عائلات في السجن الحربي
العائلة الأولى: عائلة عبدالحميد البرديني
لم يحدث في العصر الحديث أن امتلأت السجون بعائلات بأكملها وعلى رأسها نسائها، إلا في عهد الحقبة الناصرية، مما كان له أثره على هؤلاء النساء في حياتهن وتربية أبناءهن، ولابد لنا من وقفة مع بعض هذه العائلات لمعرفة الأسباب التي أدت بها جميعها خلف السجون أيام وشهور وسنين.
الشهيد عبدالحميد البرديني يعد الشخصية الثانية في تنظيم الدقهلية بعد الأستاذ محمد أحمد العدوي.
وكان أحد الإخوان الربانيين والحركيين والذين أدوا للدعوة كثيرا وضحى من أجل دينه كثيرا، وليس هو وفقط بل كانت عائلته كلها الأخ والأبناء رجالا ونساء، وكانت منهن نادية (أم عزة).
السيدة نادية عبدالحميد البرديني
نشأت نادية في بيت أبيها عبدالحميد البرديني، بميت أبو خالد، محافظة الدقهلية ، والتحقت بالدعوة وأهلها، اعتقل والدها بعد حادث المنشية عام 1954م وحكم عليه بعشرة سنوات، وتولى رعايتها عمها الحاج سيد البرديني.
فقدت الحاجة نادية والدها الحنون والمربي الجليل الذي كان سندا لها ولإخوتها في التربية الحسنة، غير أن عمها قاما بما كان والدها يقوم به، حتى طرق الزوج بابها.
زوجها هو الأستاذ عوض عبدالعال عوض أحد إخوان المنصورة ، اعتقل عام 1954م وظل في المعتقل حتى أوائل عام 1957م ، بعد خروجه أخذ يبحث عن زوجه فعلم بابنةالأستاذ عبد الحميد فتزوجها.
كان الأستاذ عوض عبدالعال أحد مؤسسي تنظيم 1965م عام 1958م ، غير أنه سافر للجزائر عام 1964م ، وترك التنظيم في الدقهلية للأستاذ صبري عرفه.
يقول علي عشماوي: " وتم اختيار الأخ أحمد عبدالمجيد مسئولاً عن "قبلي" وأنا مسئولاً عن القاهرة والشيخ عبدالفتاح إسماعيل عن "شرق الدلتا" والأخ عوض عبدالعال عن "غرب الدلتا" وتأجل تحديد مسئول عن الإسكندرية حتى يتم الاتفاق مع إخوان الإسكندرية وظللنا على هذه الحالة عدة أشهر".
ثم يضيف: " وفى هذا الاجتماع نفسه علمنا أن اثنين من الإخوة فى القيادة سوف يتركاننا ليعملا فى الجزائر هما الأخ "محمد فتحي رفاعي" والأخ "عوض عبدالعال" وبناءً على ذلك تم انتداب الأخ "صبري عرفة الكومي" ليحل محل عوض عبدالعال، وتم ضم الأخ مجدي عبدالعزيز متولي مندوباً عن الإسكندرية (وكان مقيماً في القاهرة ولكنه أصلاً من الإسكندرية وعلى صلة بالإخوان هناك)".
ويقول الأستاذ أحمد عبدالمجيد: "عوض عبدالعال المدرس وهو من الإخوة الذين عرفتهم بعد ذلك ويمتاز بطيب القلب وحسن الخلق والإخلاص في العمل ، وحب الآخرين – نحسبه كذلك ولا نزكي علي الله أحدًا"(3).
محنة عائلة
ما كاد رب الأسرة يخرج من المعتقل عام 1964م حتى كانت تنظره مفاجأة أخرى واعتقال من نوع آخر ليس اعتقاله فقط بل اعتقال عائلته كلها، فبعد القبض على الإخوان في قضية تنظيم 1965م حتى اعترف علي عشماوي على أكثر الإخوان ، يقولعلي عشماوي : "وتحملعبدالحميد البرديني التبعة، وأنه هو المسئول عن هذا الأمر بالنسبة للدقهلية كلها. وبهذا تمت حماية محافظة الدقهلية وإنقاذ قادتها من الأحكام وكانت تلك هي الخطة المتفق عليها لخوض التحقيقات، وهذا ما حدث تماماً مع الأخ كمال السنانيري".
قبض على عبدالحميد البرديني، كما قبض على أخوه سيد البرديني –الذي كان عائلا للأسرة- كما قبض على زوجها عوض عبدالعال في الجزائر وجئ به مكبلا بالحديد في طائرة خاصة، وليس ذلك فحسب بل قبضوا على أخيها الأستاذ كمالعبدالحميد البرديني ، وظل في السجن حتى عام 1971م.
مات والدها الأستاذ عبد الحميد في السجن من كثرة التعذيب عليه حيث فاضت روحه بعد نقله للقصر العيني مباشرة، فخرجت البلدة عن بكرة أبيها تشيعه مما أدى لاعتقال أخيها الأستاذ كمال واعتقال كثير من شباب القرية.
لم يتوقف الاعتقال عند هؤلاء بل طال الاعتقال زوج عمتها الحاج محمد عبدالحي العوضي – وهو من إخوان مدينة ميت غمر .
لم تتوقف مأساة هذه العائلة عند هذا الحد بل حكم على زوجها بالسجن لمدة 15 عاما في القضية الثانية.
بالرغم من كل هذه الأهوال التي أحاطت بهذه العائلة وبهذه الأخت خاصة إلا أنها كانت صابرة راضية كل الرضا، وظلت صابرة محتسبة حتى خرج أهلها جميعا بعد تسع سنوات.
العائلة الثانية: عائلة المهندس فايز إسماعيل
التحق فايز محمد إسماعيل يوسف بكلية الهندسة، فكانت سعادة أسرته به كبيرة حيث كان أول شاب يتخرج من الجامعة من هذا البيت، فقد كانت أسرته متوسطة الحال، وأثناء دراسته الجامعية تعرف على الإخوان المسلمين ، حيث كان رفيق الشهيد فاروق المنشاوي ، اتصف فايز بحدة الذكاء، كما كان شابا رياضيا متعدد المواهب ، وكان يقطن مع عائلته في 4 شارع الزهور بجزيرة بدران بشبرا، وقد ولد في المنزل في عام 1944م.
في طور المحنة
كان من الصدف العجيبة أن فايز إسماعيل كان يقطن مع عائلته في عمارة يقطنها كلها عائلات مسيحية فكان لافتا للنظر إذا صعد مسلم يكن بالتأكيد صاعدا لفايز ، وهذا ما فطنت له المباحث الجنائية بعد الكشف عن التنظيم والاعتراف علىفايز إسماعيل ، فقد وضعت كمينا عند المكوجي الموجود بمدخل العمارة، وكل مسلم يدخل من باب العمارة كان يعتقل.
كما وضعوا كمين أعلى سطح العمارة، وآخر داخل شقة فايز للقبض عليه، غير أنهم لم يستطيعوا فعل ذلك مما دفعهم لاعتقال والده لإجبار فايز على تسليم نفسه لكنه لم يفعل، فاعتقلوا والدته، غير أن فايز لم يعلم بذلك، فدفع ذلك المباحث لاعتقال باقي أفراد العائلة.
سيقت أمه وأبوه وباقي عائلته إلى لاظوغلي حيث مورس ضدهم التعذيب ، فكانت الأم صابرة ، غير أن عيناها دامعة وقلبها يبكي بلا صوت، تنظر إلى الأفواج من الشباب التي زج بهم في بطون السجون دون ذنب يذكر، وظلت العائلة في لاظوغلي حتى قبض على فايز، وخرجت العائلة وهي تحتسب نجلها في عداد الشهداء.
حكم على فايز مع عدد من إخوانه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عاما، حيث حكمت على 25 -منهم ثلاثة هاربون- صدرت الأحكام عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة طبقًا لأدوارهم الفرعية في قيادة التنظيم التي تلي دور مجلس القيادة مجتمعًا وهم عبدالمجيد الشاذلي ، مبارك عبد العظيم ، فاروق المنشاوي ، فايز إسماعيل ، ممدوح الديري ، محمد أحمد عبدالرحمن ، محمد عبدالمعطي إبراهيم ، محمد المأمون زكريا ، أحمد عبدالحليم السروجي ، السيد سعدالدين شريف ، إمام عبد اللطيف غيث ،كمال عبد العزيز سلام ،فؤاد حسن علي ، محمد أحمد البحيري ، حمدي حسن صالح ، مصطفى الخضيري ، السيد نزيلي عويضة ، مرسي مصطفى مرسي ، حلمي صادق حتحوت ، عبد المنعم عرفات ، محمد عبدالفتاح شريف ، السيدة زينب الغزالي الجبيلي ، والهاربون: محيي الدين هلالي ، عشماوي سليمان ، مصطفى العالم .
العائلة الثالثة: عائلة يوسف القرش
يوسف القرش اسم لا يجهله أحد لأنه كانت بداية الخيط في فك شفرة تنظيم 1965م ، فقد ولد في قرية سنفا بميت غمر التابعة لمحافظة الدقهلية، لم يكمل تعليمه ومن ثم اتجه إلى التجارة، ووفقه الله للزواج من سيدة طيبة كانت له عونا على الطريق.
كان أحد الذين انضموا للإخوان في فترة مبكرة، غير أن اسمه وعائلته برز في أحداث 1965م حيث كان بداية الخيط الذي جاء بالباقين.
يقول أحمد عبدالمجيد: «اكتشف تنظيم 1965م عن طريق القدر فقد كان ضمن المقبوض عليهم في قضية حسين توفيق شخص يدعي سامي عيد القادر ويعرف الأخ يوسف القرش من الإخوان، وأثناء تعذيبه اعترف علي يوسف القرش وقال إن عنده قنبلتين يدويتين، وعند ذهابهم للقبض علي يوسف القرش في قريته سنفا بمحافظة الدقهلية لم يجدوه وقيل لهم إنه عند صديقه بالقاهرة حبيب عثمان، وتم القبض علي حبيب عثمان ويوسف القرش في بالقاهرة.
وتحت التعذيب الشديد لحبيب عثمان ولمدة 15 يومًا اعترف علي أعضاء أسرته، واختفي النقيب ولم يتم القبض عليه، وانقطع الخيط، وكان هذا النقيب هو الأخ مصطفي الخضيرى ، يرحمه الله.
عذب يوسف القرش عذابا شديدا، وعندما أبى أن يعترف جاءوا بزوجته وألهبوا جسدها بالسياط والكرابيج حتى اعترف زوجها.
يقول المهندس محمد الصروي: "وفي هذه الليلة السوداء كان يوسف القرش معلقاً والسياط تلوشه من كل جانب، يسألونه عن الإخوان المسلمين والتمويل والتنظيم، وجاءوا بسالم شاهين، ومن اليمن طيروا عبد اللطيف شاهين، ودارت رحا العذاب هائلة قاسية مروعة، وكان ذلك في قصر عابدين، حيث مبنى المباحث الجنائية العسكرية، وأشرف يوسف القرش على الموت من الضرب بالسياط.
وقد قدر لي أن أراه بعد ذلك بشهور فكأنه قد ضرب منذ ساعة فقط، كانت جروحه رطبة طازجة مازالت على حالها الأول. وفي الحقيقة بدأت مأساة الإخوان بضرب يوسف القرش في قصر عابدين حيث كان يقيم الخديوي إسماعيل وعندما يجتاز المضروب حاجز الألم فهو يقول ما يفهم وما لا يفهم، كانوا يسألونه عن الإخوان وصلته بهم، ومن يعرفه منهم، والرجل لا يعرف كيف يجيب ولا يدرك الطريقة التي يخرج بها سالماً من هذا الجحيم، وأثناء الضرب ذكر اسماً كان الخيط لكل شيء... حبيب عثمان صاحب ورشة ميكانيكية بالقاهرة.. وما كان يوسف القرش يعلم شيئاً عن حبيب عثمان ووضعه في التنظيم الجديد، وما كان يعرف أن هناك تنظيماً جديداً، ولكنها الأقدار تجري على الناس ما تشاء(7).
ظلت الزوجة في المعتقل فترة ثم أفرج عنها، وقد ظل زوجها داخل السجن حتى زال حكم عبدالناصر وبدأ الإخوان يخرجون.
لقد كان السجن الحربي وصمة عار في جبين مصر لما انتهك فيه من حرمات تحت مزاعم الحفاظ على السلطة والسلطان حتى جاء اليوم الذي هدمة السادات ليزيح هذا الكابوس الجاثم وتاريخه المشين.
الهوامش
1- كتاب : الإخوان المسلمون ومحنة 1965م... الزلزال والصحوة ، لتحميل الكتاب , محمد الصروي دار التوزيع والنشر الإسلامية، 2004م، ص (378).
2-مذكرات على عشماوي، دار ابن خلدون، 2006م.
3- كتاب : الإخوان وعبد الناصر، القصة الكاملة لتنظيم 1965م ، أحمد عبدالمجيد كتاب المختار، الطبعة الثالثة، 1427هـ، 2006م.
4-محمد الصروي: الإخوان المسلمون ومحنة 1965م ، مرجع سابق.
5- كتاب : الإخوان وعبد الناصر، القصة الكاملة لتنظيم 1965م ، أحمد عبدالمجيد كتاب المختار، الطبعة الثالثة، 1427هـ، 2006م.مرجع سابق.
7-أحمد رائف، البوابة السوداء، الزهراء للإعلام العربي.
إقرأ أيضا