خطاب من حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين إلي جمال عبد الناصر رئيس الحكومة
تأزمت الأمور سنة 1954 وامتلأت البلد بالشائعات وكأنها كانت تمهيدا لجو معين وأمر مرسوم . وكممت الأفواه فمنعت حرية القول والكلمة وكدأب الإخوان المسلمين ومن إيمانهم وفهمهم للإسلام كان لابد أن تقال كلمة الحق تطالب بالحق وترفض أهدار الحقوق .
وكان خطاب من الأستاذ حسن الهضيبي مرشد الإخوان المسلمين إلي السيد / جمال عبد الناصر رئيس الحكومة حينئذ لعل هذا الخطاب يعطي من الأضواء علي ما لحق من أحداث بحيث توفر الفهم السليم لفترة 1954 وما بعدها .
- السيد/ جمال عبد الناصر رئيس مجلس الوزراء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد . فإني مازلت أحييك بتحية الإسلام وأقرئك السلام ، ومازلت ترد علي التحية بالشتائم واتهام السرائر واختلاق الوقائع وإخفاء الحقائق والكلام المعاد الذي سبق لكم قوله والاعتذار عنه . وليس ذلك من أدب الإسلام ولا من شيم الكرام ، ولست أطمع في نصحك بأن تلزم الحق فذلك أمر عسير وأنت حر في أن تلقي الله تعالي علي ما تريد أن تلقاه عليه ، ولكني أريد أن أبصرك بأن هذه الأمة قد ضاقت بخنق حريتها وكتم أنفاسها وأنها في حاجة إلي بصيص من نور يجعلها تؤمن بأنكم تسلكون بها سبل الخير وأن غيركم يسلكون بها سبل الشر والهدم والتدمير إلي آخر ما تنسبون إليهم . إن الأمة في حاجة الآن إلي القوت الضروري القوت الذي يزيل عن نفسها الهم والغم والكرب . أنها في حاجة إلي حرية القول ، فمهما قلتم أنكم أغدقتم عليها من خير فإنها لن تصدق إلا إذا سمحتم لها بأن تقول أين الخير وسمحتم لها بأن تراه ، ومهما قلتم أنكم تحكمونها حكما ديمقراطيا فإنها لن تصدق لأنها محرومة من نعمة الكلام والتعبير عن الرأي .
و إذا حققتم ذلك فإننا نعدكم بأن نذكر الحقائق ولا نخاف من نشرها ونصدق القول ولا نشوبه بالكذب والبهتان والاختلاق . ولا نتهم لكم سريرة ولا نبادلكم فيما تضمرون وتدخرون في أنفسكم ولا نجاري بعضي وزرائك فيما يكتبون من غثاثة وإسفاف . وانما نعدكم – كما هو شأننا بأن نناقش المسائل مناقشة موضوعية علي ما تعطيه الوقائع التي ترضونها أو تصدر عنكم , أما أن تعطوا أنفسكم الحق في الكلام وتحرموا الناس منه , وأما أنكم تفرضون أراء كم ( بالنبوت ) علي الآمة فشي لا يعقله الناس ولا ترضاه الآمة .
أيها السيد :
أن الآمة قد ضاقت بحرمانها من حريتها فا عيدوا إليها حقها في الحياة , إذا كان الغضب علي حسن الهضيبي وعلي الإخوان المسلمين قد أخذ منكم كل مأخذ فلكم الحق أن تغضبوا وهذا شأنكم _ ولكن لا حق لكم في أن تحرضوا الناس علي الأخوان المسلمين وتغروهم بهم ، وليس ذلك من كياسة رؤساء الوزارات في شي فانه قد يؤدي إلى شر مستطير وبلاء كبير . ومن واجبكم أن تحافظوا علي الناس مخطئهم ومصيبهم وأن تجمعوا شمل الآمة علي كلمة سواء . وأنكم لاشك تعلمون أن الإخوان المسلمين حملة عقيدة ليس من الهين أن يتركوها ولا أن يتركوا الدفاع عنها ما وجدوا إلي الدفاع سبيلا . فإغراء بعض الآمة بهم وتحريضهم عليهم من الأمور التي لا تؤمن عواقبها . وأنني أؤكد لكم أن في وسعك أن تمشي ليلا أو نهارا وحدك بلا حراس وفي أي مكان دون أن تخشي أن تمتد إليك يد أحد من الإخوان المسلمين بما تكره . أما أن يمد أنصارك أيديهم بالسوء إليهم استجابة إلي إغرائك فان مسؤليتك عند الله عظيمة . ولعل الذي حملك علي أبداء المداوة والبغضاء للإخوان المسلمين هو أنهم عارضوا المعاهدة . فالإخوان المسلمون لن يؤمنوا بها دون أن تناقش في برلمان منتخب انتخابا حرا يمثل الأمة أكمل تمثيل . وخير لكم وللأمة الآ تخدعوا أنفسكم عن الحقائق , فان الآمة قد بلغت من حسن الرأي ومن النضج مبلغا يسمح لها باًن لا يتصرف أحد في شؤنها دون الرجوع إليها والأخذ برأيها . والله يتولاكم بتوفيقه ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته