حوار في التاريخ والفكر والحضارة مع الأستاذ الدكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي
2009/12/29
مقدمة
في عينيه تقرأ الإرادة .. وفي وجهه نصاعة الإيمان .. وفي حركته الدائبة عزم الشباب على العطاء .. وفي كلامه العبرة والحكمة .. هوــ باختصار ــ حقبة من التاريخ وسجل حافل بالعطاء والبذل .. إنه أستاذنا الدكتور ( نعمان عبد الرزاق السامرائي ) حفظه الله الذي منَّ الله علينا برؤيته ولقاءه والجلوس معه ليكون حديثاً طويلاً عن الشخصية والتاريخ والفكر والحضارة ..
المحور الأول : حفريات في الذاكرة
في البدء نطلب منك أستاذنا الفاضل أن تعود بالذاكرة إلى حيث النشأة حين أبصرت النور في سامراء وتضعنا عند تلك السنوات الثرة ..
الموقع: يقال أن للبيئة الدور الكبير في صياغة شخصية المرء ، كيف ذلك ؟
السامرائي : بسم الله الرحمن الرحيم .. إن أي إنسان يعيش في بيئة ما يتأثر بها ، فإذا فصلنا هذا الإنسان عن بيئته أو أبعدناه عنها أو نقلناه إلى بيئة ثانية سيتأثر .
وسبب ذلك إن الإنسان يبدأ وليس له معرفة وليس له علم فيبدأ يتأثر ، ففي البداية يبدأ الطفل يعرف على نفسه ومن ثم يتعرف على أهله ومحيطه ويتأثر بهم ، فإذا استحسنوا الشيء فعله وإذا استهجنوه وأوضحوا له يتركه وهكذا ، إلى أن يصبح رجل فيصبح من الممكن أن يتخذ هو قراراته وفق قناعاته الشخصية ، فيرى أن هذا حق فيعمله وأن هذا باطل فيتركه ويقرر أن هذا الأمر نافع أو ضار .
ومن الملاحظ أن بعض الناس يعيش ويموت وهو خاضع لبيئته ومجتمعه ، فما يستحسنه أفراد المجتمع يعمله حتى لو كان أحياناً ليس على قناعة بذلك وإنما يفعله مجاملة للمجتمع ، أحياناً في ملابسه في هيئته وفي كثير من الأمور حتى في قناعاته ، ولكن إذا استقل وأصبحت له شخصية أحياناً لا يهتم ، هذا حق أعمله هذا مقتنع به وهذا غير مقتنع به ، وهذا جيد .. الخ ، وهؤلاء في المجتمعات قلة ، وهذه القلة عندها قدرة على القيادة وهي التي تقود المجتمعات.
الموقع : كم أثرت البيئة في شخص الدكتور نعمان السامرائي وفي أي مجال ؟ وبمن تأثرت في سنوات النشأة ؟
السامرائي : كان التأثير كبيراً ، فمثلاً عندما كنت طفل صغير وجدتي أمية لكن تقرأ القرآن وأنا عشت معها ، فإذا بدأت تقرأ أنا كنت اجلس جنبها وأستمع ، طفل صغير ماذا يفهم من القرآن ؟! ولا زلت أذكر إلى الآن بعد سبعين سنة أو أكثر تقرأ : ( الرحمن علم القرآن ) ثم تقول اللازمة (فبأي آلاء ربكما تكذبان ) فكنت أسأل جدتي ما معنى فبأي آلاء ربكما تكذبان ، فتجيبني : أنا امرأة أمية أعرف فقط أقرأ القرآن وشرح هذا لا يحق لي وأظن أن هذه النظرة أثرت في نفسي ومن بعدها على تفاعلي مع التفسير والفتوى .
الموقع : لماذا تربيت عند جدتك ووالداك كانا على قيد الحياة ؟
السامرائي : وذلك لأن أهلي كانوا يسكنون القرية حيث كنا نملك أراضي عدة ومكائن زراعية ، وأنا منذ الصغر بقيت معها وعشت معها وكنت ملازماَ لها مع جدي وكانا من الشخصيات التي تأثرت بها ، وكنت أخرج مع جدي الذي توفي مبكراً وكنت حينها في الثالث الابتدائي فبقيت مع جدتي ، وكنت أراقبها وأهتم بها وبما تعمل وبما تفعل واسألها لماذا تفعلين هكذا ولماذا لا تفعلين ، مما ترك أثراً كبيراً على شخصيتي وقناعاتي .
الموقع :لماذا اخترت التخصص الشرعي دون غيره ، هل كانت هناك قناعة بهذا الاختيار أم ماذا؟
السامرائي : الحقيقة إن ذلك مرتبط بالإمكانات ، ففي ذلك الوقت أنا دخلت الكلية في العام ( 1945 ــ 1946 ) كانت الفرص أمامنا قليلة وفي وقتها فتحت كلية الشريعة ولم يكن لدينا آنذاك فكرة واضحة عنها ولكن كون الكلية جديدة وفيها سكن داخلي وموقعها في بغداد كلها عوامل جذب ولذلك جاءت مجموعة كبيرة من سامراء ومن الموصل والفلوجة والرمادي فلم يكن لدينا اختيار في ذلك الوقت لا العائلة عندها تصور ولا الأفراد عندهم تصور .
وعندما دخلنا عرفنا أن هذا مدخل يجب أن تمشي فيه ، فأنا عندما أنهيت الليسانس تعينت في التعليم وحين عدت للدراسات العليا قررت أن أتخصص بالفقه لأن الفقه كانت له في دراستي حصص كبيرة ، والبعض من زملائي اختار جانب الأدب والآخر أخذ التاريخ لكنني شعرت أن هذا هو التوجه وإن أغلب ما درست هو فقه وأصول فقررت أن استمر وهكذا إلى الدكتوراه .
الموقع : كيف تصف المجتمع العراقي وقت النشأة من حيث الالتزام الديني والوعي السياسي ؟
السامرائي : المجتمع العراقي كان فيه على العموم أحزاب ونشاط سياسي ، بل إننا لو قارنا العهد الملكي بالفترات الأخرى نجد أن الإنسان كان محترماً وهناك حياة حزبية وصحافة لكن هذا كله كان في العاصمة وليس في جميع أنحاء البلاد .
وبالفعل حين انتقلنا إلى العاصمة وصرنا ندرس وجدنا هذه الحياة من صحافة ونشاط ومظاهرات وتطلعات ما كان لها وجود ونحن في المدن البعيدة التي كانت الحياة فيها بسيطة وحتى الكهرباء قليلة في البيوت و قلة قليلة من يمتلك الراديو ويتواصل مع الأحداث ، وصادف آنذاك قيام الحرب العالمية الثانية وهذه كانت كارثة على الناس الذين استهلكتهم الحرب وظروفها والقضايا التي تخص التموين ولكن مع ذلك الناس كانوا يتجاوبون ويتناقلون تطورات الحرب وأين وصلت ألمانيا .. الخ مما أشر على بعض الوعي السياسي . .
الموقع : العهد الملكي خصوصاً ونحن نقرأ أدبيات تلك المرحلة وبحسب طبيعة وخلفيات كتابها نجد صعوبة في تقييمها ، أنت عشت هذه المرحلة كيف تقيمها ؟
السامرائي : ممكن القول أن الاتجاه القومي كان هو الطاغي وسبب ذلك أن ألمانيا ودول المحور شجعوا هذا الاتجاه وأحيوا الآمال بخصوصه ، فكان الاتجاه القومي جارف وقوي ولا سيما وإن ألمانيا ارتفعت ارتفاع هائل واستطاعت أن تكتسح أوربا وتسقط فرنسا وتهاجم بريطانيا فكان لكل هذا تأثير على نفوس الناس الذين كان بعضهم يتصور أن ألمانيا ستأتي اليوم او غداً ، وحتى حركة رشيد عالي الكيلاني كانت موالية لهم ، فكان التأثير كبير جداً وحرب بوزن الحرب العالمية الثانية ومع وجود الراديو والآلات كان الناس يتفاعلون معها وأثرت عليهم تأثيراً كبيراً وأعتقد إن الحروب هي أكبر ما يؤثر على البشر .
الموقع : تقييمك للملوك الذين حكموا العراق ولا سيما الملك غازي الذي بكت عليه بغداد وقتها؟
السامرائي : في الحقيقة إن الناس كانوا يحبون الملك غازي لأنه كان طموح ويتحرك فلذلك حين حدث ما قيل إنه سيارة وأنا سمعت من الشخص الذي غسله إن الضربة كانت من الخلف وليس من الأمام والناس كان لديها اعتقاد أنه قتل وبكوه بكاء مر ون حتى إني أتذكر وأنا طفل صغير في وقتها أنني كنت أريد الخروج مثل بقية الناس وأهلي يمنعوني من ذلك.
المحور الثاني : اختيار الطريق .. السامرائي وسط المعترك
الموقع : لماذا اخترتم طريق الحركة الإسلامية دون غيره ؟ وهل كنتم وأنتم تقررون الانضمام لهذا الطريق تتصورن ما تبع هذا القرار من حوادث ؟
السامرائي : ابتداءً بيئة سامراء كانت بيئة عشائرية محافظة وفيها مدرسة دينية أسسها السلطان عبد الحميد وكنا في المتوسطة نتردد عليهم ونصلي معهم فأمر طبيعي عندما يفتح شباك وهو كلية الشريعة أن نكون أول الداخلين وأنا من الدفعة الأولى فيها ، وحين دخلنا كلية الشريعة صادفنا أشياء لم نكن نعرفها ونراها ، كان الشيخ ( محمد محمود الصواف ) قد أنهى دراسته التي تعادل الماجستير وعاد وعين أول أستاذ في الكلية ورأينا فيه شاباً متدفقاً متحمساً يتكلم ويخطب مرتجلاً ويخرج في المظاهرات فكان شيء غير مألوف بالنسبة لنا ، فقد ألفنا مشايخ غالباً ما يكونون في سن كبير ويتحركون حركة محسوبة فهذا أثر فينا وفي الشارع وانفجرت قضية فلسطين حينها فكنا نحن أشبه بالوقود ننزل إلى المظاهرات يومياً واندمجنا فيها اندماج كبير وكان أغلب الطلبة يسيرون فيها والشيخ الصواف يتقدمهم ويخطب بحماسة قل نظيرها فهو جاء وقت مناسب حقيقة الأمر .
الموقع : كان العمل الإسلامي خلال مرحلة ستينيات القرن الماضي يعبر عن نفسه بالجمعيات الاجتماعية والثقافية وربما ما هو حصل مع الإخوة الإسلامية والشبان المسلمين والتربية الإسلامية ، ولكنكم اخترتم العمل تحت مظلة حزبية فما هو المغزى من ذلك ؟
السامرائي : بطبيعة الحال كانت هناك جمعيات إسلامية وعملها محدود ، وكانت هناك رؤية ضد الأحزاب على إنها لا تفيد وتوجهها سيء فكان الاتجاه العام عدم التفكير بتشكيل حزب ، وبقيت الحال حتى قامت ثورة 1958 ، وقبلها كان هناك مؤتمر وكتب أحد الأشخاص سؤال وهو ألا نفكر بتشكيل حزب ، ولم يلقى قبولاً في وقتها ولم يعرف احد إلى الآن من كتب الورقة .
ولكن لما حدثت الأحداث الكبيرة التي هزت العراق هزاً وهي ثورة تموز والانقلاب وما رافقه ، ثم جاء مد شيوعي وما رافقه من أحداث رهيبة لم يعرفها البلد من قبل وشيوع الخوف والاعتقالات والضرب والقتل والسحل فكانت حالة غريبة جداً ، فلما انجلت قليلاً في الستينات طرح عبد الكريم قاسم قانون للأحزاب وبدأت فعلاً الأحزاب تتقدم وتحصل على الإجازة مثل حزب الاستقلال والحزب الوطني الديمقراطي وحتى الحزب الشيوعي والبارتي الكردي ، فصارت عند الشباب فكرة تقديم طلب وانتظار النتيجة ، علماً إنه كانت هناك قناعة أن الأمل ضعيف في الإجازة ، وكانت من الشروط كتابة دستور للحزب وأن يوقع عدد معين من الأعضاء فنحن استكملنا كل شيء وقدمنا الطلب إلى وزارة الداخلية ، فكان الاعتراض الأول أنكم واضعين دستور للحزب وكأنه دستور دولة فطلبوا الاختصار فاختصرناه ، ثم قالوا بعد مدة لا توجد إجازة، لكن في النظام نص يقول الذي لا يجاز من وزارة الداخلية يستطيع أن يلتجئ إلى محكمة التمييز وهي أعلى محكمة وبالفعل ذهبنا وميزنا القرار فجاء الجواب وفاجئنا وفاجئ الحكومة أن الحزب أجيز ومع ثناء على منهاجه وتوجهه ودستوره .
وعندها صارت القضية واقع وبدأنا نتحرك ومنذ البداية كان الاتجاه أننا ننهج نهج المعارضة ومشينا في ذلك وبدأنا أشبه بمناكفة ونقدم المذكرات وننشرها في جريدتنا ن فأول عمل واجهتنا السلطة به أنهم منعونا نهائياً من إصدار جريدة ، مع أن هذا كان حق بحسب القانون أن الحزب الذي يجاز يستطيع أن يصدر جريدة ، فبدأنا نلجأ إلى جرائد أخرى كنا نكتب بها لفترة ثم تغلق وهكذا إلى أن أغلق الحزب فلم نستطع أن نصدر جريدة.
الموقع : تفاصيل إعلان الحزب الإسلامي ربما معروفة للكثيرين ولكن هناك منعطفات كثيرة غائبة ومنها سبب اختياركم لرئاسة الحزب ؟ وما الجوانب التي زالت خافية فيما يخص تلك المرحلة ؟
السامرائي : حين تم اختياري لرئاسة الحزب كنت وقتها في السابعة والعشرين من عمري ، وقبلها كنت عضو اللجنة العليا ولا أعرف سبب اختياري لهذا المنصب الذي لم أفكر فيه ، حتى إن أحد الإخوة كان يقول لي على سبيل النكتة ما سبب اختيارك وأنت ليس لديك كرش ولا صلعة ولا متزوج ، فكنت أقول له اسأل من انتخبني واختارني أنا لم أفكر في هذا الموضوع .
وكنت قد عملت في التنظيم الطلابي مع باقي الزملاء في كلية الشريعة ، لكن عندما كنت أعود للمدينة كنت اظهر أنني الأكبر والمتقدم فيهم .
الموقع : هل يمكن أن تعددوا لنا ما حققه الحزب خلال فترة عمله القصيرة تلك ؟
السامرائي : في البداية نحن كان لدينا مكتبات سابقة فاستغليناها وكانت لنا نشاطات في الموصل والرمادي وكركوك واربيل وبعقوبة ، لكن الذي كان يعيق عملنا أن وسائلنا كانت محدودة فليس لنا مال ولا جريدة ولا وسائل أخرى تعيننا ، لكن الذي دفعنا أننا أول حزب إسلامي بهذا الاسم يصدر ، وثانياً نحن أخذنا نهج المعارضة .
وقبل المذكرة الشهيرة ضد عبد الكريم قاسم أصدرنا أكثر من مرة ، فعندما اتهم عبد السلام عارف بأنه كان متآمر وحكم عليه بالإعدام وقتها كتبنا أكثر من مذكرة مطالبين بإطلاق سراحه ، وعن مشاريع الإصلاح في المجتمع العراقي لم ندع جانباً لم نكتب فيه ونطرح رؤيتنا عنه ، وفي النهاية كتبنا مذكرة أشبه باستعراض عام لأوضاع البلد في الاقتصاد والسياسية وحول الاستعمار ، وكان فيها حدة وكانت شديدة بحيث لو كتبت في بعض البلدان العربية ــ آنذاك ــ لما بقي واحد منّا على قيد الحياة .
الموقع : إصدار الحزب مذكرته الشهيرة حول عبد الكريم قاسم وما جرته على الحزب وأعضاءه هل كنتم وأنتم تقررون إصدار المذكرة تتوقعون ما حل بكم ، وهل تم اصدارها بعد قراءة متأنية للساحة أم عبرت عن رد فعل تجاه سياسات الرجل وقتها ؟
السامرائي : من الطبيعي أنه حين ينهج البعض نهج المعارض يألف هذا الأمر بمرور الوقت ، والكثير منا اعتقل في العهد الملكي لأكثر من مرة وأنا منهم ، بل نقلت مرات عدة وأبعدت إلى البصرة ، فالحياة عندنا أصبحت بهذا الشكل مألوفة .
ولذلك ونحن كتبنا مذكرة وحبسنا لستة أشهر وخرجنا ولم يتعقبنا احد ورجعنا لوظائفنا ولم يسألنا أحد عن شيء فكان هناك قدر من الحرية ، حتى إني كنت أشبّه المعتقل وقتذاك بأنه فندق ثلاث نجوم أو أربع نجوم .
الموقع : وهذا يدفعنا للسؤال عن سبب ذلك ، فهل هذا يعود لبساطة الحياة وقتها أم إن الأمر متعلق بعبد الكريم قاسم الذي اختلفت الآراء حوله ؟
السامرائي : الحقيقة إن عبد الكريم قاسم كان له تصور بأن الناس يحبونه ، كما إن القسوة والأذى والمعاناة التي لحقت بالناس جاءت من قبل الشيوعيين آنذاك .
وكان عبد الكريم قاسم قد أدرك أن هناك انقسام في الجيش بين مؤيد لعبد الناصر وغيره فرأى أنه سيضيع ما لم يناصر الشيوعيين حتى يدعموه ويقووا مركزه ، فلما حقق ما يريد تخلى عنهم وضربهم وهاجمهم ، فهو لم يكن مثل الآخرين لكنه وقع في مطبات بسبب أنه لم تكن لديه معرفة سياسية ولا تجربة وأنفرد بالسلطة والمجتمع آنذاك كان بسيطاً وليس مثل الوقت الحاضر .
الموقع : كيف تعبر ربما بكلمات قليلة عن العراق تحت مظلة الشيوعيين وقتئذ والبعثيين فيما بعد ؟
السامرائي : والله ــ باختصار ــ هو الانتقال من سيء إلى أسوأ ، فكأن الواحد اقتبس من الثاني ، ففي زمن الشيوعيين كان الإرهاب الذي رآه أهل العراق لم يره أحد ولذلك حين كنا نتكلم للإخوة العرب عن الذي حصل لا يصدقون ويقولون هذه مبالغات ، ثم لما جاء البعثيين بدءوا من حيث انتهى الشيوعيين في التعذيب والاهانات والتجبر والمشكلة أنهم بقوا مدة طويلة ، فالحكم إذا كان جيداً ويجلس مدة يعمّر ، وإذا كان سيئاً يهدم البلد بالكامل وهو ما حصل للأسف بعد الاحتلال .
