سهام عبد الجواد
تقديم
تشعر الجماهير المسلمة التي تتابع العمل الإسلامي،و التي يهمها الوقوف على حقيقة نشاط الحركة الإسلامية - بحاجتها إلى معرفة سيرة أناس عرفوا معاني الإسلام الصحيح، وعاشوا له وبه، وضحوا من أجله حتى لقوا الله،وهم طامعون في نيل رضا الله.
نشأتها
سهام عبد الجواد محرم عبد المجيد هذا هو اسمها،يكاد هذا الاسم لا يعرف إلا في وسط محيطها أو جيلها؛وذلك بسبب ما اعترى الأجيال المتعاقبة بعدم التعرف على سير الغير أو السابقين، واقتفاء أثرهم ومعرفة تجاربهم،مما أصبح ينذر الآن بنذير سوء بسبب عدم تلاحم الأجيال.
فالأجيال السابقة تعيش في ماضيها الجميل وتتذكر كيف واجهت المحن بقلوب راسخة، وهذا غير ما يتبناه جيل القرن الواحد والعشرين من عدم اكتراسه بمثل هذه الأمور، وعنايته الفائقة بكل جديد في مختلف شؤون الحياة، بل محاولته إثبات قدراته بعدم اللجوء إلى خبرات الأجيال السابقة.
لكن كل لبيب لابد أن يدرك أن نجاح مستقبله متوقف على فهم وإدراك الماضي والحاضر، والتعلم بما يدفعه إلى عدم الوقوع في أخطاء حدثت في الماضي، وإن شعبًا يجهل حقيقة ماضيه محال أن يتطلع إلى مستقبل مشرق.
وشخصية الحاجة "سهام" تبلورت في ظل بيت إسلامي، حيث كان والدها الأستاذ عبدالجواد محرم أحد الرجال الذين فهموا الإسلام فهمًا صحيحًا وعملوا من أجله، والذي ساعده على ذلك كونه رجلاً أزهريًا، حيث عمل بعد تخرجه إمامًاوخطيبًا في أحد المساجد، وساعده في هذه المهمة العظيمة زوجة تقية ورعة.
ولم ينجب منها سوى هذه الابنة "سهام" في 9/ 4 / 1950 م، والتي سرعان ما التحقت بالرفيق الأعلى أثناءاعتقال زوجها قبل حادثة المنشية، تحديدًا في أغسطس 1954م، والتي حكم عليه فيها بعشر سنوات مع محاكمات الشعب في نوفمبر 1954 م، بعد أن نقل للفيوم للعمل بها إماما واعتقل منها.
فقدت منذ صغرها حنان الأب، وحاولت أن تحتمي بحنان أمها غير أنها سرعان ما اختطف منها، فعاشت في كنف جدها، فرباها على ما ربّى عليه والدها، وما سار عليه بعد ذلك،ومع ذلك لم تدرك ببراءة طفولتها ما يحدث من حولها، فكانت مشاعرها تهفوا إلى والدها والارتماء في أحضانه غير أن ذلك لم يحدث لها لبعد المنال، وعلو الأسوار التي حبست حرية أبيها خلفها.
أدخلها جدها التعليم الابتدائي، فأثبتت أن المحن تفرز رجالاً ونساء يستطيعون كيف يتحملون المسؤولية، وبعدذلك التحقت بالإعدادية، في هذا السن وفي هذه المرحلة استطاعت أن تصل إلى مرادها، وأن ترتمي في أحضان والدها تبث له قسوة الأيام، فقد خرج والدها بعد قضاء العشر سنوات كاملة حيث لم يداهن أو يماري أحد أو يؤيد ظالم، وثبت على منهجه ومبادئه.
وفي هذه الفترة تزوج من أخت زوجته التي توفيت لترعى ابنته ولكونها أشد الناس حبًا ورحمة بابنته، لكنه سرعان ما تركهما سويًا يواجهون قسوة الأيام؛ حيث اعتقل فى سبتمبر 1965م، وزج به في السجون،فخرج ودخل ولم يفرح بنجاح ابنته، لكنها كانت محل رعاية وعناية جدها وزوجة والدها (التي هي في الوقت نفسه خالتها).
حصلت على الإعدادية، والتحقت بمعهد تمريض غير أن التنسيق جاء بها إلى محافظة أسوان، فرفض جدها ذلك خوفًا عليها، ولعدم سيادة العرف الذي يسمح للفتاة بالغربة عن أهلها في مثل هذه الأماكن فاكتفت بالإعدادية، وظلت تعيش مع جدها في المكان التي ولدت فيه وتربت به وهوحي شبرا بما يحويه هذا الحي من أعراف وتلاحم بين الناس على اختلاف طوائفهم ما بين مسلم ومسيحي.
زواج بطعم السجن
اجتمع على قلبها معاني الحزن والفرح منذ صغرها، فماكادت تتم عامها الخامس حتى فقدت والدها خلف القضبان بتهمة لا وجود لها غير أنه حاول أن يعمل لدين الله ويسيرعلى نهج رسول الله، فشعرت بمعاني الحزن الشديدة، ثم زادها هذا الحزن برحيل والدتها في غياب الأب خلف السجون،وما كادت تظن أن تكون هذه القضبان ستكون مصدرًا من مصادرفرحها كما كانت مصدرًا من مصادر حزنها.
وما مجتمع الإخوان المسلمين إلا كباقي المجتمعات يفرحون ويحزنون ويخافون، وأنه مجتمع لا ينفصل عن نسيج المجتمع في خصائصه وطباعه غير أنه مجتمع جعل له غاية ومنهج يعمل من أجله وفكرة صحيحة يدافع عنها، وهدف أسمى يسعي وراءه وهو نيل رضوان الله.
فبعد أن استقر بها الحال واكتفت بناء على قرار جدها بالإعدادية، وجدت من يحنو عليها في غياب والدها، أخذت تنتظر اللحظات التي ترى فيه وجه أبيها بعد طول غياب– خاصة أن عبدالناصر منع عن المعتقلين الزيارات حتي عام 1968م بعد أن سقطت مصر في فخ الهزيمة على أيدي اليهود
وفي أول زيارة لوالدها شعر الإخوان بالحنين إلى ذويهم وخطرت فكرة في رأس أحدهم يعوضون بها حرمان الشباب خلف القضبان والذين قضوا زهرة شبابهم في سبيل هذه الدعوة،وهنا تجلت المعاني الحية في كون أن معظمهم قد كبر سنه وخشي الجميع أن يخرجوا فلا يجدوا لهم مكان وسط المجتمع ولا من تقبلهم بظروفهم.
فاقترحوا أن يتزوجوا من وسطهم، ومن بنات إخوانهم وأخواتهم ولاقت هذه الفكرة تشجيعاً وتمنعاً، تشجيعا من قدامى وكبار الإخوان، وتمنعا من شبابهم، استحياء لأنهم لا يدركون متى سيخرجون خاصة أن نظام عبد الناصر أقر نظام أن من تنتهي مدة حكمه يحول إلى الاعتقال، كما أنه أقسم أن لا يخرج أحد في حياته، غير أن الرأي الذي نادى بفكرة الزواج تغلب على فكر الشباب.
وكان أول هؤلاء الذين تم عقد قرانها كانت هى (سهام عبدالجواد)، فما كادت تصل إلى زيارة والدها حتى وقع عليها اختيار الأستاذ جلال عبد العزيز (وهو من إخوان كفر الشيخ) الذين عملوا مع الإمام البنا، واعتقل عام 1954م، ووقف بقوة ضد التأييد وفكر التكفير وبعد خروجه عمل مع أخويه المهندس عبد المنعم مكاوي وعلي أبو شعيشع على إعادة هيكلة العمل والدعوة داخل نطاق كفر الشيخ.
ومازال رغم تجاوزه الثمانين يعطي للدعوة، ككونه مسؤول مكتب إداريا لإخوان محافظة كفر الشيخ )، ورشحها للأستاذ حسن عبدالعظيم صالح البسيوني ( وهو من مواليد البهنسا مركز بني مزار محافظة المنيا)، حيث ولد في 15 /8/ 1933م، وتخرج من كلية آداب عين شمس، والتحق بالدعوة عام 1951م في شعبة المنيرة بإمبابة، وانضم للنظام الخاص عام 1953م.
