صالح أبو رقيق
موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين
بقلم أ. أشرف عيد
مقدمة
المستشار صالح محمد عبد القوى أبو رقيق من الرعيل الأول بجماعة الإخوان المسلمين بمصر وعضو مكتب الإرشاد، ولد فى 16 يناير 1912م بقرية أبو حمص بالبحيرة، التحق بكلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليا) .
عمل مستشارا بجامعة الدول العربية ،وكانت له جهود عظيمة فى نشر الدعوة وفى قسم الاتصال بالعالم الخارجي .
أولا : مرحلة البحث عن الغاية
اجتهد صالح أبو رقيق فى البحث عن الإصلاح فى عصره، وراودته تساؤلات تحتاج إلى إجابات فيما يتعلق بالأحزاب والحكومات وأيها أفضل فى القيام بواجبها نحو تحرير الوطن ،وهل هذه الأحزاب صادقة فى برامجها؟
و أي الأحزاب يتجه إليها ؟
كل ذلك دفعه للتعرف عليها والانضمام إليها لعله يظفر بما يريد .
بدأ حياته بالانضمام إلى حزب الوفد ، وهو مازال طالبا .
وكان حزب الوفد صاحب الشعبية التي تستقطب جميع الطوائف تحت لوائه، وكان الانتماء إليه يعتبر تعبيرا عن الوطنية ،
لكنه سرعان ما استقال منه ،فلم يجد منه أثناء حكمه ما هو مأمول منه لإخراج الأمة من النفق المظلم الذي كانت تعيش فيه ، وانتقل إلى حزب السعديين الذي كان من رموزه النقراشي و أحمد ماهر، وحينما حكم الأخير البلاد ظهرت مساوئه بشكل سافر
- وأيضا لم يجد فيه بغيته
- كما هو الحال في الوفد
حيث سادت سياسات المصالح والمهادنة ، ولم يستمع الحزب السعدي إلى رأى الشعب فتركته أيضا ، يقول صالح أبو رقيق :
- فتوصلت إلى قناعة مؤادها أن الأحزاب تستغل الشعب كمطايا للوصول إلى الحكم كما تعمق في نفسي بعد قراءة التاريخ ، والنظر في التجارب السابقة أن الإسلام هو النموذج الوحيد القادر على إصلاح هذه الأمة؛
- وكنت دائما أتساءل من يحمل الإسلام ؟ أو من المناسب لقيادة الأمة بالإسلام ؟وكانت الإجابات تأتى مخيبة للآمال ، وعلى أثر ذلك بدأت أقرأ في الإسلام بنوع من التعمق والشمولية ، ولا أنسى أنه كان لدى فى المرحلة الابتدائية شعور بالانتماء الديني .
ثانيا : بداية التعرف على دعوة الإخوان المسلمين
وقد توصل صالح أبو رقيق إلى هذا الرأي بعد تنقله بين الأحزاب وتعرف على أهدافها وأدرك حقيقتها ،وعندما تعرف على الإخوان وجد فيهم بغيته، وما كان يبحث عنه ، ولا عجب ، فالإخوان يستوعبون جميع الطموحات ، لذلك فإن كثيرا ممن دخلوا دعوة الإخوان كانوا يبغون شيئا افتقدوه فيمن حولهم، ووجدوه فى الإخوان. يقول المستشار صالح أبو رقيق عن بداية تعرفه على دعوة الإخوان :
بداية اللقاء:
- وذات مرة طلب منى أحد أصدقائي أن أذهب معه إلى حديث الثلاثاء للاستماع إلى حسن البنا ، وأمام إلحاحه استجبت لطلبه ،وحينما دخلت معه مكتب الإمام وقعت في نفسي هيبة للوهلة الأولى لم تتوفر لدى حينما كنت ألتقى بغيره من القيادات الوفدية والسعدية ، ولاحظت منذ البداية أن الرجل فى قمة التواضع ، ولديه نوع من الحنو الفريد تجاه كل من يلقاه ، وكنت كلما كررت النظر إلى وجهه المشرق تزداد هيبته فى نفسي .
