أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون


أسرار حركة الضباط.jpg

بقلم / حسين حمودة ... أحد الضباط الأحرار

توطئة

بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين ﴾

الأستاذ حسين حمودة واحد من الضباط الأحرار الذين قاموا بحركة الجيش في 23 يوليو سنة 1952 ، وهو من المسلمين الشرفاء الذين تؤخذ شهادتهم موضع الاعتبار والتصديق ، وقد أوذي وسجن وعذب في عهد عبد الناصر.

ولا شك أنه قد أضاف إضافة جديدة بكتابه الذي بين يدينا الآن (أسرار حركة الضباط الأحرار و الإخوان المسلمون ) في تاريخ هذا الموضوع ، الذي لا يزال حافلاً بالخفايا ، ولما يزح الستار بعد عن حقيقة ما حدث ليلة 23 يوليو سنة 1952 ، وقد أفاد في هذا أن الأستاذ حسين حمودة كان على علم بكثير من الأسرار التي شارك فيها ، أو قدرت له الظروف أن يعرفها ، فشهادته لها أهمية بالغة في تقييم ما حدث تقييماً صحيحاً.

وقد يختلف القارئ معه في بعض وجهات نظره ، ولكن الاختلاف لا يمحو الحقائق التي أوردها في كتابه ، حول حوادث كان لها أعظم الأثر في تاريخ مصر والعرب.

ولعل دور الإخوان المسلمون في أحداث يوليو سنة 1952 قد غاب عن كثير من الناس ، نتيجة الضرب والقمع الذي منيت به الجماعة حتى يتفرد عبد الناصر بالسلطة ، وقد أغفل هذا الدور عن عمد من كثير ممن كتبوا حول هذا الموضوع.

ولكن الوقت قد حان لإنصاف هذه الجماعة ، جماعة الإخوان المسلمون ، وأن تذكر مواقفها الوطنية والقومية.

ويقول الأستاذ حسين حمودة حسب سرده لحوادث التاريخ في أسرار حركة الضباط الأحرار و الإخوان المسلمون كتابه إنه لولا جماعة الإخوان المسلمون ما نحج انقلاب 23 يوليو سنة 1952 ولا ندري هل تحسب هذه النقطة لهم أم عليهم.

هذا أمر نتركه للتاريخ وللقارئ.

أحمد رائف

القاهرة 7 شعبان سنة 1405ه

27 أبريل سنة 1985


من لجنة تاريخ الثورة 23 يوليو سنة 1952 إلى كاتب هذه السطور

السيد/ حسين محمد حمودة

تحية طيبة وبعد

نظراً لقيام اللجنة العسكرية الفرعية المنبثقة من اللجنة العامة لتاريخ الثورة 23 يوليو 1952 بتسجيل تاريخ الثورة يوليو 1952 ، وإيماء إلى قرارات السيد/ رئيس جمهورية مصر العربية بالجريدة الرسمية العدد (46) مكرر الصادرة في 20/ 11/ 1972 الخاص بمنح معاشات استثنائية للضباط الأحرار.

وباعتبار أن لسيادتكم دوراً في الإعداد وفي تنفيذ هذه الضباط الأحرار المباركة فإن اللجنة يسعدها أن تتكرموا بكتابة تقرير عن دوركم في هذه الثورة .. بحيث يشمل الإجابة على الأسئلة التالية... ونرجو التكرم بالتقيد بترقيم الأسئلة حتى يسهل على اللجنة تجميع الإجابات كما ترجو اللجنة أن تكون الإجابة مدعمة بالتواريخ وبأسماء الشهود الذين تواجدوا في واقعة معينة وأن يكون لكم دور في السؤال الموجه (وليس نقلاً عن آخرين) وفي حالة عدم وجود دور يكتب (لا يكن) وإن اللجنة لواثقة تمام الثقة.. أن هذا الموضوع سيحظى باهتمامكم وتقديركم لما له من قيمة تاريخية بالغة الأهمية.. نظراً لما لهذه الحقبة من آثار كبيرة على تاريخ مصرنا العزيزة. ورغم علم اللجنة.. أن كتابة هذا الموضوع ستكلفكم مشقة كبيرة في تذكر الأحداث وتواريخها وشهود العيان لها.. إلا أن اللجنة ترى أنه لا يمكن لها أن تتصدى لكتابة التاريخ الحقيقي لهذه الحقبة الزمنية الهامة دون الاستنارة برأيكم فيها ومعرفة دوركم في أحداثها بدقة.

كما أنه تجمعنا وإياكم مسئولية مشتركة... ودين في أعناقنا يجب علينا أن نؤديه للأجيال القادمة.. وهو أن نقدم صورة حقيقية لتاريخ مصر.. ليأخذوا منه العبرة ، ولنضيء الطريق أمامهم.. فالتاريخ هو مرآة المستقبل.

وإن اللجنة تنتظر أن يصلها تقريركم في موعد أقصاه 30 يونيو 1976 مع رجاء التكرم بالإحاطة بأن الأمر يتطلب لقاء شخصياً مع سيادتكم لاستيضاح بعض النقاط والوقائع الواردة في تقريركم.. وسوف يتم الاتصال بسيادتكم لتحديد هذا الموعد.. في حينه..

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ، ، ،

4/7/ 1976

لواء/ محمد حسن غنيم

مساعد وزير الحربية ورئيس اللجنة الفرعية العسكرية

لتاريخ الثورة 23 يوليو 1952


بسم الله الرحمن الرحيم

السيد اللواء/ محمد حسن غنيم

مساعد وزير الحربية

بعد التحية

تشرفت باستلام كتاب العقيد أ. ح/ مصطفى ماهر أمين رقم 16004/ 3/ 1976 والمرفق به كتاب سيادتكم الموجه إلى السادة الضباط الأحرار والذي تشيرون فيه إلى أنه نظراً لقيام اللجنة العسكرية الفرعية المنبثقة من اللجنة العامة لتاريخ الثورة 23 يوليو 1952 بتسجيل ثورة 23 يوليو 1952.

وباعتباري أحد الضباط الأحرار الذي كان لهم دور في الإعداد لهذه الثورة وفي تنفيذها فإن اللجنة يسعدها أن أقوم بكتابة تقرير عن دوري في هذه الثورة.

وإنه ليسعدني أن أدون الوقائع التي عاصرتها لأن بعضها يعتبر جزءاً من تاريخ مصر السري ولا يعرف الرأي العام في مصر والعالم العربي عنه شيئاً وذلك قبل أن يطويه الأجل المحتوم ، لقد كنت واحداً من الضباط الذين اشتركوا في التخطيط ل ثورة 23 يوليو 1952 قبل سنوات من قيامها كما كان لي شرف الاشتراك في تنفيذها ليلة 22- 23 يوليو 1952 ، ويسعدني أن أرفق لسيادتكم مع كتابي هذا إجاباتي على الأسئلة التي تضمنها كتاب سيادتكم كل سؤال على حدة لتسهيل عمل اللجنة. ولقد شملت الإجابة على عدد (42) صفحة من رقم (1) حتى رقم (42).

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام ، ، ،

تحريرا في 1/ 9/ 1976

حسين حمودة

أحد الضباط الأحرار

استلمت الأصل والمرفقات

عقيد أ. ح/ مصطفى ماهر

توقيع - منسق الأمانة الفنية

5/ 9/ 1976

مقدمة

حينما جاءني كتاب اللجنة العامة لتاريخ ثورة 23 يوليو 1952 والمتضمن اثنين وعشرين سؤالاً حول أحداث الثورة.

رأيت أن الواجب الوطني يحتم على أن أرسل لهذه اللجنة الموقرة المعلومات التي أعرفها رداً على الأسئلة التي وردت في كتاب اللجنة المشار إليه.

ولما كانت الأسئلة التي وجهتها لجنة كتابة التاريخ لي لا تتضمن جميع الوقائع التي عاصرتها ومعظمها يعتبر جزءاً من تاريخ مصر السري ولا يعرف الرأي العام في مصر والعالم العربي عنه شيئاً.

لذلك رأيت بعد أن أقترب العمر من نهايته أن أنشر هذه الوقائع قبل أن يطويها الأجل المحتوم.

لقد كنت واحداً من الضباط الذين اشتركوا في التخطيط لثورة 23 يوليو 1952 قبل سنوات من قيامها كما كان لي شرف الاشتراك في تنفيذها ليلة 22- 23 يوليو 1952.

ولقد مضى على لثورة23 يوليو أكثر من 32 عاماً وكانت آمال الشعب المصري متعلقة بهذه الثورة لكي تقضي نهائياً وإلى الأبد على مشاكل مصر المزمنة ألا وهي مشاكل الفقر والجهل والمرض.

وللأسف لم يتجه جمال عبد الناصر (وكانت له في مصر سلطة مطلقة) إلى الإصلاح الجدي لمشاكل مصر وأضاع جهوده في حروب ومنازعات وصراعات داخلية وخارجية انتهت بخراب مصر اقتصادياً واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء.

وإن ما يعاني منه شعب مصر في هذه الأيام له أسباب يرجع معظمها إلى فساد نظام حكم عبد الناصر.

وتحول شعب مصر في ظل النظام الذي فرضه عبد الناصر على مصر بحد السيف إلى مجتمع من المستهلكين بعد أن كان مجتمعاً من المنتجين. وتغلغل الفساد في كل مرافق البلاد وشمل كل مظاهر الحياة.

لقد كان الجهاز الإداري للدولة المصرية عند قيام لثورة 23 يوليو 1952 جهازاً فاسداً ولم يتخذ جمال عبد الناصر طيلة فترة حكمه البالغة ثمانية عشر عاماً أي إجراء جدى لإصلاح الأداة الحكومية ومات عبد الناصر سنة 1970 وترك جهازاً إدارياً أفسدته المطامع الشخصية وضعف الأخلاق والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة والهرب من تحمل المسئوليات.

وضعف سلطان القانون على النفوس بعد أن منحته الثورة إجازة واستبدلت شريعة الغاب به وأصبحت القوة الغاشمة فوق الحق وانتهت من مصر تماماً سيادة القانون.

وانتهى أمر الأخلاق وعصف بها البطش والطغيان والاستبداد فانتشرت الرذائل وفشا المنكر في المجتمع وانتشر الحقد حتى أصبح مناخاً عاماً وساد النفاق حتى أصبح ملة جديدة وشاعت الجاسوسية وحكم الإرهاب وتكميم الأفواه.

وإصلاح الحال في مصر يبدأ بالقضاء على الفساد وتغيير النفوس فعلى المصريين أن يغيروا ما بأنفسهم حتى يغير الله ما بهم.

ولعل في نشر هذه الاعترافات والمذكرات الشخصية ما ينير الطريق أمام الأجيال القادمة حتى لا يقعوا فيما وقع فيه جيلنا من أخطاء.

والله ولي التوفيق.

القاهرة في 1/ 11/ 1984

حسين حمودة

فذلكة تاريخية

تخرجت في الكلية الحربية الملكية يوم 7- 9- 1940 ، والتحقت بالكتيبة الثامنة المشاة بالمعادي برتبة الملازم ثان. وكانت الحرب العالمية الثانية قد أعلنت في 2- 9- 1939 واستخدم الإنجليز الجيش المصري في حماية مرافق مصر الحيوية كخزان أسوان والقناطر على النيل ومحطات المياه والقوى الكهربائية والدفاع الجوي ضد الغارات الجوية الألمانية ولايطالية. فقام الجيش المصري بواجبه خير قيام مما وفر على الحكومة البريطانية ما يقرب من خمس فرق (حوالي مائة ألف جندي) وذلك وفقاً لاعتراف مارشال مونتجومري قائد معركة العلمين. وقد اشتركت مع الجيش المصري في حماية مرافق البلاد الحيوية فسافرت يوم 15- 12- 1940 مع الكتيبة الثامنة المشاة إلى أسوان حيث قامت الكتيبة الثامنة المشاة مع كتيبتين أخريين من الجيش المصري العامل (قوة لواء مشاه + مجموعة بطاريات من المدفعية المضادة للطائرات + آلاى أنوار كاشفة) باتخاذ مواقع دفاعية حول خزان أسوان من جميع الاتجاهات لحماية هذا المرفق الحيوي من التخريب سواء من الجو أو من البر.

وفي 12/ 4/ 1941 سافرت إلى مدينة القاهرة لنقلي للعمل في القوات المرابطة بالعباسية.

الفصل الأول : التخطيط لثورة 23 يوليو 52

حادث 4 فبراير سنة 1942

وقع في عام 1942 حادث هزني من الأعماق ، ذلك هو حادث 4 فبراير سنة 1942. يوم أن حاصر الإنجليز قصر الملك فاروق بعابدين بالدبابات وأرغموه على تعيين مصطفى النحاس رئيس حزب الوفد رئيساً لمجلس الوزراء. فشعرت يومها بالذلة والمهانة وأيقنت أنه لا كرامة لملك ولا لشعب بلده محتل وامتلأ قلبي بالكراهية للإنجليز.

وكان سبب محاصرة الإنجليز لقصر فاروق يرجع إلى هزيمة القوات البريطانية في الصحراء الغربية أمام القوات الألمانية بقيادة الفيلد مارشال رومل.

وقد انتهز المصريون فرصة هزيمة القوات البريطانية أمام الجيوش الألمانية فقامت مظاهرات شعبية ضخمة في مدن مصر تنادي بسقوط انجلتره وترحب بقدوم الألمان وكانت الهتافات « أقدم ، أقدم يارومل ».

وكان مصطفى النحاس خليفة سعد زغلول بطل ثورة 1919 وكان النحاس يتمتع بأغلبية شعبية بين المصريين وكانت سياسة القصر الملكي في مصر تعادي حزب الوفد الذي يرأسه مصطفى النحاس رغم تمتع حزب الوفد بأغلبية شعبية كبيرة في مصر.

واعتمد القصر على أحزاب الأقلية في حكم مصر والتي كانت تلجأ إلى تزوير الانتخابات للحصول على أغلبية مزيفة في مجلس النواب.

فطلب الإنجليز من الملك فاروق أني عهد لمصطفى النحاس بتأليف الوزارة حتى يأمنوا جانب الشعب المصري أثناء حربهم مع الألمان. فلما رفض الملك فاروق طلب الإنجليز حاصروا قصره بالدبابات وسلموه إنذاراً مكتوباً يتضمن إما تعيين النحاس في منصب رئيس الوزراء أو يتنازل عن العرش.

جمع الملك زعماء مصر للتشاور في أمر الإنذار البريطاني واتفق الزعماء على قبول الإنذار البريطاني وأن يتولى مصطفى النحاس وزارة قومية من جميع الأحزاب. فرفض النحاس وأصر على تشكيل وزارة وفدية. وهنا اتهم أحمد ماهر رئيس الحزب السعدي النحاس بالخيانة العظمى لقبوله الحكم على أسنة رماح الإنجليز. ولكن الملك فاروق نفى هذا الكلام وقال الملك لقد رجوت النحاس باشا أن يقبل الحكم وقبل بإلحاح مني إنقاذا للعرش.

وكنت عند وقوع حادث 4 فبراير 1942 مريضاً بالمستشفى العسكري العام بكوبري القبة وكان في جناح المستشفى الذي كنت فيه في ذلك الوقت غرفة عليها حرس مكون من ضابط وأربعة جنود وبداخل الغرفة يرقد الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري السابق.

الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا

كان الفريق عزيز المصري قد حاول الفرار من مصر يوم 16- 5-1941 بطائرة حربية مع ضابطين طيارين هما حسين ذو الفقار صبري وعبد المنعم عبد الرؤوف.

ولكن الطائرة سقطت بهم قرب قليوب واستطاعوا الاختفاء مدة إلى أن قبض عليهم البوليس المصري يوم 6- 6-1941 وأودعوا السجن.

ونظراً لحالة الفريق عزيز المصري الصحية وكبر سنة فقد وضع تحت التحفظ العسكري في المستشفى العسكري العام بكوبري القبة.

وفي يوم من الأيام التي تلت حادث 4 فبراير سنة 1942 طلبت من الضابط القائم بحراسة الفريق عزيز المصري أن يستأذن لي في مقابلته فأذن لي وكان الوقت بعد غروب الشمس بقليل.

وجلست مع عزيز المصري جلسة طويلة استمرت حوالي ست ساعات تقريباً سمعت فيها منه حديثاً عجباً.

لمست في عزيز المصري علماً غزيراً وجرأة منقطعة النظير وكرها عميقاً للاحتلال البريطاني وللملك فاروق وحاشيته وأخيراً وجه عزيز المصري الكلام لي قائلاً « أنتم شباب الضباط ، ماذا تنتظرون ، أنتم المسئولون عن إنقاذ شعب مصر من الاحتلال البريطاني والاستبداد السياسي المتمثل في حكم أسرة محمد علي. عليكم بالتكتل وتكوين رأي عام مستنير بين الشباب من ضباط القوات المسلحة.

وأوصاني بالتزود بالعلوم والمعارف والقراءة المستمرة في علوم وفنون الحرب والتاريخ العسكري والسياسي والجغرافيا العسكرية والسياسية والاقتصادية وعلوم النفس والاجتماع والاقتصاد وركز على علوم القرآن والسنة النبوية المطهرة وبخاصة ما يتعلق بأحكام الجهاد في سبيل الله.

وقال عزيز المصري إنه ليعجب من المسلمين المعاصرين وأحوالهم وأول ما نزل من القرآن الكريم كلمة (اقرأ) وهي كلمة تدعو إلى الاهتمام بالعلم وأن يصبغ المسلمون حياتهم بالصبغة العلمية.

والمنهج العملي كان من خصائص الحضارة الإسلامية قبل أن يحصل عليه الغرب من المسلمين ويوظفه في خدمة حضارته. ومع ذلك فالمسلمون اليوم هم أبعد الناس عن سلوك المنهج العلمي في حياتهم.

ثم وجه عزيز المصري نصيحته الخالدة لي قائلاً اقرأ... اقرأ في كل كتاب.. اقرأ في السياسة والحرب والاقتصاد اقرأ واملأ رأسك بنور العلم.

الجيش العامل

في 27- 6- 1943 نقلت من القوات المرابطة إلى الجيش العامل بكتيبة البنادق الثالثة المشاة بألماظه حيث واتتنى فرصة العمل السياسي السري.

إذ تقابلت في هذه الكتيبة مع اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف وكان تعارفي مع عبد المنعم عبد الرؤوف فرصة أدت إلى التقاء سري مستمر في فترات تكاد تكون أسبوعية مع الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا في بيته بعين شمس.

ثم حدث بعد ذلك أن باع عزيز المصري بيته في عين شمس وسكن في شقة في عمارة أمام العمارة التي كنت أسكن فيها بسراي القبة ، فسهل القرب في السكن الاتصال به حيث تتلمذت على يد هذا القائد العظيم والمعلم الكبير الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا.

الفريق عزيز المصري كان طالباً بمدرسة الحقوق بالقاهرة ومكث بها سنتين ولم تعجبه دراسة الحقوق فتقدم للمدرسة الحربية المصرية بالقاهرة فرفض طلبه لأن المدرسة الحربية في ذلك الوقت كانت تأخذ طلبتها من الحاصلين على الشهادة الابتدائية وكان عزيز المصري حاصلاً على شهادة البكالوريا من المدرسة التوفيقية بشبرا فضلاً عن الدراسة لمدة سنتين بمدرسة الحقوق بالقاهرة.

فسافر إلى تركيا دولة الخلافة العثمانية وكانت مصر في ذلك الوقت تابعة لدولة الخلافة العثمانية ومحتلة بالقوات البريطانية منذ عام 1882.

فقبلته المدرسة الحربية باستانبول حيث كان بها طلبة من الأتراك والعرب لأن الدول العربية كلها كانت في ذلك الوقت تابعة للإمبراطورية العثمانية وكان مع عزيز المصري أثناء دراسته بالكلية الحربية باستانبول عدد من الضباط العرب منهم جعفر والي باشا (وزير حربية العراق الأسبق) في عهد الملك فيصل ونوري باشا السعيد الذي كان رئيس وزارة العراق في العهد الملكي بالعراق.

وتخرج عزيز المصري من المدرسة الحربية باستانبول وأرسلته تركيا إلى فرنسا للدراسة بمعاهد فرنسا العسكرية لتفوقه.

وعندما عاد إلى استانبول بعد الدراسة في فرنسا دخل كلية أركان الحرب الآستانة وكان معه مصطفى كمال أتاتورك وأنور باشا بطل جمعية تركيا الفتاة (جماعة الاتحاد والترقي).

تفوق عزيز المصري في دراسته في كلية أركان الحرب بالآستانة فأرسلته تركيا إلى ألمانيا للدراسة بكلية أركان الحرب الألمانية حيث حصل على شهادة أركان حرب من الجيش الألماني.

وعاد لتركيا بعد الدراسة وأرسل على رأس قوة إلى البلقان لإخماد ثورة البوسنة والهرسك (يوغوسلافيا حالياً) وثورة البلغار حيث إن دول البلقان كانت ثائرة ضد الخلافة التركية.

وبعد ذلك اشترك عزيز المصري في تنظيمين سريين في الجيش العثماني.

التنظيم الأول هو تنظيم جمعية تركيا الفتاة والتي كانت تسمى بجماعة الاتحاد والترقي وكانت هذه الجماعة بزعامة أنور باشا أحد الضباط الأتراك وقد قامت هذه الجماعة بخلع السلطان عبد الحميد سنة 1908 وتولية السلطان محمد رشاد.

وقد عهدت جماعة الاتحاد والترقي إلى البكباشي عزيز علي المصري باقتحام قصر يلدز بالآستانة حيث مقر السلطان عبد الحميد.

وقد تولى عزيز المصري قيادة فرقته واقتحم بها قصر يلدز وأجبر السلطان عبد الحميد على التنازل عن العرش للسلطان محمد رشاد والسبب في خلع عبد الحميد أنه كان حاكماً مستبداً يرفض الحكم الدستوري ومن أنصار الحكم المطلق ولما استولت جماعة تركيا الفتاة على الحكم سنة 1908 انتهجت سياسة خطيرة بالنسبة للعالم العربي وهي سياسة تتريك الأمة العربية بجعل اللغة التركية هي لغة البلاد الرسمية وسيادة العنصر التركي واعتبار العرب مواطنين من الدرجة الثانية فأنشأ عزيز علي المصري جمعية سرية جديدة أسمها (العهد العربي) من الضباط العرب في الجيش العثماني وكان ضمن أعضاء هذه الجمعية جعفر والي ونوري السعيد.

وفي عام 1911 أرسل عزيز علي المصري على رأس قوة عثمانية إلى ليبيا لمحاربة الإيطاليين الذين احتلوا شواطئ ليبيا.

فقاتل عزيز المصري الطليان وآزر الحركة السنوسية وساعدهم بالسلاح والتدريب وقد تولى السنوسيون مقاومة الإيطاليين منذ 1911 حتى 1931.

وفي عام 1912 سحبت تركيا قواتها من ليبيا وعاد عزيز المصري إلى تركيا حيث قبض عليه وحكم عليه بالإعدام لانكشاف تنظيم (العهد العربي) إلا أن شعب مصر ثار ثورة عارمة وتدخلت الحكومة المصرية وخديوي مصر (عباس حلمي الثاني) لدى حكومة تركيا فأفرجت عنه الحكومة التركية وأعيد لمصر سنة 1913.

وحاول الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال1951مالإنجليز استغلاله (انجلتره في ذلك الوقت كانت تعد العدة لضرب الخلافة التركية وتمزيقها) فكلف الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م الإنجليزعزيز المصري بالذهاب إلى الإمام يحيى حميد الدين إمام اليمن لإشراكه في ثورة العرب التي يدبرها الإنجليز لفصل العالم العربي عن الخلافة العثمانية.

إلا أن عزيز المصري تنبه للمخطط البريطاني وافهم الإمام يحيى بما يدبره الإنجليز للعالم الإسلامي ودعاه لعدم السير في هذا المخطط مع الإنجليز فلما عاد عزيز المصري لمصر وتبين للإنجليزأنه لم يقم بالدور المطلوب منه نفوه إلى خارج مصر فتوجه إلى ألمانيا وبقي هناك حتى عاد إلى مصر إثر العفو السياسي عن كافة المعتقلين والمسجونين والمنفيين السياسيين الذي صدر بعد نجاح ثورة 1919 وإعلان استقلال مصر سنة 1922 وصدور دستور سنة 1923.

ولما عاد عزيز المصري إلى مصر عينه الملك فؤاد مديراً عاماً لكلية البوليس ثم اختاره الملك فؤاد سنة 1935 على رأس بعثة إلى انجلتره للإشراف على تعليم الأمير فاروق ولي العهد.

وكان ضمن أعضاء البعثة عمر فتحي الذي أصبح فيما بعد كبيراً للياوران وأحمد حسنين الذي أصبح بعد ذلك رئيساً لديوان الملك. ولاحظ عزيز المصري على فاروق إهماله في مذاكرة دروسه واهتمامه باللهو والمجون. وكان عزيز المصري يتشدد على فاروق بينما أحمد حسنين وعمر فتحي يشجعانه على اللهو.

ولما عاد فاروق وتولى الحكم في مصر سنة 1936 إثر وفاة والده الملك فؤاد... قامت مظاهرات من طلبة جامعة القاهرة سنة 1938 تنادي بتعين عزيز المصري رئيساً لهيئة أركان حرب الجيش. وكانت هذه المظاهرات بتحريض من جماعة مصر الفتاة والتي كان يرأسها المرحوم أحمد حسين ومن جماعة الإخوان المسلمين التي كان يرأسها المرحوم حسن البنا.

واستجاب محمد محمود باشا رئيس وزراء مصر سنة 1938 لنداءات الشباب واستصدر مرسوما ملكياً بتعيين اللواء عزيز علي المصري مفتشا عاماً للجيش المصري ثم لما تولت حكومة علي ماهر الحكم في أواخر سنة 1938 عقب استقالة حكومة محمد محمود استصدرت حكومة علي ماهر مرسوما بتعيين عزيز علي المصري رئيساً لهيئة أركان حرب الجيش مع منحه رتبة فريق.

وبمجرد استلام عزيز المصري منصبه نشط نشاطاً كبيراً في تدريب وتعليم ضباط الجيش وكان يتولى بنفسه التدريس وكان يمر بالوحدات من أسوان إلى الإسكندرية يناقش الضباط في كل شيء فتكونت له شعبية ضخمة بين صغار ضباط القوات المسلحة لما لمسوا فيه من أستاذية وعلم غزير ووطنية صادقة لم يعهدوها فيمن سبقوه.

وحدث في هذه الفترة صدام بينه وبين الإخوان المسلمون والجهاد ضد الإنجليز في القنال 1951م الإنجليز لأنه حاول تسليح الجيش من فرنسا وأحضر فعلاً أسلحة فرنسية وزعت على وحدات الجيش فخشيت انجلترا من تصرفاته... فطلبوا من حكومة علي ماهر عزله من منصبه فقررت الحكومة منحه أجازة إجبارية.

في ذلك الوقت قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق ضد انجلترا وأراد عزيز المصري أن يطير إلى العراق للاتصال بهذه الثورة ولا سيما أن القائمين بها من الضباط العرب أعضاء جمعية العهد العربي التي سبق التحدث عنها.

فدبر حادث الهرب بالطائرة مع عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين ذو الفقار صبري وهما ضابطان طياران وكان الذي أصدر التعليمات لعبد المنعم عبد الرؤوف لتنفيذ هذه العملية هو محمد أنور السادات كما أخبرني بذلك عبد المنعم عبد الرؤوف.

البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف

قدمت نفسي يوم 28- 6- 1943 للكتيبة الثالثة المشاة بألماظة وكنت وفتئذ ضابطاً برتبة الملازم أول.

وتصادف أن نقل إلى هذه الكتيبة اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف بعد الإفراج عنه في مارس 1942 وحل المجلس العسكري الذي انعقد لمحاكمته هو وزميليه حسين ذو الفقار صبري والفريق عزيز المصري.

وحدث أثناء تناول الطعام مع الضباط في الميس (قاعدة الطعام) في يوم لا أذكر تاريخه بالضبط في الشهور الأخيرة من عام 1943 أن كان يجلس بجواري اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف فأخذت أتجاذب معه أطراف الحديث وما لبث أن همس في أذني أنه يريد التحدث معي على انفراد في موضوع بعد الغداء.

وانفردت معه بالميس بعد انصراف الضباط ، فقال عبد المنعم عبد الرؤوف لي إنه لاحظ اهتمامي الزائد بعملي وحرصي على تفوق سريتي في التدريب وتمسكي بمبادئ الأخلاق الكريمة وأنه يود أن أزوره في منزله ليتحدث معي حديثاً أكثر حرية وأعطاني موعداً مساء الجمعة.

ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب وتحدث معي عبد المنعم عبد الرؤوف حديثاً خلاصته أن مصر حالتها لا تسر أحداً ، فالاحتلال البريطاني جاثم على صدر البلاد يكاد يخنق أنفاسها ويحول بينها وبين أي تقدم... والفساد يضرب أطنابه في كل أجهزة الحكم حيث يتحكم في البلاد ملك مستهتر منغمس في الفسق والفجور تحوطه حاشية لا هم لها إلا إشباع شهواتهم وملء بطونهم بالمال الحرام على حساب الشعب البائس الفقير.

والشعب المصري مطحون منهوب تحت وطأة الاحتلال البريطاني والعرش والمستغلين من الأجانب وأعوان الاستعمار من الخونة المصريين. وأن إنقاذ شعب مصر من الاحتلال البريطاني والحكم الملكي الفاسد لن يتأتى إلا بثورة مسلحة يتولاها ويدبر أمرها المخلصون من الشباب في الجيش والشعب فوافقته على ذلك الرأي.

وتلاقيت مع عبد المنعم عبد الرؤوف كثيراً حتى اطمأن لي واطمأننت له ووثق بي ووثقت به فعرفني عبد المنعم عبد الرؤوف بشخصية من الشخصيات التي لها جهاد في سبيل مصر والعروبة والإسلام تلك الشخصية العظيمة هي شخصية الصاغ محمود لبيب.

الصاغ محمود لبيب

وكان أول لقاء لي معه بمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف في مساء أحد أيام الشهور الأخيرة من عام 1943. فعرفني عبد المنعم عبد الرؤوف بالصاغ محمود لبيب قائلاً : أقدم لك الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين. فسألت محمود لبيب من هم الإخوان المسلمون؟ وما هي أهدافهم؟

فقال محمود لبيب :

الإخوان المسلمون جماعة من المسلمين تعاهدوا على العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وتربية جيل جديد من الشباب يؤمن بتعاليم الإسلام ويعمل على صبغ الأمة الإسلامية بالصبغة الإسلامية في كل مظاهر حياتها؛ وذلك حتى يمكن تحرير الوطن الإسلامي من أي أثر للاحتلال الأجنبي حتى لا يكون لغير المسلمين سلطان يذلهم ويتحكم فيهم لأن الله تعالى يقول « ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين » .

والعزة لا تكون لأمة يستعبدها غيرها.

ومن أهداف الإخوان المسلمين أيضاً توحيد كلمة المسلمين أيضاً توحيد كلمة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها وقيام الحكم الإسلامي المستند إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. فالأمة الإسلامية أمة واحدة بنص القرآن الكريم « إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون » .

وليس معنى ذلك أن تقوم حكومة مركزية واحدة لحكم هذا العالم الإسلامي المترامي الأطراف وأن يكون مالك الأمر فيه شرقاً وغربا شخصاً واحداً لأن ذلك يكون عسيراً. وإنما تتوحد الأمة الإسلامية على فكرة الإسلام والعمل بشريعته ويكون القرآن الكريم دستور الجميع.

وأن تتعاون الدول الإسلامية فيما بينها في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والعسكرية ، وإن تحقيق هذه الأهداف يتطلب جهادا صادقًا ضد الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية والشيوعية الدولية وأهل الفسق من المسلمين.

وإن علينا أن نجاهد في سبيل الله بالكلمة وبالمال وبالنفس حتى تكون كلمة الله هي العليا في المجتمع الإسلامي حتى يمكن بعد ذلك دعوة الشعوب الأخرى غير المسلمة إلى الدخول في دين الله. لأن التصدي لدعوة الشعوب المتمدينة الحالية إلى الدخول في دين الله مع بقاء حال المسلمين على ما هو عليه سيجعل رد هذه الشعوب على الدعاة إلى الله تعالى هو « أتريدون منا أن نكون مثلكم في جهالتكم وسوء أخلاقكم » لذلك يجب أن يبدأ المسلم بنفسه فيطبق تعاليم الإسلام على نفسه أولاً حتى يكون قدوة لغيره لأن فاقد الشيء لا يعطيه.. « أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون » .

لقد عرفني الصاغ محمود لبيب بنفسه بأنه كان يعمل ضابطاً بالجيش المصري وكان يخدم بسلاح الهجانة بالسلوم مع الملازم صالح حرب عام 1914 وأنهما أي محمود لبيب وصالح حرب عندما علماً بنبأ إعلان انجلترا حمايتها على مصر سنة 1914 وخلع الإنجليز للخديوي عباس حلمي الثاني؛ ثارت أنفسهما ضد الاحتلال البريطاني وصمما على عمل شيء لإنقاذ مصر.

وكانت مصر في ذلك الوقت تابعة لدولة الخلافة العثمانية ومحتلة فعلاً بالقوات البريطانية منذ عام 1822.

وكان السنوسيون في ليبيا يقاتلون الإيطاليين الذين استطاعوا أن يحتلوا شواطئ ليبيا سنة 1911.

فتصدى لهم السنوسيون وكانت تركيا دولة الخلافة الإسلامية تمد السنوسيين بالأسلحة والذخائر والمؤن والعتاد الحربي والضباط الأتراك بواسطة الغواصات الألمانية (فقد كانت تركيا وهي دولة الخلافة الإسلامية حليفة لألمانيا في الحرب العالمية الأولى 1914- 1918) واتفق السنوسيون مع الأتراك على مهاجمة مصر من الغرب أثناء زحف القوات التركية من الشرق على مصر عبر فلسطين.

اتفق محمود لبيب وصالح حرب ومن معهم من الضباط المصريين مع السنوسيين على أن ينضموا بقواتهم المصرية للسنوسي ويشتركوا معه في الهجوم على مصر عن طريق ساحل البحر الأبيض المتوسط والواحات.

وفعلاً انضم محمود لبيب وصالح حرب بقواتهم للسنوسي.

وشنوا الحملة المعروفة في التاريخ بالحملة السنوسية على مصر سنة 1915.

وبعد أن فشلت الحملة سافر محمود لبيب في غواصة ألمانية إلى استامبول وبقي هناك إلى أن سقطت الدولة العثمانية وأعلن مصطفى كمال أتاتورك إلغاء الخلافة الإسلامية وتخلى تركيا عن زعامتها للعالم الإسلامي.

فهاجر محمود لبيب من تركيا إلى ألمانيا وظل هناك إلى أن صدر عفو عام سنة 1924 عن كل المعتقلين والمسجونين والمنفيين السياسيين وعاد محمود لبيب إلى مصر وعين بوظيفة ضابط بمصلحة خفر السواحل ولكنه اختلف مع عقل باشا مدير مصلحة خفر السواحل فطلب تسوية حالته فأحيل إلى المعاش برتبة الصاغ (رائد) والتقى محمود لبيب بحسن البنا وكان الأخير يخطب بأحد مساجد القاهرة فقابله محمود لبيب بعد الخطبة وقال له إني صاحب فكرة وقد جاهدت في سبيلها وقص عليه قصته وأنا (أي محمود لبيب مخاطباً حسن البنا) مستريح لفهمك للإسلام وطريقتك في نشر الدعوة الإسلامية وأريد أن أعمل معك في هذا المجال.

فرحب به حسن البنا وظل محمود لبيب يعمل مع حسن البنا إلى أن أصبح محمود لبيب وكيلاً لجماعة الإخوان المسلمين.

تعددت اللقاءات بيني وبين محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف حتى سادنا شعور عمي بالاطمئنان والثقة فطلبت من محمود لبيب أن أقابل حسن البنا.

الإمام حسن البنا

تلاقينا في المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين في الحلمية حيث استمعت إلى حسن البنا وهو يلقي حديث الثلاثاء على جمهور كبير من الإخوان فتأثرت بشخصيته وطريقة شرحه للدين الإسلامي وفكرته الواضحة عنه وأسلوبه البسيط الساحر وقدرته الفذة على التأثير في الناس.

وبعد الاستماع لحديث الثلاثاء ذهبت لمنزل حسن البنا المجاور لدار الإخوان المسلمين بالحلمية ومعي محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف.. حيث التقينا بحسن البنا.. وتكررت اللقاءات بعد ذلك بالإمام حسن البنا في منزله وعرفت الكثير من حسن البنا.

لقد كان المرحوم حسن البنا حافظاً لكتاب الله الكريم ولعدد كبير جداً من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ملماً بعلوم عصره والمذاهب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفلسفية القديمة والمعاصرة وكان فهمه للقرآن والسنة فهما مستنيرا وكان يستشهد على كل فكرة أو رأي بيديه بآية من كتاب الله أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا يتسع المجال في هذا الكتاب لشرح ما تعلمته من الأستاذ الإمام حسن البنا رحمه الله ففي كتب الفقه الإسلامي ثروة واسعة لمن يريد أن يتعلم حقيقة الإسلام.

وإنما يعنيني هنا أن أذكر أنني تعلمت من حسن البنا حقائق كثيرة عن الإسلام كانت خافية على كثير من المسلمين وما زالت خافية حتى الآن نتيجة الاستعمار الفكري والغزو الثقافي الذي تعرض له المسلمون منذ ضياع دولتهم وخضوعهم لسلطان الغير الأجنبي عنهم.

وسأروي في هذا الكتاب باختصار شديد تصور حسن البنا للدعوة الإسلامية ، وما أثبته في هذا الكتاب هو فهمي للفكر الإسلامي كما تعلمته على يد حسن البنا ، أثبته بأسلوبي لا بأسلوبه لأني أكتب بعد أكثر من ثلاثين عاماً على استشهاده.

ما فهمته عن الفكر الإسلامي على يد أستاذي حسن البنا

فهمت من أستاذي حسن البنا أن الإسلام نظام حياة متكامل... عقيدة وشريعة وأخلاق.

دين ودولة ومصحف وسيف ووطن وجنسية.

وقد قامت الحجة القاطعة عند من نظر في القرآن الكريم وتدبر معناه وما تضمن من علوم وإعجاز على أنه يستحيل عقلاً أن يكون هذا القرآن من صنع بشر.

وأن القرآن معجزة قائمة بين الناس إلى يوم القيامة تثبت بها نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .... وخاتم النبيين. وتعاليم الإسلام شاملة تنظيم كافة شئون الناس في الدنيا وأن الدنيا يضنون أن هذه التعاليم إنما تتناول الناحية التعبدية دون غيرها من النواحي.. مخطئون في هذا الظن فالإسلام يهيمن على كل شئون الحياة. أما إذا أسلمت الأمة في عبادتها وقلدت غير المسلمين في بقية شئونها فهي أمة ناقصة الإسلام تؤمن ببعض الكتاب وتكفر ببعض.

والإسلام لا يعترف بالحدود الجغرافية ويعتبر المسلمين جميعاً أمة واحدة هي أمة التوحيد ويعتبر الوطني الإسلامي وطنا واحا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده والإسلام لا يرى بأساً من أن يعمل المسلم لوطنه أولاً ويلي ذلك العمل للأمة العربية.

فقد نشأ الإسلام الحنيف عربياً ووصل إلى الأمم عن طريق العرب وجاء كتابه الكريم بلسان عربي مبين وتوحدت الأمم باسمه على هذا اللسان العربي. وقد جاء في الأثر « إذا ذل العرب ذل الإسلام » وقد تحقق هذا المعنى حين زال سلطان العرب السياسي وانتقل الأمر من أيديهم إلى غيرهم من الأعاجم والديلم والترك ومن إليهم.

فالعرب هم عصبة الإسلام وحراسه... ومن هنا كانت وحدة العرب أمراً لا بد منه لإعادة مجد الإسلام وإقامة دولته وإعزاز سلطانه.

ومن هنا وجب على كل مسلم أن يعمل لإحياء الوحدة العربية. يلي ذلك العمل للجامعة الإسلامية ، فالوطن الإسلامي كل لا يتجزأ والعدوان على جزء منه عدوان عليه كله.

وبالنسبة لبقية شعوب العالم غير المسلمة ، فالإسلام يأمرنا بالتعاون مع الناس جميعاً بما يحقق مصلحة الإنسانية جمعاء. ويحرم الإسلام على المسلمين أن يبدءوا الناسب العدوان. وبالنسبة لدول الاستعمار التي تحتل جيوشها بلاد العرب والمسلمين فهذه الدول الاستعمارية تعتبر دولاً معادية حتى تجلو جيوشها عن أرض العرب والمسلمين.

وليس هناك مانع من التعاون معهم بعد الجلاء عن أراضينا. وبالنسبة للأقلية المسيحية في مصر وبعض بلاد العرب الأخرى فلهم منا كل الأمان وهم أحرار في عقيدتهم الدينية ولهم ما لنا وعليهم ما علينا في سائر أمور الدنيا بحكم المشاركة في وطن واحد.

التنظيم السري للإخوان المسلمين بين ضباط القوات المسلحة

اقتنعت تماماً بالفكر الإسلامي كما تلقيته عن الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا.

وصممت على العمل مع جماعة الإخوان المسلمين لتحقيق أهدافها في إحياء مجد الإسلام وتحرير أرضه من الاستعمار وتطبيق شرع الله في مصر وسائر بلاد العالم الإسلامي حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الله معناها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

فاتفقنا نحن الأربعة الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا والصاغ محمود لبيب وعبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور على نشر هذا الفكر الإسلامي بين ضباط القوات المسلحة المصرية.

وسألت حسن البنا هل تعرفون أحداً من ضباط الجيش غيري أنا وعبد المنعم عبد الرؤوف يمكن أن نتعاون معه في هذا السبيل؟ فقال حسن البنا نعرف ضابطاً اسمه صلاح خليفة.

التقيت بصلاح خليفة فوجدت أني أعرفه ، فصلاح خليفة كان زميلا لي أثناء دراستي الثانوية بمدرسة الأمير فاروق الثانوية بروض الفرج.

فكرت في طريقة نشر الدعوة في الجيش ، وكان يقطن بجواري بحمامات القبة ضابط ملازم أول من دفعتي اسمه سعد حسن توفيق فكلمته في الموضوع فوافقني على الفكرة.

ثم التقيت مع عبد المنعم عبد الرؤوف وصلاح خليفة فقلت لهما إني تحادثت مع ضابط من دفعتي اسمه سعد حسن توفيق فقال صلاح خليفة إنه تحادث مع ضابط من سلاح الفرسان اسمه خالد محي الدين.

وقال عبد المنعم عبد الرؤوف لقد تحدثت مع ضابطين هما اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين والملازم أول كمال الدين حسين وسنلتقي جميعاً في منزلي يوم الجمعة القادم بعد صلاة المغرب.

التقينا بمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب في مطلع عام 1944 وكان عددنا سبعة ضباط هم حسب الأقدمية في كشف الجيش المصري وقت ذاك.

1- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف.

2- اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين (رئيس جمهورية مصر بعد محمد نجيب).

3- الملازم أول كمال الدين حسين (عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 52).

4- الملازم أول سعد حسن توفيق (توفي لرحمة مولاه سنة 1992).

5- الملازم أول خالد محي الدين (عضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 52).

6- الملازم أول حسين حمودة (كاتب هذه السطور).

7- الملازم أول صلاح الدين خليفة (ضابط متقاعد الآن).

التقينا نحن السبعة وحضر اجتماعنا الصاغ محمود لبيب وكيل جماعة الإخوان المسلمين وتكررت اجتماعاتنا مرة كل أسبوع في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب وفي منزل جمال عبد الناصر في منطقة تقاطع شارع أحمد سعيد بشارع رمسيس (الملكة نازلي سابقاً) وفي بيت كمال الدين حسين بالسيدة زينب وفي بيت خالد محي الدين بشارع الخليج المصري بالحلمية ثم بمنيل الروضة وفي بيتي بحمامات القبة.

وتكررت اجتماعاتنا الأسبوعية ولم تنقطع أبداً طيلة سنوات 1944- 1945-1946- 1947- 1948 وانقطعت اجتماعاتنا اعتباراً من مايو سنة 1948 بسبب حرب فلسطين.

العمل السري لمدة أربع سنوات وأربعة أشهر

كانت الخلية الرئيسية في تنظيم الإخوان المسلمين داخل القوات المسلحة مكونة من سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد توفيق وخالد محي الدين وحسين حمودة وصلاح خليفة.

وظلت هذه الخلية تعمل سراً طيلة أربع سنوات وأربعة أشهر بدءاً من عام 1944 حتى 15مايو 1948 لضم أكبر عدد ممكن من الضباط إلى صفوف هذا التنظيم السري.

واتسع نطاق هذا التنظيم وتكونت خلايا جديدة فرعية منبثقة من الخلية الرئيسية فشكل كل فرد من أفراد الخلية الرئيسية خلية فرعية وكل خلية فرعية لا تزيد عن سبعة أفراد على ألا يخطر أي واحد منا الآخرين بأسماء المنضمين معه في هذه الخلايا السرية مراعاة لأمن الحركة.

وكان محمود لبيب يحضر الاجتماع الأسبوعي للخلية الرئيسية ويحضر أيضاً الاجتماعات نصف الشهرية للخلايا الفرعية المنبثقة من الخلية الرئيسية.

وأصبح بذلك محمود لبيب هو الشخص الوحيد في هذا التنظيم السري الذي يعرف جميع المشتركين فيه.. وصار محمود لبيب هو حلقة الاتصال بين الضباط المنضمين للتنظيم ليس في الجيش فقط بل وفي الطيران أيضاً.

وكان محمود لبيب بالنسبة لنا جميعاً في منزلة الوالد أو أكثر يحاول ربط أكبر عدد من ضباط القوات المسلحة على فكرة العمل بشريعة الإسلام.

واتسع نطاق العمل السري ليشمل قطاع المدنيين من شباب الإخوان المسلمين وذلك على النحو المفصل فيما يلي.

النضال الشعبي في مصر ضد قوات الاحتلال البريطاني

اشتد النضال الشعبي في مصر ضد قوات الاحتلال البريطاني في عام 1946.

وبدأت مظاهرات الطلبة تطالب بالجلاء ووحدة مصر والسودان واحتك المتظاهرون بقوات الاحتلال التي أخذت تصليهم وابلاً من رصاص رشاشاتها بلا شفقة أو رحمة فسقط شهداء كثيرون مما ألهب الشعور الوطني في البلاد.

وكنا نحن الضباط السبعة في حالة غليان شديد ضد االإنجليز فطلبنا من محمود لبيب ضرورة العمل على تنظيم شباب الإخوان في خلايا سرية وتدريبهم على استعمال الأسلحة وأن نشرف على تنظيم حرب عصابات مسلحة للقتال ضد قوات الاحتلال.

فقال الصاغ محمود لبيب « إذا أردتم أن تعملوا معنا في هذا المجال فلا يد من أخذ العهد وحلف اليمين وفقاً للأسلوب المتبع في جماعة الإخوان المسلمين ».

مصحف ومسدس

ذهبنا نحن السبعة في ليلة في أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق وبعد أن تكامل العدد ، قادنا صلاح خليفة إلى منزل في حي الصليبة بجور سبيل أم عباس حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرضي فنقر صلاح خليفة على الباب نقرة مميزة وقال الحاج موجود؟ وكانت هذه هي كلمة السر.. ففتح الباب ودخلنا حجرة بها ضوء خافت جداً مفروشة بالحصير وفيها مكتب موضوع على الأرض ليس له أرجل.

ثم قادنا صلاح خليفة واحداً بعد واحد لأخذ العهد وحلف اليمين في حجرة مظلمة تماماً يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلم نعرف شخصيته وحين جاء دوري جلست أمام هذا الرجل المختفي.

وكان سؤال هذا الشخص المتخفي الذي يأخذ العهد « هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية وإعلاء كلمة الله؟ ». فقلت « نعم ».

فقال « امدد يدك لتبايعني على كتاب الله وعلى المسدس سلاح العصر ، فوضعت يدي على مصحف ومسدسد وبايعته على فداء الدعوة الإسلامية وعدم إفشاء أسرارها.

وقال الرجل المتخفي:

«إن من يفشي سرنا فليس له منا سوى وفى جزاء واحد هو جزاء الخيانة وأظنك تعرف جيداً ذلك الجزاء ». وبعد أن بايع كل منا عدنا إلى الحجرة ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصاً عرفنا بنفسه وذكر اسمه (عبد الرحمن السندي) وقال إنه يرأس التنظيم السري الخاص بجماعة الإخوان المسلمين وهو تنظيم سري مسلح يضم شبانا من الطلبة والعمال والفلاحين والحرفيين ممن باعوا أنفسهم لله واستعدوا للموت في سبيل إعلاء كلمة الله.

ثم ذكر كل واحد منا اسمه ليتعرف علينا عبد الرحمن السندي وكان الذي بايع على فداء الدعوة الإسلامية هي هذه الليلة هم بحسب الأقدمية في كشف الجيش المصري وقتذاك.

1- اليوزباشي عبد المنعم عبد الرؤوف.

2- اليوزباشي جمال عبد الناصر حسين.

3- الملازم أول كمال الدين حسين.

4- الملازم أول سعد حسن توفيق.

5- الملازم أول خالد محي الدين.

6- الملازم أول حسين حمودة (كاتب هذه السطور).

7- الملازم أول صلاح خليفة.

وفي هذه الليلة تفاهمنا مع عبد الرحمن السندي على أن تقوم بتدريب شباب الإخوان من أعضاء التنظيم السري على استعمال الأسلحة. فقال إنه سيرسل لنا شخصاً للاتفاق معه على تنظيم هذه العملية.

سوء تفاهم

اجتمعنا نحن الضباط السبعة المذكورين أعلاه في منزلجمال عبد الناصر في العباسية (في شارع فرعي بالقرب من تقاطع شارع أحمد سعيد بشارع الملكة نازلي.. رمسيس الآن) وكان ذلك في عصر يوم من أيام 1946.

وحضر شاب قصير نحيف أبيض يلبس الملابس الإفرنكية وعرفنا بنفسه وقال إن اسمه حجازي... فسألناه عن اسمه بالكامل فقال إنه اسمه الحركي حجازي ولا داعي لمعرفة معلومات عنه أكثر من ذلك.

وما لبث أن أخرج حجازي هذا مسدساً صغيراً بمشط من جيبه وأخذ يشرح لنا طريقة استعمال هذا المسدس.

دهشنا نحن الضباط لهذا التصرف الساذج والغريب وطلبنا من حجازي أن يتوقف عن الاستمرار في هذا الشرح وأن يرسل لنا عبد الرحمن السندي وحددنا له موعد ومكان الاجتماع القادم مع السندي.

جاء عبد الرحمن السندي في المكان والزمان المحددين وتكلم جمال عبد الناصر فقال : نحن ضباط صناعتنا الأسلحة واستعمالاتها فإذا كنتم تريدون الاستفادة من خبرتنا فلا مانع لدينا.

فاعتذر السندي وقال لقد حدث خطأ غير مقصود وإن حجازي كان موفدا لتدريب خلية من المدنيين على استعمال المسدس فأعطاه العنوان الخاص بجمال عبد الناصر خطأ وسهوا.

تدريب شباب الإخوان المسلمين :

قمت أنا وكمال الدين حسين وخالد محي الدين بترجمة كتاب عن حرب العصابات من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية وكنا نقعد حلقات الترجمة يومياً في منزلي بحمامات القبة بعد صلاة العصر.

وبعد أن فرغنا من الترجمة أعطيتها لجمال عبد الناصر الذي قام بطبعها في مطبعة الكلية الحربية حيث كان يعمل مدرساً بها.

وبعد الطبع أرسل جمال عبد الناصر النسخ المطبوعة إلي في منزلي بحمامات القبة مع أحد ضباط صف الكلية الحربية وكان هذا الأخير محل ثقة جمال عبد الناصر.

وسلمت بدوري جميع نسخ كتاب حرب العصابات بعد ترجمتها إلى العربية لعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني للإخوان المسلمين.

وقد قام عبد الرحمن السندي بتوزيع نسخ هذا الكتاب بمعرفته على أفراد التنظيم السري المدني التابع له.

وبدأنا بعد ذلك مرحلة جادة في تدريب شباب الإخوان المسلمين. وكانت التدريبات تتم في صحراء حلوان وجبل المقطم وفي محافظة الشرقية ومحافظة الإسماعيلية وقد اشترك جمال عبد الناصر معي في تدريب شباب الإخوان المسلمين عامي 1946 ، 1947 وكان التدريب يتم على الأسلحة الصغيرة مثل الطبنجات والبنادق والرشاشات القصيرة والقنابل اليدوية وأساليب النسف والتدمير بأصابع الجيلجنيت وأسلوب استخدام زجاجات المولوتوف ضد دبابات العدو. والتدريب كان يتم لرؤساء الخلايا وهم يدربون الأفراد التابعين لهم بدورهم وذلك لأن معرفة أفراد التنظيم بالكامل لأي شخص غير مطلوبة للأمن السري.

حوادث العصابات المسلحة ضد قوات الاحتلال

وشهدت مدن مصر والقاهرة والإسكندرية ومدن قناة السويسخلال عامي 1946 ، 1947 حرب عصابات مسلحة ضد قوات الاحتلال البريطاني. وكان القائمون بهذا الكفاح المسلح ضد المحتلين شباب التنظيم السري المدني لجماعة الإخوان المسلمين برئاسة المرحوم عبد الرحمن السندي بعد أن قام عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر حسين وكاتب هذه السطور وبقية الزملاء من الضباط بتدريب هؤلاء الشبان على استعمال الأسلحة بأسلوب حرب العصابات (اضرب وأهرب).

اغتيال أمين عثمان

نجحت جمعية سرية من الشباب الوطني كان يتزعمها محمد أنور السادات في اغتيال أمين عثمان في يناير 1946 وكان أمين عثمان من أبرز عملاء الاستعمار البريطاني في مصر وكان قد أدلى بتصريحات علنية للصحف المصرية والعالمية تفيد أن بريطانيا قد تزوجت مصر زواجا كاثوليكيا (يعني لا طلاق فيه).

وكان أنور السادات وقت اغتيال أمين عثمان مفصولا من الجيش بسبب ضبطه في عوامة على النيل بها جاسوس لألمانيا.

وكانت أخبار الجمعية السرية التي يتزعمها أنور السادات تصلني عن طريق عبد المنعم عبد الرؤوف الذي كان قد كلفني باغتيال أمين عثمان.

وكان المحرض على قتل أمين عثمان هو الفريق عزيز المصري الذي كان يرى في قتل الخونة أعوان المستعمر المدخل الصحيح لإجلاء المستعمر عن البلاد بعد أن يفقد كل أعوانه وعملائه على أرض مصر.

ولقد تدخل محمود لبيب في آخر لحظة بعد أن علم بالموضوع من عبد المنعم عبد الرؤوف وطلب محمود لبيب مني عدم تنفيذ عملية اغتيال أمين عثمان خشية أن يؤدي التورط في تنفيذ عمليات الاغتيال إلى كشف التنظيم السري للضباط وقال محمود لبيب إن تشكيلا سرياً آخر سينفذ القتل في هذا الخائن.

جلاء الإنجليز عن القاهرةوالأسكندرية

اضطرت الحكومة البريطانية إزاء اشتداد حوادث الإرهاب المسلح ضد جنودها إلى إجلاء قواتها عن القاهرةأوالأسكندرية عام 1947.

وكان الفضل في تحقيق هذا الجلاء عن القاهرةوالأسكندرية إلى شباب الإخوان المسلمين الذين شنوا حرب عصابات ضد الإنجليز وكان ذلك بتوجيه لجنة الضباط السبعة التي ذكرتها قبل ذلك وهم عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وسعد حسونة توفيق وخالد محي الدين وصلاح خليفة وكاتب هذه السطور (حسين حمودة).

حمزة البسيوني

في 6/ 6/ 1945 صدرت الأوامر للمكتبة الثالثة المشاة والتي كنت أخدم بها في ذلك التاريخ بالتحرك لأسوان فسافرت معها بالسكة الحديد.

وفي مدينةقنا وصلت تعليمات عاجلة بإنزال 40صف وعسكري من الكتيبة لتوزيعهم كإمدادات لمقاومة الجراد على سواحل البحر الأحمر بواقع 20 عسكري لمدينة الغردقة ، 20 عسكري لمدينة القصير.

فنزلت من القطار في محطة سكة حديد مدينة قنا بناء على تعليمات قائد الكتيبة ومعي 40 صف وعسكري يوم 7/ 6/ 1945.

وفي يوم 8/ 6/ 1945 تحركت السيارات من قنا إلى سفاجة ثم الغردقة ثم القصير ثم إلى مناجم الذهب بالسكري.

ثم سافرت من مناجم الذهب بالسكري إلى إدفو بالسيارات مع قول عربات من وزارة الزراعة مع الملازم أول حمزة البسيوني وفي الطريق من السكري إلى إدفو كنت أنا وحمزة البسيوني في السيارة الأمامية وكان حمزة البسيوني يقود السيارة بنفسه ووراءنا قول عربات وزارة الزراعة وبه مهندسون زراعيون من الوزارة المذكورة لا أذكر أسماءهم الآن.

وأثناء السير في الصحراء شاهد حمزة البسيوني غزالة تجري في الصحراء فترك الطريق المرصوف وجرى بالسيارة وراء الغزالة أملاً في اصطيادها.

وظل يطاردها حوالي ساعة ولم يستطع اللحاق بها لأنها كانت أسرع من السيارة وهربت منه في الجبال. فعدنا إلى الطريق المرصوف لنبحث عن سيارات وزارة الزراعة فوجدنا قول سيارات وزارة الزراعة ترجلوا من سياراتهم وفي انتظارنا.

ولما وصلنا عندهم تكلم أحدهم وكان رجلاً يكبرنا في السن بكثير فقال « إية شغل العيال ده تسيبونا في الصحراء تجروا وراء الغزال وتقعدوا ساعة مش تلاحظوا أن معكم ناس ».

فما كان من حمزة البسيوني إلا أن جرى وأحضر بندقية من السيارة وحاول تعميرها بالرصاص وقتل هذا المهندس الزراعي.

فجريت نحو حمزة البسيوني وخطفت منه البندقية وقلت له « أنت مجنون » هم لهم حق وإحنا اللي غلطانين. وطيت خاطر السادة مهندسي الزراعة واعتذرت لهم عن هذه الواقعة وكانوا جميعاً أكبر منا في السن فقبلوا الاعتذار.

من هذه الواقعة أيقنت أن حمزة البسيوني إنسان غير طبيعي وأن خلق التوحش والقسوة والإجرام سجية فيه ولم أدر في ذلك الوقت ما تخبثه الأقدار لشعب مصر على يد ذلك السفاح المجرم حمزة البسيوني.

مدرسة المشاة بألماظة

بعد حل المشكلة التي طرأت مع مهندسي الزراعة واصلنا السير بالسيارات إلى إدفو ومن إدفو لأسوان بالسكة الحديد.

وبقيت بأسوان مع عبد المنعم عبد الرؤوف في الكتيبة الثالثة المشاة إلى أن صدر قرار بنقلي مدرساً المشاة بألماظة.

وتشاء الصدف العجيبة أن ينقل عبد المنعم عبد الرؤوف معي مدرساً بمدرسة المشاة في نفس النشرة العسكرية.

وفي يوم 3/ 7/ 1945 قدمت نفسي لمدرسة المشاة ومكثت بها ثلاث سنوات انتهت يوم 30/ 6/ 48 وكان عبد المنعم عبد الرؤوف زميلا لي في مدرسة المشاة في هذه الفترة التاريخية.

وقد أتاحت لي فرصة البقاء في القاهرة ثلاث سنوات متصلة في الفترة من منتصف عام 1945 حتى منتصف عام 1948 مع زميلي عبد المنعم عبد الرؤوف مجالاً واسعاً في تدعيم النشاط السري للإخوان المسلمين بين ضباط القوات المسلحة وفي تدريب التنظيم السري المدني للإخوان.

سفري لفلسطين في بعثة تعليمية

بعد أن قدمت نفسي لمدرسة المشاة يوم 3- 7- 1945 وقع الاختيار علي للسفر إلى مركز تدريب الشرق الأوسط بفلسطين والذي كان تابعاً للقوات البريطانية.

فسافرت يوم 23- 10- 1945 إلى هذا المركز للحصول على فرقة هاون 3 من مدرسة المشاة البريطانية.

وكان الإنجليز قد نقلوا معاهد ومراكز التدريب الخاصة بقواتهم من الجزيرة البريطانية إلى فلسطين في الفترة من عام 1940 حتى عام 1946 تفادياً للغارات الجوية الألمانية على بريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية.

وقد سافرت مع شعراوي جمعه لحضور هذه الفرقة ونزلنا في خيمة في مركز التدريب كان معنا فيها ضابط برتبة ملازم إنجليزي اسمه (Berry) وتعايشنا نحن الثلاثة أنا وشعراوي جمعة و Berry في خيمة واحد فترة الدراسة بمدرسة المشاة البريطانية بفلسطين وكان معنا في ذلك الوقت ضباط من مختلف الجنسيات من الإنجليز والاستراليين والنيوزيلنديين وجنوب أفريقيا والهند وشرق الأردن والعراق ومصر والسودان وتركيا وقد شاهدت في هذه الفترة مدن غزة ويافا وتل أبيب وحيفا وعكا وبيت المقدس وكان ذلك قبل نكبة فلسطين في سنة 1948 حيث اغتصب اليهود أراضي عرب فلسطين وأجلوهم عنها بالقوة بعد 15 مايو سنة 1948.

رأيت عرب فلسطين عام 1945 وهم يعيشون في مدنهم وقراهم قبل الكارثة معززين مكرمين يعملون في الزراعة والتجارة وغير ذلك من الأعمال المشروعة.

وتشاء الظروف بعد ذلك أن أرى بعيني رأسي عرب فلسطين بعد نكبة مايو 1948 وهم مشردون بعد أن تركوا أموالهم وديارهم ومساكنهم ومصادر أرزاقهم وعاشوا لاجئين في الخيام بعد أن شردهم اليهود بلا شفقة ولا رحمة وتركوهم في الصحراء تحت وطأة البرد القارص والسيول والشمس الحارقة بلا مأوى متعرضين للموت جوعاً وعطشا وللهلاك من البرد وضربة الشمس.

لقد رأيت بنفسي العائلات الكريمة والنساء الفاضلات والأطفال الأبرياء وهم يتعذبون عذاباً لا يحتمله بشر بعد كارثة سنة 1948... رأيتهم ينتفضون من شدة البرد ، يتسولون القوت من مراكز إغاثة اللاجئين التي أرسلتها لهم الأمم المتحدة.

إن النكبة التي حلت بشعب فلسطين عام 1948 لا يمكن وصفها والظلم الادح الذي تعرض له هذا الشعب العربي الفلسطيني على يد الإنجليز واليهود فيه قسوة بالغة ووحشية رهيبة.

موقف لخالد محي الدين

في عام 1947 نقل خالد محي الدين إلى التدريب الجامعي وأراد انتهاز الفرصة للاستزادة من العلم فالتحق بكلية التجارة حيث اتصل به جماعة من الماركسيين وأقنعوه بمذهبهم.

وقد ناقشني خالد محي الدين في يوم من أيام عام 1947 وكنا سوياً في منزله بباب الخلق قائلاً إنه نشأ في أسرة دينية وأبوه من أتباع إحدى الطرق الصوفية وأنه -أي خالد محي الدين- يشاهد لأتباع هذه الطرق الصوفية خرافات تأباها العقول السليمة مما عقده من ناحية رجال الدين.

فقلت له لك بعض الحق يا أخي فإن كثيراً من الخرافات أدخلها بعض أدعياء الصوفية في أفهام وعقول العوام من الناس. والإسلام بريء من الخرافة ومن كل شيء غير معقول لأن الإسلام دين العقل والعلم. وقد أعجبني في خالد محي الدين صراحته وعدم لجوئه إلى إخفاء ما يعتقده كما يفعل المنافقون. فكان خالد محي الدين واضحاً وصريحا وكان شهما في المحافظة على الأسرار التي ائتمن عليها أثناء صلته بالإخوان المسلمين.

وبالنسبة لإنكار كارل ماركس لوجود الله وإنكاره للأديان وقوله عنها إنها أفيون الشعوب فلا أعتقد على الإطلاق أن هذه المقولة يؤمن بها خالد محي الدين.

حقيقة الماركسية

الماركسية مذهب فلسفي ابتدعه كارل ماركس اليهودي لإخراج الشعوب من دائرة الإيمان بالله إلى دائرة الكفر.

يقول ماركس « إن الدين أفيون الشعوب ، إنه يخدرها بالأمل في الآخرة والجنة ونحن لا نؤمن بذلك ». ويقول لينين « إننا لا نؤمن بالله ونحن نعرف كل المعرفة أن أرباب الكنائس لا يخاطبوننا باسم الله إلا استغلالا.

ومن بعد لينين يقول ستالين :

« إن العالم يسير دون أن يكون له مسير » منكراً بذلك وجود الله تعالى... وعلى هذا تعتبر الماركسية مذهباً من مذاهب الكفر والزندقة والإلحاد.

حقيقة التصوف

التصوف الحق ليس تهريجا وإنما هو رفع للإنسان إلى أعلى درجات الكمال الإنساني عن طريق جهاد النفس الأمارة بالسوء. وأهل التصوف الحقيقيون هم الذين نذروا أنفسهم لإضاءة حياة الإنسان بنور الله. وأصل التصوف العكوف على عبادة الرحمن وترك كل خلق دني والدخول في كل خلق سني.

الفصل الثاني: حرب فلسطين سنة 1948

مقدمة

فلسطين بلاد عربية منذ أكثر من تسعة عشر قرناً... ولكن السياسة البريطانية الظالمة أبت إلا أن تجعل من شعبها العربي كبش الفداء أمام نفوذ اليهود.

إن قيام إسرائيل كان ولا يزال وليد نفوذ اليهودية العالمية المتحكمة في مقدرات كل من معسكر الرأسمالية الغربية ومعسكر الشيوعية الدولية.

وقد قال هرتزل أحد مؤسسي الصهيونية « إن سر قوتنا هو في تشتيت شعبنا في جميع أنحاء العالم وليس هذا هو علامة الضعف كما يتصور الناس ».

إن تضامن اليهود المنتشرين في معسكر الاستعمار الغربي وفي معسكر الشيوعية الدولية جعل لهم نفوذا عالمياً ضخماً في كل المعسكرين الغربي والشرقي وجعل أعظم الدول قوة في التاريخ المعاصر وهي الولايات المتحدة الأمريكية ترضخ صاغرة لسلطة اليهود.

الشعب العربي الفلسطيني

في الوقت الذي كان يهود العالم كله يؤيدون إخوانهم اليهود الذين تسللوا إلى فلسطين منذ صدور وعد بلفور سنة 1917 تأييداً عملياً بالمال والسلاح ووسائل الإعلام التي يسيطر عليها اليهود في أوربا وأمريكا والكفاءات العسكرية من كل جيوش العالم حيث لليهود جاليات منتشرة في جميع أنحاء الكرة الأرضية.

كان الشعب العربي الفلسطيني يقف في الميدان وحدة يصارع اليهودية العالمية والاستعمار البريطاني ولا يجد من العرب أدنى عون اللهم إلا تلك الخطب المنبرية التي أجادها العرب دون خلق الله أجمعين. ولقد ظل هذا النوع الغريب من الجهاد هو المسيطر على عقول حكام العرب منذ بدأ الصراع بين العرب واليهود في 15 مايو 1948 وحتى قارعة 5 يونيو 1967 حيث ظهرت النتيجة الحتمية لإيجابية اليهود وسلبية العرب.

ولقد استغلت اليهودية العالمية تصريحات زعماء الأمة العربية والخاصة بنوايا العرب في إلقاء اليهود في البحر فحشد الإعلام اليهودي إمكانياته الكبيرة والخطيرة وكتل الرأي العام العالمي وراء أهداف اليهود.

ولم يكن في استطاعة الشعب العربي الفلسطيني ولا في مقدوره أن يقوم بأي عمل جدي نحو إعداد نفسه للقتال لأن القيود التي فرضها عليه الإنجليز كانت تمنع العرب من إحراز الأسلحة فضلاً عن الظهور بها والتدريب عليها.

ومن الظلم أن يلام الشعب العربي الفلسطيني على هذا التقصير المعيب. ولكن اللوم يتركز كله على حكام الدول العربية الذين شغلوا أنفسهم بمعالجة قضية فلسطين عن طريق الكلام دون أن يكلفوا أنفسهم مشقة العمل الجدي فيقيموا المعسكرات في الدول العربية التي كانت تتمتع بشيء من الاستقلال ويتولوا تدريب الشباب الفلسطيني على أيدي الضباط العرب حتى يصبح شعب فلسطين مستعداً للدفاع عن بلاده إذا جد الجد.

استعدادات يهود فلسطين الحربية

كان يهود فلسطين مستعدين منذ بعيد تحت ستار من الكتمان وكان زعماء اليهود يقتصدون كثيراً من التصريحات تاركين هذه المهمة لزعماء العرب الذين كانوا يرسلون التصريحات كل من عاصمة حكمه بصورة كان من شأنها تحزب الرأي العام العالمي كله في صف اليهود الضعفاء المعرضين لافتراس الوحوش العربية وكانت هذه التصريحات التي أعلنها حكام العرب في ذلك الوقت أعظم خدمة قدمها زعماء العرب من حيث لا يشعرون للدولة اليهودية القادمة.

وكان اليهود يملكون عدة منظمات عسكرية في فلسطين. وكانت هذه المنظمات تزيد في مجموعها على ثمانين ألف جندي يهودي كاملي العدة والسلاح مدربين أحسن تدريب.

وكانت جميع القرى اليهودية (المستوطنات) منتشرة وموزعة بطولفلسطين وبعرضها ومقامة على أساس عسكري يناسب الهجوم والدفاع. وكانت هذه المستعمرات اليهودية محصنة ومحاطة بالأسلاك الشائكة والألغام المضادة للأفراد والدبابات ومليئة بالأسلحة والذخائر والمعدات الحربية وبها ملاجئ للوقاية من الغارات الجوية ومواقع لضرب النار أعدت بمهارة فنية.

وأقام اليهود مصانع بهذه القرى وقاموا بتهريب أجزاء الدبابات والسيارات المدرعة مفككة وخبئوها في مستعمراتهم حتى إذا جاء الوقت المناسب خرجت من مخابئها وركبت أجزاؤها وهاجم اليهود بها عرب فلسطين العزل من السلاح فأخرجوهم من أرضهم وأرض آبائهم وأجدادهم.

وهكذا كان الاستعداد اليهودي أما الجانب العربي فكان على النقيض تماماً.

الإخوان المسلمين وحرب فلسطين سنة 1948

حينما وضحت نيات الحكومة البريطانية في تهويدفلسطين أخذ الإخوان المسلمون يبينون للشعوب والحكومات العربية حقيقة الخطر اليهودي الذي يهدد الأمة العربية كلها.

ولقد أدرك اليهود ما ينطوي عليه نشاط الإخوان المسلمين من خطر شديد على أهدافهم فقاموا بنشر المقالات في صحف أوروبا وأمريكا ويفعمونها بالتهم الخطيرة عن الإخوان المسلمين وحقيقة خطرهم على مصالح أمريكا وبريطانيا وكانوا يحاولون استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم يستأصل هذا الخطر الإسلامي الذي يهدد أطماع الولايات المتحدة الأمريكية في التهام العالم الإسلامي بعد جلاء الإنجليز والفرنسيين والذي بات متوقعاً نتيجة لتغير موازين القوى العالمية إثر الحرب العالمية الثانية.

وليس أدل على ذلك من مقال نشرته جريدة (الصنداي ميرور) في مطلع عام 1948 ونقلته جريدة المصري القاهرية.

قالت الجريدة في مقالها : إن الإخوان المسلمين يحاولون إقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة ، وأن الإسلام هو خير الأديان جميعاً وأفضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها.

والآن وقد أصبح الإخوان المسلمون ينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التي توجه ضد التدخل المادي للولايات المتحدة الأمريكية في شئون الشرق الأوسط عن طريق إقامة دولة يهودية في فلسطين فقد حان الوقت للشعب الأمريكي أن يعرف أي حركة هذه وأي رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكي الجذاب (الإخوان المسلمون).

وقالت الجريدة : وهذا هو بيت القصيد -إن اليهود في فلسطين الآن هم أعنف خصوم الإخوان المسلمين ولذلك كان اليهود الهدف الأساسي لعدوان الإخوان. وإذا كان اليهود المدافعون عن فلسطين يطالبون مجلس الأمن بإرسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم بتاريخ 29/ 11/ 1947 فإنهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية في حاجة إلى الدفاع عن نفسها ولكنهم يريدون إرسال هذه القوة الدولية إلى فلسطين لتواجه رجال الإخوان المسلمين وجهاً لوجه وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه الحركة.

وإذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة في وقت قريب فإن أوروبا وأمريكا والعالم سيفاجأ في نهاية القرن العشرين بإمبراطورية إسلامية تمتد من الباكستان شرقاً حتى بلاد المغرب على المحيط الأطلسي غرباً. ولم يكن هذا المقال هو الأول من نوع إذ دأبت الصحف الأوروبية والأمريكية التي يسيطر عليها اليهود على نشر مقالات طويلة من هذا النوع.

ولم يضيع الإخوان المسلمون جهدهم في مناقشة هذه الأقوال إذ أخذ خطباء الإخوان ودعاتهم يجوبون المدن والقرى داعين الناس إلى الجهاد في سبيل الله لإنقاذ أراضي فلسطين المقدسة من ألد أعداء الإسلام. فقامت في مصر حركة إسلامية عنيفة وعمت المظاهرات المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد مطالبة الحكومة المصرية بالتدخل العسكري للقضاء على الدولة اليهودية في مهدها.

واندفعت حشود هائلة من شباب مصر والتي جاءت من الأقاليم والمراكز والقرى حتى اكتظ بهم المركز العام لجماعة الإخوان وضاقت بهم شعب القاهرة وبدأت اتصالات كثيرة بالحكومة المصرية وبعبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية انتهت بموافقة الحكومة المصرية على تكوين فرق من المتطوعين بقيادة ضباط مصريين متطوعيين وتتولى الجامعة العربية ، الإنفاق على هذه الفرق.

ورحب الإخوان بالفكرة وبدأت حركة التطوع عن طريق المركز العام للإخوان المسلمين وكان يشرف على تنظيم حركة التطوع المجاهد الكبير المرحوم الصاغ محمود لبيب ونجح بمعونة بعض الشخصيات المجاهدة وعلى رأسهم عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية واللواء عبد الواحد سبل مدير عمليات الجيش المصري في إقامة معسكرات للتدريب تتولى الجامعة العربية الإنفاق عليها ويشرف على التدريب ضباط مصريون من جيش مصر العامل.

وبدأت الكتيبة الأولى تدريبها وسافرت إلى ميدان القتال يوم 25/ 4/ 1948 بقيادة البطل الشهيد المرحوم البكباشي أحمد عبد العزيز ومعه عدد من الضباط المتطوعين هم زكريا الورداني وعبد المنعم عبد الرءوف ومعروف الحضري وكمال الدين حسين وحسن فهمي عبد المجيد ومصطفى صدقي وخالد فوزي وأنور الصيحي.

وقد لمع البطل أحمد عبد العزيز في هذه الحرب ودأبت الصحف العربية والعالمية على تتبع أنبائه وتحركاته وعملياته الحربية وأولته من العناية والاهتمام ما لم تول أحداً من قادة الجيوش العربية النظامية ممن يفوقونه في الرتبة والمنصب.

وكان البطل أحمد عبد العزيز شخصية عسكرية نادرة تتميز بجرأة خارقة وولع شديد بالمغامرة واعتزاز بنفسه. اندفعت الكتيبة الأولى من متطوعي الإخوان المسلمين تحت قيادة البطل أحمد عبد العزيز (وفي صحبته الشيخ محمد فرغلي) يوم 5/ 5/ 1948 فوق فلنكات السكة الحديد حتى خان يونس ثم انطلقت بسرعة مخترقة صحراء النقب مستخدمة تكتيك الضرب والحركة وأخذت تكتسح المستعمرات اليهودية وتعترض القوافل المعادية وتفتك بها وتغنم أسلحتها حتى وصلت إلى بيت لحم وأشرفت على مدينة القدس الشريف.

وقاد الكتيبة الثانية من متطوعي الإخوان المسلمين البكباشي عبد الجواد طباله وكانت هذه الكتيبة ترافق الجيش المصري وتشترك معه في الدفاع عن منطقة غزة وتتولى حصار بعض المستعمرات اليهودية وتقوم بحراسة النقط الهامة على خطوط مواصلات الجيش المصري ثم استقرت بعد ذلك مع زميلتها الكتيبة الأولى في بيت لحم عقب استشهاد أحمد عبد العزيز.

وتولى قيادة الكتيبتين الأولى والثانية بعد وفاة البطل أحمد عبد العزيز البكباشي عبد الجواد طبالة وتجمعت الكتيبتان في منطقة جنوب القدس الشريف حيث كان من نصيب هذه القوات الدفاع عن منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.

وتم المحافظة على هذه المنطقة الهامة حتى تم تسليمها للجيش العربي الأردني بعد وقف القتال وإعلان الهدنة. وكم كان جميلاً أن يقوم الإخوان المسلمون بالدفاع عن مقدسات المسيحيين في فلسطين ، إذ كان نصيبهم الدفاع عن مدينة بيت لحم التي تقع على بعد ستة أميال جنوب القدس وهي إحدى المدن المسيحية المقدسة ، إذ تقع فيها كثير من آثار المسيحيين وكنائسهم وبخاصة كنيسة المهد التي يحج إليها مسيحيون من جميع أنحاء العالم وغالبية سكانها من المسيحيين العرب.

وقد احتفى المسيحيون بالإخوان المسلمين عند دخولهم للدفاع عن مدينتهم وكان الإخوان يبادلونهم هذا الشعور الكريم لما رأوه من إخلاصهم ولما شاهدوه من غيرة صادقة على كرامة العرب. وقد استشهد حول أسوار بيت لحم عدد هائل من شباب الإخوان المسلمين دفاعاً عن مقدسات المسيحيين وظل الإخوان يدافعون عن مدينة بيت لحم عاماً كاملاً دون أن تقع حادثة واحدة من تلك الحوادث التي تقع عادة بين الجنود والمدنيين من أهل البلاد.

وقد تحدثت صحف العالم العربي والصحافة العالمية عن بسالة متطوعي الإخوان في حرب فلسطين 1948 وأنهم كانوا يتسابقون على نيل الشهادة في سبيل الله.

الجيش المصري في حرب فلسطين 1948

أنهى االإنجليز انتدابهم على فلسطين وغادروها يوم 15 مايو 1948 ودخلت الجيوش العربية في الدقيقة الأولى من يوم 15 مايو 1948 من الشمال والشرق والجنوب إلى أرض فلسطين لإنقاذ شعبها العربي من الكارثة المتوقعة.

وكانت الخطة العربية تقضي بأن يتقدم الجيش المصري بسرعة على الطريق الساحلي من قرية رفح المصرية حتى قرية (بيناً) على بعد عشرين ميلاً جنوب تل أبيب. حيث تكون الجيوش العربية الأخرى الزاحفة من الشرق والشمال وقد احتلت نقطاً مماثلة شمال وشرق تل أبيب.

ثم تقوم القوات العربية بفرض الحصار على عاصمة العدو في تل أبيب لإجباره على التسليم. توغل الجيش المصري في فلسطين بسرعة مستخدماً الطريق الساحلي.

وقد اقتحم الجيش المصري أثناء تقدمه المستعمرات اليهودية التي اعترضت زحفه ، فهاجم مستعمرة الدنجور القوية التحصين والقريبة من الحدود المصرية يوم 16 مايو 1948 ودكها بالمدفعية ثم حاول اقتحامها بالمشاة ولكنه وجد مقاومة عنيفة اضطرته لتركها مكتفيا بفرض الحصار عليها ومواصلة الزحف. فاجتاز الجيش المصري بلده خان يونس بلا مقاومة.

ثم اقتحم الجيش المصري الباسل يوم 19 مايو 1948 مستعمرة دير سنيد الحصينة شمال غزة وقاوم العدو مقاومة عنيفة غير أنه اضطر إلى إخلائها أمام ضغط القوات المصرية تاركاً خلفه مئات القتلى والجرحى وكميات ضخمة من المؤن والعتاد الحربي.

وواصل الجيش المصري الزحف شمالاً على الطريق الساحلي وهاجم المستعمرات اليهودية الواحدة تلو الأخرى فهاجم مستعمرة كفار ديروم ومستعمرة بيرون أسحق ومستعمرة كوكبة ومستعمرة نجبا.

ونجح الجيش المصري في اقتحام مستعمرة نيتسالبم قرب أسدود بعد معركة دامية أظهر الجنود المصريون فيها من ضروب البسالة والفدائية ما يجعلهم في طليعة المقاتلين الممتازين.

وكان مقرراً أن يواصل الجيش المصري زحفه شمالاً حتى قرية بينا جنوب تل أبيب حسب الخطة الموضوعة ولكن ما كادت طلائع الجيش المصري تجتاز بلدة أسدود وتقترب من الهدف حتى هاجمتها القوات اليهودية هجوماً عنيفاً ، غير أن الجيش المصري أفلح في صد هذا الهجوم وكبد اليهود خسائر فادحة.

ولكن اليهود بهجومهم هذا حققوا نتيجة واحدة هي تثبيت الجيش المصري شمال بلدة أسدود وكانت هذه هي نقطة التحول في حرب فلسطين سنة 1948.

إذ لزم الجيش المصري بعد ذلك خطة الدفاع وبدلاً من الاستمرار في الزحف شمالاً في اتجاه تل أبيب زحفت القوات المصرية شرقاً واتصلت بقوات الإخوان المسلمين المرابطة في جبال الخليج وبيت لحم.

وبذلك أصبحت القوات المصرية تكون إطاراً حول منطقة معادية تموج بمئات المستعمرات اليهودية التي تأوي عشرات الألوف من جنود اليهود.

لقد وزع اليهود مستعمراتهم في فلسطين توزيعاً عسكرياً يضمن لهم الاستمرار في القتال مدة طويلة.

ورفض بن جوريون رفضا باتا بناء العمارات في إسرائيل ورفض رفضا باتا بناء المدن ما عدا مدينة تل أبيب.

لقد بنى بن جوريون شبكة ضخمة من القرى (المستعمرات أو المستوطنات) تزيد على ألف مستعمر منتشر انتشاراً أفقياً واسعاً بطول فلسطين وبعرضها.

لقد وزع اليهود مستعمراتهم في الصحراء وكل مستعمرة تحوي مئات من الجنود ومقادير كبيرة من الأسلحة والذخائر ومعدات الحرب.

ويمكن عند إعلان حالة الطوارئ سحب نصف جنود المستعمرة إلى أماكن تجمع معروفة سلفاً لكل فرد فيتكون فوراً خلال 24 ساعة جيش نظامي ضخم.

وقد كان لكل مستعمرة مصادر ذاتية للتموين كحظائر الماشية المنتجة للحم واللبن وحظائر الدواجن المنتجة للبيض ولحم الدواجن وخلايا النحل المنتجة لعسل النحل.. وهذه المستعمرات متصلة ببعضها بشبكة من الطرق المرصوفة ووسائل الاتصال السلكية واللاسلكية وشبكة ضخمة من مواسير المياه العذبة لري الأراضي المجاورة للمستعمرة لزراعتها بالأعلاف الخضراء التي تصلح غذاء للماشية كما يزرع سكان المستعمرة الخضر والفواكه وبعض الحبوب كالذرة والشعير. وبكل مستعمرة خزان علوي للمياه النقية الصالحة للشرب الآدمي وذلك بعد تطهير المياه والتأكد من صلاحيتها للاستعمال الآدمي.

ونظراً لندرة المياه في إسرائيل فقد لجأت إسرائيل إلى طريقة الري بالرش وبالتنقيط وإلى تحلية مياه البحر المالح.

وجميع هذه القرى الإسرائيلية مضاءة بالكهرباء وتستخدم الطاقة الكهربائية لأغراض الزراعة والري والصناعة.

فهذه المستعمارت اليهودية زراعية صناعية عسكرية وأهلها المقيمون فيها هم المدافعون عنها... ويتولى نساء اليهود رعاية وإطعام الأبقار والدواجن وخلايا النحل والحراسة المحلية ونساء اليهود مدربات على حمل السلاح والدفاع عن النفس.

وقد تعجب أن كثيراً من ضباط الجيش الإسرائيلي كانوا ضباطاً في الجيش الروسي خلال الحرب الروسية الألمانية 1942- 1945 ومنهم من كان في الجيش البريطاني ومنهم من كان في جيش الولايات المتحدة الأمريكية ومنهم من كان في جيش جنوب أفريقيا.

وعندما أعلنت اليهودية العالمية عن حاجتها لضباط لقيادة جيش الدفاع الإسرائيلي هرع إليها الضباط اليهود من كل جيوش العالم.

لزم الجيش المصري مواقعه التي احتلها في الخط العام من الغرب إلى الشرق (المجدل - عراق سويدان - الفالوجا - بيت جبرين - الخليل مع لسان بارز إلى أسدود عند ساحل البحر الأبيض المتوسط).

وإذا بالدول العربية تقبل الهدنة الأولى لمدة أربعة أسابيع تبدأ من 11- 6- 1948. وقد اغتنم اليهود فرصة الهدنة فهاجموا قرية العسلوج واجتلوبها.

وكان احتلال العسلوج يعني قطع مواصلات الجيش المصري في القطاع الشرقي من الجبهة المصرية مما دعا القيادة العسكرية المصرية إلى تنظيم خطة لاستردادها.

وأترك وصف المعركة الخاصة باسترداد قرية العسلوج للواء أحمد علي المواوي القائد العام لحملة فلسطين سنة 1948 وهي مقتبسة من شهادة أدلى بها سيادته بين يدي القضاء المصري في إحدى قضايا الإخوان المسلمين والتي عرفت باسم قضية سيارة الجيب.

وكانت إجابة اللواء أحمد المواوي رداً على سؤال وجهه إليه الدفاع في القضية المذكورة.

  • س : - هل كلفتم متطوعي الإخوان بواجب خاص عند مهاجمتكم عسلوج؟
ج : - نعم ، العسلوج بلد تقع على الطريق الشرقي واستولى عليها اليهود أثناء الهدنة... ولهذا البلد أهمية كبرى بالنسبة لخطوط مواصلات القوات المصرية وكانت رئاسة الجيش بالقاهرة تهتم كل الاهتمام باسترجاع العسلوج حتى إن رئيس هيئة أركان حرب الجيش أرسل إلي إشارة هامة يقول فيها (لا بد من استرجاع العسلوج بأي ثمن) فكانت اللحظة التي وضعتها لاسترجاع العسلوج هي الهجوم عليها من الشرق والغرب.

فكلفت المرحوم البكباشي أحمد عبد العزيز قائد متطوعي الإخوان المسلمين بإرسال قوة من الشرق من المتطوعين وكانت قوة صغيرة لا تجاوز ثلاثين فردًا كلهم من متطوعي الإخوان بقيادة ضباط برتبة ملازم. وأرسلت قوة كبيرة من الغرب تعاونها جميع الأسلحة ولكن القوة الصغيرة هي التي تمكنت من دخول القرية والاستيلاء عليها.

ولما سأله المحامون عن السبب في تغلب القوة الصغيرة أجاب.. القوة الغربية كانت من الرديف (احتياط الجيش المصري العامل) وضعفت روحهم المعنوية بالرغم من وجود مدير العمليات الحربية فيها إلا أن المسألة ليست مسألة ضباط المسألة مسألة روح ، إذا كانت الروح ميتة لا يمكن للضابط أن يعمل شيئاً ، لا بد من وجود الروح المعنوية العالية.

وهكذا تحررت عسلوج على يد قوة صغيرة من متطوعي الإخوان المسلمين بقيادة ضابط ملازم.

وفي 14/ 10/ 1948 هاجمت سرية يهودية قرية بيت حانون واستطاعوا احتلالها في 16/ 10/ 1948 بعد مقاومة باسلة من قوات الجيش المصري التي كانت تحتل البلدة.

وبذلك قطع اليهود طريق المواصلات الرئيسي على ساحل البحر الأبيض المتوسط والذي كان يربط مدينة غزة ببقية المناطق في الشمال حتى أسدود على ساحل البحر.

فصدرت الأوامر لقوات الجيش المصري بالانسحاب من أسدود والمجدل إلى غزة عن طريق شاطئ البحر الأبيض المتوسط لتفادي الطريق المرصوف الذي قطعه اليهود باحتلالهم بلدة بيت حانون... وكان المفروض أن يصدر قرار انسحاب مماثل لقوات الفالوجا إلى مدينة بئر سبع وبذلك يكون الجيش المصري قد انسحب إلى خط دفاع ثان هو خط غزة بئر سبع وبذلك يكون الانسحاب منظماً.

ولكن العجيب أن قوات الفالوجا ظلت في مواقعها حتى أحاط بها اليهود من كل جانب. وقد ترتب على بقاء قوة معطلة في الفالوجا قوامها خمسة آلاف رجل ضياع مدينة بئر سبع وما أعقب ذلك من انهيار القطاع الشرقي عسلوج العوجة ثم اقتحام اليهود لحدود مصر الشرقية والزحف حتى مشارف مدينة العريش لتطويق الجيش المصري المتواجد على الشريط الساحلي رفح/ غزة.

أما قوة الفالوجا فقد أحكم اليهود حولها الحصار وظنوا أن هذه القوات لا تلبث أن تستسلم غير أن قوات الفالوجا الباسلة خيبت ظنهم ومضت تدافع عن مراكزها باستبسال حتى من الله عليها بالنجاة بعد نهاية الحرب وإعلان الهدنة وغادروا أرض الفالوجا بكامل أسلحتهم في 11/ 3/ 1949.

وقد قام الإخوان المسلمون بجهد رائع في إمداد قوات الجيش المصري المحاصرة في الفالوجا بالمؤن والذخيرة بقوافل الجمال عبر الصحراء ، وكان للبطل الصاغ معروف الحضري جهد مشكور في هذه الفترة فكان يتولى قيادة هذه القوافل إلى أن وقع في أسر اليهود وظل في الأسر حتى تم تبادل الأسرى بعد الهدنة.

بعد حصار الفالوجا شدد اليهود هجومهم على حامية بئر سبع مفتاح فلسطين الشرقي وعاصمة النقب فاحتلوها يوم 27/ 10/ 1948.

وكانت القيادة العسكرية المصرية لحملة فلسطين سنة 1948 قد رأت بعد استشهاد البطل أحمد عبد العزيز تجميع كتيبتي الإخوان الأولى والثانية في منطقة الخليل وبيت لحم ومرتفعات صور باهر.

ولم يبق مع القوات المصرية النظامية من المتطوعين إلا الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين فكلفتها القيادة لحملة فلسطين بإرباك مستعمرات النقب ، فقام أفراد الكتيبة الثالثة لمتطوعي الإخوان المسلمين بمحاصرة مستعمرات اليهود في صحراء النقب وتدمير شبكات مواسير المياه حتى كادت هذه المستعمرات أن تموت عطشاً.

وبسقوط بئر سبع يوم 27/ 10/ 1948 في أيدي اليهود أصبح في مقدور اليهود التنقل بحرية بين أرجاء صحراء النقب وأصبح موقف القوات المصرية في القطاع الشرقي حرجاً للغاية.

مما دفع اللواء المواوي قائد حملةفلسطين أن يطلب رسمياً في عدة خطاباً له إلى الأمانة العامة للجامعة العربية تجنيد أكبر عدد ممكن من شباب الإخوان وإرسالهم فوراً إلى ميادين القتال في فلسطين ليتمكن من السيطرة على الموقف في القطاع الشرقي قطاع عوجا - عسلوج - بئر سبع - الخليل - بيت المقدس وكلف اللواء المواوي الأستاذ الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان في حرب فلسطين بالسفر إلى القاهرة لاستعجال تجهيز وتعبئة شباب الإخوان المسلمين.

وفي 11/ 11/ 1948 قررت الحكومة المصرية سحب اللواء المواوي وتعيين اللواء أركان حرب أحمد فؤاد صادق قائداً لحملة فلسطين وكان أفراد الكتيبة الثالثة للإخوان المسلمين لا يزالون يحتلون المواقع المحيطة بمستعمرات اليهود.

وفي ذات يوم صدرت أوامر بسحب الإخوان من تلك المواقع ووضعهم في معسكر برفح.

وبمجرد سحب الإخوان من تلك المواقع بادر اليهود إلى احتلالها وبذلك انحلت القيود التي كانت تكبل المستعمرات اليهودية بالنقب.

ولم تمض أيام قليلة حتى احتل اليهود تبة الشيخ نوران ولقد حاول الجيش المصري استردادها فهاجمها بقوات كبيرة في 6/ 12/ 1948 ولكن ذهبت محاولاته أدراج الرياح.

أما بقية المواقع التي كان يحتلها الإخوان وصدرت لهم أوامر قيادة حملة فلسطين بإخلائها فقد احتلها اليهود.

فاحتل اليهود تل جمة في 5/ 12/ 1948 وتل الفارعة في 18/ 12/ 1948 وكان سحب الإخوان من مواقعهم المنيعة والحد من نشاطهم العسكري يرجع إلى الإجراءات الشاذة التي اتخذتها حكومة النقراشي قبيل حل جماعة الإخوان في مصر.

فقد كان الملك فاروق ينظر بعين الريبة إلى الإخوان المسلمين ويخشى أن يؤلفوا جيشاً في فلسطين يكون خطراً على عرشه. حقاً لقد كان الإخوان المسلمين خطراً على إسرائيل وفد فهم اليهود ذلك حق الفهم في ميدان القتال.

فأوحى اليهود إلى الإنجليز الذين أوحوا إلى الملك فاروق وأدخلوا في روعه أن استمرار الإخوان في جهادهم بفلسطين والنشاط الذي يجريه حسن البنا في مصر لتجهيز قوات إخوانية كثيفة ليدخل بها فلسطين وإيقاظه لروح الجهاد الديني في الشعب المصري سيصبح خطراً داهما على عرش فاروق.

فأمر الملك فاروق رئيس وزرائهمحمود فهمي النقراشي باتخاذ الإجراءات اللازمة للبطش بجماعة الإخوان المسلمين واستئصال شأفتهم.

ولقد سبق أن ذكرت أن اللواء المواوي طالب بإرسال أكبر عدد من متطوعي الإخوان المسلمين وإرسالهم فوراً إلى ميدان القتال ب فلسطين وسافر لهذه الغاية الشيخ محمد فرغلي رئيس متطوعي الإخوان في حرب فلسطين إلى القاهرة بتعليمات مكتوبة من قائد حملة فلسطين اللواء المواوي.

ولقد أخبرني الصاغ محمود لبيب أن عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية قد استدعاه في ذلك التاريخ ورجاه أن يعمل على تجنيد أكبر عدد ممكن لأن خطورة الموقف العسكري في فلسطين تتطلب إرسالهم على جناح السرعة.

ومضى محمود لبيب فاتصل بشعب الإخوان في جميع أنحاء مصر وطلب تجهيز أكبر عدد ممكن من الأفراد.

ولكن ما إن تناهى النبأ إلى مسامع النقراشي رئيس الوزراء حتى رفض قبول الفكرة رفضا باتا.

ولم يستطع محمود لبيب فهم أسباب الرفض في حينه حتى جاءت الحوادث الغربية بعد ذلك لتعلن الحقيقة المرة.. ذلك أن النقراشي كان مشغولاً بتنظيم خطة للفتك بجماعة الإخوان المسلمين ومحوها من الوجود.

ولو أدى الأمر إلى تعريض جيش مصر في فلسطين لأقدح الأخطار وتعريض الأرض التي اكتسبها بدمائه إلى الضياع وتسليمها لليهود بلا قتال.

إذ أصدر النقراشي رئيس الوزراء أوامر مشددة إلى اللواء فؤاد صادق قائد حملة فلسطين الجديد بسحب قوات الإخوان من مواقعهم وسحب أسلحتهم واعتقالهم وإرسالهم كأسرى حرب إلى المعتقلات في مصر.

ولكن اللواء فؤاد صادق رفض بشدة اعتقال هؤلاء المجاهدين واكتفى بسحبهم من مواقعهم وأبقاهم في معسكر بمنطقة رفح المصرية ومعهم أسلحتهم.

وفي الوقت الذي كان فيه حسن البنا بعد قوات كثيفة ليدخل بها إلى فلسطين كان النقراشي يرتكب أبشع حماقة يمكن أن يصدر من رجل دولة مسئول في حالة الحرب.

ولم تلبث الأنباء أن جاءت بقيام المذبحة ، فسبق زعماء الإخوان إلى المعتقلات وكان من بينهم الشيخ محمد فرغلي رئيس الإخوان المسلمين بفلسطين الذي أرسله المواوي ليستعجل حضور شباب الإخوان المتطوعين للجهاد في فلسطين.

وفي ليلة 7/ 12/ 1948 حوصر معسكر الإخوان برفح بقوات كبيرة من الجيش المصري وحضر اللواء البرديني ومعه عدد من ضباط البوليس الحربي وطلبوا مقابلة قائد معسكر الإخوان المسلمين.

وقال اللواء البرديني لقائد الإخوان : لقد أبلغتنا الحكومة المصرية أن قراراً صدر بحل الإخوان بمصر والقائد العام فؤاد صادق بناء على طلب الحكومة يطلب تسليم الأسلحة ومعدات الحرب خشية أن يركب بعض شباب الإخوان رءوسهم ويرتكبوا بعض الحماقات يكون فيها أبلغ الضرر.

وهم شبان في مقتبل العمر متحمسون وقد لا يقدرون عواقب تصرفاتهم في هذه المرحلة الخطيرة التي يجتازها الجيش المصري وأنت رجل عاقل فأرجو ألا تمانع في تسليم الأسلحة ومعدات الحرب. فقال له قائد الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان : إن مسألة حل الإخوان المسلمين أمر وارد وهذه الدعوة غير قابلة للحل لأنها دعوة الله وستجد حتماً من يعمل لها من غير الإخوان المسلمين.

أما خشية الجيش من قيام حركة انتقامية في الميدان فتلك خشية لا موضع لها على الإطلاق ، فإن إيمان الإخوان بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يمنعهم من التفكير في مثل هذه الأعمال ، وإن هؤلاء الشباب الذين باعوا أنفسهم لله لن يختموا جهادهم بضرب وجوه المؤمنين من إخوانهم ضباط وجنود الجيش المصري.

وعلى هذا فتسليم الأسلحة لا مبرر له ، وعلى القائد العام أن يطمئن تماماً ويبلغ المسئولين في مصر بهذا الرأي وأن يتحمل التبعة وهو رجل شريف وشجاع.

وأخيراً اتفق اللواء البرديني مع قائد الإخوان على كتمان الأمر حتى يقابل قائد الإخوان اللواء فؤاد صادق في الصباح.

وذهب قائد الإخوان في الصباح لمقابلة اللواء فؤاد صادق الذي قال له : إنه فكر في الأمر فاستقر رأيه على معالجته بالحكمة وأنه سيترك للإخوان حرية الاختيار فإن رأوا كلهم أو بعضهم مغادرة الميدان والذهاب إلى بلادهم في مصر فسوف يسهل لهم أمر العودة وإن رأوا أن يستمروا في الحرب مع الجيش المصري فسيظلون في أماكنهم دون أي تغيير في أوضاعهم.

على أنه يرجو أن يتدبر الإخوان الأمر وأن يعلموا أن الجيش المصري في حاجة إليهم وإلى جهودهم ولا يليق بهم التخلي عنه في هذه الظروف.

ثم طلب جمع الإخوان في موعد معين ليتحدث إليهم ولما عاد قائد الإخوان إلى المعسكر وجد أبناء قرار حل الإخوان قد سبقه إلى أفراد المعسكر عن طريق أجهزة الراديو.

فشرح لهم ما دار بينه وبين اللواء فؤاد صادق وتشاور الإخوان في الأمر واستقر رأيهم بالإجماع على البقاء ومواصلة القتال مع الجيش المصري حتى تضع الحرب أوزارها.

وفي اليوم التالي حضر اللواء فؤاد صادق وعرف إجماع الإخوان على البقاء لمواصلة القتال في سبيل الله فحياهم اللواء صادق على روحهم الوطنية الطيبة. هذا كان رأي شباب الإخوان المقاتل مع الجيش المصري فماذا كان رأي قيادة الإخوان في مصر .

لقد أرسل حسن البنا خطاباً سرياً مع أحد الإخوان يقول فيه لا شأن للمتطوعين بما يجري في مصر وما دام في فلسطين يهودي واحد يقاتل فإن مهمتهم لم تنته وأوصى الإخوان بالهدوء وعدم مقاومة الحكومة في إجراءتها التعسفية حتى لا يستفيد الإنجليز واليهود من الفتنة لأن الإخوان المسلمين لو قاوموا الحكومة لتحولت الفتنة إلى حرب أهلية لن يستفيد منها سوى أعداء مصر .

وأمر حسن البنا الإخوان أن يتحملوا المحنة وأن يسلموا أكتافهم للسعديين ليقتلوا ويشردوا كيف شاءوا حرصاً على مصلحة شعب مصر وإبقاء على وحدة الأمة وتفاديا لنشوب حرب أهلية لا يستفيد منها سوى أعداء الإسلام.

وصدع الإخوان بالأمر وتحملوا مصائب المحنة بصبر وجلد ومضي السعديون في خطتهم الطائشة يعتقلون ويعذبون حتى بات أي فرد في مصر تحت رحمة البوليس السياسي.

وكان طبيعياً أن تبرر الحكومة المصرية خطتها فأخذت وسائل الإعلام التابعة لها تشيع أنباء مختلفة عن مؤامرات وهمية تدبر في الخفاء لقلب نظام الحكم.

وطفحت الصحف الحكومية بتفاصيل هذه المؤامرات الوهمية ولم يسمح للإخوان بالدفاع عن أنفسهم وفرض التعتيم الإعلامي التام لكيلا يعرف شعب مصر حقيقة الأمور.

فالحكومة في ظل الأحكام العرفية كانت نقيض بيد من حديد على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة ودور نشر وتملي عليها ما تذيعه وتنشره من إفك وزور وبهتان. ولو ترك حسن البنا على حريته دون أن تضع الحكومة المصرية العراقيل أمامه لرأي دعاة السوء كيف يغرق فلسطين بقوات إخوانية كثيفة ولتغيرت نتيجة الحرب لا محالة.

موقف كاتب هذه السطور من الحرب الفلسطينية عام 1948

أ- شاهد عيان على الأسلحة الفاسدة

عندما دخل الجيش المصري فلسطين في 15 مايو 1948 كنت مدرساً بمدرسة المشاة. وقد أرسلت حكومة مصر في ذلك الوقت لجاناً لشراء الأسلحة من دول أوروبا. وكانت الأسلحة الخاصة بسلاح المشاة ترسل عينة منها لمدرسة المشاة لتجربتها وتدريب الضباط والجنود الجدد عليها قبل إرسالهم لميادين القتال. وفي يوم من الأيام الأخيرة لشهر مايو 1948 كلفت بترجمة كتاب من اللغة الفرنسية إلى اللغة العربية عن سلاح جديد اسمه Bigit mortar اشترته إحدى لجان مشتريات السلاح من أسبانيا.

وأثناء قيامي بعملية الترجمة في مدرسة المشاة حضر البكباشي عبد العليم منصور مهران ومعه البكباشي مهندس مصطفى النيال وقالا تفضل معنا إلى تبة البندرول (جبل صغير بالقرب من مدرسة المشاة) لتجربة السلاح الجديد. فقلت لهما تفضلا وسألحق بكما بعد أن أتم جمع الورق الموجود في يدي وأحفظه تحت القفل في الخزينة. فذهب البكباشي مهران والبكباشي النيال إلى مكان التجربة عند تبة النبدرول ، وذهبت لألحق بهما بعد قليل من الوقت لا يتجاوز ربع ساعة فسمعت صوت انفجار شديد تحطم على أثره زجاج شبابيك مدرسة المشاة ، فأسرعت عدواً إلى تبة البندرول فوجدت أنهم أطلقوا أول دانة من هذا المدفع فانفجرت الدانة داخل الماسورة الخاصة بالمدفع. وقتل البكباشي مهران وأصيب المهندس النيال إصابة خطيرة في رأسه أودت بحياته بعد ذلك كما قتل تسعة من ضباط الصف المعلمين من قوة مدرسة المشاة كانوا جميعاً في التجربة مع البكباشي مهران والمهندس النيال.

وأرى أن المسئول الأول عن إحضار الأسلحة الفاسدة لمصر هي اللجان التي أرسلت إلى أوروبا لشراء الأسلحة والذخائر وأستبعد تماماً أن يكون الملك فاروق شريكاً في هذه الجرائم لأن الملك هو القائد الأعلى للجيش وانتصار الجيش فخر للملك ولا شك في هذا مع العلم بأنه لم يرسل إلى ميدان القتال بفلسطين سنة 1948 أية أسلحة فاسدة لأن السلاح كان يجرب في مصر قبل إرساله إلى ميدان القتال.

ب- اشتراكي في حرب فلسطين سنة 1948

قررت رئاسة الجيش المصري إنشاء لواء مشاة جديد لتعزيز القوات المسلحة المصرية فتقرر إنشاء اللواء الرابع المشاة من الكتائب 10- 11- 12 وللعلم فقوة الجيش المصري من المشاة حينما قامت حرب فلسطين في 15 مايو 1948 لم تكن تزيد على 3 لواء مشاة تشمل الكتائب من رقم 1- 9.

وفي 30/ 6/ 1948 تقرر نقلي من مدرسة المشاة إلى الكتيبة 12 مشاة ثم نقلت يوم 4/ 10/ 1948 إلى الكتيبة العاشرة المشاة قيادة القائم مقام عثمان بك فهمي عبد الرءوف وفي 18- 10- 1948 تحركت الكتيبة العاشرة المشاة إلى فلسطين من معسكر هاكستب بالسكة الحديد رأساً إلى مدينة غزة وحينما نزلنا من القطار في محطة غزة الفلسطينية كان موقف القوات المصرية حرجاً للغاية ، إذ قطع اليهود خط مواصلات الجيش المصري شمال غزة بعد أن استطاعوا قوة يهودية احتلال بلدة بيت حانون يوم 16/ 10/ 1948.

وبذلك قطعت مواصلات القوات المصرية ما بين غزة والقوات الموجودة في المجدل وأسدود شمالاً على الطريق الساحلي. وكلفت قيادة حملة فلسطين الكتيبة العاشرة التي أخدم بها باحتلال موقع دفاعي حول مدينة غزة الفلسطينية.

ثم صدرت لنا الأوامر بتسليم غزة لكتيبة أخرى والتحرك جهة الشرق لاحتلال مدينة عسلوج. ثم صدرت لنا الأوامر بإخلاء العسلوج وتسليمها لقوة أخرى والتوجه إلى دير البلح على الطريق الساحلي وعين للكتيبة العاشرة المشاة التي أخدم بها قطاع للدفاع عنه كانت من ضمنه التبة 86.

ج- شاهد عيان على بسالة الإخوان المسلمين

نقض اليهود الهدنة يوم 23/ 12/ 1948 وهاجموا مرتفعاً حاكماً يقع شرق الطريق الساحلي المرصوف (طريق رفح/ تل أبيب) وهذا المرتفع يعرف بالتبة 86 في قطاع دير البلح وكان هذا التل يقع ضمن القطاع الذي تحتله الكتيبة العاشرة التي أخدم بها.

هاجم اليهود التبة 86 ليلاً فاقتحموا مواقع المشاة بالسلاح الأبيض وقتلوا الحراس وفر بعض الجنود مذعورين من هول المباغتة. وكان نجاح اليهود في احتلال التبة 86 معناه عزل حامية غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرة أخرى.

ولقد تولى الأمير ألاي محمود بك رأفت قائد قطاع دير البلح إدارة معركة استرداد التبة 86. فطلب من القائد العام فؤاد صادق إرسال قوة من الإخوان المسلمين لاسترداد التبة 86. ورغم أن قرار حل الإخوان كان قد صدر في 8/ 12/ 1948 فقد ظل الإخوان المسلمون يؤدون واجبهم المقدس في مجاهدة أعداء الله. رغم ما كانت تصلهم من أنباء مثيرة عن الإرهاب ضد إخوانهم في مصر.

وكلفت قيادة حملة فلسطين سرية من كتيبة الإخوان الثالثة والتي كانت موجودة كاحتياط للقيادة العامة في معسكر رفح باسترداد التبة 86.

وبدأت معركة استرداد التبة 86 الساعة 2 بعد ظهر يوم 24/ 12/ 1948 بإطلاق المدفعية المصرية غلالة من النيران فوق التل أتبعتها بستارة من الدخان ثم تقدمت قاذفات اللهب المركبة على حمالات مدرعة يتبعها شباب الإخوان المسلمين. ولما اقتربت قوة الإخوان من التبة 86 سكتت المدافع وانطلقت قاذفات اللهب تصب حممها على التبة وورع اليهود حين رأوا الإخوان يلقون بأنفسهم عليهم فوق الخنادق وسط اللهب ويعاركونهم بالسلاح الأبيض ورغم كثرة الضحايا من الإخوان فقد تمكنوا من استرداد التبة 86 وفتكوا بمن كان فيها من اليهود فلم ينج منهم أحد.

وطلب اللواء فؤاد صادق الإنعام بأوسمة عسكرية على الإخوان الذين استردوا التبة 86 فما طلت حكومة السعديين غير أن الرجل الشجاع أصر على رأيه مما اضطر الحكومة إلى إجابته إلى مطلبه.

وصدرت النشرة العسكرية تحمل أسماء خمسة عشر من الإخوان المسلمين المصريين ثم تتابعت النشرات العسكرية تحمل الإنعام الملكي على أبطال الإخوان المسلمين في حرب فلسطين.

ومن المضحك والمبكي في وقت واحد أن تصدر النشرات العسكرية وفيها عتراف رسمي ببطولة الإخوان المسلمين وهو اعتراف من قيادة الجيش المصري بشجاعتهم وصدق جهادهم ثم هو اعتراف بفضل قائد الدعوة الإمام حسن البنا.

في هذا الوقت بالذات كان الإخوان يقاسون مرارة الاعتقال والتعذيب ويعيشون كالمجرمين وراء الأسوار. وهكذا أباحت العقلية المتناقضة لنفسها أن تعامل طائفة من الناس على أنهم أبطال ومجرمون في آن واحد.

د- المعارك الأخيرة في النقب

قام اليهود يوم 25/ 12/ 1948 بحركة التفاف قصدوا منها عزل القوات المصرية بفلسطين عن قاعدتها الإدارية بالعريش. وكان موقف القوات المصرية في آخر ديسمبر 1948 على النحو التالي :

1- قوات الجيش المصري النظامي تحتل قطاع غزة/ رفح.

2- قيادة القوات المصرية في رفح.

3- مجموعة لواء مشاة مصري محاصر في الفالوجا.

4- مجموعة لواء مشاة مصري تحتل قطاع العسلوج والعوجة.

5- قوات الكتيبتين الأولى والثانية من متطوعي الإخوان المسلمين تحتل قطاع (بيت لحم - الخليل - صور باهر) وقد عزلت هذه القوات بعد حصار الفالوجا عن القيادة العامة المصرية لحملة فلسطين في رفح.

6- الكتيبة الثالثة من متطوعي الإخوان المسلمين في معسكر رفح كاحتياط تحت يد القائم العام لحملة فلسطين.

وفي يوم 25/ 12/ 1948 اكتسح اليهود القوات المصرية الموجودة في عسلوج والعوجة ثم دخلوا سيناء واحتلوا أبو عجيلة فوجدوها خالية وواصل اليهود تقدمهم في اتجاه العريش واشتبكوا مع طلائع الجيش المصري في مرتفعات بيرلحفن.

وفي الوقت نفسه تعرضت رفح لهجوم شديد واحتل اليهود تبة الأسرى المواجهة لرفح. ولقد أبدى الضباط المصريون من مختلف الرتب كثيراً من الجرأة واستبسلوا في الدفاع عن مواقعهم ووقف اليهود على أبواب رفح والعريش ولم يستطيعوا اقتحام مواقع الجيش المصري واضطروا إلى التراجع بعد أن كبدهم المصريون خسائر فادحة وقام الطيران المصري بضرب فلول القوات اليهودية المنسحبة حتى أخرجوهم تماماً من صحراء سيناء.

وانتهت حرب فلسطين باتفاق رودس سنة 1949 وكان من شروط الاتفاق سحب الجيش المصري كله من فلسطين ويكتفي بلواء مشاة فقط في قطاع غزة/ رفح.

وقد وقع اختيار قيادة الجيش المصري على اللواء الرابع المشاة الذي كنت أخدم فيه للبقاء في فلسطين بقطاع غزة/ رفح وتم سحب قوات الفالوجا وباقي قوات الجيش المصري إلى سيناء ومنطقة القنال ووادي النيل. وطلبت القيادة المصرية من الإخوان المسلمين برفح تسليم أسلحتهم ومعدات الحرب تمهيداً لترحيلهم لمصر.

وسلم الإخوان أسلحتهم بلا مناقشة وبدون أي اعتراض وبعد انتهاء تسليم الأسلحة تم نقل الإخوان إلى عنبر كبير جداً في رفح كان من عنابر الجيش البريطاني قبل جلاء الإنجليز عن رفح. وقيل للإخوان إنهم سيبيتون في هذا العنبر ليلة واحدة ليركبوا القطار في الصباح إلى القاهرة.

هـ- تعييني قائداً لمعتقل رفح

وقع اختيار قيادة حملة فلسطين علي للإشراف على معتقل الإخوان المسلمين برفح... وطلب مني اللواء فؤاد صادق حسن معاملة هؤلاء المعتقلين قائلاً : لقد شارك هؤلاء الشباب من الإخوان المسلمين الجيش المصري في الجهاد ورووا بدماء شهدائهم أرض فلسطين وكانوا جنوداً أبطالا أدوا واجبهم كأحسن ما يكون الأداء.

فلا أقل من أن تجيب لهم كل طلباتهم المعقولة ولا تشعرهم بالندم على ما قدموه من تضحيات من أجل بلادهم فقلت له : سأبذل جهدي وانصرفت وقلت لنفسي : أهكذا جزاء المجاهدين الصادقين في هذا البلد؟ لا حول ولا قوة إلا بالله.. وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.

فوجئ الإخوان صباح اليوم التالي فوجدوا العنبر محاطاً بقوات مسلحة من الجيش المصري ورأيت أن أخطرهم بالحقيقة فقلت لزعمائهم إن الحكومة المصرية قد أصدرت تعليماتها لقيادة الجيش المصري بفلسطين باعتقال الإخوان المجاهدين فترة من الزمن حتى تهدأ الأحوال في مصر. وقلت لهم إنهم سيلقون معاملة كريمة جزاء ما قدموه من تضحيات لأمتهم وإن جميع طلباتهم المعقولة مجابة وأرجو ألا تتسببوا في إحراجي لأني أنفذ الأوامر الصادرة إلى من رؤسائي.

وجاء اللواء فؤاد صادق في اليوم التالي فقال إن الحكومة المصرية طالبته مراراً باعتقال الإخوان المسلمين المقاتلين وكان يراوغ بحجة احتياجه لهم في القتال الدائر على أرض فلسطين. فلما انتهت الحرب اضطر لتنفيذ أوامر الحكومة. وأصدر أمراً لي أمام الإخوان بتلبية جميع طلباتهم المعقولة وقال الرجل علناً أمام الإخوان « إن الجيش المصري لن يستطيع أن يفي هؤلاء الإخوان حقهم من الإكرام وليس في وسعه إلا أن يواسيهم في محنتهم كما وقفوا معه واستبسلوا في معاونته.

ظل الإخوان في المعتقل شهرين ثم انضم إليهم إخوان صور باهر بقيادة اليوزباشي احتياط محمود عبده ثم انضم إليهم إخوان بيت لحم والخليل. ومضت حياة المعتقلين هادئة قطعها الإخوان في العبادة وطلب العلم.

حوادث مؤسفة بمصر

بعد 20 يوماً من صدور قرار حل الإخوان المسلمين اغتال شاب من الإخوان المسلمين محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء (الذي أصدر قرار الحل).

وتم الاغتيال داخل مبنى وزارة الداخلية وكان اغتياله يوم 28/ 12/ 1948.

وبعد 44 يوماً من قتل النقراشي اغتيل الشيخ حسن البنا يوم 12/ 2/ 1949 في الساعة 8 مساء أمام مبنى جمعية الشبان المسلمين.

وكان قتل حسن البنا بتدبير من الملك فاروق ورئيس وزرائه وكان قتل حسن البنا للأسباب الآتية :

1- انتقام حرب السعديين من الإخوان المسلمين لمقتل النقراشي.

2- تخلص الملك فاروق من زعامة شعبية قوية قادرة على اتخاذ قرارات إيجابية وتنفيذها.

لقد كان للجيش المصري 12 كتيبة مشاة تقاتل في فلسطين عام 1948 وكان لحسن البنا 3 كتائب مشاة من متطوعي الإخوان المسلمين تقاتل مع الجيش المصري بفلسطين.

والملك فاروق هو القائد الأعلى للجيش المصري وهو الذي أصدر القرار للجيش المصري بدخول فلسطين سنة 1948 وكانت حكومة فاروق هي التي تسلح وتدرب كتائب الإخوان وقادةكتائب الإخوان ضباط من جيش مصر العامل.. ولو ترك حسن البنا على حريته لدفع إلى فلسطين بعشرات من الكتائب الإخوانية ولتغيرت نتيجة حرب فلسطين لا محالة.

وخشي الملك فاروق أن يطمع حسن البنا في حكم مصر وبخاصة بعد أن ظهرت بسالة وفدائية متطوعي الإخوان في الحرب فقرر التخلص من الشيخ حسن البنا بقتله غلية.

وساهمت اليهودية العالمية من وراء ستار في اغتيال حسن البنا بأن أوحت إلى الإنجليز الذين أوحوا بدورهم لفاروق وحذروه من خطر حسن البنا على عرشه.

وكانت قوة التنفيذ مستعدة. لقد اغتيل النقراشي وسط وزارة الداخلية حيث توجد قلعة البوليس السياسي.

وكان الإخوان قد وجهوا عدة ضربات مركزة إلى البوليس السياسي الذي أنشأه الإمام حسن البنا والمحتل الإنجليزي والقضية المصرية|الإنجليز]] للتجسس على المصريين ومعاونتهم على قهر الحركة الوطنية المصرية.

وكانت هذه الضربات قد بدأت منذ عام 1946 بعمليات حربية على شكل حرب عصابات ضد قوات الاحتلال البريطاني والتي كان يوجهها التنظيم الفدائي السري للإخوان بقيادة عبد الرحمن السندي وبتوجيه وتدريب من عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر وكاتب هذه السطور.

وفي 4 ديسمبر سنة 1948 اغتيل اللواء سليم زكي حكمدار بوليس القاهرة ورئيس البوليس السياسي.

وقد أسدل على جريمة اغتيال حسن البنا ستار من الصمت حتى قامت ثورة يوليو 1952.

ففي 27 يوليو 1952 أعيد فتح ملف قضية مقتل حسن البنا وجاء وكيل النيابة إلى معتقل الكلية الحربية وأذكر اسمه (سري) وبدأ التحقيق بحضوري مع المهتمين الذين أودعوا معتقل الكلية الحربية عقب نجاح الثورة مباشرة وقدم المتهمون في مقتل حسن البنا للمحاكمة في أغطس 1954 وقد حكم على المخبر أحمد حسين جاد بالأشغال الشاقة المؤبدة وحكم بـ 15 سنة أشغال شاقة على كل من الأميرالاي محمود عبد المجيد والسائق محمد محفوظ وسنة مع الشغل للبكباشي محمد الجزار من قوة البوليس السياسي في عهد الملك فاروق.

وعقب محاولة اعتداء الإخوان على جمال عبد الناصر سنة 1954 أفرج جمال عبد الناصر عن قتلة حسن البنا نكاية في الإخوان.

الفصل الثالث: ثورة 23 يوليو 1952

تسمية التنظيم السري للضباط بجماعة الضباط الأحرار

انتهت حرب فلسطين 1948 بهزيمة العرب لأسباب يرجع معظمها إلى أن حكام العرب في ذلك الوقت لم يكونوا على مستوى المسئولية في هذه الظروف التاريخية.

وعاد الجيش المصري إلى مصر بعد توقيع الهدنة في رودس في نهاية شهر مارس 1949.

وكان نصيبي أن أبقى بفلسطين ضمن اللواء الرابع المشاة الذي أراد له القدر أن يبقى في فلسطين بمنطقة غزة/ رفح بعد سحب الجيش المصري إلى مصر.

وأذكر جيداً إبان فترة خدمتي بفلسطين بعد الهدنة أني كنت أمكث هناك عشرين يوماً بفلسطين وأنزل أجازة لمدة عشرة أيام في القاهرة وذلك خلال كل شهر ميلادي.

وفي أول أجازة نزلتها إلى القاهرة بعد الهدنة سنة 1949 ذهبت لمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف فلم أجده وأخبرني أهله أنه يخدم بمنطقةقنال السويس.

فذهبت لمقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة فقص علي ما لاقاه في الفالوجا أثناء الحصار وكيف جرح أثناء إحدى المعارك.

ثم ذكر لي ما دار بينه وبين إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر وقتئذ وكيف واجه إبراهيم عبد الهادي جمال عبد الناصر بأن لدي حكومة مصر معلومات مؤكدة تفيد بأن جمال عبد الناصر ومعه جماعة من الضباط كانوا يقومون بتدريب شباب الإخوان المسلمين سراً على استعمال الأسلحة في الصحراء القريبة من القاهرة وذلك قبل حرب فلسطين.

وقد أنكر جمال عبد الناصر ذلك الاتهام (وإن كان حقاً) وقال لإبراهيم عبد الهادي إن معلوماتكم غير صحيحة. فأصر إبراهيم عبد الهادي على أن معلومات الحكومة المصرية صحيحة والتفت إلى الفريق عثمان المهدي رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري وقتئذ والذي كان يصحب جمال عبد الناصر عند مقابلته لإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء. قائلاً :

لولا بطولة هؤلاء الضباط في حرب فلسطين لكان لي اليوم معه شأن آخر.

ونصح إبراهيم عبد الهادي جمال عبد الناصر بالابتعاد عن الإخوان المسلمين وأبدى لي جمال أسفه لما حل بجماعة الإخوان المسلمين من بطش على يد الملك فاروق ورئيس وزرائه إبراهيم عبد الهادي وترحم جمال عبد الناصر على الشيخ حسن البنا وقال : إنه كان يذكرني بصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبقيام حرب فلسطين سنة 1948 توقف نشاط التنظيم السري للضباط واستشهد عدد منهم في الحرب.

وظل كاتب هذه السطور في فلسطين بعد وقف القتال حتى نقل مدرساً بالكلية الحربية في 19/ 11/ 1950.

وقد فاتحني جمال عبد الناصر في أوائل عام 1950 في إعادة تكوين التنظيم السري للضباط وذكر لي أنه سيتكون من عناصر التنظيم السري السابق للإخوان المسلمين في القوات المسلحة ومن عناصر أخرى من الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وسيحاول أن يضم عناصر أخرى من غير المتدينين بشرط أن تتوفر في الضابط بصفة الشجاعة وكتمان السر.

وقال ليجمال عبد الناصر : إنه بموت حسن البنا ومحمود لبيب انقطعت صلة الإخوان المسلمين بالتنظيم السري لضباط الجيش الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943. وإنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة بعبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني لشباب الإخوان وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين جمال عبد الناصر وإبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بشأن قيام عبد الناصر وبعض رفاقه من الضباط بتدريب شباب الإخوان المسلمين على استعمال الأسلحة قبل حرف فلسطين.

وقال إن تسرب هذه الأنباء للحكومة ربما كان بسبب تعرض بعض شباب الإخوان المسلمين المعتقلين في عهد إبراهيم عبد الهادي للتعذيب في السجون بواسطة رجال البوليس السياسي.

فوافقته على عدم الاتصال بعبد الرحمن السندي ضماناً لأمن تنظيم الضباط. ولكني تناقشت مع جمال عبد الناصر في الشروط الواجب توافرها في الضباط الذين سنضمهم للتشكيل الجديد وقلت له إننا كنا نراعي فيمن نضمهم لتنظيم الضباط الإخوان في الجيش أن يكونوا من ذوي الأخلاق الحميدة والضمائر الحية فضلاً عن صفة الشجاعة وكتمان السر.

وأن من لا يخشى الله لا يستبعد عليه ارتكاب أي جريمة وبخاصة لو نجحت الثورة وأصبح في يده سلطة.

فأجاب جمال عبد الناصر بأن الحالة السياسية في مصر خطيرة جداً والإصرار على توفر صفة التدين في الضباط تزمت لا داعي له لأن أغلبية ضباط الجيش في ذلك الوقت لا تتوفر فيهم صفة التدين.. وبالتالي سيتأخر تنفيذ الثورة وربما قد لا نستطيع القيام بها إلا بعد وقت طويل جداً وطول الوقت قد يؤدي إلى كشف الحركة والقائمين عليها فتموت الثورة قبل أن تقوم.

فقلت لجمال عبد الناصر إننا انضممنا للإخوان على أساس مبادئهم التي اقتنعنا بها وهي أن يكون الحكم بكتاب الله تعالى وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

فقال اطمئن من هذه الناحية فما دام زمام الأمور سيكون في يدنا فسوف نحكم بالقرآن إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في مصر.

وقال جمال عبد الناصر إنه اتفق مع محمود لبيب على أن يكون اسم التنظيم الجديد الضباط الأحرار حتى نبعد الشبهة عن الإخوان المسلمين وكان ذلك قبل وفاة محمود لبيب وقال عبد الناصر.. إن التنظيم الجديد لم يتم على أساس المعرفة والصداقة كالتنظيم السابق الذي بدأه محمود لبيب سنة 1943 فتلك كانت مرحلة تحضيرية لا بد منها.

أما التنظيم الجديد فيتمشى طبقاً لتنظيم الجيش فسنحاول أن نوجد لنا في كل كتيبة أو وحدة من وحدات الجيش خلية من الضباط الأحرار حتى يمكن السيطرة على الجيش بعد قيام الثورة.

ولما كنت قد نقلت للكلية الحربية في 19/ 11/ 1950 فقد انتظمت بناء على تعليمات من جمال عبد الناصر في تشكيل الضباط الأحرار في الكلية الحربية. وكان يقوم بالتدريس معي بالكلية الحربية في هذه الفترة مجموعة من الضباط.

وقد أخبرني جمال عبد الناصر بأسماء الضباط الأحرار الموجودين في الكلية الحربية الذين نجح جمال عبد الناصر في ضمهم لتنظيم الضباط الأحرار.

وهم : زكريا محيي الدين وعبد الحليم عبد العال يوسف ومحمد حمدي عاشور ومحمد أحمد البلتاجي وكمال الدين الحناوي.

وكان البكباشي زكريا محيي الدين قائداً للسرية الثانية لطلبة الكلية الحربية وكنت أخدم معه بهذه السرية برتبة الصاغ وكان زكريا محيي الدين هو المسئول عن الضباط الأحرار في الكلية الحربية بحكم أنه أقدم الضباط الأحرار في الكلية الحربية.

وكان زكريا محيي الدين يتميز بهدوء الأعصاب وندوة الكلام والكتمان الشديد. وشكلت قيادة الضباط الأحرار من نفس القيادة السابقة للتشكيل الذي بدأه عبد المنعم عبد الرءوف مع محمود لبيب سنة 1944.

فكان عبد المنعم عبد الرؤوف وجمال عبد الناصر عن سلاح المشاة وكمال الدين حسين عن سلاح المدفعية وخالد محي الدين عن سلاح المدرعات وأنور السادات بعد عودته للجيش عن سلاح الإشارة.

وحدث بعد ذلك خلاف في الرأي بين جمال عبد الناصر وعبد المنعم عبد الرؤوف بخصوص تبعية هذا التنظيم السري للإخوان المسلمين كالتنظيم السابق الذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف سنة 1943 مع المرحوم محمود لبيب ورفض جمال عبد الناصر تبعية التنظيم للإخوان المسلمين ووافق باقي الضباط على رأي جمال عبد الناصر فانسحب عبد المنعم عبد الرؤوف من قيادة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر عن سلاح المشاة وبقي عبد المنعم عبد الرؤوف جندياً من جنود الثورة فعندما نشبت الثورة في 23/ 7/ 1952 اشترك عبد المنعم عبد الرؤوف فيها وحاصر قصر رأس التين بالإسكندرية وأجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش.

تنفيذالثورة 23 يوليو 1952

تأزمت الأمور في يوليو 1952 وشرع الملك فاروق في إعداد العدة للبطش بالضباط الأحرار. فقرر الضباط الأحرار التعجيل بثورتهم قبل أن يبطش بهم الملك.

ففي يوم 20/ 7/ 1952 أخطرني الصاغ عبد الحليم عبد العال (أحد الضباط الأحرار بالكلية الحربية التي كنت أخدم فيها مدرساً في ذلك الوقت) أن الضباط الأحرار عازمون على القيام بحركتهم خلال الأيام القليلة القادمة.

فأسرعت إلى مقابلة جمال عبد الناصر في منزله بكوبري القبة وسألته عن حقيقة هذا الموضوع.. فأكد جمال عبد الناصر لي صحة الخبر وقال : إن الكلية الحربية ستكون معتقلا.

وفي صباح يوم 21 يوليو 1952 كنت أقوم بتصحيح أوراق الامتحان لطلبة الكلية الحربية بمكتبي بالكلية وجاءني عبد الحليم عبد العال وقال لا تغادر الكلية اليوم لأن التنفيذ سيكون الليلة. وعند حوالي الساعة 2 بعد ظهر يوم 21يوليو 1952 أخبرني عبد الحليم عبد العال أن الأوامر جاءت من قيادة الحركة بأن نذهب إلى بيوتنا لكيلا نلفت النظر وعلينا ألا نغادر بيوتنا حتى يمر علينا مندوب القيادة لإبلاغنا بتفاصيل العمل المطلوب من كل واحد منا.

فخرجت من الكلية ومررت على جمال عبد الناصر بمنزله بكوبري القبة فأخبرته بما دار بين عبد الحليم عبد العال وبيني وسألته عن الخطة العامة للثورة فقال : إن الخطة العامة وضعت على أساس فرض سيطرة الضباط الأحرار على القوات المسلحة في مدينة القاهرة واعتقال الضباط الموالين للملك فاروق ثم بعد ذلك يسهل تنفيذ أهداف الحركة خطوة وراء أخرى.

وقال جمال عبد الناصر : إن بعض كتائب المشاة والمدرعات والمدفعية ستقوم باحتلال الأغراض المحددة لها وإن اللواء أركان حرب محمد نجيب قبل قيادة الثورة وأن المطلوب من الضباط الأحرار في الكلية الحربية أن يتواجدوا في الكلية لتجهيز المعتقل الذي سيودع فيه المعتقلون في مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية. وكان مبنى السرية الرابعة بالكلية الحربية عبارة عن مبنى السجن الحربي القديم للجيش المصري وكان به 171 زنزانة تصلح كل زنزانه بأن يوضع بها شخص أو أكثر وكانت الكلية الحربية حينما استلمت هذا المبنى من السجن الحربي القديم نزعت الحديد من الشبابيك ووضعت بدلاً منها شبابيك من الزجاج والخشب وحولته إلى عنبر لنوم طلبة السرية الرابعة لكل طالب حجرة منفصلة ينام ويذاكر دروسه فيها.

وفي شهر يوليو 52 كانت الدراسة قد انتهت في الكلية والطلبة في أجازة الصيف. ولما سألت جمال عبد الناصر عمن وضع خطة العمليات للثورة أجابني « إنه وزميله عبد الحكيم عامر وزكريا محيي الدين قد وضعوا خطة الانقلاب » وعرضت الخطة على لجنة قيادة الضباط الأحرار فأقرتها.

ذهبت لمنزلي في سراي القبة وبقيت فيه حتى التاسعة مساء يوم 21/ 7/ 1952 فحضر عبد الحليم عبد العال وكمال رفعت وقالا لي لقد تأجلت العملية إلى الليلة التالية لإتمام بعض الاستعدادات.

الامتحان ، فقال عبد الحليم عبد العال لا تغادر منزلك اليوم بعد الظهر حتى يحضر لك مندوب بالتعليمات النهائية.

وفي الساعة التاسعة مساء يوم 22/ 7/ 1952 حضر لمنزلي كمال رفعت وحمدي عاشور والقويسني فقالوا أنزل معنا وأسرعت زوجتي لعمل التحية الواجبة للضيوف فقلت لها لا داعي لأني سأنزل معهم فوراً لأن هناك حالة طوارئ في البلاد وسأبيت الليلة بالثكنات بالكلية الحربية ولا تقلقي إذا تأخرت بضعة أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي أيام. فاضطربت وكانت لا تدري شيئاً عما أنا مقدم عليه ولكنها أمسكت بيدي وقالت « بسم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد » فتلوت عليها الآية الكريمة وخرجت من منزلي مع زملائي كمال رفعت وحمدي عاشور والقويسني وتركنا كمال رفعت قائلاً إلى ذاهب لتنفيذ واجبات أخرى.

وعندما وصلت أنا وحمدي عاشور والقويسني إلى المستشفى العسكري العام بكوبري القبة ، قال اليوزباشي القويسني «يا جماعة أنا غير مقتنع بالعمل ده واسمحوا لي أن أروح » فقال لي حمدي عشور « إيه رأيك يا حسين في كلام القويسني » فقلت « يا قويسني روح أحسن ما دامت هذه رغبتك » فاتصرف القويسني على الفور. وقلت لحمدي عاشور لا فائدة من وجود شخص متردد معنا ليس لديه إرادة العمل لأن ضرره سيكون أكثر من نفعه وعلينا أن نتوكل على الله ، فقد اتفقنا مع رجال ولابد أن نكون رجالاً.

فذهبت أنا وحمدي عاشور للكلية الحربية وصعدنا إلى ميس الضباط فوجدنا الضباط المنوب ليلاً في الكلية الحربية وهو اليوزباشي المهندس شاهين نائماً فلم نوقظه أرقب شارع الخليفة المأمون من شرفة ميس ضابط الكلية الحربية بكوبري القبة.

وحوالي الساعة عشرة ونصف مساء يوم 22/ 7 / 1952 وقفت سيارة تاكسي أمام باب الكلية الحربية ونزل منها اليوزباشي كمال الحناوي فناديته قائلاً «اطلع يا كمال» ، فطلع إلينا وظللنا ننتظر حضور أحد غيرنا من الضباط الأحرار من مدرسي الكلية الحربية مدة نصف ساعة تقريباً ، ولما لم يحضر أحد قلت لكمال الحناوي « تعال يا كمال نذهب لمبنى السرية الرابعة » فذهبت أنا وكمال الحناوي إلى مبنى السرية الرابعة ومررت على الحراسة الموجودة حول مبنى هذه السرية وطلبت من حكمدار الحرس مفاتيح الحجرات وأمرته بأن يضع في كل حجرة مفتاحها من الخارج وبعد التأكد من إتمام هذه العملية أمرته بفتح حجرة حجرة وقفلت الشيش ثم دقيت مسامير طول المسمار الواحد حوالي 10 سم في الشيش من الداخل ومن الخارج ليتعذر فتحه وكنت أحضرت معي كمية من المسامير وشاكوش لهذا الغرض ثم قفلنا الحجرات وتركنا مفتاح كل حجرة فيها من الخارج. وبعد التأكد من إتمام هذه العملية ذهبت مع كمال الحناوي إلى ميس الضباط ونظرت مرة ثانية إلى شارع الخليفة المأمون.

وحوالي الساعة 11.30 قبل منتصف الليل سمعنا صوت لواري وقفت أمام المستشفى العسكري بكوبري القبة ونزل منها جنود مشاة وسمعت أوامر تصدر لهؤلاء الجنود بالفتح والانتشار لاتخاذ تشكيل الاقتحام. وسمعت أمراً آخر بتركيب السونكيات في البنادق ثم سمعت أمراً آخر بالاقتحام. فتعالت أصوات طلقات الرصاص فاضطربت اضطراباً شديداً وتوقعت فشل الثورة.

إذ إن الموعد المحدد لبدء الثورة هو الدقيقة الأولى من صباح يوم 23 - 7 - الثورة.

وتصورت أن الحركة علم بسرها المسئولون فأسرعوا وأحضروا قوات موالية للملك للسيطرة على الموقف. ولكن هدأ من روعي خاطر قفز لذهني بسرعة وهو « إذا كانت هذه هي قوات مواليه للملك فما الداعي لأن تقتحم رئاسة الجيش وكان الطبيعي أن تعزز الحراسة حولها بهدوء لا أن تقتحمها. فاطمأن خاطري وأيقنت في الحال أن هذه هي قوات من قوات الثورة حركتها قيادة الثورة قبل موعد العملية لأمر طرأ في آخر لحظة لا أعلمه الآن.

ومع أصوات الرصاص سمعنا صوتاً عالياً ينادي « حرس سلاح » وكان هذا الصوت صادراً من الحارس أسفل الشرفة حيث « حرس البوابة الرئيسية للكلية الحربية ». فأسرعت أنا وحمدي عاشور وكمال الحناوي بالنزول سريعاً إلى مقر حرس البوابة الرئيسية للكلية وأمرنا الحرس بعدم القيام بأي تصرف إلا بأوامر من الصاغ حمدي عاشور وكان أقدمنا وفتحنا الباب الرئيسي للكلية الحربية في انتظار المعتقلين. وفي هذه الأثناء استيقظ الضابط النوبتجي اليوزباشي المهندس شاهين على صوت الرصاص ونزل بسرعة إلى باب الكلية الرئيسي فوجدنا فقال ما الخبر؟ فقلت له هناك حالة طوارئ والصاغ حمدي عاشور - وكان أقدمنا - وهو المسئول عن الكلية الحربية الآن.

فوقف الضابط التوبتجي لا يدري ما يدور حوله. وما هي إلا لحظات حتى حضر إلى باب الكلية أول فوج من الأسرى كان من بينهم الفريق حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش وقت قيام الثورة واللواء الشعراوي قائد سلاح الطيران واللواء زكي أرناءوط قائد سلاح المهمات وعدد كبير من كبار ضباط الجيش المصري من رتبتي اللواء والأمير آلاي كانوا مجتمعين برئاسة الجيش بكوبري القبة والتي تقع في مواجهة الكلية الحربية.

وكان الغرض من اجتماع كبار قادة الجيش وضع خطة لقمع حركة الضباط الأحرار بعد أن تسربت أسرار الحركة إليهم فداهمتهم قوات الثورة وهم مجتمعون وألقت القبض عليهم وأرسلتهم تحت الحراسة إلى المعتقل بالكلية الحربية.

وكان الحارس عليهم الصاغ عبد الحكيم عامر والصاغ عبد الحليم عبد العال يوسف.

فاستقبلت طابور الأسرى من كبار ضباط القوات المسلحة وأوصلتهم إلى مبنى السرية الرابعة حيث وضعت كل واحد منهم في حجرة وقفلنا الباب من الخارج وضوعفت الحراسة حول المعتقل بقوات من احتياطي الخدمات بالكلية الحربية.

وظلت الكلية الحربية طوال ليلة 22-23/7/1952 تستقبل المتعقلين من الضباط ونحن كخلية النحل لم نهدأ حتى الصباح.

وفي صباح يوم 23/7/1952 استمع شعب مصر إلى البيان الأول للثورة أذاعه البكباشي محمد أنور السادات.

وعلمت بعد ذلك من سعد حسن توفيق ومن يوسف منصور صديق تفاصيل أخرى أرى من الواجب إثباتها في هذا الكتاب حفظا لحقائق التاريخ من أن يطويها الأجل المحتوم.

والمرحوم سعد حسن توفيق كان من طليعة الضباط الأحرار ومن أعضاء الخلية الرئيسية التي تكونت سنة 1943 بواسطة عبد المنعم عبد الرؤوف وكاتب هذه السطور وجمال عبد الناصر وكمال الدين حسين وخالد محيى الدين وصلاح خليفة والمرحوم الصاغ محمود لبيب.

وقد اقترن كاتب هذه السطور بشقيقته عام 47 وتوفى المرحوم سعد حسن توفيق لرحمة مولاه عام 1962.

وقد حدثني المرحوم سعد حسن توفيق قائلاً : إنه كان نوبتجيا بإدارة المخابرات الحربية التي كان يعمل بها يوم 22/ 7/ 1952 فشاهد الفريق حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش يحضر ليلا حوالي الساعة 9.30 مساء وبدأ يستدعى قادة الجيش والطيران لعقد مؤتمر برئاسة الجيش بكوبري القبة.

وكان إدارة المخابرات الحربية بالدور الأرضي من مبنى رئاسة الجيش فترك سعد حسن توفيق رئاسة الجيش حوالي الساعة 10 مساء يوم 22/7/52 وتوجه إلى منزلجمال عبد الناصر حسين بكوبري القبة وأبلغه أن خطة الثورة قد اكتشفتها رئاسة الجيش وأن حسين فريد رئيس الأركان قد دعا قواد الأسلحة والوحدات إلى مؤتمر عاجل في مبنى الرئاسة ومعنى ذلك أن الثورة عرضة للفشل وطلب سعد حسن توفيق من جمال عبد الناصر أن يتصرف بسرعة على ضوء هذه المعلومات باعتباره المسئول عن خطة الثورة .

فأسرع جمال عبد الناصر إلى منزل عبد الحكيم عامر واتجها جهة ألماظه لعلهما يستطيعان إحضار بعض القوات لاعتقال المجتمعين في رئاسة الجيش.

ومن جهة أخرى أن القائمقام يوسف منصور صديق مكلفاً في الخطة بالتحرك بقواته ليشكل احتياطاً للقيادة الثورية.

وذهب يوسف صديق ومعه ضباطه الأحرار إلى هاكستب فوجد هناك عقبة خطيرة إذ اعترضه ضابط عظيم محطة هاكستب البكباشي أحمد المعتز بالله الكامل الذي اتصل باللواء مكي قائد الفرقة الذي أفاد بعدم إجراء أي تحرك حتى يحضر.

فقرر يوسف صديق التحرك بقواته قبل الميعاد المحدد لقيام الثورة وقبل وصول اللواء مكي قائد الفرقة حتى لا تفسد الخطة ويتعذر عليه التحرك بقواته.

فألقى يوسف منصور صديق القبض على ضباط عظيم محطة هاكستب البكباشي المعتز بالله الكامل وأمر ضباطه الأحرار بالخروج بالقوة التي كانت تحت أيديهم قبل الميعاد فخرجوا ووجدوا في الطريق اللواء مكي قائد الفرقة فاعتقلوه وعند الميدان بالقرب من مطار ألماظه أسرت طلائع قوات يوسف منصورصديق جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وكانا يحومان حول هذه القوة وكان ضباط يوسف صديق الأحرار لا يعرفون جمال عبد الناصر ولا عبد الحكيم عامر.

فلما حضر يوسف صديق أفرج عنهما فوراً. وأخبر جمال عبد الناصر يوسف منصور صديق بالموقف وكلفه بالتوجه بالقوة التي معه إلى رئاسة الجيش للقبض على حسين فريد رئيس الأركان ومن معه من قادة الجيش.

فقام يوسف منصور صديق بهذا الواجب على أتم وجه وكان له الفضل الأكبر هو والمرحوم سعد حسن توفيق واللواء محمد نجيب في نجاح ثورة 23/7/1952 وكل شيء تم بإرادة الله فهو الميسر لما حدث.

وعرفت سر انكشاف الحركة قبل ساعات قليلة من تنفيذها من أحد كبار ضباط الطيران والذي اعتقل بعد قيام الثورة في معتقل الكلية الحربية الذي كنت مسئولا عنه فقد عرف الملك فاروق السر عن طريق هذا الضابط الكبير. ذلك أن لهذا الضابط الكبير شقيقا برتبة ملازم كان من الضباط الأحرار وذهب لمنزله ليرتدى ملابسه العسكرية ليلا فسألته أمه عن وجهته فقال لها إني ذاهب لهدم قصر عابدين فوق رأس الملك. فصرخت والدته وخافت على ابنها واستدعت شقيقه الأكبر تليفونيا والذي حضر مسرعاً ولم يستطع الشقيق الأصغر أن يصمد أمام ضغط شقيقه الأكبر فعدل عن الاشتراك في الثورة واعترف لشقيقه الأكبر بتفاصيل المؤامرة.

فأسرع الشقيق الأكبر وكان ضابطاً بسلاح الطيران برتبة قائمقام (عقيد) واذكر من اسمه «صالح».. أسرع إلى قصر القبة حيث اتصل بالياور المنوب ليلا بقصر رأس التين بالإسكندرية وأطلعه على السر الرهيب فاتصل الملك فاروق بمحمد حيدر وزير الحربية الذي اتصل بالفريق حسين فريد وطلب منه القضاء على الثورة في مهدها كما اتصل الملك فاروق بوزير الداخلية الذي اتصل بدوره باللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة.

وقد قام أحمد طلعت بتدعيم الحراسة حول قصر عابدين. وتمكنت قوات الثورة من اعتقال كبار ضباط البوليس ومنهم أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة ومحمد إمام إبراهيم رئيس البوليس السياسي وجميع ضباط البوليس السياسي.

وفي صباح 27/7/1952 بعد أن وزعنا على المعتقلين من كبار ضباط الجيش والبوليس جرائد الصباح التي تفيد مغادرة الملك فاروق لأرض مصر بعد نزوله عن العرش. طلب منى اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة (وكان بين المعتقلين في الكلية الحربية منذ 24/7/1952) الاتصال بالمسئولين عن الثورة لأن لديه وثائق في خزانة مكتبه يود تسليمها لرجال الثورة لأنها ستنفعهم في حكم البلد على حد قوله ونصحني أن أبلغهم بتشديد الحراسة على إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر في عهد الإرهاب الملكي خشيه أن ينتهز الإخوان المسلمون فرصة الثورة ويقتلوه مما يسيء إلى الثورة وهي مازالت بعد لم تتمكن من تثبيت أقدامها.

فذهبت للقيادة العامة وقابلت جمال عبد الناصر وأخبرته بما دار بيني وبين اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة فقال جمال عبد الناصر : اطمئن جداً من ناحية الإخوان المسلمين فأنا (أي جمال عبد الناصر) متصل بحسن الهضيبي وأخذت موافقته قبل قيام الثورة وأنا متفاهم مع الإخوان المسلمين على كل شيء ولا خوف على حياةإبراهيم عبد الهادي من انتقام الإخوان المسلمين.

والإخوان يتعاونون معنا الآن ويقومون بحراسة مرافق البلاد الحيوية والسفارات الأجنبية ولهم عناصر مسلحة على طريق القاهرة السويس وطريق الإسماعيلية القاهرة وفي منطقة قنال السويس لمراقبة تحركات القوات البريطانية أولاً بأول وإبلاغنا بأي شيء يرونه.

وبالنسبة للوثائق اذهب بنفسك مع اللواء أحمد طلعت بالحراسة اللازمة على حكمدارية بوليس القاهرة وأحضر الأوراق وأعده للمعتقل.

فذهبت لمعتقل الكلية الحربية وأخذت اللواء أحمد طلعت ومعي حراسة كافية مكونة من ضباط وعشرة من ضباط الصف والعساكر مسلحين بالمدافع الرشاشة.

وتوجهت لحكمدارية بوليس العاصمة ومعي اللواء أحمد طلعت الذي صعد إلى مكتبه وجلس وفتح المكتب وأخرج ما فيه من دوسيهات وأوراق ثم فتح خزانه حديدية وأخرج ما فيها من أوراق ودوسيهات وقد حزمنا كل هذه الأوراق على هيئة طرد حملتها معي وأعدت اللواء طلعت لمعتقل الكلية الحربية وسلمت طرد الأوراق الذي أحضرناه من خزانة ومكتب اللواء أحمد طلعت لجمال عبد الناصر.

أسباب نجاح حركة الجيش ليلة 23 يوليو 1952

فيما يلي أهم أسباب نجاح الجيش في حركته ليلة 23يوليو 1952.

1- الدور الذي قام به سعد حسن توفيق.

2- موقف يوسف منصور صديق.

3- اللواء محمد نجيب.

4- اهتراء النظام الملكي.

5- موقف الولايات المتحدة الأمريكية.


وفيما يلي تفاصيل ذلك :-

1- الدور الذي قام به سعد حسن توفيق

كان سعد حسن توفيق يعمل ضابط نوبتجي برتبة رائد ليلة قيام الثورة في إدارة المخابرات الحربية والتي كانت موجودة بالدور الأرضي بمبني رئاسة هيئة أركان حرب الجيش المصري بكوبري القبة وهو المبني المقابل للكلية الحربية في ذلك الوقت (الكلية الفنية العسكرية حالياً).

لاحظ سعد توفيق وصول الفريق حسين فريد رئيس هيئة أو أركان حرب الجيش إلى مكتبه حوالي الساعة 9 مساء يوم 22/7/ 1952 وبدأ يستدعى قادة الجيش المصري تليفونيا للحضور لاجتماع عاجل بمبني رئاسة الجيش.. فترك سعد توفيق النوبتجية وذهب إلى منزل جمال عبد الناصر في كوبري القبة واخبره بأن الثورة انكشف أمرها وطلب من عبد الناصر سرعة التصرف وإحضار قوة من قوات الثورة على جناح السرعة للقبض على المجتمعين في رئاسة الجيش.

2- موقف يوسف منصور صديق

لما ذهب القائمقام يوسف منصور صديق لمقر وحدته في هاكستب حوالي الساعة 9 مساء يوم 22/ 7/ 52 ومعه خمسة ضباط من الضباط الأحرار استفسر منه البكباشي أحمد المعتز بالله الكامل ضابط عظيم نوبتجي محطة هاكستب العسكرية عن سبب حضوره وحضور الضباط معه. فرد يوسف صديق أن البلد في حالة طوارئ فقال أحمد المعتز.. وكيف عرفت وأنا ضابط عظيم المحطة النوبتجي ولا علم لي بشيء ورفع سماعة التليفون واتصل باللواء مكي قائد المحطة وأخبره بما قاله يوسف صديق فقال له اللواء مكي لا تفعل أي شيء وأرسل لي سيارتي وسأحضر فوراً بمجرد وصول السيارة ، فأرسل أحمد المعتز السيارة لإحضار اللواء مكي من منزله.

وهنا تصرف يوسف صديق بسرعة وألقى القبض على أحمد المعتز بالله الكامل وقيده بالحبال ورماه في حجرة ووضع عليه حرسا من الضباط الأحرار الخمسة الموجودين معه وأسرع بتجهيز قوته للخروج بها من المعسكر قبل وصول اللواء مكي وقبل الميعاد المحدد لبدء الثورة وفعلاً خرج بالقوة في الساعة 9.30 مساء يوم 22/7/ 1952 وكان الميعاد المحدد لبدء تحرك قوات الثورة هو الدقيقة الأولى من صباح يوم 23/7/ 1952 .

وتقابل يوسف صديق مع عربة اللواء مكي وهي في طريقها لمعسكر هاكستب فأوقفها وهجم يوسف صديق على اللواء مكي موجهاً إليه الرشاش القصير الذي يحمله فارتعد اللواء مكي وصاح «يوسف أنا في عرضك يا يوسف فيه أيه». فقبض يوسف على اللواء مكي ووضع عليه حراسة واصطحبه معه مقبوضا عليه.

وعند وصول القوة العسكرية التي يقودها يوسف منصور صديق ل مصر الجديدة (في المكان الذي يوجد فيه نادي ضباط القوات المسلحة بمصر الجديدة والمعروف باسم نادي الجلاء) تقابل القول الذي يقوده يوسف صديق مع جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر وكانا يرتديان الملابس المدنية وكانا يحومان حول القول فقبض عليهما.

ولما رآهما يوسف صديق أفرج عنهما وأخبر جمال عبد الناصر يوسف صديق بوجود حسين فريد رئيس أركان حرب الجيش وكبار الضباط بمبني رئاسة الجيش وطلب إليه التوجه لرئاسة الجيش والقبض على المجتمعين هناك من كبار الضباط ونفذ يوسف صديق ذلك على الفور وكان هذا الإجراء هو العامل الحاسم في نجاح الثورة .

3- اللواء محمد نجيب

لقد قام ب الثورة 99 ضابطاً من ضباط الجيش ليلة 23 يوليو 52 بينما كان بالجيش المصري في ذلك الوقت حوالي خمسة آلاف ضابط.

ومعظم الضباط الثائرين كانوا من رتب الملازم واليوزباشي والصاغ -وأعلى رتبة كانت رتبة البكباشي- واثنين من رتبة القائمقام وهما أحمد شوقي و يوسف منصور صديق . ولنجاح الثورة يلزم وجود رتبة كبيرة على رأس الثائرين.

وقد سبق أن عرض تنظيم الضباط الأحرار قيادة الثورة على الفريق عزيز المصري فاعتذر لكبر سنه وضعف صحته ثم عرضت قيادة الثورة على اللواء أحمد فؤاد صادق قائد حملة فلسطين .

وكان رد اللواء فؤاد صادق أنه سوف يقوم بعمل مثل العمل الذي قام به أحمد عرابي سنة 1881 فإذا فشلت الثورة فستكون رقبته هي الثمن.

لذلك فهو يريد أن يستوثق من إمكانية نجاح الثورة وعليه فهو يطلب أن يجتمع بجميع الضباط المشتركين فيها خلية من وراء خلية حتى يتعرف على جميع الضباط وحتى يطمئن على إمكانية النجاح.

وعندئذ رفض جمال عبد الناصر الاستمرار في المفاوضات مع اللواء فؤاد صادق لأن معنى ذلك أن يفقد عبد الناصر سيطرته على تنظيم الضباط الأحرار وبالتالي تنهار آماله التي يتطلع إليها.

ثم عرضت قيادة الثورة على اللواء محمد نجيب فقبلها بلا قيد ولا شرط.

وكان اللواء محمد نجيب يتمتع بشعبية ضخمة بين ضابط الجيش وبمجرد صدور البيان الأول للثورة باسم اللواء محمد نجيب انضم كافة ضباط الجيش للثورة وقد كان من الممكن أن تتحرك قوات أخرى موالية للملك للقضاء على الثورة ولكن زعامة وشعبية محمد نجيب حالت دون الحرب الأهلية ومكنت لنجاح حركة الجيش يوم 23 يوليو 52.

4- اهتراء النظام الملكي

فقد الملك فاروق الاعتبار وصار محلاً للسخرية والاستهزاء من كافة طوائف الشعب المصري لفساده الخلقي وانهماكه في اللهو والمجون.

5- موقف الولايات المتحدة الأمريكية

كان يوجد وقت قيام الثورة ثمانون ألف عسكري بريطاني في منطقة قنال السويس مزودين بأسلحة حديثة تفوق أسلحة الجيش المصري. وكانت بريطانيا حريصة على أن يكون تسليح جيش مصر من أسلحة أقل كفاءة من أسلحة القوات البريطانية حتى تضمن لنفسها السيطرة على مصر .

وكان على المنظمين ل ثورة يوليو 52 أن يضمنوا عدم تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق كما سبق لها أن تدخلت لحماية الخديوي توفيق وأخمدت الثورة العرابية سنة 1882 .

وكان انجلتره قد خرجت من الحرب العالمية الثانية مفلسة اقتصادياً وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية هي القوة العسكرية والاقتصادية الأولى في العالم نتيجة الحرب العالمية الثانية.

وكانت الولايات المتحدة تهدف إلى أن يحل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط محل النفوذ الإنجليزي. فحاول الأمريكان مع الملك فاروق باعتباره صاحب السلطة التشريعية في مصر لتوجيهه في الاتجاه المطلوب إلا أنهم نفضوا أيديهم منه لفساده وعدم اهتمامه بالأمور السياسية وانصرافه بكل تفكيره إلى اللهو والمجون والفسق.

فحاولوا الاتصال بالجيش عن طريق الملحق العسكري الأمريكي بالسفارة الأمريكية ب القاهرة والذي كان بحكم وظيفته على اتصال بوزارة الدفاع.

وكان الأمريكان يعرضون على مصر خدماتهم في تدريب ضباط الجيش المصري في معاهد الولايات المتحدة العسكرية وغير ذلك من التيسيرات التي يمكن أن تقدمها دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية ل مصر .

وقد حضر كاتب هذه السطور شخصيا عدة اجتماعات في منزل الملحق العسكري الأمريكي بالزمالك مع جمال عبد الناصر وكان الكلام يدور في مسائل خاصة بالتسليح والتدريب والموقف الدولي والخطر الشيوعي على العالم بعامة والشرق الأوسط بخاصة وأن الولايات المتحدة ستساند أي نهضة تقوم في مصر . لأن بقاء الحال على ما هو عليه في مصر ينذر بانتشار الشيوعية وهذه الاتصالات بالسفارة الأمريكية كانت في الفترة من عام 1950 - 1952 ميلادية.

ولم يكن يتعدى الكلام أكثر من ذلك ومما لا شك فيه أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي حالت دون تدخل القوات البريطانية لحماية الملك فاروق .

ولقد أيدت الولايات المتحدة الأمريكية الثورة فور إعلان قيامها وفتحت أبواب معاهدها العسكرية على مصراعيها لتدريب ضباط الجيش المصري بالمئات فور قيام الثورة .

ومما لا شك فيه أن عبد الناصر وهو المنظم الحقيقي لحركة الضباط الأحرار كان على صلة أكثر وثوقا بالسفارة الأمريكية.

وقد قام الملك فاروق بالاتصال بالسفير الأمريكي (كافري) من أجل حمايته وبناء عليه طلب السفير الأمريكي من رجال الثورة عدم قتل الملك وتركه يخرج من البلاد حياً وهو ما حدث فعلاً.

كلية أركان الحرب

في سبتمبر سنة 1952 أعلنت نتيجة امتحان القبول للدفعة 13 لكلية أركان الحرب (فكنت ضمن المقبولين) والتحقت طالبا بكلية أركان الحرب يوم 2/ 10/ 1952 وكان عدد المقبولين في هذه الدفعة 54 ضابطاً وكان من زملائي في الدراسة في هذه الدفعة السيدة/ حسين الشافعي نائب رئيس جمهورية مصر الأسبق. و حسن الشافعي رجل شجاع ذو أخلاق حميدة ومتدين وكان له دور رئيسي مع ثوار يوليو 1952 مع سلاح المدرعات.

وفي سبتمبر سنة 1953 تسلمت شهادة الماجستير في العلوم العسكرية بعد تخرجي من الكلية في احتفال مهيب حضره سيادة اللواء أراكن حرب محمد نجيب رئيس الجمهورية.

رحلة دراسة في الولايات المتحدة الأمريكية

بعد تخرجي من كلية أركان الحرب سافرت يوم 12/ 9/ 1953 إلى الولايات المتحدة الأمريكية في زيارة رسمية للقوات المسلحة الأمريكية بدعوة من الحكومة الأمريكية التي دعت كل ضباط الدفعة 13 خريجي كلية أركان الحرب المصرية.

سافرت على متن إحدى طائرات سلاح الطيران المصري إلى الميناء الجوي الملاحة في طرابلس ثم ركبنا طائرة من طائرات سلاح الجو الأمريكي تسع حوالي 120 راكباً نزلت في الدار البيضاء بمراكش للتزود بالوقود. ثم استمرت الطائرة في السفر إلى جزر الأوزور في المحيط الأطلسي وهي جزر برتغالية أجرتها حكومة الولايات المتحدة الأمريكية من البرتغال لمدة 99 سنة. وبتنا ليلة بجزر الأوزور ثم استأنفنا الطيران لواشنطن حيث نزلنا ضيوفا على البنتاجون مقر وزارة الحرب الأمريكية وقمنا بعدة زيارات لأسلحة الجيش الأمريكي المختلفة والمدارس العسكرية ومراكز التدريب والمصانع الحربية الأمريكية. وزرنا مقر قيادة الجيش الأمريكي الأول وإحدى الفرق المشاة وإحدى الفرق المدرعة وإحدى الفرق المشاة الميكانيكية وحضرنا عدة محاضرات بكلية الحرب العليا War college.

الحزام المحمدي THE MOHAMEDAN BELT

لفت نظري ضمن الدراسات في كلية الحرب العليا بالولايات المتحدة الأمريكية دراسة أعدتها الكلية المذكورة عن الحزام المحمدي وكان عنوانه باللغة الإنجليزية THE MOHAMEDAN BELT كشف فيه الأمريكان عن أملهم في عمل حلف إسلامي عسكري يرتبط بالولايات المتحدة الأمريكية بمعاهدة أمن متبادل لمقاومة الإلحاد والشيوعية.

عرض مستر بايرود

حضرنا حفلة في السفارة المصرية أقامها لنا السفير أحمد حسين سفير مصر في الولايات المتحدة الأمريكية وقتئذ وحضر هذا الحفل مستر هنري بايرود رئيس قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأمريكية.

وقد قال لنا السفير أحمد حسين إن مستر بايرود يحب الشراب فسأسقيه حتى أفك عقدة لسانه.

وظل السفير المصري يناول مستر بايرود كأساً وراء كأس حتى تكلم بايرود فقال : إن الولايات المتحدة يهمها أن تقيم علاقة متينة مع القاهرة لأن القاهرة من أكبر عواصم العالم نفوذا ولها تأثير روحي عظيم على العالم الإسلامي.

وأرجو أن تبلغوا المسئولين عن قيادة الثورة المصرية أن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لتسليح الجيش المصري بأحدث الأسلحة ولكن لنا شرطاً واحداً ألا وهو توقيع معاهدة للأمن المتبادل بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية.

وبعد عودتي من أمريكا في نهاية عام 1953 ذهبت إلى جمال عبد الناصر وذكرت له ما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية في كلية الحرب العليا عن الحزام المحمدي والحلف الإسلامي وما نق به مستر هنري بايرود أمام السفير أحمد حسين فكان رد عبد الناصر هو الآتي :

المشكلة الرئيسية ليست بيننا وبين الاتحاد السوفيتي ولكن المشكلة بين العام العربي وبين انجلترا وفرنسا و إسرائيل .. فانجلترا ما زالت جيوشها في مصر و السودان وشرق الأردن و العراق وعدن وفرنسا ما زالت تحتل تونس و الجزائر ومراكش واستقطعت إسرائيل أكثر من نصف فلسطين فكيف ندخل في معاهدة تحالف ضد الاتحاد السوفيتي الذي لا يجود بينه وبين العالم العربي أي مشكلة وإذا كانت الولايات المتحدة جادة فيما تدعيه من أنها راغبة في صداقة العالم العربي فعليها معاونته في تحرير أرضه من الاستعمار الفرنسي والبريطاني وحل مشكلة فلسطين بما يصون حقوق أصحابها الشرعيين وعلى هذا الأساس فإن حكومة مصر ستقاوم كافة الأحلاف التي تروج لها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط حتى ينال العرب حقوقهم كاملة.

الفصل الرابع: محنة الإخوان المسلمون سنة 1954 ، سنة 1965

لا - للحكم المطلق

بعد عودتي من الولايات المتحدة في نهاية ديسمبر سنة 1953 عينت في وظيفة أركان حرب اللواء السابع المشاة بالعباسية.

وفي يوم 14/ 1/ 1954 نشرت صحف القاهرة بياناً صادراً من مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال حسن الهضيبي مرشد الجماعة وبعض أعضاء الجماعة وأودعوا السجن الحربي.

وفي مساء يوم الجمعة 15/ 1/ 1954 كنت في ميدان الأوبرا حيث التقيت بالدكتور غراب والصاغ خليل نور الدين فجلسنا بعض الوقت في كازينو أوبرا نتجاذب أطراف الحديث.

وعند انصرافنا تقابل خليل نور الدين مع شخص يعرفه يتردي الملابس المدنية فعرفنا به وهو الصاغ أحمد سبل .

وقال له خليل نور الدين تعال معنا نوصلك في طريق عودتنا إلى منازلنا؛ فركبنا نحن الأربعة الدكتور غراب وأنا و خليل نور الدين و أحمد سبل عربة الدكتور غراب.

فعرفت من أحمد سبل أنه نجل اللواء عبد الواحد سبل ، فقلت له إني أعرف والدك وهو رجل معروف في الجيش بتدينه الشديد. وأثناء سير السيارة قال أحمد سبل : ما رأيكم في قرار مجلس الثورة بحل جماعة الإخوان المسلمين ؟ فقلت له الموضوع غريب وبخاصة اتهام مجلس الثورة الإخوان بأنهم اتصلوا بالإنجليز من خلف ظهر مجلس قيادة الثورة ، وقلت أنا سأستفسر عن هذا الموضوع من جمال عبد الناصر لأعرف تفاصيل الموضوع.

فقال أحمد سبل «الموضوع واضح ولا يحتاج إلى استفسار فمجلس الثورة يريد الاستبداد بحكم البلاد واحنا لو سكتنا فما حدش هيقدر عليهم بعد كده» ثم قال «أنا عندي 12 ضابط إخوان مسلمين في آلاي مدفعية واحد وهم ثائرون جداً لحل الإخوان وعايزين يعملوا حاجة إيجابية ، فإذا كنت يا خليل تعرف حد من ضباط الإخوان في المشاة أو المدرعات تبقى قوة كافيه هتقدر تعمل حاجة تخلص مصر من هذا الطغيان.

فقلت له لا داعي لمثل هذا الكلام ولا داعي لإثارة المشاعر وعلينا التزام الهدوء حتى تتضح الأمور لأن جو الإثارة والانفعال ليس في مصلحة البلاد. وانصرف كل منا إلى منزله.

وفي صباح 18/ 1/ 1954 اتصل بي تليفونيا في مكتبي برئاسة اللواء السابع المشاة بالعباسية الصاغ أركان حرب صلاح نصر مدير مكتب اللواء عبد الحكيم عامر قائد عام القوات المسلحة وطلب مني الحضور لمبنى القيادة العامة لمقابلة القائد العام للقوات المسلحة.

فذهبت العلماء الفور وصعدت إلى مكتبه فاستقبلني صلاح نصر وأدخلني غرفة القائد العام.

فوجدت جمال عبد الناصر جالساً على مكتب عبد الحكيم عامر ولم يكن عبد الحكيم عامر موجوداً في مكتبه.

فسألني جمال عبد الناصر عن مدى صلتي الآن ب الإخوان المسلمين فقلت له إن صلتي ب الإخوان المسلمين أنت تعرفها جيداً ولا تعدو الصلة التي كانت تربطني وتربطك بهم منذ عام 1943 حتى 15 مايو 1948 وهو تاريخ دخول الجيش المصري حرب فلسطين حيث انقطعت صلتي ب الإخوان .

واشتركت معك سنة 1950 في تنظيم الضباط الأحرار كما هو معلوم لديك جيداً. ولما نقلت مدرسا بالكلية الحربية في 19/ 11/ 1950 انتظمت في نواة الضباط الأحرار بالكلية الحربية كما اتفقت على ذلك معك واشتركت في تنفيذ الثورة ليلة 23/ 7/ 1952 بتجهيز معتقل الكلية الحربية كما هو معلوم لك.

وأنت تعلم جيداً أني لا أعرف أحداً من الإخوان المسلمين غير المرحوم حسن البنا والمرحوم محمود لبيب و عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني ل جماعة الإخوان المسلمين .

أما القيادة الجديدة للإخوان فلا أعرف حسن الهضيبي ولا أعرف أحداً من أعضاء مكتب الإرشاد ولا أي شخص في جماعة الإخوان المسلمين على الإطلاق.

ولقد قطعت صلتي ب عبد الرحمن السندي بناء على نصيحتك لي في سنة 1950 بعد أن أعلمك إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر بأنك كنت مع آخرين من الضباط تدربون الجهاز السري للإخوان المسلمين .

فقالجمال عبد الناصر : «أنا لا أسألك عن هذا ولكن أسأل عن مدى صلتك الآن ب عبد المنعم عبد الرءوف فقلت له «أنت تعلم أن عبد المنعم عبد الرؤوف هو الذي أدخلني تنظيم الإخوان العسكري وهو الذي أدخلك هذا التنظيم سنة 1943 وتعلم المجهود الذي قام به المرحوم محمود لبيب في تكون التنظيم السري لضباط القوات المسلحة في الفترة من سنة 1943 حتى 15 مايو سنة 1948 .

فقال أنا أعرف ذلك ولكني أريد أن أعرف صلتك ب عبد المنعم عبد الرؤوف بعد الثورة.

فقلت له لا يوجد أي اتصالات بيني وبين عبد المنعم عبد الرؤوف من 15 مايو سنة 1948 حتى الآن.

فبعد حرب فلسطين كان عبد المنعم عبد الرؤوف يخدم في سيناء وكنت أنت في القاهرة مدرسا بكلية أركان الحرب فاقتصر اتصالي في الفترة التي أعقبت حرب فلسطين عليك ولم أقابل عبد المنعم عبد الرءوف مطلقاً.

فقال وما صلتك ب معروف الحضري فقلت له معروف الحضري من خيرة ضباط الجيش وكان معنا في تنظيم الإخوان قبل حرب فلسطين وفي تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين واشترك في تنفيذ ثورة 23 يوليو 1952 فقال : أعرف ذلك ولكن هل هناك اتصالات بينك وبينه بعد الثورة فقلت : لا.

ثم سأل جمال عبد الناصر ما مدى صلتك بأبي المكارم عبد الحي فقلت له البكباشي أركان الحرب أبو المكارم عبد الحي من خيرة ضبا الجيش وكان زميلا لي في التدريس في الكلية الحربية وهو من الضباط الإخوان الممتازين.

  • ثم سألته ماذا تقصد من هذه الأسئلة؟ ولماذا قمت بحل الإخوان ؟ وهل ما زلت عند اتفاقك الذي عاهدنا الله عليه قبل الثورة في أن الحكم سيكون بكتاب الله عز وجل إن وفقنا الله في الاستيلاء على السلطة في الدولة.
فقال جمال عبد الناصر من جهة الحكم بالقرآن أنا أحكم به من الآن ولكن خطوة خطوة حتى يطيق الناس لأن في البلد أجانب ومسلمين فاسقين والأمر يحتاج إلى ترو وسياسية.
فقال : لأنهم عصاة.
  • فقلت له وما مظاهر عصيانهم؟
قال جمال عبد الناصر أنا طلبت من حسن الهضيبي حاجات رفضها.

فقلت له وما هي هذه الطلبات التي رفضها حسن الهضيبي ؟ فقال عبد الناصر «طلبت منهم الانضمام لهيئة التحرير فرفضوا» فقلت له هم أحرار طالما لا يأتون أعمالا من شأنها الإضرار بالصالح العام. فقال عبد الناصر : لا ليسوا أحرارا ، أنا عايز البلد تنتظم كلها في هيئة سياسية واحدة تمشي وراء أهداف الثورة وبذلك نستطيع تحقيق أهداف الثورة بسرعة وبلا منازعات أو اختلاف في الرأي ، أنا عايز البلد كلها على رأي وفكر واحد هو فكر الثورة . فقلت لعبد الناصر ولكنك في قرار حل الإخوان اتهمتهم بالخيانة لاتصالهم بالإنجليز. فقال جمال اتصالهم بالإنجليز كان بعلمي وبالاتفاق معي ولكني أؤدبهم حتى يخضعوا لإرادتي ونعرف نمشي بالبلد ولا يبقاش في مصر سلطتين أنا عايز سلطة واحدة بس.

فقلت له إذن أنت تتجه بالبلد نحو حكم الفرد المطلق ونحن لم نتفق معك على ذلك وهذا الاتجاه خطير وسيدفع شعب مصر ثمناً فادحا نتيجة لهذا الاتجاه الديكتاتوري.

وقلت له إن طريق الحرية هو الطريق الوحيد لتقدم الشعوب لأن الأمر يجب أن يكون شورى بين المؤمنين كنص القرآن الكريم ، أما حكم الفرد المطلق فسوف يوردنا موارد الهلاك وسألته عن قصة اتصال الإخوان بالإنجليز فقال عبد الناصر لقد طلب الإنجليز الاتصال بالمرشد العام للإخوان المسلمين لاستطلاع رأيه ورأي الإخوان في مشروع المعاهدة المزمع عقدها معهم بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر ورغبة انجلتره في استمرار التحالف مع مصر وعودة القوات البريطانية إلى مصر في حالة الحرب أو خطر الحرب أو قيام حالة دولية مفاجئة.

فاتصل الإخوان ب عبد الناصر وأعلموه بطلب الإنجليز فوافق عبد الناصر على ذلك على أن يوافيه الإخوان بما سوف يدور من حديث بينهم وبين الإنجليز.

وفعلاً أخطر الإخوان عبد الناصر بكل ما دار بين مبعوث السفارة البريطانية ومندوبي الإخوان المسلمين في هذا اللقاء.

ثم عاد عبد الناصر إلى أسئلته المثيرة.

فقلت له الدكتور غراب طبيب في الجيش وجار لي في السكن.
فقلت له خليل نور الدين من دفعتي في الكلية الحربية فقال هل هو من الإخوان ؟

فقلت أعلم أنه من الإخوان .

فقلت: لا أعرفه.

فقال عبد الناصر: «إزاي متعرفوش أنت تكذب علي» فقلت له أنا لا أكذب فقال عبد الناصر «ألم تكن تركب عربة الدكتور غراب مساء الجمعة 15/ 1/ 1954 وكان معك خليل نور الدين و أحمد سبل وتحدثتم في موضوع خطير بخصوص الإخوان فأدركت على الفور أنه كانت هناك رقابة ما وأن عبد الناصر علم بما دار في العربة من حديث وأنه استدعاني لهذا الغرض ولم يخطر ببالي مطلقاً أنه علم بما دار في العربة من أحمد سبل نفسه كما اتضح لي فيما بعد وسأذكره في هذه المذكرات في حينه.

فقلت لعبد الناصر : الحقيقة أنا لا أعرف أحمد سبل مطلقاً وقصصت على عبد الناصر نص حديث أحمد سبل في العربة فقال عبد الناصر : أنا عرفت الموضوع مساء الجمعة 15/ 1/ 1954 عند منتصف الليل وانتظرت حضورك السبت 16/ 1/ 1954 أو الأحد 17/ 1/ 1954 ولما لم تحضر لتبلغني بما حدث استدعيتك اليوم الاثنين 18/ 1/ 1954 وعدم تبليغك لي يجعلني لا أطمئن إلى مدى ولائك لي ولذلك سأضطر لاعتقالك حتى تنجلي الأمور وضغط عبد الناصر على جرس أمامه فدخل ثلاثة ضباط من الشرطة العسكرية كانوا جاهزين.

إلى المعتقل للمرة الأولى في عهد عبد الناصر

اعتقلت للمرة الأولى في حياتي وللمرة الأولى في عهد جمال عبد الناصر يوم 18 يناير سنة 1954 . ورحلت بواسطة الشرطة العسكرية من مكتب جمال عبد الناصر إلى مقر الشرطة العسكرية بباب الحديد حيث وضعت في زنزانة تحت الأرض ثم نقلت يوم 1/ 2/ 1954 إلى سجن الأجانب بباب الحديد.

فوجدت في سجن الأجانب بعض ضباط الجيش المسجونين في قضية رشاد مهنا وأذكر منهم مصطفى راغب محمد و محسن عبد الخالق ووجدت بعض الضباط المعتقلين لكونهم من الإخوان المسلمين أذكر منهم البكباشي عبد المنعم عبد الرؤوف والبكباشي أبو المكارم عبد الحي والصاغ معروف الحضري والصاغ جمال ربيع .

وكان يوجد معنا في سجن الأجانب في ذلك الوقت الأستاذ فؤاد سراج الدين .

وفي 23 فبراير 1954 جاءتنا أنباء ونحن في السجن أن مجلس قيادة الثورة قبل استقالة اللواء محمد نجيب ، وقد كان لاستقالة محمد نجيب رد فعل عنيف في الجيش والشعب.

وانقسم الجيش إلى فريقين فريق يؤيد محمد نجيب وتزعم هذا الفريق ضباط من سلاح المدرعات وفريق آخر يؤيد عبد الناصر من سلاحي المدفعية والمشاة.

وكاد هذا النزاع يؤدي إلى حرب أهلية تقتتل فيها قوات مصر المسلحة. ولكن جمال عبد الناصر استجاب للفريق المؤيد ل محمد نجيب نظراً لاندلاع المظاهرات الشعبية من أسوان للإسكندرية تطالب بعودة نجيب وتبين ل عبد الناصر أن نجيب يتمتع بشعبية كبيرة في مصر و السودان حيث قامت مظاهرات مماثلة في السودان الشقيق تطالب أيضًا بعودة نجيب.

فقبل عبد الناصر إعادة محمد نجيب إلى رئاسة الجمهورية يوم 27/ 2/ 1954 وذلك حتى يملك الوقت الكافي لتهدئة الجو وخداع الضباط الذين أيدوا محمد نجيب ثم ينقض عليهم ويعتقلهم بعد أن يطمئنوا ويتركوا وحداتهم المعتصمين فيها ويذهبوا إلى بيوتهم. وبذلك يستطيع عبد الناصر أن يحقق حلمه في الانفراد بالسلطة.

وما إن علمت جموع الشعوب المصري يوم 28/ 2/ 1954 بعودة محمد نجيب حتى عمت المظاهرات الشعبية جميع مدن مصر وكنت أرى من شباك الزنزانة بسجن الأجانب بباب الحديد جموع المتظاهرين التي ملأت الشوارع وهي تهتف ل محمد نجيب وللحرية والديمقراطية وكان شعب مصر بحسه المرهف يتوجس خيفة من أن تنحرف ثورة 23 يوليو 52 إلى ديكتاتورية عسكرية تحل محل طغيان فاروق.

ولقد نجحت المظاهرات الشعبية واعتصام ضابط المدرعات في ثكناتهم في تثبيت النصر الذي أحرزه محمد نجيب مؤقتا.

ولذا بدا للشعب المصري أن محمد نجيب قد عاد للسلطة وأنه سيجمع كافة السلطات في يده ولكنهم نسوا أمراً هاما جداً.

وذلك الأمر الهام هو أن جمال عبد الناصر كان هو الشخص الوحيد من ضباط الجيش الذي أشرف على تنظيم الضباط الأحرار بعد حرب فلسطين سنة 1948 وكان يعرف الضباط الأحرار كلهم تقريباً واحداً واحداً.

واستطاع عبد الناصر أن يأخذ موافقة مجلس الثورة على تعيين عبد الحكيم عامر قائدا عاماً للقوات المسلحة وكان عبد الحكيم عامر هو صديق العمر بالنسبة ل جمال عبد الناصر فاختاره من بين جميع الضباط الأحرار لقيادة القوات المسلحة لأنه موضع ثقته وإن لم يكن أكفأ الضباط الأحرار لتولي هذا المنصب الخطير وقام عبد الناصر و عبد الحكيم عامر بتوزيع أعوانهما على وحدات الجيش المقاتلة ليضمنا السيطرة على القوات المسلحة.

ولما هال جمال عبد الناصر شعبية نجيب عند شعب مصر وعند شعب السودان حاول استمالة الإخوان إليه.

فقرر يوم 25 مارس 1954 الإفراج عن حسن الهضيبي وجميع المعتقلين من الإخوان المسلمين .

وكان للملك سعود رحمه الله الذي كان يزور القاهرة في شهر مارس 1954 دور في هذه المسألة.

فقد صرح عبد الرحمن عزام أمين الجامعة العربية ل جريدة المصري يوم 25 مارس 1954 بأن الملك سعود تكلم مع عبد الناصر وقال له إن مصر وهي زعيمة الدول العربية والإسلامية لا يجدر أن يكون الإخوان المسلمون فيها في المعتقلات ولا يباشروا نشاطهم في الدعوة الإسلامية.

وقد زار جمال عبد الناصر حسن الهضيبي في منزله بمنيل الروضة مهنئا بالإفراج عنه في نفس يوم الإفراج.

وأعلن عبد الناصر زوال كل أثر لقرار حل الجماعة الصادر في يناير 1954 (والذي اتهمهم فيه القرار بغير حق بالخيانة والاتصال بالإنجليز من خلف ظهر الثورة ).

وفي يوم 29/ 3/ 1954 سمعنا حركة غير عادية في سجن الأجانب حوالي الساعة 9 مساء ووجدت محمد أحمد سكرتير عبد الناصر يحضر ومعه بعض الضباط المقبوض عليهم تحت حراسة البوليس الحربي وكان عددهم يزيد على 25 ضابطا ولما نظرت فيهم وجدتهم جميعا من ضباط المدرعات. الذين أيدوا محمد نجيب في فبراير سنة 1954 وأذكر منهم البوزباشي أحمد علي حسن المصري .

وفي أول أبريل سنة 1954 زار سجن الأجانب مدعي المجلس العسكري الذي شكل لمحاكمة عبد المنعم عبد الرؤوف وقد سلم المدعي العسكري عبد المنعم عبد الرؤوف قرار الاتهام وأقوال الشهود في قضيته.

ودخل عبد المنعم عبد الرؤوف زنزانتي ومعه كومة من الأوراق فلاحظت أن الأوراق كثيرة جدا وبها أقوال عدد كبير جدا من الشهود ، فاستغربت وتبين لي من فحص الأوراق أن المدعي قد أخطأ وسلم عبد المنعم عبد الرؤوف أقوال شهود لا دخل لهم في قضيته ومما استرعى نظري في هذه الأوراق أقوال الصاغ أحمد سبل .

أقوال الصاغ أحمد سبل :

قال أحمد سبل «قبل الثورة كنت أعمل في سلاح المهمات مع خليل نور الدين ومع أحمد أنور قائد البوليس الحربي بعد الثورة وبعد قيام الثورة طلبت من أحمد أنور أن يتوسط لي لنقلي إلى سلاح المدفعية لأنه سلاحي الأصلي ففعل وبعد حل الإخوان في 14/ 1/ 1954 استدعاني أحمد أنور قائد البوليس الحربي وقال سأكلفك بمهمة خطيرة وهي أنا عارف إنك صديق الصاغ خليل نور الدين ويتذاكر معه لكلية الحقوق وهو يثق فيك ونحن نعلم أن خليل نور الدين من الإخوان المسلمين فهو لا يخفي ذلك.

فاذهب إليه واعرض عليه الاشتراك في خطة تقول فيها إن معك آلاي مدفعية به 12 ضابطا من الإخوان المسلمين ثائرون لحل جماعة الإخوان ومستعدون لأي عمل يطلب منهم.

وتطلب منه أن يعرفك بضباط آخرين من المدرعات أو المشاة ليشتركوا معا في خطة لتخليص الإخوان من الاعتقال. وبذلك نستطيع أن نعرف عن طريق خليل نور الدين أسماء أكبر عدد ممكن من الضباط الإخوان فنقبض عليهم ونتخلص منهم دفعة واحدة.

فقابلت خليل نور الدين صدفة في ميدان الأوبرا مساء يوم الجمعة 15/ 1/ 1954 وركبت معه السيارة من ميدان الأوبرا وكان بها الدكتور غراب والصاغ حسين حمودة .

وتحدثت مع خليل نور الدين في ضرورة عمل شيء إيجابي لإنقاذ الإخوان المعتقلين وقلت له إن معي آلاي مدفعية به 12 ضابطا كلهم من الإخوان المسلمين وإذا كان عندكم ضباط من المشاة أو المدرعات يبقى الوضع أفضل.

ولم أستطع أن أحصل منهم على أسماء ونزلت من العربة عند منزلي في شارع مصر و السودان اتصلت تليفونيا بمنزل جمال عبد الناصر الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ليلة 15- 16 يناير 1954 فرد علي أحمد أنور حيث كان موجودا بمنزل عبد الناصر فقلت له ما دار من حديث بالعربة الخاصة بالدكتور غراب.

ولما تبين لي بعد الاطلاع على أقوال أحمد سبل بطريق المصادفة البحتة أن المؤامرة وهمية وأنها كانت فخا من أحمد أنور قائد البوليس الحربي للفتك بالضباط الإخوان وأن أحمد أنور قد فعل ذلك تقربا من جمال عبد الناصر بعد أن آلت إليه سلطة الدولة تعجبت من الناس وأحوالهم وقلت لأخي عبد المنعم عبد الرءوف انظر إلى أي مدى ينحدر الإنسان.

وتوقعت تبعا لذلك ألا أقدم للمحاكمة لعدم وجود اتهام أصلا فالمؤامرة التي اعتقلت بسببها كانت مؤامرة وهمية دبرها أحمد أنور وكانت وسيلته في ذلك استخدام الصاغ أحمد سبل للإيقاع بصديقه خليل نور الدين وإيهامه بوجود قوة من الضباط جاهزين لعمل إيجابي لإنقاذ الإخوان من السجن الحربي.

وفي يوم 28/ 4/ 1954 رحلت أنا و عبد المنعم عبد الرؤوف و معروف الحضري وأبو المكارم عبد الحي و جمال ربيع إلى السجن الحربي بمعتقل 2 فوجدت هناك القائمقام محمد رشاد مهنا وصي العرش السابق يقضي مدة العقوبة التي حكم مجلس الثورة بها عليه وهي السجن المؤبد.

ورشاد مهنا كان من الضباط الممتازين الذين يتمتعون بشعبية كبيرة بين ضباط الجيش وبخاصة في سلاح المدفعية.

وبمجرد قيام الثورة وخلع فاروق اختار مجلس الثورة رشاد مهنا ضمن أعضاء مجلس الوصاية على العرش. وكان الغرض من ذلك هو إبعاد رشاد مهنا عن الجيش.

ولقد انتهز جمال عبد الناصر فرصة خلاف نشب بين محمد نجيب بصفته رئيسا للوزراء ورشاد مهنا بصفته وصيا على العرش حول مشروعات القوانين التي تصدرها الثورة .

وكان ل رشاد مهنا رأي خاص في هذه المشروعات يتلخص في ضرورة أخذ رأي مجلس الوصاية على العرش قبل إصدارها فأشاع عبد الناصر بين ضباط الجيش أن رشاد مهنا يريد أن يصبح ملكا وأن يستبد بالحكم وأن يرث فاروق وأسرة محمد علي .

واستطاع عبد الناصر أن يوغر صدر محمد نجيب وصدور زملائه أعضاء مجلس الثورة ضد رشاد مهنا فقبضوا عليه وعلى الضباط المعروفين بولائهم ل رشاد مهنا وحوكموا أمام مجلس الثورة الذي أصدر حكمه بالسجن المؤبد على رشاد مهنا وزملائه الضباط الموالين له ولم تكن هناك تهمة معينة أو جريمة ارتكبها رشاد مهنا ولكن ذلك كان منطق عبد الناصر في التخلص ممن توهم مزاحمته في أمله الخاص بالانفراد بحكم مصر فتخلص من منافسيه بلا أي وازع من ضمير.

ووجدت ضمن المعتقلين القائمقام يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة واعتقل حسين فريد رئيس هيئة أركان حرب الجيش ومن كان معه من الضباط ولولا يوسف صديق ما نجحت الثورة ولكان مصيرها الفشل المحتوم ووجدت ضمن المعتقلين بالسجن الحربي القائمقام أحمد شوقي قائد الكتيبة الثالثة عشرة المشاة والتي قامت بتنفيذ الثورة في مدينة القاهرة ليلة 23/7/ 1952 بقيادته.

فتعجبت أشد العجب وقلت في نفسي أبلغت خيانة عبد الناصر إلى هذا الحد الذي لا يمكن أن يتصوره إنسان ف يوسف منصور صديق الذي اقتحم رئاسة الجيش ليلة الثورة وأحمد شوقي الذي قاد الكتيبة 13 ليلة الثورة وحسين محمد أحمد حمودة الذي أنشأ معتقل الثورة ليلة 23 يوليو 1952 بالكلية الحربية يكون جزاؤهم هو جزاء سنمار فيوضعوا في السجن ويتحكم في مقدرات شعب وجيش مصر مدخولو الضمائر.

و رشاد مهنا يحكم عليه بالسجن المؤبد وهو الذي اختارته الثورة وصيا على العرش بعد نجاحا ورشاد مهنا كان ضابطا مثاليا في كل شيء في خلقه وتدينه وعلمه ووطنيته وعقليته الفذة فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

وقد أخبرني يوسف منصور صديق وأنا معه في الاعتقال بالسجن الحربي أن جمال عبد الناصر كان عضوا في خلية شيوعية تابعة للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني والمعروفة باسم «حدتو» وذلك قبل ثورة 23/ 7/ 1952 وكان بهذه الخلية أحمد فؤاد وكيل النيابة والذي شغل منصب رئيس بنك مصر لمدة طويلة بعد الثورة فلما أبديت دهشتي لهذه المعلومات التي أسمعها لأول مرة عن جمال عبد الناصر ، قال يوسف صديق لماذا لا تصدقني ، قلت لأن جمال عبد الناصر من الإخوان المسلمين وكان عضوا في التنظيم السري ل جماعة الإخوان المسلمين معي منذ عام 1943 ، فكيف أصدقك لأن الإنسان لا يمكن أن يكون مسلما وكافرا في وقت واحد إلا إذا كان منافقا. ثم قلته إذا كان عبد الناصر ماركسيا كما تدعي فلماذا يزج بالماركسيين في السجن؟ فرد يوسف صديق قائلا وإذا كان جمال عبد الناصر حسين إخوانيا كما تدعي فلم يزج ب الإخوان في السجن؟ وفي هذه الأثناء مر حمزة البسيوني قائد السجن الحربي وسأل مش عايزين أي خدمة؟

فقال له يوسف صديق : خذ هذه القصيدة وسلمها ل جمال عبد الناصر ، فأخذها حمزة البسيوني وانصرف فقلت ل يوسف صديق ما الذي كتبته في هذه القصيدة؟

فقال يوسف صديق شتيمة في عبد الناصر فقلت وما هي فأحضر يوسف مسودة القصيدة وتلاها علي وأذكر منها بيتا واحدا لا يزال عالقا بذهني حتى يومنا هذا وهو :

أفرعون مصر وجبارها

صحا لها من وراء القرون

وتناقشت مع يوسف صديق حول هوية عبد الناصر ومعتقداته هل هو ماركسي أم إسلامي؟

فقال يوسف صديق ما كان عبد الناصر إسلاميا ولا كان ماركسيا ولكن كان كفرعون موسى الموسوم في سور القرآن بالضلال والظلم والطغيان.

وفرعون موسى له مذهب في الحكم يقوم على الحكم الفردي المطلق والطغيان وتأليه الحاكم.

وقد بين القرآن الكريم ما في هذا النظام الفرعوني من فساد فقال تعالى : ﴿وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي البِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر 11- 14].

بقينا في السجن الحربي وكانت المعاملة حسنة جدا والزنزانات مفتوحة طول النهار والطعام يحضر لنا من بيوتنا بعربة السجن الحربي والجرائد تصلنا بانتظام والاتصال التليفوني بعائلاتنا مسموح به وقائد قسم القاهرة يمر علينا يوميا ويسأل عن طلباتنا ويزورنا طبيب يوميا.

وكان حمزة البسيوني يلعب معنا الطاولة وبقينا في السجن الحربي إلى أن جاء يوم ذهب عبد المنعم عبد الرءوف إلى المحاكمة ولم يعد وتبين أنه هرب من حارسه العميد محمد نبيه خطاب .

وبعد هرب عبد المنعم عبد الرءوف ضيقوا علينا الخناق وصار كل واحد منا يقضي 24 ساعة في الزنزانة الانفرادية لا يتصل بمخلوق ولا يتكلم مع أحد وفي 29/ 6/ 1954 صدرت الأوامر بالإفراج عني وعن أبو المكارم عبد الحي و معروف الحضري و جمال ربيع أي عن الضباط الذين اعتقلوا بمقولة إنهم ينتمون ل جماعة الإخوان المسلمين .