عمل في شركة الشرق للغزل والصوف بإمبابة، واعتقل في 11 /11/1954م وحكم عليه بعشر سنوات أشغال شاقة، ثم أفرج عنه لكنه سرعان ما اعتقل في أغسطس 1965م، وظل به حتى خرج عام1971م، وهو العام الذي زف فيه إلى زوجته، بعدها انتقل للعمل في مصانع الشريف حتى بلغ سن المعاش.
غير أنه امتنع في بداية الأمر؛ لأنه لم يرها من قبل فأعطوه صورتها واستطاعوا أن يقنعوه، وأنه لا صعوبة في ذلك خاصة وأن والدها كان معتقلاً معه في نفس السجن ، ويعلم من هو فوافق الأب على ذلك الزواج شرط أن يراها وتراه، وتم ذلك في إحدى الزيارات، وتقدم بطلب إلى إدارةالسجن.
وكان ذلك بعد نكسة 1967م فوافقت الإدارة وانتدبت مأذونًا لذلك، غير أن أحد الضباط حاول إثناءها عن ذلك وبث في نفسها مشاعر الخوف والتهديد والوعيد غير أنها بالرغم من الخوف الذي تملكها أصرت على الزواج وسقط ذلك في يد الضابط.
واستعد الإخوان للاحتفال بهذه المناسبة وجاءت العروس وجاء العريس ومعه والدها ثم قدم المأذون وعقد وسط لحظات ترقب وفرح أن تحدث مفاجأة ويتم أول عقد قران داخل سجون عبد الناصر لتخفف هذه الفرحة كثيرًا من لحظات الحزن والألم الذي عاش فيه كثير من الإخوان وأسرهم؛ بسبب تغيبهم خلف قضبان السجون أكثر من خمسة عشر عامًا، وأخذ المأذون يتلو صيغة العقد ويرددوكيل العروسة الصيغة "زوجتك موكلتي سهام عبد الجواد البكر الرشيد على كتاب الله وسنة نبيه" ويرد العريس في تروي " وأنا قبلت زواج موكلتك على كتاب الله وسنية نبيه" وانطلقت الزغاريد لتبشر بحدث سعيد داخل جدران السجون،والتي شهدت كثيرًا من الدماء المتناثرة عليه من جراءالتعذيب.
وشهد على العقد كلا من الأخوين الكريمين عبدالمنعم أحمد مختار مكاوي (وهو أحد قادة النظام الخاص ، والذي أصبح فيما بعد عضو مكتب الإرشاد عن وسط الدلتا)،والأستاذ صالح عبد العزيز طه، وجاء في وثيقة العقد "إنه في يوم الأربعاء 13 من شهر ذي القعدة 1389هـ الموافق 12 يناير 1970م الساعة 12.30 بعد الظهر، بحضوري وعن يدي إسماعيل أحمد عبد الصمد مأذون ناحية الفاروقية التابعة لمحكمة حلوان للأحوال الشخصية بمنزل إقامة والد الزوجة الكائن بمزرعة طرة بمعتقل الإخوان صدر عقد الزواج الآتي:....إلخ"
واحتفل الإخوان بهذه المناسبة التي كانت فاتحة خير وسعادة على معتقلي الإخوان حيث نشط باقي الشباب في اختيار زوجات لهم ومن أشهر من تزوج داخل السجون الأستاذ كمال السنانيري ، والذي عقد قرانه على الأخت أمينة قطب (أخت الشهيد سيد قطب).
وظلت الزوجة تنتظر زوجها حتى أفرج عنه بعد وفاة عبد الناصر، وتولي السادات الحكم، وتم الزفاف في حضورالوالد الذي أفرج عنه في نفس العام، وانتقلت لتعيش مع زوجها، ورزقهما الله الأولاد وجعلهم قرة عين لهم حيث أصبحوا جميعًا من رجالات الحركة الإسلامية.