- وكلما مرت الأيام وازداد احتكاكي بالإخوان كانت الفكرة تستولي علىّ ، وتسير فى كل جوانحي حتى إنها أصبحت الهم الكبير الذي نحمله ، وحديثنا فى كل لحظة ، وزاد من حبنا للإخوان أن الإمام البنا وهو الرجل الموفق كان يغمرنا بعاطفته القوية ، وكان يحفظ أسماءنا فردا فردا مما يشعرنا بالاهتمام ،بل كان يعرف مشكلات الإخوان الاجتماعية بالتفصيل.
- وكان دائم السؤال عنها ، فساد اليقين بأن هذا الرجل زعيم من طراز خاص ومختلف عن غيره من الزعماء والإصلاحيين ،فسرنا معه فى كل المواقف و الاحتجاجات والتظاهرات التى قادتها الجماعة ضد سياسات الحكومة ،وفى كل يوم يمر ، وفى كل احتكاك يحدث كان يتأكد أن هذا الرجل سياسي قوى ونظيف إلى أبعد الحدود ،وشجاع إلى أقصى درجة .
- ويتضح أن مكانة الإخوان فى البلد قوية وشعبيتهم جارفة ومواقفهم وطنية ، وهى الهيئة الوحيدة الوطنية والنظيفة التي لا تسعى إلى أهداف حزبية رخيصة ، وليست جماعة ضيقة الأفق كما أنها خير من يحمل الإسلام بمفهومه الواسع الشامل ،هذه المكانة التي تحتلها جماعة الإخوان جعلت الرأي العام على كل المستويات يحترمها ويقدرها ، ويزيد على ذلك أنهم أصحاب فكرة سليمة مهما تعرضوا إلى الملاحقة والاضطهاد ، لا تتغير فكرتهم ،فهم أصحاب مبدأ ثابت وضد كل أشكال العنف والإرهاب .
ثالثا : فى رحاب دعوة الإخوان
شارك المستشار صالح أبو رقيق إخوانه فى العمل الدعوى وفى عام 1947 تشكلت هيئة وادي النيل لإنقاذ القدس ومثّل الإخوان الأستاذ صالح أبو رقيق ،و نظمت الهيئة أسبوعاً من أجل فلسطين تم فيه جمع التبرعات لصالح مجاهدي فلسطين .
و شارك في قسم الاتصال بالعالم الخارجي ، وتابع قضايا تحرير المغرب العربي .
ولما استشهد الإمام البنا كان له دور كبير فى إنهاء الاختلاف حول اختيار المرشد الجديد والذي استطاع حسم الموقف بالاشتراك مع المستشار منير الدلة وبعض الإخوان ، وتم الاتفاق على استبعاد كل من يرشح نفسه ، و تم ترشيح المستشار الهضيبى .
ومن المواقف التي يذكرها محسن محمد في كتابه من قتل حسن البنا: وزاد نشاط الجهاز الخاص ضد الإنجليز من نوفمبر عام 1944 وقد دفع صالح أبو رقيق الذى أصبح فيما بعد من كبار قادة الجماعة
- مهر عروسه الجهاز الخاص لشراء سيارة يحتاجون إليها فى الأعمال الفدائية ضد الإنجليز فى القتال.
رابعا : صالح أبورقيق وضباط ثورة يوليو 1952
ولما وقع حريق القاهرة سنة 1952 طلب جمال عبد الناصر من الإخوان البحث عن مكان لإخفاء الأسلحة التي سيتم استخدامها في الثورة قام صالح أبو رقيق المستشار بالجامعة العربية والإخوان رحمها الله منير الدلة وحسن العشماوي وعبد القادر حلمي بالتوجه بسياراتهم إلي بوابة رقم (6) حيث كانت ينتظرهم مجدي حسنين ، وقاموا بنقل الأسلحة داخل سياراتهم إلي منزل عبد القادر حلمي في أول شارع الهرم .
يقول محمود عبد الحليم : وحفرنا المخزن أسفل جراج في العزبة .. ولم يكن يعرف مكانه سواي أنا والمرحوم حسن العشماوي والمرحوم منير الدلة وصالح أبو رقيق وعبد القادر حلمي .. وطبعًا جمال عبد الناصر .. وبقيت الأسلحة بالمخزن ..
وعندما قامت الثورة وفي إحدى جلساتنا مع جمال عبد الناصر سألناه عما إذا كان يريد الأسلحة فطلب أن تبقي في مكانها . واستمرت الاتصالات بين عبد الناصر وبيني قبل قيام الثورة
وأصبح صالح أبو رقيق من الإخوان الذين لهم اتصال بضباط ثورة يوليو ويشرف على ترتيبات [[الثورةي] ومساعدة الضباط الأحرار ،وقد أسهم صالح أبو رقيق بدور كبير فى توضيح دور الإخوان فى نجاح الثورة التي جحدها ضباط الثورة بعد قيام الحركة ثم بعد اختلافهم مع الإخوان ،وقد أكدت مراجع غير الإخوان صحة ما ذكره صالح أبو رقيق حول مشاركة الإخوان في الثورة منها:
ما أورده المرحوم أحمد عطية الله (1904- 1982) المؤرخ المعروف ضمنها كتابه « ليلة 23 يوليو 1952 » الصادر عام 1982 وفيه يذكر أن ساعة الصفر للثورة قد تقررت ليلة 21 يوليو 1952 بمنزل صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد بحضور جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ، وأن اجتماعات عقدت بين ممثلي الإخوان وجمال عبد الناصر لمعاونة الحركة.
ومن ذلك أيضا تلك الوثائق وهي لأحدى الشخصيات البارزة في تاريخ الثورة واحد قادتها ، وهي للسيد كمال الدين حسين عضو مجلس قيادة الثورة وأحد نواب رئيس الجمهورية حيث أورد شهادته في غير مصدر ، ذكر الرجل أن الإخوان المسلمين كانوا على علم بموعد الثورة قبل قيامها ، وأنه قد اتصل في 20 يوليو 1952 هو وعبد الناصر بالإخوان بمنزل صالح أو رقيق حيث أطلعوا على تفاصيل الحركة.
وأن هؤلاء الأخيرين كان لهم متطوعون على طريق السويس لاحتمال تحرش قوات الإنجليز بالثورة وأن أعدادا منهم كانت تقوم على حراسة المنشآت العامة والمرافق .
ويقول صالح أبو رقيق فى حديثه عن الأيام الأولي للثورة :
- ونجحت الثورة .. وقام رجال الإخوان بحراسة المرافق ليلة الثورة .. وفي الأيام التالية اتصل كمال الدين حسين بصلاح شادي وأبلغه أن قوات بريطانية ستتحرك من السويس إلي القاهرة .. فأرسلنا مجموعة من الإخوان الفدائيين إلي الكيلو 96 لعرقلة تقدم الإنجليز .. وظلوا يحرسون الطريق عدة أيام .
- ويؤكد هذا أيضا صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين فى روز اليوسف بقوله :
- لقد عاونا رجال الثورة فى أوقات المخاطر وحافظا على أسرارهم وسهرنا على حراستهم وحراسة منشآت البلد حتى الكيلو 99 من طريق السويس تصديا للجيش الانجليزى إذا تحرك . .
- ونحن أصحاب الثورة ا؟ وليس أولئك الذين يدعون ذلك الآن.
- وفى منزل صالح أبو رقيق فى اليوم التاسع والعشرين من يوليو 1952 تم لقاء بين المرشد العام المستشار الهضيبى و عبد الناصر .
- وقد صرح عبد الناصر بكلام بعيد عن الحقيقة كعادته . .. كان الإخوان يطالبون بعودة الحياة الديمقراطية للبلاد وتحديد موعد لإعلان الدستور .
- وكان المرشد يري أن الثورة لم تنفذ الأحكام الإسلامية المتفق عليها ، واستدعي عبد الناصر الشيخ محمد فرغلي عضو مكتب الإرشاد ، وأراد إقناعه بأن مصير الثورة والإخوان واحد ، وأن الأهداف واحدة ، وأنه يجب أن يقف الإخوان وراء الثورة ، وأن المرشد حسن الهضيبي يريد أن يفرض رأيه علي الثورة ، وأن التعاون معه أصبح مستحيلاً .
ويؤكد ذلك ميتشل بقوله :
- ومنذ اللحظات الأولى للثورة، وبدءا من الإعلان الرسمي بالتأييد الذي صدر يوم 26 يوليو أعلن الإخوان مرارًا وتكرارًا بصورة علنية للجميع أو في توجيهات خاصة للحكومة بضرورة إعادة تأسيس الحكم على أسس إسلامية، وبطبيعة الحال كان أمرًا طبيعيًا ومتوقعا، مما سبب مضايقة أكبر لمجلس قيادة الثورة.
خامسا : كلمة حق عند سلطان جائر
وفي أوائل عام 1953 أراد جمال عبد الناصر أن تندمج جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير التي أنشأها عبد الناصر ويصبحان تنظيمًا واحدًا .
ولما رفض الإخوان ذلك لما فيه من القضاء علي جماعة الإخوان طلب عبد الناصر أن يعقد مع الإخوان جلسة عمل في منزل عبد القادر حلمي .. المنزل الذي شهد كثيرًا من الاجتماعات .
وحضر جمال عبد الناصر ومعه عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وعبد الحكيم عامر وأحمد أنور الذي كان وقتئذ قائدًا للبوليس الحربي .. وكان يحضر هذا اللقاء من الإخوان محمود عبد الحليم وصالح أبو رقيق وفريد عبد الخالق وبطبيعة الحال عبد القادر حلمي الذي دعانا لتناول الغداء ..
وجلس عبد الناصر يتحدث عن هيئة التحرير وعن رغبته أن تنصهر داخلها جماعة الإخوان المسلمين لتكون تنظيمًا قويًا .فرد عليه صالح أبو رقيق بقوله :
شوف يا جمال .. الحكومة أيًا كانت مادامت في الحكم وأرادت تكوين حزب فمصيره الفشل .. سيولد الحزب ميتًا .. لأن الذين سيسعون إلي عضويته ويسارع إليه أعداؤه قبل أنصاره وذلك خوفاً منه .. وعندك تجربة إسماعيل صدقي في سنة 1930 خير دليل علي ذلك ..
فعندما تولي الحكم شكل حزب الشعب وزور الانتخابات ونجح مرشحوه .. ولما خرج من الحكم انتهي حزب الشعب وتلاشي . وقد أسرها عبد الناصر فى نفسه لصالح أبو رقيق ولم يبده له.
وكان لصالح أبو رقيق دور فى مفاوضات الإخوان مع الإنجليز حول الجلاء في فبراير 1953 يشرحه.. بقوله :
في شهر فبراير 1953 جاءني المرحوم الدكتور محمد سالم ، وأبلغني برغبة السفارة البريطانية في أن يلتقي بعض المسئولين من جماعة الإخوان المسلمين بمستر إيفانز المستشار الشرقي بالسفارة البريطانية لاستطلاع رأي جماعة الإخوان فيما يرتضونه لنجاح مفاوضات الجلاء التي ستبدأ مع منطقة القتال في حرب عصابات .
وأبلغت المرشد أنا ومنير دلة للاتصال بإيفانز ..
وفعلاً اجتمعنا به ، وعدت للهضيبى أنقل له صورة كاملة عما دار بيننا من حوار .. فطلب مني أن أكتب تقريرًا مفصلاً وتسليمه له في اليوم التالي ..
وعدت إلي منزلي فكتبت التقرير وسلمته للمرشد في اليوم التالي فاتصل تليفونيا بعبد الناصر الذي سارع إلي منزل الهضيبى وقال بالحرف الواحد بعد أن قرأ التقرير : " كويس . ده أنتم استطعتم الوصول إلي حاجات لم يكن من الممكن أن نوصل لها "
وكان إيفانز ينتظر ردًا علي عرضه من المرشد بنفسه ، فأبلغ المرشد رغبة إيفانز لعبد الناصر الذي طلب منه مقابلته .
وفعلاً تمت مقابلة المرشد بإيفانز يوم 9 فبراير في منزل المرشد ، وبعد أن خرج إيفانز اتصل المرشد مباشرة بعبد الناصر وأبلغه في مقابلة تمت بعد ذلك في منزل منير الدلة كل تفاصيل المقابلة .. وتوثقت بعد ذلك اتصالات إيفانز بالإخوان بعد أن بدأت المباحثات الرسمية التي تعثرت أكثر من مرة .. حتى انتهت بتوقيع الاتفاق النهائي في سبتمبر 1954 .
ويضحك صالح في ألم ويقول : ومن الغريب أنه عندما اشتد الخلاف بين عبد الناصر والإخوان بعد ذلك أخذ يُشَهْر بهم علي أساس أنهم كانوا يتصلون بالإنجليز بدون علمه وأنهم أبدوا تنازلات مما جعل موقفه محرجًا خلال المحادثات .. وجنَّد لادعائه هذا كل الصحف وأغلب الأقلام الصحفية ..
وصدقه الناس بطبيعة الحال .. ولم يعلن أبدًا أنه كان علي علم بهذه الاتصالات وأنها تمت بموافقته وتشجيعه ..
ولما بدا الخلاف بين الإخوان والثورة أواخر 1953 وازداد فى أوائل عام1954 أصدر مجلس الثورة قرارًا في 12 يناير 1954 بحل جماعة الإخوان المسلمين واتجه جمال عبد الناصر إلى اعتقال الإخوان ومنهم صالح أبو رقيق فلم ينس كلامه فى اجتماعه مع الإخوان..
ففي يوم 2 مارس 1954 قامت سلطات البوليس الحربي باعتقال 118 شخصًا بينهم 45 من الإخوان ، 20 من الاشتراكيين ، 5 من الوفديين ، 4 شيوعيين بادعاء أنهم كانوا يدبرون لإحداث فتنة في البلاد مستغلين فرحة الشعب بعودة نجيب ..
وكان في مقدمة المقبوض عليهم حسن الهضيبي وعبد القادر عودة وصالح أبو رقيق. وتعرض رجال الإخوان المسلمين لأبشع عمليات التعذيب داخل السجن الحربي .
والأعجب ما يرويه صالح أبو رقيق ، فيقول : جاءنا في السجن الحربي المرحوم محمد فؤاد جلال والسيدان محمد أحمد ومحيي الدين أبو العز صباح يوم 25 مارس يطلبان منا الوقوف مع الثورة والتعاون معها علي أساس أننا وطنيون . فقلت لهم وأنا أضحك :
كيف يتم ذلك ونحن خلف الأسوار .. هو إحنا حبسنا نفسنا ؟! .
فأجابوا ما أنتم حتخرجوا علي طول .
فقلت لهم : وما الموقف وقد وجهتم إلينا أخطر اتهام يوجه إلي مواطن ، وهو الاتصال بالإنجليز بدون علمكم ، وسنضطر للدخول معكم في جدال لتبرئة أنفسنا ، وأنتم أعلم بالحقيقة .. فما الحل ؟! فأجابوا : نسأل عبد الناصر ..
وفعلا عادوا بعد قليل وقالوا : إن عبد الناصر اقترح أن يخرج المرشد فورًا ومعاونوه الستة الذين جاء ذكرهم في بيان الاتصالات بالإنجليز ، ويذهب إليهم عبد الناصر في منزل المرشد ويهنئهم بصفته وباسم مجلس الثورة ، وينتشر ذلك في الصحف ..
وفعلاً قبلنا ذلك لما فيه من دلالات ، وتم الإفراج عنا وحضر عبد الناصر ومعه صلاح سالم إلي منزل المرشد .
وسعى عبد الناصر إلى التواصل مع الإخوان وتلطيف العلاقات ،وفي خلال هذه الفترة قرر مكتب الإرشاد تكوين لجنة للاتصال بالحكومة ومجلس الثورة كان من بينهم الأستاذ صالح أبو رقيق للتفاهم علي المسائل المتعلقة بالجماعة ..
وكان من أول ما طالب به الإخوان الإفراج فورًا عن باقي المسجونين ومن بينهم الأخوة : الصاغ أ.ح معروف الحضري و الصاغ أ.ح حسين حمودة وغيرهم من الضباط الذين كانوا لا يزالون محبوسين بسجن الأجانب وغيره من المعتقلات .
سادسا : ثبات على طريق الدعوة
وكما شارك صالح أبو رقيق إخوانه في العمل الدعوى شاركهم كذلك في محنتهم في عهود الظلم والاستبداد ،ففي عهد إبراهيم عبد الهادي سنة 1949 زج بالإخوان في المعتقلات عقب مقتل النقراشي ،فسجن مع إخوانه بسجن الطور
وفى محنة الإخوان سنة 1954 التى تعرض لها الإخوان عقب تمثلية المنشية في أواخر 1954، واعتقل آلاف الإخوان وزج بهم في السجون كان من بينهم صالح أبو رقيق فاستمر ثابتا على الطريق لا يحنى الجباه إلا لبارىء الأرض والسماوات و شارك إخوانه آلامهم وتحمل بصبر وشجاعة ،وله فى السجن مواقف مشهودة لم يرهب فيها الطغاة ،وهم فى جبروتهم، ومن تلك المواقف :
عندما أساءت إدارة السجن للإخوان أثناء عملهم فى الجبل تشاور الإخوان بعد عودتهم الجبل ، واستقروا علي الإضراب ؛ احتجاجًا علي هذه المعاملة السيئة من جانب الإدارة ، وانتقلت عدوي الإضراب إلي جميع النزلاء في العنابر الأربعة من المساجين العاديين ، وعددهم يزيد علي الأربعة آلاف ، وكان هذا الإضراب العام هو الحدث الأول من نوعه في تاريخ الليمان .
اجتمع اللواء حسن سيد أحمد في اليوم التالي بالإخوان ، وخطب فيهم قائلاً :
إنني لا أستطيع في تعاملي معكم أن أنفصل عن واجبي كرجل أمن ، مطالبا بحفظ النظام ، ولا عن شعوري بالتعاطف معكم في محنتكم كمواطن يعرف قدركم .. ومخاطبتي لكم اليوم من خلال صفتي الثانية . وأطالبكم بالعدول عن الإضراب ، وإتباع أساليب أخري أهدأ ..
ولا يجب أن يغيب عنكم أن الليمان يتبع وزارة الحربية ، وأن حركة كهذه يمكن للمغرضين تصويرها علي أنها تمرد عسكري .
ومن الحكمة تسوية أمورنا محليًا ؛ لأن عجزي عن ذلك سيكون مدعاة لتدخل جهات أخري أعلي مني ، مثل البوليس الحربي والسجن الحربي ، وإدارات أخري .
وقد نكأت هذه العبارة الأخيرة جراح الإخوان ، فثار بعض الإخوة لذلك ، ومنهم الحاج صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد بالجماعة ، الذي اعترض في شدة علي الجانب التهديدي من الكلام قائلاً :
نحن لا يهمنا السجن الحربي ولا نهدد به ..
وإنني مستعد للذهاب إليه عشر مرات .. وعليك كمدير للَيمان أن تعالج الأمور بروح الإنصاف الخالية من أي تهديد .. فالإضراب حق مشروع للتعبير،مشروع في كل البلاد الحرة ، وإلا ضاعت كثير من الحقوق.