  • ماذا بعد الإفراج عني يوم 29/ 6/ 1954 ?
ذهبت يوم 30/ 6/ 1954 إلى اللواء السابع المشاة بالعباسية لاستلام عملي فأفهمني قائد اللواء الأميرالاي السرساوي أني في إجازة إجبارية منذ اعتقالي في 18/ 1/ 1954 فذهبت للقيادة العامة للقوات المسلحة وقابلت الصاغ صلاح نصر مدير مكتب عبد الحكيم عامر فأفادني أنه لم يبت في أمري بعد وعلي البقاء في الإجازة الإجبارية لحين التصرف في شأني بمعرفة المسئولين في قيادة القوات المسلحة.

فذهبت لمنزل زكريا محي الدين وزير الداخلية وكان يسكن في ذلك الوقت بمنشية البكري بعمارة رشاد بشارع الخليفة المأمون ، فقابلني في منزله وقال إن النية قد اتجهت لتحويلي إلى وظيفة مدنية.

وظللت في منزلي في انتظار قرار من المسئولين بشأن عملي المقبل حتى يوم 26/ 10/ 1954 وهو اليوم الذي أذاعت فيه الحكومة المصرية بيانا يفيد أن شابا ينتمي إلى الإخوان المسلمين حاول قتل جمال عبد الناصر بأن أطلق عليه 8 رصاصات في ميدان المنشية ب الإسكندرية فلم يصب بسوء.

إلى المعتقل من جديد

اعتقلت يوم 19/ 10/ 1954 للمرة الثانية في عهد جمال عبد الناصر ووضعت في زنزانة بمعتقل 2 بالسجن الحربي وأثناء دخولي الزنزانة كان القائمقام يوسف منصور صديق عائدا من دورة المياه إلى الزنزانة فقال لي «جيت له يا حسين ده فيه ضرب وتعذيب حتى الموت».

وإنه لأمر شديد القسوة على النفس أن يتحدث الإنسان عن مهانة تعرض لها ولكن رواية الحقيقة للتاريخ قد تمنع تكرار هذه الجرائم في سجون مصر مستقبلا.

التعذيب والقتل في سجون عبد الناصر

وهنا تقشعر الأبدان لذكرى تلك الشنائع التي كان أعوان جمال عبد الناصر يوقعونها على الأبرياء من الإخوان المسلمين مما سوف يسجله التاريخ في صفحات الوحشية التي لا يسبق لها مثيل في صحيفة من صحائف المظالم من يوم أن خلق الله الإنسان.

فكم من نفوس قتلت ورجال صلبت وجسوم مثل بها وهي على قيد الحياة وبالنسبة لشخصي فقد نالني من هذا العذاب الكثير والذي لا يحتمله بشر ففي صباح يوم 20 /11 / 1954 استدعيت لمكتب حمزة البسيوني قائد السجن الحربي ووجدته في مكتبه ومعه اليوزباشي شمس بدران مدير مكتب عبد الحكيم عامر . وكان بالغرفة اثنان من الجنود بأيديهم الكرابيج السودانية :

وما إن رآني شمس بدران حتى بادرني بسيل من الشتائم القذرة التي لا تصدر إلا من أحط الناس خلقا وأعرقهم في الإجرام والخسة والنذالة.

فقلت له عيب يا شمس ، فقال بتقول أيه يا ابن.... وانهال على ضربا بيده القذرة الملوثة بدماء الشرفاء والأبرياء ثم أمر من كان بالغرفة من الجنود أن يذهبوا بي إلى غرفة التعذيب فجذبني أحد الجنود من ملابسي فمزقها ودفعني خارج الغرفة وانهال هو وزميله على ضربا بالكرباج ثم اقتادوني إلى زنزانة في سجن (4) وعلقت كما تعلق الذبائح على صلبة من الحديد رأسي إلى أسفل وقدماي إلى أعلى من ثنى الركبتين وربطوني بالحبال وانهال على الجنود بالكرابيج السودانية على كل جسدي : على الصدر والظهر والبطن والأرجل والوجه والرأس حتى تعب الجنود من كثرة الضرب فأنزلوني من فوق التعليقة بعد أن فقدت الوعي وظن الجلادون أني فارقت الحياة فألقوا على جداول مياه باردة فأفقت بعض الشيء وشعرت بقشعريرة شديدة من البرد ثم نقلوني على نقالة إلى زنزانتي بمعتقل (2) وأنا بين الحياة والموت.

وسمعت أحد الجنود يقول سيبوه ابن .... هنا لحد الصبح وإن مات ندفنه جنب المعتقل اللي دفناه أمبارح بعد ما مات من التعذيب.

وفي اليوم التالي 21/ 11/ 1954 جاءني اليوزباشي علي شفيق صفوت مساعد شمس بدران وفتح باب الزنزانة فلم أستطع الوقوف من شدة الإعياء وكنت لم أتناول طعاما منذ 19/ 11/ 1954 فما كان من الجندي المرافق ل علي شفيق صفوت إلا أن قال قوم يا بن ... فلم أستطع الوقوف فركلني الجندي بقدمه وأوقفني بالقوة وأمسك بي ليسندني حتى لا أقع على الأرض وانهال علي شفيق صفوت ضربا بالبوكس على وجهي عدة ضربات فسالت الدماء من أسناني التي كسرت نتيجة هذه الضربات وظل علي شفيق صفوت يضربني بالبوكس حتى تعب فأمسك الكرباج من الجندي المرافق له وظل يضربني على جسدي حتى وقعت على الأرض من شدة الألم حتى فقدت الوعي تماما ورحت في غيبوبة تامة. وقد شاهد عملية تعذيبي الأخ جمال إسماعيل (ضابط شرطه) والأخ جمال ربيع (ضابط جيش) حيث كانا يشار كأنني الإقامة في الزنزانة.

وقد نال كل منهما من التعذيب ما يعجز القلم عن وصفه وفي اليوم التالي استيقظت في الفجر وأنا في غاية الألم فكل عظامي تنشر وجسمي كله ينزف وملابسي ممزقة وملوثة بالدماء فقلت في نفسي هل قمنا بالثورة لتحرر مصر من طغيان فاروق أم لتعود مصر إلى أشد أيام العصور الوسطي وحشية وهمجيه و هل وضعنا ثقتنا في جمال عبد الناصر ومهدنا له الطريق لحكم مصر لتكون النتيجة أن يستعين عبد الناصر بالسفلة والأوغاد ومعدومي الضمائر للقضاء على خير شباب مصر خلقا وعلما ووطنية.

فيا ويل مصر من جمال عبد الناصر وأعوانه الظلمة : وما أسود المصير الذي ينتظر شعب مصر على يد هذا السفاح وأعوانه!

وكان السجن الحربي قد امتلأ بالمعتقلين من الإخوان وحشر و احشرا في الزنزانات حتى امتلأت ففتحت الحكومة معتقلات أخرى في القلعة وغيره أو كان ل حمزة البسيوني هواية ع جيبة هي الإشراف على طوابير التعذيب الجماعية للمعتقلين السياسيين وكانت هذه الطوابير تجرى في فترتين من 7- 8 صباحا ومن 4-5 مساء وكان الطابور يبدأ بإدارة أسطوانة لأم كلثوم تذاع بواسطة ميكرفون هي أسطوانة يا جمال يا مثال الوطنية.

ويجمع المعتقلون جميعا في فناء السجن الحربي وينتظمون في طابور ويصدر لهم الأمر بالجري بالخطوة السريعة داخل فناء السجن لمدة ساعة وتنهال عليهم كرابيج الحراس وكان بعض المعتقلين مرضى بالقلب أو من كبار السن الذين لا يستطيعون الجري فينهال عليهم ضربا بالكرابيج حتى مات عدد كبير منهم أما أعين باقي المعتقلين فتحضر عربة تنقل إليها الجثث وتخرج أمام أعيننا لتدفن في الصحراء وفي يوم 22/ 11/ 1954 استدعيت لمكتب حمزة البسيوني فوجدت على شفيق صفوت الذي قال لي المطلوب منك أن تشهد ضد اللواء محمد نجيب وتذكر أنه كان يتعاون مع حسن الهضيبي ضد جمال عبد الناصر ومجلس الثورة. فقلت له : أنا لا أعرف محمد نجيب ولم أقابله في حياتي مطلقا ولا أعرف حسن الهضيبي فيردا على علي شفيق صفوت ويقول : أنا كل بنشتم من تحت رأسك فقلت له مين اللي بيشتمك قال جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر فقلت «ليه» قال بيقولوا أنت خايب مش عارف تمضيه على ورقة يقول فيها إن محمد نجيب هو اللى بيحرض الإخوان ضد مجلس قيادة الثورة فقلت له يا علي أنا لا أعرف محمد نجيب ولا حسن الهضيبي فيعتدي على علي شفيق صفوت بالضرب بالبوكس والكرباج حتى يتعب ثم يمشى.

وهكذا ظل التعذيب يتكرر يوميا بواسطة علي شفيق صفوت حتى تورمت قدماي من الضرب وصار لون جسدي كله كلونه الكبدة تمام وفي يوم طلبوني لمكتب حمزة البسيوني فوجدت هناك علي صبري و صلاح الدسوقي الششتاوي وما إن رآني صلاح الدسوقي الششتاوي حتى بادرني بسيل من الشتائم القذرة فنهره علي صبري وقال له اسكت يا صالح وجاب كرسي وأجلسني وأرسل في استدعاء طبيب السجن وطلب منه أن يغير على الجروح التي أحدثها الضرب.

وبعد أن انتهي الطبيب من عمله أخذني علي صبري خارج المكتب وقال : الريس عبد الناصر عارف أن موقفك سليم ومفيش حاجة عليك بس عايزك تروح المحكمة تشهد إن محمد نجيب هو المحرض للإخوان ضد عبد الناصر ومجلس الثورة فقلت له أنا متألم جدا من التعذيب وجسدي كله بينشر وقد لا أستطيع السير ولا الذهاب إلى المحكمة فأمر حمزة البسيوني بالكف عن تعذيبي وتركي أستريح يومين قبل الذهاب للمحكمة وفعلا رفع عني التعذيب لمدة ثلاثة أيام ثم ذهبت تحت حراسة مشددة لمجلس الثورة بالجزيرة وأدخلت إلى حجرة فوجدت فيها زكريا محيي الدين وزير الداخلية فقلت له : يا أفندم ده فيه تعذيب في السجن الحربي وضرب وإهانة شديدة للمعتقلين وفيه ناس ماتت من التعذيب فابتسم زكريا محيى الدين وقال : وماله يا سيدي لما تنضرب ولما جاء ميعاد الشهادة صممت على أن أقول للناس كلمة للتاريخ قبل أن يقتلني هؤلاء السفاحون فوقفت أمام المحكمة وكانت برئاسة جمال سالم وقلت : المعلومات التي أعرفها أن اللواء محمد نجيب مطرشق من أعضاء مجلس الثورة بسبب الحكم الديكتاتوري في البلاد وأن الإخوان المسلمين والوفديين وسائر الأحزاب السياسية وكل شعب مصر يطالب بالحرية والحكم الديمقراطي ويرفض الديكتاتورية العسكرية رفضا باتا.

وشعب مصر ليس له سوى مطلب واحد هو الحرية والحكم النيابي السليم.

وعدت للسجن الحربي فوجدت حمزة البسيوني في انتظاري فقال : إيه اللي قلته في المحكمة دة ، لقد جاءت أوامر من عبد الناصر شخصيا بضربك علقة جامدة على كده ولأمر لا أعرفه جاء أحد الجنود وأخبره بشيء فخرج من مكتبه مسرعا وقال للحارس وديه الزنزانة فذهبت مع الجندي إلى الزنزانة ولم أخرج منها إلا إلى المحاكمة.

مهزلة المحاكمة

شكل مجلس الثورة ثلاث دوائر لمحكمة الشعب كل أعضائها من العسكريين لمحاكمة الإخوان المسلمين وحوكمت أمام دائرة محكمة الشعب يرأسها ضابط طيار لا أعرف اسمه وكان الاتهام الذي قدمت به إلى المحكمة وقدم على أساسه أكثر من ألف إنسان من الإخوان هو «أتى أفعالا نظام الحكم الحاضر وذلك باشتراكه في تنظيم سرى مسلح».

والعجيب أن هذه التهمة كانت باطلة بطلانا تاما لسبب بسيط وهو أن التنظيم السري المدني للإخوان كله كان يؤيد جمال عبد الناصر ضد حسن الهضيبي ولم يعتقل عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري للإخوان عام 1954 وكان أعوان عبد الرحمن السندي كلهم خارج السجون في عهد عبد الناصر .

وكان رئيس المحكمة يسأل المتهم (الضحية) إن كان مذنبا أو غير مذنب فيرد المتهم بأنه غير مذنب فيأمره بالانصراف وفي اليوم التالي يأتون بالمتهمين الذين مثلوا بالأمس أمام المحكمة ليسمعوا الحكم عليهم بالشنق أو الإعدام رميا بالرصاص أو السجن المؤبد أو المؤقت.

وقد حكمت محكمة الشعب على حوالي 1000 شخص من الإخوان المسلمين منهم ستة بالشنق وهم الشهداء.

محمود عبد اللطيف و هنداوي دوير و إبراهيم الطيب و عبد القادر عودة و محمد فرغلي و يوسف طلعت .

وقد واجهوا الموت بشجاعة وقالوا وهم معلقون على حبل المشنقة «نشكر الله لأننا نموت شهداء» وتحدثت صحف العالم كله عن شجاعة هؤلاء الذين اقتحموا الموت بهذه البطولة النادرة ولم تكتب صحف مصر حرفا واحدا عما قاله هؤلاء الأبطال وهم على حبل المشنقة وأما الشهيد القاضي عبد القادر عودة فقد قال وهو على حبل المشنقة بعد أن حمد الله الذي رزقه الشهادة «اللهم أجعل دمي لعنة على رجال الثورة ».

وكان من نصيبي من هؤلاء السفاحين الظلمة الحكم على بالسجن لمدة خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة.

وحكم على باقي الألف بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة وكان هذا الحكم الظالم صدمة عنيفة لي لم تخطر لي على بال لقد كنت بريئا مائة في المائة وما كنت متآمرا ضد عبد الناصر ولا رجال الثورة ولا داعيا إلى فتنة وما كنت أتصور أن يصل الأمر ب جمال عبد الناصر إلى هذا الحد الخطير من الطغيان والظلم ولقد دعته قدرته إلى ظلم الناس ولم يتذكر قدرة الله عليه ولكن الله يمهل ولا يهمل ولقد أحياني الله حتى رأيت بعين رأسي مصارع هؤلاء الظالمين في الدنيا واحدا إثر واحد.

وقد حاولت تقصى الحقائق في موضوع الشروع في قتل جمال عبد الناصر في ميدان المنشية سنة 1954 فما وجدت أحد من المحكوم عليهم والذين كانوا معي في السجن له يد في جريمة الشروع في قتل عبد الناصر من قريب أو بعيد مما يغلب على الظن أن الحادث كان مدبرا بإحكام وبتخطيط جيد لدفع جمال عبد الناصر للانقضاض على جماعة الإخوان المسلمين والفتك بهم على هذه الصورة الوحشية وتبين لي أن محكمة الشعب التي شكلها مجلس الثورة لم تكن تستهدف عدلا ولا يعنيها أن تجري إنصافا أو تتحرى الحقيقة وإنما قصدها توقيع أحكام معينة لتصفية جماعة الإخوان تصفية نهائية فهي أشبه بمذبحة القلعة التي نفذها محمد على ضد المماليك.

ليمان طره

في 17 يناير 1955 رجلت إلى ليمان طره مع عدد كبير من الإخوان المسلمين لم أكن أعرف منهم أحدا من قبل ولما دخلنا ليمان طره أجبرنا على ارتداء زى المساجين الأزرق ووضعت في أرجلنا السلاسل الحديدية ووضعنا في عنبر خاص ب الإخوان المسلمين وكلفتنا إدارة الليمان بتنفيذ عقوبة الأشغال الشاقة بالذهاب يوميا إلى الجبل في طابور يضم ما لا يقل عن ألفين من المسجونين في ملابسهم الزرقاء يتقدمهم مأمور الجبل على صهوة جواده شاهرا سيفه ويحيط بالطابور مائة جندي مسلحون بالبنادق من طراز لي انفلد الإنجليزية الصنع مركبا بها السونكيات وكان الإخوان المسلمون من المسجونين السياسيين في مقدمة الطابور يليهم المجرمون من المسجونين العاديين من القتلة واللصوص ومهربي المخدرات وهاتكي الأعراض وكان نزلاء طره قبل ثورة 23 يوليو 1952 من المجرمين العاديين وبعد ثورة 23 يوليو 1952 انضم إلى نزلاء ذلك الليمان علماء الأزهر الشريف وأساتذة الجامعات والوزراء السابقون وضباط الجيش والشرطة ورجال القضاء والمحامون والمهندسون والأطباء والصحفيون ورجال الفكر وطلال الجامعات والعمال والفلاحون وكنا نعمل في قطع الأحجار في جبل طره (9ساعات يوميا) تبدأ من الساعة السابعة صباحا حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. ويحيط الجنود بمنطقة العمل بالجبل شاهرين أسلحتهم والبنادق معمرة وجاهزة لإطلاق النار على المساجين لإفنائهم لدى ظهور أي بادرة من بوادر التمرد أو الامتناع عن العمل ، فينهال الرصاص على الجميع فيقتل من يقتل ويصاب من يصاب ولا دية له. وهذا هو نظام الليمان منذ أن أنشأة الإنجليز عند احتلاهم مصر سنة 1882 .

وحدث ذات يوم ونحن نعمل في تقطيع وحمل الأحجار لوضعها في عربات السكة الحديد أن جاء اللواء محرم عثمان مدير عام مصلحة السجون ومحرم عثمان كان ضابطا بالجيش المصري ونقلته الثورة بعد 23 يوليو إلى مصلحة السجون. وكنت أعرفه فقابلته في الجبل وتحدثت معه وقلت له هل يجوز أن يكلف المسجون السياسي بقطع الأحجار وحملها على هذا النحو المهين فابدي الرجل أسفه وقال إنها تعليمات وزارة الداخلية ولا أملك سوى تنفيذها.

وكان الطعام الذي يقدم لنا ولسائر المسجونين في الليمان رغم المجهود الشاق اليومي المبذول في العمل هو :

الإفطار : رغيف خبز بلدي كبير وجبن قريش أو عسل أسود

الغذاء : رغيف خبز بلدي كبير وعدس أو فول مدمس

العشاء : رغيف خبز بلدي كبير وقطعة لحم صغيرة كالكاوتشوك وخضروات مطبوخة وذلك لمدة أربعة أيام في الأسبوع فقط وفي الثلاثة أيام الأخرى يستبدل اللحم والخضار بالبقول مثل الفاصوليا أو اللوبيا أو العدس أو الفول أما الفواكه واللبن والبيض فكانت من الممنوعات وتتم زيارة الأهالي لذويهم من المسجونين بليمان طره بطريقة مهينة مهدرة لآدمية الإنسان. إذ يوضع المسجونون بليمان طره داخل قفص من الحديد أشبه بالأقفاص التي يوضع فيها الحيوانات المفترسة في حديقة الحيوان ويأتي الأهالي يتخاطبون مع قريبهم المسجون الأهالي خارج القفص والمسجونون بداخل وقوفا والزيارة لمدة خمس دقائق وتتم يوم الجمعة مرة كل شهر تقريبا وإذا فرض وقدم أهل المسجون طعاما لقريبهم المسجون صادره الحراس.

ولما استفسرنا من إدارة السجن عن سبب مصادرة الطعام كان الرد أن إدارة السجن تخشي أن يكون بداخل الطعام أسلحة أو خطابات أو أدوات يمكن أن يستخدمها المسجون في الهرب أو أن يكون هناك احتمال وجود سم في الطعام وإدارة السجن مسئولة عن حياة المسجون داخل السجن وقد استعان الإخوان المسلمون على هذه المحنة بالصبر والصلاة والدعاء.

سجن الواحات الخارجة

صدرت تعليمات وزارة الداخلية بترحيل زعماء الإخوان المسلمين من ليمان طره إلى سجن الواحات الخارجة.

وقد كان لهذه التعليمات أسباب منها :

أولا :- ما لاحظته وزارة الداخلية عن طريق زبانية المباحث العامة وأجهزة القمع والتجسس التي أنشأها جمال عبد الناصر بعد استيلائه على سلطة الدولة من الأمور الآتية :

1- ارتفاع معنويات مسجوني الإخوان داخل ليمان طره رغم التعذيب الوحشي الذي تعرضوا له في السجن الحربي والمعاملة القاسية غير الإنسانية بليمان طره

2- استمرار وجود عائلات المسجونين السياسيين من الإخوان على قيد الحياة ولم يتم انهيار هذه العائلات وهلاك الأطفال وضياع النساء نتيجة لسياسة التجويع التي لجأت إليها حكومة جمال عبد الناصر للقضاء الكامل على الإخوان وعائلاتهم من النساء والأطفال بعد أن قطعت الحكومة ا لمرتبات والمعاشات ومصادر أرزاق المسجونين والمعتقلين وكان عددهم لا يقل عن ألف مسجون وحوالي 11 ألف معتقل.

3- استمرار النشاط الإخواني في خارج السجون وأن عائلات الإخوان تصلها إعانات وأن عددا كبيرا من طلاب الجامعات والمدارس الثانوية والعاملين بالمصانع يجمعون التبرعات سرا لإغاثة عائلات المسجونين والمعتقلين.

4- تسرب أخبار التعذيب الوحشي والمعاملة القاسية في الليمان وأن هذه الأخبار تذاع في محطات الإذاعة العالمية وتنشر في صحف الدول العربية والعالمية.

5- ظن المجرمون الحقيقيون من الظلمة والطغاة أن ترحيل زعماء الإخوان إلى منفى في الصحراء خارج وادي النيل كفيل بقطع اتصال القيادة بالقواعد الشعبية المنتشرة في الصعيد والدلتا.

وفي الحقيقة كان هناك اتصال مستمر بين المسجونين والإخوان في خارج السجن فكانت حركة تهريب الخطابات مستمرة من وإلى السجن بانتظام.

ومهما حاول الطغاة أن يخفوا جرائمهم فلابد أ ، يفضحهم الله تعالى وأن ييسر لعباده المؤمنين أمورهم. فلقد تعاطف كافة المجرمين العاديين مع الإخوان المسلمين كما تعاطف عدد كبير جدا من ضباط وحراس السجون مع الإخوان في محنتهم.

رحلت مع دفعة من الإخوان المسلمين المسجونين عددها مائة نفس معظمهم من قادة الجماعة يوم 17 مايو 1955 إلى سجن الواحات الخارجة أذكر منهم الأستاذ الكبير عمر التلمساني المحامي والأستاذ صالح أبو رقيق والدكتور محمد خميس حميدة والدكتور كمال خليفة والدكتور حسين كمال الدين وفضيلة الأستاذ الشيخ أحمد شريت والحاج لطفي أبو النصر أعضاء مكتب الإرشاد ل جماعة الإخوان المسلمين . والبكباشي محمد فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع والصاغ مهندس عمر أمين والملازم أول بحري عز الدين صادق والملازم أول بحري أحمد رمزي سليمان واليوزباشي شرطة محمد جمال الدين محمد أحمد إسماعيل والأستاذ الكبير محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين بمنطقة صور باهر وفضيلة الأستاذ الشيخ محمد فارس فريح والأستاذ فتحي البوز المحامي والأستاذ علي صديق وغيرهم من أفاضل الناس وأحسنهم أخلاقا.

وكان سجن الواحات الخارجية سجنا مفتوحا لا توجد به مبان وتقدر مساحته بحوالي خمسة أفدنة من رمال الصحراء الجنوبية الغربية ويحيط به صفان من الأسلاك الشائكة بارتفاع كبير ويلتف حوله الحراس شاهرين أسلحتهم ولا ترى من خلال الأسلاك الشائكة إلا رمال الصحراء على مدى البصر أما داخل السجن فكان به بعض الخيام للمبيت كما يوجد خارج الأسلاك بعض الأكشاك من الصاج المعرج لمبيت إدارة وحراس السجن الخالي من الخدمة.

وكانت الموافق داخل السجن عبارة عن أكشاك من الصاج المعرج ووجدنا بالسجن المرافق الآتية :

1- طلمبة مياه يدوية ماصة كابسة لرفع المياه إلى صهريج يعلو دورة المياه والمطابخ والفرن.

2- ماكينة كهرباء موجودة خارج الأسلاك لإضاءة أسوار السجن..

3- أكشاك من الصاج مستخدمة كمخازن للتعيين الجاف.

وتتابع بعد ذلك وصول دفعات من الإخوان المسلمين المسجونين حتى وصل العدد 300 نفس وأخطرتنا إدارة السجن أنها لن تتدخل في نظام الإعاشة وعلينا أن ندبر أمرنا بمعرفتنا ونقوم بخدمة أنفسنا فنخبز الدقيق ونطهو الطعام وستقوم إدارة السجن بصرف المقرر الرسمي من مواد الإعاشة مرة كل أسبوع بعد وصول قطار السكة الحديد القادم من أسيوط إلى الواحات الخارجة فقمنا بتنظيم فرق عمل من بيننا لتيسير عملية الإعاشة اليومية وأعفينا المسنين والمرضى وأنشأنا مسجدا يضم بعض الخيام إلى بعضها.

ومضت الحياة بنا هادئة في هذا المنفى الصحراوي قطعناها في عبادة الرحمن وحفظ القرآن الكريم وصلاة الجماعة خمس مرات يوميا والاستزادة من العلم والمعرفة فقد كان السجن يضم علماء في كافة فروع العلم.

علماء الدين من خريجي الأزهر الشريف وأساتذة الجامعات والمحامين والمهندسين والمحاسبين والأطباء والصيادلة وضباط الجيش والبوليس.

فنظمنا محاضرات ثقافيه يتحدث فيها كل متخصص في تخصصه فازداد الإخوان علما وثقافة عظيمة وكان الجو في هذه المنطقة الصحراوية شديد الحرارة نهارا شديد البرودة ليلا في الصيف أما في الشتاء فالجو دافئ نهارا قارص البرد ليلا لدرجة تجمد المياه في بعض الليالي وكان الطعام المتيسر هو دقيق القمح نصنع منه خبزا بواقع ثلاثة أرغفة في اليوم لكل فرد والفول والعدس والجبن القريش والعسل الأسود للإفطار والغداء وبالنسبة لوجبة العشاء قطعة لحم وخضار أربعة أيام في الأسبوع وثلاثة أيام بقول ناشفة فاصوليا أو لوبيا.

وكانت المشكلة الرئيسية في الطعام تنحصر في الخضروات الطازجة والمطبوخة ويلاحظ أن الفواكه واللبن والبيض كانت من الممنوعات في سجون مصر أما مشكلة الخضار فكانت أنه لا يصل إلى السجن إلا تالفا تماما فامتنعت إدارة السجن عن إحضاره واكتفت بالقرع العسلي والبطاطس والقلقاس والباذنجان الرومي وكانوا يطلبون مناطبخ القرع العسلي بدون سكر ونأكله بالملح بدلا من الكوسة وقد تأثرت صحة الإخوان لخلو غذائهم من أي مصدر للفيتامينات الضرورية لوقاية الجسم من بعض الأمراض وبدأت تظهر على المسجونين السياسيين من الإخوان المسلمين أعراض أمراض سوء التغذية كالاسقربوط والعشى الليلي (العمى الليلي) فاتصلت بمأمور السجن وأفهمته خطورة الحالة وبخاصة وأن بعض أعرض هذه الأمراض بدأت تظهر في جنود الحراسة حيث إن طعامهم كان خاليا من الفيتامينات لعدم وجود خضروات وقلت لمأمور السجن إن استمرار هذه الحال من القتل البطيء قد تؤدى إلى أوخم العواقب وكان معنا في السجن أطباء من الإخوان المسجونين فأفهموا المأمور مدى الخطورة التي تترتب على ذلك وبخاصة بالنسبة لحراسة السجن. فوعد المأمور بكتابة تقرير لمصلحة السجون بذلك واقترح عليه الأطباء السماح للمسجونين باستلام طرود من ذوبهم بوادي النيل بها بعض أدوية الفيتامينات لعلاج حالات نقص الغذاء في هذا المنفى الصحراوي وجاء الرد بعد شهر بموافقة مصلحة السجون على السماح لأهالي المسجونين السياسيين بالواحات الخارجة بإرسال طرود لهم بما يحتاجونه من ملابس واقيه من البرد وكتب وأدوية ومعلبات.

وكان لتبادل الرسائل والطرد بين الإخوان المسجونين بالواحات الخارجة وذويهم أثر كبير في حل مشكلة الخضار الطازج ، لم يكن يخطر لنا على بال فقد كان بين الإخوان المسجونين جماعة من المهندين الزراعيين والفلاحين فطلبوا من ذويهم إرسال بعض بذور الخضروات كالجرجير والفجل والجزر والطماطم والخيار والكوسة والملوخية والبامية... الخ.

فلما وصلت هذه البذور استأذنوا مأمور السجن في السماح لهم بالخروج من السجن ومعهم بعض المهندسين من مسجوني الإخوان والمختصين بالمياه الجوفية للنظر في أمكانية زراعة مساحة من أرض السجن بالخضروات بعد التأكد من كفاية موارد المياه فوافق المأمور وذهبت معهم سيرا على الأقدام تحت حراسة مشددة فشاهدنا مصدر المياه على بعد 2كيلو متر من السجن وهو عبارة عن عين يتدفق منها ماء ساخن باستمرار من باطن الأرض وأقيم حولها حوض كبير من الأسمنت لحفظ المياه ومع ذلك كانت المياه تملأ الحوض وتفيض ومدت مواسير من أسفل الحوض الذي أقيم على العين إلى حوض آخر من الأسمنت تحت مستوى الأرض وهذا الحوض الأخير هو الذي كنا نرفع منه المياه بواسطة الطلمبة اليدوية الماصة الكابسة إلى أعلى الصهريج الموجود أعلى دورة المياه والمطبخ والفرن داخل السجن.

وقرر خبراء الزارعة والري الموجودون معنا داخل السجن من الإخوان المحكوم عليهم زراعة فدان واحد من رقعة السجن البالغة مساحتها خمسة أفدنة وذلك بعد استئذان المأمور الذي وافق على الفور ولشد ما كانت دهشتنا أن أنتجت هذه الأرض الملوخية والبامية والطماطم والخيار والفجل والجرجير والجزر الأصفر والكوسة فتوسعنا في الزراعة حتى صارت مساحة المزرعة فدانين وكان الماء كافيا واكتفينا بمحصول الفدانين من الخضروات ومر عام 1955 و الإخوان هادئون يقطعون ضابط الوقت في عبادة الرحمن والاستزادة من العلم وفي مطلع عام 1956 زارنا بالسجن ضابط من الجيش يعمل في المخابرات اسمه بهجت وطلب مقابلتي وقال لي أنه مكلف من الرئيس عبد الناصر بالاتصال بي شخصيا لعمل التسهيلات اللازمة لراحة الإخوان في سجن الواحات الخارجة وأحضر معه جهاز راديو وميكرفون لإذاعة نشرات الأخبار والقرآن الكريم من محطة القاهرة وصوت العرب وكان الصاغ بهجت يحضر يوميا لمقابلتي وكنت لا أعرفه قبل ذلك ولذلك لا أذكر اسمه الكامل وأخذ الصاغ بهجت في مقابلاته يكرر نغمة واحدة في أحاديثه المتكررة معي وهي أن جمال عبد الناصر برئ من دم الشهداء الستة ولم يكن موافقا أبدا على إعدامهم ولكن جمال سالم رئيس محكمة الشعب هو الذي أصر على إعدامهم وهدد عبد الناصر بأنه في حالة عدم التصديق على أحكام الإعدام فسيقوم جمال سالم بنفسه بضرب جميع المعتقلين في السجن الحربي من الإخوان بالمدافع الرشاشة فيبيد عشرة آلاف معتقل داخل السجن وبذلك يضع عبد الناصر أمام مذبحة دموية لا يستطيع تحمل وزرها أمام ضميره وأمام التاريخ وأمام شعب مصر وشعوب الأمة العربية والإسلامية ففضل عبد الناصر التضحية بستة أشخاص بدلا من هذه المجزرة التي كانت لو حدثت فلا يعلم سوى الله ما تجره هذه المذبحة من نتائج وأن عبد الناصر يود من كل قلبه أن ينسى الإخوان ما حدث لهم وأن يفتحوا معه صفحة جديدة.

فقلت له وما الذي يؤكد لنا أنك مبعوث حقا من جمال عبد الناصر فقال بهجت إن البلاد مقبلة على أخبار سارة فبعد أسبوع سيتم جلاء آخر جندي إنجليزي عن منطقة قناة السويس وقد تحدد يوم 18/ 6/ 1956 كآخر موعد لإتمام الجلاء واقترح بهجت على أن أرسل تلغراف تهنئة ل جمال عبد الناصر بعد تمام الجلاء وقال إن عبد الناصر شخص عاطفي كشأن المصريين جميعا وسيتأثر من هذه البرقية وخصوصا لو جاءت منك لما بينك وبينه من صلات تاريخية لا يمكن أن ينساها وتشاورت مع البكباشي محمد فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع زملائي في محنة 54 بسجن الواحات فوافقوا على مبدأ إرسال برقية التهنئة بالجلاء ل عبد الناصر وما إن أذاعت إذاعة القاهرة نبأ جلاء أخر جندي بريطاني عن ارض مصر حتى عم البشر جميع من يداخل السجن من الإخوان وفي يوم 19/6/1956 كتبت البرقية التالية ووقعتها ووقعها معي البكباشي محمد فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع وسلمتها للصاغ بهجت وهذا نصها :

«من ضباط الجيش السابقين المسجونين بسجن الواحات الخارجة إلى الرئيس جمال عبد الناصر » [نهنئ سيادتكم والأمة المصرية بجلاء القوات البريطانية عن أرض الوطن].

توقيعات :-

وبعد يومين استدعاني مأمور السجن وسلمني برقية هذا نصها :

«السادة ضباط الجيش السابقين الموجودين بسجن الواحات الخارجة أشكركم على رقيق تهانيكم ونبل مشاعركم وأبعث إليكم بأطيب التمنيات» جمال عبد الناصر

ولما وصلتني برقية جمال عبد الناصر تأكدت من أن الصاغ بهجت مبعوث فعلا من قبل عبد الناصر وأخطرت فؤاد جاسر و جمال ربيع ببرقية عبد الناصر وأطلعتهم عليها.

وبعد أيام جاء الصاغ بهجت وأخطرني أن مجلس قيادة الثورة أتخذ قرارا في آخر اجتماع له بتفويض رئيس الجمهورية حق العفو الشامل عن الإخوان المسلمين .

وقال بهجت إنه علم من المخابرات أن الإفراج عنا وشيك الوقوع.

تأميم قناة السويس

استمعنا لخطاب جمال عبد الناصر يوم 26/ 7/ 1956 والذي أذاعته محطة القاهرة على الهواء مباشرة وفوجئنا بإعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس .

وكان تأميم قناة السويس حلما يراود شعب مصر وعملا جريئا قام به عبد الناصر وهو عمل وطني مائة في المائة. وعلى أثر هذا القرار التاريخي قررت إرسال برقية لعبد الناصر أعلن تأييدي له في هذه الخطوة الوطنية المباركة.

فتشاورت مع فؤاد جاسر و جمال ربيع فوافقا معي على إرسال البرقية وطلبا قبل إرسالها أخذ رأي كبار الإخوان من أعضاء مكتب الإرشاد الموجودين معنا في السجن وحبذا إصدار بيان من الإخوان بتأييد جمال عبد الناصر في هذا الموقف الوطني الجريء.

فتناقشنا مع أعضاء مكتب الإرشاد في موضوع تأميم القناة وحبذنا إصدار بيان من الإخوان لتأييد الحكومة في موقفها فكان رد أعضاء مكتب الإرشاد أن تأميم القناة عمل وطني وجرئ لاشك فيه ولكن إرسال برقية تأييد ونحن مسجونون قد يفسرها عبد الناصر على أنها نفاق أو ضعف لاستجداء الإفراج عنا ولكن الوضع يختلف لو كنا أحرارا خارج السجون.

ولم يأخذ برأي مكتب الإرشاد الدكتور خميس حميدة وكل الجماعة وأصدر بيانا قرأه على الإخوان الموجودين في السجن أيد فيه الحكومة في موقفها الوطني من تأميم القناة. وقال إن فقهاء المسلمين أفتوا بأن الحاكم الظالم لودعا المسلمين إلى الجهاد معه لرد أعداء الله وجب على المسلمين أن يجاهدوا أعداء الله معه ورفض باقي أعضاء مكتب الإرشاد فكرة تأييد الحكومة وهم داخل السجن وقالوا إن هذا التأييد ذلة لا يرضونها لأنفسهم ولقد رأى كثير من شباب الإخوان أن تأييد حكومة عبد الناصر في موقفها الوطني لا غبار عليه من الوجهة الشرعية وقالوا نحن ننسى التعذيب الوحشي والمحاكمات الظالمة وآلام السجن والنفي في سبيل مصر التي تتعرض الآن لخطر العدوان عليها من الدول الاستعمارية.

وكتب المؤيدون للحكومة في موقفها الوطني تأييدا للحكومة سلمته للصاغ بهجت يوم 14/ 9/ 1956 هذا نصه.

السيد / رئيس الجمهورية

بدافع من إيماننا بالحق وإخلاصنا للوطن وتفانينا في الدفاع عن حقوقه ومصالحه نعلن بقلوب مخلصة وقوفنا إلى جانب الخطوة التاريخية التي خطاها السيد الرئيس بتأميم قناة السويس المصرية ولنا على أرضها شهدا ودماء عزيزة خالدة.

كما نعلن تأييدنا لسياسة الحياد الإيجابي والوقوف أمام إسرائيل وتدعين الكتلة العربية من الخليج إلى المحيط. وإننا بالرغم من وجودنا خلف الأسوار نعتبر أنفسنا مجندين لمعركة الدفاع عن حقوق البلاد ورهن إشارة قيادتها.

ونعلن انجلترة والدول الغربية الاستعمارية أن أبناء النيل لم تفرق بينهم الأحداث وهم كتلة واحدة قوية متراصة تستطيع بإيمانها أن تفتت أساليبهم الاستعمارية العتيقة التي أصبح بمجها الذوق العالمي.

وأننا أمام تهديداتهم التي تقطع بانهيار أعصابهم نعلن استعدادنا للدفاع عن حياض الوطن حتى آخر قطرة من دمائنا والله ولي التوفيق.

توقيعات

ووقعت هذه البرقية ومعي سبعون شخصا من الإخوان منهم الدكتور خيمس حميدة وكيل جماعة الإخوان والبكباشي فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع واليوزباشي شرطة جمال إسماعيل و سعيد بلبع و عز الدين صادق من ضباط البحرية وآخرون وباقي الإخوان الموجودين بسجن الواحات الخارجة وعددهم 230 مسجونا سياسيا وعلى رأسهم أعضاء مكتب الإرشاد قالوا نحن نؤيد الحكومة في موقفها الوطني بلا شك ولكن إرسال برقية تأييد ونحن مسجونون ذل لا نرضاها لأنفسنا.


العدوان الثلاثي على مصر 1956

ما إن علم الإخوان من الإذاعة أن طائرات انجلتره وفرنسا بدأت ضرب مدن مصر بالقنابل حتى ثارت الدماء في عروقهم وأسرعوا فكتبوا برقية هذا نصها.

31/ 10/ 1956

السيد / رئيس الجمهورية

السيد / قائد عام القوات المسلحة

السيد / وزير الداخلية

في هذه الفترة الخطيرة التي يتعدى فيها على بلادنا نعلن أن الوطن وطننا جميعا ولنا حق الدفاع عنه ونحن الذين شاركناكم الجهاد في سبيل الله في أعوام 46 ، 47 ضد قوات الاحتلال البريطاني في القاهرة و الإسكندرية ، 48 في حرب فلسطين ، 1951 على أرض قناة السويس نمد لكم يدا صادقة لا تبغي إلا مصلحة الوطن ونطالبكم باسم الله والوطن أن نشارككم فورا في القتال في الخطوط الأمامية ونحملكم أمام الله والتاريخ مسئولية حرماننا من أداء هذا الفريضة المقدسة ونحن فداء الوطن في كل لحظة.

توقيعات

ووقعت هذه البرقية ومعي 73 شخصا من الإخوان منهم ضباط القوات المسلحة السابقون واليوزباشي جمال إسماعيل ضابط الشرطة والدكتور خميس حميدة . وكيل جماعة الإخوان المسلمين و محمود عبده قائد مجاهدي الإخوان بقطاع صور باهر في حرب فلسطين 1948 .

انتهى العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 بهزيمة عسكرية ل مصر واحتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء وانسحاب الجيش المصري من سيناء إلى غرب قناة السويس واحتلال بريطانيا وفرنسا لمدينة بور سعيد.

وقد فشل العدوان واضطرت إسرائيل وانجلترة وفرنسا إلى سحب قواتهم من أرض مصر في ديسمبر من نفس العام الذي بدأ فيه العدوان يوم 29/ 10/ 1956 .

وذلك بسبب إصرار الدولتين العظميين على شجب العدوان وكان لإنذار بولجانين رئيس الاتحاد السوفييتي بضرب لندن وباريس بالصواريخ الموجهة إذا لم توقف هاتان الدولتان عدوانهما على مصر وتسحب قواتهما فورا أثر حاسم في هذه الحرب اضطرب معه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية ورئيسها الجنرال ايزنهاور إلى الضغط على حكومات إسرائيل وانجلترة وفرنسا لوقف العدوان وسحب قواتها من مصر خشية أن ينفذ السوفييت تهديداتهم وتضطر الولايات المتحدة إلى الدخول في حرب عالمية ضد الاتحاد السوفييتي وقد تؤدي هذا الحرب إلى استخدام الأسلحة النووية مما قد يؤدي إلى فناء العالم.

وكانت حكمة الرئيس الأمريكي الجنرال ايزنهاور هي التي منعت وقوع هذه الكارثة العالمية.

وتقدم ايزنهاور بمشروعه لسد الفراغ في منطقة الشرق الأوسط بعد جلاء انجلترة وفرنسا وإسرائيل عن مصر سنة 1956 .

وكانت الولايات المتحدة تطمع في أن ترث الاستعمار البريطاني والفرنسي بعد جلائه عن العالم العربي وكان الاتحاد السوفييتي يطمع في إحلال الهيمنة السوفيتية في العالم العربي بعد جلاء الإنجليز والفرنسيين عن أرض العرب.

وكان على عبد الناصر أن يستغل الصراع بين القوتين العظميين ليحول دون سيطرة إحدى القوتين على العالم العربي ويمكن الوطن العربي من التمتع بالحرية والاستقلال.

ولكن سياسية عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي استمت بالبعد عن الحكمة وظن أن النصر السياسي الذي حققته مصر عام 1956 إنما يرجع إليه شخصيا وشجعه على ذلك المنافقون من الصحفيين ومرتزقة السياسة فأصابه الغرور.

وكان هذا الغرور هو سبب النكبات التي حلت ب مصر بعد ذلك حتى انتهت مسيرة الثورة إلى كارثة 5 يونيو 1967 إذ انحاز عبد الناصر عقب العدوان الثلاثي 1956 إلى جانب الاتحاد السوفييتي انحيازا أعمى وعادى الولايات المتحدة الأمريكية وهي أكبر قوة عسكرية على وجه الأرض وكانت الحكمة السياسية تقتضي عدم معاداة الولايات المتحدة وعدم الانحياز إلى جانب الاتحاد السوفييتي وإنما تقتضي الحكمة عدم الانحياز إلى جانب إحدى القويتين العظميين والانحياز إلى شعب مصر الذي تتطلب مصلحته عدم معاداة أي من القوتين العظميين.

مذبحة طره

بينم نحن نعيش خلف أسوار سجن الواحات الخارجة جاءتنا أنباء مروعة عن وقوع مذبحة للمسجونين السياسيين من الإخوان المسلمين في ليمان طره استشهد فيها 23 من شباب الإخوان المسلمين ويتلخص الموضوع في أنه كان يوجد بليمان طره في 1/ 6/ 1957 مائة وثمانون شابا جمعتهم أحكام نطق بها قضاة محكمة الشعب عام 1954 وكانوا قد أمضوا في تنفيذ الأحكام الظالمة عدة سنوات بليمان طره قضوا لياليها السوداء في أعماق الزنزانات الرطبة المظلمة وعاشوا أيامها الأشد سوادا في قطع وتكسر وحمل الأحجار الضخمة في جبال طره.

واستمرت هذه المهانة سنوات إلى أن أعلن الليمان أن كل مسجون أمضى بالجبل 24 شهرا عليه أن يقدم التماسا يطلب فيه إعفاءه من العمل بالجبل ليعمل بالورش داخل أسوار الليمان.

فأجمع المسجونون السياسيون من الإخوان المسلمين على التقدم بهذه الطلبات لإدارة الليمان ولكن إدارة الليمان رفضت طلبات الإخوان المسلمين وطبقت القاعدة على المجرمين من القتلة واللصوص وهاتكي الأعراض ومهربي المخدرات فاعتصم الإخوان بالعنبر ورفضوا الخروج للعمل في قطع الأحجار فجاءهم مدير الليمان وحاول إقناعهم بالخروج للعمل في الجبل فأبوا فما كان من مدير الليمان إلا أن أحضر قوة من الجنود المسلحين بالبنادق واعتلى عدد منهم الدور الرابع وبدأ ضرب النار في المليان على المسجونين السياسيين من الإخوان المسلمين الموجودين في الدور الثلاث من العنبر رقم (1) بليمان طره.

فأسرع المسجونون إلى داخل زنزانتهم يحتمون بها وحاولوا إغلاقها عليهم وبعد ساعة تقريبا تم وقف إطلاق النار وكان على الأرض دماء غزيرة وجثث مبعثرة وكانت حصيلة المذبحة 23 قتيلا وضعفهم من الجرحى وظل المشهد الحزين صامتا حتى المساء ثم أخرجت إدارة الليمان جثث القتلى والجرحى ليلا ومن المؤلم أن الجرحى وهم مسوقون إلى مستشفى السجن كانوا يضربون بالشوم حتى إن بعضهم لفظ أنفاسه الأخيرة من ضرب الشوم وهو جريح!!

وأذاعت محطات الإذاعة العالمية نبأ المذبحة الرهيبة فور وقوعها ومنعت حكومة عبد الناصر نشر أي أنباء عن هذه المذبحة في صحف مصر ووسائل الإعلام المصرية ولم يتم التحقيق مع المجرمين الذين نفذوا هذه المذبحة إلى يومنا هذا.

التحرك من الواحات الخارجة إلى القاهرة

في أول يوليو 1958 صدرت الأوامر بنقل 80 فردا من الإخوان من سجن الواحات إلى سجن القاهرة العمومي (سجن قرة ميدان - وقد هدم بعد ذلك وكان موقعه بجوار قلعة صلاح الدين الأيوبي ).

وفي يوم الاثنين 7/ 7/ 1958 تحركنا من الواحات إلى القاهرة وكنت ضمن هذا الفوج المرحل من سجن الواحات إلى سجن قرة ميدان وعند وصولنا لمدينة القاهرة نزلنا بليمان طره لمدة يومين ثم نقلنا بعدها إلى سجن قرة ميدان.


الإفراج عني

في يوم 30/ 9/ 1958 تم الإفراج عني من سجن قرة ميدان وتم الإفراج بالأسلوب الآتي :

استدعاني القائمقام عبد الحميد حلمي مدير سجن قرة ميدان إلى مكتبه في الساعة 11 صباحا يوم 30/ 9/ 1958 وأخبرني أني مطلوب الساعة 4 بعد الظهر للذهاب في مهمة خارج السجن فطلبت منه أن يسمح لي بالاتصال تليفونيا بأي شخص من أهلي لإحضار ملابس مناسبة بدلا من ملابس السجن الزرقاء فقال لي لا داعي لذلك لأنها مأمورية سرية للغاية وستعود ثانية إلى السجن فلا داعي لأن تشغل بال أهلك بهذا الموضوع.

وسأحضر لك ملابس أحد الأفراد الذين هم محبوسون احتياطيا على ذمة قضايا يكون حجم جسمه مقاربا لحجم جسمك فأحضروا لي بدلة وقميصا وكرافتة وفي الساعة 4 بعد الظهر خرجت من السجن بدون أي حراسة وركبت سيارة ملاكي القاهرة كانت في الانتظار وركب بجواري الملازم أول زايد رستم من قوة سجن قرة ميدان بملابسه المدنية ولاحظت عدم وجود أي سلاح ظاهر معه وكان سائق السيارة يرتدي ملابس مدنية.

وتوجهت السيارة إلى مبنى وزارة الداخلية وصعدنا لمكتب اللواء عبد العظيم فهمي مدير إدارة المباحث العامة الذي أمر ضابط السجن الملازم أول زايد رستم بالانصراف فأصر ضابط السجن على أخذ إيصال باستلام المسجون فاستدعى عبد العظيم فهمي البكباشي زهدي وأمره بإعطاء إيصال لضابط السجن.

وبعد فترة من الوقت قصيرة شربت فيها فنجانا من القهوة توجهت مع اللواء عبد العظيم فهمي في سيارته بدون حراسة إلى الدقي حيث وقفت السيارة أمام فيلا عليها حراسة مشددة. ثم دخلنا المنزل فوجدنا زكريا محيى الدين وزير الداخلية فرحب بي وقال «مالك خاسس ليه كده».

فقلت له مما لاقيناه من أهوال في السجن الحربي وليمان طره ونقص في الغذاء الحيوي في سجن الواحات الخارجة وقد تأثرت حالتي الصحية وأصبت بعدة أمراض منها السكر وارتفاع ضغط الدم وضعف في قوة الإبصار وخلع لجميع أسناني وروماتزم في المفاصل.

فقال زكريا محيي الدين : احنا كنا نبذل أقصى ما يمكننا في موضوع التغذية بسجن الواحات في حدود الإمكانات المتاحة وأبحنا لكم الطرود من عائلاتكم حينما علمنا بأخطار نقص الغذاء فقلت له لقد حدث ذلك فعلا.

وأخبرني زكريا محيي الدين بأن الرئيس جمال عبد الناصر قد أصدر قرار بالإفراج عني اعتبارا من هذه الليلة وقال زكريا محيي الدين أن عبد الناصر كلفه بأن يقول لي إنه لا يمكن له أي لعبد الناصر أن ينسى أبدا تضحياتي (كاتب هذه السطور) في سبيل مصر واشتراكي في تنفيذ الثورة ليلة 22/ 23/ 1952 . ويرجو عبد الناصر أن تنسى الماضي وما تعرضت له من إساءة وتفتح صفحة جديدة. فقلت لزكريا محي الدين «إني مؤمن بالله وأعلم أن ما أصابني لم يكن ليخطئني وكل ما حدث ثم بقضاء من الله ولعل فيه الخير لي والله أعلم ونحن لا نعلم.

وشكرت زكريا محيي الدين للحفاوة التي لقينى بها في بيته وانصرفت مع عبد العظيم فهمي إلى وزارة الداخلية حيث أطلق سراحي من هناك فركبت «تاكسي» من وزارة الداخلية لمنزل والد زوجتي بسراي القبة وكانت مفاجأة تامة لزوجتي وأولادي وفي اليوم التالي ذهبت في الصباح لسجن قرة ميدان وأعدت الملابس التي استعرتها لصاحبها بالسجن.

  • ماذا بعد الإفراج عنى للمرة الثانية في عهد عبد الناصر  ?
خرجت من السجن يوم 30/ 9/ 1958 فوجدت مصر قد تغيرت وتحولت كلها إلى سجن رهيب وتحول شعب مصر إلى شعب صامت صمت نزلاء القبور. خرست الألسنة وكسرت الأقلام وقهرت حرية الرأي والكر وكممت الأفواه وأصبحت الصحف مملوءة بالشعارات التي بغير مضمون أو تنفيذ والمدح الباطل للحكام. وارتفع المنافقون والانتهازيون والوصوليون ولم يعد لأهل العلم والمثقفين وأصحاب الخبرة ورجال السياسة ورجال الأعمال كلمة أو رأي في إدارة شئون البلاد ونشطت أجهزة الأمن المنوط بها أساسا تعقب نشاط أعداء البلاد من جهة الخارج والمجرمين والمفسدين في الأرض في الداخل ، كل أجهزة الأمن نشطت لا لتؤدي واجبها الحقيقي في حماية أمن البلاد وأمن المواطنين وإنما نشطت في تعقب الأحرار والشرفاء من المواطنين وكتابة التقارير السرية عنهم ومحاولة الإيقاع بهم بتدبير المؤامرات الوهمية بحجة حماية أمن حاكم مصر ونظامه الديكتاتوري.

وأخذت هذه الأجهزة تتسقط أي كلمة يتفوه بها مواطن لعلها تكون الدليل للوصول إلى أول خيط تتبعه هذه الأجهزة للوصول إلى التنظيمات السرية التي تضمر شرا بحاكم مصر .

ثم تؤخذ الضحية إلى السجن لتلاقي من أصناف التعذيب الوحشي ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

وتتوالى الاعترافات الكاذبة بمؤامرات تحاك الظلام لحاكم مصر وتتوالى المحاكمات الاستثنائية والأحكام الظالمة وقد استحوذ الذعر على الخلق من شيوع الجاسوسية وأصبح كل فرد في مصر يحسب زميله في العمل أو جاره في السكن جاسوسا ، ولو أنك اعتبرت شعب مصر كله جواسيس لم تكن مغاليا.

  • ويتجسسون عمن ولمن؟
يتجسسون على بعضهم البعض لحساب جمال عبد الناصر حاكم مصر المطلق.

وكان عبد الناصر يباهى الحكام الآخرين بأجهزة مخابراته وأنه يعلم دبيب النمل وما يحدث بينا المرء وزوجه في عقر داره.

وحتى نواب رئيس الجمهورية والوزراء لم يسلموا من ذلك. وكانت أجهزة التجسس ترفع التقارير اليومية إلى جمال عبد الناصر عن أنور السادات و زكريا محيى الدين و عبد اللطيف البغدادي و كمال الدين حسين ...الخ.

لدرجة أن تتضمن هذه التقارير أن واحدا من هؤلاء كان في السينما أمس وقد نشر محمود الجيار في مجلة روز اليوسف بعد وفاة عبد الناصر وهو في معرض كتابة مذكراته أن التقارير كانت ترفع يوميا ل عبد الناصر عن نشاط وتحركات وأقوال وأفعال هؤلاء السادة من أعضاء مجلس الثورة والوزراء وكأن عبد الناصر لم يقرآ قول الله تعالى في كتابه الكريم ﴿وَلاَ تَجَسَّسُوا﴾.

فلقد نهى الله عباده المؤمنين عن التجسس لما فيه من فساد وإفساد لحياة المجتمع. وهكذا شغل عبد الناصر معظم وقته في التجسس على شعب مصر وضيع وقته في قراءة التقارير المرفوعة إليه من أجهزة الأمن المختلفة من مخابرات عامة ومخابرات حربية ومباحث أمن الدولة ورقابة إدارية وغير ذلك وترك عمل رجل الدولة الحقيقي.

وقد اشتد الظلام في مصر والتعتيم الإعلامي وكثر الظالمون وتعددت المظالم وكانت آية المظالم الحراسات على أموال الناس بقرارات جمهورية وتقوم أجهزة الأمن بتنفيذ هذه القرارات بأسلوب همجي لا يتورع عن نهب وسلب أموال الناس وإخراج النساء والأطفال بملابس النوم بعد منتصف الليل من البيوت إلى الشوارع لأن الزوج أو الأب قد فرضت عليه الحراسة ولم يعد يملك في ظل شريعة الغاب البقاء حتى الصباح في بيته.

ثم يفحش المنفذون ويقومون بنهب ما في بيوت الناس من نقود ومجوهرات وتحف.


الإعتقال للمرة الثالثة في عهد عبد الناصر

في يوم 6/ 9/ 1965 استيقظت من النوم على صوت طرق شديد على الباب فأوقدت نور حجرة النوم ونظرت في الساعة فوجدتها الثالثة صباحا.

فذهبت إلى باب الشقة وفتحته فاقتحم الشقة حوالي سبعة أفراد يريدون الملابس المدنية شاهرين مسدساتهم ثم سألني كبيرهم هل أنت حسين حمودة ؟ قلت نعم قال تفضل معنا قلت ومن أنتم؟ قالوا مباحث عامة. فقلت لكبيرهم وما سبب ذلك؟

قال : تعليمات وزير الداخلية باعتقال جميع الإخوان المسلمين في مصر .

فوجدت أن المناقشة مع هؤلاء الناس لا تجدي فطلبت من كبيرهم أن يسمح لي بارتداء ملابسي فرفض فخرجت معهم بملابس النوم (جلابية).

فذهبت معهم إلى مبنى قسم شرطة الزيتون حيث أودعت غرفة الحجز ولم يكن بها أحد غيري. وتلا ذلك فتح باب غرفة الحجز كل فترة ليقذف فيها بمعتقل جديد حتى وصل عددنا إلى حوالي أربعين شخصا في حجرة مساحتها حوالي 4 في 5 أمتار تقريبا.

وظللنا وقوفا من صباح 6/ 9/ 1965 حتى صباح 7/ 9/ 1965 وحوالي الساعة 10 صباح يوم 7/ 9/ 1965 فتح السجان باب غرفة الحجز ونادي حسين حمودة فقلت أنا فقال تعالى كلم في التليفون في غرفة ضابط مباحث القسم.

فكلمت أحد الأشخاص الذي عرفني بنفسه قائلا «أنا أحمد صالح داود مفتش المباحث العامة» فقلت أنا حسين حموده فقال : أنت كنت ضابط في الجيش فقلت أيوه. فقال: أحنا متأسفين لقد قبض عليك خطأ وسيفرج عنك الآن أعطني ضابط المباحث.

فأعطيت التليفون لضابط مباحث قسم الزيتون الذي كلمه أحمد صالح داود وأمره بإخلاء سبيلي فورا.

فخرجت من قسم شرطة الزيتون بالجلابية التي ارتديها إلى منزلي فقال لي زوجتي..

«اتصل فورا باللواء حسن طلعت مدير المباحث العامة وأعطتني رقما»

فاستفسرت منها عن الموضوع فقالت منذ ساعة تقريبا اتصل اللواء حسن طلعت بمنزلي وقال لزوجتي : «هو حسين بك حموده موجود» فقالت له السيدة زوجتي : لا دول جم أمس الأول وقبضوا عليه» فقال لها حسن طلعت احنا أفرجنا عنه ومن فضلك أول ما يحضر خليه يتصل بي بالتليفون وأعطاها رقما».

فاتصلت به فقال اللواء حسن طلعت إنه مكلف رسميا من الرئيس جمال عبد الناصر بإخطاري بأن الإفراج عني كان بأمر من جمال عبد الناصر شخصيا.

الفصل الخامس: قارعة 5 يونيو سنة 1967

مقــدمــة

فجأة دون مقدمات قرأنا في صحف القاهرة أن الرئيس جمال عبد الناصر قد أصدر تعليمات يوم 14/ / 1967 بوضع القوات المسلحة المصرية في أعلى درجات الاستعداد وقيل في تعليل ذلك إن إسرائيل تجري حشدا لقواتها ضد سوريا استعدادا لغزوها.

وبدأ حشد القوات المسلحة المصرية في سيناء اعتبارا من يوم 15/ 5/ 1967 لتنفيذ اتفاق الدفاع المشترك مع سوريا ومعنى ذلك قيام مصر بشن هجوم على إسرائيل في حالة هجوم إسرائيل على سوريا .

وفي يوم 15/ 5/ 1967 وجه الفريق أول محمد فوزي رئيس هيئة أركان حرب القوات المسلحة المصرية كتابا إلى قائد قوات الطوارئ الدولية يطلب فيه سحب هذه القوات من الأرض المصرية ونشرت صحف القاهرة هذا الكتاب وفي يوم 23/ 5/ 1967 أعلن جمال عبد الناصر قفل مضيق تيران في وجه الملاحة الإسرائيلية.

وفي صباح يوم 5/ 6/ 1967 قامت إسرائيل بضربة جوية على جميع مطارات مصر العسكرية في الساعة الثامنة صباحا و 45 دقيقة دمرت فيها معظم طائرات مصر الحربية وهي جاثمة على الأرض.

وبعد ظهر 6/ 6/ 1967 أصدر المشير عبد الحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة أمرا مباشرا للقوات المسلحة في سيناء بالانسحاب إلى غرب قناة السويس . وصدر هذا الأمر دون علم رئيس هيئة أركان الحرب ودون أخذ رأي هيئة عمليات الجيش .

فتم الانسحاب دون أمر عمليات حربية يحدد طرق انسحاب كل وحدة ودون تكليف أي قوة بعمل ستارة لحماية القوات أثناء انسحابها ودون تحديد للمكان الذي تحتله أي قوة بعد جلائها عن سيناء إلى الغرب من قنال السويس.

وكانت النتيجة المحدودة فقتل أكثر من 20000 شهيد من أبناء مصر وتركت القوات المسلحة أسلحها وانسحب أكثر من 1000000 رجل إلى قراهم ومدنهم داخل مصر .

ولم يبق في مصر جندي واحد من جنود القوات المسلحة يمكن أن يحمي منطقة غرب قنال السويس وفي مساء 9/ 6/ 1967 استمعنا إلى بيان من جمال عبد الناصر نقلته شاشة التليفزيون يفيد بأن أصدقاءنا السوفييت أخطروا الوفد الألماني المصري الذي كان يزور موسكو في مطلع مايو 1967 بأن هناك قصدا مبيتا ضد سوريا وأنه عملا بواجب الأخوة تحركت قواتنا المسلحة إلى حدودنا وأنه تسلم من جونسون رئيس الولايات المتحدة يوم 26/ 5/ 67 رسالة يطلب فيها ضبط النفس وألا نكون البادئين بالعدوان وفي نفس الليلة والنصف بعد منتصف الليل وأبلغه بطلب ملح من الحكومة السوفيتية ألا نكون البادئين بإطلاق النار وفي صباح 5/ 6/ 1967 جاءت ضربة العدو الجوية وأن قواتنا المسلحة في سيناء اضطرت إلى إخلاء خط الدفاع الأول.

وأنه قرر أن يتنحى تماما ونهائيا عن أي منصب رسمي وأي دور سياسي وأنه كلف زكريا محي الدين بأن يتولى منصب رئيس الجمهورية.

وأن الثورة ليست حكرا على جيل واحد من الثوار وأنه يعتز بإسهام هذا الجيل من الثوار في تحقيق جلاء القوات البريطانية عن مصر وتحديد شخصيتها العربية واسترداد قناة السويس وبناء السيد العالي وتحقيق سيطرة الشعب المصري على موارد ثورته التي كان ينهبها الأجانب.

وبات واضحا من خطاب جمال عبد الناصر أن مصر خسرت الحرب وأن حجم الهزيمة يفوق كل ما يتصور العقل. فقد أصبحت قوات مصر المسلحة فلولا واقتطعت إسرائيل شبه جزيرة سيناء في ستة أيام وهناك أسئلة لابد وأن نجد لها إجابة.

فليس من المعقول أن يجتمع عدد من المصادفات السيئة بالنسبة ل مصر كما تجمع في هذه الحرب مما يغلب على الظن أن في الأمر خيانة وطنية وأن هذه الخيانة كانت في أعلى المستويات وهنا تجدر الإشارة إلى الأمور التالية :

أولا : الضجة الإعلامية

صاحب عملية حشد القوات المسلحة المصرية في سيناء ضجة إعلامية كبيرة وكان الواجب إجراء هذه التحركات في سرية تامة دون ضجة أو إعلام كما تقضي بذلك أصول فن الحرب فالكتمان من وسائل المفاجأة والمفاجأة مبدأ من أهم مبادئ الحرب ولا يخفى ذلك على جمال عبد الناصر رئيس الجمهورية و عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة و شمس بدران وزير الحربية. وهؤلاء الثلاثة من العسكريين الذين يعلمون هذه الحقائق.

ثانيا : معلومات كاذبة

تبين من المعلومات التي أذيعت بعد وفاة عبد الناصر أنه لم يكن هناك أية حشود عسكرية إسرائيلية تجاه سوريا وأن الأمر لم يكن سوى تبليغ سوفييتي ل أنور السادات رئيس مجلس الأمة حين كان في زيارة لموسكو في أوائل مايو 1967 .

فلماذا نقل إلينا الروس هذه المعلومات الكاذبة عن الحشود الإسرائيلية المزعومة على حدود سوريا؛ فهل خدعت المخابرات الإسرائيلية المخابرات السوفيتية لاستدراج مصر إلى مؤامرة دولية وساعة النطاق يشترك فيها اليهود والإدارة الأمريكية وبعض المصريين الخونة في قمة الجهاز المصري الحاكم؟

ثالثاً: ضبط النفس

طلب السفير السوفيتي مقابلة جمال عبد الناصر في ميعاد غير مألوف ليبلغه رسالة موسكو بضبط النفس وألا نكون البادئين بإطلاق النار وذلك بعد منتصف ليلة 26/ 5/ 1967 وفي نفس الوقت تسلمت القاهرة رسالة من جونسون رئيس الولايات المتحدة يناشد مصر فيها ضبط النفس وألا نكون البادئين في العدوان في الوقت الذي يعلم فيه الأمريكان تماما نيات إسرائيل العدوانية نحو مصر .

لماذا اتفق الروس والأمريكان على التقدم في وقت واحد بهذا الطلب ل عبد الناصر ؟

رابعاً : الضربة الجوية

كرر العدو الإسرائيلي يوم 5/ 6/ 1967 ما فعله الإنجليز في عدوان 1956 فلماذا لم نعتبر من ضربة 1956 وقادة القوات المسلحة في مصر سنة 1956 هم بعينهم قوات مصر المسلحة سنة 1967 ؟

عبد الناصر و عبد الحكيم عامر ، و صدقي محمود قائد القوات الجوية في عام 1956 هو نفسه قائد القوات الجوية سنة 1967 .

ولما وقعت الضربة الجوية صباح 5/ 6/ 1967 لماذا لم يرسل الأصدقاء الروس مددا فوريا من الطائرات بدلا من التي دمرت ولا سيما أنهم الذين دفعونا لهذه الحرب بالإبلاغ عن معلومات غير صحيحة عن حشود إسرائيلية تجاه سوريا وهم الذين طلبوا منا ليلة 26/ 5/ 67 ضبط النفس وعدم البدء في العدوان على إسرائيل .

وثبت أن عبد الناصر طالبهم بذلك فماطلوا فكيف يعرض الصديق صديقه للكوارث بهذا الشكل؟

ولماذا وقعت الضربة الجوية و عبد الحكيم عامر في الجو صباح يوم 5/ 6/ 1967 مما قيد وسائل الدفاع الجوي المصري وساعد على خلق ظروف مواتية للطيران الإسرائيلي لضرب المطارات العسكرية المصرية كلها في وقت واحد دون أن ترد عليها وسائل الدفاع الجوي المصرية فهل تم ذلك مصادفة؟ أم علم اليهود بميعاد زيارة المشير عبد الحكيم عامر للجبهة من الخونة المصريين المحيطين ب عبد الحكيم عامر .

خامساً: تغيير الخطة من هجوم لدفاع

عندما غير عبد الناصر خطته من هجوم إلى دفاع بعد التبليغين السوفيتي والأمريكي ليلة 26/ 5/ 1967 لماذا لم تتخذ القوات العسكرية المصرية ترتيباتها الطبيعية المترتبة على تغيير من هجوم إلى دفاع مثل سحب بعض القوات المصرية إلى الغرب من قنال السويس ولا سيما أن حجم القوات المصرية الذي عبر القناة واحتشد في سيناء كان كبيرا (120000 جندي).

لقد أعطتنا الطبيعية مضايق مثالية للدفاع عن سيناء عند الممرات فلماذا لم تكلف بعض القوات باحتلالها والدفاع عنها ولماذا لم يكلف سلاح المهندسين بعمل التحصينات اللازمة في الممرات من دشم للأسلحة وملاجئ للأفراد وخنادق مواصلات وحقول ألغام ... إلخ.

وليس من المعقول وقد أعطتنا الطبيعة هذه الأرض المثالية للدفاع عن قناة السويس أن يكون أمر الانسحاب إلى الغرب من قناة السويس ولماذا لا يون أمر الانسحاب إلى الممرات وبذلك نضمن بقاء قناة السويس في أيدينا ولا تتعرض مدن القناة لقصف مدفعية العدو حين صلت قواتهم إلى الضفة الشرقية لقنال السويس وما كان هذا يغيب عن جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر و شمس بدران وزير الحربية وكلهم من الضباط العسكريين فهل كان أمر الانسحاب إلى الغرب من قناة السويس مصادفة أم كان مقصودا به تقديم سيناء لقمة سهله لليهود بغير قتال؟

سادساً : الانسحاب

لماذا أصدر عبد الحكيم عامر أوامره لقوات الجيش بالانسحاب بدون علم رئيس هيئة أركان حرب الجيش وهيئة عمليات الجيش ومعلوم أن هيئة عمليات الجيش مهمتها الرئيسية وضع الخطط الكفيلة بالدفاع عن البلاد وتكون لديها خطط مدروسة وموضوعة زمن السلم بعناية وإتقان ولديها خطط بديلة لكافة الاحتمالات ومنها خطط الانسحاب.

وقد أدى هذا الأمر المباشر من نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى انسحاب غير منظم انقلب إلى فوضى أدت إلى ترك الجنود أسلحتهم لينجو كل فرد بحياته.

والانسحاب مرحلة من مراحل الحرب وله أصول معروفة في فن إدارة الحرب ويجب أن يصدر به أمر عمليات حربية مفصل إلى الوحدات المقاتلة لتنتقل كل وحدة عسكرية من موقع إلى آخر في الخلف بكامل الأسلحة ومعدات الحرب تحت ستار وحماية مؤخرة وغالبا ما يجري الانسحاب ليلا.

والذي حدث في حرب يونيو 1967 كان شيئا مختلفا بالمره فعقب ضربة الطيران في 5/ 6/ 1967 أصدر عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة ظهر يوم 6/ 6/ 1967 قرار الانسحاب بالتليفون المباشر منه لقادة الوحدات حتى دون علم القائد العام للجبهة ودون علم رئيس الأركان وهيئة العمليات وفوجئ قائد الجبهة بانسحاب القوات دون علمه فاضطر هو الآخر للانسحاب.

ما شاء الله! ما هذا؟

هل هذا قرار انسحاب قوات عسكرية نظامية طبعا لا!!!

إنما هو قرار بالفرار الجماعي من الحرب لجيش كامل بأسره بأمر من المشير عامر يأمر جنوده بترك أسلحتهم وذخائرهم دون أن يطلقوا طلقه واحدة وينتشروا في الصحراء لينجو كل فرد بحياته.

ولقد ترتب على قرار الفرار الجماعي للإبقاء على حياة أفراد الجيش المصري بهذه الصورة المزرية أنه كلف مصر أضعاف ما كان يحتمل أن يصيبنا من خسائر لو ثبت الجنود في مواقعهم وقاتلوا معركة دفاعية بثبات دفاعا عن أنفسهم وشرفهم العسكري.

وكانت نتيجة قرار عبد الحكيم عامر الذي أمر جنده بالفرار من الحرب أن فقدنا أسلحة الجيش المصري كلها وأرواح الضباط والجنود الذين قدموا حياتهم دون مقابل.

ولقد صرح جمال عبد الناصر في احدي خطبه بعد النكسة بأكثر من عام بأن مصر خسرت 1500 ضابط ، 20000 جندي قتلى في صحراء سيناء في عمليات يونيو 1967 .

وهكذا ذهبت أرواح آلاف الشهداء من أبناء الشعب المصري رخيصة بلا هدف حققوه.

سابعاً : من المسئول

لماذا قال المرحوم الرئيس محمد أنور السادات في مجلس الشعب يوم 16/ 10/ 1973 إن القوات المصرية كانت ضحية يوم 5/ 6/ 1967 ولم تكن أحد أسبابها فهل يفهم من قول أنور السادات أن جيش مصر سيق إلى الذبح يوم 5/ 6/ 1967 ولم يعط الفرصة لكي يقاتل حتى ولو دفاعا عن النفس؟ فمن المسئول عن هذه الخيانة الوطنية؟

من المسئول عن ضياع شبه جزيرة سيناء؟

من المسئول عن ضياع أسلحة الجيش المصري الذي دفع الشعب الكادح من الفلاحين والعمال والمثقفين ثمنها؟

من المسئول عن 40000000000 أربعين ألف مليون دولار خسرها شعب مصر منذ كارثة 5 يونيو 1967 وفقا لما جاء في بيان وزير مالية مصر سنة 1975 ونشرته صحف القاهرة في ذلك الحين وكانت هذه الأموال كفيلة بتغير وجه الحياة على أرض مصر .

من المسئول عن آلاف الشهداء الذين قتلوا ولم يقاتلوا؟ من المسئول عن آلاف الأرامل اللائي فقدن الزوج وهن في مقتبل العمر؟ من المسئول عن آلاف الآباء والأمهات والأبناء الذين فقدوا الابن أو الأب؟ من المسئول عن العار الذي لحق بشعب مصر ؟

فالجيش المصري المفتري عليه لم يدخل معارك أصلا في 1967 حتى يمكن الحكم على كفاءته القتالية.

بل هو لم يهزم أصلا لأنه لم يعط الفرصة للقتال وصدرت أوامر المشير عبد الحكيم عامر نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بترك الأسلحة وأن ينجو كل فرد بحياته ويعود إلى غرب قناة السويس «هل حدث هذا في التاريخ العسكري لأي دولة؟»

«هل حدث هذا في التاريخ العسكري ل مصر ؟»

ثامناً : إن تاريخ العسكرية المصرية مشرف جدا منذ أقدم العصور:

إن المصريين هم أول شعب عرف النظام العسكري وتنظيم الجيوش.

والتاريخ الحربي للإنسان بدأه المصريون ، لقد قاتل المصريون على مر التاريخ دفاعا عن أرضهم وأرض جيرانهم. ويكفي أن نذكر انتصار جنود مصر في المعارك الآتية:

1- معركة مجدو

حينما قاد تحتمس الثالث جيشا مكونا من 30000 مقاتل من دلتا النيل في 19/ 4/ 1468 قبل الميلاد حتى وصل إلى قلعة مجدو عند المنحدر الشمالي لجبل الكرمل يوم 10/ 5/ 1468 أي بمعدل 16 ميلا يوميا.

وقام المصريون بالهجوم على القوات الآسيوية التي كانت تحت قيادة ملك قادش وكانوا يحتلون قلعة مجدو وحقق المصريون نصرا رائعا وقد قلد بونابرت سنة 1799 ميلادية والفيلد مارشال اللبي 1917 تحتمس الثالث وطبقوا تكتيكاته بالحرف عندما زحفوا من مصر على فلسطين .

2- معركة حطين

حينما قاد صلاح الدين الأيوبي جيوش مصر وقام بتدمير القوات الصليبية في معركة حطين تدميرا تاما 3/ 7/ 1187 ميلادية.

3- معركة المنصورة

حينما قاد لويس التاسع ملك فرنسا حملته على مصر واستولى على دمياط وزحف تجاه القاهرة حيث لاقاه جند مصر عند المنصورة فهزموه شر هزيمة سنة 1250 ميلادية وتعقبوه إلى دمياط وهزموه مرة أخرى عند فارسكور وأسروا لويس التاسع وقواد جيشه وسجنوهم في دار ابن لقمان بالمنصورة.

ملحوظة :- كانت تحكم مصر امرأة هي شجرة الدر

4- معركة عين جالوت

حينما حاصر التتار بغداد عاصمة الخلافة العباسة فقاومتهم أربعين يوما ثم استسلمت تحت ضغط هجمات المغول الذين ارتكبوا بعد فتحها من الشنائع والفظائع ما يفوق كل ما يتصوره العقل البشري.

واختتموها بقتل الخليفة العباسي المستعصم وأزالوا الخلافة العباسية من بغداد سنة 656 هجرية - 1258 ميلادية بعد أن عمرت هذه الخلافة أكثر من خمسة قرون.

واكتسح هولاكو بجيوشه الشام واستولى على حلب ودمشق وبات يهدد مصر وفي وسط هذا الخطر الداهم الذي هدد العالم العربي بالإبادة الكاملة وبدا للعرب أن الغول قوة لا تقهر - خرجت الجيوش المصرية بقيادة السلطان سيف الدين قطز وقابل المغول عند عين جالوت سنة 1260 ميلادية حيث دارت معركة من أكبر معارك التاريخ استطاع قطز فيها أن يهزم المغول هزيمة ساحقة ثم تعقبهم إلى دمشق وطهر الشام من خطرهم.

وعلى هذا النحو حفظت معركة عين جالوت الحضارة الإسلامية من الانهيار.

5- معركة رشيد

حيث أباد شعب رشيد حملة فريزر البريطانية سنة 1807 ميلادية حينما حاول الإنجليز غزو مصر ونزلوا برشيد.

6- معارك عكا وقونية ونزيب

انتصارات جيوش مصر الرائعة بقيادة البطل إبراهيم باشا في عكا 27/ 5/ 1832 وقونيه 11/ 12/ 1832 ونزيب 26/ 6/ 1839 حيث حلت الهزيمة الكاملة بالجيش التركي وأصبح الجيش المصري سيد الأناضول.

تاسعاً : أسباب الهزيمة في حرب 1967

إن النصر الذي أحرزته إسرائيل في 5/ 6/1967 لم يكن وليد قواتها بقدر ما كان نتيجة حتمية لفساد نظام حكم جمال عبد الناصر وأعوانه الرئيسيين عبد الحكيم عامر و شمس بدران وحمزة البسيوني و علي شفيق صفوت وأمثالهم ممن حكموا مصر في الفترة من 1954 وحتى 1967 .

وسأذكر هنا بعض الحقائق لعلها تكشف عن أسباب الهزيمة العسكرية في يونيو 1967 والتي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحربي منذ أن خلق الله الإنسان:

1- في عام 1965 وقف عبد الناصر ليعلن في خطاب له أمام جماهير شعب مصر وكان ذلك بحضور شيلبين الزعيم السوفيتي.

قال المرحوم عبد الناصر «إن على الأمريكان أن يشربوا من البحر الأبيض وإذا لم يكفهم فليشربوا من البحر الأحمر».

2- وعقب هذا الخطاب بدأت إسرائيل الإعداد لتحطيم جيش مصر بالاتفاق مع جونسون رئيس الولايات المتحدة وبمعونة عسكرية كاملة من الإدارة الأمريكية وهذا ما يؤكده كثير مما نشر من تحليل التطورات للموقف الأمريكي.

وكان الاسم الكودي لعملية 5/ 6/ 67 المتفق عليه بين إسرائيل والولايات المتحدة (الأبيض / الأحمر).

3- وفي سبتمبر 1965 ادعت أجهزة المباحث الجنائية العسكرية التابعة ل شمس بدران أن هناك مؤامرة تخريبية إجرامية خطيرة يدبرها الإخوان المسلمون برئاسة سيد قطب لقلب نظام الحكم بعد القيام بعمليات تخريب واسعة الناطق سيترتب عليها نسف محطات الكهرباء ومرافق المياه والمجاري ووسائل المواصلات والكباري والقناطر الخيرية والخزانات المقامة على النيل لتنظيم عمليات الري مما سوف يؤدي إلى انقطاع التيار الكهربي عن المدن المصرية وتوقف المصانع عن العمل وتعطل ملايين العمال ولن يجد المصريون قوت يومهم ولا الماء ليشربوه ويتعذر ري الأرض الزراعية وتطفح المجاري وتفتك الأوبئة والجوع والعطش بشعب مصر وتتوقف المستشفيات عن العمل لانقطاع المياه والتيار الكهربائي ويموت المرضى.

ومعنى ذلك أن الإخوان المسلمين سيقومون باغتيال شعب مصر باسم الإسلام وباسم الدين الحنيف ويصل الإفك إلى حد أن حمدي قنديل يعرض على شاشة التلفزيون المصري شبابا حلقت رءوسهم بالموسى يعترفون على أنفسهم بأنهم كانوا سيفعلون كل هذا التدمير بشعب مصر .

ويصدق جمال عبد الناصر هذا الإفك أو يتظاهر بأنه مصدق ويصدق عبد الحكيم عامر هذا الإفك الذي لا يمكن أن يصدقه رجل عاقل فضلا عن كونه رجلا مسئولا.

وقد حاول اللواء عبد العظيم فهمي وزير الداخلية أن يوضح للمشير عامر أن هذه تقارير غير صحيحة ولا توجد مؤامرة إخوانية.

إلا أن المشير عامر عنفه وقال له : أنت ووزارة الداخلية بتاعتك نايمين في العسل والمباحث الجنائية العسكرية أنقذت أعناقنا بأعجوبة من القتل وقد أطلق جمال عبد الناصر يد شمس بدران في اعتقال الإخوان المسلمين في مصر عام 1965 لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر ولا في تاريخ الإنسانية شملت أكثر من ستين ألف معتقل من مختلف أنحاء القطر المصري مما نشر الفزع والهلع وأشاع الإرهاب في مئات الألوف من العائلات المصرية لأن عائل العائلة أو أحد أبنائها قد قبض عليه ولا يعرف مصيره.

ولقد سمعنا جميعا خطابا من جمال عبد الناصر افتخر فيه بأنه قبض على ثلاثين ألف من الإخوان في ساعات بواسطة أجهزته الرهيبة.

وقبل خطابه هذا بأيام صرح في موسكو أنه قبض على آلاف الإخوان المسلمين وسوف لا يرحمهم أبدا.

وكان المقبوض عليهم يلقون في السجون ويهملون إهمالا تاما إلا من التنكيل والتعذيب.

ولقد أنزل الخونة المارقون عملاء اليهودية العالمية بالأبرياء من الإخوان المسلمين أقسى أنواع التنكيل البشع قبل أن يثبت عليهم أي جرم.

وقد كان أيسر ما يفعلونه بالناس أن يوقفوهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم ثم يأمر شمس بدران وأعوانه كحمزة البسيوني ... إلخ يضرب الضحايا بالسياط حتى تتمزق الأجساد ويسيل منها الدماء ويصبح الإنسان لونه كلون الكبده وكانوا يطلقون الكلاب عليهم لتنهش أجسامهم ويخلعون أظافرهم ويلقونهم بعد ذلك في ماء مثلج ثم يخرجونهم ليكووا أجسامهم بأسياخ الحديد المتوهجة بعد وضعها في النار ثم يرغمون هؤلاء المعذبين على التوقيع على أوراق بيضاء يكتبون فيها ويزيفون ويختلقون المؤامرات التي لا أساس لها.

وقدموا الألوف لمحاكمات هزلية حكمت على سنة بالإعدام منهم العالم الجليل سيد قطب ومئات بالمؤبد والقليل 15 سنة وفي عام 1966 كوفئ المجرم شمس بدران على تعذيبه للإخوان فعينه عبد الناصر وزيرا للحربية.

و شمس بدران من خريجي الكلية الحربية 1948 وكان برتبة اليوزباشي 1952 يوم أن قامت الثورة .

وعمل بعض الوقت في مكتب عبد الحكيم عامر وبعد فترة أصبح من أقرب المقربين إليه وقد أدى هذا القرب إلى تمتع شمس بدران بسلطات واسعة.

ومما لاشك فيه أن اصطلاح «مراكز القوى» الذي استخدمه عبد الناصر نفسه بعد النكسة ينطبق تماما على شمس بدران حتى يوم 10/ 6/ 1967 يوم تقديم استقالته فقد كان في مصر حاكم رسمي هو جمال عبد الناصر يقابل سفراء الدول الأجنبية ويمثل مصر أمام العالم الخارجي ويخطب أمام الشعب في المناسبات القومية وكان في مصر حاكم فعلى هو شمس بدران الذي كانت تتجمع خيوط كل القوى في يده.

وكانت علاقته بالمشير عامر وطيدة ومبنية على الثقة الكاملة وأطلق المشير يد شمس بدران دون قيد أو شرط على كافة اختصاصات المشير فكانت سلطات شمس بدران واسعة في الدولة والقوات المسلحة والوزارات والقطاع العام بلا حدود.

ولم تكن ثقافة شمس بدران تؤهله لمركز وزير الحربية فهو لم يتدرج في وظائف القوات المسلحة بالوحدات المقاتلة ليكتسب الخبرة العملية اللازمة وليست له ثقافة سياسية تمكنه لشغل هذا المنصب الخطير بل ظل يعمل بمكتب المشير عامر منذ كان برتبة النقيب حتى عين وزيرا للحربية سنة 1966 .

واقتصر عمل شمس بدران بمكتب المشير على شيء واحد فقط هو السلطة والسلطة الغاشمة. فاختص بتنقلات الضباط وترقياتهم وإحالتهم على المعاش واعتقالهم وتعذيبهم في السجن الحربي وأشرف شمس بدران على المباحث الجنائية العسكرية والشرطة العسكرية والسجون الحربية. وهذا التنظيم لم يكن موجودا قبل الثورة فشئون الضباط تختص بها إدارة كاتم أسرار الحربية والتي سميت بعد ذلك بإدارة شئون الضباط والشرطة العسكرية تتبع قادة المناطق العسكرية فالشرطة العسكرية الموجودة في القاهرة تتبع القائد العسكري لمنطقة القاهرة أو المنطقة المركزية كما كانت تسمى دائما وكذلك السجون الحربية تتبع قادة المناطق العسكرية وأما المباحث الجنائية العسكرية فلم تكن موجودة قبل الثورة واستحدثتها حكومة عبد الناصر وقد قامت هذه المباحث بمعظم الأموال الإجرامية في عهد عبد الناصر مثل تعذيب وقتل الناس في السجون وحوادث كمشيش وغيرها من الجرائم التي ارتكبت في حق شعب مصر تحت شعار تصفية الإقطاع أو تصفية أعداء الشعب.

وقد ألغيت المباحث الجنائية العسكرية بعد قارعة 5 يونيو 1967 وبمقتضى هذا التنظيم الغريب والخطير الذي يتنافى مع أبسط مبادئ السلامة والأمن أمن الشعب وأمن الحاكم ، بمقتضى هذا التنظيم أصبح شمس بدران هو المسئول عن أمن حاكم مصر والتأكد من ولاء ضباط القوات المسلحة لحاكم مصر .

واستطاع شمس بدران أن يصبح مركز القوة الحقيقي في مصر فهو المسيطر على شئون ضباط القوات المسلحة من حيث الترقيات والتنقلات والإحالة على المعاش وتحت يده جهاز المباحث الجنائية العسكرية والشرطة العسكرية والسجون الحربية.

وأصبح في إمكان شمس بدران أن يعتقل أي إنسان في مصر مدينا كان أو عسكريا ويلقي به في غياهب السجون الحربية حيث تتلقفه أيدي زبانية التعذيب الذين يمكنهم بعد ساعات قليلة أن ينتزعوا من ضحيتهم أي اعتراف مطلوب.

واستطاع شمس بدران أن يكون لنفسه شلة من أعوانه يدينون له بالولاء شخصيا وكان شمس بدران شخصا معدوم الضمير وتكونت شلته على شاكلته أي من معدومي الضمائر فجمعتهم مصالحهم الشخصية في التمتع بالسلطة ونهب الأموال العامة بلا حسيب أو رقيب.

وبدأ شمس بدران يزيد من قبضته على القوات المسلحة فكلف أعوانه بالتجسس على زملائهم وعلى قادتهم بحجة تأمين الحاكم ونظام الحكم.

وكان لانتشار الجاسوسية أثر مدمر على كفاءة القوات المسلحة القتالية إذ أصبح معيار تقييم الضباط مدى ما يظهرونه من ولاء ل شمس بدران لا الكفاءة العسكرية وبذلك استشرت عوامل الفساد في القوات المسلحة المصرية وانتهى الضبط والربط والاحترام الواجب للقادة.

لأن إظهار الولاء أمر سهل فالنفاق وكتابة التقارير والتجسس على الناس أيسر من بذل الجهد في التدريب والنجاح في العمل.

وعاش ضباط القوات المسلحة في جو من الإرهاب والجاسوسية وأصبح الضباط مراقبين في بيوتهم ومقار أعمالهم ولا يأمن أحد منهم على حياته أو مستقبله.

وكم قبض شمس بدران على عدد كبير من ضباط الجيش من مختلف الرتب وأودعوا الزنزانات في السجن الحربي وتم تعذيبهم حتى يعترفوا بما لم يقترفوا.

وأصبح شمس بدران هو الحاكم الحقيقي ل مصر وقد دفعه طموحه إلى أن يفكر في وراثة عبد الناصر في حكم مصر بعد وفاته أو خلعه على يد أعوان شمس. ولو روجعت أسماء الضباط الذين استبعدوا من خدمة القوات المسلحة منذ 23/ 7/ 1952 حتى يوم وفاة عبد الناصر لوصل العدد إلى رقم مذهل ، استبعدوا في سن الشباب ولم يصلوا بعد إلى سن التقاعد.

ولم يتنبه عبد الناصر إلى أن الخائفين لا يمكنهم أن يقاتلوا أو يدفعوا عدوا مهما كان لديهم من أسلحة ولم يعد كبار الضباط يهتمون بالتعليم والتدريب وتربية الجيل الجديد من الضباط لأن ذلك لم يعد بضاعة رائجة ولا سبيلا للترقي وإنما السبيل هو الاشتغال بالجاسوسية لحساب شمس بدران .

ولم يعد صغار الضباط يهتمون بالاستزادة من العلم والعناية بتدريب جنودهم لأن ذلك لم يعد بضاعة رائجة ولا سبيل للترقي وإنما السبيل هو الاشتغال بالجاسوسية لحساب شمس بدران .

لقد عين عبد الناصر شمس بدران وزيرا للحربية سنة 1966 ولم يكن كفئا لتولي هذا المنصب كل مؤهلاته أنه جلاد ورئيس شبكة جواسيس.

وبذلك يكون جمال عبد الناصر و عبد الحكيم عامر و شمس بدران و حمزة البسيوني وأعوانهم هم الذين هزموا جيش مصر سنة 1967 ولم يهزم جيش مصر جنود إسرائيل فهل عرف شعب مصر سبب كارثة 5/ 6/ 1967 إنه حكم الإرهاب والمعتقلات وتعذيب وقتل الناس في السجون بطريقة وحشية لم يسبق لها مثيل ولذلك جاء انتقام الله ، فجاءت هزيمة 5/ 6/ 1967 فريدة في نوعها ولم يسبق لها مثل في تاريخ الحروب منذ أن خلق الله الإنسان.

إن الجيش المصري مفترى عليه في هزيمة 1967 ، لقد كانت مقدرات هذا الجيش في أيدي عصابة من الخونة المارقين واللصوص الخطرين الذين فرضوا الإرهاب على شعب وجيش مصر منذ عام 1954 وانفردوا بالسلطان ونهبوا الأموال العامة وحولوا ملايين الجنيهات إلى حساباتهم السرية في بنوك أوروبا.

وإن أنس لا أنسى القضية الشهيرة بأحد الضباط المقربين من عبد الحكيم عامر والذي كان له دور كبير في تعذيب الإخوان سنة 1954 في السجن الحربي والذي عاث في الأرض فسادا وأشبع شهواته على حساب سلطات المشير وكرامته وأموال الدولة وسمعة الجيش وأصبح مليونيرا بعد أن كان قبل الثورة لا يجد إلا مرتب النقيب المتواضع وقتل هذا الضابط في شقته بلندن بالشوم والعصي الغليظة ووجد البوليس الإنجليزي في شقته مليون جنيه إسترليني نقدا.

إن تفاصيل التحقيق في هذه القضية محفوظة في قيادة القوات المسلحة وهي تنطوي على استغلال النفوذ والتزوير للإثراء الفاحش وتهريب البضائع من الجمارك بحجة أن هذه البضائع ورادة للقوات المسلحة في حين كانت تسلم هذه البضائع لبعض التجار في مصر بدون رسوم جمركية ويتقاسم الضباط على شفيق صفوت وعصابته الأرباع الفاحشة مستغلا في ذلك وظيفته كسكرتير للمشير عبد الحكيم عامر كما تضمنت القضية تفاصيل مذهلة عن اعتقال الأبرياء وتعذيبهم وإجبار بعضهم على تطليق زوجاتهم تحت وطأة التعذيب ... إلخ.

هذه المهازل والفضائح والجرائم وسوء استعمال السلطة في أغراض النهب والسلب وهتك الأعراض كانت ترتكب في عهد عبد الناصر في الوقت الذي كان عبد الناصر يرفع فيه شعار «ارفع رأسك يا أخي فقد مضى عهد الاستعباد».

الفصل السادس: جمال عبد الناصر و الإخوان المسلمون

في ليلة من ليالي عام 1945 كنت مع جمال عبد الناصر بمنزل عبد المنعم عبد الرؤوف بالسيدة زينب ، وكنا ثلاثتنا نجلس في فراندة بالمنزل ونتناول طعام العشاء وتطرق الحديث إلى جماعة الإخوان المسلمين فقال جمال عبد الناصر «أنا لغاية دلوقت مش قادر أعرف الإخوان عاوزين إيه من الجيش بالضبط» .

فقلت له : الذي أفهمه من المرشد حسن البنا ومن الصاغ محمود لبيب أن الإخوان لا يطلبون من الجيش شيئاً على الإطلاق.

وإنما سياستهم هي نشر الفكر الإسلامي في كل قطاعات الشعب : الجيش والبوليس والقضاء وطلبة الجامعات والمعلمين والحامين والأطباء والمهندسين والمحاسبين ورجال الأعمال والعمال والفلاحين وطلاب المدارس الثانوية والمتوسطة والتنظيم النسائي للأخوات المسلمات.

وذلك عن طريق التربية والتعليم والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إذا أصبح لهذه المبادئ أغلبية شعبية في مصر تقدموا لحكومة مصر بمطالبهم والتي تتخلص في أن تكون كلمة الله هي العليا في المجتمع المصري المسلم.

وكلمة الله هي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومعنى ذلك تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية ومحاربة الفساد في المجتمع وفق منهج الله فإذا استجابت الحكومة انتهى الأمر لأنه ليس من سياسة الإخوان السعي للحكم لأن الحكم في نظرهم تكليف لا تشريف ومسئولية خطيرة أمام الله تعالى.

والمسلم الحق لا يسعى إلى الحكم ولكن إذا اختاره الناس وكلفوه بالحكم فيجب عليه النزول على إرادة الشعب.

أما إذا رفضت الحكومة مطالبهم فسيقومون بعمل جماهيري ضدها كالمظاهرات الشعبية السلمية في جميع مدن مصر وقراها والإضراب العام والعصيان المدني كالامتناع عن دفع الضرائب.

وعلى الجيش والبوليس أن يقفا موقفا سلبياً من الحركة الشعبية لأن الجيش والبوليس عصا الحاكم التي يضرب بها الشعب فإذا امتنع الجيش والبوليس عن ضرب الحركة الشعبية أسقط في يد الحاكم وكانت نهايته على يد الشعب الذي يؤيده جيش الشعب وبوليس الشعب.

فقال عبد الناصر  : «هذا الأسلوب سيطول جداً وربما يتعذر تنفيذه ولا يجعل لنا نحن ضباط الجيش دوراً ملموساً وسنكون تابعين لا متبوعين».

فقلت له : على كل حال الموضوع ليس مطروحا الآن وهو سابق لأوانه.

من هذا الحديث كان يجب علي أن أتنبأ بنيات عبد الناصر ولكني لم أفطن وقتئذ إلى هذه النوايا وعلى كل حال فكل ما حدث حدث بقضاء من الله وقدره.

ومع ذلك فقد أقسم جمال عبد الناصر معنا في ليلة من الليالي الأولى لعام 1946 على المصحف والمسدس في حجرة مظلمة في حي الصليبية مع المرحوم السندي على فداء الدعوة الإسلامية والعمل على سبيلها وكنا في هذه الليلة سبعة ضباط هم عبد المنعم عبد الرؤوف و جمال عبد الناصر و كمال الدين حسين و خالد محي الدين و سعد حسن توفيق و حسين حمودة (كاتب هذه السطور) و صلاح خليفة وقام جمال عبد الناصر بتدريب شبان الإخوان المسلمين على استعمال الأسلحة واشتركت معه ومع عبد المنعم عبد الرؤوف والمرحوم السندي في وضع خطط الهجوم على الإنجليز في القاهرة والإسكندرية حين شن شاب الإخوان حرب العصابات ضد الإنجليز عامي 46 ، 47 حتى اضطرت بريطانيا إلى سحب قواتها من القاهرة والإسكندرية عام 1947 .

وفي عام 1948 تعاون الإخوان مع الجيش المصري في حرب فلسطين على النحو الذي ذكرته في هذا الكتاب ، وفي عام 1949 قبل وفاة محمود لبيب وكان قد دهمه المرض زرته وأنا في إجازة ميدان فوجدت عنده جمال عبد الناصر في بيته بالظاهر. وكانت حالة محمود لبيب الصحية متأخرة وكان راقدا في فراشه ولكنه كان رحمه الله صافي الذهن وقال محمود لبيب  : إني سأموت ولن أعيش طويلاً وسأكتب الآن مذكرة بأسماء الضباط الذين يشملهم التنظيم السري والمبالغ المتبقية طرفي من الاشتراكات ( ) وسأسلمها ل جمال عبد الناصر لتستمروا في الرسالة بعدي وطلب مني أن نكون يداً واحدة وأن نعاون عبد الناصر و عبد المنعم عبد الرؤوف .

ونظرا لانشغالي بموعد آخر فقد انصرفت وتركت جمال عبد الناصر مع محمود لبيب . ولما مات محمود لبيب شيعت جنازته ووجدت في جنازة محمود لبيب جمال عبد الناصر فسألته بعد الجنازة هل سلمك محمود لبيب ورقة الأسماء فأجابني عبد الناصر بأنه لم يخرج من بيت محمود لبيب يومها إلى ومعه الورقة بالأسماء وكذلك نقود الاشتراكات.

وفي عام 1950 أفهمني عبد الناصر أنه سيعيد التنظيم السري لضباط الجيش والذي بدأه عبد المنعم عبد الرؤوف و محمود لبيب سنة 1944 وتوقف في عام 1948 بسبب حرب فلسطين .

وقال عبد الناصر لي إنه سيضم إلى هذا التنظيم عناصر أخرى من غير الضباط الإخوان وبخاصة الضباط الذين قاسموه محنة الفالوجا وغيرهم ممن يلمس فيهم صفتي الشجاعة والكتمان.

وقال جمال عبد الناصر إنه بموت حسن البنا و محمود لبيب انقطعت صلة الإخوان بضباط الجيش وإنه يرى لدواعي الأمن قطع الصلة ب عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني للإخوان وبخاصة بعد الحديث الذي دار بين إبراهيم عبد الهادي و جمال عبد الناصر فلما حذرت عبد الناصر من إدخال عناصر في تنظيم الضباط الأحرار غير متدينة مما يجر علينا ويلات لا يعلم مداها إلا الله. أجابني بأن التدين الكامل غير متوفر حالياً في أغلب ضباط الجيش ولما كانت الحالة السياسية في مصر خطيرة فإنه لابد من القيام بعمل إيجابي في القريب.

وإذا دققنا الاختيار بمواصفات الإخوان فسيتأخر تنفيذ الثورة وربما قد لا تحدث على الإطلاق.

وقال عبد الناصر  : يكفي في العناصر التي نضمها للتنظيم صفتا الشجاعة والكتمان وهما كافيتان في نظره للقيام ب الثورة على أساس أن زمام الأمور سيكون في يده بعد نجاح الثورة وهو مقتنع تمام بفكر الإخوان المسلمين وأنه ينوي العمل بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

وعلى هذا الأساس سرت مع جمال عبد الناصر في تنظيم الضباط الأحرار الذي أطلق على تنظيمنا السري لأول مرة عام 1950 وعندما ألغي المغفور له مصطفى النحاس باشا معاهدة 1936 ونشطت عناصر من شباب الإخوان المسلمين وغيرهم في القيام بحرب العصابات ضد القوات الإنجليزية المرابطة في منطقة قنال السويس عام 1951 كان ل عبد الناصر متعاونا مع الإخوان المسلمين جهد كبير في هذه الحرب الوطنية وكان للإخوان المسلمين شهداء على أرض قنال السويس .

ولقد قام ضباط البوليس المصري بقيادة وزير الداخلية الأستاذ فؤاد سراج الدين بجهد كبير في تنظيم المقاومة الشعبية المسلحة ضد قوات الاحتلال وكان الصاغ صلاح شادي من ضباط البوليس المنتمين ل جماعة الإخوان المسلمين جهد مشكور في تنظيم المقاومة بالقنال سنة 1951 وكان يتعاون مع جمال عبد الناصر في هذا الشأن وظل التعاون قائماً بين عبد الناصر و الإخوان المسلمين حتى قامت الثورة في يوليو 1952 .

وقد اشترك الإخوان المسلمون في ثورة يوليو 1952 بواسطة الضباط المنتمين للجماعة والذين كانوا يشكلون أغلبية في تنظيم الضباط الأحرار الذي قام ب الثورة ليلة 22- 23 يوليو 1952 لقد نفذت الثورة بواسطة 99 ضابطاً من ضباط الجيش كان معظمهم من الإخوان المسلمين .

كما اشترك الجهاز السري المدني للإخوان المسلمين في ثورة يوليو 1952 . وقد علمت ذلك من جمال عبد الناصر شخصيا حينما توجهت لمكتبه في قيادة الجيش يوم 27/ 7/ 1952 أحمل إليه رسالة شفوية من اللواء أحمد طلعت حكمدار بوليس العاصمة بعد أن اعتقلته الثورة طلب فيها مني إخطار المسئولين عن الثورة بضرورة المحافظة على حياة إبراهيم عبد الهادي من انتقام الإخوان المسلمين فقال لي جمال عبد الناصر إنه متفاهم مع حسن الهضيبي على كل شيء ولا خوف على حياة إبراهيم عبد الهادي وأن الإخوان منذ صباح 23/ 7/ 1952 متطوعون لحماية السفارات الأجنبية والمنشآت الحيوية المدنية ولهم قوات على طريقي السويس و الإسماعيلية ومنطقة القنال لإعلام قيادة الثورة بتحركات القوات البريطانية أولاً بأول.

وبعد قيام الثورة أيد مكتب الإرشاد ثورة الجيش وأيد قانون الإصلاح الزراعي وأعلن يوم 2/ 8/ 1952 برنامجا ندد الإخوان فيه بالملكيات الكبيرة التي أضرت أبلغ الضرر بالفلاحين والعمال الزراعيين وسدت في وجوههم فرص التملك وصيرتهم إلى حالة أشبه بحال الأرقاء وأعلن الإخوان أنه لا سبيل إلى إصلاح جدي في هذا الميدان إلا بتقرير حد أعلى للملكية الفردية الزراعية وبيع الزائد عنه إلى المعدمين بأسعار معقولة تؤدي إلى آجال طويلة مع توزيع جميع الأطيان الأميرية المستصلحة والتي ستستصلح مستقبلا على المعدمين فإذا كان ذلك كذلك فلماذا بطش عبد الناصر ب الإخوان المسلمين ؟

الحقيقة للتاريخ كما ثبت من تسلسل الحوادث بعد الثورة أن عبد الناصر لم يؤمن قط بالفكر الإسلامي وإلا لما بطش ب الإخوان المسلمين .

ذلك البطش الذي لا يصدر إلا من عدو للفكر الإسلامي وعدو لله ورسوله.

الفصل السابع: الماركسيون و جمال عبد الناصر

سبق أن ذكرت في كتابي هذا أن القائمقام يوسف منصور صديق ذكر لي وهو معتقل معي في معتقل 2 بالسجن الحربي أن جعع كان منظما لخلية شيوعية قبل الثورة وهذه الخلية كانت تابعة للحركة الديمقراطية للتحرر الوطني المعروف باسم «حدتو».

وكانت هذه الخلية مكونة من جعع و يوسف منصور صديق و أحمد حمروش و أحمد فؤاد وكيل النيابة والذي رأس بنك مصر بعد الثورة مدة طويلة.

وللتاريخ أيضًا فإن عد الضباط الشيوعيين الذين اشتركوا في ثورة يوليو 52 وكانوا ضمن تنظيم الضباط الأحرار الذي شكله عبد الناصر بعد عام 1950 كانوا لا يزيدون عن خمسة ضباط هم :-

وعندما تولى جمال عبد الناصر حكم مصر استخدم سلطة الدولة في البطش بالماركسيين والتنكيل بهم وتعذيبهم داخل السجون وكان الماركسيون أول ضحاياه. فاستبعد خالد محي الدين من مجلس الثورة ونفي فترة خارج البلاد واعتقل يوسف صديق وزج به في السجن الحربي واعتقل أحمد حمروش فترة واستبعد نهائيا من الجيش واشتغل بالصحافة واستبعد كمال الحناوي من الجيش واشتغل بالصحافة و كمال رفعت استبعد من الجيش وعين وزيرا للعمل فترة هذا بالنسبة للعسكريين من الشيوعيين.

أما بالنسبة للشيوعيين المدنيين فقد اعتقل يوم 19/ 1/ 1953 عدد 48 شيوعيا وفي 2 مارس 54 وجهت ضربة كبرى للحزب الشيوعي المصري باعتقال 46 من أعضائه وفي مارس 1959 اعتقل الشيوعيين بالجملة في كل أرض مصر وفي عام 1966 اعتقل عدد آخر من الشيوعيين وهكذا ظل الماركسيون يعانون من الاضطهاد والسجن والاعتقال والتعذيب منذ قيام ثورة يوليو 1952 حتى وفاة عبد الناصر .

ولا يعقل أن يكون عبد الناصر ماركسيا ويبطش هذا البطش بالماركسيين ، ذلك البطش الذي لا يصدر إلا من عدو للفكر الماركسي. ورب سائل يسأل إذا كان ذلك كذلك فلماذا يرتدي الشيوعيون المصريون الحاليون قميص عبد الناصر عبد أن مات واندثر؟

الحقيقة أن ادعاء الشيوعيين الحاليين أنهم ناصريون هو ادعاء غير صحيح بالمرة ولهذا الادعاء أسباب أخرى أهمها معارضتهم لسياسية السادات الخاصة بارتماء مصر في أحضان الولايات المتحدة الأمريكية بينما كان عبد الناصر يعادي الولايات المتحدة الأمريكية ويصادق الاتحاد السوفيتي ورب سائل يسال إذا كان عبد الناصر لم يؤمن بالفكر الإسلامي ولا بالفكر الماركسي فما الذي كان يؤمن به عبد الناصر وما هو سر بطشه ب الإخوان المسلمين والماركسيين والأحزان السياسية والشرفاء من الضباط الأحرار وغيرهم ك محمد نجيب و رشاد مهنا وأغلبية الـ 99 ضابطا الذين قاموا ب الثورة معه ليلة 23 يوليو 1952 ؟

الفصل الثامن: هوية جمال عبد الناصر

إن جمال عبد الناصر كان يبحث لنفسه عن دور بطولي وقد أشار جمال عبد الناصر إلى ذلك في كتابه فلسفة الثورة الذي كتبه له محمد حسنين هيكل الصحفي المعروف ، ولكي يصل إلى أهدافه لابد له من أن ينفرد بالمجد ولكي ينفرد بالمجد لابد له من الانفراد بالسلطة. فتتبع من توهم مزاحمته له في ذلك المطلب بالاعتقال والتعذيب الوحشي والمحاكمة الظالمة والسجن لمدد طويلة أو الإعدام أو القتل غيلة حتى قلم الأظافر الخادشة واستبد بحكم مصر .

وكان ل جمال عبد الناصر خاصية انتهاز الفرص وتدبير المكايد للوصول إلى المقاصد من أي طريق فكان لا يهمه في سبيل الوصول إلى غرضه شرف الوسيلة فأساء إلى من أحسنوا إليه وتآمر ضد من غمروه بفضلهم وتنكر لمن قدموا له المعروف وظلت هذه النزعة رائدة في مغامراته السياسية وعلاقاته الإنسانية منذ قيام الثورة في 23/ 7/ 1952 إلى أن مات في 28/ 9/ 1970 لقد كان دستوره وإنجيله وقرآنه كتاب الأمير لمكيافللي والذي قرأه عبد الناصر سبع عشرة مرة حتى حفظه عن ظهر قلب كما أخبرني بذلك هو شخصيا فقد كنت في زيارة له قبل الثورة ووجدت كتب الأمير لمكيافللي على منضدة في حجرة الصالون فاستعرته منه لأقرأه فأعطاه لي وقال إنه يحفظه عن ظهر قلب لأنه قرأه سبع عشرة مرة. فلم يمض على قيام الثورة عام حتى تحركت نفس عبد الناصر إلى خوص غمار الدسائس السياسية ليحقق عن طريقها آماله في الانفراد بحكم مصر .

فانتهز فرصة خلال نشأ بين محمد نجيب و رشاد مهنا فأوغر صدر محمد نجيب وصدور زملائه أعضاء مجلس الثورة ضد رشاد مهنا فخلص منه وحكم عليه بالسجن المؤبد في محاكمة ظالمة كان هو فيها الخصم والحكم.

ثم أرسل ل رشاد مهنا في سجنه من يقول له إنه أنقذه من حكم الإعدام وأن كل أعضاء مجلس الثورة كانوا مصممين على إعدامه وظل عبد الناصر يجادلهم 16 ساعة حتى أقنعهم بتخفيف حكم إعدام رشاد مهنا إلى السجن المؤبد.. ثم دبر نهاية محمد نجيب على النحو المعروف وأثبت في كتاب التاريخ التي تدرس لأطفالنا بالمدارس أن جمال عبد الناصر هو أول رئيس لجمهورية مصر في التاريخ ظنا منه أن التاريخ يمكن تزييفه ثم بطش بالماركسيين وأتبع ذلك حل الأحزاب السياسية وبطش برجالها ثم بطش ب الإخوان المسلمين وتم البطش ب الإخوان على مراحل.

فبدأ بإنشاء هيئة التحرير في أواخر عام 1952 وكان يطمع في خلق قاعدة شعبية تدين له بالولاء المطلق الذي لا مساءلة فيه ولا مجال حتى للاستفسار.

ثم طلب من حسن الهضيبي أن يتولى الإخوان تدعيم هيئة التحرير بواسطة شعبهم المنتشرة في جميع أنحاء مصر فيكون الإخوان هم نواة هيئة التحرير وهم قادة الحزب الجديد الذي سيرأسه عبد الناصر .

واعتقد حسن الهضيبي أن عبد الناصر ينافسه على زعامة الإخوان مستغلا وجود سلطة الدولة في فيده فيستخدم ذهب المعز وسيفه مع الإخوان حتى يخضعهم لإرادته وقد ساعد عبد الناصر على ذلك استمالته ل عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم السري المدني للإخوان المسلمين والذي شايع عبد الناصر ضد حسن الهضيبي واستطاع عبد الرحمن السندي أن يستقطب عددا من الإخوان من أعضاء مكتب الإرشاد ومن الجهاز السري ومن الشعب لصالح عبد الناصر ويلاحظ أن عبد الرحمن السندي ومن شايعوه في تأييد عبد الناصر لم يعتقلوا في سنة 1954 .

ومن الذين أيدوا عبد الناصر من الإخوان المسلمين الشيخ الباقوري و صالح عشماوي و عبد الرحمن البنا شقيق الإمام الشهيد حسن البنا وغيرهم كثيرون.

وقد رفض حسن الهضيبي طلب عبد الناصر وحذر الإخوان من الانضمام لهيئة التحرير واعتبر كل أخ مسلم ينضم لهيئة التحرير مفصولا من الإخوان وهذا هو سر حنق جمال عبد الناصر على حسن الهضيبي ومن تمسك بزعامته من الإخوان .

ولقد أدرك حسن الهضيبي أن عبد الناصر ينوي الاستئثار بالسلطة لا شريك له فيها بل ويطمع أيضًا في إخضاع هيئة الإخوان المسلمين لأهوائه مع إلغاء اسم الإخوان وينضوي الإخوان تحت هيئة التحرير وبذلك تفقد الحركة الإسلامية التي بدأها حسن البنا سنة 1928 أهم مقوماتها الاسم والفكرة وتصبح هيئة تابعة ل عبد الناصر .

وبوقوف حسن الهضيبي ضد أطماع عبد الناصر التي لا حد لها انتهز عبد الناصر فرصة الشغب الذي حدث يوم 12 يناير 1954 بمناسبة زيارة نواب صفوي الزعيم الإيراني لجامعة القاهرة حيث وقع صدام بين شباب الإخوان ومنظمات الشباب التابعة لهيئة التحرير فاستصدر قرار من مجلس قيادة الثورة يوم 14/ 1/ 54 بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال فريق منهم على رأسه المرشد حسن الهضيبي وزعماء الإخوان ب القاهرة والأقاليم.

وفي يوم 25/ 3/ 1954 اضطر عبد الناصر تحت ضغط الثورة المضادة التي واجهته (أزمة مارس 1954 ) إلى الإفراج عن حسن الهضيبي وجميع المعتقلين من الإخوان وقد وضح تمام أن عبد الناصر هادن الإخوان ليلتقط أنفاسه في أزمة مارس 54 حتى يعد خطة جديدة للفتك بجماعية الإخوان وقد كان فاتخذ من تمثيلية محاولة اغتياله في أكتوبر سنة 1954 مبررا لاعتقال عشرين ألفا من الإخوان وتم تعذيبهم تعذيبا وحشيا في السجن بأسلوب بربري وهمجي لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية. والمعروف في ذلك الوقت أن محمد نجيب لم يكن على وفاق مع عبد الناصر وأن محمد نجيب كان ينوي استخدام سلطته القانونية كرئيس شرعي للبلاد في إعفاء جمال عبد الناصر وزملائه أعضاء مجلس الثورة من مناصبهم وحل مجلس قيادة الثورة وإعادة الديمقراطية والحكم النيابي الصحيح إلى البلاد وقد طلب محمد نجيب من الإخوان المسلمين تأييد خطوته في ذلك الاتجاه بعد إعلانها عن طريق مظاهرات شعبية تعم القطر المصري كله من أسوان إلى الإسكندرية وكان للإخوان المسلمين قدرة على تنظيم هذه الانتفاضة الشعبية بواسطة شعبهم المنتشرة في جميع أنحاء البلاد لمالهم من رصيد شعبي ضخم بين أبناء الشعب المصري.

كما كان محمد نجيب يتمتع في ذات الوقت بحب الشعب المصري كله. وقد تسربت بعض أنباء هذه الاتصالات بين الإخوان ومحمد نجيب إما عن طريق بعض الإخوان المتصلين ب عبد الناصر أو عن طريق الضباط المحيطين ب محمد نجيب فتفتق ذهن عبد الناصر لعلم هذه التمثيلية عن محاولة اغتياله في المنشية ليكون في ذلك مبرر للفتك ب جماعة الإخوان المسلمين ثم الفتك ب محمد نجيب لإجهاض الحركة الشعبية المزمع عملها بواسطة محمد نجيب والتي سوف يؤيدها الإخوان ولقد سبق أن ذكرت في هذا الكتاب أن علي شفيق صفوت سكرتير عبد الحكيم عامر والذي قام بتعذيبي أثناء التحقيق معي في السجن الحربي بعد حادث المنشية المزعوم ، كان يصر على أن أوقع على أوراق تفيد أن اللواء محمد نجيب كان يتعاون مع حسن الهضيبي ضد جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة .

وللحقيقة والتاريخ أذكر أن هناك اجتماعا عقد في أحد منازل الإخوان المسلمين بجهة قصر العيني حضره المرشد حسن الهضيبي وكاتب هذه السطور و يوسف طلعت والشيخ فرغلي و محمود عبده وإبراهيم الطيب و عبد المنعم عبد الرؤوف وكان عبد المنعم عبد الرؤوف هاربا من السجن وموجودا ب مصر ولم يخرج بعد من البلاد.

وفي هذا الاجتماع تكلم المرشد حسن الهضيبي وقال إن اللواء محمد نجيب «مطرشق» من أعضاء مجلس قيادة الثورة بسبب الحكم الديكتاتوري في البلاد وأن اللواء محمد نجيب ينوي حل مجلس الثورة وإعادة الحياة الديمقراطية إلى البلاد عن طريق تكوين هيئة تأسيسية منتخبة لتضع دستورا للبلاد.

وذلك حتى يمكن أن تستقر الأوضاع في مصر في ظل حكومة مدنية تتمتع بتأييد الشعب المصري وأن يعود الجيش إلى الثكنات للممارسة دوره الطبيعي في الدفاع عن البلاد ضد العدوان الخارجي.

وهذا الاجتماع كان قبل حادث المنشية بحوالي شهر ولم يتعرض أحد على الإطلاق في هذا الاجتماع لموضوع تدبير جريمة لاغتيال عبد الناصر .

بل كان تعقيب الشيخ فرغلي على كلام المرشد حسن الهضيبي أن على اللواء محمد نجيب اتخاذ الخطوة الأولى من جانبه باعتباره الشرعي للبلاد ، فيصدر القرارات التي يراها صالحة لإنقاذ البلاد من الديكتاتورية و الإخوان مستعدون لتأييد هذه القرارات بعمل حشود شعبية في القاهرة و الإسكندرية وسائر مدن القطر المصري وعلى هذا الأساس فحادث المنشية تمثيلية لا شك فيها لتبرير عمليات القمع والتعذيب والمشانق ولو كانت محاولة اغتيال عبد الناصر صحيحة فلماذا لم يقدم الإخوان لمحاكم الجنايات وفيها قضاة متخصصون وظيفتهم إقرار العدل بين الناس؟ ولماذا الضرب بالسياط حتى تتمزق الأجساد ونفخ البطون وألوان التعذيب؟ كل هذه التصرفات الإجرامية التي أقدم عليها عبد الناصر وأعوانه تؤكد أنه لم يكن هناك جريمة على الإطلاق ولا أدلة قانونية.

وإذا كان هناك محاولة اغتيال حقا فهل يعقل أن يشترك في التدبير لها عشرون ألفا من البشر. وإذا كانت الحكومة قد ألقت القبض على الفاعل فور ارتكابه الجريمة فهل يعقل أن التحقيق معه قد أدى إلى اعترافه على عشرين ألفا حتى يقبض على هذا العدد في بعض ساعات بعد محاولة الاغتيال المزعومة.

المعقول أن كشوف المعتقلين كانت معدة قبل حادثة الشروع في اغتيال عبد الناصر يوم 26/ 10/ 54 وأن إطلاق الرصاص الفشنك عليه كان هو ساعة الصفر لبدء الاعتقالات وهل يعقل أن تكون نتيجة محاولة اغتيال شخص لم يقتل فيها ولم يمس بسوء أن يعدم ستة أفراد ويحكم على ألف إنسان بالأشغال الشاقة المؤبدة ويعتقل 19000 آخرين لعدة سنوات من تاريخ الحادث؟ في أي شريعة يحدث هذا وتحت أي قانون؟ ليس هناك قانون على وجه البسيطة يسمح بذلك إلا قانون الغاب وليس هناك كتاب يسمح بذلك إلا كتاب ميكيافللي للحكم للقوة لا للقانون ، القوي هو صاحب الحق ، وصاحب الحق الأعزل يداس بالأقدام ، وهذه هي شريعة عبد الناصر التي آمن بها وحكم بها مصر إلى أن مات.

لقد ظن عبد الناصر أنه لا يوجد في هذا الكون إله وتذكر قدرته على ظلم الناس ولم يتذكر قدرة الله عليه.

وهكذا مارس عبد الناصر حكم مصر ، أشاع فيها الإرهاب ونشر الجاسوسية فسكت الناس هلعا وخوفا وكان ل جمال عبد الناصر قدرة عجيبة على إخفاء نواياها وإظهار غير ما يبطن وقدرة عجيبة على استمالة زملائه ضد ضحيته القادمة حتى أفناهم جميعا وضعيهم واحدا إثر واحد ولم يكن ل عبد الناصر أصدقاء قط إلا عبد الحكيم عامر الذي أخلص ل عبد الناصر كل الإخلاص وساعده في كل عمليات التعذيب والتنكيل بالمواطنين.

واستعان عبد الناصر و عبد الحكيم عامر بمجموعة من معدومي الضمائر من الضباط كشمس بدران و على شفيق صفوت و حمزة البسيوني ... إلخ.

وهم الذين أشرفوا على عمليات التعذيب ضد الإخوان وغيرهم وكانت النتيجة هلاك عبد الحكيم عامر نفسه بنفس الطريقة التي أهلك بها غيره فمات بالسم مقتولا ، والذي يعرف عبد الحكيم عامر يعرف يقينا أنه لا يمكن أن ينتحر ، ولكن التفاصيل التي عرفت فيما بعد أن عبد الناصر استدعاه إلى منزله للاتفاق على تصفية الجو والسفر سويا إلى السودان ولما كانت العلاقة بين ناصر وعامر علاقة خاصة جدا فهو صديق عمره فقد ظن عبد الحكيم عامر أن عبد الناصر ينوي المصالحة فعلا فتوجه إلى منزل عبد الناصر وخرج المشير عامر من منزل عبد الناصر ميتا بالسم وقيل إن السم دس له في كوب عصير جوافة.

لقد كان جمال عبد الناصر متآمرا بكل ما في هذه الكلمة من معنى وحكم مصر ثمانية عشر عام من خلال أجهزة سرية قوامها خلايا يمسك هو بخيوطها جميعا دون أن تدري عن بعضها البعض شيئا.

وفات عبد الناصر أن هذا الأسلوب الإرهابي وإن أفلح في فرض هيمنته إلا أنه لا يفلح في إدارة الدول. وعلى هذا الأساس يكون عبد الناصر شخصا لا فكر له معينا وإنما هو متآمر من الطراز الأول كل همه فرض هيمنته ولم يكن عبد الناصر رجل سياسة قط ولا كان رجل حرب على الإطلاق فقد كان أسدا أمام الشعب الأعزل فقط ، إن عدد المعتقلين والمسجونين السياسيين قد بلغ رقما يقرب من مائة ألف نفس من يوم تولى عبد الناصر حكممصر إلى أن مات.

وكان المعتقلون والمسجونون السياسيون من خيرة رجال مصر وأكثرهم وطنية وعلما وثقافة وتدينا إذ اعتقل عبد الناصر علماء الأزهر والضابط والقضاة والمحامين والمهندسين والأطباء والمحاسبين والمعلمين والعمال والفلاحين وعوملوا بوحشية في سجون عبد الناصر : قسوة وظلم وعنت واستبداد وكان الشعب المصري يعش في رعب قاتل.

لا يأمن أحد على نفسه ولا على حريته ولا على رزقه. وفر ألوف المتعلمين والوطنيين خارج الديار المصرية هربا من البطش والاضطهاد وانتشر الفساد واستغلال النفوذ والرشوة ونهب الأموال العامة وتهريبها للخارج وأصبح النفاق هو العملة الرائجة في مجتمع عبد الناصر وانتهى الأمر ب عبد الناصر أن أصبح في قبضة مراكز القوى.

وهكذا استعان عبد الناصر على قهر شعب وجيش مصر بجماعة من مدخولي الضمائر من الضباط على رأسهم شمس بدران و على شفيق صفوت و حمزة البسيوني وغيرهم.

ساعدوه بالتعذيب والتفليق والتجسس على قهر الناس ثم استبدوا بالدولة وصار الأمر إليهم وغلبوه على أمره وشاركوه سلطانه وملئوا وظائف الدولة بصنائعهم الذين زاحموا أهل الخبرة.

وأحاطوا ب عبد الناصر وصديقه الحميم عبد الحكيم عامر إحاطة السوار بالمعصم فعزلوهما عن الشعب وخوفوهما منه وأدخلوا في روعهما أنهم الحامون لهما من القتل غيلة على يد الإخوان وغيرهم من أبناء الشعب.

وبذلك أصبح شمس بدران هو صاحب الحل والعقد في الدولة لقد كان الواحد من الضباط إذا قابل المشير عامر وعرض عليه مظلمة وصدق له المشير عامر على رفع ما تظلم منه يعرقل تنفيذها شمس بدران ويقول للمتظلم : «إنت رحت للمشير خليه ينفعك» فهل حقق عبد الناصر أحلامه في الانفراد بالمجد؟ كلا.

لقد حقق عبد الناصر شيئا واحدا هو الانفراد بالعار الذي لحق به وبتاريخه حتى تقوم الساعة ، عار هزيمة 5 يونيو 1967 ويكفي ما قاله توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي :

«توفي عبد الناصر بعد ثلاث سنوات من الهزيمة ، ولا ندري كيف أمكنه أن يعيشها .... إلى أن قال توفيق الحكيم في نفس كتابه عودة الوعي : «وجاءتني قلة من الخطابات وجدت من بينها خطابا يقول فيه صاحبه إنه موافق على إقامة تمثال ل عبد الناصر ولكنه يرى أن يكون مكانه ليس في القاهرة بل في تل أبيب لأن إسرائيل لم تكن تحلم يوما بأن تبلغ بهذه السرعة هذه القوة العسكرية ولا أن تظهر أمام العالم بهذا التفوق الحضاري إلا بفضل سياسة عبد الناصر » انتهى كلام توفيق الحكيم .

الفصل التاسع : ثورة 15 مايو سنة 1971

مقدمة

انتهت هزيمة 5 يونيو سنة 1967 بنكبة مراكز القوى التي كانت تهيمن على مقدرات شعب مصر وجيشها قبل ذلك اليوم الحزين فقتل عبد الحكيم عامر بالسم وقيل إنه انتحر وسجن شمس بدران و صلاح نصر وغيرهم وقال جمال عبد الناصر في إحدى خطبه :

«لقد سقطت مراكز القوى إلى الأبد وسقطت الدولة البوليسية دولة المخابرات والمباحث».

ولكن النكبة التي حلت بمراكز القوى لم تمنع النكبة التي حلت ب مصر وشعبا فقد احتل اليهود شبه جزيرة سينا وخسرت مصر أربعين ألف مليون دولار نتيجة لحرب 1967 هذا بخلاف أرواح 20000 شهيد والتي لا تقدر بمال ولكن يظهر أن من شب على شيء شاب عليه فما لبث أن وقع عبد الناصر في قبضة مركز قوة آخر يتزعمه سامي شرف وأعوانه.

وأصبح عبد الناصر هو الحاكم الرسمي و سامي شرف هو الحاكم الفعلي ل مصر . ومن الغريب أن عبد الناصر لم يمارس الحكم إلا من خلال الأجهزة السرية وأجهزة الأمن والقمع والتجسس. وهكذا تخلص عبد الناصر من أخطر مركز قوة في الجيش بزعامة شمس بدران عقب كارثة 5/ 6/ 1967 ليقع ثانية في قبضة مركز قوة آخر بزعامة سامي شرف .

واستمرت الدولة البوليسية واستمر الاعتقال والتعذيب في السجون ولكن بأشخاص جدد وزبانية آخرين غير الذين كانوا قبل 1967 .

وتكونت طبقة جديدة من حكام وثيقي الصلة ب عبد الناصر اعتبرت نفسها فوق الشعب المصري وفوق القانون والحساب.

واستمر الحال في مصر على هذا المنوال إلى أن مات عبد الناصر في 28/ 9/ 1970 .

وفي اليوم التالي لدفن عبد الناصر بدأت المناورات وذهب اثنان من مراكز القوى ل أنور السادات في قصر العروبة يعربون له عن خوفهم من حدوث شرخ في اللجنة التنفيذية العليا المحدد لها اليوم التالي بحجة وجود اعتراض على مسألة تحديد ميعاد الانتخابات لرئاسة الجمهوري بعد أسبوعين مباشرة من دفن عبد الناصر لأن المسألة ستبدو وكأن المقصود منها هو انتخاب شخص محدد بالذات . ولكن السادات واجه الأمر بذكاء وتمت الانتخابات وانتخب أنور السادات يوم 16/ 10/ 1970 رئيسا للجمهورية وفي 2/ 5/ 1971 أقال السادات علي صبري وفي 11/ 5/ 1971 اكتشف السادات تفاصيل المؤامرة التي دبرتها مراكز القوى من الشرائط التي جاء بها إليه أحد ضباط الشرطة.

وفي 12/ 5/ 1971 زار السادات جبهة القتال والتقى مع ضباط القوات المسلحة وفي هذا اللقاء طلب أحد الضباط الكلمة وبدأها قائلا :

«سيادة الرئيس لقد أقلت علي صبري لقد قضيت على الرأس فمتى تقضي على الأذناب ؟» وهنا صفق ضباط القوات المسلحة الموجودون في هذا الاجتماع جميعا في حرارة شديدة.

وفي صباح 13/ 5/ 1971 أقال السادات شعراوي جمعة وزير الداخلية. وفي مساء 13/5 / 19 تحركت مراكز القوى للاستيلاء على السلطة فأخذت تذيع المارشات العسكرية من محطة الإذاعة ثم أذاعت بيانا بالاستقالات الجماعية لوزراء الحربية والإعلام وشئون رئاسة الجمهورية لتوحي للرأي العام أن هناك انهيارا في أداة الحكم. وتكون الاستقالات هي ساعة الصفر لأنصارهم ليتحركوا ليعيدوهم إلى الحكم بالقوة.

واستدعى الرئيس السادات الفريق محمد الليثي ناصف قائد الحرس الجمهوري وكلفه بما يلي :

أولا : اعتقال كل من :

1- شعراوي جمعة ... وزير الداخلية المقال.

2- الفريق أول محمد فوزي ... وزير الحربية المستقيل.

3- محمد فائق ... وزير الإعلام المستقيل.

4- سامي شرف ... وزير شئون رئاسة الجمهورية.

5- عبد المحسن أبو النور ... الأمين العام للاتحاد الاشتراكي.

6- أحمد كامل ... مدير المخابرات العامة.

7- اللواء حسن طلعت ... مدير المباحث العامة.

8- علي صبري ... نائب رئيس الجمهورية المقال.

ثانيا : احتلال مبني وزارة الداخلية :

طلب السادات من الفريق الليثي ناصف احتلال مبنى وزارة الداخلية بقوات كافية من الحرس الجمهوري لتمكين السيد محمد سالم من استلام عمله الجديد على الفور كوزير للداخلية وضمان السيطرة الفورية على جهاز المباحث العامة وقوات الأمن المركزي قوات أمن القاهرة حتى لا تستخدم لصالح المتآمرين وقد باشر ممدوح سالم عمله كوزير للداخلية اعتبارا من الساعة الخامسة مساء يوم 13/ 5/ 1971 .


أسباب نجاح ثورة 15 مايو سنة 1971

1- افتقاد المتآمرين لأي رصيد شعبي بين أفراد الشعب المصري والقوات المسلحة والشرطة.

2- موقف الفريق أول محمد صادق رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري الذي قام بجهد جبار للحيلولة دون استخدام الجيش المصري لصالح المتآمرين فقام بالاتصال بقادة القوات المقاتلة وأفهمهم بحقيقة الموقف وأمكنه فرض سيطرته على القوات المسلحة وحال بين الفريق أول محمد فوزي وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة وبين تحريك أي قوة من قوات الجيش لصالح المتآمرين.

3- موقف الفريق الليثي ناصف والذي كان يشغل وظيفة قائد الحرس الجمهوري منذ عهد عبد الناصر وكان يتلقى تعليماته من سامي شرف وزير شئون رئاسة الجمهورية وقد اتصل به الفريق أول محمد صادق وأفهمه بحزم بأنه سيضطر لاستخدام قوات الجيش المصري ضد الحرس الجمهوري إذا استجاب لتعليمات سامي شرف وطلب منه تنفيذ تعليمات الرئيس أنور السادات الحاكم الشرعي للبلاد.

وقد كلف السادات الفريق الليثي ناصف باعتقال المتآمرين فنفذ الأوامر على الفور .

وقد قتل الفريق الليثي ناصف بعد ذلك في لندن في حادث غامض لم يكشف عنه بعد.

4- موقف اللواء ممدوح سالم

استطاع اللواء ممدوح سالم فور استلامه العمل كوزير للداخلية مساء يوم 13/ 5/ 1971 السيطرة على قوات الأمن المركزي وقوات أمن القاهرة وجهاز المباحث العامة وحال دون استخدامها لصالح المتآمرين.

ثمار ثورة التصحيح في 15 مايو 1971

كان أول ثمار ل ثورة 15 مايو 1971 دستور مصر الدائم 1971 الذي أقر الحريات العامة وأكد استقلال القضاء وسيادة القانون وسقوط حكم الإرهاب وتصفية المعتقلات والعفو عن المسجونين السياسيين قبل 15 مايو 1971 ورفعت الرقابة على الصحف ولأول مرة ينص دستور 1971 على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع في مصر .

وثورة 15 مايو 71 ثورة قادها أحد الضباط الأحرار وأحد أبطال ثورة يوليو 52 الرئيس محمد أنور السادات ، لقد كان شعب مصر قبل ثورة يوليو 52 في حالة من التخلف وعدم استقرار الحكم فلما جاءت ثورة 23 يوليو 1952 هتف الشعب لها من كل قلبه وعقد عليها الآمال في أن تحرره من حكم الإرهاب والطغيان الملكي ووطأة البوليس السياسي.

ولكن ثورة 23 يوليو 1952 بدلا من أن تقيم لشعب مصر نظام حكم يستند إلى مبدأ الشورى الإسلامي يشعر الإنسان المصري بقيمته. أقامت نظاما إرهابيا وحكما بوليسيا ونشرت الجاسوسية وقهرت الشعب والجيش تحت وطأة الاعتقالات والتعذيب الوحشي في السجون والمحاكم الاستثنائية والأحكام الاستثنائية الظالمة. ولم يبق للإنسان في مصر في ظل نظام حكم عبد الناصر إلا احترام شكلي وشاع الخراب والبوار الاقتصادي وتحولت الدولة إلى دولة موظفين بلا عمل وانتشر الفساد والرشوة وتحكمت الأهواء والشهوات ونهبت الأموال العامة ولم تسلم قدسية القضاء من العدوان حتى أمكن بجرة قلم أن يفصل جمال عبد الناصر العديد من خيرة رجاله بشكل لم يسبق له مثيل في أي بلد من بلاد العالم المتمدين وعلى ذلك يمكن القول إن الثمرة الأولى ل ثورة التصحيح هي الحرية.

الفصل العاشر: حرب رمضان / أكتوبر 1973

مقدمة

هزيمة جيش مصر عام 1967

ونصر جيش مصر عام 1973

حدثان هائلان أدهشا العالم المعاصر وقد أخذ الباحثون العسكريون من الأجانب يفسرون أسباب الهزيمة النكراء التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشر منذ أن خلق الله الإنسان ويدهشون من النصر الرائع الذي حققه جنود مصر في حرب رمضان / أكتوبر 73 العدو واحد ( إسرائيل ) والشعب واحد (شعب مصر ) والسلاح واحد في الحربين ، سلاح سوفيتي مع جند مصر سنة 1967 هزموا به شر هزيمة ونفس السلاح السوفيتي مع جند مصر سنة 1973 نصروا به نصرا لم يتوقعه أحد في العالم كله.

لا الروس توقعوه ولا الأمريكان ولا الأوروبيون ولا بنو إسرائيل ولا العرب ولا حتى بعض المصريين.

بل أجمع العالم كله على أن مصر إن أقدمت على الحرب فستكون نهايتها وسيقضى على جيش مصر نهائيا لو حال عبور قناة السويس .

والفترة الزمنية بين الهزيمة والنصر ست سنوات وأربعة شهور وهي ليست بزمن في تاريخ الشعوب وتحت أي مقياس علمي عصري لا يمكن أن تكون النتائج كما حدثت.

ففي 67 كان التفوق المادي في التسليح لدى مصر فكانت قوات مصر تفوق قوات إسرائيل عددا وتسليحا وعتادا وكانت كميات الأسلحة التي لدى المصريين مذهلة وفي 73 كانت إسرائيل تتفوق على مصر في الطائرات والمدرعات عددا ونوعية والطائرات والمدرعات هي القوة الضاربة في القوات المسلحة المعاصرة.

ففي 73 لم يكن التفوق الجوي في جانب إسرائيل فحسب بل كانت لها السيادة الجوية.

زودت أمريكا إسرائيل بطائرات الفانتوم بينما لم يتعد تسليح مصر طائرات الميج 21 وهي أقل كفاءة من الفانتوم الأمريكية الصنع.

ورفض الروس رفضا باتا تسليح مصر بالأسلحة الهجومية المتقدمة وبخاصة طائرات الميج 23 واكتفوا بالأسلحة الدفاعية المتقدمة كالصواريخ المضادة للدبابات والصواريخ المضادة للطائرات.

فما سر الهزيمة وما سر النصر؟

في عام 1967 كان جمال عبد الناصر يحكم مصر من خلال أجهزة سرية أشاعت الرعب والهلع في شعب وجيش مصر .

وعقب ثورة 15 مايو 1971 قضى على حكم الإرهاب في مصر وتحول نظام الحكم في مصر من نظام ديكتاتوري استبدادي إلى نظام انتهى فيه تكميم الأفواه وبدأت مصر تتنسم نسيم الحرية وتمارس حرية الرأي والفكر.

ومن أهم أسباب الظفر في حرب العاشر من رمضان 6 أكتوبر 1973 أن السادات المختصين في التخطيط للمعركة المقبلة.

ولم يكن القائد العام هو الذي وضع الخطة وحده بل اشترك فيها جميع القادة كل بدرجة مسئوليته. فبعد أن سلم أنور السادات الأمر الاستراتيجي للمشير أحمد إسماعيل بدئ في وضع خطة العبور وطلب من كل قائد أن يضع تصوره على ضوء ما يملكه من أسلحة وذخائر ومعدات حربية.

ومن مجموع ما أرسله القادة للقائد العام وعلى ضوء الأمر الاستراتيجي الصادر من القيادة السياسية وضع المشير أحمد إسماعيل خطة المعركة بمعاونة رئيس هيئة العمليات الفريق الجسمي ومعاونيه من قادة أفرع القوات المسلحة الرئيسية.

من أجل ذلك نجحت معركة 6 أكتوبر 1973 لأن كل قائد محدد له هدف اشترك في صنعه. بالإضافة إلى عامل آخر كان له أثر حاسم في النصر ذلك العامل هو قوة الإيمان.

دور علماء الأزهر في حرب 1973

ولا أذيع سرا إذا قلت إن وراء نصر أكتوبر 1973 جنودا مجهولين لم يشر إليهم أحد من قبل؛ هؤلاء الجنود المجهولين هم السادة علماء الأزهر الشريف ، لقد ذهلت إسرائيل من بسالة وشجاعة الجنود المصريين حتى صور لها خيالها المريض أن المصريين اخترعوا حبوبا للشجاعة فلما وقع أحد أطباء الجيش المصري أسيرا في أيديهم عذبوه ليعترف على حبوب الشجاعة وسر تركيبها الكيميائي.

ولم يكن هناك حبوب للشجاعة على الإطلاق وإنما كان هناك شيء آخر.

فبعد هزيمة 1967 أدرك قادة مصر العسكريون أن من أهم أسباب هزيمة 1967 ضعف الإيمان الديني في النفوس.

فطلبت القيادة العسكرية من إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة أن تستعين بعلماء الأزهر الشريف لتربية جنود الجيش المصري تربية دينية ولبث روح حب الاستشهاد في سبيل الله في نفوس أفراده فأقيمت الصلوات ورفع الأذان في معسكرات الجيش وتولى أمر التوجيه المعنوي لقوات مصر الباسلة نخبة ممتازة من علماء الأزهر على رأسهم المرحوم الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر.

وقد كان للدور الذي قام به علماء الأزهر أثر حاسم في رفع كفاءة القوات المسلحة لأن الروح المعنوية العالية من أهم عوامل النصر.

ولقد ترتب على بعث روح الجهاد الديني أن شحن الجيش المصري شحنة روحية هائلة كان من نتائجها أن أصبح الموت في سبيل الله أسمى أمنية يتمانها جنود مصر .

وقد صرح المغفور له البطل الشهيد أحمد إسماعيل بأن القيادة العسكرية المصرية لم تطلب من الجنود هتافا معينا ولكن جنود مصر حينما عبروا القناة هتفوا تلقائيا «الله أكبر».

وقد صرح الرئيس محمد حسني مبارك في خطاب له بمناسبة ذكرى مرر أحد عشر عاما على انتصار مص في معركة أكتوبر 1973 أن هتاف الله أكبر كان أقوى من الصواريخ ومن القنابل.

ولقد كان هتاف الجنود «الله أكبر» إعلانا بهوية الجيش الذي عبر قناة السويس تحت شعار «الله أكبر» فنصره الله نصرا مؤزرا. وأنزل الله جنودا لم نرها وألقى الرعب في قلوب بني إسرائيل .

وصدق الله إذ يقول : «سألقى في قلوب الذين كفروا الرعب».

وصدق رسول الله إذ يقول : «نصرت بالرعب».

ولقد أبدى جنود المشاة المصريون شجاعة تفوق التصور في حرب رمضان حتى إن أحد الجنود استطاع وحده أن يدمر سبع عشرة دبابة للعدو وهذا أمر مذهل لا يتأتى لأي جندي مشاة آخر في العالم إلا لجند الله الذين باعوا أنفسهم له وآثروا نعيم الآخرة وخلودها على دنيا الناس الفانية وبمناسبة الحديث عن حرب رمضان أرى من واجبي أن أسجل بالفخر للقيادة العسكرية المصرية براعتها في استغلال ما تحت يدها من أسلحة دفاعية في معركة هجومية قلبت موازين الفكر الاستراتيجي في العالم كله وأصبح جندي المشاة هو سيد المعركة من جديد إذا توفر فيه عامل الشجاعة والثبات والتدريب الجيد.

هل كانت حرب رمضان تمثيلية؟

يروج أعداء مصر مقولة إن حرب رمضان / أكتوبر 1973 كانت تمثيلية مدبرة بين أمريكا و مصر و إسرائيل وهذا قول لا يقبله عقل ولا منطق.

لقد فوجئت أمريكا و إسرائيل بعبور المصريين لمانع قناة السويس الصعب وتدميرهم لخط بارليف كما استطاعت القوات المصرية تدمير معظم سلاح الجو الإسرائيلي بواسطة حائط الصواريخ المصرية كما دمر المصريون معظم دبابات القوات الإسرائيلية على الضفة الشرقية لقنال السويس بسبب الاستخدام الطائش للمدرعات الإسرائيلية التي سارعت بالقيام بعدة هجمات مضادة بغرض إلقاء القوات المصرية التي عبرت القناة في مياه قناة السويس .

ولم يبق لدى إسرائيل سوى 70 دبابة من سلاح مدرعاتها البالغ عدد دباباته حوالي ألفي دبابة.

وقد انهارت جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل بعد أربعة أيام من بدء القتال على أثر إخطار موشي ديان لها بحقيقة الموقف.

مما اضطرها لإرسال تلغرافها الشهير للولايات المتحدة طالبة إنقاذ إسرائيل .

ولولا المدد العسكري الأمريكي والجسر الجوي الذي أقامته الولايات المتحدة لنقل الأسلحة والذخائر ومعدات الحرب ل إسرائيل لتغيرت نتيجة الحرب لا محالة.

أما بالنسبة لعبور قوات إسرائيل للقناة واحتلالها أجزاء من الضفة الغربية للقناة بالفشل.

فإن هذه المحاولة كان مقضيا عليها بالفشل إذ سرعان ما أحاطت القوات المصرية بقوات الثغرة الإسرائيلية فأصبحت قوات الثغرة الإسرائيلية الموجودة غرب قنال السويس محاصرة من الشرق بقوات مصر المسلحة من قوات الاحتياطي العام التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة المصرية ، ولولا تدخل هنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وإقناعه ل أنور السادات بفض اشتباك القوات لكان مصير هذه القوات الإسرائيلية التي عبرت قناة السويس هو الإبادة لا محالة.

الفصل الحادي عشر: الرئيس محمد أنور السادات

حدثني اللواء طيار عبد المنعم عبد الرؤوف عام 1943 عن أنور السادات فقال : «إن محمد أنور السادات هو العضو رقم (1) في حركة الضباط السرية التي أنشأها الفريق أركان الحرب عزيز علي المصري باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصري عام 1939 وأن العضو رقم (2) في حركة الضباط السرية بعد أنور السادات هو عبد المنعم عبد الرؤوف .

وأن عبد المنعم عبد الرؤوف تلقى الأمر بتهريب عزيز علي المصري على متن طائرة حربية مصري من محمد أنور السادات عام 1941 .

فكانت محاولة الهرب بالطائرة يوم 16 مايو 1941 التي فشلت وقبض البوليس المصري يوم 6/ 6/ 1941 على الفريق عزيز المصري وزميليه في الهرب بالطائرة الحربية الطيار عبد المنعم عبد الرؤوف والطيار حسين ذو الفقار صبري وظل ثلاثتهم في السجن حتى أفرج عنهم في مارس 1942 .

وأن محمد أنور السادات اتصل بالمرحوم حسن البنا مرشد الإخوان المسلمين منذ عام 1940 .

وأن حسن البنا كان سبب التعارف بين أنور السادات والفريق عزيز المصري ، و حسن البنا مرشد الإخوان هو الذي حدد ل أنور السادات موعد اللقاء ومكانه في عيادة الطبيب إبراهيم حسن وكيل الإخوان وكانت العيادة موجودة بحي السيدة زينب ب القاهرة .

وفي اللقاء بين أنور السادات و عزيز المصري الذي تم في عيادة الدكتور إبراهيم حسن وكيل الإخوان عام 1940 تم الاتفاق بن الفريق عزيز المصري و السادات على تكوين تنظيم سري بين ضابط القوات المسلحة المصرية يرتبط ب جماعة الإخوان المسلمين .

وفي أغسطس 1942 قبض على أنور السادات بأمر الإنجليز واستطاع الهرب من السجن سنة 1944 واختفى أنور السادات وزميله حسن عزت فترة من الوقت في منزل عبد المنعم عبد الرؤوف .

وبعد خروج أنور السادات من خدمة الجيش حمل اللواء بعد عبد المنعم عبد الرؤوف الذي أدخل جمال عبد الناصر في تشكيل الجمعية السرية لضباط الجيش سنة 1944 .

وظل عبد المنعم عبد الرؤوف طيلة السنوات من سنة 1944 حتى 15 مايو 1948 هو المسئول عن التنظيم السري داخل الجيش متعاونا مع الفريق عزيز علي المصري والإمام حسن البنا والصاغ محمود لبيب باعتبار هؤلاء الثلاثة عزيز المصري و حسن البنا و محمود لبيب هم القادة الروحيين لحركة الضباط السرية.

وأن نشاط التنظيم توقف اعتبارا من 15/ 5/ 1948 بسبب دخول الجيش المصري حرب فلسطين .

وأن محمد أنور السادات في الفترة من 1944وحتى 1948 كان يعمل على رأس تشكيل مدني من شبان وطنيين فشكل الجمعية السرية التي قامت باغتيال أمين عثمان في يناير 1946 وفي عام 1949 في أعمال حرة وعاد السادات إلى خدمة الجيش بمساعي صديقه الطبيب يوسف رشاد طبيب الملك فاروق الخاص وكان ذلك في سنة 1950 .

وفي عام 1950 أمسك جمال عبد الناصر بخيوط التنظيم السري للضباط في يده رغم أنه كان الضابط رقم (3) في هذا التنظيم السري وساعده على ذلك ما يأتي :-

1- تعيينه مدرسا في كلية أركان الحرب ب القاهرة وكان أنور السادات و عبد المنعم عبد الرؤوف في سيناء.

2- وجود نشاط سياسي سابق لكل من أنور السادات و عبد المنعم عبد الرؤوف قلل من نشاطهما في التنظيم السري خشية رقابة أجهزة التجسس التابعة للملك فاروق.

3- وفاة حسن البنا و محمود لبيب .

4- تسليم ممدوح لبيب أسماء الضباط المشتركين في التنظيم السري قبل وفاته ل جمال عبد الناصر بسبب غياب عبد المنعم عبد الرؤوف عن القاهرة .

5- استطاع جمال عبد الناصر أن يضم لهذا التنظيم السري لضباط الإخوان المسلمون عددا لا بأس به من الضباط بعد سنة 1950 ممن شاركوه محنة الحصار في الفالوجا.

6- استطاع جمال عبد الناصر بعد سنة 1950 إقناع الضباط المنتمين ل جماعة الإخوان المسلمين بعدم الاتصال بالإخوان خشية اكتشاف الحركة وبخاصة بعد تحذير إبراهيم عبد الهادي رئيس وزراء مصر ل عبد الناصر من أن الحكومة لديها معلومات عن صلة عبد الناصر بالإخوان وأنه كان يدربهم قبل 15 مايو 1948 م على استعمال الأسلحة.

وأغلب الظن أن البوليس السياسي حصل على هذه المعلومات من أفراد الجهاز السري المدني للإخوان الذين اعتقلتهم الحكومة بعد حادث مصرع النقراشي باشا رئيس وزراء مصر وهذه المعلومات حصل عليها البوليس السياسي نتيجة التعذيب الذي مارسه البوليس السياسي ضد أفراد جماعة الإخوان .

7- لما وافقت أغلبية أعضاء مجلس قيادة حركة الضباط الأحرار على رأي جمال عبد الناصر يعدم الاتصال ب الإخوان مخالفين بذلك رأي عبد المنعم عبد الرؤوف احترم الأخير رأي الأغلبية وانسحب من مجلس قيادة حركة الضباط الأحرار وحل محله عبد الحكيم عامر وترك عبد المنعم عبد الرؤوف ل عبد الناصر قيادة التنظيم منذ سنة 1950 .

لكل هذه الأسباب استطاع عبد الناصر أن يمسك خيوط تنظيم الضباط الأحرار في يده منذ عام 1950وأصبح عبد الناصر هو همزة الوصل ومركز التقاء أفراد التنظيم السري منذ عام 1950 .

أما تاريخ الرئيس أنور السادات بعد ثورة يوليو 1952 فمعروف للشعب المصري كله.

فهو الذي أذاع بيان الثورة الأول بصوته ولم يشغل أنور السادات بعد حل مجلس الثورة 1956 أي منصب في السلطة التنفيذية.

واشتغل بالوظائف الآتية:

1- سكرتير المؤتمر الإسلامي.

2- المشرف على دار التحرير للصحافة.

3- رئيس مجلس الشعب.

والشبع المصري لم يكن يعرف عن أنور السادات شيئاً بسبب الظل الذي أحاط به عبد الناصر طوال سني الثورة.

ولكن شاءات إرادة الله أن يعين أنور السادات نائباً لرئيس جمهورية مصر سنة 1969 قبل وفاة عبد الناصر فآل إليه الأمر بأمر الله عز وجل والله يؤتى ملكه من يشاء وتم انتخاب أنور السادات يوم 16/10/1970 رئيسا لجمهورية مصر .

وبعد شهر تحركت مراكز القوى لسلب السلطة الشرعية منه لأنه اتجه بالحكم وجهة جديدة فيها بشائر الحرية.

فتمت ثورة التصحيح في 15مايو 71 على يديه وبدأ شعب مصر يستمتع لأول مرة منذ قيام ثورة 23 يوليو 52 بحياة جديدة فيها نسيم الحرية وقد تحقق فيها:

1- تصفية مراكز القوى سنة 1971 .

2- الدستور الدائم سنة 1971 .

3- سيادة القانون وإعلاء كلمة القضاء.

4- تصفية المتعقلات والعفو عن المسجونين السياسيين قبل ثورة 15 مايو 1971 .

5- إنهاء خدمة الخبراء السوفيت سنة 1972 والقضاء نهائياً على فكرة التبعية للاتحاد السوفيتي وتأكيد استقلال مصر .

6- في أكتوبر 1973 قاد مصر في أروع انتصار لها بحرب رمضان المجيدة.

7- وفي عام 1975 فتح قناة السويس للملاحة واسترد آبار البترول في سيناء.


لقد بذل أنور السادات جهدا كبيراً ليعالج أمراض البلاد التي تركها له عبد الناصر وفي مقدمتها:

1- هزيمة عسكرية لم يسبق لها مثيل في تاريخ الحروب منذ أن خلق الله الإنسان.

2- خراب اقتصادي.

3- حكم استبدادي لا مجال فيه لحرية الرأي والفكر.

4- عداء مع انجلترا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بدون مبرر وبدون أي مصلحة لشعب مصر في هذا العداء.

5- تورط مع الاتحاد السوفيتي كادت مصر من جرائه تسقط فريسة وتصبح مستعمرة سوفيتية كما حدث لأفغانستان المسلمة الآن.

ويكفي أن أنور السادات رد للمصريين كرامتهم في حرب رمضان ( أكتوبر 73 ) بعد مهانة (5 يونيو 67 ) على يد عبد الناصر .

ولكن هل استثمر أنور السادات النصر العسكري الكبير الذي حققه جيش مصر في معركة رمضان ليحقق نصرا سياسياً أكبر في ميداني السياسة الخارجية والسياسة الداخلية؟

للأسف لا

لقد أصاب أنور السادات ما يصيب حكام مصر دائماً لأن العيب لا يكون في الحاكم بقدر ما يكون في المحكومين فالمحكومون هم الذين يفسدون الحاكم لا العكس وعملية إفساد الحاكم تنشأ من مرض اجتماعي متوطن في مصر منذ عهد الفراعنة إلى اليوم ألا وهو مرض النفاق فسرعان ما يحيط بالحاكم في مصر بطانة من المنافقين يمدحونه بالحق والباطل حتى يصيبه مرض آخر هو مرض الغرور فيظن في نفسه قدرة خارقة وعقلية فذة تنتهي به إلى الطغيان والتأله.

ولقد زينت بطانة السوء للمرحوم أنور السادات حكم الاستبداد فدفعته إلى اعتقال 1536 شخصية من رجال الدين المسلمين والمسيحيين ورجال السياسة من مختلف الأحزاب ورجال الفكر والثقافة والصحافة... الخ.

ووقف الرئيس السادات ليوجه السباب إلى من لا حول لهم ولا قوة بعد أن أغلقت عليهم أبواب السجون ويصف أحد علماء المسلمين وحملة كتاب الله بأنه «مرمي زى الكلب في السجن».

مما أثار موجة اشمئزاز عارمة في صفوف الشعب المصري وهو يعلم مدى تدين الشعب المصري ومدى احترامه لعلماء ورجال الدين.

وكان على المحيطين ب السادات أن يوجهوا له النصح ولكن بطانة السادات بدلاً من أن تنصحه برأي يحميه من الإعدام أخذت تزين له سوء عمله وأخذت وسائل الإعلام مسموعة ومرئية ومقروءة تؤيد السادات في فعلته النكراء.

فكان حادث مصرع السادات في 6/10/ 1981 والمعروف بحادث المنصة.

والرأي عندي أن أنور السادات قتل مظلوما وأن قتلته هم بطانته وليس الجناة الذين ارتكبوا الحادث بنية تخليص مصر من فرعون جديد يريد أن يحكم مصر بالحديد والنار.

الفصل الثاني عشر:هل حكم الضباط الأحرار مصر بعد الثورة ؟

اللواء محمد نجيب

لا يمكن أن تتحدث عن ثورة 23 يوليو 1952 دون أن نذكر اللواء محمد نجيب .

لقد برز اسم اللواء محمد نجيب كقائد ل ثورة 23 يوليو 1952 وإن لم يكن من منظميها ولا ينتقص هذا من قدر الرجل ومساهمته في النجاح الذي لاقته الثورة ومما لا شك فيه أن محمد نجيب كان يتمتع بشعبية كبيرة بين ضباط الجيش المصري كان لها الأثر الحاسم في انقياد كافة رجال الجيش للثورة على أثر الاستماع إلى البيان الأول لها.

لقد كان عدد ضباط الجيش الذين استولوا على مدينة القاهرة ليلة 22-23/7/ 1952 تسعة وتسعين ضابطاً من الضباط الأحرار وكان مجموع الضباط الأحرار في الجيش كله لا يتجاوز 300 ضابط من مجموع ضباط الجيش الذي يبلغ أكثر من خمسة آلاف ضابط في ذلك الوقت.

ووجود اللواء محمد نجيب على رأس الثورة ساعد على نجاحها وانقياد باقي ضباط الجيش لها.

ولو فشلت الثورة لكان محمد نجيب أول الهالكين وبعد نجاح الثورة تآمر عبد الناصر ضد محمد نجيب حتى أبعده عن منصبه وظل محمد نجيب سجينا طيلة حكم عبد الناصر يلقى معاملة مهينة ما كان يستحقها أبداً.

لما شاع الفساد في مصر في عهد فاروق وتدهورت القيم الأخلاقية في نفوس من يتولون أمر البلاد. خرجت الطلائع الثورية من صفوف القوات المسلحة المصرية يوم 23 يوليو 1952 لتضع حداً لهذا الفساد. ولم يكن الضباط الأحرار مغامرين وثبوا على السلطة بل أبناء بررة لشعب مهضوم الحقوق ، إلا أن جمال عبد الناصر قائد الثورة انحرف بها عن مسارها المرسوم لها فتعثر التطبيق الديمقراطي وتحول نظام الحكم إلى حكم ديكتاتوري قضى على الحرية الفردية وتحولت بعض أجهزة الدولة إلى أدوات للإرهاب والتعذيب والمحاكمات الظالمة مما سوف يسجله التاريخ في صفحات الوحشية التي لم يكن لها مثيل في صحيفة من صحائف المظالم من يوم أن خلق الله الإنسان.

فكم من نفوس قتلت ورجال صلبت وجسوم مثل بها وهى على قيد الحياة.

فهل قامت الثورة لتحرر مصر من طغيان فاروق أو لتعود مصر إلى أشد أيام العصور الوسطي وحشية همجية ، إن الضباط الأحرار مظلومون إن تنسب إليهم جرائم عهد عبد الناصر .

ولن الحقيقة التي لم يكشف عنها بعد هي أن الضباط الأحرار لم يحكموا مصر بعد الثورة .

لقد كان تنظيم الضباط الأحرار الذي قام ب الثورة ليلة 23 يوليو 1952 مكونا من 99 ضابطاً معظمهم من الإخوان المسلمين وفيهم خمسة من الشيوعيين وأقلية ضمها عبد الناصر من الضباط معدومي الضمائر كأمثالشمس بدران علي شفيق صفوت و حمزة البسيوني .

وكان عبد الناصر يعرف الضباط الإخوان واحداً واحداً وتخلص منهم فور قيام الثورة بسجنهم.

لقد كان ل عبد المنعم عبد الرؤوف دور بارز في حصار قصر رأس التين وإجبار فاروق على التخلي عن العرش وفور إتمام العملية قبض عبد الناصر على عبد المنعم عبد الرؤوف وسجنه وفر عبد المنعم عبد الرؤوف من السجن وفر من البلاد فحكم عليه عبد الناصر بالإعدام في محاكمة غيابية.

ولم يعد عبد المنعم عبد الرؤوف لوطنه إلا في عهد أنور السادات وأما باقي الضباط الأحرار من الإخوان ومن بينهم كاتب هذه السطور فقد فصلوا من وظائفهم وسجنوا وعذبوا وشردوا.

وبالنسبة للضباط الأحرار من الشيوعيين فقد استبعد خالد محي الدين منذ قيام الثورة ولم يشغل أي منصب في الدولة كما أجبر على مغادرة البلاد فترة.

وقبض على يوسف منصور صديق وهو الذي احتل رئاسة الجيش ليلة الثورة .

وقتل سعد حسن توفيق باسم بعد أن دسوا له السم في كوب شاي ورفض عبد الناصر تسليم جثته لشقيقه اللواء إسماعيل توفيق وأصرت الحكومة على دفن الجثة بمعرفتها لإخفاء معالم الجريمة.

و سعد توفيق و يوسف صديق و محمد نجيب كانوا أهم العوامل في نجاح ثورة يوليو 52 كما بينت سابقًا ولقد عهد عبد الناصر بالوظائف الرئيسية في القوات المسلحة وغيرها إلى فئة من معدومي الضمائر وتخلص من أصحاب العقائد سواء أكانوا من الإخوان أم الشيوعيين.

وكان عبد الناصر يعي دوره تماماً ورسم خططه للإنفراد بالسلطة واعتمد على معدومي الضمائر فساعدوه ثم انقلبوا عليه وأصبح الأمر إليهم فطغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد.

خاتمة

لابد لهذه المذكرات من خاتمة ومن كلمة أوجهها لشعب مصر .

فمصر اليوم في محنة ولا داعي لخداع النفس وجيب أن نعترف بأن متاعبنا الراهنة من الضخامة والخطورة بحيث لا تحمل أي قدر من عدم الجدية أو عدم الشعور بالمسئولية في مواجهتها.

وهذه الأوضاع لا يمكن أن تستمر طويلاً إذ إنها تجعل الحياة نفسها شبه مستحيلة.

فأزمات المرافق والإسكان والمواصلات والطعام تكاد تخنق شعب مصر وتسد الباب أمام الأجيال المقبلة ومثل هذه الوضع هو الذي يدفع البعض إلى وصف حالة مصر الحالية بأنها حالة ميئوس منها.

وهذه نظرة غير صحيحة.

ف مصر ليست بلدا فقيراً في مواردها الطبيعية والبشرية وشعب مصر يتميز بقوة التحمل والصبر.

ومرت على مصر في تاريخها الطويل ظروف أشد قسوة مما نحن فيه الآن واستطاع شعب مصر أن يتغلب على هذه الظروف السيئة بقوة الإيمان والعمل.

وموارد مصر الطبيعية تفوق ما تملكه العديد من الدول وإن اليابان مثلاً لا تمتلك شيئاً من موارد الثروة الطبيعية إذا قورنت ب مصر .

فاليابان جزر قاحلة معرضة للزلازل والبراكين والأعاصير وليس فيها بترول أو ثروة معدنية أو زراعة تستحق الذكر وتستورد اليابان معظم مواردها الأولية من الخارج ومع ذلك فاليابان أعظم دول العالم الصناعي وأكثرها تطورا وتجارتها الخارجية غزت العالم.

و مصر تملك البترول والغازات الطبيعية وكثيراً من المعادن الفحم والحديد والذهب والفوسفات والمنجنيز وليدها أراض شاسعة صالحة للزراعة ومصادر مائية هامة وثورات بحرية هائلة وتملك فوق ذلك نصف كنوز العالم الأثرية وإمكانات سياحية غير محدودة وموقعا جغرافيا متميزا ومناخا متميزا وشمسا ساطعة طوال العام وتملك ثورة بشرية هائلة وكفاءات علمية وفكرية وصناعية وزراعية ومهارات يدوية متنوعة وتملك أكبر رصيد من الفنون والثقافة في العالم العربي.

وهذا التنوع في مصادر الثراء قل أن تجده في أي بلد آخر من بلاد منطقة الشرق الأوسط.

دلونا على بلد يملك هذه الثروات الطبيعية التي تملكها مصر ثم يسكن مواطنوه المقابر وتتهالك حكوماته على استجداء القروض والمعونات من الدول الأجنبية في الوقت الذي تمتلئ فيه خزائن بنوك مصر بالأموال وتبلغ مجموع ميزانياتها 32مليار جنية في العام وتشتكى البنوك بأنها لا تجد مجالاً لاستثمار أموالها في مصر مما يضطرها لاستثمار فائض أموالها في بنوك الخارج!!!

إن عملية التنمية هي عملية سياسية إدارية في المقام الأول أكثر منها عملية علمية أو اقتصادية أو هندسية.

وعلى هذا الأساس يمكن فهم معجزة التقدم الياباني والتخلف المصري وذلك رغماً من أسبقية مصر في الاتصال بالحضارة الغربية في أوائل القرن التاسع عشر في عصر محمد على باشا الكبير.

وسبب تقدم اليابان يرجع إلى فن الإدارة الياباني. لقد صنعت اليابان معجزة في فن الإدارة عن طريق تحقيق المشاركة الشعبية على كافة المستويات في صنع التقدم وكان هذا هو المفتاح السحري الذي فتحت به اليابان بوابة القرن العشرين.

أدرك اليابانيون بعد أن استخدموا قوى الفكر والعقل أن سر تقدم الأمم يكمن في تنفيذ الآية الكريمة ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾.

وذلك دون أن يدورا شيئاً عن هذه الآية الكريمة أما نحن في مصر ورغم وجود كتاب الله بين أيدينا وتتلى علينا آيات القرآن الكريم بالليل والنهار لم ندرك بعد سر هذه الآية الكريمة ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ في تقدم الأمم.

ونفذنا آية أخرى منذ عهد الفراعنة إلى اليوم وهي :

قال فرعون ﴿مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾.

فسبب تأخر مصر هو طغيان حكم الفرد المطلق ودكتاتورية الإدارة على كافة المستويات.

والتسلط والطغيان يؤديان إلى انتشار أمراض السلبية التي تعبر عن نفسها في مصر بصور شتى تتمثل في سلبيات كثيرة للإدارة المصرية.

وأخطر هذه السلبيان هو انتشار مرض النفاق حيث أصبح قبول وجهات نظر الرؤساء وعدم معارضتها رغم الاقتناع بخطئها أمراً عاديا وشائعا في كافة أجهزة الدولة والقطاع العام والقطاع الخاص وإيثارا للسلامة واتقاء لشر غضب الرئيس وأخطر من ذلك تمادى المنافق في نفاقه فيزين لرئيسه سوء عمله على أنه عمل صالح رغبة في جلب منفعة شخصية للمنافق ولتذهب المصلحة العامة إلى الجحيم.

ولا شك أن مرض النفاق يعوق الإدارة الحسنة وقد يؤدى إلى انهيار الدولة أو المنظمة الإدارية (حكومة أو قطاع عام أو قطاع خاص). وبخاصة إذا تولى الأمر شخص فاسد أو جاهل.

وعلى هذا الأساس فمشكلة مصر هي مشكلة أخلاقية قبل أن تكون مشكلة اقتصادية والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

(انتهى الكتاب بحمد الله).

استدراك

جاء بالعدد الثاني لجريدة المسلمين الدولية (المسلمون) الصادر بتاريخ 26 جمادى الأولى سنة 1405هـ الموافق 16 فبراير سنة 1985 م تحت عنوان [آخر ما كتبه سيد قطب قبل إعدامه] وتضمنت الفقرة الخاصة بمذبحة طره من هذا المقال ما يلي :

«حوالي إبريل و مايو 1955 كان الإخوان مقسمين على ثلاثة سجون ، ليمان طره وبه حوالي 400 أو أقل أو أكثر (لا أتذكر) وسجن مصر وبه حوالي هذا العدد والسجن الحربي وبه أكثر من ألفين ممن لم يقدموا للمحاكمة أو حكم عليهم مع إيقاف التنفيذ.

في مجموعة طره كان هناك بعض الضباط السابقين ، فؤاد جاسر و حسين حمودة ، و عبد الكريم عطية ، و جمال ربيع وفي سجن الحربي كان معروف الحضري ولا أذكر أحداً غيره. المهم أن جمال ربيع أخذ يعرض مشروعًا يتلخص في محاولة موحدة التوقيت بين المجموعات الثلاث في السجون للخروج بالقوة من السجون بعد الاستيلاء على أسلحة الكتائب بها... ثم التجمع مع بقية الإخوان في الخارج -حسب خطته العسكرية التي لا أفهم في تفصيلاتها الفنية! -بعد عبور النيل لمحاولة عمل انقلاب بعد الاتصال بوحدات عسكرية يتصل هو بها ، أو هو على اتصال بها.

(لا أتذكر تماماً لأني لم أعر الموضوع اهتمامًا جديا من هذه الوجهة)

عرض هذا المشروع -كما قال لي- على فؤاد جاسر و حسين حمودة فلم يوافقا وعرض على الأستاذ صالح أبو رقيق فشتمه وعنفه كما قال لي فيما بعد الأستاذ صالح... وعرضه جمال ربيع على قائلاً : إنه لا يجد في الإخوان خمسين رجلاً قلوبهم حديد لتنفيذ خطته. ومع عدم خبرتي بالمسائل العسكرية الفنية فقد أحسست أنها محاولة انتحارية جنونية لا يجوز التفكير فيها... ولكنه هو أخذ يلح على إلحاحا شديداً في ضرورة التفكير الجدي في الخلاص وفق خطته التي يضمن نجاحها من الوجهة الفنية.

في ذلك الوقت أنا أي سيد قطب كنت في طره معتقلا ولم يصدر على حكم بعد ولم أحاكم ، وذلك بسبب تمزق في الرئتين ونزيف حاد اقتضى نقلى من السجن الحربي في 25 يناير 1955 إلى مصحة ليمان طره للعلاج .

وفي إبريل 1955 كانت حالتي تحسنت نوعاً وتقرر إعادتي للسجن الحربي لتقديمي للمحاكمة.. فجاءني جمال ربيع قائلاً : إنه تدبير الله أن أذهب الآن إلى السجن الحربي لمقابلة معروف الحضري هناك وعرض خطته عليه للاتفاق فيما بعد على التفصيلات وتوحيد التوقيت... ومع عدم اقتناعي لحظة واحدة بجدية خطة كهذه فقد عرضت المسألة على معروف الحضري وقبل أن يعلم منى من هو صاحب الخطة قال في عصبية : دى دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان الذين في السجون والذين في الخارج جميعاً ثم سأل من هو صاحب هذه الخطة؟ فقلت له جمال ربيع ! وكنت أعرف أنهما صديقان وهنا قال معروف قل لجمال : دى عملية انتحارية ولا يجوز التفكير فيها أصلاً.

ثم حوكمت وعدت إلى ليمان طره وأبلغت جمال ربيع رأى معروف الحضري ولكن جمال ربيع ظل كما علمت يحاول إقناع الإخوان بضرورة تنفيذ الخطة حيث لم يستجيبوا له.

في ذلك الوقت كان كتيبة ليمان طره وهو الصاغ عبد الباسط البنا وقد رأيته يزور مصلحة اليمان ثلاث مرات ويسلم على -على غير معرفة سابقة- ويحدثني في ضرورة تخليص الإخوان الذين في السجون لأنهم هكذا يستهلكون تماماً وخصوصاً هؤلاء الذين يقطعون الأحجار في جيل طره مع كبار المجرمين.

ومع معرفتي أنه لم يكن يوماً من الإخوان في حياة أخيه الشهيد حسن البنا فقد سألته وكيف ذلك؟ فقال إنه كقائد لكتيبة يضع نفسه وأسلحة الكتيبة تحت تصرفنا لأنه لم يعد يطبق منظر طابور الإخوان في الجبل.

وهنا تذكرت خطة جمال ربيع ورنت في أذني كلمات معروف الحضري العصبية : دى دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان الذين في السجون والذين في الخارج جميعاً وقلت له : إحنا متشكرين على عواطفك ولكن نحن نرى أننا أدينا واجبنا وانتهت مهمتنا بدخول السجون ولم نعد نستطيع عمل شيء فمن أراد أن يعمل غيرنا فليعمل.

وانقضت زياراته عنى بعد ذلك ثم نقل من الكتيبة ورحل بعدها عدد من الإخوان -وفيهم كل كبار المسئولين وكل أعضاء النظام الخاص كما سمعت أو معظمهم- ولم يبق من كبار الإخوان إلا الأستاذ منير الدلة وكان جمال ربيع فيمن رحلوا على الواحات وقد ظل هناك كما علمت من الأستاذ صالح أبو رقيق فيما بعد يحاول محاولته بين الإخوان .

لم تفلح المحاولة للمذبحة على هذا النطاق الواسع ولكن محاولة أخرى قد أفلحت في ليمان طره عام 1957 ... كان هناك ضباط برتبة ملازم أول في ذلك الوقت اسمه عبد الله ماهر وكن على علاقة ظاهرة بالخمسة شبان اليهود المسجونين في حادث جاسوسية يؤدى لهم خدمات واضحة حتى ليحمل لهم طعامهم الآتي من بيوتهم بنفسه الأمر غير المعهود في الليمان. ويحتفي بأخت واحد منهم حفاوة مكشوفة للسجانين والنوبتجية من المذنبين... الخ ، هذا الضابط بدأ التحرش والاستفزاز للإخوان بشكل ظاهر مما أدى شيئا فشيئا إلى خلق جو مشحون بالتوتر بين إدارة الليمان و الإخوان ثم اندفع معه ضابط آخر برتبه الصاغ لا يحضرني اسمه الآن حتى احتك بمجموعة من الشبان.

وكان الأستاذ منير دله قد أفرج عنه ولم تعد لمجموعة الشبان الباقية في اليمان أية قيادة عاقلة مجربة... ووقع بين ذلك الضابط وبين هؤلاء الشبان تماسك بالأيدي فعلا ثم انتهت المسألة بوضع عدد من الإخوان في التأديب.

وظلت خطة الاستفزاز وشحن الجو بالتوتر من جانب الضابط عبد الله ماهر ورئيسه هذا حتى جاء يوم علم الإخوان الذين يخرجون للجيل أن هناك خطة لضربهم بالرصاص في الجبل بحجة محاولتهم التمرد أو الهرب فرأوا تفويتا لهذه الخطة أن يعتصموا بالزنازين في اليوم التالي وهنا أمرت كتيبة الحراسة بضربهم بالرصاص داخل عنبرهم بل داخل الزنازين بالنسبة لعدد كبير منهم... وقتل 21 وجرح حوالي ذلك.

وواضح أنه كان في الإمكان وهم داخل عنبر مغلق اتخاذ إجراءات أخرى إذ يكفى في هذه الحالة سحب السجانة القلائل من العنبر وإغلاقه من الخارج وقطع الماء والزاد عنهم 24 ساعة فقط وهنا يستسلمون حتى لو كانوا فعلا متمردين.

ولكن الإجراء الذي اتخذ وفي ظل ذلك الخط المتسلسل من الحوادث يدل بوضوح على أنها خطة مذبحة متصلة وراءها يد مدبرة لا يهمني الآن تعيينا بقدر ما يهمني ما تركته هذه السلسلة من شعور نفسي عميق بأن حركة الإخوان المسلمين مقصود بالذات القضاء عليها لصالح جهات أجنبية. وأن شتى التدبيرات تتخذ وشتى الوسائل لتدمير أشخاصها بالتعذيب أو تذبيحهم أو تخريب بيوتهم للقضاء في النهاية على الاتجاه من أساسه.

ولعله لم يكن من المصادفات كذلك أن يكون السيد صلاح دسوقي هو المشرف على التحقيق في مذبحة طره وقد شاع بين الإخوان في ذلك الحين أن التحقيق الذي تجربه النيابة كان يتجه في أول الأمر إلى اعتبارهم مجنيا عليهم وأنه بعد حضور السيد صلاح وحضور محقق آخر اتجه التحقيق إلى اعتبارهم جناه. ولا يهم الآن تقدير قيمة هذا الذي شاع ولكن يهم تقدير سير الأحداث حتى أدت إلى تلك النتيجة. وما تتركه في النفس من شعور بمؤامرات على الإخوان لا من الإخوان ... (انتهى كلام سيد قطب ).

عندما قرأت ما كتبه الشهيد سيد قطب قبل إعدامه والمنشور في جريدة المسلمين بتاريخ 16فبراير سنة 1985 رأيت من الواجب على أن أوافى جريدة «المسلمون» بحقيقة هذا الأمر الخطير فأرسلت بتاريخ أول مارس سنة 1985 الكتاب التالي لرئيس تحرير الجريدة المذكورة :

خطاب لرئيس تحرير «جريدة المسلمون»

السيد رئيس تحري «جريدة المسلمون»

تحية طيبة وبعد

اطلعت على ما نشر ب جريدة المسلمين -العدد الثاني- الصادر بتاريخ 16 فبراير سنة 1985 تحت عنوان [آخر ما كتبه سيد قطب قبل إعدامه].

ولقد لفت نظري ما ذكره الشهيد سيد قطب بشأن خطة جمال ربيع للخروج بالقوة من السجون بعد الاستيلاء على أسلحة كتائب الحراسة بها. ثم التجمع مع بقية الإخوان في الخارج لمحاولة عمل انقلاب. وأن هذه الخطة قد عرضت على فلم أوافق على تنفيذها.

لقد انتهيت من كتابة مذكراتي الشخصية عن الفترة من 4 فبراير سنة 1942 (تاريخ حصار الإنجليز لقصر عابدين بالدبابات) ، وحتى 6 أكتوبر سنة 1981 (حادث المنصة الذي اغتيل فيه أنور السادات ) والتي تضمنها كتابي عن أسرار حركة الضباط الأحرار و الإخوان المسلمون والموجود الآن تحت الطبع والذي سوف يصدر عن شركة الزهراء للإعلام العربي إن شاء الله.

ومن العجيب أن كتابي هذا والذي انتهيت من كتابته بتاريخ 1/11/ 1984 لم يتضمن شيئا عن هذا الموضوع بالمرة.

فلما اطلعت بطريق الصدفة على مذكرات الشهيد سيد قطب يوم 16 فبراير سنة 1985 نشطت ذاكرتي واستعادت تفاصيل هذا الموضوع الذي يمكن إجماله فيما يلي :-

بعد تمثيلية حادث المنشية يوم 26/10/ 1954 وهو اليوم الذي أذاعت فيه الحكومة المصرية بيانا يفيد أن شابا ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين شرع في قتل جمال عبد الناصر . اعتقلتني الحكومة المصرية يوم 19/11/ 1954 واعتقل معي جمال ربيع وكنا في طريقنا إلى الجزائر للانضمام إلى المجاهدين الجزائريين في معركتهم ضد الاستعمار الفرنسي.

ورحلت أنا و جمال ربيع في نفس يوم الاعتقال إلى السجن الحربي حيث وضعنا في زنزانة واحدة.

ورحلت يوم 17 يناير سنة 1955 إلى ليمان طره لتنفيذ حكم محكمة الشعب القاضي بسجني لمدة خمسة عشر عاما مع الأشغال الشاقة ضمن مجموعة كبيرة من الإخوان المسلمين كان من بينهم جمال ربيع آخرون.

وفي 17 مايو 1955 نقلت مع مجموعة من الإخوان المسجونين عددها مائة فرد معظمهم من قادة الجماعة إلى سجن الواحات الخارجة أذكر منهم الأستاذ عمر التلمساني والدكتور خميس حميدة والأستاذ صالح أو رقيق والدكتور كمال خليفة والدكتور حسين كمال الدين والشيخ أحمد شريت والحاج حامد أبو النصر والبكباشي فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع واليوزباشي شرطهجمال إسماعيل والأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين 1948 وغيرهم من أفاضل الناس واحاسنهم أخلاقا.

فكانت الفترة التي مكثت فيها بليمان طره مدتها أربعة شهور ، ولم يحدث في خلال هذه الفترى أي تفكير إطلاقا في الهرب من ليمان طره فضلا عن محاولة وضع خطة موحدة التوقيت لتهريب الإخوان المسلمين من السجن وليمان طره وسجن مصر في وقت واحد لأن التفكير في مثل هذه الأمور يعتبر ضربا من الجنون ولا يمكن لعاقل أن يفكر في تنفيذ هذه المحاولة المحكوم عليها بالفضل المؤكد.

وللحقيقة والتاريخ لم يعرض جمال ربيع على إطلاقا خلال تواجدي بليمان طره أي مشروع للهرب على الإطلاق.

والأخ جمال ربيع لم يكن من الإخوان المسلمين ولكل جريمته التي عذب وسجن من أجلها أنه كان يعمل أركان حرب الكتيبة الفلسطينية والتي كان قائدها البكباشي عبد المنعم عبد الرءوف وذلك بعد ثورة 23 يوليو 1952 ولما أصدر مجلس قيادة الثورة بتاريخ 14/1/ 1954 قرارا بحل جماعة الإخوان المسلمين واعتقال حسن الهضيبي مرشد الجماعة وبعض أعضاء الجماعة وأودعوا السجن الحربي ، رأت حكومة الثورة ضرورة اعتقال الضباط المنتمين ل جماعة الإخوان المسلمين وكان جمال عبد الناصر يعرفهم واحداً واحداً كما هو موضح بكتابي عن أسرار حركة الضباط الأحرار و الإخوان المسلمين المشار إليه.

فاعتقل عبد المنعم عبد الرءوف و أبو المكارم عبد الحي و معروف الحضري وكاتب هذه السطور وآخرون.

وأراد عبد الناصر أن يقدم عبد المنعم عبد الرءوف لمحاكمة عسكرية أمام مجلس عسكري عال بتهمة محاولة تدبير انقلاب فكلف شمس بدران بتدبير شهود الزور لهذه المحاكمة.

وشمس بدران كان أحد الأعمدة التي اعتمد عليها عبد الناصر في حكم مصر بعد الثورة .

وكان اليوزباشي شمس بدران شخصا معدوم الضمير وكان عبد الناصر يعلم ذلك عنه تمام العلم فعهد إليه بكافة العمليات القذرة والتي يأبي الشرفاء أن يزاولوها.

فحاول شمس بدران مع جمال ربيع ليشهد زورا ضد عبد المنعم عبد الرءوف وطلب منه أن يقول أمام المجلس العسكري العالي إنه سمع عبد المنعم عبد الرءوف ينقد مجلس قيادة الثورة ويقول عنهم «دول ناس» رايحين يودوا البلد في داهية ولازم يمشوا. وكن شمس بدران يرغب في أن يؤدي جمال ربيع هذا الدور باعتبار جمال ربيع من دفعة شمس بدران .

ولما رفض جمال ربيع أن يؤدى هذا الدور القذر ويشهد زورا ومنعه ضميره وخلقه ودينه ورجولته من ذلك ، ولما أخذ جمال ربيع يفضح شمس بدران بين ضباط الجيش ويصرح بأن شمس طلب منه أن يشهد زورا ضد عبد المنعم عبد الرءوف فأبى ، انتقموا منه فألقوه في السجن وعذب وحوكم بعد تمثيلية المنشية حيث حكمت عليه محكمة الشعب بـ15 سنة أشغال شاقة.

أما قصة الهرب فحقيقتها أنه بعد ترحيلنا إلى سجن الواحات الخارجة في مايو سنة 1955 وكان سجن الواحات الخارجة سجنا مفتوحا لا توجد به مبان وتقدر مساحته بحوالي خمسة أفدنة من رمال الصحراء الجنوبية الغربية ويحيط به صفان من الأسلاك الشائكة ويلتف حوله الحراس ولا ترى من خلال الأسلاك الشائكة إلا رمال الصحراء على مدى البصر.

أما داخل السجن فكان به بعض الخيام لمبيت المسجونين كما كان يوجد خارج الأسلاك بعض الأكشاك من الصاج المعرج لمبيت إدارة وحرس السجن الخالي من الخدمة.

وكانت قوة الحراسة ضعيفة لا تزيد عن ثلاثين جنديا مسلحين بالبنادق ويرأسهم ضابط.

فكر جمال ربيع في وضع خطة لهروب الإخوان من سجن الواحات الخارجة وعرضها على وتناقشنا في تفاصيلها مع الإخوة الضباط المسجونين معنا ومع الأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين 1948 والذي كان مسجونا معنا في سجن الواحات الخارجة ومع مجموعة من شباب الإخوان الموجودين معنا في السجن.

وتتخلص خطة الهرب هذه فيما يلي :

1- يقوم الإخوان بالاستيلاء على أسلحة وذخائر حراس السجن مستخدمين في ذلك الحيلة والخداع والإخفاء والتمويه وكان ذلك أمرا ميسورا لطبيعة السجن المفتوح ولقلة حراس ولكون الأسوار من الأسلاك الشائكة التي يمكن تقطيعها بسهولة بواسطة قصافة يمكن الحصول عليها بغير كبير عناء (القصافة مقص لقطع الأسلاك).

2- في نفس توقيت الاستيلاء على أسلحة الحراس تقوم مجموعة من الإخوان بقطع وسيلة الاتصال السلكية واللاسلكية بين السجن ومديرية الأمن لمحافظة الوادي الجديد والموجودة بمدينة الخارجة.

3- التحرك إلى مدينة الخارجة للاستيلاء على مقر مديرية الأمن بمحافظة الوادي الجديد وتعطيل وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بين محافظة الوادي الجديدة والحكومة المركزية بمدينة القاهرة وأخذ المحافظ ومدير الأمن ومن معهم من الضباط كرهائن بعد الاستيلاء على الأسلحة والذخائر ووسائل النقل وكميات البنزين الموجودة بمدينة الخارجة.

4- التحرك ومعنا الرهائن إلى السودان الشقيق عن طريق درب الأربعين.

5- بمجرد الوصول إلى السودان يطلب الإخوان حق اللجوء السياسي من حكومة السودان .

6- يطلق الإخوان سراح الرهائن بعد الوصول إلى السودان ومن أهم الأسباب التي دفعت الإخوان إلى اختيار السودان الشقيق أن العلاقات بين حكومة عبد الناصر وحكومة إسماعيل الأزهري في السودان في ذلك الوقت كانت سيئة بسبب موقف حكومة مصر من اللواء محمد نجيب وكان ل محمد نجيب شعبية ضخمة في السودان كما كان للإخوان المسلمين رصيد شعبي ضخم في السودان .

وقد جازف جمال ربيع بحياته فادعى المرض ونقل إلى مستشفى الخارجة حيث أجريت له جراحة استئصال الزائدة الدودية (المصران الأعور) في مستشفى الخارجة حيث أجرى له الجراحة طبيب مبتدئ.

وكان الغرض من ذلك التواجد بمستشفى مدينة الخارجة أطول مدة ممكنة لجمع المعلومات عن محافظة الوادي الجديد ومديرية الأمن بها ووسائل النقل وكميات الوقود ووسائل الاتصالات السلكية واللاسلكية.

حيث إن المسافة التي كان الإخوان سيقطعونها من الواحات الخارجة إلى السودان تبلغ حوالي 400 كيلو متر.

وقد مكث جمال ربيع في مستشفى الخارجة حوالي شهر ولما عاد كانت لديه معلومات وتفصيلات كافية لابد منها قبل الإقدام على مثل هذه العملية الخطيرة.

وكانت خطة الهرب من سجن الواحات الخارجة تشغل تفكير الإخوان في النصف الأخير من عام 1955 . ولو قدر لهذه الخطة التنفيذ والنجاح لهزت نظام عبد الناصر هزا عنيفا في الداخل وفي الخارج.

ولكن شاءت إرادة الله غير ذلك :

فقد حدث في مطلع عام 1956 أن زارنا بسجن الواحات الخارجة ضابط من الجيش يعمل في المخابرات اسمه بهجت وطلب مقابلتي وأخبرني أنه مكلف من الرئيس عبد الناصر بالاتصال بي شخصيا وإخطاري بأن عبد الناصر يود من كل قلبه أن ينسى الإخوان ما حدث لهم وأن يفتحوا معه صفحة جديدة وأن الإفراج عنا وشك الوقوع.

وهنا تغير الموقف وبخاصة بعد تأميم جمال عبد الناصر لقناة السويس في يوليو سنة 1956 واقتنعت مع جمال ربيع وباقي الإخوان بالعدول عن تنفيذ خطة الهرب وقام حوالي سبعين من الإخوان بإرسال برقيات تأييد ل جمال عبد الناصر بعد تأميم القنال وأبدوا استعدادهم للقتال ضد الدول المعتدية على مصر .

وكان المؤيدون هم الضباط والدكتور خميس حميدة وكيل جماعة الإخوان والأستاذ محمود عبده قائد متطوعي الإخوان في حرب فلسطين سنة 1948 ومجموعة أخرى من الإخوان بلغ عدد الجميع سبعين شخصا تقريبا.

وبدأ الإفراد عن الإخوان اعتبارا من سبتمبر سنة 1958 وذلك على النحو المفصل في مذكراتي المشار إليها والتي هي تحت الطبع الآن.

ولما قامت حكومة عبد الناصر سنة 1965 باعتقال الإخوان المسلمين للمرة الثالثة في عهد الثورة وعذبوا تعذيبا شديدا في السجون اعترف كثير منهم بموضوع خطة الهرب من السجن الواحات الخارجة سنة 1955 .

وقد واجه المحققون جمال ربيع باعترافات الإخوان عليه بشأن خطة الهرب من سجن الواحات الخارجة سنة 1955 قال جمال ربيع للمحقق سنة 1965 إن كل مسجون يفكر في الهرب و الإخوان أصحاب عقيدة فكرية تنادي بضرورة تطبيق شرع الله في مصر وتأبى حكومة مصر ذلك وزجت بهم في السجون لمدد أقلها عشر سنوات وأقصاها السجن المؤبد فكان من الطبيعي أن يفكروا في الخلاص مما هم فيه إذا سنحت لهم الفرصة.

والموضوع كان مجرد تفكير ولم يخرج إلى حيز التنفيذ وبخاصة بعد تأميم عبد الناصر لقناة السويس وتأييد الإخوان له في هذه الخطوة الوطنية وإبداء رغبتهم في المشاركة في الدفاع عن البلاد ضد دول العدوان الثلاثي.

أعود بعد ذلك إلى ما أدلى به الشهيد سيد قطب في اعترافاته قبل أن ينفذوا فيه حكمهم بالإعدام.

والشهيد سيد قطب عذب تعذيبا شديدا قبل إعدامه. ولم يراع المجرمون الذين عذبوه أنه كان مريضا بالقلب والرئتين ، وفي أقواله المنشورة ما يفيد أنه علم من صالح أبو رقيق بمحاولة جمال ربيع إقناع الإخوان بالهرب من سجن الواحات الأمر الذي لم يقتنع به الأستاذ صالح أبو رقيق .

وهذا الجزء من أقوال الشهيد سيد قطب صحيح تماما أما الجزء الخاص بفكرة جمال ربيع الخاصة بمحاولة إجراء عملية موحدة التوقيت بين المجموعات الثلاث في السجون الثلاثة ب القاهرة للخروج بالقوة من السجون بعد الاستيلاء على أسلحة الكتائب بها... فإني أستبعد تماما أن يكون الشهيد سيد قطب قد أدلى بهذه الاعترافات وأن المحقق قد دسها عليه لأن معظم هؤلاء المحققين في عهد عبد الناصر كانوا من معدومي الضمائر الذين يزورون الأقوال والاعترافات لخدمة أسيادهم الحكام طمعا في حطام الدنيا الفاني وبغرض الإساءة إلى جمال ربيع وإظهاره بمظهر المجنون وإظهار الإخوان المسلمين معه بمظهر المختلين عقليا لأن هذه الخطة لا يقول بها عاقل.

وقد رأيت حتى تستكمل هذه المذكرة بالرد على موضوعها أن أتصل ب جمال ربيع وقد اتصلت به فعلا ، وأطلعته على الكلام المنشور فابتسم قائلا : سامحهم الله وعلى أي حال أنت تعرف الحقائق ولكني ابتداء أبرئ أستاذي الشهيد سيد قطب من أن يكون قد ورد على لسانه في التحقيق أو في غيره أي شيء عن هذا الخيال الخاص بما أسموه خطة الخروج من سجون القاهرة وهو أمر مضحك.

أما عما جاء بخصوص خطة الهرب من الواحات إلى السودان سنة 1955 فأنت والأستاذ محمود عبده والضباط يعرفون حقيقتها وقيمتها وهدفها والأسباب المحيطة بها وهو أمر اعترف على به بعض الإخوان ولم أنكره أمام المحقق سنة 1965 أي بعد عشر سنوات.

أما ما جاء عن الأستاذ صالح أبو رقيق أنه قد عنفني وشتمني فأنا لم أعرف صالح أبو رقيق شتاما ، ولكن أذكر أنه سألني عن الخطة عندما أنبأه عنها بعض الإخوان في الواحات مبديا تخوفه منها في حالة الفشل ، أجبته بتفاصيل الخطة ولكننا الآن وبعد أن بدأت المفاوضات بين الصاغ حسين حمودة ومندوب عبد الناصر قد عدلنا عن خطة الهرب تماما.

(انتهي كلام جمال ربيع )

وفي ختام كلمتي أرجو نشرها في جريدتكم إحقاقا للحق وحتى لا يزيف التاريخ وتشوه سمعة الناس بغير حق والله ولي المؤمنين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، ، ،

القاهرة في 10/3/ 1985

حسين حمودة

أحد الضباط الأحرار

مصادر أخري

للمزيد عن الإخوان وثورة 23 يوليو

وصلات داخلية

كتب متعلقة

.

ملفات وأبحاث متعلقة

.

مقالات متعلقة

تابع وثائق متعلقة

وصلات خارجية

مقالات خارجية

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو