المرأة المسلمة على مفرق طريقين
بقلم / الإمام حسن البنا
نحب من كل قلوبنا أن تبلغ المرأة الشرقية أقصى حدود الكمال الممكن، وأن ترقى إلى أوسع مدى تطمح إليه، ونعتقد أن النهضة الصحيحة إنما تتدعم على أسس قوية من نفسية المرأة وروحها، وما تبثه فى نفوس أبنائها -وهم الجيل الجديد- من مبادئ وأخلاق، ذلك أمر مفروغ منه ليس فيه مجال للجدل ولا للخلاف، فلترق المرأة الشرقية فى مدارج الكمال ما شاء لها الرقى، ولتكمل نفسها ما شاء لها التكميل حتى تصل إلى الكمال، ولتعمل فى هذا السبيل بكل ما وجدت من وسع، ولكن حذار حذار فإن الموقف دقيق، حذار فإن المرأة التى تصلح الأمة بصلاحها هى المرأة التى تجلب على الأمة الفناء والاضمحلال بفسادها، حذار فإن مزالق الضلال كثيرة ومناحى الفساد متشعبة ومظاهر الخداع غرارة، وإذن فلابد من تحديد الغاية.
وإنما يكون كمال المرأة ورقيها إذا استطاعت أن تكون فتاة عفة طاهرة، راجحة العقل، نبيلة العاطفة، سامية الغاية والمطمح، صحيحة الجسم والروح، وزوجًا مخلصة وفية، يجد فيها زوجها ما يملأ فراغ قلبه، ويصل إلى مقر الطمأنينة من نفسه، ويدبر شئون الحياة فى بيته، وأمًّا برة صالحة تقدم للإنسانية رجالاً فضلاء، ذاك هو كمال المرأة الصحيح الذى إذا وجدت السبيل إليه فقد وفقت إلى كل خير..
فما الوسائل إلى هذه الغاية؟
أمام المرأة الشرقية نموذجان لكل منهما مرجحاته ومزاياه.
أمامها المرأة المسلمة كما يريدها الإسلام أن تكون صحيحة الجسم، سليمة الفكر، نبيلة العاطفة، رقيقة الشعور، ليس بينها وبين العلم حجاب، مراقبتها لربها، وقلبها لزوجها، وعملها فى بيتها، ووقتها لبنيها، لا تألو جهدًا فى النصح لهؤلاء جميعًا، وذلك ما كانت عليه المرأة العربية يوم كان الإسلام غضًا طريًا.
وأمامها المرأة الغربية كما تبدو الآن برزة تغشى الأسواق والمجامع، متبرجة تغالى فى الزينة وتسرف فى التجمل، مدلة بما وصلت إليه من علم ومعرفة، بائسة بين دخان المصانع وجحيم المعامل، كل همها المادة، وكل أثرها لا يعدو حياة المادة.
لا ننكر أن لكثير من نساء الغرب فضائلهن ومزاياهن من حيث سعة المدارك، والاضطلاع بأعباء الحياة، وبث كثير من المبادئ الصالحة فى نفوس أبنائهن، ولكن هذا لا يبدو للمرأة الشرقية واضحًا من جهة، ولا يصل إلى درجة التغلغل فى الأرواح والنفوس، وطبعها بطابع الفضيلة الخالصة التى تؤدى إلى الخير العام للإنسانية المعذبة، لهذا كانت الناحية التى تقصد إليها المرأة الشرقية فى الأخذ عن الغربية هى الناحية الواضحة البارزة ناحية التبرج والتزين، والإغراق فى الإباحية والاختلاط، حدثوا أن بهيسة بنت أوس بن حارثة الطائى حقنت دماء الأمة العربية.
وحملت زوجها الحارث بن عوف المرى على أن يتحمل ديات القتلى بين عبس وذبيان فى حرب داحس والغبراء، وانتهت بذلك تلك الحرب الضروس التى ظلت ناشبة بين الحيين دهرًا طويلاً، وقد ورد مثل ذلك كثير عن نساء العرب وكيف استطعن أن يحملن الرجال على نبذ الحروب واجتناب الفتن ونشر راية السلام، بما طبعت عليه نفوسهن من رقة، وعقولهن من رجحان، فهل استطاعت المرأة الغربية أن تصل إلى بعض ذلك فى عصر النور والعرفان؟ وهل غرست فى بنيها حب السلام الذى يتمناه طلابه وقد أغلقت بأيديهم أبوابه؟
قلب طرفك فى كل زاوية من زوايا الدنيا وأخبرنى بربك هل ترى إلا قلوبًا ملأها الغل، وران عليها الحقد، ونفوسًا استولى عليها الجشع، وأعماها الطمع، ومشاعر تهتز لإراقة دم الدجاجة وهى تلغ فى دماء الشعوب البريئة والأمم المغلوبة؟
وأليس من سخرية المصادفات أن يجتمع الاتحاد النسائى الدولى فى استنبول، وتخف إليه أسراب الأوانس والسيدات يتحملن وعثاء السفر وكآبة المنظر، ويغضين فيه للضرورة عن اختلاط ومقابلات وزيارات ومجاملات، كل ذلك فى الوقت الذى يطالب فيه السنيور موسولينى فى مؤتمر ستريزا بزيادة تسليح النمسا وتعلن فيه ألمانيا التجنيد بالإجبار.
سيداتى وآنساتى أتقدم بين أيديكن باقتراح أقسم لكنَّ أن العمل به أقرب الوسائل إلى تحقيق ما تصبون إليه من غاية إن كنتن تردن السلام بإخلاص.
عدن إلى بلادكن وقرن فى بيوتكن وربين على حب السلام أبناءكن، واغرسن فى نفوسهم الرحمة والرأفة والإنصاف والشفقة، ولن تجدن أقرب من هذا إلى السلام.