قل ما شئت أن تقول في هذا الموقف : جرأة ،شجاعة ،كلمة حق عند سلطان جائر، ثبات على الحق ، لكن كلمة الحق لن تردع ظالم طاغية متجبر متجرىء على الله بظلم العباد واستعبادهم ،لا يبالى بما ينتظره من عقاب أمام الله على ما اقترف من ظلم الناس، والظالم فى ظلمه هل يوقن بأن الظلم ظلمات يوم القيامة ؟
لاغرو فعند الله تجتمع الخصوم ..ولاعجب ، فإن النفوس التى باعت نفسها لله تأبى أن تحنى الرأس إلا لله ، ولو كلفها فقد الحياة ،فإنه لا يملك الروح إلا خالقها ،وحقا :
- فمن العجز أن تعيش جبانا
لعلك يا أبا رقيق لك من اسمك نصيبا ،فرقتك فى غير ضعف ،لا تمنعك من المجاهرة بالحق ،ولما لا وأنت الرقيق ، ولم ترتكب جناية ،بل الخير..
تقضى فى السجن ما يقرب من عشرين سنة ،فهل يظن الطغاة أنك تخاف الجهر بالحق ، ومازج بك فى غياهب السجن إلا بسبب الظلم وغياب الحق والعدل .
ماذا يفعلون بك؟!إن قتلوك فقتلك شهادة وإن نفوك فنفيك سياحة ،وإن سجنوك فسجنك خلوة ،فليفعلوا ما يشاءون.
ولما زالت الغمة وخرج الإخوان من سجون الظلم نجده ثابتا على مبدئه مؤكدا أصالة منهج الإخوان ونقائه ، وثباتهم على المبدأ الذي أرساه الإمام البنا، والذي ينبغي على الشباب أن يستوعبوا فكره ،كأن العاصفة لم تؤثر فيه ،والمحنة لم تزده إلا قوة ويقين بنصر الله ، فيقول :
فكرتهم ثابتة:
إن الإخوان لم يحيدوا عن منهج الإمام البنا ، ولم يأتوا بجديد من عند أنفسهم ،بل ساروا على نفس الدرب ، وهو درب الدعوة الأولى التي أعلنها النبي صلى الله عليه وسلم ، لذا كللت بالنجاح وانتشرت فى كل الأوساط وعلى مستوى كثير من الأقطار ، وحملوا الفكرة الإسلامية دون اهتزاز، فكانت مقنعة لكل من يطالعها .
ويجب على شباب الإخوان أن يلتفوا حول حكمائهم وأن يقرءوا فكر الإمام البنا بتدبر ، لأن هذا الرجل الملهم استطاع أن يصيخ مشروعا إسلاميا عظيما يمثل أمل الأمة الآن ، ولو أدركهم المعارضون وعاشوا معه دراسة وبحثا لتوصلوا من أقرب السبل إلى قناعة به ،
فخير من يقنع الشبابي هو أسلوب البناء ، وأفضل من يحتوى الشباب هو فكر الإخوان ،حيث أنه فكر نابض ومتجددا امتلأت به المكتبات الإسلامية وأجريت حوله الدراسات والأبحاث العلمية ،فعلى الشباب أن ينهلوا منه و يتحصنوا به ، وأن يقتدوا بالإمام البنا حيث كان مهموما بأمته .
