الإخوان وموقفهم من العدوان الثلاثي على مصر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان وموقفهم من العدوان الثلاثي على مصر


إخوان ويكي

مقدمة

ما تزال الأنظمة العربية تخشى الإخوان المسلمين رغم ما حل بها من تفكك وضعف وتشرد عام 2021م، ولذا فهي ما زالت تسلط مراكزها البحثية ومواقعها الإخبارية وصحفيها في اللمز في تاريخ الإخوان المسلمين، والعمد لتشويه هذا التاريخ ومحاولة أبراز أن جماعة الإخوان جماعة إرهابية عميلة ضد الجيوش العربية والأنطمة الحاكمة العربية وفي ذلك ارتدى هؤلاء ثوب الوطنية في محاولة لاخراج كل المعارضين لأنظمتهم من هذا الثوب وإضفاء صفة الخيانة عليهم.

ومنذ الانقلاب العسكري الذي وقع في 23 يوليو 1952 - وهي ما أطلقوا عليها ثورة – والعسكر والأنطمة الديكتاتورية تخشى صعود الإخوان المسلمين حيث يعد ذلك تهديد صريح لعروش وكراسي هذه الأنظمة.

غير أنه في العشر سنوات الأخيرة زادت وتيرة التشوية وتوجيه الضربات المباشرة لأعضاء الإخوان سواء بالاعتقال أو الفصل من العمل أو المطاردة أو نشر الخوف أو التنكيل بذويهم أو التشويه ومحاولة لصق صفات الخيانة والعمالة بهم، ومن هذه الاتهامات أن الإخوان في محنتهم وتحت السياط وفي السجون فرحوا بالعدوان الثلاثي الذي وقع على مصر عام 1956م

حيث استشهدوا ببعض ما كتبه الشيوعيون الكارهون للإخوان وألد أعدائهم وعلى رأسهم رفعت السعيد والذي ذكر: "لقد كان رد الفعل الإخواني على العدوان الثلاثى عام 1956م ففي حين كان الشيوعيون يرفعون شعار الدفاع عن الوطن رفع الإخوان شعار لا عدوان إلا على الظالمين" حيث احتفى بمثل هذه السطور أتباع الأنظمة الديكتاتورية والعسكرية سواء من صحفيين أو باحثين وأعتبروا ما كتبه رفعت السعيد وما ذكره غيره حقائق مسلمة.

الإخوان وعبد الناصر

الأستاذ عبدالقادر عودة والمستشار-حسن-الهضيبي وعبدالناصر.jpg

شارك الإخوان الضباط الأحرار قيام ثورة يوليو حيث اعترف كثير من ضباطها بذلك أمثال أنور السادات وعبد اللطيف البغدادي وخالد محي الدين وغيرهم، وظل التوافق بين الطرفين حتى بدأت الأمور تتغير ويتأكد شباب العسكر الذين قاموا بالثورة أن الأمور أصبحت بأيديهم فتخلوا عن مبدأ عودتهم أو عودة الجيش لثكناتهم – كما كان يطالب بذلك الجميع بما فيهم خالد محي الدين – ووجدوا أن الفرصة مواتية لهم للاحتفاظ بالسلطة تحت ذريعة الخوف على الثورة ومكتسابتها.

استعان بعض رجال المجلس العسكري – وعلى رأسهم عبدالناصر – بخبراء ليرسموا لهم سبل الاحتفاظ بالسلطة، فكان من ضمن هذه الوسائل لابد من التخلص من الشركاء الأقوياء حتى يستتب لك الأمر، وبالفعل بدأ عبدالناصر بتقويض الأحزاب فطالبهم بتطهير أنفسهم قبل أن يصدر قرار بحل الأحزاب، وحينما استشعر القوة، قام بحل جماعة الإخوان المسلمين في يناير 1954م واعتقال مرشدها وقادتها، كإجراء لمعرفة رد فعل الشارع والإخوان

لكنه سرعان ما تراجع – بل وقدم اعتذاره – حينما تحركت جموع الناس، ولذا كان لابد من تفتيت هذه القوة، حيث بدأها من داخل الإخوان حينما أشعل فتيل الفتنة بين بعض قيادات الإخوان المسلمين وانشغلت الجماعة طيلة العام بهذه المشاكل الداخلية، قبل أن يرتب الضربة القاصمة للقضاء عليهم حينما ادعى وأجهزته أن الإخوان حاولوا اغتياله

فكان رد فعله غير مساوي للحدث وكأنه كان يتحين ويعد لهذه اللحظة، حيث اعتقال كل من كان ينتسب للإخوان أو يتعاطف معهم، وفتح المحاكم العسكرية وعلق المشانق وتبني حملة تعذيب ممنهجة ضد كل من اعتقلهم بل وضع خطة لتشريد وتفكيك أسرهم – كما ذكرت بعض المصادر وسربوا مخططه لذلك – ثم اعتقل محمد نجيب – الرئيس الشرعي للبلاد – ونفاه في فيلا زينب الوكيل بالمرج، وبدأ العمل لمحاصرة والتضييق على رفاقه حتى قضى على مصادر قوتهم.

وبعدما أصدرت المحاكم العسكرية المختلفة أحاكمها على قيادات وأعضاء الإخوان رأى بأن يبعدهم – حتى – عن سجون القاهرة حتى لا يكونوا مصدر إزعاج له، وإمعانا في التنكيل حيث نقلهم إلى سجون الواحات ثم المحاريق وقنا وأسيوط وغيرها. (1)

العدوان الثلاثي على مصر

العدوان الثلاثي أو حرب 1956 (كما تعرف في مصر والدول العربية) أو أزمة السويس أو حرب السويس (كما تعرف في الدول الغربية) أو حرب سيناء أو حملة سيناء أو العملية قادش (كما تعرف في إسرائيل)، هي حرب شنتها كل من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر عام 1956، وهي ثاني الحروب العربية الإسرائيلية بعد حرب 1948، وتعد واحدة من أهم الأحداث العالمية التي ساهمت في تحديد مستقبل التوازن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية، وكانت حاسمة في أفول نجم القوى الاستعمارية التقليدية، وتألق نجوم جديدة على الساحة الدولية.

بدأت جذور أزمة السويس في الظهور عقب توقيع اتفاقية الجلاء سنة 1954 بعد مفاوضات مصرية بريطانية رافقتها مقاومة شعبية شرسة للقوات الإنجليزية بالقناة. بدت علاقة عبد الناصر مع الدول الغربية في تلك الفترة في صورة جيدة خاصة مع موافقة البنك الدولي بدعم أمريكي بريطاني على منح مصر قرضاً لتمويل مشروع السد العالي الذي كان يطمح به عبد الناصر أن يحقق طفرة زراعية وصناعية في البلاد.

في تلك الفترة كانت المناوشات الحدودية مستمرة بشكل متقطع بين الدول العربية وإسرائيل منذ حرب 1948، وأعلن عبد الناصر صراحة عداءه لإسرائيل، وضيّق الخناق على سفنها في قناة السويس وخليج العقبة، ما شجع الأخيرة ووجدت فيه مبرراً لتدعيم ترسانتها العسكرية عن طريق عقد صفقة أسلحة مع فرنسا، فقرر عبد الناصر طلب السلاح من الولايات المتحدة وبريطانيا

إلا أنهما ماطلا في التسليم ورفضاه في النهاية معللين ذلك بوضع حد لسباق التسليح بالشرق الأوسط، لم يجد عبد الناصر بديلاً إلا أن يطلب السلاح من الاتحاد السوفيتي وهو ما قابله الأخير بالترحيب لتدعيم موقفه بالمنطقة؛ فقررت كلاً من بريطانيا والولايات المتحدة الرد على الخطوة المصرية والرد على رفض عبد الناصر الدخول في سياسة الأحلاف

ورفضه الصلح مع إسرائيل طبقاً لشروط الغرب كما أقرتها الخطة "ألفا" وذلك بوضع خطة جديدة أُطلق عليها "أوميجا" هدفت إلى تحجيم نظام عبد الناصر عبر فرض عقوبات على مصر بحظر المساعدات العسكرية، ومحاولة الوقيعة بينها وبين أصدقائها العرب، وتقليص تمويل السد الذي تم إلغاؤه بالكامل في وقت لاحق.

رأى عبد الناصر في تأميم قناة السويس فرصته الوحيدة للحصول على التمويل اللازم لبناء السد العالي، وبالفعل أعلن في 26 يوليو 1956 قرار التأميم، ومع فشل الضغط الدبلوماسي على مصر للعدول عن قرارها، قررت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل وضع خطة لاستخدام القوة العسكرية ضد مصر أُطلق عليها بروتوكول سيفرز، آملين بذلك تحقيق مصالحهم من تلك الضربة

فعلى الصعيد البريطاني كان الهدف التخلص من عبد الناصر الذي هدد النفوذ البريطاني بتحقيق الجلاء وتحالف مع السوفيت وأمم القناة التي تمر منها المصالح البريطانية، وعلى الصعيد الفرنسي كانت فرصة للانتقام من عبد الناصر الذي ساند ثورة الجزائر وأمم القناة التي كانت تحت إدارة فرنسية، في حين وجدت إسرائيل فرصتها لفك الخناق المحكم على سفنها في قناة السويس وخليج العقبة، وتدمير القوات المصرية في سيناء التي كانت تشكل تهديداً صريحاً لها.

تقول الدكتور لطيفة سالم:

في عام 1955 وصل دخل قناة السويس إلى 35 مليون جنيه (100 مليون دولار وقتها)، بلغ نصيب مصر منها مليون جنيه فقط، وذلك بعد ما خسرت مصر حصتها في القناة بسبب مرورها بأزمة مالية في عام 1875 اضطر معها الخديوي إسماعيل إلى بيع حصة مصر في أسهم القناة لبريطانيا.
وكان ميعاد انتهاء عقد الشركة الفرنسية صاحبة امتياز التحكم في القناة يحين في عام 1968 لتعود بعد ذلك القناة إلى ملكية مصر. عقب توقيع اتفاقية الجلاء تخوفت الشركة الفرنسية من التأميم كما حدث مع البترول في إيران، فتكون ما يعرف بجماعة السويس للدفاع عن الشركة، واستبعدت الشركة أن تعود القناة إلى مصر، وحاولت مد امتياز القناة عشرين سنة أخرى أو تأسيس شركة جديدة تحصل على امتياز جديد يكون لمصر فيها نصيب، فيما أهملت الشركة تحسينات القناة التي تحتاج بطبيعة الأمر إلى تمويل كبير بهدف الضغط على مصر لتحقيق مطالبها.
مثلت القناة أهمية دولية كبرى وخاصة بالنسبة لبريطانيا التي تعد أكثر الدول انتفاعاً بالقناة، حيث تنقل من خلالها البترول وتمر سفنها التجارية إلى الشرق الأوسط التي تمثل ربع تجارتها، بخلاف أهميتها كطريق لدول الكومنولث، وتسهيل مرور قواتها العسكرية، وكونها صاحبة أكبر حصة من الأسهم في القناة بإجمالي 44%، من أجل ذلك قلقت لندن بشأن وضع القناة بعد انتهاء امتيازها، وأعلنت أهمية اتخاذ الترتيبات لضمان مستقبلها بالنقاش مع الحكومة المصرية، في حين اعتبر مجلس العموم البريطاني القناة ممر دولي وطالب بإبعاد سيطرة عبد الناصر عنها. (2)

على الجانب الآخر ركزت مصر تصريحاتها على صعيدين على أكثر من مستوى، الأول أنها سوف تحصل على النقد اللازم لتمويل السد بتأميم القناة إذا عدلت واشنطن ولندن عن التمويل، والثاني بأن القناة جزء لا يتجزأ من مصر وأن عودة القناة لمصر جزء متمم لإسدال الستار على النفوذ الأجنبي خاصة بعد توقيع اتفاقية الجلاء، فقررت الدول الثلاث (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) تعبئة الرأي العام الدولي ضد مصر.

بدأت الخطة المشتركة بين بريطانيا وفرنسا وإسرائيل - بعدما جمدت أرصدة مصر لديها - فطبقاً لبروتوكول سيفرز وفي 29 أكتوبر 1956 هبطت قوات إسرائيلية في عمق سيناء، واتجهت إلى القناة لإقناع العالم بأن قناة السويس مهددة، وفي 30 أكتوبر أصدرت كل من بريطانيا وفرنسا إنذاراً يطالب بوقف القتال بين مصر وإسرائيل، ويطلب من الطرفين الانسحاب عشرة كيلومترات عن قناة السويس، وقبول احتلال مدن القناة بواسطة قوات بريطانية فرنسية بغرض حماية الملاحة في القناة، وإلا تدخلت قواتهما لتنفيذ ذلك بالقوة.

أعلنت مصر بدورها رفضها احتلال إقليم القناة، وفي اليوم التالي (31 أكتوبر) هاجمت الدولتان مصر وبدأت غاراتهما الجوية على القاهرة ومنطقة القناة والإسكندرية. وبدأ الغزو الأنجلو-فرنسي على مصر من بورسعيد التي تم ضربها بالطائرات والقوات البحرية وذلك قبل أن تتعرض لضغوط دولية – بل ضغوط داخلية أيضا ببريطانيا - من أجل إيقاف الحرب والانسحاب من مصر.

ورغم أخطاء عبدالناصر وقائده العام للجيش عبد الحكيم عامر، إلا أن الضغط الخارجي من القوى الكبرى أنقذ البلاد من فاجعة مؤكدة، وذلك من جراء الأخطاء التي ارتكبت

والتي صور جزء منها الدكتور فاروق فهمي بقوله:

وافق عبد الناصر على أخطائ عبد الحكيم عامر العسكرية في حرب 1956 والتي أدت إلى هزيمة مصر رغم الإنذار الأمريكي .. وبكي عبد الناصر من تصرفات رفيقه وسياسته الفاشلة ... وهو يري جيشه ينهزم في عام 1956 والمعدات العسكرية ملقاة في صحراء الإسماعيلية معلنة هزيمة الجيش ..يومها قال للبغدادي وكمال الدين حسين وهم في الطريق لبورسعيد لقيادة المقاومة الشعبية ..هزمني صديقي ... هزمني جيشي !!
ولم يقدر عبد الناصر ... على مواجهة عبد الحكيم عامر .. بل زاد من تدعيمه وفتح مجالات الخطأ أمامه!! (3)

موقف الإخوان من العدوان الثلاثي

"إن كان دعاة الوطنية يريدون بها حب هذه الأرض وألفتها والحنين إليها والانعطاف نحوها، فذلك أمر مركوز فى فطر النفوس من جهة، مأمور به فى الإسلام من جهة أخرى. وإن كانوا يريدون أن من الواجب العمل بكل جهد فى تحرير البلد من الغاصبين وتوفير استقلاله له، وغرس مبادئ العزة والحرية فى نفوس أبنائه، فنحن معهم فى ذلك أيضًا، وقد شدد الإسلام فى ذلك أبلغ التشديد".

بهذه الكلمات وضح الإمام حسن البنا وطنية الإخوان المسلمين، وموقفهم من سيادة الوطن والدفاع عنه، وهو المعنى الذي أكده في موضع أخر بقوله: "إن الذين يظنون الإسلام يهدم الوطنيات مخطئون؛ لأنه يفترض على أبنائه حماية أرضهم".

ورغم تعرض الإخوان لكثير من المحن والاضطهاد من الأنظمة الحاكمة إلا أنهم لم يتأخروا عن نصرة وطنهم والدفاع عن بلادهم وذلك بشهادة كل من عاصرهم وتعامل معهم سواء في حرب فلسطين أو حرب القنال عام 1951م أو المشاركة في ثورة 23 يوليو 1952م، بل حتى حرب العصابات التي كانت تشن ضد الإنجليز لدعم المفاوضين المصريين أمام المحتل البريطاني

وذلك بما اعترف به عبدالناصر وبقية الضباط الأحرار في كتبهم كالآن أتكلم ومذكرات البغدادي وغيرهم – ولم يتأخر الإخوان لحظة عن نصرة وطنهم، ولم يستطع أحد من الآفقين أو المتفيقهين أذناب العسكر والأنظمة الديكتاتورية تقديم دليل واحد على اتهامتهم إلا ما كتبوه هم أو بعض الشيوعيين.

حينما وقع العدوان الثلاثي على مصر كان الإخوان المسلمون موزعون على عدد كبير من السجون، وقد سجل الضابط حسين محمد حموده – أحد الضباط الأحرار – شهادته في كتابه أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، والتي تجلي الغشاوة عن حقائق يحاول الصحفيين والإعلاميين إغفالها ومنها موقف الإخوان من تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي – ورغم اختلاف وجهات النظر بين بعض قيادات الإخوان وبقية الإخوان المسجونين إلا أنه تم الاتفاق على كتابة تأييد لعبدالناصر في خطوة التأميم

حيث يقول:

جمال-عبدالناصر.jpg
استمعنا لخطاب جمال عبد الناصر يوم 26/ 7/ 1956 والذي أذاعته محطة القاهرة على الهواء مباشرة وفوجئنا بإعلان جمال عبد الناصر تأميم قناة السويس. وكان تأميم قناة السويس حلما يراود شعب مصر وعملا جريئا قام به عبد الناصر وهو عمل وطني مائة في المائة. وعلى أثر هذا القرار التاريخي قررت إرسال برقية لعبد الناصر أعلن تأييدي له في هذه الخطوة الوطنية المباركة.
فتشاورت مع فؤاد جاسر و جمال ربيع فوافقا معي على إرسال البرقية وطلبا قبل إرسالها أخذ رأي كبار الإخوان من أعضاء مكتب الإرشاد الموجودين معنا في السجن وحبذا إصدار بيان من الإخوان بتأييد جمال عبد الناصر في هذا الموقف الوطني الجريء.
فتناقشنا مع أعضاء مكتب الإرشاد في موضوع تأميم القناة وحبذنا إصدار بيان من الإخوان لتأييد الحكومة في موقفها فكان رد أعضاء مكتب الإرشاد أن تأميم القناة عمل وطني وجرئ لاشك فيه ولكن إرسال برقية تأييد ونحن مسجونون قد يفسرها عبد الناصر على أنها نفاق أو ضعف لاستجداء الإفراج عنا ولكن الوضع يختلف لو كنا أحرارا خارج السجون.
ولم يأخذ برأي مكتب الإرشاد الدكتور خميس حميدة وكيل الجماعة وأصدر بيانا قرأه على الإخوان الموجودين في السجن أيد فيه الحكومة في موقفها الوطني من تأميم القناة. وقال إن فقهاء المسلمين أفتوا بأن الحاكم الظالم لودعا المسلمين إلى الجهاد معه لرد أعداء الله وجب على المسلمين أن يجاهدوا أعداء الله معه ورفض باقي أعضاء مكتب الإرشاد فكرة تأييد الحكومة وهم داخل السجن
وقالوا إن هذا التأييد ذلة لا يرضونها لأنفسهم ولقد رأى كثير من شباب الإخوان أن تأييد حكومة عبد الناصر في موقفها الوطني لا غبار عليه من الوجهة الشرعية وقالوا نحن ننسى التعذيب الوحشي والمحاكمات الظالمة وآلام السجن والنفي في سبيل مصر التي تتعرض الآن لخطر العدوان عليها من الدول الاستعمارية.
وكتب المؤيدون للحكومة في موقفها الوطني تأييدا للحكومة سلمته للصاغ بهجت يوم 14/ 9/ 1956 هذا نصه.
السيد - رئيس الجمهورية
بدافع من إيماننا بالحق وإخلاصنا للوطن وتفانينا في الدفاع عن حقوقه ومصالحه نعلن بقلوب مخلصة وقوفنا إلى جانب الخطوة التاريخية التي خطاها السيد الرئيس بتأميم قناة السويس المصرية ولنا على أرضها شهدا ودماء عزيزة خالدة.
كما نعلن تأييدنا لسياسة الحياد الإيجابي والوقوف أمام إسرائيل وتدعين الكتلة العربية من الخليج إلى المحيط. وإننا بالرغم من وجودنا خلف الأسوار نعتبر أنفسنا مجندين لمعركة الدفاع عن حقوق البلاد ورهن إشارة قيادتها.
ونعلن انجلترة والدول الغربية الاستعمارية أن أبناء النيل لم تفرق بينهم الأحداث وهم كتلة واحدة قوية متراصة تستطيع بإيمانها أن تفتت أساليبهم الاستعمارية العتيقة التي أصبح بمجها الذوق العالمي.

وأننا أمام تهديداتهم التي تقطع بانهيار أعصابهم نعلن استعدادنا للدفاع عن حياض الوطن حتى آخر قطرة من دمائنا والله ولي التوفيق.

توقيعات
ووقعت هذه البرقية ومعي سبعون شخصا من الإخوان منهم الدكتور خيمس حميدة وكيل جماعة الإخوان والبكباشي فؤاد جاسر والصاغ جمال ربيع واليوزباشي شرطة جمال إسماعيل و سعيد بلبع وعز الدين صادق من ضباط البحرية وآخرون وباقي الإخوان الموجودين بسجن الواحات الخارجة وعددهم 230 مسجونا. (4)
ويضيف: ما إن علم الإخوان من الإذاعة أن طائرات انجلتره وفرنسا بدأت ضرب مدن مصر بالقنابل حتى ثارت الدماء في عروقهم وأسرعوا فكتبوا برقية هذا نصها.
31/ 10/ 1956
السيد - رئيس الجمهورية
السيد - قائد عام القوات المسلحة
السيد - وزير الداخلية
في هذه الفترة الخطيرة التي يتعدى فيها على بلادنا نعلن أن الوطن وطننا جميعا ولنا حق الدفاع عنه ونحن الذين شاركناكم الجهاد في سبيل الله في أعوام 46 ، 47 ضد قوات الاحتلال البريطاني في القاهرة و الإسكندرية ، 48 في حرب فلسطين ، 1951 على أرض قناة السويس نمد لكم يدا صادقة لا تبغي إلا مصلحة الوطن ونطالبكم باسم الله والوطن أن نشارككم فورا في القتال في الخطوط الأمامية ونحملكم أمام الله والتاريخ مسئولية حرماننا من أداء هذا الفريضة المقدسة ونحن فداء الوطن في كل لحظة.
توقيعات
ووقعت هذه البرقية ومعي 73 شخصا من الإخوان منهم ضباط القوات المسلحة السابقون واليوزباشي جمال إسماعيل ضابط الشرطة والدكتور خميس حميدة . وكيل جماعة الإخوان المسلمين و محمود عبده قائد مجاهدي الإخوان بقطاع صور باهر في حرب فلسطين 1948. (5)

ولكن سياسية عبد الناصر بعد العدوان الثلاثي اتسمت بالبعد عن الحكمة وظن أن النصر السياسي الذي حققته مصر عام 1956 إنما يرجع إليه شخصيا وشجعه على ذلك المنافقون من الصحفيين ومرتزقة السياسة فأصابه الغرور.

ويؤكد موقف الإخوان الداعم لجمال في تأميم القناة والمندد بالعدوان الثلاثي يقول علي صديق – أحد الذين عاشوا في سجون عبدالناصر أوقاتا طويلة - : وفي 26 يوليو 1956 أصدر جمال عبد الناصر قرارا بتأميم قناة السويس واعتبار القناة شريانا مصريا لأنها تسير في أرض مصرية وأن مصر ستعوض أصحاب الأسهم وزحفت القوات المصرية لاحتلال مبني قناة السويس وكسر الاحتلال .

واعتبر الإخوان هذا العمل عملا وطنيا وأن خصومتنا لعبد الناصر لا تمنعنا من أن نقول له أصبت كما قلنا له أسأت عندما وقع اتفاقيته مع الانجليز وأن هذه الخطوة خطوة وطنية وتذكرنا رأى الإمام الشهيد في هذه القناة باعتبارها وكرا للاستعمار وود لو تطمس ولو بجثث الإخوان لأنها وكر الاستعمار.

وما إن تحركت جيوش العدوان من اليهود الانجليز والفرنسيين حتى ندد الإخوان وهم بسجنهم بهذا العدوان وودوا لو تفتح لهم السجون ليذهبوا إلى صفوف القتال ليؤدوا واجبهم الوطني نحو وطنهم ودينهم وهذا ما أمرهم به إسلامهم : "قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة" .

وأعلنوا استعدادهم لعودة عقب معركة النصر إلى سجنهم لأنهم لا يساومون على حريتهم ولكنهم يقررون ذلك بدافع من إسلامهم ووطنيتهم وتبلور هذا الرأى إلى برقية ترسل لعبد الناصر وتحمله فيها مسئولية حرماننا من خوض معركة الجهاد ولكن البعض اختلف عن الرأى والتزم الصمت انتظارا لما ستسفر عنه الأحداث .

أما الإخوان الذين جاهدوا اليهود في فلسطين والانجليز في القنال فقد رغبوا وأصروا وألحوا وأرسلوا برقيتهم إعزازا إلى الله " نحن الذين شاركناكم الجهاد المقدس في فلسطين والقنال نمد إليكم الآن يدا مخلصة في رد المعتدين ونحملكم أمام الله والتاريخ مسئولية حرماننا من تأدية هذا الواجب المقدس ونحن على أتم الاستعداد للعودة إلى السجن عقب معركة النصر " ووقعوا عليها وتحملوا مسئوليتها وتسلمها مأمور السجن كي يبلغها إلى عبد الناصر وسارت الأحداث سريعة وانسحب المعتدون ..

ورد عبد الناصر ببرقية شاكرا لهؤلاء أنه مدخرهم لمعركة أخري ولكن لم يعجب هذا الموقف بعض الإخوان ممن جمعهم سجن جناح وانقسموا إلى رأيين كنت ممن حمل هذا الرأى وكذا الأستاذ محمود عبده والدكتور خميس وكيل الجماعة والأستاذ فتحي البوز وفارس فريح وضباط الإخوان أمثال المرحوم الصاغ فؤاد جاسر وحسين حمودة وجمال ربيع وضباط البحرية واليوزباشي جمال إسماعيل. (6)

كان الموضوع واضح وجلي غير أن البعض صمم على اختلاق الكذب لتزييف الحقائق، حيث يؤكد الأستاذ محمد مورو بقوله: وفي أثناء حرب 1956 طلب عدد من الإخوان المسلمين الموجودين في السجون المصرية التطوع للقتال ضد اليهود إلا أن طلبهم رفض مع أنهم تعهدوا بالعودة إلى السجون بعد انتهاء المعركة. (7)

أخيرا

لم يرفض كبار الإخوان في السجون تأييد ومباركة تأميم قناة السويس – كما زعم البعض – لأن تأييدهم أو رفضهم لن يجدي وهم لا يملكون شيء داخل السجون، ولا بيدهم قرار وهم مكبلون بالأغلال في سجون الواحات والمحاريق وقنا وغيرها.

وكانت نظرة بعض كبار الإخوان إلى أن التأييد لا يجدي نفعا لكنه سيفهم على غير حقيقته وسيفسر على أنه استعطاف للحاكم من أجل الخروج من السجون، أو انه مناورة من الإخوان للخروج من السجن، وهو ما رفضه كبار الإخوان عن نفسهم ولم يلزموا به أحد.

ربما لم يكن كبار الإخوان موفقين في هذا التصور أو هذه الرؤية لكن في نهاية الأمر هي رؤى وطرحات تحتمل الصواب والخطأ. لكن الحوادث أكدت بعد نظرتهم حينما استغلت المخابرات موقف البعض من التأييد وزادوا عليه وعمقوا الفرقة بين أفراد الإخوان داخل السجون، ووعدوا البعض بالخروج، إلا انهم لم يخرجوا إلا قرب نهاية حكمهم.

المراجع

  1. مجموعة مؤلفين: ثورة 23 يوليو: حصيلة ودروس، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2002م.
  2. لطيفة سالم: أزمة السويس 1954 - 1957: طـ1، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997م، صـ349.
  3. فاروق فهمي: اغتيال المشير عبد الحكيم عامر، طـ1، دار الإشعاع للطباعة، 1988م، صـ44.
  4. حسين محمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والإخوان المسلمون، الزهراء للاعلام العربى، القاهرة، 1405هـ - 1985م.
  5. حسين محمد حمودة: مرجع سابق.
  6. علي صديق: الإخوان المسلمين بين إرهاب فاروق وعبد الناصر، دار الاعتصام، 1987م.
  7. محمد مورو: الحركة الإسلامية في مصر من (19281993) رؤية من قرب، الدار المصرية للنشر والتوزيع، 1994م.