ذكرى الحاج عباس السيسي
(وقد فارق الدنيا يوم الجمعة 8 من رمضان 1426هـ= الموافق 22 من أكتوبر 2004م)
شعر الدكتور: جابر قميحة
قبل أن أستهلَّ قصيدتي في هذا الرجل العظيم أسوق هذه الكلمة التي عرضتها قبل أن يلقى الله بعام، وبعض عام:
"هذا الرجل العظيم.. عاش أمةً في خدمة الدعوة وقضية فلسطين, مسكونًا بهموم المسلمين.. إنه واحد من الرعيل الأول الذين تخرجوا في دار الأرقم، سيماهم في وجوههم وأقلامهم, ولسان مقالهم, ولسان حالهم.
في يوم خميس زارني الأخ السكندري أحمد الشوربجي، بادرني قائلاً: ادع للحاج عباس، تحوَّلنا إلى ألسنة وقلوب تلهج بالدعاء له, وأخذت أعطِّر لساني بذكر بعض مواقفه التي قد تكون مجهولةً عند كثيرين، منها أنني في الأسبوع الأخير من ديسمبر سنة 1981م التقيت به في مؤتمر الشباب المسلم العربي.. كان عدد المشتركين في المؤتمر قرابة عشرة آلاف موحد، أغلبهم من الشباب، وكان المؤتمر في مدينة "سبرنج فيلد" بولاية إلينوي بالولايات المتحدة.
جاء جلوسي في الغداء بجانبه، وكان الشباب هم الذين يقومون بكل شيء: تقديم الطعام، رفع الأطباق, تنظيم إجلاس القاصدين.. إلخ في نظام يعجز اللسان عن وصفه، قال الحاج عباس: إني أرى صورة مصغرة "للدولة الإسلامية"، إن هذه الدقة لأكبر دليل على إمكان قيام الدولة الإسلامية في العصر الحديث.
ورأيته يحفظ كثيرًا من كلمات الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله فحكيت له نكتة "عملية"؛ قصَّها عليَّ الحاج عبد الرزاق هريدي، خلاصتها: أنه ركب "حنطورًا" مع الإمام الشهيد ومعهما ثالث، قاصدين إحدى القرى المجاورة لبنها لا تقصدها السيارات لضيق الطريق، وكان الجو باردًا عاصفًا, فطلب الإمام رفع غطاء الحنطور إلى الخلف؛ لأن وضعه الحالي يزيد من مقاومة الحصان للهواء فيتعبه، قال الحاج عبد الرزاق: بل نتركه يا فضيلة المرشد لأن الجو بارد، ولا ضير فصاحب الحنطور من الإخوان، فصاح الإمام: سبحان الله يا أخي!! لكن الحصان مش من الإخوان.
ضحك الحاج عباس طويلاً ولكن في هدوء، ورأيته يخرج من جيبه نوتة سجَّل فيها النكتة, أضحك الله سنَّك, وشفاك يا أخانا وأستاذنا العظيم".
وأرى الناسَ قد سعَوْا من بعيد من أقاصي الصعيد حتى رشيدِ
وكأني بأهل مصرَ جميعًا في وفود تسعى وراءَ وفود
عشراتِ الآلافِ كانوا كبحرٍ زاخر الموج ما له من حدود
في جنازِ العباس بالطهر يمضي للقاءِ اللهِ العزيز الحميدِ
إيهِ عباسُ والوداع جليل حين غادرتنا بيوم مجيد
إنه يومُ جمعة في صيا م هو في الأرض والسما يومُ عيدِ
وكأني أرى الملائكة الأبـْ رارَ في استقبال النزيل الجديد
ينشدون النشيد تِلوَ النشيد وهُمُو يحملونه للخلود
لنعيم يفوق كلَّ نعيم وجمال يفوق سحرَ الوجود
حيثُ يلقى محمدًا وابنَ مسعو دٍ وسعدًا وخالدَ بنَ الوليد
والمثنَّى وحمزةً وعليًّا وشهيدًا في الله إثر شهيد
عشتَ للحب داعيًا في يقين ناهلاً من سَنا الإمام الشهيد
فألنْتَ القلوبَ بالحب والذو ق وَرِفق وبَسْمة كالورود
ونشلتَ الشبابَ من حمَأةٍ ضلَّـ تْ إلى درب نيِّر وسديدِ
فاستجابوا لصوتك الحق بالإيـ مان والصدق والتقَى والصمود
إنه الحبُّ كم بنى مِن صروح شامخاتٍ بالحق والتوحيد
إنه الحب والأخوَّة في اللـــ ـهِ وتقوَى إلهنا المعبود
والجهادُ المريرُ خيرُ سبيل لتردَّ الشعوبُ ظلمَ الكنُود
ثم أسمى الآمال موتٌ نبيل بدماءٍ تعيد مجدَ الجدود
فالعزيزُ الجليل من عزَّ باللــ ـه وعزم يفوقُ صُلبَ الحديد
والذليل الحقير يرضَى بعيش وحياةٍ كما حياة العبيد
تلك كانت مبادئ الحق صيغتْ بجهادِ الإخوان دونَ قعود
عشتَ في ظلمةِ السجون صبورًا شامخَ النفس في إباءٍ عتيد
لم تلِنْ أو تهن ولم تُحنِ رأسًا وتدرعْتَ بالصمود العنيد
لا يهونُ الذي مضى بيقين وهْو يأوي لركنِ ربي الشديد
وتحليتَ بالسماحةِ والعفـ ـوِ بلا نقمةٍ ودونَ حُقود
ويحَ قلبي لم تعد مصرُ مصرًا فهْيَ تحيا في ظل شرِّ العهود
منسرٌ يحكمونها بسجون عاتياتٍ تزاحمتْ وقيود
والنفاقُ الخسيسُ أضحَى طريقًا للوصولِيِّ الخائنِ العربيد
والسياساتُ في أكفِّ بُغاةٍ من أمِرْكان والكلابِ اليهود
وابنُ مصرٍ في أرض مصرَ غريب تائهُ الخَطو في ظلام مَريد
عاد فرعونُ والجنودُ ليَطغَوْا بالسجون السوداءِ والتهديد
وَثنٌ داعرٌ عتل زنيمٌ والرعايا يسوقهم كالعبيد
غيرَ أني أقول بالأمل الدفْـ ـفاق والإيمان الصدوق الأكيد:
إيهِ عباسُ نمْْ سعيدًا هنيئًا في رحابٍ من السنا والخلود
فمصيرُ الطغاةِ شرُّ مصير مثل عادٍ في إفكِهم وثمود
دولة الظلم ساعة ثم تهوي بخطوبٍ ما بَِعدها من مزيد
فانظر الفجرَ زاحفًا من بعيد في سطوع مباركٍ وصعود
هاتفًا بالوجودِ كلِّ الوجودِ ببيان يفوق كلَّ قصيد:
أشرقتْ دولة الحقيقةِ والحقـ ـق بنصرٍ مُؤزَّر موعود
أيها المؤمنون للحق كونوا برباطِ الإيمان خيرَ جنود
ترْخُصُ النفسُ والنفيسُ لدينٍ جاء للكون بالهُدَى والسُّعود
المصدر
- قصيدة: ذكرى الحاج عباس السيسي موقع اخوان اون لاين