تكوين الخلية الأولى لضباط الإخوان المسلمين
بقلم / الفريق عبدالمنعم عبدالرؤوف .. كتاب "أرغمت فاروق على التنازل عن العرش"
لقاءات
استطعت فى شهر أكتوبر عام 1942 أن أدعو ضابطا من الكتيبة الثالثة لحضور درس الثلاثاء بدار المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين, وهو النقيب جمال عبد الناصر حسين, ثم اتبعته بضابط ثان وهو الملازم أول حسين أحمد حمودة الذى نقل على قوة الكتيبة, ثم دعوت ضابطا ثالثا هو الملازم كمال الدين حسين من سلاح المدفعية, وكان منزله قريبا من منزلى بحى السيدة زينب, وكثيرا ما تجاذبنا أطراف الحديث أثناء ركوبنا ( الترام) صباحا متوجهين إلى وحدتنا. ثم دعا الملازم أول حسين أحمد حمودة ضابطين أولهما شقيق زوجته الملازم أول سعد توفيق من سلاح الإشارة( توفى إلى رحمة الله عام 1962), وثانيهما الملازم أول صلاح الدين خليفة زميلا له من سلاح الفرسان هو الملازم أول خالد محيى الدين , واكتمل عددنا سبعة عام 1944, وواظبنا على اللقاء أسبوعياً فى بيت هذا مرة, وفى منزل ذاك مرة أخرى, وهكذا, ولم يتغيب الصاغ محمود لبيب عن هذا اللقاءات إلا فى النادر.
وكانت أحاديثنا فى هذه اللقاءات تتناول ضعف عتاد الجيش وتصرفات الملك فاروق الخليعة, وحوادث الصهاينة المتصاعدة ضد الفلسطينيين, وتكالب الأحزاب على الحكم, وكيفية تقوية خلايانا داخل صفوف الجيش.
تنظيمات
واتفقنا على دفع اشتراك شهرى قدره خمسون قرشا, وتكوين مكتبة إسلامية للضباط الإخوان, وكانت أمانة الصندوق طرف الصاغ محمود لبيب, وكان المسئول عن المكتبة الملازم أول حسين حمودة وكنا كلما حل مساء الثلاثاء التقينا لنستمع إلى رأى الإخوان المسلمين فى مشكلات الساعة داخليا وخارجيا, أو نستمع إلى محاضرة اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية بين هتافات الإخوان التى تهز وجدان كل مسلم. وكنا حريصين على أن يكون ذهابنا إلى درس الثلاثاء, وجلوسنا وعودتنا متفرقين, اتقاء لعيون المخابرات.
وازداد عدد خلايانا فى أسلحة الجيش, فمن سلاح الطيران انضم إلى تنظيمنا الطياران حسن إبراهيم مصطفي ومصطفي بهجت, ومن سلاح خدمة الجيش المرحوم معروف الحضري وعبدالرحمن محمد أمين ومجدى حسنين وإبراهيم الطحاوي, ومن المشاة فؤاد جاسر وجمال ربيع وأحمد حمدي عبيد ومحمد أمين هويدي. ومحمد كمال محجوب ووجيه خليل, ومن مدافع الماكينة وحيد جودة رمضان.
الجهاد ضد الإحتلال
وفى سنة 1946 بدأت مظاهرات الطلبة تطالب بالجلاء ووحدة وادى النيل واحتك المتظاهرون بقوات الإحتلال التى أخذت تصليهم وابلا من الرصاص دون شفقة ولا رحمة, وكنا نحن الضابط السبعة فى حالة غليان شديد ضد المحتلين الإنجليز فطالبنا الصاغ محمود لبيب بضرورة تنظيم شباب الإخوان المسلمين تنظيماً عسكرياً وتدريبهم على استعمال الأسلحة وحرب العصابات, فقال لنا المرحوم الصاغ محمود لبيب:
"إذا أردتم أن تسهموا معنا بجهودكم فى هذا السبيل فلابد من أخذ عهد وميثاق وقسم على هذا"
فوافقنا وأبدينا استعدادنا جميعاً.