الموقع : كيف يمكن أن تصف كل من : عبد السلام عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين من حيث طريقة حكمهم وعلاقتهم مع الحركة الإسلامية ؟
السامرائي : بالنسبة لعبد السلام عارف كان ضابطاً برتبة عقيد ثم ارتفع إلى وزير داخلية وذهنياً لم تكن لديه هذه القدرة ، هو كانت لديه شجاعة ولا يخاف وجريء ، لكن غير ذلك ما كان مؤهل ولكن حين وصل إلى رئاسة الجمهورية أيضاً هو كان يتصور أنه يمشي مع الناصريين فحين وصل ابتعد عنهم وكان كثير من قضاياهم لا تعجبه ولا يرضاها وكان يهاجمهم ، فهو مخلص ومتحمس ومتدين لا يفوته وقت صلاة ولا صيام ولكن لم يكن مؤهل للحكم في ظل التنازع والتطاحن الذي كان موجود ولذلك لولا شجاعته لبقي مبعد ولم يحصل على شيء ، وكذلك كان يتحرك حسب القناعات والتأثيرات ، كان الناس يؤثرون عليه ويسمع الكلام وكانت تعبر عليه أشياء وتأتي قضايا مفبركة من مصر وهو يعتقد بها ولا أساس لها .
أما أحمد حسن البكر فكان يختلف عنه اختلافاً كبيراً ، فحين جاء إلى الحكم كان كبير وداهية ولديه قدرة أن يمثل الدور الذي يريده وقد وصفه البعثيون بهذا الوصف ، وفي ماضيه كان وهو شاب من أتباع الحركة الإسلامية حتى قيام ثورة تموز ، ونحن نعرف إنه إلى أن اعتقل ووضع خلف السدة كان من الحركة الإسلامية وكان معه في المعتقل بعض الشباب البعثي فقالوا إذا تريدون أن تكسبوه تقومون تتوضئون فتصلون وراءه وبعد ذلك تكسبوه .. وكان ذلك .
أما صدام حسين فقد كان محروم في تربيته التي كان فيها شقاء وتعذيب وقسوة وكان يعمل لنفسه وصاحب تخطيط وقد استخدم الحزب لمصالحه أكبر استخدام بحيث جعله في خدمته .
الموقع : يثار دائماً في الكتب أن هؤلاء الحكام هم صنيعة الغرب وكأنهم عرائس الشمع كم كنتم تحسون بهذا الشيء في حكام العراق الذين تعاقبوا على حكمه ؟
السامرائي : لا ... أولاً ثقافة العراقيين تمتاز بأنها ضد الدولة فهم لا يحبونها ولا يتقربون منها وهو ما أثر على تقييمهم لها وللحكام الذين تعاقبوا على قيادته .
ثم إن الغرب صارت لديه معرفة بالبلدان العربية ، فهو يدرس الشخص ويعرف بدقة من هو وكيف يتعامل معه ، وهل يأتي بالضغط أم بالترغيب أو الترهيب فهم يحسنون التعامل وبالتالي كلما كانت المعرفة سليمة كلما كان التعامل مع الطرف الآخر سهلاً ويسيراً ، فهم لا يستطيعون أن يأتوا بشخص ليست لديه مؤهلات ويعملوا منه إمبراطور لكن حين يرون الشخص لديه رغبات وتطلعات ومستعد يعينوه ويستفيدون منه ، يعني احملني وأحملك ، فهؤلاء الحكام يصنعون لهم صداقات وعلاقات وأحياناً يوصلون لهم معلومات ويكشفون لهم مؤامرات والعكس صحيح فإذا لم يحسنوا التعامل ولم ينفعوهم يحاولون التخلص منهم .
الموقع : زارت العراق خلال هذه المرحلة شخصيات إسلامية عديدة في مقدمتها البشير الإبراهيمي ، كيف كان وقع تلك الزيارات بالنسبة لكم شخصياً وبالنسبة للحزب والحركة الإسلامية بصورة عامة ؟
السامرائي : العراق ومنذ وقت بعيد كانت تزوره هذه الشخصيات وكانت الحركة سهلة حتى إن الشيخ الإبراهيمي جاء وأقام مدة طويلة ثم جلب المئات من الطلبة من الجزائر معه يدرسون في العراق وكذلك الحال مع الأردن ، فكانت الحركة سهلة ومفتوحة ولم تكن فيها هذه الحدة والانقسامات ومشاكل العرب قليلة في وقتها .
أما التأثير فكان متبادل ، فحين تذهب إلى مصر ترى المئات من مختلف أنحاء العالم الإسلامي وكذلك الحال في سوريا ، فكل من يقبع في مكانه لا يأتي ولا يذهب ولا يختلط مع الآخرين يصبح بمرور الزمن يعاني من ضيق التصور والأفق في التفكير، لكن حين تخرج وترى العالم تختلف الرؤى اختلافاً كبيراً ، ففي ذلك الوقت كانت الحركة ميسرة والحكم لم يكن بالقسوة التي رأيناها في الفترات اللاحقة .
الموقع : وجود الشيخ أمجد الزهاوي إلى جنبكم هل يعبر عن التطابق بين قيادة الحزب الإسلامي والواجهة الدينية الرسمية إن صح التعبير ؟
السامرائي : أبداً .. فالشيخ أمجد الزهاوي لم يمثل الواجهة الرسمية ذلك لأنه درس في تركيا ثم عاد والتحق بعدد من الوظائف الرسمية وصار قاضي محكمة التمييز ومدرساً ، ولكن كانت له شخصيته المستقلة ولديه قناعات ولا يمكن أن يخضع أو يتأثر بأحد ، فإذا اقتنع بشيء عمله وإذا لم يقتنع الدنيا كلها لا تستطيع أن تغير قناعاته .
وفي البداية مارس الوظيفة الرسمية حتى إنه كان يأسف ويقول كان من المفروض منذ البداية أن انطلق للإسلام ولدعوته ، وكان مخلص غاية الإخلاص وشجاع غاية الشجاعة ، ثم في الفترة التي عاش فيها كان الجميع راضياً عنه ، حتى إنه لما توفي الشيخ قاسم القيسي مفتي العراق كان نوري السعيد يقول الإفتاء لا يكون إلا للشيخ أمجد الزهاوي فإذا لم يقبل الشيخ أمجد قال لا أريد مفتي !! فإلى هذه الدرجة كان تقديره .
وبمرور الوقت نحن عرفنا المفتاح عند المشايخ ، فإذا عندنا أمر أو عريضة أو كتابة نذهب أول مرة إلى الشيخ أمجد فإذا وقع البقية يوقعون ، وإذا لم يوقع نحن نعرف أن هذا الأمر لا يمكن أن يتحقق ، فهكذا كان محبوب ومقدر ، ولكن كان يتحرك بقناعاته ، فمثلاً كان يعتقد أن عمه جميل صدقي الزهاوي ملحد ، فلما أوصى أن يصلي عليه الشيخ أمجد لم يقبل ، بينما قريبه الآخر ناظم الزهاوي كان شيوعي والحكومة اعتقلته وقد دافع عنه فلما قيل له عن هذا قال أنا اعتقد من واجب المحامي أن يدافع عن المظلوم وأنا اعتقد أنه مظلوم ومن هذه الناحية دافع عنه فلم ينظر إلى إنه شيوعي أو غير ذلك .
الموقع : ربما أن الشيخ الزهاوي بعقليته المتحركة التي كان يحملها كان يختلف عن باقي المشايخ ، فهل تحس أنه كان هناك فصام بين القيادة الدينية الرسمية والحركية خلال تلك المرحلة ؟
السامرائي : سأضرب مثال على هذا الأمر ، نحن كان لدينا شيخ في سامراء قريب من عمر الشيخ الزهاوي ، وكان أول الأمر قاضياً عثمانياً ثم جاء واستقر في سامراء أكثر من خمسين عاماً وكان يواظب على عمله في مدرسته ليل نهار فيذهب من بعد صلاة الفجر ولا يعود إلا بعد العشاء، ولما كنا نقول له لماذا لا تخرج إلى القرى المحيطة وتدعوهم يقول : يا أبني الشيخ مثل مكة ، فهل الناس تذهب لمكة وإلا هي تأتي عندهم !! هذه قناعته وقناعة الكثير ، ولذلك لم يكن الشيخ الزهاوي من هذا النوع ، كان يتحرك وفي كل مسألة ويطوف ومستعد للذهاب إلى أي مكان ويوقع مذكرات ويقابل الحكام منطلقاً بقناعته .
الموقع : وهل ضم الحزب الإسلامي وقت التأسيس عدداً كبيراً من المشايخ ؟
السامرائي : لا على العكس كانت قلة قليلة من المشايخ وأغلب أعضاءه من طلبة الجامعات بل إن الحركة الإسلامية في الأصل قامت على أكتاف الطلبة الذي ظلوا يشكلون فيها اكبر مجموعة واكبر المتحركين ، وهؤلاء الطلبة بعد سنوات انتشروا في المجتمع ومارسوا التأثير على نطاق واسع .
الموقع : خرجت في عام 1968 من العراق ولم تعد ، لماذا ؟ وقلت في لقاء سابق لو بقيت في العراق لكنت ميتاً أو مسجوناً ، كيف ؟
السامرائي : أنا سئلت وقتها إنك خرجت من العراق ولم تعد فماذا تتصور لو بقيت هناك ، فانا قلت إن أمامي نموذجين من البعثيين أولهما الدكتور عبد الله سلوم السامرائي رحمه الله ونحن الاثنين دخلنا الابتدائية سوية وتخرجنا سوية وحصلنا على الدكتوراه بوقت متقارب من القاهرة وكان من المفروض أن يكون أمين عام للحزب بدلاً من صدام حسين الذي ضغط عليه واجبره أن يتنازل إلى أحمد حسن البكر ، فقد عومل أسوأ معاملة من قبل البعثيين.
النموذج الثاني عبد الخالق السامرائي الذي لم تكن تفوته أي صلاة وهو نظيف اليد وصاحب فهم حيث تخلصوا منه وأعدم بعد اتهامه بالتآمر على الرغم إنه وضع في السجن عدة سنوات لا يكلم أحد مطلقاً ولا يزوره أو يراه فكيف لشخص بهذه الحالة أن يتآمر على الدولة .
فقلت لو بقيت في العراق لكان من أبسط الأشياء أن يطلب مني الانضمام إلى الحزب وأنا خرجت وعندي هذه القناعة فحين جاء البعث للمرة الثانية كانت قناعتي تامة بأنه لا يمكن العيش معهم أبداً.
الموقع : ولم يلحق الأذى بعائلتكم ؟
السامرائي : كان يذهبون لهم بين الحين والآخر ويحققوا معهم ، فمثلاً أنا لدي أخ مريض بالسرطان فعرض أهلي علي أن يعالج في الأردن فبعد تفكير قلت لهم خذوه وأنا أتكفل بعلاجه ولكني لم أذهب لرؤيته ، ومع ذلك هذا الإنسان المريض الذي كان لديه سرطان من الدرجة الثالثة وبين الحياة والموت استقدموه ثلاث مرات وقالوا له أنت ذهبت للأردن حتى تلتقي بأخيك وتستلم منه أموال .. الخ ، وحدث هذا وأنا لم أره فماذا كان سيحدث إذن لو ذهبت والتقيت به ؟ .
وأنا لما خرجت من العراق كان الأمر نظامياً ، ولكن ما أن وصلت الرياض بظرف أسابيع جاءتني رسالة من أهلي أن اسمي وضع في القائمة السوداء فإذا رجعت لن تخرج ، وأنا في هذا الوقت كنت قد سجلت على رسالة الدكتوراه ومشيت بها فكنت أذهب في كل مناسبة للقاهرة حتى أسجل حضور هناك ، وأنا خرجت بهذه الفكرة ، ولكن كانت لدي قناعة أن البعثيين بعد 1968 لا يمكن العيش معهم .
وبعد خروجي من العراق بقيت على اطلاع بما يجري داخل العراق وأعرف ماذا يحدث ولكن ليس اطلاعاً تاماً .
الموقع : أبن سامراء يحط رحاله مضطراً في السعودية غريباً ، هل يمكن أن تتذكر مشاعرك حينها ؟
السامرائي : نعم أتذكرها جيداً ، لكن في الوقت الذي ذهبت فيه كان الملك فيصل اصطدم مع عبد الناصر ومع المصريين ، واضطر إلى إخراج جميع المصريين رجالاً ونساءً من السعودية وأتي بمجموعات من العراقيين فكان في التعليم الثانوي لوحده 450 من العراقيين وكذلك في الجامعات بحيث أصبح الوضع عراقي فأينما ذهبت تجد عراقيين وهذا خفف كثيراً من المعاناة في البداية، ثم كان الأمل أن الأمر لن يطول أكثر من سنة أو سنتين ، ولكن لما بدأت المؤامرات والإعدامات انكشف لدينا أن المسالة ليست بهذه السهولة وهو ما حدث بالفعل .
الموقع : هل أنت ممن يرتبطون بالأرض لدرجة المعاناة الشديدة من فراقها ؟
السامرائي : لا .. أنا عندي العراق هو الأهل وإن التراب هو التراب لا يختلف من بلد إلى آخر ، ولكن ما أتوقف عنده باستمرار هي المعاملة التي يتلقاها المرء ، فأنا اذكر حالة مؤلمة وهي إنني ولثمان سنوات أريد تجديد جواز السفر لي ولأولادي ولا استطيع ، وعندي بالمقابل سائق تركي يقول لي ممكن تأتي معي عندي عمل في السفارة التركية أجدد جوازي فلما ذهبت معه احترموني بشدة فخرجت وقلت أنا من اجل هذا السائق التركي احترمني الأتراك وعاملوني هذه المعاملة وأنا في بلدي كأي منبوذ لا ينظرون لي إلا كما ينظر الإنسان للطاعون وللكوليرا .
وكنا لما نذهب للسفارة العراقية نخاف ونوصي أهلنا وأصدقاءنا ونخبرهم إننا ذاهبين للسفارة فإذا لم نرجع خذوا الإجراءات اللازمة ، حتى قال لهم أحدهم في السفارة عندما سألوه لماذا لا تأتي قال كيف آتي وأنا أخاف أمشي على الرصيف المحاذي للسفارة فأمشي على الرصيف الثاني ، فكانت حالة سيئة جداً ، فالمواطنة عندي تعني احترام الناس واحترام حقوقهم ، وإلى الآن أتذكر رجل تركي على معرفة بي وأراد العمل في السعودية فكتبت له رسالة إلى السفارة حتى يعطوه فيزا هو وزوجته مجرد أن رأوا اسمي قالوا هذا نريد رؤيته ونريد زيارته فأنا قدرت وذهبت وجلست مع السفير جلسة طويلة فقال لي كنت أراك عندما تأتي للكلية وأنت لم تدرسني ولكني أكن لك كل الاحترام فتقديراً لذلك أعطوا الرجل فيزا له ولأهله وعاملونا أحسن معاملة فقلت ما الفرق عنا ونحن عندما نذهب لسفاراتنا نحسب مئة حساب بينما في كل الأماكن نعامل أحسن معاملة فكان هذا يحزّ في أنفسنا ، حتى سمعنا أن العديد من إخواننا يعاملون بشيء لا يوصف من السوء فالمواطنة تموت في هذه الحالة ، وإذا أنت لم تحترمني وتعاملني معاملة جيدة يموت عندي الإحساس بالمواطنة .
الموقع : كيف تصف الحياة في السعودية ؟ ما الذي أعطتك إياه وما الذي أخذته منك ؟
السامرائي : الذي أخذته أولاً الغربة التي هي ليست بالأمر الهين ، فمثلاً نشأ أولادي وهم لم يروا أهلهم ولا يعرفوا أحداً منهم ، أنا أبعث مرات زوجتي لزيارة الأهل وأحياناً تأتي لي بصور لأشخاص لا أعرفهم حتى في احد المرات لم أعرف أخي وأبناءهم لا أعرفهم فإذن أولادي ما الذي سيعرفونه إذا انقطعت الصلة ، ولذلك من كلام العرب الجميل ( الغربة .. كربة ) .
لكني مع مرور الزمن اعتدت وألفت الجو ، وأنا اليوم لو أحصي الطلاب الذين درستهم لكانوا بالآلاف فأينما امشي أجد من أعرفهم ، والآن حتى البنات الذين كنا ندرسهم عبر التلفزيون ولا نراهم ولكنهم يروننا أجد من يسلم علي ويقول أنت درستنا ونحن لا ننساك خصوصاً أن رأيهم في العراقيين كان جيداً وإن مدرسيهم كانوا جادين وجيدين ، والبقاء طويلاً جعلنا نعتاد الحياة ونألفها ولكن لو عوملت في بلدك معاملة جيدة ما كان أحد يتركه ولكن المعاملة كانت من أسوأ ما يكون .
المحور الثالث : التدريسي .. والمعلم
الموقع : مارست التدريس في أماكن مختلفة ، كيف تصف المهنة عموماً ؟ وهل أنت تحب التدريس من صغرك أم ماذا ؟
السامرائي : لا أنا أصحبت مدرس بشكل مهني ولا أقول أنني أعشق المهنة لكني بدأت أشعر أنني استطيع أن أقدم ، فالمدرس هو من يستطيع نقل الفكرة إلى الطالب فإذا فهم تصورات الطالب وأفكاره استطاع ذلك وإذا نقل له الفكرة هو مدرس ناجح .
وأحياناً تجد المدرس عنده علم الأولين والآخرين لكنه يخفق فلا يستطيع إيصال المعلومة للطالب ، وكثير من علماءنا كانوا كذلك وحتى الشيخ أمجد الزهاوي فقد كنت اسأل عنه وهو قد درّس الحقوق ، فسألت الطلبة فقالوا نحن نفهم عليه أول الدرس لأن لديه علم زائد ولكن بعدها نشعر وكأنه يتكلم لغة ثانية فلا نفهم شيء مما يقول ، فمع العلم الجيد ومعرفة نقل الأفكار وما يستوعبه الطلاب هذا أمر مهم ، فأنا أشعر أنني مع الممارسة أصبحت مدرس محترف ، والحمد لله استطيع نقل الأفكار وبسهولة ويسر وأعرف عقلية الطالب حتى حين يسأل أين الإشكال لديه ، ولم اصطدم من الطلبة إلا نادراً ولم تحصل لي مشاكل بهذا الخصوص ، وكان لدي نوع من أنواع المرح والتنكيت فأحياناً استعمل النكتة للمعلومة وإلى الآن عندما أقابل بعض الطلبة يذكروني بأنني قلت كذا وكذا .
الموقع : شخصية السامرائي المدرس هل تختلف عن السامرائي الداعية أو القائد ؟
السامرائي : أنا كنت أفكر فعلاً أن مهمتي إيصال المعلومة ويجب أن أتفنن في ذلك ، بل وأتفنن في طرح الأسئلة وهذا أمر ربما لا يتصوره البعض ، أنا درست في المتوسطة على يد مدرس لا زلت أتذكره اسمه سعد وكان يبتدئ الدرس بالأسئلة وعن طريقها يوصل لنا المعلومات وكنت أحبه فانطبع هذا الأمر في ذهني فأبدأ بالأسئلة ولا أشد على الطلبة ولا أبكّت فيهم ولا أحاول في نفس الوقت أن اترك الأمور سائبة ، كنت أتشدد فقط في قضية تأخر الطلاب ، فكنت امنح خمس دقائق بعد بدء المحاضرة وأراها كافية وبعدها لا أسمح بدخول أحد من الطلبة الذي يتذكرون هذا الأمر جيداً .
الموقع : كيف تصف حياة التعليم في العراق حينذاك ومن ثم السعودية وباقي الدول التي زرتها ؟ وهل حصل تغير سواء للأحسن أم الأسوأ خلال تلك العقود الطويلة ؟ ولماذا برأيك حصل هذا التغيير؟
السامرائي : أنا درست في العراق بدأت بالمتوسطة والثانوية وأصبحت مدير ثانوية ثم معيد في كلية الشريعة التي تخرجت منها ،ومن خلال التدريس لمست أن الطالب العراقي فيه جدية أكثر والدراسة جيدة ، والعراقي بعمومه يقرأ بشكل جيد ويستوعب أكثر .
الموقع : نسمع بين الحين والآخر بضرورة تغيير المناهج الدراسية لعدم مواكبتها المرحلة المعاصرة ،وبعض تلك الدعوات لها أهدافها السياسية وربما حتى الطائفية ، كيف تنظر للمسألة وأنتم مارستم مهمة التدريس بمستوياته المختلفة لسنوات عديدة ؟
السامرائي : المجتمع دوماً متحرك وليس ساكناً وبالتالي ينبغي إعادة قراءته باستمرار ، وأذكر أن الروس حين أرسلوا أول صاروخ للقمر الأمريكان هزهم سبقهم الروس وفكروا ماذا يعملون فقالوا يجب إعادة النظر من مناهج الروضة إلى دراسة الدكتوراه لأن هناك خلل فيها ، فأخذوا القضية بجدية وغيروا .
ومن الملفت أن الشيخ عبد القادر الكيلاني في القرن السادس الهجري كان ينظر إلى حالة الأمة وكان واعظاً جيداً وشجاعاً حتى كان الخليفة يحضر دروسه ، فقال يجب إعادة النظر في مناهج المدارس الدينية وعقد مؤتمرين أحدهما في بغداد والآخر في مكة وجمع ناس حيث درسوا المسألة وخرجوا بعدة مقررات منها إعادة النظر في المناهج واتخذوا من مدرسته في بغداد نموذجاً لأن طلابها كانوا من النابهين وكأنها بمستوى الدراسات العليا .
وكنت قد كتبت وأكرره فأقول نحن في القرن السادس نعقد مؤتمرين لتطوير مناهج الدراسة في عصر كان الجمل هو وسيلة الانتقال بينما في عصر البوينغ فشلنا في عقد مثل هذه المؤتمرات ظن فأنا أشعر بالفعل أن لدينا تأخر في المناهج يحتاج أن يعاد .
وهناك تجربة يجب أن ننظر إليها ، الفرنسيين دخلوا مع الألمان في حروب غير متناهية وآخرها ما حصل في الحرب العالمية الثانية حيث احتلوا الألمان فرنسا كلها ، رجعوا الآن وعملوا ما يشبه مجلس نواب للطلبة في الثانويات ويجمعون الألمان والفرنسيين ومن ثم يحضر هذا المؤتمر الشكلي المستشار الألماني ورئيس الجمهورية الفرنسي ثم يتخذوا قرار بعد نجاح هذه العملية أن نكتب تاريخ مشترك بحيث يدرسه الطلبة في الجمهوريتين الألمانية والفرنسية ونجحوا في ذلك .
أنا قلت أليس الأولى بنا العرب أن يكون لنا تاريخ مشترك ، فالتاريخ بالذات يؤثر على الناس وعلى عواطفهم وعلى مواقفهم فإذا لم يصاغ صياغة جيدة ممكن أن يكون مهيج وهدام وطائفي وممكن أن يصبح لعنة .
المحور الرابع : السامرائي المفكر .. والمؤلف
الموقع : امتازت مؤلفاتك بالتنوع وإن كان الرابط الإسلامي يجمعها .. هل ترى أن عصرنا اليوم هو عصر التخصص ؟ أم من الممكن أن يظهر الإنسان الموسوعي ذو الثقافة الشاملة ؟
السامرائي : هذا يعود لطبيعة الإنسان ،ومع ذلك فالاتجاه الآن ليس في التخصص وحسب وإنما في تخصص التخصص ، فيقال فلان طبيب متخصص في العين وفلان متخصص في الأذن وكذلك الحال في العلوم الإسلامية فهذا متخصص في البيوع وهذا متخصص في العبادة وهذا موجود في كل العالم لكنه لا يمنع من وجود أناس يقفزون إلى شيء ثاني يحبونه ومحبتهم هذه تغطي على النقصان فتجدهم يبدعون فيه .
مثلاً أنا تخصصت في الشريعة ولكني كنت أحب التاريخ منذ دراستي في المتوسطة وكنت أعمل شيء من حبي للتاريخ وقتها وكنا ندرس وقتها تاريخ العراق القديم من سومريين وأكديين وآشوريين فحين يكون عندنا درس تاريخ أقرأه في الليل والطلبة عادة يقرءون بعدما يدرسهم المدرس وأنا أقرأ قبله فلما يأتي في الدرس كنت أعينه لأن عندي المعلومات كاملة وكنت بفضل الله إذا قرأت التاريخ استطيع أعيده كاملاً .
ولما أنهيت الجامعة أصبحت أكتب في الحضارة فاسندوا لي مادة تفسير التاريخ طيلة وجودي في جامعة الملك سعود فنرى كيف إن محبة التاريخ أوصلتني إلى تفسير التاريخ ، وكنت في البداية تهمني الوقائع بعد ذلك لم يعد هذا يكفيني فصار عندي تصور عن كيفية نهوض الأمم ولماذا تتقدم أو تنهار الحضارة فبدأت أدرس واكتب في هذا المجال .
فالإنسان من الممكن ممكن يخرج إلى آفاق كثيرة ، ولكن من الواضح اليوم أن العصر هو عصر التخصص بل والتخصص الدقيق .
الموقع : كيف بدأت مشوار الكتابة ؟ وهل تحدثنا عن أسلوبك في جمع المعلومة وتوليفها فيما بعد ؟
السامرائي : بالنسبة للكتابة أنا بدأت منذ وقت مبكر أكتب ، ففي المتوسطة كنت أريد كتابة أشبه ما يسمى بالمذكرات ، ما الذي يحصل اليوم وهكذا ، بل قبل ذلك في الصف السادس الابتدائي اكتشفني مدرس اسمه غنام رحمه الله ، جلس مرة وبيده دفتر وهو يقول إن فيكم أيها الطلبة من يكتب إنشاء ولا يعرف يعبر عن نفسه في كلماته وجمله والبعض الآخر جيد ، ثم تكلم عني وبدأ يقرأ موضوعي على الطلبة ، فكان هذا بالنسبة لي مثل الحصول على جائزة نوبل ، لأن الطالب في الابتدائية لا زال لا يعرف أو يكتشف نفسه .
فكأن المعلم نبه فيَّ هذا الجانب فصرت فعلاً أجّود في الإنشاء واكتب ، بعدها وصلت إلى مرحلة إنني إذا أعجبني شيء أنسخه ، وهذا النسخ أريد أطوره لأنه بدأ يكثر فأبدا اخترع له العناوين المعبرة وأحياناً إذا كان كبيراً ألخصه ، وأحياناً أعلق عليه أو أقول أن هذا له علاقة بمكان آخر ، وفي وقتها كانت تصدر مجلة الأخوة الإسلامية فبدأت أكتب فيها حتى أحياناً أكتب في الصحافة وبعد ذلك في الكلية وما بعدها ، ويمكن أن هذا المعلم الذي نبهني أعطاني الإشارة إلى قدرتي على الكتابة.
الموقع : شاركت كثيراً في البرامج الإذاعية ، كيف ترى الفرق بين العمل للإذاعة والكتابة للقراء؟
السامرائي : أنا لما وصلت للسعودية اتصلت بالإذاعة مباشرة وبدأت أساهم في الحديث فيها ، وقد اكتشفوا شيء فيَّ وكنت اكتب حديث في الصباح وفي المساء فقالوا لا أنت تكتب لنا حديث المساء والسهرة وتمشي على المنهج الذي كنت اتبعه وهو المزج بين الوقائع الحديثة والنصوص القديمة .
بعد ذلك فتحت إذاعة القرآن الكريم فقدمت برنامج استمر لستة أِشهر حتى شاركت في التلفزيون في وقت مبكر وألقيت عدة محاضرات ، وكنت أقدم حديثاً مرتجلاً مع قلة المعلومات فكل ذلك ساهم في أني استطيع أن أقف وأعبر .
ثم جاءت بعد ذلك مرحلة التأليف التي كانت تقوم على هذه الثروة التي جمعتها وصرت أنسقها وأعمل فهرس للدفاتر التي بها مئات بل وألوف النصوص فلما اليوم أسأل عن أي موضوع أتذكر أنه قد يكون في الدفتر الرابع مثلاً فأخرجه وأحياناً تكون معلوماتي خطأ فأعتمد على الفهارس ، وفي بعض الأحيان استخرج المعلومة مع النص أو الاثنين فأشكلهما واستطيع أن استخرج منهما مقالة جيدة .
الموقع : لديك اهتمام بموضوع التكفير وهو موضوع مهم وحساس في وقتنا هذا ، فكيف ترى الاتهامات الموجهة للإسلاميين في كثير من بقاع العالم بأن متطرفون ويكفرون الآخر ؟
السامرائي : بالنسبة لموضوع كتاب التكفير كانت له قصة أشبه بالخيال ، فأنا كنت أذهب إلى القاهرة حتى أسجل الحضور هناك كما ذكرت سابقاً ، وكنت أصلي المغرب والعشاء في المسجد القريب من مسكني هناك ، ففي إحدى المرات طلب مني بعض الشباب أن يأتوا لزيارتي فوافقت ولا زلت أتذكرهم وكانوا مجموعة من الشباب بين 18 والـ 20 عاماً وملابسهم مختلفة .