وقد قام المستشار صالح أبو رقيق بالتعليق على ترجمة الدكتور محمود أبو السعود لكتاب ميتشل بعنوان :
الإخوان المسلمون ،وقدم معلومات مهمة عن علاقة الإخوان بالثورة خلافا لما أراده عبد الناصر من تشويه صورة الإخوان ،ومن الطريف أن صالح أبو رقيق يروى أن الملك سعود لما زار مصر وزار الإخوان ، وذهب جميع أعضاء مجلس الثورة لتوديع الملك سعود في مطار ألماظة ، وذهب بعض أعضاء مكتب الإرشاد لتوديع الملك .. وعند انصراف الجميع فوجئت باثنين يمسكان بذراعي ، كانا عبد الناصر والبغدادي وسألاني : أنت فطرت ؟
فقلت لهما:
لا فقالا : تعال نفطر سويًا ، فحاولت الاعتذار ، ولكنهما أصرا . ودعيا الهضيبى ، ولكنه اعتذر .. وذهبت معهما إلي ميس المطار ، وأثناء جلوسنا نتناول الإفطار سألنيعبد الناصر : فين حسن ؟ وكان يقصد حسن العشماوي
وكان حسن أقرب المدنيين إلي قلب عبد الناصر ، كما كان عبد الحكيم عامر أقرب العسكريين إلي قلبه . فقلت له : حسن زعلان منك ، وله حق عرب عليك .. وكنت أشير بذلك إلي حادث التشهير به بالعثور علي مخزن الأسلحة في عزبته .
فضحك وقال : طيب ده لازم يشكرني .. دا إحنا عملنا له دعاية بمليون جنيه والجرايد نشرت صوره .. ثم أضاف : لا .. ده أنا لازم أشوفه وأصلحه.وبعد فترة نكث عبد الناصركعادته وسجن الإخوان ومعهم حسن العشماوي ،وكيف يفي بشيء لم يعتاده .
صالح ابو رقيق في السجن
بعد اعتقاله بعد حادث المنشية وحكم عليه بالسجن وبعد فترة تم ترحيله الى الواحات يقول حسين محمد أحمد حمودة في كتابه أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون:
"رحلت مع دفعة من الإخوان المسلمين المسجونين عددها مائة نفس معظمهم من قادة الجماعة يوم 17 مايو 1955 إلى سجن الواحات الخارجة أذكر منهم الأستاذ الكبير عمر التلمساني المحامي والأستاذ صالح أبو رقيق والدكتور محمد خميس حميدة والدكتور كمال خليفة والدكتور حسين كمال الدين وفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد شريت والحاج لطفي أبو النصر أعضاء مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين.
والبكباشي محمد فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع والصاغ مهندس عمر أمين والملازم أول بحري عز الدين صادق والملازم أول بحري أحمد رمزي سليمان واليوزباشي شرطة محمد جمال الدين محمد أحمد إسماعيل والأستاذ الكبير محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين بمنطقة صور باهر وفضيلة الأستاذ الشيخ محمد فارس فريح والأستاذ فتحي البوز المحامي والأستاذ على صديق وغيرهم من أفاضل الناس وأحسنهم أخلاقا".
ولقد رحل الأستاذ صالح ابو رقيق في بداية التسعينيات بعد حياة حافلة بالدعوة والنشاط وسط إخوانه
ألبوم الصور
صالح أبو رقيق (الجزء الأول)
الحاج-مصطفى-الكومى--والأستاذ-صالح-أبو-رقيق-مع-بعض-الإخوان-فى-سجن-الواحات
سابعا :أهم المراجع
- حديث مع المستشار صالح أبو رقيق عن ذكرياته عن الإمام البنا والإخوان المسلمين نشر بمجلة الدعوة ، العدد (83 ) ذو القعدة 1419 هـ / فبراير ـ مارس 1999م ،وقد جمع المقال فى كتاب: قالوا عن الإمام البنا،طبعة دار البصائر للبحوث والدراسات،القاهرة ،1431هـ / 2010 ص 122 ـ123 .
- محمود عبد الحليم : الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ ،الجزء الثالث.
- إبراهيم زهمول : أوراق تاريخية ،نسخة الكترونية .
- عبد الحليم خفاجى : عندما غابت الشمس،نسخة الكترونية .
- ميتشل :الإخوان المسلمون .
- أحمد عطية الله : ليلة 23 يوليو 1952 .
- محسن محمد: من قتل حسن البنا- دار الشروق ص 373.
- حسين محمد أحمد حمودة:أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون.