شهداء (الإخوان) في معارك القناة 1951م=1954م (1)
النشأة
الشهيد "عادل غانم"، أحد السابقين إلى الشهادة في معارك القنال.
التحق بدعوة (الإخوان المسلمون) في سِنٍّ مبكرة لا تجاوز السادسة عشرة من عمره، وفي فترة عصيبة من عمر الدعوة، إذ التحق بها بعد المحنة الأولى واستشهاد الإمام "البنا".
وفي ذلك العام كان قد التحق بكلية الطب جامعة "إبراهيم باشا" (عين شمس)، وعندما بدأت حركة التدريب للجهاد في الجامعة التحق بها، وانتظم في معسكر التدريب الذي كان تحت قيادة الأخوين "محمد مهدي عاكف" و"وائل شاهين".
ويحكي أخوه الأصغر "علي غانم" عن حاله في تلك الأيام قائلاً: "إن أخي "عادل" كان ينتظر ملك الموت كل ليلة، وذات ليلة أيقظني من نومي، وقال لي: إنه يشعر باقتراب أجَلِه، فسخرتُ منه، وقلت إنها أوهام وأحلام، لكن يبدو أنه كان ينظر بنور الرجل المؤمن، فبعد أيام دخل عليَّ وهو أشد ما يكون انفعالاً، وقال لي لمَ لم تفكر في التدريب في الجامعة؟، فقلت له إن الدراسة جهاد كالعلم تمامًا؛ ولكنه استطاع أن يقنعني برأيه وبدأنا التدريب سويًّا".
موعد مع الشهادة
ومع حلول أول يناير 1952م، كان "عادل" على موعد مع الشهادة:
كاد المؤذن ينتهي من آذان فجر الجمعة الأولى من الشهر حينما كان "عادل" يتوضأ للصلاة، وبعد أن خلص من ختام الصلاة مشى برفق إلى؛ حيث يرقد أخوه الصغير "علي" وهو طالب بالإبراهيمية الثانوية، فأيقظه برفق وقبلَّه ثم ودعه، وأخبره أنه يستعد لرحلة وسيعود بعد أيام قلائل، وطلب إليه أن يخبر الأسرةَ بذلك، أما والده "محمد غانم" بك المفتش بوزارة المعارف وأخوه الملازم "سيد غانم" فقد علما عندما أنبأهما "علي"، وقالت والدته: "يظهر أنه رايح القنال".
وفي صبيحة السبت نشرت الجرائد في صفحتها الأولى خبر هجوم الفدائيين على الإنجليز عند نقطة تفتيش العباسية الذي كان نتيجته انسحاب الإنجليز بمصفحاتهم ودباباتهم من المعركة بعد أن تكبدوا خسائر جسيمة في الأرواح والعتاد، وجرح أحد الفدائيين وهو الشهيد "عادل غانم"، فذهبوا به إلى مستشفى "فاقوس"، وبعد أربع وعشرين ساعة فاضت روحه إلى بارئها.
قبل أن تقبض نفس "عادل" وتلقى بارئها، صَحَا والتفت إلى إخوانه يسألهم: "متى يبرأ هذا الجرح حتى أعود إلى الميدان لقتال الإنجليز؟"، ثم رجع إلى غيبوبته، وأخيرًا صحا وهتف: لا إله إلا الله محمد رسول الله، عليها نحيا وعليها نموت، وفي سبيلها نجاهد".
وفي صباح الأحد كان أهالي (فاقوس) جميعًا يشيِّعون جثمان الشهيد إلى خارج المدينة في موكب رهيب، وبعد دقائق كان رتلٌ من السيارات يتجه إلى القاهرة حاملاً وفدًا كبيرًا من أهالي (فاقوس) والإخوان تتقدمهم العربة التي تحمل جثمان الشهيد، وقد لُفت بالعلم المصري، وكانوا قد أبرقوا للمركز العام، فاستعد الإخوان ب القاهرة لاستقبال الشهيد، وكان المرشد العام الأستاذ "حسن الهضيبي" في المركز العام مع الإخوان.
وجيء بوالد الشهيد، وتقبل الرجل الخبر تقبلاً حسنًا كما يتقبله الأب المسلم، فقال وفي قلبه لوعة "في سبيل الله"، ووقفت الأم تودع ابنها وفلذة كبدها، وتذكر حُنُوَّه وعطفه، ثم ختمت مناجاتها: "في سبيل الله يا بني، في سبيل الله".
وصل الجثمان مع الموكب فأحاط به الإخوان وهم يهتفون، وفي المغرب نقل الجثمان إلى منزل العائلة الكريمة وصحبه وفد كبير من الإخوان كان المرشد العام معهم.
وفي الثانية بعد ظهر الإثنين نقل الجثمان من منزله إلى مسجد القبة الفداوية بالعباسية، حيث كان الإخوان هناك يتجمعون لتشييع الجنازة، وكان طلبة جامعات "فؤاد" و"إبراهيم" والأزهر يصطفون في الموكب الحزين الرائع، وكان شباب الكتائب ينظمون سير الذين تجمعوا في الموكب الصامت لتحية شهيد الإخوان والجامعة في القنال.
وكانت أعلام المركز العام وجامعة إبراهيم – التي كان "عادل" طالبًا بكلية الطب بها – تتصدر الموكب مع باقات الورود من مختلف الهيئات، ثم الطلاب ثم كتيبة الجيش ثم كتيبة الأزهر وبعدها النعش محمولاً على أعناق الطلاب من شباب الكتائب الجامعية، ثم المشيعون يتقدمهم المرشد العام ومندوب رئيس الوزراء ومندوب عن وزير المعارف ووكيل الأزهر و"صالح حرب" باشا و"مكرم عبيد" باشا ومدير جامعة إبراهيم، حتى إذا وصلت الجنازة الرهيبة إلى ميدان فاروق – ميدان الجيش حاليًا – تقبل فضيلة المرشد العام العزاء.
المصدر
- شهداء (الإخوان) في معارك القناة 1951م=1954م (1)إخوان أون لاين