: وهو ما قاله الأستاذ محمد حامد أبو النصر ويعني أن قرارات مكتب الإرشاد تصدر لاعتبارات شخصية وليس للمصلحة العامة.
والثاني : وهو ما قاله اللواء محمد نجيب ويعني أن مكتب الإرشاد بادر الثورة بالعداء، ورفض أن يصبغ الثورة بصبغة إسلامية، ويخلق له أنصارا من الإخوان المسلمين، ويعني ذلك أن مكتب الإرشاد قد صبغ ثمار كل الجهود التي بذلها الإخوان في تدعيم الثورة وتمكينها من حكم مصر حيث أنه بعد أن نجح الإخوان في ذلك، دفع هذا المكتب الثورة دفعا لمناهضة الاتجاه الإسلامي، باتخاذه هذا الموقف المعادي والثورة لا تزال في أول مراحلها، فكان سلوك هذا المكتب كسلوك" التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا" (النحل: 92).

ومن الرجولة أن يعترف الإخوان بهذا الخطأ بدلا من أن ينكروه ويقعا في خطر اشد ، هو بلبلة صفوفهم باتهام خيرة رجال الدعوة بالعمالة لعبد الناصر، لمجرد أنهم لم يرضوا عن مجاراة مكتب الإرشاد في خطته هذا الذي ضيع فرصة قلما يجود الزمان بمثلها وهي توجيه الدولة للحكم بشريعة الإسلام، بل وأوقع الإخوان في اشد محنة مرت بهم في تاريخ حياتهم، حيث وضعتهم تحت سنابك خيل جيش مصر، وكل أفراد هذا المكتب يعلمون هذه النتيجة مقدما والتي لم يشرعها أي حكم عسكري في العالم كما هو ظاهر في مناقشة الأخ حسن عشماوي لعبد الناصر قبل قيام الثورة من احتمالات حكم مصر في حالة نجاحها. وقد أوردنا ملخص هذه المناقشات من قبل، والرجوع إلى الحق فضيلة.

(جـ) الإشادة بالنظام الخاص ثم الوقوع في نفس الخطأ الذي أدى إليه فكر الأخ صلاح شادي في صفوف الإخوان:

قال الأخ محمد حامد أبو النصر في العدد 75 من جريدة " المسلمون" الصادر في 6 ذو القعدة سنة 1406هـ تحت عنوان النظام الخاص ما نصه:

" صنع الإمام الشهيد حسن البنا شباب الإخوان على عينه، وأعطاها من نفسه كل الحب والعاطفة، وكان يقول إنها حبات القلوب، وكان الشباب يبادله هذا الشعور بالتقدير والإحلال يستجيبون ويأتمرون بأمره.

وكان الأستاذ عبد الرحمن السندي من أقرب الإخوان إلى الإمام الشهيد في ذلك الوقت، فأسند إليه الإشراف على النظام للجماعة الذي أسس لتجهيز المتطوعين من الفدائيين لقتال الصهاينة في فلسطين وإقلاق الإنجليز في القناة.

وقد عرف هؤلاء الإخوة الفدائيون بالشجاعة ولإقدام وأبلوا في هذا المضمار بلاء حسنا" (انتهى) وإلى هنا يستقيم كلام الأخ محمد حامد أبو النصر مع الحقيقة بنتيجة لا يقبلها عقل أو منطق فيقول بنفس فكر صلاح شادي م سوف بدأ منه الفقرة التالية:

(د)هاجمة الأخ حامد أبو النصر لعبد الرحمن السندي وإثبات خطتها بالوقائع المادية:

يقول الأخ حامد ما نصه:

" مما جعل رئيسهم والمشرف عليهم عبد الرحمن السندي يتيه بالعجب والخيلاء ، فجره الغرور إلى الخروج على مبادئ الجماعة، وعدم التزامه بالسمع والطاعة لمرشدها، يضاف إلى ذلك التصرفات غير المسئولة التي وقعت في عهد الإمام الشهيد التي ضاق بها والتي بسببها صورت الجماعة بصورة مفزعة، وهكذا نشأت بؤرة الخلاف في العلاقة القائمة بينهما واتسعت"(انتهى).

وإني أسأل الأخ محمد حامد أبو النصر هل نجح جند عبد الرحمن في إخراج الإنجليز من مصر، حتى يتكون سببا يحتمل معه أن يتيه أصحاب الفكر المادي عجبا وخيلاء، أم أن من يريد أن يصفهم الأخ حامد أبو النصر بأنهم جند عبد الرحمن ويتناسى أنهم " جند الله" أوقعوا فقط ضربات موجعة بالإنجليز لم تحسم الموقف حسما يؤدي إلى الخيلاء؟ ولو فرضنا جدلا أنه قد تحقق على أيديهم خروج الإنجليز فهل يليق بأصحاب الفكر الديني من أمثال عبد الرحمن أن يقتلهم هذا النصر خيلاء وعجبا؟ هل يمكن أن يقبل ذلك عقل مؤمن؟

إن ما تنسبه يا أخ حامد أبو النصر بعد ذلك إلى عبد الرحمن من أنه خرج على مبادئ الجماعة ولم يلتزم بالسمع والطاعة لمرشدها الإمام الشهيد، وتضيف تصرفات غير مسئولة وقعت في عهده ضاق بها الإمام الشهيد وصورت الجماعة بصورة مفزعة، مما ترتب عليه وجود بؤرة الخلاف في العلاقة بينهما واتساعها، كله من خيال الأخ صلاح شادي الذي طالما كررتم قراءة مذكراته في مدة سجنكم الطويل حتى استقر قوله في الأذهان.

والحقيقة أن عبد الرحمن السندي وإخوانه ظلوا على كل الولاء لمبادئ الجماعة والسمع والطاعة للمرشد العام سواء في عهد الإمام الشهيد أو في عهد الأستاذ حسن الهضيبي ولكن الأستاذ حسن الهضيبي قبل بإصدار مكتب الإرشاد لقرار فصل هؤلاء الإخوان دون سبب ظاهر إلا قوله إنه لا يريد أن يغضب الأخ حسين كمال الدين( يرحمه الله) فهل يصح أن أعلن فصل الموالين للمرشد من الدعوة ومن الجماعة إرضاء للمخالفين لأوامر المرشد حتى لا يغضبوا في أي عرف من الأعراف؟ والله إن هذا المنكر لا يرضاه الرب ولا ذوي الفطرة السليمة.

وإني أعلم أن ما تقصده عن التصرفات غير المسئولة هو واقعة قتل الخازندار، وإني أحيلك إلى ظروف هذه الواقعة في الجزء الأول من هذا الكتاب لتعرف كيف واجهت قيادة النظام، وكيف واجه المرشد العام هذا الحادث المؤسف. وقد كتبته مفصلا بأمانة الرجال.

أما عن الصورة التي صورت الجماعة بها صورة مفزعة فهي صورة رسومتها أجهزة الإعلام المعادية وناقشتها المحكمة في قضية السيارة الجيب وبرأت الجماعة عامة والنظام الخاص خاصة من كل اتهام، وإني أحيلك إلى الجزء الأول من هذا الكتاب- لتعرف الحقيقة.

ثم يقول الأخ محمد حامد أبو النصر بعد ذلك ما نصه: " ويجيء بعده المرشد حسن الهضيبي رحمه الله تعالى وقد بايعه جميع الإخوان في شعب وتنظيمات الجماعة، وبدأت عجلة الجماعة تؤدي رسالتها لخدمة مبادئ الإسلام ولكن لوحظ أن السندي كعضو من أعضاء هذه الجماعة لم يتجاوب مع أوامر المرشد فقد أساء الظن وحدثته نفسه أن المرشد يعمل على حل هذا النظام الخاص، مع اعتقاده أنه شخصيا الباعث الوحيد لأمجاد هذه الجماعة، وقد تعمقت هذه المفاهيم الخاطئة في نفس السندي، وظهر ذلك في كثير من المواقف التي كان يجابه فيها المرشد. من أبرزها عندما توجه إلى المرشد في بلدته بعرب الصوالحة ومعه بعض أعوانه، ووجه ألفاظا نابية وعبارات قاسية كانت تحمل معنى التهديد، وفهم أيضا من هذا برغبته في الهيمنة على المرشد وإخضاع تصرفاته تحت إدارته، وقد تكررت هذه المواقف البغيضة في كثير من اللقاءات التي كانت تجمع بين المرشد والسندي وأعوانه.

ومن ثم تعذر التعاون بينهما، وانتشر في وسط الإخوان خبر تصرفات السندي، وتطاوله على المرشد، فبدأ التفكير في ضرورة النظر في إعادة تنظيم قيادات النظام الخاص والقائمين عليها، ومن هنا رأت الجماعة إبعاد أربعة من القائمين على هذا النظام" (انتهى).

وتعليقا على هذا النص فإني اخل بينك وبين ربك يا أخ حامد، فيما أفضت فيه عن نوايا عبد الرحمن السندي، التي لا يعلمها إلا الله وقد سبق أن سجلت لك ظاهر تصرفات عبد الرحمن السندي وإخوانه في قيادة النظام الخاص ، في عهد الأستاذ حسن الهضيبي من يوم اختياره مرشدا وحتى صدور فصل الأربعة بصفتك عضوا في الهيئة التأسيسية سنة 1953- 1954 فلم تكلف نفسك عناء قراءتها وظننتها منشورات من محمود الصباغ للنيل من مكتب الإرشاد ومن الهيئة التأسيسية، ولو أنك أنصفت دعوتك، والتزمت بقسمك الذي أقسمت لخدمة الدعوة، لقرأت هذا الذي أرسلته إليك جيدا وهو منشور بالنص في الفصل التاسع من هذا الجزء من الكتاب، ولعلمت مدى التيه الذي أدخل فيه الأستاذ حسن الهضيبي قيادة النظام وصفوف النظام، حتى اضطرت قيادة النظام للاستقالة من مسئوليتها عن النظام مع بقائها في عضوية الجماعة تسمع وتطيع، ولكن مكتب الإرشاد أبى إلا أن يصيغ قرار الاستقالة على أنه قرار فصل، وينشره في جميع الجرائد.

وإني من هذا الموقع من الكتاب، أطلب منك وأنت في موقعك مرشدا عاما للإخوان المسلمين أن تنطق بالحق في هذه القضية حتى تطهر الجماعة من معصية وقعت فيها، وهي لا تزال غارقة في آثارها لا يخرجها إلا التوبة والعودة إلى الحق ، وبهذا وحده ينفتح السبيل إلى نصر الله.

ولقد احتوت العبارات التي أرسلتها إليك في سنة 1953، ولكنك ألقيت بها وظننتها منشورات ضد مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية على حقيقة ما أسميته هنا أنه من ابرز المواقف الخاطئة التي وقع فيها عبد الرحمن السندي وإخوانه في قيادة النظام، تقول فيها أنهم عندما توجهوا إلى المرشد العام الأستاذ حسن الهضيبي في بلدته بعرب الصوالحة، وجهوا إليه ألفاظا نابية وعبارات قاسية كانت تحمل معنى التهديد، وأنه فهم أيضا من هذه الزيارة برغبتهم في الهيمنة على المرشد وإخضاع تصرفاته تحت إرادتهم، فقد قلت لك أن هذه الزيارة تمت في وقت كان التفاهم تاما بين فضيلة الأستاذ الهضيبي وبين قيادة النظام الخاص المشكلة من عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ ومصطفى مشهور وأحمد زكي حسن وأحمد حسنين بتكليف من الأستاذ الهضيبي. وأن الذي خرج على تعليمات الأستاذ الهضيبي خروجا صارخا هو ألأخ حسين كمال الدين مما اضطر مجموعة قيادة النظام إلى التوجه للمرشد العام ببلدته عرب الصوالحة وعرض الأمر عليه، فقد كان أمرا عاجلا وخطيرا. وأن المرشد العام استغرب جدا موقف الأخ حسين ووعد بالحضور إلى القاهرة في اليوم التالي لإنهاء هذا الموقف، وقد كان استقبال المرشد العام، لهذه المجموعة من قادة النظام الخاص في منزله بعرب الصوالحة أحسن استقبال وتوديعه لهم أحسن وداع، وقد بر فضيلته بوعده وحضر فعلا في اليوم التالي إلى القاهرة لإنهاء موقف الدكتور حسين كمال الدين ولكن الدكتور حسين كمال الدين صمم على موقفه فقال المرشد أنه:

" لا يستطيع أن يزعل حسين" مما اضطر الخمسة المسئولون عن النظام إلى الاستقالة، هذه هي حقيقة القصة كما كتبتها لك منذ خمسة وثلاثين عاما بصفتك عضو في الهيئة التأسيسية، وتجدها مفصلة في الصفحتين الأخيرتين من هذه الوثيقة التاريخية ولا يزال الأخوة مصطفى مشهور وأحمد حسنين وأحمد زكي حسن أحياء والحمد لله يمكنك أن تسألهم. ثم تصحح التاريخ المجيد لإخوانك الذين صقلتهم الدعوة الإسلامية بحمد الله فلم يخطئوا عامدين، فيتعلم الناس منك كيف يكون صدق الرجال إذا ما تربوا في ظل الدعوة المحمدية مبايعين على البذل والفداء حتى يلقوا الله وتعلو كلمة الحق. فإن كانت هذه الأوراق قد فقدت منك في زحام الصراع مع حكومة عبد الناصر. فإني أحيك إلى الفصل التاسع من هذا الكتاب حيث سجلتها بنصها من نسخة بقيت عندي منذ ذلك التاريخ إلى اليوم والله وحده هو الهادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

(هـ)الأخ حامد أبو النصر يوضح منهج المفصولين في عرض قضايا الدعوة ويبرئهم من اتهامات الإخوة صلاح شادي ومحمود عبد الحليم وهو لا يدري:

جاء في العدد 77 الصادر في 19 ذي القعدة 1406هـ من جريدة المسلمون بقلم الأخ محمد حامد أبو النصر العمود 4 تحت عنوان المفصولون يحاولون ما نصه:

" كنت قد علمت أن عبد الرحمن السندي ومن معه من المفصولين اتصلوا بالدكتور إبراهيم أبو النجا وطلبوا منه عقد اجتماع الهيئة التأسيسية في عيادته، فذهبت بنفسي إلى الدكتور في عيادته بجوار وزارة الأوقاف. وعندما قابلته ابتسم وقال. إنك ستطلب مني عدم اجتماع الهيئة هنا. وقال إنني لن أسمح لأحد بالاجتماع في عيادتي. وسأغلقها بيدي وكن في غاية الاطمئنان. ثق في كلامي. فشكرت له ذكاءه والتزامه الحفاظ على وحدة الجماعة وشربن القهوة وانصرفت.

وفي اليوم التالي ذهبت في الميعاد المحدد للاجتماع، فلم أجد أحدا، ووجدت باب العيادة مغلقا، فشكرت الله لأخي صدقه، وحسن صنيعته" (انتهى).

وأقول حياك الله يا أخي يا حامد أبو النصر فقد سجلت للإخوان المفصولين ولعبد الرحمن وسيلتهم لتصحيح مسار الدعوة، وكنت شاهدا بذلك على بطلان دعوى الأخ صلاح شادي التي ذكرها في كتابه: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر" في صفحتي 98، 99 ما نصه:

" في الوقت الذي احتلت فيه جماعة أخرى من إخوان السندي المركز العام للإخوان المسلمين بعد ذلك، مخططة لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكي في وهم أصحابه انقلاب الجيش" (انتهى).

كما كنت شاهدا بهذا التسجيل على بطلان القصة التي قصها الأخ محمود عبد الحليم في كتابه: " الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ" – نظرة من الداخل " الجزء الثالث" وادعى فيها في ص 67 ما نصه: " أن قيادة النظام احتلت دار الإخوان المسلمين بالعباسية واتخذتها مقرا لها. وأنها تطارد كل من يفكر تفكيرا يخالف تفكيرهم في اختيار المرشد، حتى أنه لم يعد أحد غير أفرادهم يجرؤ أن تطأ قدمه هذه الدار". (انتهى).

فسياسة الإخوة المفصولين سواء كانوا من قادة النظام الخاص أو من قادة الدعوة العامة أمثال صالح عشماوي وسيد سابق ومحمد الغزالي وأحمد جلال. وهم يحاولون تصحيح مسار الدعوة، كانت خالية من هذه الافتراءات التي لم يتورع الأخوين صلاح شادي محمود عبد الحليم أن يفتريانها إسهاما منهما في بناء حاجز سميك بين قلوب جماهير الإخوان وقلوب هؤلاء الإخوة الذين تربوا في أحضان الدعوة عشرات السنين. فما وهنوا ولا ضعفوا ولا استكانوا، أما الأخوين صلاح شادي ومحمود عبد الحليم فقد استباحا لأنفسهما مثل هذا التضليل ظنا أنهما يؤديان رسالة وحدة صفوف جماهير الإخوان ضد عدو هو قادة النظام وقادة الدعوة المفصولين، ولكن هيهات لهما ذلك. فإن الحق أنصع من أن تحجبه أقلام البشر. إن كل الناس اليوم يعرفون مقام محمد الغالي وسيد سابق في خدمة الدعوة الإسلامية والفقه الإسلامي فأقلامهما لا تزال تنشر الدعوة إلى الله والفقه بشريعة الله وإن صالح عشماوي رغم ما ناله من أذى هو الذي قدم مجلة الدعوة وهو صاحب حق امتيازها للجماعة وانضم إلى هيئة تحريرها فور خروج الإخوان من معتقلات عبد الناصر محتسبا عند الله كل ما أصابه من أمثال الأخوين صلاح شادي، ومحمود عبد الحليم.

أما سياسة الإخوة المهاجمين المفصولين وفضيلتك واحد منهم فهي واضحة في هذا الذي سجته فضيلتك في محاولة الحد من حرية الكلمة إذ أراد أصحابها أن يقولوها بالطريق المشروع إلى أعضاء الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، المسئولة شرعا عن سير الدعوة وبلوغها أهدافها، كيف يمكن يا أخ حامد أن تعتبر محاولة هؤلاء الرجال الاجتماع بأعضاء الهيئة التأسيسية وطرح أفكارهم ومعلوماتهم عن الحالة التي آلت إليها الدعوة، تفريقا للصفوف، فنسعى إلى إبطالها وأنت تعلم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الدين النصيحة" قال قلت لمن يا رسول الله ؟ قال : " لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم" (رواه الدرامي عن ابن عمر رضي الله عنه).

وما الفرق بين منطقك هذا ومنطق كل الساسة الذين حاولوا كبت الحرية والاستبداد بالشعوب وأنت تسعى إلى منع اللقاء وتبادل الفكر بين المسلمين؟

لم تكن هذه المرة الوحيدة التي يلجأ إليها الإخوان المفصولون إلى الهيئة ا لتأسيسية لتصحيح مسار ا لدعوة إلى النصيحة الواجبة شرعا.

1- فأنت تجد محمود الصباغ وهو من قادة النظام الخاص الذين قال المنقولون عنهم أنه من أولو القوة الذين يخططون لانقلاب يرأسه صالح عشماوي يحاكي في وهم أصحابه انقلاب الجيش يذكرك بوسيلته لتصحيح ما وقعت فيه الجماعة من أخطاء كما سجلتها في هذا الجزء من الكتاب وكانت على النحو الآتي:

القيام بالنصيحة الشرعية للأخ الدكتور عبد العزيز كامل (يرحمه الله)، ثم النصيحة الشرعية للأخ الشيخ محمد فرغلي (يرحمه الله)، فلما لم تجد النصيحتين، كتب مذكرة تفصيلية بالحقائق وسلمها إلى الأخ عبد المعز عبد الستار لعرضها على مكتب الإرشاد، وكان هؤلاء الثلاثة أعضاء في مكتب الإرشاد ويعلمون يقينا صحة كل الوقائع التي جاءت في هذه المذكرة، ولكن مكتب الإرشاد ل يحرك ساكنا فماذا عمل محمود الصباغ الذي يتقول المتقولون عنه أنه من أولى القوة بصفته عضوا في قيادة النظام؟ هل هدد وزمجر؟ لا. ولكنه ذهب إلى الأخ الشهيد الأستاذ سيد قطب يطلب نشر المذكرة على جماهير الإخوان في جريدة الإخوان جريدة الحق والحرية والقوة لتبل النصيحة جميع أفراد الإخوان المسلمين. ولكن الشهيد بعد أن طلب مهلة أسبوعا من الزمان اعتذر. فماذا عمل محمود الصباغ الذي يتقول المتقولون عنه أنه من أولو القوة بصفته عضوا في قيادة النظام؟ هل هدد وزمجر؟ لا ، ولكنه قدم النصيحة للأخ أحمد حسين عندما اكفهر الجو بين الحكومة والإخوان، وذلك بصفته أحد أعضاء قيادة النظام الذين وقعت كل هذه الأحداث على أيديهم وشاء القدر أن يحضر اللقاء الأخ مصطفي مشهور نائب المرشد العام للإخوان المسلمين وعضو قيادة النظام الخاص فلما صمم الأخ أحمد حسنين على التخلي عن القيام بواجبه الشرعي ثقة منه أن الإخوان سينتصرون وهم على هذا الخطأ الجسيم اضطر محمود الصباغ أن يعرض الابتهال إلى الله على كل من الأخوين مصطفى مشهور وأحمد حسنين أن ينصر الله الإخوان إن كانوا على حق وأن يهزمهم إن كانوا على باطل فابتهل الرجال الثلاثة بقلوب صادقة إلى الله على هذه النية وانصرفوا، ووقع أمر الله فلم يلتقوا إلا بعد خمسة عشر عاما حين خرج الإخوان العزيزان من السجون.

ولقد شهدت يا أخ حامد في مذكراتك أنك تلقيت الوثيقة التي كتبها الأخ محمود الصباغ واعتذر الشهيد سيد قطب عن عدم استطاعته نشرها على صفحات الجريدة الرسمية للإخوان المسلمين، وهي تحكي كل حقائق هذا الأمر بصفتك عضوا في الهيئة التأسيسية عسى أن تقوم بواجبك وتنفذ دعوتك قبل أن يلجأ المظلومون إلى الله، ولكنك ألقيتها جانبا واعتبرتها منشورات ضد الهيئة ا لتأسيسية وضد مكتب الإرشاد.

فأين هنا يا أخ حامد من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لا يتبع الرسول صلى ا لله عليه وسلم في حديث "الدين النصيحة" ؟ لا حرج ولا حياء في الحق والدين، والرجوع إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم وأبقى.

2- وأنت تجد من قادة الدعوة العامة الذين علموا كل الحقائق في هذه المرحلة من تاريخ الدعوة من أمثال الإخوة صالح عشماوي وسيد سابق ومحمد الغزالي الذين قال المتقولون عنهم أنهم استسلموا لقادة النظام الخاص ليولوهم مناصب قيادة الدعوة على أسنة الرماح. يتبعون نفس الطريقة الشرعية التي اتبعوها من قبل لترشيح الأستاذ حسن الهضيبي (يرحمه الله) مرشدا للجماعة وهي حتمية الحصول على قرار من الهيئة التأسيسية بالتمرير لتنصيب المرشد العام الجديد وكانوا في عملهم هذا متعاونون كل التعاون مع الأخوة منير دلة وحسن العشماوي وصلاح شادي وعبد القادر حلمي أصحاب الرأي في ترشيح فضيلته لمنصب الإرشاد. فلما اختفى الأستاذ حسن الهضيبي عن الأنظار في ظروف كان يتحتم فيها الصدام العنيف بين الحكومة والإخوان أو إيجاد مخرج سليم يجنب الإخوان عواقب هذا الصدام، لجأ هؤلاء القادة إلى نفس الأسلوب الشرعي فحصلوا على قرار من الهيئة التأسيسية للإخوان باعتبار المرشد الغائب فعلا في أجازة وتكليف لجنة من قادة الإخوان بالقيام على أمر الجماعة في هذه الظروف علها تنقذها مما آلت إليه حالها.