ومنهم من ورث المعتقل عن أبيه وجده فأنس به فترات متفاوتة بتهمة الانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين ، أو بسبب ما يطلبه الإخوان من إصلاح، وقد ولد لها أكبر أبناءها محمد عام 1973م، ثم أسامة عام 1975م، ثم ياسر عام 1977م ثم خالد عام 1979م.
ماذا بعد؟ إن التربية الإسلامية الصحيحة ضرورة لتكوين أجيال قوية أمينة، وإنه من الخير لمصر، بل للعالم أجمع أن تتاح للدعاة الراشدين فرص واسعة لتعهد الناشئة النابتة بمايجعلها تشب أنضر عودًا وأطيب ثمرًا، إن الحياة بتدين مريض كالحياة بلا دين، ولا سبيل إلى إسعاد الأمم في معاشرها ومعاهدها إلا بإيمان قوي وخلق سليم.
ويقول الإمام البنا:
- "طريق الإخوان المسلمين مرسومة محدودة معروفة المراحل والخطوات، ليست متروكة للظروف والمصادفات. ومراحل هذه الطريق ثلاث: التعريف، والتكوين،والتنفيذ، أو الدعوة العامة، ثم الدعوة الخاصة، ثم العمل أو تغيير العرف العام، ثم الإعداد، ثم الإتمام".
كل هذه المعاني رسخت في قلب الزوجين فحددا أهدافهما وغايتهما، وسارا على منهاج الكتاب والسنة، فبنا فردًا مسلمًا وبيتًا مؤمنًا، ويسعيان إلى إيجاد مجتمع يعرف معنى العزة والكرامة، مجتمع يساير واقع الحياة بروح الصحابة، هذا الجيل هو الذي عمل الإمام البنا على إيجاده وتربيته حتى تحقق له ذلك فأنبتت الشجرة زهورًا يانعةريحها عليل وطعمها جميل، تحملت الصعاب لا من أجل دنيا فانية لكن من أجل نيل رضا رب العالمين.
فبعد أن خرج الزوج من المعتقل عاد إلى عمله مرة أخرى، واستقر مع أسرته الصغيرة بشبرا، ثم انتقل للعمل في مصانع الشريف، ومع ذلك لم ينس هو وزوجته واجبهم نحودعوتهم، فسارعوا بتسليم أنفسهم وأبنائهم إلى إخوانه،وأخذت الزوجة تجوب محافل الأخوات لتحكى لهن ثمار تربية حسن البنا، وكيف تصدت لظلم الحقبة الناصرية ومن قبلهاالحقبة السعدية (النقراشي باشا وإبراهيم عبد الهادي باشا).
ورغم مرور السنين إلا أنها لم تسلم ولا زوجهاوأبنائها من يدي أمن الدولة فبين الحين والآخر يهجمون على البيت ويعبثون بمحتوياته، كما اعتقل ابنيها ياسروأسامة عام 2000م، ومع ذلك كانت صابرة محتسبة، ومما زادها تشريفا أنها كانت المرأة الوحيدة في حي المنشية بشبرا في حقبة السبعينات التي التزمت بشرع ربها وكانت ترتدي حجابها، وسعت وسط نساء الحي حتى أصبح سمت المجتمع ارتداء الحجاب، كما أن علاقتها بالأقباط طيبة خاصة وأن حي شبرا من أكبر أحياء القاهرة الذي يضم مسيحيين.
وفاتها
توفيت الحاجة ابتسام عبدالجواد بعد صراع مع المرض الطويل يوم الخميس 21/ 10/ 2010م الموافق 13 من ذي القعدة عام 1431هـ.
وقد شيعت الجنازة عقب صلاة الظهر بمسجد المدينة بجوار المنزل بشارع الأزهري- أرض ابن الحكم بشبرا الخيمة.
المراجع
- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع الأستاذ حسن عبد العظيم .
- وثيقة زواج الأستاذ حسن عبد العظيم بزوجته سهام عبدالجواد.
- محمود عبدالحليم – الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ دار الدعوة .
- أحمد أبو شادي – رحلتي مع الجماعة الصامدة – دارالتوزيع والنشر الإسلامية.