بيعة وقسم
استدعانى وصلاح خليفة الصاغ محمود لبيب, وعرفنا بالمرحوم عبدالرحمن السندي الذى شرح لنا متى وكيف سيتم أخذ العهد وحلف اليمين, وقد تم ذلك على النحو الآتى:
ذهبنا نحن السبعة فى ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية حسب اتفاق سابق , وبعد أن تكامل عددنا قادنا صلاح خليفة إلى منزل فى حى الصليبية بجوار سبيل أم عباس, حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض, ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسألا: الحاج موجود؟
وكانت هذه هى كلمة السر ففتح الباب, ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدا مفروشة بالحصير, وفيها مكتب موضوع على الأرض ليست له أرجل, فجلسنا على الحصير وثم قادنا صلاح واحدا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين فى حجرة مظلمة تماما, يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تعرف شخصيته, وكان سؤال الشخص المتخفى الذى يأخذ العهد: "هل أنت مستعد للتضحية بنفسك فى سبيل الدعوة الإسلامية؟"
فكان الجواب من كل منا: نعم.
فقال : امدد يدك لتبايعنى على كتاب الله وعلى المسدس.
ثم قال الرجل المتخفى:
"إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة"
وبعد أن أعطى كل منا البيعة, عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت فوجدنا شخصا عرفنا بنفسه, وذكر أن اسمه عبدالرحمن السندي, وقال : إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين, وهو تنظيم سرى مسلح يضم رجالا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت فى سبيل الحق والحرية.
وكان الذين بايعوا على فداء الدعوة الإسلامية فى هذه الليلة حب الأقدمية فى كشوف الجيش:
1-النقيب عبدالمنعم عبدالرءوف من الكتيبة الثالثة مشاة( طيار سابق)
2-النقيب جمال عبدالناصر حسين من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة, ورئيس الجمهورية فيما بعد.
3-الملازم أول كمال الدين حسين من سلاح المدفعية وعضو مجلس قيادةثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد.
4-الملازم أول سعد حسن توفيق( توفى إلى رحمة الله عام 1963).
5-الملازم أول خالد محيى الدين من سلاح الفرسان وعضو مجلس قيادة الثورة. فيما بعد ورئيس حزب التجمع الوحدوى الآن.
6-الملازم أول حسين محمد أحمد حمودة من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة.
7- الملازم أول صلاح الدين خليفة من سلاح الفرسان وهو يعمل الان مديرا لشئون العاملين بمحافظة الجيزة.
وسائل وتدريبات
1-ترجم لنا أحد الإخوان الضالعين فى اللغة الإنجليزية كتيّباً عن تنظيمات رجال حرب العصابات والدروس الواجب معرفتها, وقد حصلت على هذا الكتيب من أحد ضباط الكتيبة الهندية التى دربت فيها فى مدرسة الشرق الأوسط البريطانية فى لبنان.
2-اخترنا سطح أحد المنازل المملوكة لحد الإخوان بعيدا عن العيون والأرصاد, لالقاء المحاضرات.
3-أعددنا ( تختة رمل) وجميع لوازمها من رمال وهياكل للجنود والسيارات والدبابات والطائرات ومبان وأعمدة وبيارق لشرح المسائل التكتيكية.
4-وزعنا المحاضرات علينا نحن السبعة والإخوان المدنيين فى النظام الخاص. قضيت عام 1946 و 1947 وبضعة أشهر من 1948 فى التدريس للضباط والصف ضباط نهارا وليلا ولمنتظمين من جماعة الإخوان المسلمين من مختلف الأعمار, وكان إقبال الإخوان المسلمين على حفظ واستيعاب المحاضرات عظيما. وظهر ذكاؤهم فى أثناء الإجابة عن أسئلة المشروعات التكتيكية واضحا.
وقد بذلنا نحن السبعة ( جماعة الإخوان الضباط) ومن انضم إلى خلايانا بعد ذلك جهودا كبيرة فى تدريب الإخوان.
كتائب المتطوعين
وكان كلما اقترب موعد انتهاء الإنتداب البريطاني على فلسطين وقد حددوه بيوم 15 من مايو 1948 اشتد القتال ضراوة بين أشقائنا الفلسطينيين وبين العدو الصهيوني , واجتاحت المظاهرات جميع أقطار العالم العربى تطالب حكوماتها بالتطوع والسفر للجهاد فى فلسطين, وتحول مكتب الدكتور حسين كمال الدين فى دار الإخوان إلى خلية نحل، وتشكلت الكتيبة الأولى من متطوعى الإخوان المسلمين .