ولم يكن هناك فرق في الحالتين، فكانت حتمية الحصول على قرار الهيئة التأسيسية بالتمرير في الحالتين لا مفر منها لتعذر سماح الحكومة في الحالتين باجتماعها.

3- وأما المرة الثالثة فأنت شاهدها يا أخ حامد وقد كنت العامل الأساسي على إحباطها وهي لجوء هؤلاء الإخوان القدامى أولو الخبرة والرأي إلى دعوة الهيئة التأسيسية للاجتماع بعيادة الدكتور إبراهيم أبو النجا لتدارك الأمر قبل أن تتوتر الأمور فتصل إلى حد استحالة اجتماعها وحتمية الحصول على قراراتها بالتمرير فقد ذهبت غلى عيادة الدكتور إبراهيم أبو النجا وأخذت عليه الموثق أن يقفل عيادته ولا يسمح باجتماع الهيئة التأسيسية في مكتبه للنظر في شئون الدعوة في هذه الظروف الخطيرة مفضلا القيادة الدكتاتورية للجماعة عن القيادة الشورية التي أوصى بها ديننا الحنيف. فأين هنا يا أخ حامد من يتبع الرسول ومن لا يتبع الرسول في تطبيق قول الحق تبارك وتعالى :" وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله" (آل عمران: 159) وقوله جل شأنه: " وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون" (الشورى: 38).

ثلاثة نماذج من وسائل الإخوة المفصولين سواء من قادة النظام أو قادة الدعوة العامة تشهد على أسلوبهم الشرعي في أداء النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهن، تشهد أن هؤلاء الإخوان أبرياء منكل ما نسب إليهم عن التفكير في استعمال العنف لفرض أفكارهم، ولست في حاجة هنا لأعيد أن مكتب الإرشاد هو الذي أثار المخلصين من شباب الإخوان للتوافد على المركز العام وعلى منزل المرشد العام غاضبين من أسلوبه الاستفزازي في إعلان فصل أربعة من الإخوة من الجماعة ومن الدعوة دون ذكر أسباب أو مقدمات. فهؤلاء جميعا رجال دعوة لهم فكرهم الذي يجب على قادة الدعوة أن يناقشوه، ولهم أسئلتهم التي يجب على قادة الدعوة أن يجيبوا عليها، إذا ما وجهت إليهم وإن لم يفعلوا لكانوا كالأنعام التي يقودها الرعاة دون فكر أو تدبير.

إن نص قرار الفصل يقطع العلاقة بين عبد الرحمن السندي وبين كل المنتسبين للإخوان المسلمين بأمر مكتب الإرشاد، فكيف بكم تنسبون إلى عبد الرحمن أنه حرض عليكم الناس وقد فصلتموه وأعلمتم كل الناس أنه ليس منكم، ولا يمت بصلة إلى دعوتكم ؟ وأمامكم وسائل عبد الرحمن وإخوانه صارخة في اللجوء إلى القنوات الشرعية للجماعة لنقل الحقائق وتصويب المسار. لا حرج أن أقول إن الإخوان إذ يتبعون هذا السبيل يتساوون مع كل الأحزاب السياسية في الوسائل. لكبت الحريات رغم أنهم كانوا من ضحايا هذه السياسات، أولا يتدبروها؟؟ ويعودون إلى الحق معترفين بخطئهم عسى الله أن يبدل سيئاتهم حسنات، وأن يسوق على أيديهم النصر، قبل أن يستبدلهم بقوم غيرهم، ثم لا يكونوا أمثالهم. فالعاقل من استفاد من التجربة ، وأسرع إلى التصحيح.

رابعا: عن الشيح أحمد حسن الباقوري

كتب الأخ الشيخ أحمد حسن الباقوري عدة حلقات بعنوان ملامح ذكريات نشرتها جريدة "المسلمون" ابتداء من العدد التاسع الصادر في 16 رجب سنة 1405هـ حتى العدد الصادر في 29/ 12/ 1405هـ ثن أتبع ذلك حلقة بعد الأخيرة نشرت في العدد 34 الصادر في 14/ 1/ 1406هـ وقد تعرض في هذه الحلقات إلى النظام الخاص فوقع في أخطاء لا عذر له فيها إلا أنه لم يكن من أفراد النظام الخاص.

الشيخ أحمد حسن الباقوري لنفسه من هذه الأخطاء حيث سجل في العدد الخامس عشر الصادر في 28 شعبان 1405هـ تحت عنوان لم أعلم بالنظام الخاص ما نصه:

" وما دام الحديث حديث النظام الخاص، فإنني أبدأ بعد ذلك بأن أقرر- لله وللتاريخ- أن نشاطي في جماعة الإخوان المسلمين لم يجاوز المحيط العام- خطيبا في مسجد أو محفل فلن يكون لي علم بالأنظمة السرية. بوجه من الوجوه. ومبلغ علمي أن النظام الخاص الذي يسميه بعض الناس بالجهاز السري إنما أنشئ لتدريب الراغبين في الجهاد عن طريق العمل الفدائي في فلسطين أولا ، ثم في مصر ضد الاحتلال البريطاني لمنطقة قنال السويس. وقد تكلم الأستاذ المرشد كثيرا عن شعوره إزاء الاحتلال الأجنبي في منطقة القنال، ولا ريب أن في مقاومة الاحتلال عنا وهناك، كان يستلزم فتح باب العمل الفدائي ضد قوات الاحتلال. وكلك فعل الإخوان فقاموا بأعمال رائعة في ميدان الجهاد في فلسطين وفي معارك القناة، وقد شهد بروعة هذه الأعمال وارتقائها في إلى مستوى البطولة جميع الذين عاصروا هذه المعارك من رجال الجيش ومن أبناء فلسطين، وليس ينسى الناس تلك الكلمة التي كان يتحدث بها الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين وزعيمها فيقول في صدق المجاهد، أن اليهود ليسوا فقط في فلسطين ولكنهم كذلك في مصر وفي كثير من البلاد العربية" (انتهى).

الشيخ أحمد حسن الباقوري ينقل عن الغير أخطاء قاتلة عن النظام الخاص ليس لها ظل من الصحة:

ولكن الشيخ الباقوري رغم هذا يروي أخطاء قاتلة عن النظام الخاص. وهو في نفس الوقت يبرأ منها إلى الله في صراحة ووضوح فيقول في العدد الخامس عشر الصادر 28 شعبان سنة 1405 تحت عنوان عبد الناصر في النظامين ما نصه:

" غير أن الذين كتبوا عن الإمام الشهيد وعن نظام الجماعة العام والخاص، هم بلا ريب من الثقات العدول، ولذلك آخذ عنهم مطمئنا إلى كل كلمة يقولونها وفي طليعتهم السادة الإخوان صلاح شادي- ومحمود عبد الحليم- وعبد الحفيظ الصيفي، وحسن عشماوي وغيرهم.

ولو كنت قد علمت هذا عن طريق الاتصال بهذه الأحداث. لما وجدت أدنى حرج في أن أذكر ما ذكرت، وأن أسنده إلى نفسي ومعلوماتي الخاصة، لأن التاريخ أمانة يسأل الله عنها عباده المؤمنين" يوم لا ينفع مال وزلا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" (انتهى).

إذن فضيلة الشيخ الباقوري وهو ينقل أحداثا عن النظام الخاص صوابها وخطئها إنما ينقلها عن هؤلاء الإخوة الذين جعلوا همهم أن يحملوا على النظام الخاص وعلى رئيسه الأخ عبد الرحمن السندي، وكان يكفيني هذا الذي يقوله الشيخ أحمد حسن الباقوري، مؤونة مناقشة ما جاء في مذكراته عن النظام الخاص ولكنها أمانة التاريخ تحتم علي أن أدلى بالحقيقة لتصحيح ما جاء في كلامه من أخطاء. وتأييد ما كان فيه صواب.

1- فأما الصواب الذي جاء في كلام الشيخ الباقوري خلاف النصوص التي ذكرناها أعلاه فهو ما نص عليه في نفس العدد السابق من جريدة "المسلمون" تحت عنوان عبد الناصر في النظام الخاص يقول:

" وكان يقوم على تدريب بعض هذه التشكيلات الفدائية، بعض الضباط في القوات المسلحة من أعضاء النظام الخاص ومن بينهم جمال عبد الناصر نفسه، وهذه الحقيقة يعرفها كثير من الإخوان ويستطيع الحاج حسني عبد الباقي وهو علم من أعلامهم أن يوضح أمرا يعرفه أصدق المعرفة، فقد كان يستضيف مجموعات من أولئك الفدائيين وعلى رأسهم (يقصد ومنهم) جمال عبد الناصر وهم يؤدون تدريباتهم في قريته بين أسماع الناس وأبصارهم" (انتهى).

وفضيلة الشيخ الباقوري بهذا النص يثبت الحقيقة بأن جمال عبد الناصر كان جنديا من جنود النظام الخاص، وقد نفاها الكثيرون، وأسجل هنا بصفتي من قادة النظام الخاص صحتها.

2- وأما عن الأخطاء التي قال بها الشيخ أحمد حسن الباقوري غفر الله لي وله ذلك الذي ورد في نفس العدد:" وليس يجهل أهل الرأي من الإخوان أن من أهم هذه المجموعات التي كانت تقوم بالتدريب في جبل المقطم هي المجموعة التي كان يدربها المهندس سيد فايز- الذي قتله النظام الخاص- بعد أن انشق بعضهم على بعض وقد كانت طريقة قتله تجافي المروءة والدين، وتبعث الأسى في أنفس الذين يحترمون مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلك أن الذي فعله تحري ذكرى المولد النبوي الشريف فبعث إليه في بيته صندوقا من حلوى المولد، فلما حاول فتح الصندوق انفجر في وجهه فقتله" (انتهى).

وهذا النص يظهر بشاعة جرم من أذاعوا زورا وبهتنا من غير دليل ولا بينة أن عبد الرحمن السندي هو الذي قتل السيد فايز فقد وقع الشيخ في تقرير هذا الاتهام كما وقع فيه الكثيرون من الإخوان المسلمين لا ينقذهم من ههذ المعصية إلا أن يبادروا بالتوبة. وقد سبق أن درسنا كل ما قيل عن هذا الحادث الأسيف ليرجع إليه القارئ في الفصول السابقة من هذا الجزء من الكتاب. ولا يبق لي من تعليق على هذا النص إلا أن المجموعات التي وصفها الشيخ الباقوري بأنها كانت من أهم المجموعات التي كانت تقوم بالتدريب في جبل المقطم ، ليست إلا مجموعة كسائر المجموعات التي يدربها النظام في الجبل سواء بقيادة الأخ السيد فايز أو بقيادة غيره.

3- ويلي هذا الخطأ خطأ آخر وقع فيه الشيخ أحمد حسن الباقوري حيث سجل في العدد الثالث عشر الصادر في 14 شعبان سنة 1405هـ ما نصه:

" ومن سوء حظ الدعوة أن هذا النظام الخاص رأى أن ينتقم لإسقاط المرشد في الانتخابات بدائرة الإسماعيلية، وكان من أشد المتحمسين لفكرة الانتقام هذه محام شاب يتمرن على المحاماة في مكتب الأستاذ عبد المقصود متولي الذي كان علما من أعلام الحزب الوطني وهو المحامي محمود العيسوي.

فلما أعلنت حكومة الدكتور أحمد ماهر باشا الحرب على دول المحور لكي تتمكن مصر بهذا الإعلان من أن تمثل في مؤتمر الصلح إذا انتصرت الديمقراطية على النازية والفاشية رأى النظام الخاص أن هذه فرصة سنحت للانتقام من رئيس الحكومة أن يوجه محمود العيسوي إلى الاعتداء على المرحوم أحمد ماهر، فاعتدى عليه في البرلمان بطلقات سلبته حياته التي وهبها لمصر منذ عرف الوطنية (رحمه الله) انتهى.

والحقيقة أن كل ما جاء في هذا النص لا يمت إلى الحقيقة بصلة، فإن النظام الخاص لم يفكر أبدا في الانتقام لإسقاط المرشد في الانتخابات، فكل الناس تعرف أن الانتخابات في مصر كثيرا ما تزور، وقد كان تزويرها ضد الأستاذ المرشد، أكثر حالات التزوير وضوحا، وقد تدخلت فيه القوات الإنجليزية، ثم انتهى الأمر بأن دعا الإمام الشهيد الحشود الغاضبة من الإخوان إلى الهدوء والانصراف مأجورين فانصرفوا جميعا مكتفين بما بدا لكل الناس في الإسماعيلية.

ومن الناحية الأخرى فإن محمود العيسوي لم يكن أبدا من أعضاء النظام الخاص، ولو يوجهه أحد من أعضاء النظام الخاص إلى ارتكاب حادث اغتيال أحمد ماهر باشا، بل إن النظام الخاص كان له فكره المستقل إزاء موقف أحمد ماهر باشا من إعلان الحرب على الألمان، فكر مبني على قواعد الشريعة الإسلامية السمحة. وقد سبق لنا ذكر موقف النظام الخاص من أحمد ماهر باشا إزاء عزمه على إعلان الحرب على الألمان بصدق الرجال في الجزء الأول من هذا الكتاب فليرجع إليه القارئ إنشاء الله أو يكتفي بما أسجله هنا من أنه لا توجد أي علاقة بين النظام الخاص وبين قتل محمود العيسوي لأحمد ماهر باشا على الإطلاق.............................................................................................................................................................................................................................................................................................(ص 286 ص 287 ليست واضحة )

مستشفى قصر العيني وقت أن كان يمضي فيه عقوبة السجن في قضية السيارة الجيب. وكان ذلك في يونيو سنة 1951، وقد مكث عنده في هذه الزيارة وقتا طويلاـ فيقول فيها بعض أعضاء النظام. إ هذه الزيارة كانت فاصلة في التفاهم بينهما. وقد كان أول لقاء تم بينهما بعد ثورة يوليو على قبر الشهيد حسن البنا" (انتهى).

والحقيقة أن هذه الفقرة بعضها مأخوذ من حملة الأخ صلاح شادي على عبد الرحمن السندي وهي دعوى أن عبد الرحمن السندي ليس على مستوى ثقافي وفكري يؤهله لهذه المسئولية ولهذا رفض عبد الناصر أن يعمل تحت رئاسة السندي. ذلك لأن المستوى الثقافي لعبد الرحمن السندي يعلو المستوى الثقافي لعبد الرحمن السندي يعلو المستوى الثقافي لعبد الناصر. حيث أن عبد الرحمن أتم دراسته الثانوية ثم التحق بكلية الآداب سنتين أما عبد الناصر فلم يزد على الثانوية وعدة أيام في كلية الحقوق حول بعدها إلى الكلية الحربية. فضلا على أن عبد الرحمن السندي تثقف ثقافة إسلامية في مدرسة الدعوة وباشر عمليات ودراسات عسكرية إسلامية في المجال التطبيقي تفوق ثقافة عبد الناصر الإسلامية والعسكرية بمراحل. ولذلك كان جمال عبد الناصر ملتزما بقواعد النظام تماما ولم يحاول أبدا الخروج عنها. ولم يرفض أبدا العمل تحت رئاسة السندي، حتى أعفاه الأستاذ الهضيبي من العمل في الجماعة، وعين: الأخ صلاح شادي ضابط اتصال بينهما ضمانا لحصول جمال عبد الناصر على تأييد الإخوان عند قيامه بالثورة.

أما الفقرة الثانية التي تدور حول زيارات عبد الناصر للسندس في مستشفى القصر العيني فإنها صحيحة شكلا، وخطأ موضوعا. صحيح أن جمال عبد الناصر كان يتردد على عبد الرحمن السندي أثناء وجوده في القصر العيني ولكن ليس في ذلك الوقت عضوا ملتزما في النظام الخاص وحتى خروج عبد الرحمن السندي من القصر العيني في مارس سنة 1951 وليس في يونيو سنة 1951 كما يقول الشيخ الباقوري: ولكن بغرض عرض فكرته في تشكيل تنظيم الضباط الأحرار على النحو الذي ذكرناه وذكرنا نتائجه بالتفصيل من قبل. فلما انتهى الأمر بموافقة فضيلة الأستاذ الهضيبي على اقتراح عبد الناصر وتم تعيين الأخ صلاح شادي ضابط اتصال بين المرشد العام وبين جمال عبد الناصر في هذا الموضوع، انتفت أي علاقة حركية بين عبد الرحمن السندي وبين جمال عبد الناصر. وتفرغ عبد الرحمن السندي للعمل على توحيد صفوف النظام الذي يقع تحت مسئوليته. وإن بقيت علاقات الصداقة والمحبة بين الرجلين ، لعدم وجود ما يعكر صفوها، فقد التزم كل بالنظام وقواعده حتى استقل كل منهما عن الآخر في العمل وذلك بتعليمات المرشد العام ودون أي نزاع.

وليس صحيحا أيضا أن أول لقاء بين عبد الناصر والسندي بعد نجاح الثورة كان عند قبر الإمام الشهيد بل إن جمال عبد الناصر فور نجاح الثورة زار عبد الرحمن السندي في منزله وأهدى أولاده بسكليتا، ومعنى ذلك استمرار الصداقة والزيارة كلما سمحت الظروف.

6-جاء في العدد السادس عشر من مجلة الإخوان المسلمين كانت تتألف من التنظيم العام للجماعة وإلى جانبه التنظيم الخاص الذي كان ينتظم شعبتين، شعبة يرأسها الأخ عبد الرحمن السندي، وشعبة أخرى يرأسها الأخ صلاح شادي. ولا ريب أن هذا الازدواج كان أمر تضيق به صدور المصلحين الذين يقوم عملهم الأصيل على توحيد الكلمة بين العاملين ولذلك حاول الأستاذ المرشد العام حسن البنا أن يوحد قيادة النظام الخاص حتى لا ينفرد السندي باتخاذ القرارات دون رجوع إلى المرشد العام، فدعا إليه الأخ صلاح شادي ثم طلب إليه أن يصحبه إلى منزل السندي الذي كان يجتمع فيه مندوبو النظام في القاهرة والأقاليم، غير أن السندي رفض أن يحضر الأخ صلاح هذا الاجتماع، وهذا بلا ريب موقف غريب لا مناص من اعتباره تمردا على قرار اتخذه رأس الدعوة ومرشد الإخوان المسلمين حسن البنا، وإذا كان المجتمعون قد أيدوا السندي في موقفه، فإن ذلك لا يعني إلا انشقاقا قد حدث في صفوف الجماعة ولم يكن في وسع الأستاذ البنا أن يعلن إلى الإخوان هذا الموقف حتى لا يوجد فرقة أو خلافا وخاصة أن السندي ومن معه كان لهم رأي في الأخ صلاح شادي ونظامه فكانوا ينكرون وجوده أصلا.

وإن من أعجب العجيب أن الأخ السندي في موقفه هذا لم يكن يلاحظ الظروف الصعبة التي واجهت المرشد العام بسبب تحرض الحكومة بالجماعة واضطهادها إياها. وذلك تصرف غريب ربما حمل على سوء الظن به وخاصة إذا اقترن ذلك بما كان يشاع عنه من أنه يتخذ القرار الخطيرة دون الرجوع إلى المرشد العام. إذ كان هو الذي حكم على القاضي الخازندار بالإعدام، وكان هو الذي أمر بنسف شركة الإعلانات الشرقية. فهذان أمران لم يكن ليرضى عنهما من يؤثر مصلحة الدعوة. ويلتمس لها أن تبلغ غايتها في إصلاح المجتمع على أسس صالحة يرضاها الله تعالى لعباده المؤمنين" (انتهى).

والحقيقة أن كل ما جاء في هذه الفقرة مغلوط إلا ما جاء بشأن قرار قتل القاضي الخازندار فهو صحيح، ولكن عبد الرحمن اتخذ هذا القرار في ظروف وطنية خاصة، فهم فيها خطأ أن المرشد العام قد أضاء له الضوء الأخضر في هذا الشأن ، وقد وقفت قيادة النظام وقيادة الجماعة من هذا الأمر موقفا إسلاميا صحيحا سبق أن فصلناه في الجزء الأول من هذا الكتاب فمن شاء فليرجع إليه.

أما كون الجماعة انتظم نظامها الخاص في أيام الإمام الشهيد شعبتين واحدة برئاسة السندي والثانية برئاسة صلاح شادي فهذا قول غير صحيح حيث كان هناك نظام خاص واحد يرأسه السندي وكان صلاح شادي يرأس قسما علنيا في الدعوة هو قسم الوحدات ويؤكد ذلك ما قاله الأخ صلاح شادي بنفسه في هذا الخصوص في كتابه: " صفحات من التاريخ- حصاد العمر"

والصحيح هو أن فضيلة المرشد العام حاول أن يرضي الأخ صلاح شادي بتوضيح أنه لا مانع شخصيا في ضمه إلى قيادة النظام، ولكن قواعد النظام هي التي لا تسمح بضمه إلى قيادته مباشرة، فاصطحبه المرشد إلى اجتماع قيادة النظام ليتلقن هذه الحقيقة عمليا ويقتنع بها، ولم يكن في هذا أدنى مساس بوحدة الجماعة ولا أدنى شائبة حول حدوث انشقاق بين صفوفها لم يكن المرشد العام يملك إعلانه، فذلك كله من مبالغات قلم الأستاذ الباقوري أو مبالغات من نقل له هذه المفاهيم دون أدنى إلمام بالحقيقة.

هذا وقد كانت هذه الواقعة قبل مقتل الخازندار، لك يكن هناك أي تحرش من قبل الحكومة بالإخوان ، يبرر ما يقوله الشيخ الباقوري في هذا الشأن.

أما نسف شركة الإعلانات الشرقية وغيرها من الممتلكات اليهودية، فإنها لم تتقرر بقرار انفرادي من عبد الرحمن كما يقول الشيخ الباقوري. ولكن هذه العمليات نفذت بتوجيه من اللجنة العليا لإنقاذ فلسطين بقصد تنبيه اليهود إلى أن إصرارهم على قيام إسرائيل سيعرض أموالهم في كل البلاد العربية إلى ضياع محقق. وقد كانت هذه الأموال هائلة الحجم، قوية التأثير في توجيه القرارات السياسية في كافة الدول العربية، ولكن اليهود لم يستجيبوا لهذا لأنهم كانوا يرون أنهم سينشئون إسرائيل الكبرى التي تفوق في نفعها لهم أضعاف ما يعود عليهم من هذه الأموال.

7-جاء في العدد 17 من جريدة"المسلمون" الصادر في 13 رمضان 1405 هـ تحت عنوان: " الهضيبي يشترط" من ملامح ذكريات الشيخ الباقوري ما نصه:

" وكان الرجل بلا ريب صادقا مع نفسه غير أنه اشترط لقبول هذا المنصب الجليل ثلاثة شرط أولها: أن يكون وكيله من رجال القانون.

ثانيها: إبعاد اثنين من أعضاء الهيئة التأسيسية الأخ عبد الحكيم عابدين والأخ طاهر الخشاب.

ثالثها: حل النظام الخاص الذي كن يقول في شأنه أنه لا يجوز في حركة إسلامية قيام جهاز سري. وقد أرسل هذه المقولة مثلا سائرا:

" لا سرية في العمل للإسلام" وقد أجيب الرجل إلى ما طلب. إلخ (انتهى).

والذي يعنينا في هذه الشروط هو الشرط الثالث الذي يدخل في موضوع هذا الكتاب.

فالحقيقة أن أحدا من قادة النظام الخاص لم يسمع بهذا الشرط. والعكس هو الصحيح، وهو أن قيادة النظام الخاص عضت على فضيلة الأستاذ الهضيبي الخيار بين حل النظام الخاص أو تغيير قيادته، مع محاكمة المسئولين عنه عن كل ما قيل بشأن أعماله سنة 1948 وما قبلها. لكنه صمم على استمرار النظام الخاص، مع ضرورة بقاء جميع أفراده، بما في ذلك جميع المسئولين عنه، كل في مكانه من الصف من قبل اختياره مرشدا عاما، كما رفض فضيلته فكرة المحاكمة عن الماضي قائلا إن الماضي كله اجتهاد ولمن أصاب أجران ولمن أخطأ أجر.

ولابد لي قبل أن أختم هذه الفقرة أن أشير إلى أن القول بأنه لا يجوز في حركة إسلامية قيام جهاز سري أو "لا سرية في العمل للإسلام" هو قول غير صحيح ما دام المسلمون في حرب مع أعدائهم " فالحرب خدعة" كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : والسرية هي أدنى مراحل الخدعة، ولا حرج فيها شرعا ولا قانونا إنما الحرج الشرعي والقانوني يقع في الموضوع لا في الشكل سواء كان سرا أو علنا.

خاتمة هذه الفقرة:

وبعد، فإلى هذا الحد أحسب أنني صححت كل ما نشر بأقلام إخوانية من أخطاء عن النظام الخاص وقيادته، من بداية تشكيل النظام الخاص في دعوة الإخوان المسلمين وحتى قرار فصل قادته في عهد الأستاذ حسن الهضيبي ما عدا ما نشره الأخ حسن دوح ضمن مذكراته في جريدة "المسلمون" وقد كنت حريصا على عدم التعرض إلى أي موضوع آخر، من الموضوعات المتعلقة بنشاط الدعوة على كثرتها وأهميتها، التزاما مني بالتخصص الذي تخصصت فيه، وبعدا عن الخوض فيما لا أدري بواطنه من أمور، فأضر ولا أفيد وأشوه التاريخ، ولا أحققه. وأعتقد أنه لو التزم كتاب الإخوان كل بالكتابة في النشاط الذي مارسه شخصيا دون الدخول في غيره، لتجمعت من هذه الكتابات الصورة الحقيقة لتاريخ الإخوان المسلمين، ولأمكن تنقية هذه الصورة من كثير من الشوائب التي أحاطت بها بسبب اجتهاد الكتاب في تصوير الأحداث التي لم يشاركوا فيها، واعتمادهم على النقل من غيرهم وهم يؤرخون للدعوة، بعد إضافة ما يمكنهم من تعبيرات فلسفية، واستنتاجات عقلانية يصيغونها على أنها حقائق لمسوها وأحسوها في حياتهم ، والله يعلم أنها أبعد ما تكون عن الحقيقة.

ولابد لي وأنا في هذا المقام أن أنبه القارئ الكريم إلى أنني تعمدت أن أهمل تصحيح ما كتبه الأخ محمود عبد الحليم في الباب السابع من كتابه: " الإخوان المسلمون- أحداث صنعت التاريخ- نظرة من الداخل" (الجزء الثالث) فهو لم يعالج في هذا الباب إلا الموضوعات التي تم لي تصحيحها في فصول هذا الكتاب المختلفة، وأشير إليها بأقلام غيره من الكتاب ولم يمنعني من إعادة النظر في صياغة الأخ محمود عبد الحليم لهذه الموضوعات إلا ما ثبت لي من أنه أباح لنفسه أن يختلق في صفحات 66، 67 من كتابه هذا واقعة خرافية، ليدافع بها عن وجهة نظره الخاطئة، بمنهج كتاب القصة لا كتاب التاريخ، فأصبحت باقي كتاباته عندي لا تستأهل التصحيح، بل ينبغي أن يلقي بها جميعا في سلال المهملات.

خامسا: عن الأخ حسن دوح

أما ما جاء في مذكرات الأخ الكريم الأستاذ حسن دوح التي نشرت في جريدة المسلمون من العدد 148 الصادر في 13/ 4/ 1408هـ إلى العدد 159 الصادر في 2/ 7/ 1408 فإنها لا تزيد عن مذكرات طالب من طلبة الجامعة، يذكر للناس الدور الوطني لطلبة الجامعة تحت زعامته في الشئون الداخلية لمصر أو في حرب فلسطين وحرب القنال، وقد كان جميع من تصدروا هذه الأعمال الوطنية والعسكرية في هذه الحقبة من الزمن من طلبة الجامعة من الإخوان المسلمين. حيث كانت للإخوان المسلمين زعامة طلبة الجامعة المؤثرة بدأ بالأخ مصطفى مؤمن، وانتهاء بالأخ حسن دوح. وهذه الفترة تغطي الأربعينات وحتى قيام ثورة يوليو سنة 1952.

وإنني لم أعتبر فيما قاله الأخ حسن دون ما يستأهل التصحيح، فهو إما وقائع صحيحة عن بطولات الإخوان في المجالين الداخلي والعسكري سواء في فلسطين أو في القنال وقد ذكرناها تفصيليا في الجزء الأول من هذا الكتاب. أو آراء شخصية بعضها ظاهر صوابه وبعضها ظاهر خطؤه.

ولعل أكبر خطأ تاريخي وقع فيه الأخ حسن دوح هو قولته في العدد 149 الصادر في 20 ربيع الثاني 1408 هـ ما نصه: " أما أخطاء حسن البنا فأجدها في إطلاق يد الجهاز السري وتسليمه لقيادات غير موفقة. فخرج من الرسالة التي حددها له حسن البنا. وكان من أسوأ ثماره أنه أسرع بالرصاص إلى من توهمهم أعداء. فارتد الرصاص ليقتل الرجل الصالح حسن البنا".

وكذلك قولته في العدد 150 الصادر في 27 ربيع الثاني 1408هـ ما نصه:

" أما عن رأيي في موقف الإخوان من هذه الأحداث الداخلية فإنني أعتقد أنهم أخطأوا في تسليم الجهاز السري لقيادة غير ناضجة عقائديا وسياسيا. أقول عقائديا لأن الإخوان كانوا يصدرون في هذه الفترة عن عاطفة إسلامية عارمة دون دراسة فقهية عميقة فمثلا لماذا أقدموا على قتل النقراشي؟ ما الأساس الفقهي الذي استندوا إليه في قتله؟ وقتلوا رئيس محكمة هو الخازندار لإصداره حكما كان بها ملفات شبابهم. فما حجتهم في هذا القتل؟ وهموا ينسف محكمة كان بها ملفات تضم قضايا تخاصم. وهذه الحوادث تحتاج إلى تأصيل فقهي دقيق.

وأمامي أسئلة كنت أود أن يطرحها الإخوان على أنفسهم من أعطاهم الحق في مثل هذه التصرفات؟ وهل هم جماعة المسلمين أم جماعة من المسلمين؟ ومن يكون مرشدهم . هل هو ولي أمر المسلمين؟ وهل لهم الحق في الفتيا خاصة في القضايا العامة؟ ...إلخ.." انتهى.

وقد اتخذت جريدة المسلمون عبارة الأخ حسن دوح أن قيادة الجهاز السري للإخوان المسلمين غير ناضجة عقائديا وسياسيا إعلانا على حلقاته قبل أن تبدأ في نشرها فأرسلت له برقية أنبهه أنه وقع في خطأ شرعي لا يصح أن يقع فيه مسلم وهو اتهام المسلمين في عقائدهم، عله يتدارك خطورة هذه المعصية فيمنع الجريدة من إعادة نشرها على الناس، ولكنه رد على نافيا أنه قال هذا الكلام وأكد أنني لن أجده في الموضوع بل هو إعلان صيغ من الجريدة للإثارة. وها قد ظهر أن قوله غير صحيح . وأن موضوعه حوى هذه العبارة التي تخالف شريعة الإسلام، بل إنه كرر هذه العبارات بنصها في كتابه آلام وآمال على طريق الإخوان المسلمين ص 24، 25، 28، 29.

وكان رده هذا قد وصلني بعد نشر الحلقة الثانية من حلقاته التي دافع فيها عن الأعداء الذين قتلوا الإمام الشهيد من حيث لا يدري، وقد نبهته في ردي على خطابه إلى هذه الأخطاء التاريخية التي تتم عن جهل مطبق بتاريخ الإخوان المسلمين وأعتقد أن الأخ حسن دوح وكل من قرأ حلقاته سيجدون الرد المقنع في هذا الكتاب على أسئلته التي سألها فيعلمون أنهم كانوا على خطأ مبين. وقد شاء قدر الله أن تنشر الحقائق الموضحة لكل هذه الأمور في هذا الكتاب بجزئية. فتطمئن القلوب. وتتحد الأفكار على الحق والخير إن شاء الله. ولا شك عندي أن ذلك لن يضيع على القارئ الكريم أي حقيقة من الحقائق المتعلقة بالنظام الخاص وقيادته عن الفترة من بداية تشكيله وحتى صدور قرار الفصل.

الخاتمة

لقد قصدت أن أجعل الفصل العاشر خاتمة لكتابي " حقيقة النظام الخاص ودوره الوطني والديني في دعوة الإخوان المسلمين" بجزئية الأول والثاني، حيث جمعت في هذا الفصل كل ما نشر خطأ عن النظام الخاص بأقلام إخوانية وصححته، بعد أن صححت ، بعد أن صححت كل الأخطاء التي نشرها الأخ صلاح شادي عن النظام الخاص وقيادته في كتابه" صفحات من التاريخ- حصاد العمر" في الفصل السادس من هذا الجزء من الكتاب.

ولولا أن ما نشره هؤلاء الإخوان عن النظام الخاص وقيادته قد بلغ من الحجم ما يثير اضطراب المؤرخين لهذه الفترة من حياة الدعوة، ويفتح أمامهم المجال المنقول عليها وعلى رجالها، بكل ما يفقد لغة الأجيال القادمة في جدوى العمل في المجال الإسلامي والتربية الإسلامية، إذا استقرت في الأذهان صحة كل هذه الأخطاء التي نشرت في حق رجال نشأوا وترعرعوا في أحضان الدعوة، وأبلوا في ميادين العمل والجهاد في سبيل نشرها بلاء حسنا استحق إعجاب وتقدير كل من عرفوه، ولولا هذا لما تحملت هذا الجهد الشاق.

وقد كان من أهم الدوافع التي دفعتني إلى هذه الكتابة، أن جميع من كتبوا عن النظام الخاص لم يكونوا من أعضائه، فجاءت كتاباتهم كلها سماعية، إما بعيدة كل ا لبعد عن الحقيقة ، أو محرفة أو مبالغ فيها، وذلك على الرغم من أنهم عليهم هذه الحقائق. ولعل من أخطر ما نشره هؤلاء الكتاب هو نسبة قتل الشهيد السيد فايز إلى الأخ عبد الرحمن السندي التي أثار غبارها عاليا الأخ صلاح شادي، ولم يتردد الأخوين الشيخ أحمد حسن الباقوري والأخ محمود عبد الحليم من ترديدها كأنها حقيقة مسلمة، رغم ما في ذلك من معصية لله تبارك وتعالى، فقد أشاعوا .......................................................................................................................................................................................................................... (صفحة 398 ليست واضحة)


ولا شك عندي أنه إذا التقى الإخوان على المفاهيم الصحيحة لأحداث الماضي ، وصفت قلوبهم من أسباب هذا الاضطراب الذي ساد الصفوف في وقت كانت أشد ما تكون فيه إلى الأخذ والرد، هذه الآية التي تعدل ما في الأرض جميعا لتحقق لهم النصر بإذن الله، قال تعالى: " وما النصر إلا من عند الله إن عزيز حكيم"

الدروس المستفادة من هذه الفترة في حياة جماعة الإخوان المسلمين في مصر

الدرس الأول: (الصدق في القول):

إن الحكمة من كتابة التاريخ هي نقل الدروس والعبر من واقع الأحداث إلى الأجيال التالية للاستفادة بها، فإذا لم يلتزم المؤرخ الصدق في نقل هذه الأحداث فإنه يضيع الحكمة من كتابته بل ويتحمل وزر الكذب على أهله، كما قالوا: " من يكذب التاريخ يكذب أهله" . فالصدق عند التأريخ أمر ملزم لكل مؤرخ يخشى الله في عمله.

وبالمثل فإن التخفيف من خطورة الأخطاء الواضحة التي يقع فيها قادة الأمم والشعوب، واستخراج المبررات التي تحولها إلى عبقريات وأمجاد، تضيع الحكمة من قراءة التاريخ، لأنها تزيفه، وإذا اكتفى القارئ بالمرور على هذه الأخطاء على أنها مجرد رأي واجتهاد، لصاحبه أجر إن أخطأ، وأجران إن أصاب، فإنه يضيع الحكمة من قراءاته للتاريخ، بل إنه يهدر قيمة الخبرة التي يجب أن يتحلى بها كل قائد، ويضيع الحكمة من ضرورة قدرته على الدراسة العميقة المبنية على الحقائق، والاستفادة من التجارب السابقة في مجال النشاط الذي يقود فيه، قبل إسناد مركز القيادة إليه، فإذا كان القائد قائدا لعمل إسلامي كان حتما عليه أن يلتزم بما شرعه الله ورسوله للمسلمين في القول وفي العمل حتى إذا تعارض ذلك مع قدرته وخبراته، حيث لا علم ولا قدرة الحق تبارك وتعالى وعلمه.

وليس من حسن الرأي في الإسلام، أن يظهر القائد لجنوده غير ما يبطن وهم في مرحلة الإعداد والتدريب، لأنهم إذا اكتشفوا ذلك، وتحققوا منه، يفقدون الثقة في أقوال قائدهم وأفعاله،فهم يقرأون دائما قول الحق تبارك وتعالى: بسم الله الرحمن الرحيم" يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون،. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون . إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص" (الصف: 2- 4).

ولقد أثبتت تجربة هذه الفترة من حياة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، الإعجاز القرآني وهم يعلم المسلمين الصدق في القول عند العمل، حيث ربط الحق تبارك وتعالى بين هذه الصفة من مكارم الأخلاق وبين استواء صفوف المقاتلين في المعارك ارتباطا لم يكن يخطر على قلب بشر لولا أن القرآن الكريم قد جلاه، وأفصح عن حكمته إفصاحا لا يترك مجالا للبس أو غموض.

وقد رأينا بين دفتي الجزء الثاني من هذا الكتاب كيف أدى أسلوب الإمام الهضيبي في إخفاء نيته قبل النظام الخاص عن قادته وإظهار عكسها، لمدة زادت عن سنتين، ثم اكتشافهم بالدليل القاطع أنه يعمل بغير ما يقول، مما اضطرهم إلى الاستقالة فضاع الجهد الذي بذلوه لانتظام الصف لمدة سنتين أو يزيد، بل انفرط عقد الصف كله وظهرت لأول مرة في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين مشاحنات جماعية وعلنية بين فصائلها ما كان أغناهم عنها.

الدرس الثاني: (حسن الإعداد للعمل):

ثبت بالدليل القاطع عندما أصدرت قيادة النظام الخاص قرارها بالاستقالة، أن الإمام الهضيبي كان قد رسم خطته بالاتفاق مع الدكتور حسين كمال الدين، على أن يجد جميع الإخوان المسلمين للجهاد في سبيل اله دون الحاجة إلى النظام الخاص، وهذا هو التفسير الوحيد لتصميم الدكتور حسين كمال الدين بالقول وبالعمل على فكرة أن يكون رؤساء المناطق هم رؤساء النظام الخاص في مناطقهم. فالأخ الدكتور حسين كمال الدين كان من قدامى الإخوان المسلمين الذين فقهوا دينهم، فلم يظهر أبدا غير ما يبطن، حتى واجه الإمام الهضيبي بما يثبت وجود هذا الاتفاق بينهما، وذلك بأن رفض تعليماته الواضحة الصادرة له، وهو جالس بمكتبه في الدار القديمة للمركز العام والإمام الهضيبي جالس في مكتبه بالدار الجديدة، لا يفصلهما إلا عرض الشارع، وكانت هذه التعليمات منقولة إليه في حضوري على لسان نائب الإمام الهضيبي وهو الأخ الدكتور خميس حميدة، ولكنه رفضها رفضا علنيا، كان الأحرى أن يغضب منه الإمام الهضيبي، ولكنه ومن عجب قال قولته الفاصلة عندما أبلغه نائبه بالرفض " أنا لا أستطيع أن أزعل حسين" وذلك على النحو الذي فصلناه في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

ولم يكن هناك من تثريب على الإمام الهضيبي ومن كان على رأيه من معاونيه، أن يروا هذا الرأي، خاصة أنه رأي مقبول إذا صح العزم على القيام بثورة شعبية لإجلاء الإنجليز عن مصر، اقتداء بثورة سنة 1919 م التي قام بها شعب مصر بأجمعه بقيادة الزعيم سعد زغلول يرحمه الله، وإن كان لكل منهم أسبابه للأخذ بهذا الرأي ، فقد كان السبب الأساسي للدكتور حسين كمال الدين هو اعتقاده أن وجود النظام الخاص يخلق ازدواجية في قيادة الإخوان داخل المكاتب الإدارية وأهمه مكتب إداري القاهرة الذي كان يرأسه، وكان السبب الأساسي للأخ صلاح شادي في العمل على تحقيق هذا الرأي بكل الوسائل هو كرهه للنظام الخاص أصلا وبخاصة قائده الأخ عبد الرحمن السندي يرحمه الله.

وكان السبب الأساسي للإمام الهضيبي للأخذ بهذا الرأي هو إعجابه الشديد بثورة سنة 1919 م باعتبار أنه كان عضوا سريا من أعضائها، فكان طبيعيا أن يفكر وقد أصبح قائدا لأكبر جماعة إسلامية في العالم أن يقود شعب مصر لثورة مشابهة، لإجلاء الإنجليز عن مصر بفارق واحد هو أن يكون الإخوان المسلمون هم قوام هذه الثورة وعصبها، وقد أصابت هذه الفكرة قبولا حسنا عند الدكتور حسين كمال الدين لأنها تعزز وجهة نظره في تعديل أسلوب قيادة النظام الخاص، فتمسك بهذا التعديل تمسكا ظاهرا وهو مطمئن إلى أنه يتفق تماما مع وجهة نظر فضيلة المرشد العام.

وليس أدل على تأثر الإمام الهضيبي بفكرة ثورة 1919 ، من ترشيحه لأحد زملائه في هذه الثورة وهو الأستاذ عبد العزيز على وزير الشئون البلدية والقروية السابق في أوائل عهد ثورة يوليو سنة 1952، ليكون مسئولا عن تجمعات الإخوان المسلمين التي بدأت في الظهور والتجمع بعد أزمة سنة 1954، وذلك في خلال الفترة من سنة 1957 إلى سنة 1963، حين بدأت هذه التجمعات تبحث عن شخص أو أشخاص يكون لهم فريق وثقل لدى الإخوان، ليناط به أو بهم أمر قيادتهم، وقد نقل إليهم الأخ الشيخ عبد الفتاح إسماعيل ترشيح الإمام الهضيبي للأستاذ عبد العزيز على، ليكون هو القائد ذو البريق والثقل لدى الإخوان المسلمين على النحو الذي رواه الأخ أحمد عبد المجيد في كتابه " الإخوان وعبد الناصر" .

وقد بدأ الأستاذ عبد العزيز على فعلا ممارسة ما أنيط به من مسئولية عنه هذه التجمعات ، دون أن يكون له سبق في تنظيمات الجماعة، ولا يميزه عن غيره من الناس إلا مشاركة للإمام الهضيبي في النشاط السري لثورة 1919م.

وقد اكتشفت هذه التجمعات فور التقائها بالأستاذ عبد العزيز على عدم درايته الكافية بأمور ومشاكل الجماعة أو الخط التربوي الإسلامي الذي تنشئ عليه رجالها فلم يدم ارتباطها به إلا فترة وجيزة من الزمن، ثم انفضوا عنه، ولكن بتكتيك منظم وبعد الحصول على إذن من الإمام الهضيبي بهذا الانسحاب. (انتهت شهادة الأخ أحمد عبد المجيد).

ومما يعزز عندي شهادة الأخ أحمد عبد المجيد هذه ، أنني رأيت بنفسي الأستاذ عبد العزيز على سجينا مع الإخوان المسلمين في السجن الحربي في قضية سنة 1965، التي كان أحمد عبد المجيد متهما فيها وذلك حين اعتقلت للتحقيق معي في أسباب الزيارة الوحيدة التي زارني فيها الأخ أحمد عبد المجيد بمنزلي قبل اتهامه في هذه القضية وكان في صحبة الأخ عثمان إبراهيم، وقد جاءت هذه الزيارة في أقواله في التحقيقات فأثارت شكوكا ضدي عند المحقق، فأمر باعتقالي.

كما يعزز أيضا عندي شهادة الأخ أحمد عبد المجيد، ما ظهر لي من أنه في أقواله عن هذه الزيارة لم يتجاوز الحقيقة، رغم أن ما وقع عليه من تعذيب كن يبرر له أن يكذب ليرضيهم، فذكر أنه لم يكن يعرفني من قبل هذه الزيارة وهو صحيح، وأنه جاء في صحبة الأخ عثمان إبراهيم عندما قابله صدفة وهو في طريقه إلى زيارتي وهو صحيح، وأن انشغالي بوجود ضيوف عندي حال بيننا وبين أن نتكلم في أي شيء خاص بالدعوة أو نشاطها وهو صحيح ولهذا تم الإفراج عني وزالت كل الشكوك التي كانت قائمة في ذهن المحقق.

ولا يمكن لأحد أن يلوم الإمام الهضيبي على تعديل المنهج العسكري للإخوان، إذا اتجه إلى قيادتهم في محاربة الإنجليز إلى هذه الوجهة التي خيرهما سنة 1919 ، لو أنه طرح فكرته للمناقشة بادئ ذي بدء وجمع كلمة الإخوان المسئولين عليها، وأتم الإعداد صحيحا في ضوء المتغيرات الكثيرة بين الحركة الوطنية سنة 1919 والحركة الإسلامية سنة 1953.

ولكن الواقع أثبت العكس تماما، وهذا هو موضوع الدرس الثاني ، فقد فوجئ الكثيرون من أفراد القيادات المؤثرة في الإخوان المسلمين، عندما شعروا ببدأ الإمام الهضيبي تنفيذ خطة مشابهة لخطة ثورة 1919، ولكنها كانت موجهة ضد جمال عبد الناصر وليست ضد الإنجليز، (وسوف نذكر نماذج من آثار هذه المفاجأة على فشل هذه الخطة في الدرس الرابع والأخير من هذه الدروس).

كان هؤلاء الإخوان يعلمون يقينا أن المرشد العام لم يهيئهم وهم في مراكز قيادية للجماعة على تنفيذ مثل هذه الخطة، ويعلمون يقينا أن المرشد العام لم يهيئ باقي صفوف الإخوان لهذا الهدف المفاجئ، مما أسهم إسهاما كبيرا في فشل حركته، وتمكين عبد الناصر من رقاب الإخوان، يقطعها كيف يشاء، ومن أجسادهم يعذبها كيف يشاء، دون أن يجد أدنى مقاومة، وهو أمر ثابت دون خلاف، ويقطع بانعدام أي صورة من صور الإعداد قبل الدخول في المعركة، وانعدام الوعي بأبعاد قول الحق تبارك وتعالى:" وأعدوا لهم ما استطعم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون". (الأنفال: 60).

هذا الوعي الذي فقهه الإمام الشهيد وطبقه فعلا، فقاد الإخوان في معارك ضد اليهود في فلسطين وضد الإنجليز في كل من القاهرة والقنال، وأنزل بهم (بفضل طاعة الله بتنفيذ حتمية الإعداد قدر الاستطاعة) ضربات موجعة، أجبرت اليهود على التضحية بالنقراشي باشا حين اضطروا إلى كشف عمالته لهم، وأمروه بإعلان الحرب على الإخوان وتحريم قيام جماعة أو هيئة في مصر تدعو إلى ما يدعون إليه، فانصاع لأوامرهم رغم ما كان بينه وبين الإخوان في هذه الفترة من تعاون وطيد، وانعدام وجود أدنى سبب ليطعنهم به من الخلف، مما اضطر الإخوان إلى مقابلته عندما ثبتت لهم عمالته لليهود، فقتلوه وهزموا حزبه واستعادوا وجودهم الشرعي في مصر واستعادوا ممتلكاتهم وأموالهم في مدة قياسية لم تتجاوز ثلاث سنوات، كما أنهم أجبروا بعملياتهم ضد الإنجليز في القاهرة والإسكندرية، الجيش الإنجليزي على الانسحاب من العواصم المصرية والتقوقع في منطقة القنال، ثم أجبروه بعملياتهم ضده في منطقة القنال على القبول بالانسحاب من مصر نهائيا، وصدق الله العظيم القائل: " ولينصرن الله من ينصره إ، الله لقوي عزيز. الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور" (الحج:40-41)

ولكن القيادة الجديدة للإخوان، لم تدرك كنه الإعداد ولا أهميته، لأنها لم تكن عند بدء تسليمها لقيادة الإخوان قد انضمت بعد إلى صفوفهم، فلم تستفد هذه القيادة من التجارب العديدة التي مارسها الإخوان في القتال، واعتقدت أن التنظيمات العلنية للإخوان كافية لتحقيق النصر في أي معركة تخوضها بهم، فدخلت مع عبد الناصر في معركة لم تتدبر نوع احتياجاتها في هذه الظروف الجديدة ولم تعد الوسائل اللازمة لخوضها ، ولذلك كان فشلها عند التنفيذ فشلا ذريعا فأوقعت الإخوان في أكبر محنة مرت بهم في تاريخهم منذ إنشاء جماعتهم إلى اليوم، ما كان أغناهم عنها.

الدرس الثالث: (الالتزام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية):

وهذا الدرس هو أهم الدروس المستفادة من هذه المرحلة لأنه درس في شرعية الجهاد في سبيل الله التي تضمن نصر الله للمسلمين.

لقد كان المبدأ الثابت والمعلن على جميع الإخوان المسلمين من إمامهم الشهيد الإمام حسن البنا يرحمه الله، هو أن الجهاد العسكري المشروع للإخوان المسلمين في مصر، إنما يكون ضد الإنجليز المحتلين لأرض مصر، واليهود الساعين إلى احتلال أرض فلسطين وكل من يحتل جزءا من أرض الوطن الإسلامي الكبير، فإن ظهر للإخوان المسلمين أعداء آخرون لا يعلمونهم ، ولكن الله يعلمهم، فإن جهادهم عسكريا يصبح فرضا على الإخوان المسلمين في مصر فور أن يكشف الله لهم هؤلاء الأعداء، فيبادرونهم بالعدوان، فتحل مجاهدتهم فإن قاتلوهم وجب عليهم قتالهم، وذلك تطبيقا لنص الآية الكريمة: " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم . وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون" (الأنفال: 60).

هذا هو الفقه الذي علمه الإمام الشهيد للإخوان المسلمين والذي تمثل في واحد من شعارات الإخوان المسلمين المعلنة على الناس كافة " الموت في سبيل الله أسمى أمانينا " والذي تم تطبيقه عمليا كما سبق أن ذكرنا بالتفصيل في الجزء الأول من هذا الكتاب.

فهل التزمت القيادة الجديدة للإخوان المسلمين، وهي تقود الإخوان إلى معركة مع عبد الناصر بهذا الفقه لتستحق النصر والتأييد من الله؟

الحقيقة أنها لم تلتزم، فقد قررت هذه القيادة القيام بثورة شعبية ضد جمال عبد الناصر قبل أن يعلن عليهم جمال عبد الناصر الحرب، وكان قرارها هذا بسبب ما وقع بينها وبين جمال عبد الناصر من خلافات في بعض ما يصدره من تشريعات وقوانين، وآراء فيما يتعلق بالمفاوضة مع الإنجليز بشأن الجلاء عن مصر.

وهو لكان هذا القرار متفقا مع أحكام الشريعة الإسلامية التي تعمل جماعة الإخوان المسلمين على تطبيقها؟

بالقطع لا، لأن الله تبارك وتعالى يقول:" يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا" (النساء:59).

وتطبيقا لهذه الآية الكريمة كان منهج الإمام الشهيد في رد ما يتنازع فيه مع أولى الأمر هو المنهج الذي يسمح به دستور مصر، وهو المنهج الديمقراطي ، ولهذا السبب رشح الإمام الشهيد نفسه ليستطيع أن يرد أولى الأمر إلى الله ورسوله من تحت قبة البرلمان، ورشح كثير من الإخوان المسلمين أنفسهم لتمثيل شع بمصر من هذا الموقع.

ولم يكن هناك من حرج في تنظيم المظاهرات الشعبية لإعلان رأي الإخوان في المسائل المصيرية مثل المعاهدات مع الأعداء. كما حدث في عهد صدقي باشا من مظاهرات أسقطت مفاوضات صدقي بيفن، فالتظاهر أمر يسمح به دستور مصر لينبه الحكام إلى رأي الشعب مباشرة في المسائل المصيرية من شئون حياته، أما تدبير خطة لمقابلة أولي الأمر بقوة السلاح قبل أن يبادروا حملة الدعوة الإسلامية بالقتال كما فعل النقراشي باشا، فإن ذلك لم يكن من منهج الإمام الشهيد لحرصه على الالتزام بشرع الله حتى يضمن نصر الله المضمون بقوله جل وعلا: " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز" (الحج: 40).

الدرس الرابع: ( نماذج من الخلل الذي أصاب خطة الإمام الهضيبي بالفشل):

1- كان أول مظهر من مظاهر الخلل عندما بدأ الإمام الهضيبي في تنفيذ خطته بالثورة الشاملة ضد جمال عبد الناصر، أن اختفى فضيلته عن الأنظار، ووجه الإخوان إلى إعلان عزمهم على الثورة ضده بإصدار نشرة سرية أسماها" الإخوان في المعركة" وأصدر تعليماته إلى مجموعات الإخوان المسلحة بقتل عبد الناصر، وترك تنفيذ ذلك لأي مجموعة تستطيع التنفيذ، وبأي خطة تضعها هذه المجموعة.

لقد فعل الإمام الهضيبي ذلك وهو يعلم أن الصف خلفه مضطرب وأنه لم يعد الإخوان إعدادا كافيا للتنفيذ، ولم يكن له الوقت الكافي لمثل هذا الإعداد، فإن سنة واحدة من بدأ الخلاف بينه وبين عبد الناصر لا يمكن أن تكفي لإعداد الإخوان لثورة شاملة تؤتي ثمارها بالنجاح والتوفيق.

2- كان من نتائج ذلك أنه لما علم الأخ فتحي البوز بالتعليمات الصادرة للمجموعات المسلحة بقتل جمال عبد الناصر ، وبهذه الطريقة العشوائية، هاله هذا الأمر، واستشعر خطورة نتائجه على الجماعة، فمر على جميع رؤساء المجموعات المسلحة وهم جميعا يعرفونه ويعرفون سبقه في الجهاد في سبيل الله، وألغى لهم هذا الأمر فأطاعوه لما هو معلوم عنه من الوفاء للدعوة والتضحية في سبيلها، ولكنه لم يتمكن من مقابلة المسئول عن مجموعة واحدة هي مجموعة الأخ هنداوي دوير، الذي استمر في الإعداد لتنفيذ تعليمات الإمام الهضيبي بقتل جمال عبد الناصر.

وإنني إذ أسجل هذه الواقعة إنما أسجلها كشهادة للتاريخ، اعترف لي بها الأخ البوز متطوعا ودون أن أسأله عندما جاء إلى المملكة العربية السعودية لأداء فريضة الحج، ونزل هو وأسرته ضيفا علي في جدة بعض الوقت.

3- كان الأخ هندواي دوير يسكن في نفس العمارة التي يسكن فيها الأخ الدكتور عبد العزيز كامل يرحمها الله، ولم يكن لدى الأخ هندواي دوير أدنى شك في أن مثل هذا الأمر الجلل لابد وأن يكون معلوما لدى الأخ الدكتور عبد العزيز كامل لمركزه في الجماعة فهو عضو بمكتب الإرشاد وله جهاده المجيد في الدعوة إلى الله. فعرض عليه خطته لقتل عبد الناصر، وأدرك الدكتور عبد العزيز كامل فداحة هذا الخطب الذي لم يسمع به من مرشد الإخوان ولا من أحد من أعضاء مكتب الإرشاد، ولم يكن في وسعه أن يثني الأخ هندواي دوير عن طاعته لتعليمات صادرة له من قيادته، كما لم يكن في وسعه أن يلتقي بالمرشد العام لتدارك هذا الأمر لاختفائه عن الأنظار في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الدعوة، فلجأ إلى إبلاغ عبد الناصر من قبل أن تقع الكارثة، ويلقى الإخوان المسلمون من جيش مصر حرب إبادة لا قبل لهم بها. وإنني إذ أسجل هذه الواقعة إنما أسجلها كشهادة للتاريخ، أعترف لي بها الأخ الدكتور عبد العزيز كامل لما كان بيننا من علاقة تنظيمية وطيدة من قبل صدور قرار الفصل، ولم تكن هذه العلاقة قد تأثرت بهذا القرار بعد صدور قرار الفصل، بل استمرت أخوتنا في الله صافية لوجهه تعالى حتى انتقل هذا الأخ العزيز إلى جوار ربه راضيا مرضيا.

4- لقد تمكن عبد الناصر في ظل هذه الظروف من إلقاء القبض على الأخ هندواي دوير وعن طريقه ألقى القبض على مجموعته، وقرر على إثر ذلك القضاء على الإخوان المسلمين في مصر، وأعد لذلك خطته بأن أمر هندواي دوير بتنفيذ محاولة الاغتيال بنفس الخطة التي كان قد أعدها مع رجاله، ولكن تحت عين الحكومة وبصرها، واتخذ إجراءاته لعمل مسرحية محاولة اغتياله في المنشية على النحو المعروف والمشهور والتي أعلن على أثرها الحرب على الإخوان المسلمين فلم يجد أدنى مقاومة.

وإنني إذ أسجل هذه الواقعة إنما أسجلها نقلا عن مذكرات الإمام عمر التلمساني المرشد العام الثالث للإخوان المسلمين، وإن كان فضيلته لم يشر غلى دور الأخ الدكتور عبد العزيز كامل في روايته لأنه لم يعلم بها، وكان كل ما علم به هو احتضان جمال عبد الناصر للأخ هندواي دوير حتى ينفذ تمثيلية محولة الاغتيال، فنشرها في مذكراته كما سمعها.

إن هذه النماذج الأربعة من الخلل الذي أصاب خطة الإمام الهضيبي بالفشل ينبغي التأمل فيها بعمق حتى يدرك القارئ العزيز عمق الدروس المستفادة منها وكثرتها.

واله وحده هو الكفيل بأن يبصر القائمين على أمر جماعة الإخوان المسلمين بأن يعيدوا النظر في خططهم بحيث تتفق دائما مع شرع الله ورسوله للمسلمين. وليتخذوا المثل الصحيح فيما ورثوه عن الإمام الشهيد مؤسس هذه الجماعة من نظم ووسائل أثبتت الأيام عمق الفكر الذي أنتجها مع شدة الالتزام بالتطبيق الإسلامي الصحيح.

محمود الصباغ
24/ 11/ 1403هـ
14/ 5/ 1993م

المفاصلة

أكتب لك أيها القارئ العزيز خبر هذه المفاصلة ونحن في 9/ 4/ 1412 هـ الموافق 16 أكتوبر 1991م أي بعد ما يقرب من أربع سنوات من الانتهاء من تسجيل الحقائق الواردة في هذا الكتاب، وقد قضيت أغلب هذه المدة في مراجعة الأخوين مصطفى مشهور، وأحمد حسنين بصفتهما الشاهدين الوحيدين الأحياء على صحة ما سجلته من حقائق متعلقة بقيادة النظام الخاص في هذا الجزء من الكتاب، لعلي أصل إلى حقيقة السبب الذي يمنعها من تقديم هذا الجزء كما فعلا بالنسبة للجزء الأول حيث اتفقا على أن يكتب مقدمته الأخ مصطفى مشهور فنفذ ذلك جزاه الله خيرا.

ولعل سائلا يسأل ولماذا لم تطلب من الأخ أحمد زكي حسن الشاهد الثالث الذي لا يزال حيا من مجموعة قيادة النظام الخاص أن يحل محل الأخوين مصطفى مشهور وأحمد حسنين ؟ فأجيب أن الأخ أحمد أطال الله عمره من الإخوة الأحبة الثقاة الذين شهدوا كل الأحداث المسجلة في هذا الكتاب والمتعلقة بقيادة النظام الخاص، ولكن شهادته وهو أحد الإخوة المفصولين قد تجد سبيلا إلى الطعن فيها لهذا السبب فلا تؤتي بثمرتها بل وتضر أكثر مما تفيد بالوقوع في أخاء جديدة في حق أحمد زكي حسن.

وقد تبين لي بيقين واطمئنان أن الأخوين مصطفى مشهور وأحمد حسنين متفقين على عدم تقديم هذا الجزء من الكتاب لأسباب لا تتعلق بظروف المحنة القاسية التي تعرضت إليها الجماعة في عهد عبد الناصر ولا بظروف التركيز على عملهم للمستقبل الذي أجبرتهما عليه هذه المحنة، خاصة وقد انقضى وقت كاف قارب على ا لأربعين سنة يمنح الجميع الجو المهيأ لتصحيح الخطأ دون أي عائق أ اثر ضار وأن الأسباب الحقيقية لامتناعها لا تعدو الاجتهاد بالرأي البشري وتغليبه على الفتوى الشرعية وهو ما لا يمكن أن يقبل من أحد المسئولين فضلا عن أحد من قادتهم أو المتصدرين منهم للقيادة في الحقل الإسلامي.

ولهذا السبب وجدتني مضطرا إلى المفاصلة بيني وبين هذين الأخوين فكتبت بتاريخ 18/ 12/ 1411هـ إلى الأخ مصطفى مشهور أعلنه بأنني لا أستطيع أن أبقي على أخوته لتصميمه على تغليب الرأي البشري على الفتوى الشرعية وإن أبقيت على علاقتي به كزميل في الأرصاد الجوية طوال عمري التطبيقي وإني إذ أسجل نص هذا الخطاب والردود التي تبادلناها بشأنه، إنما أقصد أن أنقل إلى القارئ العزيز صفة تطبيقية من صفات المسلمين حين يتمسكون بمبادئهم فيزول في معاملاتهم أي أثر للمجاملة على حساب الحق مهما كانت التضحية وعظم الفداء.

بسم الله الرحمن الرحيم
الزميل العزيز الأستاذ مصطفى مشهور.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أكتب إليك لما يربطني بك من زمالة وثيقة في حياتنا الخاصة فقد تجاوزنا على درج واحد في الأولى الثانوية وتزاملنا في الجامعة أربع سنوات أعقبها خدمة طويلة في حقل الأرصاد الجوية، لم يمسها شائبة فقد كنا بنعمة الله زملاء أوفياء.

إنني لا أكتمك وأنا أرقب عن بعد موقفك في مجال خدمة الدعوة الإسلامية من إصرار على السكوت على الخطأ بل والدفاع عنه، بدلا من تصحيحه وتحذير العاملين في حقل الدعوة من الوقوع في مثله، لا أكتمك نفوري الشديد من هذا الموقف العجيب الذي لا يقبله ديننا الحنيف. فأنت تعلم يقينا أن الخمسة الذين دعوا إلى قيادة النظام الخاص دعوه لم يمكنهم لها ردا بسبب التأكيد على جديتها في المرة الأخيرة، والتشدد في قبولهم لها كجنود للدعوة، حينئذ لم يختلفوا أبدا مع قيادة الجماعة منذ هذا التكليف، بل عملوا كوحدة واحدة في جد لتنظيم الصف حتى عاد الدكتور حسين كمال الدين من سويسرا، وصمم على هدم الصفوف والخروج على تعليمات المرشد، وحينئذ فقط وعندما أعلن المرشد أنه لا يستطيع أن " يزعل حسين" صممنا نحن الخمسة على الاستقالة من قيادة النظام الخاص وأعلنا الأسباب وأعلنا التزامنا أن نبقى جنودا واشتركنا في اختيار الأخ يوسف طلعت قائدا للنظام.

وتعلم يقينا أن الأمر قد انقلب تماما على صفحت الجرائد بقرار الفصل الذي أدهشك الإطلاع عليه عندما عرضته عليك، وأنه لابد أن يكون وراء هذا الانقلاب أسبابا عميقة تفسره.

لقد استغل حادث قتل الشهيد سيد فايز لتشويه صورة المفصولين ضمانا لخطر مزعوم يخشى منه أصحاب القرار على صفوف الإخوان، وذلك لاستخدامه لقطع الصلة بين المفصولين وبين جميع الإخوان حتى لا يكون لأحد منهم أثر في توجيه أحد من الإخوان ضد الخط الذي رسموه للجماعة.

وإذا كنت قد حققت هذا الحادث وأعلمتك بكل نتائج التحقيق الذي انتهى إلى احتمال واحد، وإن كان لم يقم عليه دليل مادي حتى الآن هو أن تكون حكومة عبد الناصر ممثلة في أنور السادات هي التي نفذت الحادث، فإن هناك احتمال أن يكون لهذه الحكومة شركاء على صلة وثيقة بسيد فايز يبلغوه بتوقع وصول الطرد وفتحه على الفور، فينفذ طلبهم ويتحقق القتل الذي كان يمكن أن لا يتحقق لو أن سيدا شك في محتويات الصندوق كما هو معلوم ، خاصة أنه لم يتعود أن يتلقى هدايا على هذا النحو من أحد وهو أعلم بمثل هذه الأمور.

ومن عساه أن يكون هذا الحميم لسيد الذي أبلغ هذا، إلا أن يكون أحد الذين يريدون استخدام نتائج الحادث لتحقيق مآرب له، وقد كان هذا هو الاحتمال الأكبر المتمم لحبكة الحادث.

وقد أدى سكوتك وسكوت أحمد حسنين عن إظهار الحقيقة وأنتم شهودها إلى كل هذه البلبلة في عقول الإخوان ونفوسهم، ولم يكن هناك أقل من أن تقدم لكتابي الذي يوضح الحقيقة لتكون شاهدا بهذا التقديم على صحة وقائعه، أما أن تصمم على الرفض إلى اليوم فهو ما يجعلني أبعد الناس منك أن كنت أقربهم إليك.

المخلص
محمود الصباغ

وقد جاءني رد الأخ مصطفى مشهور على هذا الخطاب، وسلمته فعلا للمطبعة التي جمعته، استعدادا لنشره مع صورة فوتوغرافية له، ولكن الأخ مصطفى طلب مني عدم نشر خطاباته الشخصية لي، فالتزمت له بذلك ورفعت نص خطابه من هذه الصفحات وفاء لوعدي هذا والله الموفق.

وقد رددت على زميلي الأستاذ مصطفى مشهور بالمص الآتي:

بسم الله لرحمن الرحيم

زميلي العزيز ورفيق عمري الأستاذ مصطفى مشهور

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أرجو أن تكون والأسرة الغالية على أحسن ما أتمنى وتتمنون صحة وسعادة وعافية وبعد:

لقد تألمت لألمك إذ ظننت أنني أعيش في جو تتصور أنه يبعث الألم في نفوس الأصدقاء فالحقيقة أنني سعيد بحياتي على مبادئ الإسلام الحنيف وعلى سنة سيد المرسلين محمد بن عبد الله، أهنأ بحلاوة الإيمان بالله، فأبعد عن نفسك الألم لي وافرح من أجلي.

وقد تعلم أن للجهاد حلاوة، فأنا إذا جاهدت لإصلاح الخطأ والدعوة إلى الصواب، لم يكن في جهادي أي مشقة بل هو مبعث سعادة روحية لا حدود لها حتى لو استشهدت في سبيلها حيث حينئذ تكون الحلاوة أحلى وأبهى.

أنا لا ألومك على عدم إظهار الحقيقة في الموضوع الذي ذهبت إليه، فأنا نفسي لم أذكر أنه قطعي ولكنني أقول كما تقول أنت أنه احتمال وهو أقرب الاحتمالات إلى الحقيقة، حاشاي أن يقع في قلبي ذرة من نسبة هذا الكلام إلى الحقيقة ما لم يقم الدليل القطعي. إذن فنحن من مدرسة واحدة ولا خلاف بيننا في ذلك.

ولكنني ألومك وألوم أخيك أحمد حسنين لأنكما الشهود الوحيدون الأحياء الذين عاينتم كل الأحداث التي وقعت بين النظام الخاص وبين الإخوان في حياة الأستاذ الهضيبي عليه رحمة الله وأنكما تعلمان يقينا أن كل ما نشر في الجرائد والمكتب التي بعضها بتقديمك، باطل فيما يتصل بالنظام الخاص أو بشخص عبد الرحمن السندي يرحمه الله. ونظرا إلى أن المؤلفين هم من رجال الصف الأول من الإخوان المسلمين بدءا بالمرحوم الأستاذ عمر التلمساني وانتهاءا بالأستاذ محمد حامد أبو النصر أطال الله عمره وبينهما المرحوم الباقوري والمرحوم صلاح شادي والأخوة محمود عبد الحليم في الجزء الثالث، وحسن دوح في مذكراته، فإن استمرار وجود هذه الكتب دون رد بتوضيح الحقيقة يدمغ كل هؤلاء المؤلفين وهم من هم من رجال الصف الأول في الدعوة الإسلامية بالكذب والعياذ بالله والمسلم لا يكذب. وهو يوقع الأغلبية العظمى للإخوان المسلمين في معاصي الغيبة والادعاء بالباطل وسواد القلوب والعياذ بالله. ويبقى جذور الفتنة التي زرعها صلاح حية يانعة تأكل كل خير فتحيله ترابا وهشيما.

فما يمكنكما من كتابة تقديم لكتابي بصفتكما شاهدين وقد اتفقنا على كل الحقائق الواردة فيه وذكر بعضنا بعضا بالنذر اليسير الذي لم نذكره فاتفقنا عليه وصحح في الكتاب حسب الاتفاق؟ أخشية الناس؟ أو الخوف على الدعوة من أعدائها؟ إن الله قد حذر المسلمين من خشية الناس وألزمهم بخشية الله وحده، وضمن للمسلمين النصر إذا نصروا الله. فلا معنى أبدا لهذين الخوفين، إلا أن تكون القلوب قد شابها بعض إمراضها، وطوبى لمن يعالجها بالحق والصدق والذكر والتذكير بقول الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والسلام .

أخوك في الأرصاد
محمود الصباغ
5/ 4/ 1412هـ - 12/ 10/ 1991