زينب مصطفى شحاتة
موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)
مقدمة
لقد نظر الإسلام للمرأة على أنها مستخلفة شأنها شأن الرجل في كون الله، وأنها مسئولة في حدود طبيعتها وإمكانياتها وقدراتها عن مجتمعها ونهضته واستقلاله، وهي منذ ميلادها حتى مماتها نموذج للجهاد الحي، خاصة إذا كانت حياتها لله.
إن الله عز وجل أصطفى المرأة بخصال عظيمة وأعطاها قدرات جليلة تسعد بها من تسخرها لطاعة الله وتشقى بها من تحيد بهذه النعم عما خلقت له، وكثير من النساء فطنوا للغاية اللاتي من أجلها خلقن فكن مثالا سجله التاريخ بمداد من نور.
بداية الرحلة
نعود مرة أخرى لنقطف زهرة طيبة من زهور هذه الحركة المباركة وهي حركة الإخوان المسلمين التي اعتنت بتربية أفرادها ليس ذلك فحسب بل اعتنت بتربية المجتمع عموما للعودة إلى مفاهيم الإسلام الصحيحة الشاملة، هذه الزهرة هي من معين النساء اللاتي عرفن الله والغاية من الوجود فأوجدت أسرة كريمة في هذه الحياة.
زهرتنا هذه ولدت في مدينة الثغر المواجه للعدو الصهيوني فقد ولدت في مدينة الإسماعيلية منبت هذه الدعوة.
ومدينة الإسماعيلية تقع على شاطئ قناة السويس في منتصفها تقريبًا، وهي كانت إحدى مدن محافظة القناة في وقت انتشار الدعوة وكانت مساحتها في تلك الفترة حوالي 5.1 كيلو متر وعدد سكانها 25194 نسمة.
وكانت تضم شياختين، هما: الإسماعيلية، وبوستات الإسماعيلية، وكانت تضم بجانب المصريين عدد من الأجانب، والأقباط، وآخرين.
ولدت زينب مصطفى شحاتة في عزبة أبو شحاتة التابعة لمدينة الإسماعيلية في أبريل عام 1928م وهو العام الذي ولدت فيها جماعة الإخوان المسلمين على يدي الإمام البنا وستة من أبناء الإسماعيلية و هم (حافظ عبد الحميد "نجار"، وأحمد الحصري "حلاق"، وفؤاد إبراهيم "مكوجي"، وعبد الرحمن حسب الله "سائق"، وإسماعيل عز "جنايني"، وزكي المغربي "عجلاتي").
كان والدها أحد أعضاء الجمعية الشرعية مما جعلها تحظى بتربية إسلامية جيدة، كما أن والدتها الحاجة أنيسة حسن أباظة كان تقوم على تربيتها تربية إسلامية وإعدادها لتكون زوجة صالحة في المستقبل.
بالرغم من كونها ليست الأبنه الوحيدة لوالديها إلا أنها حظيت بالرعاية الطيبة، حتى أنها حصلت على شهادة الكفاءة، وتوقفت بسبب زواجها، فقد كان لها من الإخوة والأخوات ما يقرب من ثمانية أشقاء ..(1)
زواجها
لقد تعارف الناس في المجتمعات العربية أن زواج الفتيات وهن صغار حصنا لهن وتشريفا، فأصبحت عادات تتوارثها الأجيال، وهذا ما حدث للسيدة زينب فما كادت تبلغ الخامسة عشر حتى وقف الخطاب على باب أبيها يطلبن الزواج منها غير أنه بعد موافقة ابنته اختار ابن خالتها الأستاذ علي محمد علي رزة وتزوجا عام 1943م، ورزقهما الله الذرية الصالحة فقد رزقا بقدرية عام 1945م، ومحمود عام 1949م، ونادية عام 1950م، وحسن عام 1952م، وفاطمة الزهراء عام 1956م، وعائشة عام 1958م، وصفاء عام 1962م.
وعلي رزة من مواليد 11/2/1918م بقرية نفيشة بالإسماعيلية، وكان جده أحد الذين شاركوا في حفر قناة السويس، ومن عائلة بدوية استقرت بالإسماعيلية.
تعلم في كتَّاب القرية، ثم التحق بالمدرسة الأولية في نفس القرية، ثم المدرسة الابتدائية بمدينة الإسماعيلية (التي تسمى طه حسين حاليًّا)، وحصل على الثانوية العامة من مدرسة النجاح بالزقازيق عام 1938م، وبعد تخرجه عمل في الشركة الاقتصادية للقوات المسلحة البريطانية.
ثم عمل صرافًا، واستمر في الشركة من عام 1939 حتى عام 1948م حتى وصل إلى مدير مخازن، واستفاد كثيرًا من صناعة الأدوية وطرق تجهيزها، وبعدما ترك العمل في الشكة اشترى صيدلية وقام بإدارتها بالاشتراك مع الدكتور خميس حميدة (الذي أصبح وكيل جماعة الإخوان المسلمين في عهد المستشار حسن الهضيبي) عام 1951م، وكانت تقع في شارع الثلاثيني.
التحق ب جماعة الإخوان المسلمين سنه 1939م، فيقول عن نفسه- رحمه الله تعالى:
- "كان والدي في بداية حياته وفديًّا، غير أنه لم يجد بغيته داخل هذا الحزب، ووجد به أشياء كثيرة لم يَرْضَ عنها، وفي إحدى المرات دعاه الشهيد يوسف طلعت عام 1942م وقت أن رشح الإمام البنا نفسه في انتخابات النواب إلى مؤتمر سيحضر فيه الإمام الشهيد حسن البنا، فذهب معه واستمع إلى حديثه، فأعجب به، ومن وقتها عشق جماعة الإخوان المسلمين وعمل وسط رجالها، وأصبح البيت يعشق الإخوان المسلمين.
التحق الأستاذ علي رزة بالنظام الخاص عام 1946م، وأصبح أحد رجاله المخلصين، وأصبح أحد أعضاء الحرس الخاص للإمام الشهيد حسن البنا، حتى أنه كان له دور في إنقاذ الإمام البنا حينما حاول الوفديين في بورسعيد قتله أثناء زيارة شعبة بورسعيد عام 1946م وقاموا بحرق الشعبة على من فيها فقام الحاج على بهدم جزء من الحائط في الخلف وإخراج الإمام البنا.
كما كان له دور كبير في جمع الأسلحة للمجاهدين من الصحراء الشرقية والغربية وإعدادها وإرسالها للمجاهدين في فلسطين، ولم يسافر للحرب في فلسطين بالرغم من إلحاحه الشديد على الإمام الشهيد بسبب أنه كان متزوجا، وكان له قطعة أرض في الكيلو 17 طريق بورسعيد فجعلها مكانا لتخزين سلاح المجاهدين وإعداده حتى أنه اعتقل عام 1948م بسبب هذه الأرض وظل في السجن لمدة عام.
اشترك علي رزة في حرب القنال عام 1951م، وأبلى بلاءً حسنًا، واستمر في تهديد المعسكرات البريطانية في القنال.
وبعد حادثة المنشية في 26/ 10/ 1954م اعتقل هو وإخوانه وظل في السجن حتى أواخر عام 1956م بعد خرجت للرقابة الشديدة، حتى أعيد اعتقاله مرة أخرى في أغسطس 1965م وظل في آتون التعذيب حتى عام 1970م حينما خرج بعد وفاة جمال عبد الناصر.
وبعد خروجه فتح أكثر من صيدلية وفتح الله عليه حتى مرض مرضا شديدا فدخل المستشفى الجامعي وكان يوم الاثنين وفي هذا اليوم قال لابنه حسن: هل اشتريت الكفن؟ فقال له: العملية نجحت، لكنه رد عليه بقوله: اشتري الكفن ثم ذهب في غيبوبة، وعندما عاد لوعيه سأل عن الكفن، فسأله ولده: لماذا تسأل عن الكفن وقد نجحت العملية، فقال له: ياولدي الموعد حدد وهو يوم الجمعة، فقال له من أخبرك، فلم يجيب.. غير أن حسن قال له: هل رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءك، فقال له: نعم.
وفي يوم الجمعة 14 من ربيع الآخر 1427 هـ الموافق 12/5/2006م فاضت روحه لله، وشيعه عدد غفير حتى أن الأمن حول خط سير المرور بسبب ضخامة العدد.
كان الأستاذ علي رزة مسئول المكتب الإداري لجماعة الإخوان المسلمين في الإسماعيلية حتى توفاه الله كما كان عضو بمكتب الإرشاد في إحدى دوراته ..(2)
محطات تربوية في حياتها
لكل إنسان محطات يقف عندها وينظر إلى طبيعة المرحلة التي مرت عليه، وكثر من الناس من لا يتوقف لحظة مع هذه المحطات لينظر لهذه الأمور وهل كانت طاعة وفي سبيل الله أم أنها من عبث الدنيا وزينتها ، وينظر أيضا كم ترك من بصمات في حياة الناس.
لقد كانت السيدة زينب على قدر المسئولية التي أختارها الله لها فقد كانت إحدى بنات الإسماعيلية اللاتي نشأت فيها الدعوة بل أكثر من ذلك كانت في المدينة التي احتضنت أول قسم للأخوات المسلمات والذي كونه الإمام البنا في 14 أبريل 1933م ومن ثم كان العمل الإسلامي للنساء في الإسماعيلية.
أضف لذلك المجهود العظيم الذي قام به الإمام البنا وإخوانه في الإسماعيلية بمحاربة البغاء فيها وإنشاء دار التائبات مما كان له أثر في نشر الفضيلة وسط المجتمع الإسماعيلي، وكان ذلك حافز على أن تترعرع الحاجة زينب وقد أشربت هذه المعاني بمواقف جليلة.
ومن هذه المواقف أنها كانت تدرك طبيعة عمل زوجها الدعوي ومهامه الثقيلة في النظام الخاص فكان نعم المعين له في ترتيب شئونه في هذا المجال، بل كانت تتفهم طبيعة غيابه عن البيت، وعندما أصبح حارسا للإمام البنا كانت نعم الناصح له بالتفاني من أجل المحافظة على حياة الإمام البنا لما تكنه من حب شديد له، وأيضا وقت أن كان يقوم بجمع السلاح كانت محافظة على سره فلم تطلع عليه احد حتى أبنائها الذين كانوا كثيرا ما يسألونها، أضف لذلك قطعة الأرض التي كانت في الكيلو 17 طريق بورسعيد أحجمت عن السؤال عنها أو إخبار أحد بها.
وعندما وقعت محنة 1948م واعتقل زوجها قامت بدور عظيم وجليل نحو زوجات وأبناء المعتقلين فقد كانت تقوم بالذهاب إليهم لتعطيهم الموال التي تسد حاجتهم حتى يخرج رب الأسرة، كما كانت تقوم بجمع المال من الإخوان الذين لم يعتقلوا لتوصلها لأهالي المعتقلين بالتعاون مع زوجة الأستاذ عبد الرحمن حسب الله والشيخ محمد فرغلي ويوسف طلعت وغيرهن.
وأثناء هذا الاعتقال كان والدها تاجرا فكان يرعاها وأولادها وينفق عليهم ومن المواقف الطيبة لها أنها كانت تدخر من نفقة أبيها عليها وأولادها لتنفق على أسر الإخوان المعتقلين.
وفي عام 1954م وبعد اعتقال زوجها كانت المباحث العامة تدرك ما تقوم به هي وزوجة الحاج عبد الرحمن حسب الله فكانوا يتعرضون لهن بالتهديد والوعيد والتضييق والمراقبة الشديدة بسبب قواعد الإنجليز الموجودة في الإسماعيلية، كما كانت الحاجة تقوم بزيارة الحاجة زينب الغزالي وزوجة الأستاذ عبد الرحمن حسب الله وزوجة الشيخ محمد الغزالي كل أسبوع، كما كان بينها وبين زوجة كلاً من الشيخ محمد فرغلي والشهيد يوسف طلعت صداقة قوية.
ومع ذلك كانت تصل باحتياجات أسر الإخوان المعتقلين لهم، كما أنها لم تكل ولم تمل عن رعاية أسر الإخوان المعتقلين سواء أثناء اعتقال زوجها أو وجوده بعد خروجه من السجن.
وحينما جاءت محنة عام 1965م كانت تنتظرها مفاجئة قوية وهى اعتقال زوجها مرة ثالثة، بل زاد الأمر أن المباحث العامة قامت بمصادرة أموالهم وأملاكهم وإغلاق الصيدليات وتشميعها بالشمع الأحمر وتحذيرهم من فتحها مما سبب للأسرة أزمة بسبب غياب الوالد وعدم وجود أية مصدر للدخل، لكن في ظل هذه الظروف تظهر رجولة النساء فما كان من الحاجة زينب إلا أنها أخرجت مبلغ يقدر بـ 6 آلاف جنية كانت تدخره وبعض البضاعة التي استطاعت أن تنقلها من الصيدليات وتوزعها فعاد عليها بمبلغ من المال، ومن فضل الله عليها أن أحد الأشخاص جاء لها وقال:
إن المباحث ستهجم على الصيدليات غدا لتصادرها ولم تكن تعلم من هو هذا الرجل، فسارعت هي وأبنائها بنقل ما استطاعت أن تنقله، فكانت هذه الأموال سندا ومعينا لها ولأولادها وسند لأسر الإخوان المعتقلين.
ومن الأشياء الجيدة التي ابتكرتها لتذهب الهم والكرب عن زوجات الإخوان المعتقلين أنها كانت تعقد حلقة تجمع فيها زوجات الإخوان المعتقلين ليواسي بعضهن البعض، ويقرؤوا القرآن ويشدوا من أزر بعضهن البعض.
ومع ذلك كانت نعم الزوجة المدبرة لشئون بيتها، فتعلمت حياكة الملابس حتى توفر النفقة وكانت تذاكر لأولادها حتى أصبحوا في أماكن مرموقة بعد ذلك، ومع كل ذلك كانت تحرص على شيء هام وهو صلتها بربها فبالرغم من كل هذه المحن كانت تحافظ على صلواتها في جماعة، كما كانت تقوم بدورها نحو زوجها فقد كانت تقوم بزيارته كل شهر كما كان مقررا لهم.
كانت الحاجة زينب محبوبة من كل الناس بسبب عفة لسانها وحرصها على التواصل مع كل الأسر، كما أنها كانت بشوشة الوجه وتقوم بالصلح بين الأقرباء، وكانت تحس الأخوات على حسن الصلة بالله والعبادة.
انتقلت بأبنائها إلى ساقية مكي بمحافظة الجيزة في أكتوبر 1967م بعد النكسة بسبب ما تعرضت لها المدينة، وبعد خروج زوجها أخذ لهم مكان في مصر الجديدة حتى يكونوا قريبين من الإسماعيلية حتى يستطيع مباشرة عمله الدعوي والحياتي ..(3)
نهاية الرحلة
كانت الحاجة زينب مصطفى شحاتة تعيش مع زوجها وأبنائها في القاهرة، وكانت كثيرا ما تنزل الإسماعيلية للاطمئنان على أحوال الأقارب والأصدقاء والأخوات هناك، وفي إحدى المرات أبت الرجوع فيها للقاهرة ثم سرعان ما شعرت بهبوط حاد، ثم نظرت لزوجها وقالت: "الحمد لله" ثم توفيت، فكان وفاتها يوم الجمعة 13/ 1/ 1978م بعد صلاة العصر ودفنت في مهد الدعوة التي ولدت معها في نفس العام وإن كانت الدعوة ما زالت تعطي، وما زال رجالها ونسائها يؤدون دورهم نحو أمتهم على خير وجه.
المراجع
- حوار أجراه الأستاذ عبده مصطفى دسوقي مع المهندس حسن علي رزة بمصر الجديدة يوم 20/ 4/ 2009م.
- موقع إخوان أون لاين: 28/8/2008م.
- مذكرات الحاج علي رزة، موقع الإسماعيلية، بقلم الأستاذ خليل إبراهيم خليل.