من المرشد العام إلى زعماء الوادي وساسته
بقلم / الإمام حسن البنا
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى حضرات:
- صاحب المقام الرفيع شريف صبري باشا.
- صاحب المقام الرفيع مصطفي النحاس باشا- رئيس الوفد المصرى.
- صاحب الدولة عبدالفتاح يحي باشا.
- صاحب الدولة حسين سري باشا.
- صاحب الدولة محمود فهمي النقراشي باشا- رئيس الهيئة السعدية.
- صاحب المعالى محمد حسين هيكل باشا- رئيس الأحرار الدستوريين.
- صاحب المعالى إبراهيم عبدالهادي باشا.
- صاحب المعالى مكرم عبيد باشا- رئيس الكتلة الوفدية.
- صاحب السعادة أحمد لطفي السيد باشا.
- صاحب السعادة علي الشمسي باشا.
- صاحب السعادة حافظ عفيفي باشا.
- صاحب السعادة محمد حافظ رمضان باشا- رئيس الحزب الوطني.
- الأستاذ الجليل السيد إسماعيل الأزهري – رئيس الوفد السودانى.
إليكم "أيها السادة" وفيكم رؤساء الأحزاب الموقرون، وأعضاء الهيئة السياسية السابقة المحترمون، والسادة الأجلاء المفاوضون.
فأنتم عنوان المجموعة السياسية لهذا الوطن تضمون أقطابه، وتمثلون بصفاتكم وأشخاصكم أحزابه، أوجه القول:
فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
وبعد: فقد جمعتكم الأمة مرة حين أعلنت أهدافها، وحددت مطالبها وحقوقها، ونادت بالجلاء التام الناجز السريع، ووحدة وادى النيل فرددتم نداءها وأجبتم دعاءها، واجتمعت كلمتكم على هذه الغاية وعلى العمل لها.
وجمعكم الإنجليز مرة ثانية حين أبوا على الأمة هذه المطالب العادلة الحقة فأوقفوا المفاوضات، وظهروا بأسوأ المقاصد والنيات فوقفتم جميعا تنددوا بمواقفهم، وتتبرمون بظلمهم وإجحافهم.
وجمعكم جلالة الملك المعظم مرة ثالثة حين أبدى رغبته السامية فى أن تتوحد كلمتكم، وتتجلى وحدتكم فى هذا الظرف العصيب، فعهد إلى رجل منكم تقدرونه جميعا، وتحترمونه جميعا أن يكون رسول سلام ووسيط وفاق ووئام.
وجمعكم صدقى باشا أخيرا حين سافر منفردا بصفته الرسمية وحدها، ليرمى بآخر سهم فى كنانته، وترككم وراءه تنظرون ماذا يفعل؟ وبم يعود؟ فالظروف كلها قد اجتمعت ملحة عليكم بأن توحدوا الصف، وتلمو الشعث، وتواجهوا الموقف فى حزم وقوة لا مصدر لها إلا الوحدة وفى عزم وإصرار لن يكونا مع خلاف وفرقة، وليس بعد هذه الظروف إلا قارعة من السماء أو معجزة ليس لها كفاء، والأمة لا تعذركم والفرص لا تنتظركم.
وسيعود صدقى باشا بعد أسبوعين على الأكثر ومعه أحد أمرين: إما معاهد على أساس المشروع المصرى بالنص أو بالتعديل، وإما يأس من المفاوضات وإعلان لفشلها بعد طول رجاء وتأميل.
وفى كلتا الحالتين يجب عليكم أن تطلعوا على الأمة بالبيان الشافى، والشرح الكافى؛ لتقول كلمتها بالرفض أو القبول عن بينة؛ ولترسم خططها فى العمل والجهاد عن دراسة ومعرفة، وكل ذلك يحتاج منكم إلى اجتماع وإعداد منذ هذه اللحظة.
أيها السادة الفضلاء الأجلاء:
أرجو أن يخلو كل رجل منكم بنفسه ساعة من ليل أو نهار، وأن يذكر وليس عليه من رقيب إلا ربه وضميره ووطنيته، إنكم أنتم المسئولون الأول عن مجد هذا الوطن وعظمته وحقوقه وحريته وعن ثلاثين مليونا من العرب، وأربعمائة مليون من المسلمين.
كل هذا أنتم مسئولون عنه بين يدى الله والتاريخ؛ لأنكم بحكم وضعكم ومنزلة وطنكم تقفون فى أول هذا الصف الطويل القوى المؤمن المرصوص المتأهب للسير إلى غايته لا يأبه بتضحية ولا يخشى لومة لائم، تحولون باختلافكم وفرقتكم بينه وبين أن يتحرك فى ثبات أو ينطلق إلى هدف أو اتجاه فما أعظمها من تبعات وما أضخمها من مسئوليات.
أيها السادة الفضلاء الأجلاء:
تناسوا فى هذه اللحظات الدقيقة كل خصومة شخصية، وكل عاطفة حزبية، واذكروا وادى النيل ومجد العروبة وعزة الإسلام.
وليتقدم أحدكم مأجورا من الله مشكورا من الوطن بدعوة الباقين إلى اجتماع سياسى جامع وميثاق وطنى شامل تجتمع كلمتكم عليه فتهوى أفئدة الأمة إليه، وحينئذ تقفون والله معكم ويد الله مع الجماعة والأمة من ورائكم صفا واحدا على السمع والطاعة إلى إصلاح فى الداخل تصحح به الأوضاع الفاسدة أو إلى جهاد دائب دائم لإجلاء الدولة الغاصبة المعاندة.
أيها السادة الفضلاء الأجلاء:
إن لوطنكم هذا رسالتين عظيمتين جليلتين: رسالة الحرية والاستقلال ورسالة الإسلام والسلام وكل واحدة منهما جليلة الخطر عظيمة الأثر، فلا تلهبنكم الدنيا العاجلة والمطامع الزائلة عن منزلة الإمامة التى أنزلكم الله إياها وسجلها لكم فى محكم كتابه فقال ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[البقرة: 143] فاعملوا والله معكم ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين.
أما نحن -معشر الإخوان المسلمين - فلن نقحم أنفسنا فى مجموعكم، ولن نزاحمكم مكانتكم ولن ننازعكم رياستكم، وقد أبيتم علينا سواء أكنتم فى الحكم أم خارجه أن نظهر بأية صورة على المسرح السياسى أو ننفذ من أى طريق مهما كان صحيحا سليما قانونيا إلى ميدانه الرسمى،
فرضينا صابرين وعملنا كوطنيين مجاهدين وسنقف فى صف هذا الشعب- ونحن أعرف بمكاننا منه- نوجهه ونسدده ونقوده ونرشده ونرقب معه ما أنتم فاعلون، فإن اجتمعتم وأحسنتم وجاهدتهم أيدناكم وناصرناكم وكنا لكم الفداء وإن أبيتم إلا الفرقة والخلاف، واتباع الأهواء، وآثرتم القعود وممالأة الغاصبين والأعداء، فسنمضى وهذا الشعب معنا بإيمائه وبقينه ووطنيته ودينه وتنظيمه وتكوينه إلى الغاية مجاهدين، وفى سبيل الله والوطن مستشهدين، وندعكم مع القاعدين من المخلفين فإما إلى النصر وإما إلى القبر وكلاهما بركة وخير ﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾[التوبة: 52]
والله أكبر والله الحمد والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته المصدر: جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (142)، السنة الأولى، 24ذو القعدة سنة1365 /19 أكتوبر 1946