وقد لفت نظري أنهم لا يتكلمون شيء إلا بالتكفير ولو بذلت جميع المحاولات لن تستطيع إخراجهم من هذه الخانة أبدأ فجلسوا أول يوم وقضوا ساعات في المناقشة بعدما أوجعوا رأسي وذهبوا فقلت الحمد لله خلصت منهم ولم أكن أتصور أنهم سيعودون مرة ثانية ، فلما صاروا يرجعون لم يكن لدي شجاعة لأطردهم ، فقلت لأكتب ما يقولون والخص أفكارهم لأنها بالنسبة لي أفكار جديدة وفيها منطق .
ولما أنهيت الدكتوراه وبقيت أتردد على القاهرة فالبعض قال ما دام أنت كتبت في الردة ، وكانت قد شاعت في مصر وقتها موضوع ( التكفير والهجرة ) فلماذا لا تكتب عن التكفير ، فصارت عندي فكرة ، فقلت أنا عندي ترقية فلأكتب هذا الكتاب للترقية ويعرض على الجامعة وهم سيقرأوه وإذا كان فيه أغلاط سيبينونها وإذا أثنوا عليه ممكن أن أصدره ، فجاءت الترقية والحمد لله بعد ذلك بدون تغيير فذهبت للجامعة وحاولت الحصول على تقرير الخبراء عليه فوجدتهم قد أثنوا عليه ثناء جيد فقلت إذن لأطبعه ، فطبعته الطبعة الأولى ( 3000 ) نسخة ، وقبل أن تنتهي السنة نفذ وأنا في ذلك الوقت لا زلت شاب صغير ولست من أبناء البلد وغير معروف، فطبعنا الطبعة الثانية والثالثة ، فتلقفه الناس ومدحوه ، حتى إنني كنت ألقي محاضرة في اسطنبول قالت لي امرأة جزاك الله خيراً أنا كنت من جماعة التكفير ولما قرأت كتابك غيرت توجهي .
الموقع : عانى العراق كثيراً من الغلو في التكفير وعدم وجود ضابط له ، فكيف تقرأ أسباب ذلك وما هي ضوابط التكفير في الإسلام ؟
السامرائي : للأسف غالباً ما تجد الإنسان ناقم على الحاكم وبأنه مستبد وظالم ويظل يبحث عن أكبر من هذا الوصف فيقول هذا الحاكم كافر ، وهناك مثل أذكره دائماً وهو إن الحجاج حين مات كان في سجونه الكثير من السجناء ولكن مع كل الذي فعله لا تجد من يصفه بأنه كافر لأن ليس من السهل إثباته لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علمنا في حديث جبريل أن الإنسان لديه ثلاث مصطلحات ، وهي الإسلام والإيمان والإحسان ، فالإسلام أن ينطق الشخص بالشهادتين ويكون بالغ وعاقل فيكون حينها مسلماً .
وإذا أصبح بعد ذلك يؤدي الواجبات المفروضة ولا يفعل المحرمات فيكون المرء مؤمن والقرآن الكريم يحدثنا عن الأعراب فيقول : ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ) ، المرحلة الثالثة والأخيرة إذا الإنسان صفا ، تعبد الله ــ كما وصف الحديث ـ كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك .
وإذا وصل المؤمن تلك المرحلة فهو لا يبقى في مكانه وإنما يتحرك طلوعاً ونزولاً ، بل قد يخرج من الدوائر الثلاث ويرتد ، فالآن حين نأتي ونقول لشخص أصبحت مسلم فكأننا نقول لأحد اليوم أصبحت موظف لكن إذا لم تداوم أو تلتحق تخسر الوظيفة ، فالإسلام هو داخل الدائرة التي تترتب عليها أمور أخرى ، ويبقى الإنسان هكذا ، بل أنا أقول أن نسبة كبيرة في رمضان تصل لدرجة الإحسان ، صلاة في جميع الأوقات قيام الليل وقراءة القرآن والصيام .. الخ ، لكن سبحان الله لا يبقى الأمر هكذا فهذا الذي وصل في رمضان إلى 70 أو 80 % لا يبقى 20 % بعده .
والذي يحصل أن الإنسان يأتي فيقرأ نص معين ثم يبني عليه أن هذا كفر ، فليس كل واحد يذّم معناه إنه كافر ، ممكن يذم لأنه قتل عمداً ، وممكن قال الله عنه إنه يدخل النار ويعذب فهذا ليس دليل على الكفر الذي له أشياء معينة إذا أنكرها يدخل في دائرته وبعضها محل اتفاق وبعضها لا ، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يشجع على التكفير ولا جعل كل إنسان هو الذي يحكم لأنه هذا معناه حدوث فوضى .
ونحن مررنا بمراحل ، فعندما توفي الرسول عليه الصلاة والسلام ارتد العرب ما عد مكة والمدينة والبحرين الحالية ، وعندما قتل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه أيضاً حل مثل هذا لكن بعد ذلك هدأت الأمور وما عاد الناس يكفّرون بهذه البساطة وكانت صدورهم رحبة واسعة لجميع التوجهات ، لكن في العصر الحديث وبسبب الملاحقات السياسية والقسوة والأذى الذي لحق بالناس فكان البعض يريد اختيار وصف للحاكم المستبد فبدأ إطلاق كلمة الكافر هكذا بدون ضوابط .
الموقع : كيف ترى الفكر السياسي الإسلامي اليوم هل يتقدم أم إنه لا زال يراوح في مكانه ؟ ولماذا هذا الاضطراب في فهم الحالة العراقية مثلاً ؟
السامرائي : السياسة هي قضية عملية بمعنى إنها تتطلب ممارسة ، فلو جئنا بأي إنسان وقلنا له نريد تعليمك السباحة وحاولنا ذلك على الأرض فهو لن يتعلم إلا أن يكون وسط ماء النهر أو في البحر ، فالذي يريد تعلم السياسة عليها ممارستها ومن خلال هذه الممارسة تتضح الصورة إن كانت لديه معرفة ومنهج أم لا ، لكن لا يمكن أن يبقى خارج المعترك ويتعلم سياسية .
ولذلك أذكر أن جماعة ( التجمع اليمني للإصلاح ) ذهبوا إلى الإخوة في الأردن ــ بعدما عملوا في ميدان الدعوة والنشاطات الطلابية ــ فقالوا لهم نريد العمل في السياسة فقالوا لهم ماذا تنصحونا، فأجابوهم أن السياسة تتطلب عمل فعلي وبداية من الصفر حتى لو تأخرتم في الوقت ، فالآن الذي يريد العمل في السياسة عليه ممارستها ، بعضها من القراءات والآخر من الممارسة ، ولو نظرنا إلى ابن خلدون نجد إنه عاش أولاً في الأندلس وتعلم وتثقف وصار إمام وخطيب ومدرس ومارس السياسة ولما جاء إلى الشمال الأفريقي كان قد نضج فأصبح حاجباً أي رئيس وزراء في الوقت الحالي ، فإذ اجتمع للإنسان ثقافة سياسية مع عمل يتعلم الإنسان ويتطور .
الموقع : منذ سنوات والساحة الفكرية تنتج لنا مفكرين تخصصوا في متابعة قضايا الفكر الإسلامي بنوع من التحرر ربما مثل محمد أركون وهشام جعيط ونصر حامد أبو زيد ، وهم يتهمون من قبل البعض بتجاوز الخطوط الحمراء في الإسلام ، وهم عند طرف آخر رموزاً فكرية نالها الاضطهاد الفكري وقمعت حرياتهم في التأليف والكتابة ، كيف ترى أنت هذه المسألة ولا سيما وإن لديك اهتمام واسع بهذا الموضوع ؟
السامرائي : لق قلت سابقاً أن هناك ثلاث أمور غريبة رأيتها ، منها إن الدين يتكلم فيه الجميع براحته وحين تسأل الشخص ما هي ثقافتك وما الذي قرأته حتى منحك الحق للكلام في هذه المواضيع ؟ فيكون أحياناً الجواب إنه لم يقرأ كتاباً واحداً !! وهذه جرأة على الدين مثل المنزل الذي ليست له أبواب ولا نوافذ فالجميع يدخلوه براحتهم ، وكذلك حال السياسية الكل يتكلم فيها ، الأمر الآخر الذي نراه وخاصة في الدول العربية إن أكبر المندفعين والمتحمسين للانتخابات والمشاركة فيها هم العشائر وهم لا يفهمون منها شيء واكبر الزاهدين فيها هم المثقفين !! وهو العكس فالمفروض هذا المثقف هو الذي يشارك ويساهم فيها .
وكذلك حال الفكر فيأتي فلان يكتب في الدين والسياسة فمن الذي يمنعه ، فهذا الفرز يحتاج مجتمع ناضج ، يقولون إن اليسار والشيوعيين بعد الحرب العالمية الثانية هم الذي سيطروا في اليابان فكانوا يكتبون شعارات والياباني يقول إنها شعارات جميلة ولكن أنتم كذابين لا تستطيعون فعل شيء أو تطبقونه وهذا يعبر عن وعي ، وعندنا لا يوجد هذا الوعي فأي شخص يستطيع أن يقول ما يريد ويجد من يتبعه ويتأثر به وهو فاسد لا يعرف شيء بسبب طبيعة المجتمع .
ولكن ومع الزمن سيصبح هناك فرز فيقولون الناس هذا نظيف وهذا جيد ولكن هذا يحتاج إلى وقت والآن مثلاً المشكلة في الساحة العراقية كل الذي لديه صوت يصيح به ، وكل من عنده كلام يقول ، وكل من عنده مال انشأ فضائية يتخذها منبر له يتكلم من خلالها بالساعات وهذا كله يشوش على الناس ولا سيما مع التلون في الحديث البراق .
الموقع : وهل ترى أن هذه الأسماء التي ذكرناها تقود توجه خطير في الفكر ؟
السامرائي : بدون شك ، فالمشكلة في هؤلاء ليس فقط في كلامهم عن الدين بحرية ، فهؤلاء صنف آخر ، فالغرب عنده ناس يعتبرهم حلفاء أو مقبولين فهو يلمعهم ويساعدهم والآن هناك مؤسسة أمريكية تدعى مؤسسة راند وهذه أصدرت تقريراً ودراسة عن المسلمين بحوالي 500 صفحة شرّحتهم تشريح دقيق ، مَن المتطرف ومن المعتدل والعلماني والليبرالي ، ومن هم حلفاءهم وكيف يتم خدمتهم وفي النهاية يعلمهم بعض الشبهات ماذا يقولون عن القرآن وماذا يقولون عن الإسلام أو الإسلاميين وهكذا ، والآن المسؤول عنهم في قطر زوجة زلماي خليل زاده السفير الأمريكي السابق في العراق وهي يهودية .
هؤلاء هم الذين يصنعون هذه الأصناف التي يعتبرها الأقرب لها ، وهذا التوجه ليس جديداً، فيقال إن الإنكليز وضعوا السياسة في الهند لما احتلوها وأخذوها من المسلمين فقالوا إذا عندك وظيفة ضع فيها الأقرب لك وإذا لم تجد هذا الصنف ضع شخص غير إسلامي وإذا لم تجد أحد إعطها لإسلامي ولكن بأقل راتب ، فالغرب الآن يعرف من هم المؤيدين له ومن هم يخدمون آراءه ، وبالمقابل من هم أعداءه ومن الذين ينبغي ألا يتساهل معهم ،.
ونلاحظ كذلك شيئاً مهماً ، فمثلاً الناس الذين يترجم الغرب لهم كتبهم ، لا يترجم كتاب إلا لمن يخدم آراءهم أو قريب منه فيترجم له كتابين أو ثلاثة أو أربعة فيرفعه بذلك ويلمعه ، بينما نجد آخر أفضل من هؤلاء بألف مرة لا يهتم بنشر كتبه مثل هؤلاء كونه معادي له ولفكره .
الموقع : يرى الدكتور نعمان السامرائي في الخطر اليهودي مؤشر ونذير يستدعينا للوقوف أمامه فهل اليهود وصلوا اليهود لمرحلة التحكم ؟
السامرائي : طبعاً ، بل يمكن القول إن اليهود اليوم يمرون بالعصر الذهبي ، والقرآن لو يقرأه الواحد منا قراءة جيدة في آخر سورة الإسراء ( ليسوءوا وجوهكم ... الآية) وأنا أفسرها لتسوء سمعتكم كلام كثير لو يقرأ يجد اليهود بحكم انتشارهم في العالم فهموا عقلية الناس ، بدءوا مع الغرب وبدءوا يتعاملون معهم بحيث استولوا على الكبار منهم وبالتالي هم يمرون بالعصر الذهبي ، خوفوا الناس من خلال التحكم بملفاتهم ، نظموا الناس حتى إن سارتر المفكر المعروف قال إن اليهود يتهمون بتهم منها إنهم يجمعون المال والثاني إنهم عنصريين وينشرون الإلحاد والتعري ودافع عنهم دفاع عجيب ، فقال هم يجمعون الناس وهو حقهم لأنهم قلة ومضطهدة في العالم فالمال يحميهم ، وينشرون الإلحاد لأن الآخرين معادين لهم فحتى يخففون من غلوائهم فالملحد لا يعاديهم مثل معاداة المتدين ، وعلل موضوع التعري بشكل غريب إذ قال إن الناس يتهمونهم بأن أجسادهم قبيحة فعروا الناس ، فهم الآن يعرفون كيف يخاطبون الناس ويتعاملون معهم ومن لا يأتي بالترغيب يأتون به بالترهيب ويجمعون الملفات عنهم ، وما حدث مع بيل كلينتون في تصوري أمر مدروس ، فكم من كلينتون اليوم موجود .
وأنا كنت أريد أن أعنون كتابي اليهود وعبادة القوة ، فهم يعجبهم القوى ولذلك هم أرادوا التحالف مع هتلر والآن إذا رأوا أن الصين أصبحت أقوى من أمريكا سيتركونها ويتحالفوا مع الصين فهم معجبين بالقوي ، وهذا شأن الإنسان الضعيف فالجبان يعجب بالفارس البطل لأن هذه الصفات يفقدها لكن إذا كان فارس مثله لا تجد هذا الإعجاب .
الموقع : ومصير القضية الفلسطينية وسط دعوات السلام او حتى اختزال قضية فلسطين لتكون قضية طرف محدد دون أن تعني المسلمين ؟
السامرائي : أولاً هي في وضع صعب لعدم وجود التكافؤ ، فالشعب الفلسطيني ليست لديه المعرفة والسلطة والقدرة التي لدى اليهود ، ثانياً العرب الذين وراءهم ليست لديهم هذه الجدية ، وبالتالي فالإنسان الجاد الذي يستطيع أن يهيج الناس ويقودهم وراءه يحتاج شخص مثله ، فنحن ليس لدينا تكافؤ ، فلذلك كل يوم هم يربحون ونحن نخسر وما كنا لا نرضاه بالأمس بتنا اليوم نريده ولا نحصله فالحالة صعبة للغاية .
وكل يوم العدو يخلق لك قضية مثلاً هذه المستوطنات هو يصنعها ويجعلك تركز عليها وتقتنع بها وكأنها المسالة الأولى والأخيرة في هذا الملف ، ويوم من الأيام كانت قضية اللاجئين والمياه فيستطيع كل يوم أن يجد لك قضية ، أنا أذكر قول لرابين إننا كنا نطرح في القضية مئة سؤال ، الفلسطينيين لا يطرحون ولا سؤال !! بل إن اليهود اليوم يفرضون عليك كيفية تفكر ويلقنونك صوراً تخدمه .
الموقع : لك اهتمامات في التفسير الإسلامي للتاريخ ، فهل تعتقد أن التاريخ يعيد نفسه وكيف ، وهل يمتلك المسلمون اليوم وعياً تاريخياً ؟
السامرائي : نحن أمة نتأثر بالتاريخ وبشدة ، والتاريخ في العراق له من السلطة ما ليس لأحد ، فهو لدينا فاعل ولا يمكن التخلص من آثاره وبالتالي إذا لم يعرض بشكل جيد ومحايد ومتوازن سيسبب لنا نكبات ومشاكل كبيرة .
هذا من جهة ومن الجهة الأخرى إن الذين فكروا في تفسير التاريخ قالوا نحن نرى أن أمة تصعد وتتقدم ثم تسقط وتتهاوى وتذهب ، أفلا نستطيع معرفة أسباب السقوط والحروب والمآسي التي تقع ، ثم لو عرفنا الأسباب ألا نستطيع تلافيها ، البعض يقول نعم لو عرفنا أسباب معينة يمكن ، البعض يقول الحوادث لا تتجدد ولا تعيد نفيها وبالتالي ينبغي أن نشغل أنفسنا بذلك .
وهناك اتجاهين في تفسير التاريخ : هل يكفي أن نبحث عن عامل أساسي ونهمل البقية ، أو نقول أن هذه الأمة تقدمت لمجموعة من الأسباب ، فهناك مثل الماركسيين قالوا إن العامل المهمين والمؤثر هو العامل الاقتصادي وهو المتحكم حتى في العقيدة والآداب وكل شيء ، الآخرين قالوا هذا عامل واحد ، وغيرهم قال عامل العقيدة أو الثقافة أو العامل العنصري ، فهذه الأشياء المهم أن ندرسها حتى نتجنب الوقوع في الأخطاء ، مثلاً في تاريخنا الإسلامي وحتى قيام الدولة الأموية في الأندلس كنا نقول يجب أن يكون عندنا خليفة واحد وحتى الأمويين أول الأمر لم يتسموا بالخلافة وهذه القناعة جاءت من التاريخ هل يجوز أو لا يجوز ، الآن لو نقول إننا نريد إعادة الخلافة وخليفة واحد لا نجد إمكانية لذلك ، وهناك نظريات شتى ينبغي معرفتها وهي مفيدة بحيث إن المشتغل بقضايا الحضارة يدركها وتعرف خطرها ، وأفضل المشتغلين بهذا المجال كان من العرب وهو ابن خلدون .
الموقع : كنا سادة الدنيا قروناً فتراجعنا وقادنا الآخرون ، لماذا ؟
السامرائي : وذلك لأن القيادة تحتاج ناس ومعرفة ، والرسول صلى الله عليه وسلم يوماً كان جالس مع أبي بكر رضي الله عنه وهما متقاربين في العمر فقال أبو بكر أراك شبت يا رسول الله ، قال شيبتني هو وأخواتها ، والذي يقرأ سورة هود يجد فيها منهج واحد وهو أن هناك أمم أصابتها أمراض ضربتها وجاءها نتيجتها عقاب رباني ، فناس قطعت الطريق وآخرين شاع لديهم الفساد الأخلاقي وناس يخلفون في المعاهدات .. الخ فكل واحد منهم ذكر ما هي عقوبتهم ، فكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول يا مسلمين إنكم إذا قطعتم الطريق تلقون هذا العقاب وإذا فعلتم كذا تلقون كذا عقوبة فهذا هو المنهج .
وهناك حديث نبوي شريف يقول فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ( لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراع بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب ، قالوا اليهود والنصارى قال فمن ) فينبغي علينا التأمل فيما حدث عبر التاريخ بالنسبة لليهود وما الذي فعلوه وكيف ضيعوا دولتهم ، علماً أن ذكر اليهود في القرآن تكرر بشكل لم تذكر به أمة أخرى ، ونحن المسلمون كنا قلة قليلة وخارجين من الصحراء ولكننا قاتلنا إمبراطوريتين كبيرتين في آن واحد وهزمناهم واستمرينا فترة من الزمن كان الخليفة المسلم الحاكم رقم واحد ، ثم جاءنا ما جاء الأمم ووصلنا إلى أنه لا توجد لدينا دولة غير مستعمرة ، فهناك وسائل تجعل الناس يتقدمون وهناك أخرى تجعلهم يتأخرون ولا يوجد عاصم فالذي يأخذ بأسباب التقدم يتقدم والذي يأخذ بأسباب التخلف يتخلف ، مع قطع النظر أنه يكون مسلم أو كافر فالكل يستوي في هذه القاعدة .
الموقع : نحن اليوم نتميز بمخزوننا الحضاري والقيم التي نحملها فهل تفيدنا في العودة إلى ساحة الفاعلية ؟
السامرائي : نحن عندما أخذنا بأسباب التقدم هذا العراق كان في العصر العباسي قد انتهت الأمية فيه وعندنا ملايين المخطوطات ، والعباسيين عملوا لنا في هذا البلد 40 نهر بين صغير وكبير وكانت البلاد تعيش عيشة الملوك ، ولكن لما تبطاءنا وأخذنا بأسباب التأخر لم يعد ينفعنا القول إننا مسلمين ، وكانت الشوارع في الأندلس مرصوفة ومضاءة والحمامات متوفرة ،بينما في باريس كان الإنسان ينام هو والدابة في غرفة واحدة وعلى القش ثم آل الأمر إلى ما يعرفه الجميع .
الموقع : البعض يربط الفاعلية بامتلاك القوة ، والقرآن نفسه يحثنا على امتلاكها في سورة الحديد وغيرها ، فهل تأخرنا اليوم بسبب فقداننا للقوة ام ان القضية مركبة ومعقدة أكثر من ذلك؟
السامرائي : لا ليس شرطاً ، وقد عالج هذا الأمر المفكر آرنولد توينبي فقال إن الحضارة لا تسقطها القوة ولكنها تكون ساقطة من داخلها ، مثل العرب في الأندلس والعباسيين ، فكأن الأمر هو تفاعل مجموعة من العوامل وآخرها تسقطك ، والعوامل غير المباشرة هي الأصل لأن الدول والحضارات لا تسقط في يوم وليلة ، مثلما لا تقوم بسرعة ولا بعامل واحد. ولقد كنا في يوم من الأيام قدرنا من العلوم والمعارف والمدارس كبيراً لدرجة أن القاسم بن سلام حين يكتب كتاباً في غريب الحديث ويراه الوزير الفتح بن خاقان يعجب به ويجري له راتب عشرة آلاف في السنة حتى إذا مات الخاقان امتد الأمر لأولاده ، فكم هو تقدير العلم عندنا ، والمأمون حين يوقع المعاهدات يشترط أن يأتوا له بكتب ويحيي دار الترجمة ، ونحن عندما ذهبنا للسعودية رأينا أمر مخيف ، حيث قال البعض أن الله عز وجل جاء بهؤلاء الأجانب الكفار الذي يستخرجون لنا النفط مثلما خلق لنا الدواب والحمير حتى نركبها !! فهؤلاء لو كانت لديهم معرفة لطوروا الأمور واستخرجوا النفط بأنفسهم واستخدموه ، فالله تعالى لم يخلق هؤلاء ليخدموهم .
الموقع : ثمة فكرة مدعو أنت لمناقشتها ، كيف تنظر إلى فكرة المحافظين الجدد وما هي حقيقتهم ، البعض يطرح وبثقة فكرة إنهم يحملون رسالة أخلاقية ، والبعض الآخر يطرح المشهد العراقي دليلاً على نقض تلك المقولة ؟ وهل لأمريكا اليوم مشروعاً فكرياً تطبقه أم إنها عنجهية القوي ليس إلا ؟
السامرائي : أنا أشبه أمريكا بالسوبر ماركت ، عندما تدخله تجد كل شيء من اللحم والخبز والملابس الخ ، ففي أمريكا لا توجد في الخارج فكرة إلا ولها نصيب منها ، لكن أمريكا ميزتها أنها دولة نشطة عندها أفكار وميزات ونشاطات .
لكن بالمقابل هي لديها جيوش موزعين في 58 دولة في العالم على ما أظن ، عندها أنواع الأسلحة ، لكن هذه القوة أحياناً تكلفها تكاليف باهضة .
وهؤلاء الذين يسمون اليمين الجديد هم نصارى ويقدرون عددهم بـ40 مليون فهم ليسوا قلة ، ولديهم عقائد هي خليط من الخرافات وغيرها ومنها إن السيد المسيح آن أوان عودته ومن أجل ذلك يجب أن تكون هناك معارك يقتل فيها ثلث الناس وتقع معركة يشارك فيها مائتي مليون ، ثم قالوا بمجموعة من الخرافات ، منها أن الدماء ستسيل حتى تصل إلى جمة الخيل ، الآن الحصان حين يقف رافعاً رأسه يصل إلى مترين فكم نسكب من الدماء حتى نصل إلى ما يقال؟!! ، ومنها أن في آخر الأناجيل شيء يسمى رؤيا يوحنا يتكلم فيها عن العراق وما يحصل في بابل وتقسم بابل العظيمة إلى ثلاثة أقسام فقيل هذه دولة شيعية ودولة سنّية ودولة كردية ففسروها بهذا التفسير.
فهؤلاء لديهم أفكار وجيش وقوة ، ولكن لا توجد امة تستطيع المحافظة على كل هذا ، توينبي عدد 26 حضارة صعدت إلى القمة ومن ثم نزلت ، فلا أحد يبقى على حاله ، والله تعالى يقول ( وتلك الأيام نداولها بين الناس )
الموقع : ترى أن الوجود الإسلامي في العالم يبشر بخير ، ولكن أليس هذا الوجود هش في كثير من المناطق أي بعبارة أخرى هو وجود تحقق ولم تحصل له متابعة مما جعله ضعيفاً أو تتخلله الشوائب في كثير من الأحيان ؟ .
السامرائي : اليوم في العالم الإسلامي هناك صحوة ولسنا الذين اكتشفناها بل الغرب الذي قال إنه من طنجة إلى جاكرتا هناك صحوة إسلامية وبالذات بين طلبة الجامعات .
لكن هذا لا يمنع من أنك لديك اليوم 1300 مليون مسلم لا يعيشون كلهم هذه الصحوة ؟ البعض منهم لا يعرف من الإسلام سوى أسمه ولا يؤدي شيء ولا يشعر إنه مسلم ، كما إن الكثير من الشعوب لا زالت متخلفة فنحن لو رأينا أفريقيا وفي العاصمة تجد الشارع الرئيسي فقط مبلط والشوارع الفرعية بدون تبليط ، ولا توجد كهرباء ، والحالة مزرية وثلاث أرباع السكان جائعين ويفتك بهم الأيدز ... الخ .
المحور الأخير : وقفات
الموقع : زرت دولاً ومدناً عدة وتركت لنا مذكرات ممتعة حيناً وطريفة حيناً آخر وتعلق قلبك باليابان ، هل لك أن تحدثنا عن هذا الموضوع ؟
السامرائي : أنا لم أزر اليابان حقيقة ، ولكن بعض الاخوة في الجامعة في السعودية طلبوا مني أن أكتب عن اليابان ، وبعد الإلحاح بدأت بجمع الكتب وكتبت عن اليابان وطبعت الكتاب أكثر من مرة ، وأنا أشعر فعلاً أن اليابانيين قريبين منا ، لأن عندهم معاني ممكن نشترك فيها معهم ، مثلاً نظرتهم إلى المرأة لديهم استفتاء أجراه رئيس الوزراء حول الواجب الأول للمرأة فأجاب حوالي 94 أو 96% من الذين اشتركوا قالوا واجبها الأول العمل في البيت وعملها في البيت عبادة ، وكذلك موضوع تقدير العائلة والنسب نحن وهم الوحيدين المتشابهين فيها ، لكن هم انضباطهم حاد ونحن منفلتين ، ولذلك من الصعوبة مقارنتنا بهم .
كما وتوصلت من خلال الدراسة والمتابعة إلى إننا سبقنا اليابانيين بنصف قرن ببعثاتنا لأوربا ، وهم عندما أرادوا أن يرسلوا البعثات جاءوا ليستشيروا العرب !! لكنهم عندما بعثوا طلابهم بعثوهم وحددوهم بدراسة الميكانيك وأن ينشئوا لهم صناعة فكانت بعثاتهم تقوم على هذه الرؤية ، بينما العربي ذهب ليدرس التمثيل والقانون وذهب ولم يرجع ودون أن تكون له هذه الرؤية فهذا هو الفرق .
الموقع : أخيراً كيف رأيت العراق والعراقيين اليوم ؟ سياسياً وثقافياً ومجتمعياً ؟
السامرائي : الحالة في الحقيقة محزنة ومؤسفة ، فأنا خرجت من بغداد في 1968 وكانت من أجمل ما يكون وعندما نزلت في مطار الرياض حينها لم أشعر أني في مطار مقارنة ببغداد ، واليوم عندما عدت صار الأمر بالعكس من الناحية المعمارية والبناء ، فبغداد تملؤها النفايات وهي كئيبة كآبة لا توصف ، وقد لحقها الخراب في البناء وفي النفوس فأغلب الناس يبحثون عن مصالحهم الخاصة دون اعتبار لمصلحة البلد وهذا شيء محزن للغاية اسأل الله أن يغير الحال إلى أفضله .. إنه سميع مجيب الدعاء .
في الختام لا يسعنا إلا أن نشكرك دكتور نعمان عبد الرزاق السامرائي على منحنا هذا المقدار من وقتكم الثمين داعين المولى عز وجل أن يحفظكم ويسدد خطاكم خدمة للإسلام والمسلمين .
المصدر
للمزيد عن الإخوان في العراق
. |
|
. . |