الإخوان المسلمون والأسلحة والإنجليز
بقلم: صالح أبو رقيق
جاء علي صفحات إحدى المجلات الأسبوعية " أن نقطة اللارجعة بين الإخوان والحكومة "جاءت في يناير سنة 1954 عندما تبين لعبد الناصر أن حسن العشماوي قد زار الوزير المفوض البريطاني في مصر في بيته زيارتين طويلتين في العاشرة من ذلك الشهر أولاهما في السابعة صباحا والثانية امتدت حتى منتصف الليل .
وحسن العشماوي وجمال عبد الناصر الآن في دار الحق .. حسابهما عند ربهما حسب ما قدم كل منهما إن خيرا وإن شرا وعلينا ونحن في دار الفناء أن نضع نصب أعيننا هذا المصير الحتمي فنلتزم الحق ونقره ولو علي أنفسنا ونعدل به ونعدل فيه التزاما بقوله سبحانه : " لا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا . اعدلوا هو أقرب للتقوى " وما كان بين حسن العشماوي وجمال عبد الناصر من صداقة لم يكن له مثيل بين صديقين . لذلك وجب علي كل من يتناول العلاقة بينهما أن يتحري الصدق والإنصاف ويبتعد عن طمس الحقائق أو تحريفها . والحقيقة التي أشهد الله عليها وألقاه بها أن المرحوم الأستاذ حسن العشماوي لم يقابل المستر كروزول الوزير المفوض البريطاني في مصر في ذلك الحين لا في بيته ولا في غير بيته:
- أولاً: يدعون أن الزيارة المزعومة قد حدثت في العاشرة من يناير سنة 1954 علي دفعتين الأولي في السابعة صباحا والثانية امتدت إلي قرب منتصف الليل ولم يقل لنا متى بدأت . والحقيقة التي تبطل كذب القوم أن الأستاذ حسن العشماوي في ذلك اليوم وما قبله وما بعده كان معتقلا في السجن الحربي مع الكثير من إخوانه بأمر من صديقه جمال عبد الناصر .
- ثانياً: في صيف 1953 نشرت بعض الصحف المصرية نبأ كاذب عن مثل هذه الزيارة . والحقيقة أنه كانت هناك اتصالات بين الحكومة والإخوان والمسلمين من ناحية والإنجليز من ناحية أخري بخصوص الجلاء عن البلاد , وكنت وأخي المرحوم الأستاذ منير الدلة مكلفين من قبل فضيلة المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين رضي الله عنه وأرضاه بالاتصال بالسكرتير الشرقي للسفارة البريطانية المستر " ايفنز " . بناء علي رغبة السيد جمال عبد الناصر لتعزيز موقف المفاوض المصري . وإلي ذلك الحين كانت صلة حسن العشماوي بعبد الناصر علي أحسن ما تكون الصلة . ولم يكن هناك داع لأن يخفي عن صديقه شيئا .
- ثالثاً: في بيان للسفارة البريطانية كذبت ما ذكرته الصحف ، ولكنها لم تتعرض فيه للمقابلات التي تمت برغبة وبعلم من الحكومة . بيننا وبين ايفنز ، ولم تصدر أي جهة رسمية تعقيبا علي ذلك .
- رابعاً: أخبرني الوزير المفوض الأستاذ محمد المنشاوي وكان وقتها مديرا لمكتب وزير الخارجية أن السيارة " الاوستن " التي ظنت المخابرات المصرية أنها سيارة حسن العشماوي لم تكن إلا سيارة سكرتيرة المستر كروزول الوزير المفوض في السفارة البريطانية .
- خامساً: تشددنا – كي تستند ونشد من أزر المفاوض المصري – في مشروعاتنا مع الإنجليز عرضوا علينا عروضا لم تعرض علي مفاوض مصر من قبل ووقفنا عند الجلاء التام بلا أي شرط مقابل وقوف مصر علي الحياد بين الكتلتين – فكنا أول من نادي بالحياد ، وكل هذه المحادثات بالطبع كانت تصل عبد الناصر أولا بأول وذلك بحضور كمال الدين حسين وصلاح سالم . وعندما استشعر عبد الناصر أن الثمرة في سبيلها إلي النضوج أراد إخراج الإخوان المسلمين من الصورة فافتعل حادث جامعة القاهرة واتخذه ذريعة لاعتقال مجموعة كبيرة من الإخوان المسلمين في الجامعة وغير الجامعة وكنا ضمن المعتقلين في السجن الحربي من أول يناير سنة 1954 وأصدر بيانا يتهم الإخوان المسلمين بالاتصال بالإنجليز من خلق الحكومة ، وكأن الأمر لم يكن بتخطيط وبرغبة وباتفاق وبطلب منه .. وقال إن هذا الاتصال كان لقلب نظام الحكم .. وقلنا يا للعجب .. حسبنا الله ونعم الوكيل .
- سادساً: اشتدت الأزمة في مارس سنة 1954 وهددت الأوضاع وبعث إلينا الرئيس جمال عبد الناصر في السجن الحربي بوفد مكون من الأستاذ محمد أحمد والمرحوم فؤاد جلال والمرحوم محيي الدين أبو العز للتفاهم معنا علي تعاون بيننا وبينه من أجل الصالح الوطني .. وقلنا لهم : وكيف ذلك وقد أصدرت الحكومة بيانا تتهمنا بمؤامرة وباتصالات كاذبة وبحيازة أسلحة للتأمر وعزبة حسن العشماوي . مع أنها أسلحة عبد الناصر نقلناها بطلب منه من مكاتب في الثكنات لرفع الحرج عنه ووضعناها في عزبة حسن عشماوي بعلم وبرأي منه فكيف نخرج في ظل اتهامات الحكومة أدري الناس ببطلاتها وكذبها . وعرض الأستاذ محمد أحمد الأمر علي عبد الناصر فاقترح أن يزور المرشد في بيته ومعه كل الأخوة الذين جاء ذكرهم في بيانات الحكومة وذلك بمجرد خروج المرشد فورا إلي بيته .. وحرصا علي المصلحة قلنا .. لا مانع .. تتهم بالأمس بالخيانة وتطالب اليوم بمد أيدينا تعاونا وباسم المصلحة العامة .. وفعلا وصل السيد جمال عبد الناصر ومعه السيد صلاح سالم إلي بيت المرشد بعد خروجه من المعتقل .. ونقلت الإذاعة والصحف أخبار هذه الجلسة .
- وفي هذه الجلسة لم يحضر حسن العشماوي رحمه الله فقد آلمه مسلك صديقه .. وما نسب إليه في بيانات رسمية هو بريء منه . وبعد يومين وبعد توديع الملك سعود ونحن في مطار ألماظة الحربي أصر الرئيس عبد الناصر والسيد عبد اللطيف البغدادي علي أن أتناول معهم طعام الإفطار في " ميز المطار " وكان جلوسي بجوار عبد الناصر ، وسألني " فين حسن .. " قلت : زعلان ، وله عندك حق عرب ، قال : صحيح ما أنتم عرب . أنا حصالحه ... طيب فكره أنني عملت له دعاية بمليون جنيه .
- وعلي هذا النحو كانت علاقاتنا مع عبد الناصر ، ولم يكن اتصال جري بيننا وبين ايفانز بعلم من عبد الناصر وبرغبة وبموافقة وتخطيط مشترك لشد أزره في المفاوضات – مدعاة لنقطة اللارجعة التي يني عليها البعض استنتاجاتهم فيما وجد بعد ذلك من علاقات بين عبد الناصر والإخوان المسلمين . ومن أجل ذلك نقول أن المرحوم حسن العشماوي قد ظلم حيا وميتا ، ونقول أيضا أن ما بناه البعض علي هذه الواقعة منهار من أساسه . وأن نقطة اللارجعة كانت كامنة أصلا في نفوس معروفة ترجمتها بعد ذلك إلي أبشع صنوف التعذيب وأقصي أنواع الإهدار لكرامة الإنسان المصري وإنسانيته .. بالتقتيل .. والتعذيب .. وغير ذلك مما وقع علي الإخوان المسلمين ظلما وعدوانا ولا أحسب أن أمرا منه ظل طي ما كان يراد له من تكتم أو كتمان ..
- فقد ذاع في حينه وانتشر أمره في كل صحف العالم وإذاعاته .. والقول بأنه تم بلا علم من رئيس الجمهورية حينئذ .. فيه مغالطة لا أحسب إلا أنها مقصودة . ومع ذلك يحتسب أهل الحق لله في كل ما أصابهم من إيذاء وتعذيب سائلينه حسن الأجر والثواب فكل شيء يهون في سبيله . لا يتشفون فيمن آذوهم وهم يرون مصارعهم ويسمعون عن مخازيهم ... " فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله .. والله عنده حسن الثواب . لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد .. متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ".