في قافلة الإخوان المسلمين الجزء الأول

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
في قافلة الإخوان المسلمين
الجزء الأول

عباس السيسي

إهـــــــداء

الى امام الجيل الشهيد حسن البنا الذى اختاره الله لأبناء الاسلام مرشدا ومجددا ورزقه الايمان والهمة لانقاذ الأمة.

مقــــــدمة

الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم الذى أرسله الله الى الناس كافة بشيرا ونذيرا وداعيا الى الله باذنه وسراجا منيرا فبلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح للأمة .

" ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار .

ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ور تخزنا يوم القيامة انك لا تخلف الميعاد " كانت الكتابة بالنسبة لى أمرا مستبعدا وغير متوقع , فدراستى وظروفى لا تساعدنى ولا تؤهلنى لذلك .

حتى شاء الله تعالى أن أكون فى صفوف الاخوان المسلمون. فانتقلت نقلة بعيدة فى أكثر ميادين الحياة .

ووجدتنى قد تنبهت واستيقظت على حقيقة تعيش فى وجدانى , لم أكن أدركها , فلما اكتشفتها وجدت نفسى غيرها من قبل .

تغيرت فكرتى عن الحياة وعن الناس , حيث أدركت أن الحياة رسالة , وأن الناس اخوانى فهم حقل دعوتى ورصيد اسلامى .

وجذبتنى روح الاخوة السمحة الى ساحة القلوب المتدفقة بالحيوية والجدية مع عاطفة حلوة ندية , فتفجرت فى نفسى ينابيع من حياة الروح وصحوة فى الوجدان والمشاعر , وتوهجت العواطف التى كانت مستكنة فى أعماقى , كانت عواطف خامدة وجامدة – حجبها عن الاعلان والظهور أقفال على القلوب وعادات وتقاليد ليست من الاسلام فى شىء .

وفى المجتمع الكريم دب فى قلبى شعور جديد أحيانى وأطلق لسانى وبيانى .

وهكذا حين يرق القلب وينشرح الصدر تشرق الملامح وتتحرك الجوارح وتتبدل الصدور .

وكانت تنقلاتى الاجبارية بعيدا عن اخوانى بالأسكندرية منذ عام 1947 سببا فى تأجج العواطف وتلاحم القلوب وحرارة الأشواق .

وتلك لا يهدهدها الا اللقاء أو الحديث أو الكتابة .

ومن هنا بدأت أكتب الخطابات للأحباب على استحياء , سطورا قليلة , ولغة كليلة , وكلمات خجولة , ومعان تنبت بالحي والايمان والريحان .

وأخذت الخطابات تروح وتغدو تحمل أجمل المعانى وأنبل الشعور , تربط القلوب وتفجر الينابيع وتكشف الأعماق وتسجل الواقع التاريخى الذى نعانيه ونعيش فيه .

وتمضى الأيام فتتجاوز الخطابات العشرات بل المئات , ويتحسن الأسلوب وترقى المعانى وتتشعب الموضوعات , حتى أصبحت الكتابة محببة الى نفسى .

وفى مدينة مرسي مطروح تشجعت على تدوين الأخبار والوقائع فيما يدورحول نشاط حركة الإخوان المسلموناليومية فى كراسات فيما يشبه المذكرات .

ثم انشرح صدرى وكتبت رسالة عنوانها ( حسن البنا دعوة ) فى 200 صفحة مزودة بكثير من الصور النادرة التى كان الأخ الأستاذ محمد الحصري حريص على التقاطها ثم كانت اعتقالات محنة عام 1948 – فكانت هذه وتلك من غنائم – القسم المخصوص ( المباحث العامة ) ومضت الأيام تتحرك بنا فى كل اتجاه بين تنقل وتشريد وسجن واعتقال والآحداث تجرى وتتلاحق فتضيف الى التاريخ صفحات جديدة جديرة بالاهتمام والتسجيل .

وفى مدينة أسيوط بدأت أكتب من جديد ( في قافلة الإخوان المسلمين) فم رسالة ( من وسائل الدعاة ) ثم رسالة ( صفحات من المثل العليا للإخوان المسلمون ) وأخيرا رسالة ( من حفيف الأرواح وهمسات المشاعر ) وتلك كانت على نمط كتاب (الدعوة الى الله حب ) وكان الأستاذ أليكسان غطاس ابراهيم رئيس قسم الخطاطين ( بسلاح المركبات ) بالعريش ( سلاح الصيانة سابقا ) يقوم بكتابة العناوين بخطه الجميل , بحيث كانت هذه الرسائل معدة للطبع .

وفى فبراير 1954 تم القبض على فى مدينة العريش ورحلت الى السجن الحربى وبقيت هذه الرسائل أمانة عند أحد الاخوان الكرام , الذى أعادها الى فى رشيد بعد الافراج عنى فى يناير 1956 ومنذ هذا الوقت العصيب لم أجد فرصة للكتابة حيث كانت المراقبة والملاحقة والقيود .

وفى محنة أغسطس عام 1965 حيث قبض على للمرة الثالثة وبعد سنين وفى احدى زيارات أسرتى وأهلى , سألتهم عن مصير هذه الرسائل ؟ فصعقت حين أخبرت أنها قد أحرقت عن آخرها لهول المصائب التى كانت تقع عليه ولم أجد ما يعزينى سوى أن أقول ( قدر الله وما شاء فعل )

وبعد أن عدت الى رشيد على اثر الافراج عنى أول أبريل عام 1974 – تابعت نشاطى فى حركة الدعوة مع جيل جديد من الشباب الذين استجابوا لله وللرسول .

فكانوا كثيرا ما يسألون فى شوق ولهفة عن تاريخ جماعة الاخوان المسلمون.

بعد أن سمعوا من الحقائق المذهلة التى فرض عليها ستار كثيف من التعتيم الاعلامى المشوه والمزيف من قوم طمس الله على قلوبهم وأضل أعمالهم .. ومن الأيام ازدادت الرغبة فى تدوين وتسجيل هذا التاريخ الذى ملأ أسماع الشرق والغرب , وكم يحز فى النفس تقصير الاخوان القدامى فى استعمال المسجلات الصوتية لكلمات وأحاديث الامام حسن البنا .

فاذا كانت هذه المسجلات نادرة فى عهده . فانها منتشرة فى عهد الامام حسن الهضيبى رحمهما الله تعالى .

كما هو اللوم الشديد لتواضعهم عن كتابة ما عرفوا وما شاهدوا فى عصرهم , مما يعتبر خسارة , فضلا عن أنه أمانة واجبة الأداء للأجيال " لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية " وشحنت همتى متوكلا على الله تعالى لاستئناف الكتابة من جديد وبدأت أكتب (في قافلة الإخوان المسلمين) مستعينا بالذاكرة ومجلات الاخوان وصحيفتهم اليومية وغير ذلك مما توفر لى .

وقد راعيت فيما أكتب مبدأ ( نحن قوم نبنى ولا نهدم نجمع ولا نفرق ) لذلك آثرت الابتعاد عن مواطن الخلاف ما أمكن الا ما كان أمر فيه تأكيد على عقيدة الجماعة ومنهاجها الذى لا تحيد عنه بحال – كما أن اللدد فى الخصومة ليس من طبيعتنا " عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم "

لقد اجتهدت على عجز منى للوفاء بحق الدعوة وحق اخوانى من أبناء هذا الجيل فكتبت (في قافلة الإخوان المسلمين) فى أربعة أجزاء تصدر تباعا بعون الله تعالى , ولعله من توفيق الله تعالى أن يصدر الجزء الأول فى استهلال عام 1986 فيكون قد مضى من حياتى فى في قافلة الإخوان المسلمينخمسون عاما وهو فى عمر الدعوات ليس بالزمن لطويل " فاليوم فى حياة الفرد كالعام فى حياة الأمة " ولا تزال القافلة تسير تحدوها عناية الله وتحميها قلوب المخلصين من أبناء الاسلام .

وانى أسأل الله تبارك وتعالى أن يوفق اخوانى فى جبر ما نسيت أو عجزت عنه .

فانه رغم أن الطريق والمحن كانت تجمعنا الا أنه سيكون عند كل أخ من اخواننا مواقف وصور ومشاهدات عامة وشخصية تختلف باختلاف المكان والزمان والظروف , فضلا عن ضخامة الأحداث وخطورتها ومساحتها على أرض الواقع سواء فى مصر أو غيرها من بلاد المسلمين .

كما أضع بين يدى اخوانى أمنية عساها تتحقق فى يوم من الأيام أن يخرجوا للعالم الاسلامى بل للعالم كله ( فيلما سينمائيا ) يسجل ويصور ويبرز روح الدعوةالاسلامية وأخلاقياتها العظيمة فى كل المواقف فى السراء والضراء وحين البأس .

فى الايمان والصبر والشجاعة والفداء والحب والايثار .

ربيع الثانى 1406 هجرية
يناير 1986 م
عباس حسن السيسى

فى المدرسة

تنبهت للحياة أول ما تنبهت فى ( كتاب الشيخ خير الله ) أمام منزلنا بشارع مسجد الجندى برشيد – كنا نحفظ بعض السور من القرآن الكريم – نكتبها بالخط الجميل على لوح من الخشب – ونجلس بين يدى الشيخ فى أدب وخوف .

وكانت عصا الشيخ طويلة الى كل واحد منا دون أن يتحرك الشيخ من مقعده .

ثم تحولت من كتاب الشيخ محمد خير الله الى مدرسة عبد الحليم التى كانت تقوم بشارع سوق الحدادين من مسجد الصامت وتقوم عليها نخبة ممتازة من عائلة عبد الحليم على {اسهم الأستاذ الأديب الشاعر محمود عبد الحليم الكبير .

ثم تحولت الى مدرسة رشيد الأولية المسماة وقتئذ بمدرسة( السحت ).

وفى هذه المدرسة شاركت فى الجنازة الصامتة لوفاة الزعيم سعد زغلول المتوفى عام 1928 .

وفى أوائل عام 1929 تقدمت لدخول مدرسة رشيد الابتدائية التى كانت يطلق عليها وقتئذ ( البدل ) حيث ان المتقدمين لها يشترط عليهم أن يلبسوا الملابس الافرنجية.. وتعثرت فى القبول فلم أنجح فى امتحان كشف النظر – اذ توجد على عينى اليمنى سحابة مزمنة وذهبت الى دكتور أرمنى فى رشيد وبعد الكشف تقرر عمل نظارة .. وقبلت بعد ذلك تلميذا فى المدرسة .

وفى مدرسة ( البدل ) تعثرت فى النجاح فى مادة اللغة الانجليزية ورسبت فى السنة الثالثة وكان السبب الأساسى أن المدرس الذى بدأ يعلمنا هذه الغة فى السنة الأولى كان غير متخصص ولقد سبب لى ضعفى فى هذه اللغة متاعب كثيرة .. حتى أنه فى السنة الرابعة النهائية قام ناظر المدرسة بعمل امتحان فترة فى اللغة الانجليزية .. وبعد الامتحان كانت نتيجتى ثمانية من عشرة ولكن السيد الناظرفى هذه النتيجة لما يعرفه عنى وادعى أننى غششت من زميلى المجاور لى فى المنضدة .

ودعانى الى غرفته وأمرنى أن أخلع حذائى ليضربنى . وحاولت أن أقنعه بصحة اجابتى وأن أحدا لم يتعاون معى فى ذلك , ولكنه أصر على موقفه – وبعد حوار معه طلب منى من ألبس حذائى وصرفنى دون أية مناقشة ثم دعا والدى وعرض عليه الأمر . وأنبنى أمامه .

وفى أثناء احدى حصص الدراسة دخل السيد الناظر ( صلاح الدين الجارم رحمه الله ) وكتب على السبورة what is the meaning of the head master ? ثم سألنا عن معناها فقام أحد الطلاب وقال معناها – ناظر المدرسة . ولكنى رفعت أصبعى فتوهم الناظر بأنى سوف أجيب اجابة خطأ . فهش الناظر وأمسك بالخيرزانة وحركها استعدادا لضربى – وقال : " قولى يا سيسى " .

فقلت : " حضرة الناظر " . فضحك وخجل من الفصل .

وكنت فى مدرسة البدل كثير المرح واللعب – وقد انضمت الى بعض الأندية الرياضية لكرة القدم .. وبدأت فى تأليف الزجل .

وكان هناك رئيس لأحد النوادى المضادة – فكنت أقول له : " يا فلان يا أبو رجل مكعورة تضرب الكورة أدام ترجع ورا .. مالكش فى الكورة نصيب غير الفشخرة " .

وفى عام 1934 تقدمت لامتحان الشهادة الابتدائية .. وكانت لجنة الامتحان تعقد خارج رشيد فى مدرسة العباسية الثانوية فى محرم بك ( كلية العلون الآن ) بالأسكندرية .

وكان موضوع الانشاء , فى امتحان اللغة العربية ( أكتب خطابا تودع فيه ناظر المدرسة والمدرسين والطلاب ) وكنت قد ألقيت كلمة فى حفل المدرسة بانتهاء العام الدراسى شكرت فيها ناظر المدرسة الذى كان مثالا للقدوة الحسنة والاحترام من جميع الأهالى والتلاميذ .. فلقد كان أحدنا حين يرى ناظر المدرسة أو أحد المدرسين يقف له احتراما كما يقف الجندى لقائده – وشكرت الأساتذة الذين كانوا على مستوى كبير من أداء الواجب حتى انهم كانوا يعدون لنا دروسا خاصة بعد انتهاء موعد المدرسة الرسمى وأذكر منهم الأستاذ محمود أبو النجا مدرس اللغة العربية والذى أصبح فيما بعد أستاذا للغة العربية بكلية البوليس حيث اختاره الشاذلى باشا مدير مديرية البحيرة للتدريس معه فى الكلية .. فلقد كان الأستاذ محمود أبو النجا شاعرا مجيدا , كثيرا ما ألقى قصائد فى الاستقبالات الشعبية للشاذلى باشا – وكانت أكثر قصائده فى وصف رشيد وكذا الأستاذ حسن شهاب مدرس اللغة الانجليزية .. والذى كان له فضل كبير فى الحياة الاجتماعية فى رشيد .. والذى شارك بقصائده العصماء فى وصف أمجاد رشيد والمسمى الآن بشاعر رشيد .

وكذا الأستاذ الشيخ عبد القادر مدرس اللغة العربية الذى كان حريصا هلى أن ياخذنا الى مسجد المشيد بالنور ويعلمنا الوضوء عمليا ثم يعلمنا الصلاة ويؤمنا فى الفرائض .

أما الأستاذ على البهتيمى مدرس الجغرافيا .. فقد كان مثالا للهندام والنظافة والنظام وحسن الخلق .. وغيرهم كثير، وبهذا استطعت الاجابة على سؤال الانشاء بسهولة ويسر .

الى مدرسة محمد على الصناعية

وبعد أن نجحت فى الشهادة الابتدائية .. جاء دور اختيار نوع الدراسة – وقد كان ضعفى فى اللغة الانجليزية – يرهبنى من دخول المدارس الثانوية العامة ففضلت الالتحاق بمدرسة محمد على الصناعية التابعة لجمعية العروة الوثقى الخيرية الاسلامية بالأسكندرية بالشاطبى .

وتقدمت للمدرسة ورشحت فى قسم النجارة – وغضب والدى لهذا الاختيار حيث أنه يعمل نجارا .. وهو يريد لابنه مهنة أخرى والا فمحل الالنجارة أولى به .. فقمت بعمل بدل بينى وبين الأخ المهندس عبد السلام الفرارجى ودخلت قسم البرادة .

وسكنت مع زميلى فى المدرسة محمد بيومى الباسل فى حى كوم الدكة القريب من الشاطبى .

وكان صباح يوم الجمعة فى كل أسبوع هو موعد انتظارنا لقطار رشيد الذى يصل الأسكندرية فى التاسعة صباحا – حيث نتسلم التموين الأسبوعى من الأبونيه .. وكثيرا ما يكون وجبة طعام ساخنة وكمية من البيض والمسلى والجبن وخلافه .

ثم ننطلق للاستعداد لصلاة الجمعة التى كنا نفضل أن نصليها فى " مسجد الأرضى " بسوق الخيط حيث كان المرحوم الشيخ عبد الحفيظ الشناوى امام المسجد له جمهور كبير يأتيه من كل مكان .

وكانت مجلة الاسلام لصاحبها محمد عبد الرحمن هى المجلة التى كنا نحرص على شرائها أسبوعيا .. ولم تكن لنا هوايات أخرى سوى الفرجة فى شوارع وميادين الأسكندرية .

وفى المناسبات الاسلامية كالمواسم والأعياد كنا نسافر الى رشيد فنستقبل استقبالا حارا من الأهل والأقارب والجيران ونقضى الأيام بين الزملاء نتحدث عن مشاهدنا فى الأسكندرية .

دستور 1923

ولعل من أبرز الحوادث التى شغلتنا فى فترة الدراسة عام 1935 هى حوادث المظاهرات الصاخبة التى ملأت الجو السياسى فى جميع البلاد تطالب حكومة توفيق نسيم باشا باعادة دستور 1923 .. وقاد حزب الوفد جميع المظاهرات ضد الحكومة ووزير خارجية بريطانيا ( هور ) اذ كانت الهتافات كلها يسقط ( هور الطور ) وقد استشهد فى هذه الحركة طالبان من جامعة القاهرة هما عبد المجيد مرسي من الأسكندرية وعبد الحكم الجراحي من الأسكندرية وقامت مدرسة محمد على الصناعية بمظاهرات عنيفة ضد رجال الأمن وخاصة بوليس السوارى حيث كان الطلاب يصنعون النبل ويرمون به الخيل التى تنفرنفورا مزعجا وتلقى بالجندى من فوق ظهرها كما أحرق الطلاب بعض المدرجات .

وفة هذه الفترة مات أمين يحيى باشا من كبار رجال حزب الزفد – فخرجت مظاهرة بعد تشييع الجنازة تهتف (اشكو الظلم لسعد يا أمين ) وقام الطلاب بقذف البوليس بالحجارة .

ولقد كان ضباط البوليس وكذا ( النستبلات ) وأكثرهم من الإنجليز المحتلين يلبسون الطربوش مثل باقى البوليس المصرى .

وبعد أن طغت الأحداث أصدر الملك فؤاد قراره باعادة دستور 1923 وكان فرحة كبيرة فى أنحاء البلاد وعلى اثر اعادة الدستور – بدأت مرحلة معاهدة 1936 الشهيرة .

الاشتراك فى النوادى الرياضية

وفى الاجازة الصيفية يلقتى شباب رشيد فى هيئة نوادى رياضية حيث لم يكن بعد قد تعود الشباب على ارتياد المقاهى اذ كان ذلك يعتبر ( عيبا ) فى رشيد بل ان الشباب يندر تواجده فى مثل هذه الأماكن حياء وخجلا .

فكان نادى الطلبة الرياضى ورئيسه " عبد الكريم أبو السعدات " ونادى زغلول الرياضى ورئيسه " عباس شومان " ونادى رشيد الرياضى ورئيسه أحمد جاد الله " وكنت مشتركا فى نادى الطلبة ونادى زغلول .

وكانت مباريات تدعى لها بعض الفرق الرياضية من البلاد المجاورة وكنا تقطع الوقت فى اللعب حتى يضج أهلونا من غيابنا عن المنازل وتناول الطعام .

وبعد صلاة العصر .. نذهب الى ساحة رمال رشيد حيث يلتقى مئات من الأهالى يلعبون ويمرحون حتى اذا ارتفع أذان المغرب هرع هذا الحشد الكبير من رجال وشباب الى المساجد يؤدون الصلاة – ثم ينصرفون الى بيوتهم فى سلام .

انضمامى لجماعة الاخوان

توجهت الى مسجد " سيدى على المحلى " لأداء صلاة العصر .. وبعد الصلاة اقترب منى صديق هو ( محمود عبد الحليم ) (1) هو الأستاذ محمود عبد الحليم – عضو الهيئة التاسيسية للإخوان المسلمون وصاحب كتاب ( الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ) ابن الشيخ محمد عبد الحليم من أصحاب مدرسة عبد الحليم السابق ذكرها – وهو يومئذ طالب بكلية الزراعة بجامعة فؤاد _ جامعة القاهرة الآن ) وبدأ يتحدث معى فى الانضمام الى ( جمعية الاخوان المسلمون) وكانت هذه أول مرة أسمع فيها اسم الاخوان المسلمون.. وبعد أن اسهب فى شرح أغراض هذه الجمعية – قلت له : " ولكنى منضم لنوادى رياضية وهذا فيه الكفاية " .. فقال : " ان جمعية الاخوان لا تتعارض مع انضمامك لهذه النوادى فنشاط النوادى الرياضية يكون نهارا .. أما لقاؤنا يكون ليلا .. ودعانى لحضور اللقاء فى الجمعية التى كانت تقع خلف " مسجد فحيمة " وكان ذلك أول عام 1936 م .

وبعد صلاة المغرب توجهت الى مقر الجمعية – فوجدت أن عدد الأشخاص الموجودين لا يزيد على عدد أصابع اليد ووجدت غالبيتهم من العمال .. وجلست معهم لقراءة ورد يسمة المأثورات وظننت بالطبع أن الجمعية لا تخرج عن الطرق الصوفية المنتشرة فى رشيد .. والتى تجتمع فى البيوت خاصة مساء الخميس من كل أسبوع تقرأ الأوراد ودلائل الخيرات .. ولكنى بعدما انتهينا من قراءة المأثورات .. أخذ الأخ محمود عبد الحليم يحدثنا عن أغراض وأهداف الجمعية وأخذ يسرد علينا بعض أخلاق ومواقف رئيسها الذى كان يوصينا باللقاء فى اليوم التالى .

وفى كل يوم تتكرر الجلسة على النحو السابق مع زيادة فى شرح الأهداف مدعما بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم .. والقرآن الكريم .. وكان أبرز ما يشجعنى على مواصلة الحضور هو التعاطف والشعور بأننى موضع الاهتمام .. وأن لى صفة ولى أمل أكبر من الهيام بكرة القدم .. فضلا عن أن هذا المجتمع لا يتعامل بألفاض وأخلاق شباب النوادى .

ومع هذا كنت مواظبا على وجودى فى نادى الطلبة وأيضا نادى زغلول وحاولت أن أجذب بعض الشباب الى هذه الجمعية ولكن عاقنى أن الجمعية ليس بها مناضد أو كراسى أو مكاتب فكل أثاثها عبارة عن حصيرة ومنضدة مستديرة تشبه الطبلية ولمبة نمرة خمسة .. ومجموعة من الكتب وكتاب المأثورات .. وهذه الصورة المتواضعة جدا لا ترغب هذا النوع من الشباب .

وبينما نحن على هذه الصورة من القلة والفقر .. فقد كان اشتراك أحدنا الشهرى فى هذه الجمعية عشرة مليمات .. وكنا ندفع كل أسبوع خمسة مليمات لشراء ( مجلة الإخوان المسلمون) الأسبوعية .. كنا ننتظرها يوم الخميس من كل أسبوع فى مكتب البريد .

ونحن على هذه الحال .. اذا بالأستاذ أحمد السكري وكيل الاخوان المسلمونالعام ينقل من مدينة المحمودية سكرتيرا لمدرسة رشيد الابتدائية .. وزارنا فى الجمعية وتعجب لحالنا .. وطلب منا أن نبحث عن دار للجمعية أوسع من هذه وأن نشترى لها أثاثا مناسبا .. فلما شرحنا له ظروفنا المالية وأن هذا ليس فى طاقتنا – قال لنا – انه سوف يقوم بالدعوة الى الجمعية لزيادة الأعضاء وزيادة المالية .

وذهب الأستاذ السكرى يخطب فى المساجد ويشرح أهداف دعوة الاخوان المسلمونوخاصة فى خطب الجمعة .

ولقد كان الأستاذ أحمد السكري خطيبا مفوها مؤثرا يأخذ بالألباب ومجتمع القلوب – يحرك العواطف والمشاعر وله حنجرة صافية .

ولم تمض أسابيع حتى تقدم كثير من الناس للانضمام الى الجمعية وأستأجرنا دارا أخرى أوسع وأرحب فى منزل آل الجارم تزيد على الخمس حجرات ويقع أمامها فناء وأمام الفناء ميدان فسيح واشترينا بعض الكراسى ومكتبا ومنضدة للخطابة .. واشترينا قطعة من الجوخ الأخضر وطرزنا عليها ( الاخوان المسلمون– شعبة رشيد ) وتحتها هلال وفى وسطه مصحف – وهذا هو شعار الاخوان المسلمونفى هذا الوقت .

وكان الأمير عمر باشا طوسون فى زيارة لمدينة رشيد وذهب ليصلى الجمعة فى مسجد ( أبو مندور ) وهو مكان سياحى مشهور فى رشيد – وكان الأستاذ السكرى هو خطيب الجمعة – وبعد الصلاة – تقابل مع الأمير الذى تبرع لجمعية الاخوان بمجموعة من الكتب التاريخية – عن مصر والسودان – وكانت هذه الكتب هى باكورة عمل مكتبة فى الجمعية .

فى شعبة رشيد

تعود نادى الطلبة فى رشيد أن يقيم حفلا سنويا يدعو اليه الطلاب من أبناء رشيد – وأرسل النادى يدعو جمعية الاخوان لحضور مندوبين واشترط أن يكونوا من الطلاب .

ولكن الاستاذ أحمد السكري رفض الدعوة بهذا التخصيص وقال ان الاخوان لا يفرقون بين الطالب والعامل والموظف . فاذا قبلتمونا على هذا الشرط ... فسوف نستجيب لدعوتكم والا فاننا نعتذر عن الحضور .

وقد قبل النادى شرط الاخوان وحضر الحفل ثلاثة – طالب وعامل وموظف – وبهذا السلوك الاسلامة حطم الاخوان تقليدا جاهليا يفرق فيه أبناء رشيد بين العامل والطالب .. فلم يكن مقبولا ولا مستساغا أن يسير عامل مع طالب أو موظف فى بيئة رشيد – فجاء الاخوان ليزيلوا هذه التفرقة الطبقية بصورة عملية واقعية – فأنت حين تدخل دار الجمعية ترى الجميع متآلفين متعاطفين .

وبهذا الشعور ارتفعت روح العامل وهمته حتى صار أحرص الاخوان على نجاح هذه الدعوة التى تسامت به وقام الاخوان بفتح فصول لتعليم الأميين مبادىء القراءة والكتابة .. حتى يرتفعوا بهم الى المستوى الائق بالأخ المسلم .. وحتى يتيسر له أن يفهم عقيدته ورسالته .. وليستطيع بعد ذلك أن يبلغها للناس .

وبدأ الاخوان يحفظوننا نشيدا اسلاميا مطلعه :

يا رسول الله هل يرضيك أنا

اخوة فى الله للاسلام قمنا

ننفض اليوم غبار النوم عنا

لا نهاب الموت لا بل نتمنى

أن يرانا الله فى ساح الفدا

وبدأت أقصر فى الذهاب الى النوادى .. حيث أصبح وقتى مشغولا فى نشاط الجمعية المتنوع .. وبدأت أقطع وقتى من الصباح الى المساء فى حركة مستمرة .

بدأ أحد الاخوة الخطاطين واسمه ( محمد علبة ) يتطوع فى كتابة لافتات كبيرة عليها مبادىء الاخوان : الله غايتنا الرسول زعيمنا القرآن دستورنا الجهاد سبيلنا الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا . ونقوم نحن الشباب بتعليقها فى الميادين .

وبدأنا نفكر فى أعمال البر وخدمة المجتمع .. فجمعنا من أنفسنا ومن بعض رجال رشيد تبرعات بدعوة الفقراء على مائدة طعام بالجمعية .. ونجحت الفكرة نجاحا كبيرا .. مما أكسبنا حيوية ونشاطا وسعادة .

ولقد كنا نتمنى زيارة حسن البنا ورؤيته , فكم كانت القلوب تشتاق اليه .

وكان حضوره الى رشيد والتفاف القلوب حوله وحسن حديثه وسرعة بديهته وما تميز به من قوة ذاكرة ذا أثر كبير فى نفسى وتحدث فى الحفل اخوة كثر ولكن حديث الامام البنا كان له ميزة خاصة وتم فى هذا اليوم بعد نهاية الحفل تقديم البيعة من بعض الاخوة الذين تحدث اليهم حديثا خاصا بعد نهاية الحفل (1) راجع تفصيل ذلك فى كتابنا حسن البنا مواقف فى الدعوة والتربية ص 43-49 .

وكانت البيعة فى حدود " طاعة الله تعالى والبعد عن المعصية " وبعد فترة من التفاعل مع دعوة الاخوان والانشغال بها بدأ يتولد فى نفوسنا الاحساس بمشكلات الناس من حولنا , فقد وجدنا طبقة العمال تعيش راضية بالقليل من فتات أموال الأغنياء أصحاب مضارب الأرز .. كما وجدنا أن الفلاحين يبيعون ثمار أرضهم لأصحاب الوكالات بثمن بخس ويقوم تجار الجملة بتصديرها الى عموم البلاد بأثمان عالية .. وكذا الصيادين يستيقظون قبل الفجر وفى شدة البرد يجويون النيل والترع بحثا عن الأسماك والمئات من الصيادين الذين يعيشون على موسم السردين فقط وباقى العام يقترضون من " المعلمين " (2) هذا لقب يطلق فى مصر على كبار أرباب الحرف لحساب العام القادم .

لقد حز فى نفوسنا ألا يجد هؤلاء من يدافع عن حقوقهم .. ولقد أسررت بهذا المعنى الى زميلى فى الدراسة ( السيد عبد المحسن الدرديري ) أحد الاخوة معنا فى الجمعية , وبعد الاقتناع بضرورة العمل اتفقنا على عمل منشور ندعوا فيه أثرياء وتجار رشيد الى حسن معاملة العمال والفلاحين والصيادين وهى الطبقات التى تقوم عليها غالبية الشعب الرشيدى .. وعنوان هذا المنشور ( أحسنوا كما أحسن الله اليكم ) وقمنا بطبعه على البالوظة وبعد صلاة الفجر قمنا نحن الاثنين بلصقه على المحلات التجارية ونواصى الشوارع .. وفى الصباح قرأ الناس هذا المنشور وبدأنا نسمع التعليقات التى كانت فى مجموعها تشير الى اعجاب الناس بهذه اليقظة وضرب الناس أسداسا فى أخماس (1) تعبير يطلق على شدة التعجب .

متسائلين عن الذين أقدموا على هذا العمل الجرىء .

وسرعان ما تقدم أعيان رشيد وتجارها ببلاغات الى مأمور مركز بوليس رشيد يستنكرون هذه الحركة ويحذرون من خطورتها على الأمن .

وقام مأمور مركز رشيد باستدعاء الحاج محمود عبد الحليم الكبير رئيس جمعية الاخوان المسلمونوسأله عمن يكون قد قام بهذا العمل لكن الأخ محمود أكد له بكل صدق أن هذا العمل لا يمكن أن يكون من صنع أحد من جمعية الاخوان واقتنع المأمور بذلك .

ولكننى حين علمت بأمر استدعاء رئيس الجمعية قمت فى الحال بالقاء البالوظة وباقى المنشورات فى النيل , وحاول المأمور الاستدلال على الخط ولكن جميع المنشورات قد أصابتها الشمس فاضاعت معالم الخط تماما .

العودة للاسكندرية

وبعد انتهاء الاجازة عدت الى الأسكندرية وسكنت فى شارع الفردوس فى منزل الجيزى بك بجوار مسجد حجاج بمحرم بك .

وتوجهت فى الحال الى شارع البوصيرى حيث التقيت بالأخ عبد المنعم محمد الشربينى وعرفته بنفسى وسلمته خطاب فضيلة المرشد البنا فرحب بى أحسن ترحيب .. وعرفت منه أن الاخوان يلتقون عنده فى المنزل مرتين فى الأسبوع مساء الاثنين ومساء الخميس يتدارسون القرآن الكريم والسيرة النبوية ويقرأون القرآن الكريم والسيرة النبوية ويقرأون المأثورات .. وفى نفس المواعيد كنت وزميلى محمد الباسل نتوجه الى هناك – فعرفت منهم الأسماء اآتية : الأخ درويش البرجى , الأخ محمد شعبان , الأخ عبد الفتاح الشربيني والأخ حسين العقاد رجمه الله .

ولقد عرفت فيما بعد أن الأخ عبد المنعم الشربيني وشقيقه عبد الفتاح ووالدهم الحاج محمد الشربيني كانوا من الطريقة الحصافية التى انتمى اليها الأستاذ البنا يوما ما , وأنه استطاع بهذه الصلة أن يبشرهم بدعوته , واستمر اللقاء الأسبوعى فى منزل الأستاذ عبد المنعم لفترة طويلة .

الدعوة فى المدرسة

حين عدت الى المدرسة بعد الاجازة .. كان من الطبيعى أن أقوم بالدعوةالى رسالة جمعية الاخوان المسلمون.. ولكن كيف يتم ذلك – وجميع الطلاب ينتمون الى حزب الوفد الذى خرج بعد المظاهرات الأخيرة على قمة النصر وهو على أبواب القبض على مقاليد الأمور .

وكيف لى بالدعوة ولست على مستوى يمكننى من الحديث الى الطلاب وليس عندى رصيد من علم أو فقه أو دراية باسلوب الدعوة ومعرفة كاملة بمنهج دعوة الاخوان .

ولكنى أمام رغبتى الملحة فى أداء هذا الواجب وجدت أنه لا مفر من أن أحفظ بعض رسائل الأستاذ البنا ولم تكن قد تجاوزت رسالة دعوتنا .. فقمت بحفظها جيدا .

وفى فترة فسحة الغذاء أجلس فى فناء المدرسة على أحد الكراسى الكبيرة ومن حولى بعض الطلاب الذين تجاوبوا معنا وبعضهم من اخوانى فى رشيد .. ثم ابدأ الحديث فيتكاثر عدد الطلاب ثم أضطر للوقوف وأواصل الحديث .. والطلبة يواظبون كل يوم على الاستماع .. حتى صار لنا محبون من الأساتذة المدرسين أيضا .

وكان لزاما علينا أن نقوم بعملية تحريك للتفكير الاسلامى بالمدرسة حتى تجذب الأنظار للدعوة فكنا نكتب على السبورة فى كل فصل اعلانا :

هدية ممتازة لمن يجيب على هذا السؤال : مثلا

سؤال : اذكر التاريخ الهجرى اليوم .

فكانت الاجابات جهلا مطبقا للتاريخ فلا يعرف أحدهم أسماء الشهور العربية ولا يعرف تاريخ اليوم . ولقد كنا فى المدرسة الابتدائية يكتب المدرس التاريخ الهجرى والتاريخ الميلادى – وكانت هذه طريقة تذكر المسلم بالتاريخ الهجرى .

وكنا كل اسبوع نبتكر أسئلة جديدة ونقدم هدايا جديدة – مثل الكتب الاسلامية والكتب الدراسية والأدوات مثل المساطر والمثلثات وغيرها – واستطعنا بهذا الأسلوب أن نلفت أنظار اخواننا الطلاب الى البحث والسؤال خوفا من الاحراج لا بحثا عن الهدية .

دعوة لحضور محاضرة فى كنيسة

وذات يوم وزعت فى المدرسة دعوات مطبوعة لسماع محاضرة للشيخ ابراهيم منصور يلقيها فى كنيسة بجوار نقطة شريف بشارع فؤاد بالأسكندرية – وحين قرأنا الدعوة استنكرناها فكيف برجل شيخ مسلم يلقى محاضرة فى كنيسة ؟ وذهبت مع مجموعة من الاخوان بالمدرسة الى الكنيسة – وبعد أن أخذنا مجالسنا فى الصالة – عرفنا أن الدعوة فيها خدعة حيث أفهمونا بعد أن ناقشناهم وعرفنا أن المحاضر مسيحى أن المقصود بكلمة الشيخ هو الرجل الذى تجاوز الأربعين عاما وهذا اللقب يطلق على أمثاله كما يطلق على علماء الأزهر وخرجنا من الكنيسة بعد أن أصابنا الخجل والاحراج وتعلمنا درسا فى كيفية التبين .

قصة الأخ محمد صبحى هلال كان شابا مهذبا وسيما لا يختلط بأحد – طالبا معنا فى مدرسة محمد على – كان يستمع الى احاديثى ثم ينصرف ولا يحاول أن يرتبط بنا .. كنت كثيرا ما أترقب ذلك اليوم الذى نراه معنا .

وفى يوم حفل شعبة الباب الجديد وهى أول شعبة فى الأسكندرية بحضور الأستاذ عبد الحكيم عابدين فوجئت بالأخ محمد يصعد السلم فكانت فرحتى كبيرة .. وبعد المحاضرة اندمج فى مجتمعنا .. ثم اندفع وسافر الى القاهرة وقابل هناك الأستاذ المرشد الذى رحب به واختصه بعنايته ووثق صلاته بالاخوان فى القاهرة , ثم عاد الينا يحمل معه روحا جديدة وثابة وآمالا كبارا وشعورا يتدفق بالنشاط والحيوية وأخذ سبيله معنا فى نشر الدعوة بكل قوة .

وفى هذه الفترة كانت قد برزت مجموعة من الاخوان فى النشاط والعمل للدعوة ,أذكر منهم الاخوة مهندس عبد الحليم زكي , مهندس عبد الرؤوف شبايك , الأستاذ عبد الكريم محمد المصري , المهندس عبد السلام محمد الفرارجي , المهندس زكى منصور طبيخة , محمد بيومى الباسل , السيد المحسن الدرديري– والجميع من رشيد ما عدا الأول .

شعبتى غربال والقبارى

وكان أحد الاخوان ويعمل كاتبا فى أحد المطاحن واسمه عبد الرازق حمد قد تحمس للدعوة ولما لم يكن لنا فى الأسكندرية دار بعد , فقد علق على احدى نوافذ مسكنه فى حى غربال بالأسكندرية لافتة كتب عليها ( شعبة الاخوان فى غربال ) ولما كان مسكنه هو عبارة عن هذه الحجرة فقط تعذر علينا اللقاء فيها .

لهذا فقد فكرنا فى ايجار شقة متواضعة فى حى الباب الجديد بشارع متفرع من شارع عمر بن الخطاب .

وهى عبارة عن حجرتين بدون بلاط والسلم الموصل الى الشقة بدون بلاط كذلك , واشترينا عددا من الكراسى القش ومكتبا بسيطا وأرسلنا الى فضيلة المرشد كى يرسل لنا مندوبا لافتتاح هذه الشعبة .. فأوفد لنا الأخ الأستاذ عبد الحكيم عابدين رحمه الله الذى كان طالبا فى كلية الآداب جامعة فؤاد , وقمنا بعمل الدعاية اللازمة لهذا الحفل وحضره أكثر من ثلاثين شخصا .

ثم فى اليوم التالى دعت جمعية أنصار السنة المحمدية الأستاذ عابدين لالقاء محاضرة فى دارها القريبة من الشعبة .. وبدأنا

(الصورة قد جمعت بعض الاخوة من اليمين : الاستاذ محمد الفولي المحامى – الاستاذ محمود كامل – الاستاذ درويش البرجي الذى يظهر وجهه – الاستاذ الدكتور مصطفى عبد الله رئيس الاخوان عام 51 – المهندس محمد القراقصي – الاستاذ مختار عبد العليم– خلفه الاستاذ محمود الشربيني – عميد مساعد معهد الخدمة الاجتماعية بالإسكندرية – الدكتور عبده محمد سلام وزير الصحة فى عهد عبد الناصر خلفه المهندس محمد شرف الدين – الاستاذ مصطفى خضر المحامى – خلفه محمد رشاد عبد العزيز ( شاعر الاخوان ) ثم الاستاذ محمد عبد الفتاح جميعي رئيس الاخوان (أول رئيس للاخوان بالأسكندرية ) خلفه الاستاذ على طمان المحامى ثم الاستاذ شمس الدين الشناوي المحامى بالقاهرة – خلفه بنظارة الاستاذ محمد شعبان وبجواره الاستاذ عبد المنعم الشربيني والاستاذ حسين فهمي المدرس بمدرسة محمد على الصناعية – ثم الاستاذ محمد الميلادي المحامى الذى يمسك بطربوش – ويقف فى الخلف الأخ محمد حنفي – والأخ الاستاذ أحمد عبد الباري معاون محطة سكة حديد اسكندرية . ) الحفل بنشيد الاخوان المسلمون( يا رسول الله هلى يرضيك أنا اخوة فى الله للاسلام قمنا ) ولكن أعضاء أنصار السنة احتجوا على هذا النشيد حيث قالوا أنه بدأ بيارسول الله وهذا مخالف لفهمهم لأصول العقيدة .

وقد صحبت الأستاذ عبد الحكيم عابدين فى زيارته وخطبه فى عدة مساجد بمدينة الأسكندرية فقد كان ينزل ضيفا فى منزلى .

وقد أهدانى فى زيارته ديوانه ( البواكير ) .

وذات صباح بعد صلاة الفجر ذهبت لأشترى طعام الافطار – فلم أجد محلا لمسلم أو مصرى كى أشترى منه , حيث كان أكثر البقالين من الأرمن الأجانب .

وقد شكوت هذا الاستاذ عابدين فنصحنى أنه يجب ان نشترى كل متطلباتنا من المسلمين .

فلما قلت له ان المسلمين غير حريصين على النظافة والنظام قال مهمتنا أن نرشدهم الى هذه الصفات ما أمكن .

وعدم شرائنا منهم هو سبب بقائهم على هذا الحال من الفقر والجهل بشئون التعامل والدين النصيحة .

وفى هذه الفترة قام الأخ محمود السعدني باستئجار مدرسة أهلية بالقرب من مسجد القبارى وكنا نلتقى فيها مساء كل يوم خميس ويحاضرنا أحد الاخوة .. ومن الطريف أننا كنا نفضل السير على الأقدام من محرد بك الى مقر الشعبة فى القبارى والعودة بنفس الطريقة حيث كنا نشعر بسعادة كبيرة فى تلازمنا معا فى الذهاب والاياب .

وكان زادنا فى هذه الأيام هى تلك المحاضرات وتلك الرحلات وانتظار مجلة الإخوان المسلمونبفارغ الصبر .

والدروس التى نسعى اليها فى مسجد الأراضى بالمنشية ثم هذه اللقاءات الحارة بيننا وبين اخواننا فى منزل آل الشربينى برأس التين وفى شعبة الباب الجديد .

رشيد والصوفية

عدت الى رشيد هذا العام وقد ازداد نشاط الاخوان ازديادا ملحوظا , فقد كونوا فريقا للجوالة يقوم بالتدريب فى المنطقة الرملية , ويحفظ الأناشيد ويقوم بالرحلات , فلأول مرة نقوم برحلة سيرا على الأقدان من رشيد الى مدينة ادكو , وهناك استقبلنا بعض الاخوان على رأسهم الأستاذ محمد زيتون شاعر ادكو ومؤلف كتاب ادكو : ماضيها وحاضرها ومستقبلها رحمه الله تعالى , ولأول مرة أيضا يفكر الاخوان فى رشيد فى عمل دراسات اسلامية وجلسات لحفظ القرآن الكريم .. ومدرسة للتدريب على الخطابة .

وتوجهت قبل صلاة العشاء الى دار الشعبة فقابلنى الأخ محمود عبد الحليم وأعطانى رسالة مكتوبة وطلب منى أن أذهب الى مسجد المحلى وأقوم بالقاء ما بها على الناس بعد صلاة العشاء , ولما كان الوقت ضيقا فقد أسرعت الخطى الى المسجد وانتظمت فى صفوف المصلين وبعد أن سلم الامام قمت واقفا بين المصلين وقرأت ما جاء بالرسالة بصوت عال ومسموع للجميع .. وقبل أن أختم كلمتى شعرت بالقوم يتناقشون بشدة وعنف .. ثم تعالت الأصوات وتركت المسجد والناس فى حالة هياج يبحثون عنى ولكنى ذهبت الى دار الشعبة .. وقد تنبهت الى أننى دخلت الصلاة بلا وضوء .. فكان لزاما على أن أتوضأ وألحق بالاخوان الذيم لا يزالون فى الصلاة بالشعبة ,, وخرج الناس من المسجد يتناقشون فى الأمر الذىأثارته هذه الرسالة .

وذهبوا يبحثون عن والدى الحاج حسن السيسي وحمه الله ليشكونى اليه .. ولما بلغه ما حدث منى أسرع يبحث عنى فى دار الشعبة وأشد ما أدهشه أن وجدنى أقف فى الصلاة , فداخله الشك كيف يقولون له أننى كنت أصلى العشاء فى مسجد المحلى بينما أنا أصلى العشاء فى الشعبة , فعاد حيث كان دون أية اثارة وكلما حدثه أحد فيما حدث فى مسجد المحلى كذبه .

وموضوع الكلمة التى ألقيتها فى المسجد تتلخص أنه فى الموسم التجارى برشيد حيث يتواجد السردين والأرز وجميع أنواع الموالح – فى هذه الشهور التى تعرف عندنا بشهور الفيضان – فيضان النيل فيما مضى قبل عام 1960 – وفيها يفد الى رشيد بعض من أرباب الطرق الصوفية يغتنمون هذه المواسم فى الضحك على البلهاء من الناس فى جمع العادة السنوية من هذه الخيرات – ويبدأ هؤلاء فى التمويه على البسطاء .

فيدعون الفقراء من الرجال والنساء لحلقات ذكر داخل المسجد فيختلط الحابل بالنابل وتدخل النساء دون فقه لأمور دينهن وبهذا تنتهك حرمات الله تعالى .

فكانت الكلمة تنهى عن وجود النساء فى المساجد بهذه الصورة وتحذر هؤلاء الدجالين الذين يشوهون صورة الاسلام والمسلمين .

وبعد أن القيت كلمتى اختلف المستمعون بين مؤيد ومعارض – فحدثت هذه الضجة .

والعجيب أنه بعد أن افتقرت رشيد الى الموارد السابقة بفعل السد العالى وانحسار ماء الفيضان عنها لا ترى ولا تسمع عن أى شيخ طريق صوفية يشرفنا فى رشيد الا من بقى على صلة بالعادة المعتادة من كل عام اذا وجدت .

معسكر الدخيلة والصاغ محمود لبيب

فى عام 1937 أقام الاخوان المسلمونمعسكرا صيفيا للجوالة بمنطقة الدخيلة بالأسكندرية دعى اليه وفود شعب الاخوان بالأقاليم – وحضر فضيلة المرشد العام هذا المعسكربصفة مستمرة – حيث كان الغرض منه أن يكون معهدا لتدريب الاخوان رياضيا وعقائديا .

وكان المعسكر مزيجا من كل الطبقات وكل البلاد وكل الثقافات .

وبينما كان " الأخ زكى طبيخة" من فريق الجوالة يركب ترام مدينة الأسكندرية فى طريقه الى معسكر الاخوان الصيفى بالدخيلة وعلى كتفه شعار مكتوب عليه ( جوالة الاخوان المسلمون) اذ تقدم اليه أحد الركاب وسأله عن ( الاخوان المسلمون) ,أين يوجدون – فأخبره الأخ بأن لهم معسكرا بالدخيلة – فرغب الرجل أن يذهب معه لمقابلتهم , فاصطحبه الأخ الى المعسكر وفوجىء الرجل بهذا الخليط من الناس , واستقبله الاخوان وقدموه الى فضيلة المرشد العام , وجلس الرجل يناقش ويستمع ويرى نشاط الاخوان واخوتهم ومحبتهم لأستاذهم .. حتى اذا شرح الله صدره بدأ يعرف نفسه للاستاذ المرشد فهو الصاغ " محمود لبيب "(1) الصاغ محمود لبيب شارك مع الفريق عزيز المصري وعبد الرحمن عزام باشا فى حرب ليبيا بقيادةالشهيد عمر المختار ضد الغزو الايطالى وكتب عن ذلك كتابه المشهور ( حماة السلوم ) قصة دعوةعلى باشا ماهر الاستاذ البنا لصلاة الجمعة فى مسجد سيدى جابر بالأسكندرية .

العضو البارز فى الحزب الوطني وزميل الزعيم محمد فريد فى منفاه والذى شاركه محنة المنفى خارج البلاد حتى قضى نحبه ثم صدر عفو من الملك فؤاد وعاد الى مصر مرة أخرى .. وهو يواصل العمل الجاد فى سبيل تحرير وادى النيل من براثن الاستعمار .. ولهذا فقد فكر فى أن يدعو الى مبادىء الحزب الوطني عن طريق تكوين ناد رياضى اتخذ له مقرا فى شقة فى عمارة ماجستيك بالمنشية ووضع عليها لافتة باسم هذا النادى .

ولكنه بعد أن قابل فضيلة المرشد واقتنع بفكره ومنهجه ورسالته فانه أعلن تنازله عن هذه الشقة ليرفع عليها لافتة" الاخوان المسلمونبالأسكندرية "ومنذ هذه اللحظة أصبح للإخوان المسلمون فى الأسكندرية دارا فى أكبر الميادين .

وخرج الصاغ محمود لبيب من معسكر الاخوان وعاد بعد ساعات ومعه هدية للاخوان من الأرز والخضروات واللحوم والفاكهة .

ومعروف عندنا فى مدينة رشيد أن الصاغ محمود لبيب رحمه الله كان ضابطا بقسم سواحل رشيد وعرف عنه الشجاعة والمروءة والاحسان الى الناس ولا تزال ذكراه حيةعند الذين عاصروه .

وشاء الله تعالى أن يكون الصاغ محمود لبيب هو الوكيل العام للإخوان المسلمون لشئون الجوالة والأمور العسكرية والذى سوف تقرأ عنه بعد ذلك الكثير من الصفحات رحمه الله .

شارة الاخوان المسلمون

بدأت شارة الاخوان أول ما بدأت فى الإسماعيلية عبارة عن وشاح أخضر يلبس من أعلى الكتف الى الوسط مكتوبا عليه اسم " الاخوان المسلمون" ثم أصبح بعد ذلك " هلال وفىوسطه مصحف " ثم بعد ذلك صار الى " سيفين وبينهما مصحف " وفى عام 1937 وانا طالب بمدرسةمحمد على الصناعيةبالسنة الثالثة قسم البرادة كان مدرسى وهو حسن أفندى محمد اسماعيل قد انضم الىالاخوان المسلمونوقام بعمل نموذج من النحاس لشارة الاخوان المسلمون كنا نعلقه فى فتحة الجاكيت " سيفين وبينهما مصحف " وبعد ذلك أرسلنا هذا النموذج الى فضيلة المرشد العام فأعجب به ولم تمض شهور حتى ابتكر الاخوان الشارة التى انتشرت بينهم وهذا خلاف شارة أخرى كانت تعطى للاخوان الذين يبايعون فضيلى الاستاذ المرشد وهى عبارة عن خاتم منالفضة له عشرة أضلع وهى أركان البيعة مكتوب على الخاتم الاخوان المسلمون.

دبلوم المدارس الصناعية الابتدائية

فى نهاية عام 1937 حصلت على دبلوم المدارس الصناعية الابتدائية من الدرجة الأولى دور ثان حيث رسبت فى اللغة الانجليزية كعادتى :

وكان أمامى اتجاهين : الاتجاه الأول هو التحاقى بمدرسة الفنون والصناعات ومدة الدراسة فيها ثلاث سنوات ويتخرج فيها الطالب على درجة مهندس وسيكون التحاقى بها بالمجان وبلا مصاريف , حيث أنى حاصل على دبلوم الدرجة الأولى ولكن يلزم فى هذه الحالة اتقان اللغة الانجليزية .

والاتجاه الثانى وهو : التحاقى بالقسم الثانوى الصناعى ومدته سنتان ويتخصص فيه الطالب فى مادته برادة أو خراطة أو سباكة أو حدادة أو كهرباء .

وقد رجحت الاتجاه الثانى وتخصصت فى البرادة . وكان مدرسى هو المرحوم الاستاذ حسن اسماعيل الذى سبق أن ذكرت أنه صمم شارة الإخوان المسلمين .

كان هذا بعد توقيع معاهدة سنة 1936 حيث تم بعدها الغاء الامتيازات الأجنبية وكان الاخوان يرون هذه خطوة ولكن منطلقهم هو تطبيق الشريعة الاسلامية ولقد أرسل الاخوان بهذا الى رئيس مجلس الوزراء المصرى الذى سخر من مطالبتهم بتطبيق الشريعة الاسلامية .

نشرهذا الخطاب المفتوح بجريدة النذير كما كتب الأستاذ البنا فى مجلة النذير العدد العاشر 5 جمادى ثانى 1357 هجرية السنة الأولى رسالة بعنوان الاخوان بين السياسة والذين أهو تدخل حزبى أم قيام بواجب اسلامى ؟ أيها الناس تجردوا عن الغاية وافهموا الأمور على وجهها .

زيارة الاسطول البريطانى

قامت المدرسة باعداد رحلة لزيارة الاسطول البريطانى فى مرساه بجمرك الأسكندرية .

وكنت أحد هؤلاء الطلاب الذين اشركوا فى هذه الرحلة , وكانت أهم مشاهداتى هى رؤيتى لحاملة طائرات تربض على سطحها عدة طائرات حربية .

وأعتقد أن الغرض من السماح لنا بالزيارة هو اشعارنا بقوة جيش العدوواستعداده الذى يرهبوننا به .

قصة نجاحى فى دبلوم المدارس الصناعية الابتدائية

للامتحان النهائى لدبلوم المدارس الصناعية الابتدائية عام 1937 بعد حصولى على الشهادة لابتدائية بثلاث سنوات ..

وحين أعلن عن موعد ظهور نتيجة الامتحان توجهت لشراء الجرائد التى كان يعلن فيها أرقام وأسماء الناجحين . توجهت بقلب واجف ودعاء ورجاء أن أكون من الناجحين ..

فوصلت وتلهفت وجميع الزملاء الذين بكروا فى الحضور وفتحت الصحف وكل واحد يكاد يلتهم السطور باحثا عن رقمه واسمه .

وفوجئت بالسطور خالية من اسمى وشعرت بالحزن وأصابنى الصمت ووجهت وجهى للعودة الى المنزل .. ولكن أحد الزملاء المستظرفين تهكم على بأسلوب ساخر وقال لى : ( اذا لم تكن قد وجدت اسمك ورقمك فابحث عنه فى ورقة يانصيب ) وتأملت لهذه السخرية التى أصابت منى موجعا .

وأخذت تاجريدة وانصرفت .. واذا بصوت أوأصوات عالية تنادينى من بعيد ( مبارك لقد نجحت فى الامتحان من الدرجة الأولى )

وظننت أن الامر لا يزال من باب السخرية , ولكن أحد الزملاء قدم الى الجريدة تحت عنوان ( الناجحون من الدرجة الأولى ) وكان من الاسماء ( عباس حسن السيسى) وكان الزميل الذى بدأ بالاستهزاء يسمع بأذنيه وهو فى خجل شديد .

ولم أوجه له أى عتاب فقد كان ما حدث فيه الكفاية .

مظاهرات من أجل فلسطين

فى 2 جمادى الثانية عام 1357 هجرية أى خلال عام 1938 م قامت فى فلسطين ثورة مسلحة ضد اليهود وضد جنود الاحتلال البريطانى , كان قد شغل فتيلها الشهيد الشيخ عز الدين القسام الذى جند جيشا اسلاميا قويا واجه به عصابات اليهود وجنود الانجليز .. وكان على رأس الثورة سماحة محمد أمين الحسيني مفتى القدس الذى استطاع الخروج من فلسطين متخفيا بعد أن قررت انجلترا القبض عليه لمحاكمته , واشتدت الثورة وذاع صيتها فى أنحاء العالم .. وبينما كان رئيس حكومة مصر فى طؤيقه الى فرنسا سأله بعض مراسلى الصحف الأجنبية عن رأيه فى الثورة المشتعلة فى فلسطين وبيت المقدس فأجاب بقوله : " أنا رئيس وزراء ولست رئيسا لوزراء فلسطين " ونشرت جميع وكالات الأنباء هذا التصريح وأثار ضجة بل ثورة فى أنحاء العالم العربى والاسلامى , واحتجت الصحافة العربية والجمعيات الاسلامية لخطورة هذا التصريح المنافى للوحدة والاخوة والتضامن ووحدة الجهاد المشترك ضد ( سماحة المفتى أمين الحسينى – عن يمينه المهندس محمد القراقصي – عن يساره الأستاذ أمين مرعي رئيس الاخوان بالأسكندرية – الاستاذ محمد مختار عبد العليمالمحامى – الاستاذ مصطفى خضر المحامى – الاستاذ محمود عبد السلام (جوال) – الاستاذ عادل بهجت . ) قوى اليهود والاستعمار .

وعلى ضوء هذا التصريح الخطير أصدر حسن البنا تعليماته لجميع شعب الاخوان المسلمونبعمل مظاهرات احتجاجا على ما تضمنه هذا التصريح الذى يضعف من موقف المجاهدين الفلسطينيين ويباعد بينهم وبين اخوانهم العرب والمسلمين فى كل مكان .

واتفق الاخوان فى رشيد على أن يخرجوا بمظاهرة من مسجد " المحلى " لمناصرة قضية فلسطين والاحتجاج على تصريح رئيس الحكومة , كما قاموا بعمل لوحة من الصاج المفرغ مكتوب فيها ( فلسطين تحترق فتنبهوا أيها المسلمون ) .

وكان الاخوان بكتابتها على الحوائط والأماكن البارزة فى المدينة , وبعد صلاة الجمعة خرجت المظاهرة من مسجد المحلى يتقدمها على الاخوان المسلمون, والمتظاهرون يهتفون ( فلسطين عربية اسلامية ) ( شلت أيدى غاصبيك يا قدس ) ( تسقط بريطانيا حليفة اليهود ويسقط وعد بلفور ) ( الدمار لأعداء الاسلام ) وبينما المظاهرة تسير فى الشارع الرئيسى اذ برجال البوليس يقبضون على بعض الاخوة ويدخلونهم سيارة البوليس ولا يزال الاخوان يهتفون ولا يفكر أحد منهم فى الانسحاب .. بل ان بعضهم ركب سيارة البوليس وهو يهتف فلسطين عربية اسلامية , وتم القبض على حوالى عشرة من شباب الاخوان وأودعوا حجرة الحجز بقسم الشرطة .. وهاجت رشيد لهذا المشهد ولكن البوليس استطاع أن يفرق المظاهرة .

وكنت أحد هؤلاء الاخوة المقبوض عليهم , ودخلت معهم ولأول مرة ما يسمى حجرة الحجز تحت التحقيق وراعنى منظر هؤلاء المحبوسين قبلنا , الحجرة ليس بها منافذ سوى سباك مغلق بسلك لا يكاد يمر منه الهواء .. كلهم عرايا الا قطعة من القماش تستر عوراتهم وحين رأينا هذه المناظر صدمنا صدمة عنيفة , والتففنا حول أنفسنا كما يلتف الأطفال حول أمهاتهم .

وفى المساء جىء لكل واحد منا بغطاء من منزله وكذا أطعمة وبعض الملابس .. وفى الصباح علمنا أن النيابة قد أصدرت أوامرها بتفتيش منازلنا .. وقامت فعلا باجراء التفتيش وكان هذا الاجراء من أشد الأمور قسوة على نفوس أهلينا ..

وبعد العاشرة من صباح اليوم التالى استعدينا فردا فردا – لتحقيق النيابة – وقد أجرى هذا التحقيق فى مكتب مأمور المركز بينما كان الأمر القانونى أن يجرى فى سراى المحكمة وفى حجرة وكيل النائب العام .

الأخ مرسى الصوت – صياد –
  • النائب : مالك ومال فلسطين دى دولة واحنا دولة ؟
مرسى الصوت : فلسطين دولة عربية ومسلمين وتربطنا بهم صلة الجوار , وصلة الاسلام والقرآن يقول لنا " انما المؤمنون اخوة "
  • النائب : لكن انت صياد ومالك تدخل فى صفوف الطلبة .
مرسى الصوت : ليس فى الاسلام عالم وطالب كلنا فى الاسلام اخوان مسلمون ولا فضل لعربى على أعجمى الا بالتقوى .

يستدعى الأخ محمود القباني – طالب .

  • النائب : من الذى أصدر اليك الأمر بعمل مظاهرة لفلسطين ؟
محمود القباني : الاسلام يأمرنا بالتعاون والتساند ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول لنا : " من لن يهتم بأمر المسلمين فليس منهم "
  • النائب : ولكن فلسطين دولة غير دولتنا ولا يعنينا أمرها .
محمود القباني : فلسطين جارة لنا وهى أقرب لنا من أسوان ولابد من الاهتمام بأمر الجار خوفا من أن يجاورنا اليهود الذين حذرنا الله منهم .

النائب : يستدعى عباس السيسي – طالب

  • النائب : لماذا قمتم بهذه المظاهرة ؟
عباس السيس : قمنا بهذه المظاهرة تأييدا لكفاح شعب فلسطين المسلم حيث ان عقيدة المسلم تفرض عليه مساعدة أخيه المسلم اينما كان .

وطنى الاسلام لا افدى سواه

وبنوه أين كانوا اخوتى

مصر والشام ونجد ورباه

مع بغداد جميعا امتى

ولست أرى غير الاسلام لى وطنا الشام فيه ووادى النيل سيان

وكلما ذكر اسم الله فى بلد

عددت أرجاءه من لب أوطانى

وهنا تعجب وكيل النيابة وحدث زملاءه بأن هذا الشاب عقله ملخبط – وأن العقلية التى تسيطر عليهم خطيرة . وبعد التحقيق مع باقى الاخوة أمر وكيل النيابة باعادتنا الى السجن ولم يصدر أوامره بالافراج عنا .. وقد مكثنا على هذا الحال ثلاثة أيام حتى تقررت لنا جلسة فى المحكمة .

وفى صباح يوم السبت 10 جمادى الثانية سنة 1357 هجرية عرضنا على المحكمة , أخرجونا من الحجز ووضعوا فى أيدينا القيود الحديدية وساقونا مشيا على الأقدام الى سراى المحكمة والناس جميعا مصطفون على جانبى الطريق يتفرجون علينا ,وأمام القاضى ترافع كثير من المحامين الذين تطوعوا للدفاع عنا , وكان الجمهور الموجود بالقاعة كبيرا ومتحمسا .. وبعد المداولة صدر حكم المحكمة بغرامة كل واحد منا بمبلغ جنيه مصرى واحد . فقام أقاربنا بدفع المبلغ وأفرج عنا فى الحال .

ومما هو جدير بالذكر أنه بعد عدة شهور صدر قرار بايقاف التنفيذ وردت الينا القيمة التى دفعناها .

وبعد أن افرج عنى من المحكمة كان والدى قد أقسم أن لا أعود الى المنزل حيث أنه قد أهينت كرامته يوم دخل ضباط البوليس مع النيابة وقاموا بنفتيش المنزل وهذه أول مرة تحدث للعائلة .. ولم أجد بدا من أن أتخذ من دار شعبة الاخوان المسلمونلى ملجأ ومنزلا حتى يفتح الله بينى وبين أبى بالحق , وقامت والدتى رحمها الله بارسال سرير ومرتبة دون أن يعلم والدى بذلك ومكثت فى دار الشعبة حوالى أسبوعين حتى جاء عمى وخالى رحمهما الله وطلبا منى أن أذهب معهما الى دكان والدى .. حتى أصطلح معه , ورجوانى أنه اذا قال لى والدى لا تذهب بعد الآن الى دار جمعية الاخوان فقل له حاضر سوف لا أذهب بعد الآن الى دار الشعبة .

وذهبت معهما الى دكان والدى – ووجدته يجلس مع أحد أصدقائه – فلما وقفت أمامه ومعى عمى وخالى نظر الى بغضب وقال لى : اذا كنت عاوز تبقى ابنى فأول شرط أنك لا تذهب الى هذه الجمعية مرة أخرى وكفاية بهدلة ايه رأيك ؟ فسكت عن الكلام لحظة .. ثم انفجرت فى غضب وقلت له : أنا لا يمكن أترك الجمعية أبدا وتركتهم جميعا وعدت أجرى الى دار الاخوان مرة ثانية والجميع مبهوتون وفى دهشة .

وقد علمت بع ذلك أن عمى وخالى والذين حضروا هذه المناقشة انقلبوا على والدى وقالوا له ان ابنك لم يفعل جريمةولم يأت بمنكر وانه فى الجمعية يصلى ويتعلم الاسلام فكيف تنهاه عن ذلك واستطاعوا أن يقنعوه أو يسكتوه على الأقل وجاء عمى رحمه الله وأخذنى من الشعبة بيده وذهب بى الى المنزل واستقبلتنى والدتى أحسن استقبال .

ولم أكن أتصور أننى سأقف من والدى هذا الموقف فربما منت مقتنعا عقليا بالاستجابة لرغبته مؤقتا حتى تهدأ نفسه ثم أعود الى الشعبة مرة أخرى .. ولكن الذى حدث أننى فوجئت بأنه يتهم الاخوان بما ليس فيهم واعتبر أن دعوة الاخوان هى موضع الاتهام أصررت على العودة والبقاء فى الشعبة .

ومن يدرى لو أننى استجبت لطلب والى من باب المجاملة أن أتمادى فى هذا الطريق ولا أعود الى الاخوان ويتغير منهج حياتى تماما عن منهجى الآن .

ان الاستمساك بالحق بكل قوة هو النجاة من الانحراف حين يرضى الانسان بالموافقة على بعض الأمر ثم يتسلسل فيضيع كل الأمر .

وكما حدث فى رشيد حدث فى بلاد أخرى وقبض على كثير من الاخوان فى القاهرة والأقاليم وقد ذهب الأستاذ لزيارة الاخوان المقبوض عليهم فى قسم شرطة دمنهور ليقوى من عزمهم , فقال له مأمور القسم يجامله ان المسألة بسيطة وقريبا سوف تفرج عنهم النيابة ,فقال له الأستاذ المرشد : ان هذه اول دفعة وسوف تأتيك دفعات أخرى ما بقى حال البلاد الاسلامية على هذا المنوال , فكل هذا بالنسبة لنا تربية .. ثم شكر المأمور على حسن معاملته للاخوان .

وقد أفرج عن جميع الاخوان فى جميع البلاد مثلما أفرج عنا فى رشيد ولقد حدثنا الأستاذ أنه عقب قيام هذه المظاهرات .. أخطر وزارة الداخلية وزير التعليم بأن الذى مر بخروج هذه المظاهرات فى جميع أنحاء البلاد مدرس ابتدائى يدعى حسن البنا ضمن مدرسى وزارة التربية والتعليم ( وزارة المعارف كما يطلق عليها من قبل ) وقد تعجب الوزير كيف أن مدرسا بسيطا يكون له هذا السلطان ؟ كما حدثنا أنه حين دعى للتحقيق معه فى دار النيابة العامة بالقاهرة بشأن هذه المظاهرات – وكان ذلك فى شهر رمضان والناس صيام , اذ قابله أحد المحامين قبل دخوله مكتب النائب العام وعرض عليه أن يدخل معه فى التحقيق ولكن الستاذ المرشد لاحظ أن المحامى المسلم بيده سيجارة .. فقال له الأستاذ المرشد : ( نحن لا نستعين بمن يعصى الله تعالى فى العمل لطاعته ) وخجل المحامى وانصرف وكانت هذه المظاهرات هى أول عمل جماعى تظهر به جمعية الاخوان وأقول جمعية الاخوان لأنه لا تزال جماعة الاخوان الى هذا الوقت تطلق على نفسها جمعية .. كما يذكر ذلك فى أناشيدها :

أيقظت جمعية الاخوان فينا

روح آباء كرام فاتحينا

فاستجبنا للمعالى ثائرينا

وتسابقنا الى حمل اللواء

الأستاذ محمود أبو السعود

وفى عام 1938 وصل الى الأسكندرية شاب من شباب الاخوان موظف فى الغرفة التجارية بالأسكندرية وقد اتخذ له مسكنا فى حى الأزاريطة وبتواجده معنا بدأ يفكر فى النهوض بفريق الجوالة وتولى هو هذا الأمر فأولاه عناية كبيرة ثم أقام معسكرا كشفيا فى الأرض الفضاء فى مواجهة كلية سان مارك اذ كانت فى هذا الوقت أرضا فضاء بدون مبان .

وكان المعسكر عبارة عن أربعة خيام فقط وكان له برنامج توبوى رياضى واستمر ثلاثة ايام فقط ثم بدأت الجوالة تنوع نشاطها حتى قمنا برحلات الى أبى قير ورشيد وضواحى الأسكندرية .

كما أن كثيرا من الاخوةبالقاهرة والأقاليم كانو يزوروننا محبة لله تعالى , أذكر منهم المهندس عبد الفتاح البساطي والأخ على أبو شعيشع والشيخ عبد المعز عبد الستار والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي والأستاذ الفضيل الورتلاني الزعيم الجزائرى والشيخ عبد المعطى بهجت .

وذات مرة كنا نسير فى شارع شريف ( صلاح سالم حاليا ) فتمنيت من الله أن يأتى ذلك اليوم الذى يكون طول طابور الجوالة من أول شارع شريف حتى ميدان المنشية , ولم تمض سنين حتى بلغ طابور الجوالة ضعف بل أضعاف ما تمنيت والله الفضل والمنة ..

الطالب عبد المنعم صادق مرسى القزق

وفى عام 1938 انتقلت للسكن فى شارع الفردوس فى منزل آخر وزاملنى فى هذا المسكن الاخوة السيد عبد المحسن الدرديري وعبد المنعم صادق القزق الذى كان طالبا بالمدرسة العباسية الثانوية حينذاك .

ولقد زاملت عبد المنعم حينما كنا طلبة فى مدرسة رشيد الابتدائية وكنت أصطحبه كل يوم من منزله الذى يلاصق الكنيسة بشارع الجيش الى المدرسة , فكانت تربطنى به علاقة زمالة منذ الصغر .. ولما كانت معاملات عبد المنعم على مستوى كبير من حسن الخلق فضلا عما وهبه الله من حسن الصورة وبهاء الروح .. فقد أحببته كثيرا وكنت أشعر نحوه بعاطفة من الحب المقرون بالاحترام والتقدير .

وفرقت بيننا الأيام بعد ان تخرج فى كلية الهندسة وعشت أنا فى سياحة طويلة المدى , حتى عدت الى رشيد ذات مرة واذا بصدمة عنيفة تهزنى هزا .. فقد مات عبد المنعم القزق على أثر حادث .. لقد مات فى ريعان الصبا والشباب فكان خسارة فدح لأهله وبلده ومحبيه .. ولكن العزاء الكبير فى أنه كان شابا طاهرا نقيا ولا نزكى على الله أحد .

رحمه الله وجمعنا واياه فى الجنة , اللهم آمين .

قصة شقيقى مع الاخوان

ابتكر والدى حيلة ليقلل من وجودى فى شعبة الاخوان فكان يرسل لى شقيقى الأصغر يستدعينى لمقابلة والدى . فكان شقيقى محمد تستهويه الأناشيد فيجلس يستمع .. وحين يعود اليه يسمعه يدندن بالاناسيد التى سمعها بدار الشعبة .. فيقول له وأنت الاخر بقيت من الاخوان , ومنعه من الذهاب الى الشعبة , وقال " كفاية واحد )

من رسائل الاخوان

صدرت رسالة الى الشباب عام 1357 – 1938 م من دار الاخوان المسلمونبميدان الملكة فريدة " العتبة الخضراء الآن " رقم 5 شارع الأزهر تليفون رقم 44004 .

سرعان ما اجتهدت فى حفظها حيث أنها ملائمة جدا لروح الشباب فهى فى الواقع باعثة على الانتباه واليقظة بأسلوب سهل واضح لا يحتاج الى شرح , فهى تمس المشاكل التى يعش فيها المسلم وتضع له وسائل الانقاذ وتشده بقوة الى الحماس للاسلام مع توضيح القضية من كل جوانبها .

ولما صدرت رسالة التعاليم وكنا نحاول ألا نعطيها الا لمن نثق فى أنه من الاخوان , وعلى أثر نشر هذه الرسالة بدأنا فى رشيد فى تكوين مجموعات " الأسر " وبدأنا فى دراسات اسلامية – ثم تدرجنا حتى عقدنا جلسات مسائية نبيت فيها معا فى مجموعة كبيرة وكان يطلق عليها " الكتيبة " حيث يبدأ تجمع الاخوان بعد الافطار من صيام يوم الخميس .. ثم نؤدى جميعا صلاة العشاء .. ثم يحاضرنا أحدالاخوة وغالبا ما كان الأخ محمود عبدالحليم , ثم نستعد للنوم ونستيقظ قبل صلام الفجر لصلاة التطوع المسماة " بالتهجد " وبعد صلاةالفجر نقرأ المأثورات فى جماعة , ثم كلمةبسيطة لأحد الاخوة , ثم ننطلق الى طابور رياضة حارج حدود رشيد فى الصحراء ,ثم نعود لتناول طعام الافطار كل منا الى عمله .

كما أرسل لنا المركز العام للإخوان المسلمون ما يسمى " كشف المحاسبة " وهو عبارة عن ورقة مكتوب فيها عدة أسئلة , وعلى الأخ أن يجيب عنها بنعم ولا .

فمثلا :

هل الصلوات الخمس فى جماعة ؟
هل قرأت الورد القرآنى ؟
هل تصدقت على مسكين ؟
هل صليت الفجر حاضرا ؟
هل زرت أخا مريضا ؟

وهكذا .. ويكون الصدق هو رائد الأخ المسلم فى كتابة هذا التقرير الشهرى , ثم يقدمه لنقيب الاسرة حتى يعالج معه الواقف ويرشده الىالخير .

الرمال السوداء فى رشيد

قام الاخوان المسلمونبالأسكندريةبرحلة لزيارة اخوانهم برشيد وتوجهوا جميعا الى منطقة أبى مندور التى تعتبر من أعظم معالم رشيد السياحية .

ولفت نظر الأخ الاستاذ حسن اسماعيل – المدرس بمدرسة محمد على الصناعية بالأسكندرية أن نسبة كبيرة من برداة الحديد توجد فى مخلوط الرمال الناعمة التى تغطى مئات الأفدنةالرملية على شكل تلال عالية وأودية .

وذكر أنه ربما تكون هناك عناصر أخرى هامة فى هذه الرمال . وكان ذلك عام 1938 .

وفى عام 1957 تقريبا اكتشفت شركة انجليزية مادة ( اليورانيوم ) النادرة على شاطىء البحر الأبيض المتوسط فى ساحل رشيد .

وكات الحكومة المصرية قد أعطت امتيازا بالبحث فى هذه المنطقة لهذه الشركة التى سميت شركة الرمال السوداء , وكانت الشركة ترسل الرمال الى انجلترا وهناك تقوم باستخلاص العناصر النادرة بعيدا عن أرض مصر .

غير أنها لم تواصل العمل وتوقفت بعد سنين قليلة .

نقل الاستاذ أحمد السكري من رشيد

فى أوائل عام 1357 – 1938 م صدر قرار بنقل الاستاذ أحمد السكري سكرتير مدرسة رشيد الابتدائية والوكيل العام للاخوان الى مدينةالقاهرة. . وكان خبر نقله مفاجأة لنا وخسارة كبيرة للاخوان والدعوة فى رشيد , فأقام الاخوان حفلا كبيرا لتوديعه اشترك فيه كثيرون من الأهالىورجال وزارةالمعارف .

وترك الاستاذ أحمد السكري مدينة رشيد بعد أنادى واجبه مودعا بأحر العواطف وأنبل المشاعر .

ولقد تأثرت كثيرا أن يكون فى وداع الاستاذ السكرى مجموعة من الاخوان المسلمونفى رشيد على اختلاف تقافاتهم من طلبة وموظفين وعمال , ولا عجب أن كان بينهم أيضا الاخوة الذين يمارسون نشاطهم مع الطرق الصوفية أمثال الاخوة محمود هلش والحاج محمود الأخرس ومرسى الأخرس ومحمود سامي , فقد كانت الشعبة جامعة تؤلف بين طوائف المسلمين .

دعوة وعاظ الأزهر للمدرسة

فى هذا العام كانت حركة الدعوة قد اتسع نطاقها ولا سيما فى مدرسة محمد على الصناعية ومدرسة الفنون والصناعات التى تجاوزها فى مبنى وسور واحد ويبلغ عدد الطلاب فى المدرستين أكثر من ألف طالب .

ولأول مرة يقوم الأزهر بتعيين وعاظ من خريجى الأزهر الشريف وحضر الأسكندرية ثلاثة هم فضيلة الاستاذ الشيخ طه الساكت وفضيلة الاستاذ الشيخ محمود المصري وفضيلة الاستاذ الشيخ على رفاعي .

وقد انتهزت المدرسة فرصة وجودهم وقامت بدعوتهم لالقاء محاضرات بها مما كان له أعظم الأثر فى نفوس الاساتذة والطلاب على السواء كذلك استفادت بعض المدارس الأخرى بالتجربة فقامت بدعوتهم للالقاء محاضرات فى المناسبات الاسلامية كما أن الاخوان كانوا يتابعونهم فى محاضراتهم فى الجمعيات أو النوادى أوالمساجد فيكون لهذا مظهره الاسلامى فى المجتمع .

وفى هذا العام انضم للإخوان المسلمون بعض المدرسين بمدرسة محمد على الصناعية كما جاء ذلك فى " مجلة النذير " لسان حال الاخوان المسلمونالعدد العاشر السنة الثانية الاثنين 4 م ربيع الأول سنة 1358 هجرية .

الشيخ عبد المهيمن أبو السمح

وفى الأسكندرية زارنى فضيلى الشيخ عبد المهيمن أبو السمح امام وخطيب المسجد الحرام بمكة المكرمة ومعه ابنه , وقد طلب أن يكون له نصيب فى السكن معنا , فقبلناه ورحبنا به أحسن ترحيب , وكان بصحبة الأخ الستاذ فتحى محمود وهو من شباب جمعية أنصار السنة المحمدية قد انضم لجماعة الاخوان ومعه الأخ حسين يسري .. وفى هذه الفترة أيضا تعرفنا بالاخ الاستاذ عبد العزيز كامل .. ولقد استفدنا كثيرا من زيارات لشيخ عبد المهيمن لنا وجلوسه معنا ..وقد توفى رحمه الله تعالى فى نهاية 1979 .

لاجىء فلسطينى فى رشيد

وفوجئنا ذات يوم بشاب فى الثلاثين يرتدى الحطة والعقال ( يعنى الملابس العربية ) ويتكلم اللهجة الفلسطينية وقال انه جاء من فلسطين مهجرا وان اسمه عادل النشاسيبى .. وفرحنا به جدا والتففنا حوله وأخذ يحدثنا عن الحرب الدائرة هناك بين العرب واليهود نسمع له فى اصات واحترام .. ثم كلفنا أحد المطاعم فى رشيد أن يقدم له الوجبات الثلاث من كل ما يطلب ويشتهى .. وكان كثيرا ما يطلب سمكا أو لحما واذا سأله صاحب المطعم يقول له مشيرا الى السمك ( من هذا ) وبقى الرجل ضيفا مكرما على جمعية الاخوان المسلمونبل على أهالى رشيد جميعا حيث كلما علم انسان بأنه فلسطينى قدم له كل تحية واكرام .

حتى جاء الأستاذ أحمد السكري من المحمودية لزيارتنا وقدمنا له الضيف العزيز ( عادل النشاسيبي ) بأنه لاجىء فلسطينى .. سكت الاستاذ السكرى برهة ثم أخذ يسأله بعض الاسئلة التى احرجته ورأينا فى وجهه الغضب .. ثم اختلى بنا الاستاذ السكرى وقال لنا " يا جماعة يا هبل هو فيه واحد فلسطينى شاب مثل هذا يترك ميدان الجهاد ويهرب الى رشيد .. الا اذا كان لا يستحق أية قيمةفكيف فات عليكم هذا الأمر انى أعتقد أنه نصاب كبير " .. ولكننا قلنا له لقد تأكدنا من تجار رشيد الذين يصدرون الأرز الى بلاد الشام أن اسم النشاسيبى هذا عائلة كبيرة فى فلسطين . فقال ان ذلك فن فى النصب .

وخرج الشاب الفلسطينى من دار الجمعية كعادته .. ولكننا ترقبناه فى المساء فلم يحضر فقد غادر رشيد فى الحال حين أحس أن أمره قد اكتشف .

وبعد مدة علمنا أنه قام بمثل هذا الدور من النصب فى بعض شعب الاخوان المسلمونالأخرى .. حتى تنبه المركز العام لأمره فأرسل نشرة يحذر الاخوان منه .

اللجنة العليا لانقاذ فلسطين

وفى القاهرة تكونت لجنة عليا لانقاذ فلسطين جعلت مقرها جمعية الشبان المسلمين وانضمت لها جمعية الاخوان المسلمونوبعض الهيئات الأخرى وانتخب معالى محمد على علوبة باشا رئيسا لها وأصدرت اللجنة طوابع وبعثت بها مع مندوبين الى شعب الاخوان المسلمون.. وجاءنا فى رشيد الأخ محمد شاكر غرباوي وهو طالب ومن مدينة الاسماعيلية ونزل ضيفا على الاخوان وكنا ننتقل معه الى البلاد المجاورة ونقابل العمد ة الاعيان لتوزيع الطوابع ومع كل المجهود بقيت معنا بعض الطوابع , وذات مساء كان الأخ محمد شاكر غرباوي يبيت فى منزلى فاستيقظت على بكائه وقد فهمت منه بعد ذلم أنه كان يبكى حسرة على حال المسلمين الذين لا يستطيعون تغطية هذه الطوابع بينما اخوانهم المسلمون يقتلون ويذبحون بأيدى اليهود والانجليز فى فلسطين .

ولقد كانهذا المبلغ الذى استطعنا أن نجمعه فى حدود أسبوع لا يزيد عن خمسين جنيها .

كتاب النار والدمار

وجاءتنا مجموعة من الكتب التى تصور بشاعة المعركة بين المسلمين واليهود والانجليز فى فلسطين والكتاب مزود بالصور المثيرة للقتلى والجرحى والذين فقدوا الأهل والمأوى وعنوان الكتاب (النار والدمار فى فلسطين ) وقمنا بتوزيع هذا الكتاب مجانا عسى أن يحرك العواطف والمشاعر بين الناس , هذا غير النشرات والبيانات التى تصدر عن الهيئة العامة لانقاذ فلسطين .

فى دار الاخوان بالأسكندرية

سبق أن ذكرت ان الصاغ محمود لبيب رحمه الله قد تنازل عن الشقة التى كان قد خصصها للنادى الرياضى لتكون مقرا لجمعية الاخوان المسلمونفى عمارة ماجستيك التى بها جمعية الشبان المسلمين أيضا مما كان له حرج فى نفوس الاخوان اذ تقع الجمعيتان فى عمارة واحد ولكن الاستاذ المرشد كان كلما حضر الى الأسكندرية يدخل أولا لزيارة رئيس وأعضاء جمعية الشبان المسلمين فيرحبون به أحسن ترحيب وفى هذه الدار نظم الاخوان برنامجا للمحاضرات الاسلامية دعوا لها اساتذة من العلماء فضلا عن دعاة الاخوان أنفسهم مع انه لم يكن للاخوان فى هذا الوقت نشاط سياسى الا أن أحد رجال القسم المخصوص " البوليس السياسى اآن " كان يشاركنا هذا النشاط ولما شكونا للاستاذ المرشد من وجوده معنا مبتسما ان هذا أمر طبيعى وما دمنا لا نعمل ما يضر الأمن العام فلا خوف من وجود كل رجال القسم المخصوص وما دمتم تعرفونه فهذا أحسن من المخبر المجهول ولابد من معاملته معاملة طيبة حتى لا يكذب فى تقاريره الى رؤسائه , وقد أخذنا بنصيحته حتى كانه واحد من الاخوان.

وفى جلسة ادارة للإخوان المسلمون بالأسكندرية قرر ما يأتى :

أولا: ضم حضرات الاساتذة حسين أفندى فهمى وعبد المنعم افندى كحيل وحسين افندى محمد اسماعيل حسن المدرسين بمدرسة محمد على الصناعية وكذا حضرة عبد المعطى أفندى العوامرى الموظف بمأمورية أوقاف الأسكندرية .
ثانيا : استئناف المحاضرات الدينية أسبوعبا .
ثالثا : تنظيم دروس فى الوقاية من الغازات السامة .
رابعا : الاستعداد للاحتفال بالمولد النبوى الشريف .

والقى الاستاذ الشيخ على رفاعي مراقب الوعظ بالأسكندرية والبحيرة فى مساء الخميس 9 صفر سنة 1358 هجرية محاضرة قيمة بدار الاخوان المسلمونبالأسكندرية موضوعها واجب الشباب المسلم نحو الدين كما ألقى فضيلة الاستاذ الشيخ محمود المصري الواعظ العام بالأسكندرية فى مساء الخميس 16 صفر سنة 1358 هجرية محاضرة جليلة فى دار الاخوان المسلمونبالأسكندرية موضوعها " النهى عن التشبه بأهل الكتاب " وحمل على بدعة الاحتفال بشم النسيم وما يلابسها من الموبقات وانتهاك الحرمات .

ولمناسبة وجود فضيلة الاستاذ أحمد عبد الحميد طلب منه الحاضرون كلمة فقام وأبلغهم تحية فضيلة المرشد العام وحث على الانضواء تحت لوائه حتى نصل بهذا الذين الى المكانة اللائقة به وقد شرف دار الاخوان المسلمونبالأسكندرية حضرة الاستاذ محمود افندى ابو السعود بعد غيبة طويلة فى أوروبا فى رفقة حضرة السمو ولى عهد اليمن وبعد صلاة الجمعة يوم 17 صفر سنة 1358 هجرية ألقى حضرته كلمة موفقة فى موضوع دعوة الاخوان المسلمونوقد تكونت بحمد الله فى مساء الاحد 19 صفر سنة 1358 هجرية عشيرة من حضرات الجوالة الموظفين وذوى الاعمال لدراسة علوم الجوالة وتنظيم الرحلات والمعسكرات والسير حسب المنشور الدورى لسنة 1358 هجرية الصادر من مكتب الإرشاد العام والمبين بالصحيفة 22 من العدد الثانى من مجلة النذير .

الأستاذ محمد عبد الفتاح جميعي

وكان رئيس الاخوان بالأسكندرية هو الاستاذ محمد عبد الفتاح جميعي رحمه الله الموظف بادارة الأوقاف بالأسكندرية وكان شخصية محبوبة من جميع الاخوان حيث يتميز بفهم عميق لأهداف الدعوة فضلا عن أنه رجل متدين متواضع حليم وكان وجيها مهندما باشا مرحا وكانت له صلات طيبة بعامة الناس .

لا زلت أذكر هذا الاسم وهو فضيلة الشيخ سعيد العرفي من كبار العلماء فى سوريا اذ فوجئنا بزيارته لنا فى دار الاخوان وجلسنا من حوله وهو يحدثنا بعد عودته من مؤتمر اللجنة العليا لانقاذ فلسطين بالقاهرة , أخذ يشرح لنا أبعاد (صورة تذكارية بمناسبة اقامة حفل تكريم الاخوة الأطباء المشاركين فى خدمة المستوصفات الطيبة للاخوان بالأسكندرية .

نذكر بعض الأسماء منهم – على يمين الاستاذ المرشد العام الاستاذ محمد عبد الفتاح جميعي رئيس الاخوان بالأسكندرية وعن يساره الدكتور شفيق الخشن ومن خلفه عن اليمين الدكتور عبده سلام ( وزير الصحة السابق ) وعن يساره آخر الصف الدكتور عبد القادر سرور – ومن الوقوف عن اليمين الاستاذ مختار عبد العليمالمحامى وعن اليسار المهندس محمد القراقصى وفى وسط الصف الاستاذ أحمد شحاته المحامى . ) قضية فلسطين من الناحية السياسية وخطرها على مستقبل المنطقة كلها .

ثم حدثنا عن شخصية الاستاذ حسن البنا حديثا وقورا مؤملا فيه خيرا كثيرا للاسلام والمسلمين .

وقد غادرنا الى سوريا فى اليوم التالى وودعناه وداعا طيبا.

نشرات الوكالة اليهودية

ومن العجب أن الوكالة اليهودية فى فلسطين كانت توزع نشرات مطبوعة عن نشاطها ومجهوداتها وكانت هذه النشرة تصلنا بالبريد على عنوان دار الاخوان بالأسكندرية فكنا نتابع قراءتها وأحيانا نستفيد منها فى كشف أبعاد الحركة الصهيونية العالمية .

حسن البنا فى الأسكندرية

نشير الى الاخوان كانوا يتخذون من ذكريات التاريخ الاسلامى للحديث عن الاسلام والتذكير بأمجاده يستنفروا الأمة نحو العمل الاسلامى الجاد ولم يكن فى احتفالاتهم هذه المنكرات التى تشاهد فى أماكن أخرى .

دعا الاخوان المسلمونبالأسكندرية الى الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فى حفل يحضره المرشد العام بمسجد " نبى الله دانيال " واستقبل الاخوان الاستاذ المرشد على محطة السكة الحديد قبيل صلاة المغرب وتوجهوا الى دار الاخوان بالمنشية حيث استراح الاستاذ بعض الوقت ومنها الى المسجد وكنا مجموعة من الشبان فوق العشرين , وحين دخلنا المسجد فوجئنا بالحاضرين وأكثرهم من الرجال المعمرين الذين تجاوز سنهم فوق الستين عاما – يقفون فى دهشة وهم ينظرون الى هذا الشباب فى فرحة وذهول اذ المعروف أن المساجد فى هذا العصر كان لا يدخلها الا الذين بلغوا من العمر عتييا أما الشباب فقد اهتم بالقمصان ذات الياقة المنشاة والبنطلون الذى له مثل حد السيف من شدة المكوى , والشعور المسدلة مما جعله يخشى الوضوء والصلاة حفاظا على ملابسه شعره .

ولهذا عجب الشيوخ من دخول الشباب فى هذا العصر الى المسجد وبهذا العدد أيضا ولذا فلا تعجب أن تعلم أن الناس كانوا يطردون الاطفال من المساجد طبقا لهذا الشعور المتوارث ولكن الامام حسن البنا كان اهتمامه الأول والبالغ هو جذب الشباب الذى هو عماد الدعوة وسر قوتها .

وبدأ الاستاذ المرشد محاضرته بحمد الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسوله الكريم ثم دخل فى موضوع الذكرى فقال نحيى ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم ومن حق الناس جميعا مسلمين وغير مسلمين أن يحتفلوا بهذه الذكرى المباركة فرسولنا عليه الصلاة والسلام لم يأت للمسلمين فقط وانما بعث رحمة للعالمين للانس والجن على السواء فالله تعالى أرسله اليهم جميعا : " وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا "(1) سورة النبأ – 28 .

" قل أوحى الى أنه استمع نفر من الجن فقالوا انا سمعنا قرءانا عجبا يهدى الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " (2) سورة الجن 1,2

فالرسول صلى الله عليه وسلم انما جاء ليخرج الناس من الظلمات الى النور باذن ربهم .

ولما كنا لم نعرف الرسول صلى الله عليه وسلم الا بعد نزول القرآن الكريم فالقرآن هو الذى دلنا على شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم والرسول صلى الله عليه وسلم هو الذى نزل عليه القرآن الكريم فأصبح القرآن الكريم هو أساس الرسالة والرسول هو الذى حملها الينا .

أما موقفنا من القرآن الكريم فمثلنا مع القرآن كمثل الرجل الذى عنده (ساعة ) تركها لأطفاله فى المنزل فأخذوها ولعبوا بها حتى أفسدوها فأخذها الرجل وذهب الى محل الساعاتى فأصلحها وأعطاه على ذلك أجرا ثم أخذها بعد ذلك ليضبط بها مواعيد عمله وصلاته وصلواته .

وهكذا القرآن الكريم فى عصرنا بعض الناس يأخذونه ويعلقونه على أبواب المنازل أو يضعونه تحت وسائد النوم أو يصنعون منه أحجبة وتعاويذ أو يعلقونه فى الحجرات وهؤلاء تماما كالأطفال الذين أفسدوا الساعة .

وآخرون يتاجرون بالقرآن الكريم ( فضيلة المرشد بحديقة النزهة بالأسكندرية ) ( فضيلة المرشد بمكتب الاستاذ أحمد شحاته بالأسكندرية ) فيقرأونه على المقابر أوسرادقات العزاء أو يتغنون به فى الحفلات ويأخذون على كل ذلك أجرا , وآخرون هم الذين يأخذون القرآن منهج حياة وباعث قوة ومحرر شعوب ومنقذا للانسانية هؤلاء هم الذين عرفوا حقيقة القرآن فساروا به فى الناس هداة مرشدين ليعيدوا الأمة الاسلامية لسابق مجدها وعزها .

وهؤلاء فى عصرنا هم الاخوان المسلمونولا نزكى على الله أحدا .

وبعد ذلك تناول الاستاذ المرشد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم من كل جوانبها الشريفة ثم اختتم الحفل بالقرآن الكريم وخرجنا من المسجد لنعمل جولة فى سرادقات الاحتفالات بالمولد النبوى الشريف.

وكانت الأسكندرية وغيرها من البلاد تزدحم بالسرادقات الكبيرة التى يتطوع باقامتها أعيان وتجار كل الاحياء يتنافسون فى احيائها بواسطة أكبر مشاهير قراء القرآن الكريم فضلا عن الزينات الكثيرة التى تقام فى الشوارع والميادين احتفالا بهذه الذكرى الشريفة التى تمتد طوال شهر ربيع الأول من كل عام وكانت فرصة مناسبة للاستاذ البنا ليقوم بجولة ليخطب فى هذه التجمعات من الناس فركبنا عربة (حنطور) وذهبنا الى السرادق الذى أقامته عائلة الأخ الاستاذ عبد المنعم كحيل المدرس بمدرسة محمد على الصناعية والسرادق كان فى محرم بك وبع انتهاء المقرىء من تلاوة القرآن الكريم جىء بكرسى وقف عليه الاستاذ البنا وأخذ يتحدث الى الناس فى ذكرى المولد النبوى الشريف .

ومع ان الناس لم يكونوا على مستوى الانصات الا أن الاستاذ البنا استطاع بما وهبه الله من حسن الاسلوب ان يأخذ قلوبهم ثم انصرفنا الى سرادق آخر فى ميدان محطة مصر ( السكة الحديد ) وكرر الاستاذ البنا نفس الموقف ثم عاد حيث بات ليلته فى ضيافة الاستاذ عبد المنعم الشربينى فى رأس التين .

وفى اليوم التالى دعى الاستاذ المرشد لزيارة عزبة صغيرة فى منطقة الرأس السوداء بالأسكندرية فتوجهنا معه حيث ألقى درسا على المسلمين هناك وقد تعجبت ان الاستاذ المرشد كان حريصا على أن يتحدث الى الناس بأسلوب بسيط جدا وكأنه يعرفهم من قبل , وكان اهتمام حسن البنا بالدعوة فى القرى لا يقل عن اهتمامه بالدعوة فى المدن .

وبعد صلاة العصر وبينما نحن نتجه من دار الاخوان المسلمونبالمنشية سيرا على الاقدام الى محطة السكة الحديد لنودع فضيلة المرشد الى القاهرة مررنا بشارع شريف الذى كان مزدحما بشدة " بالخواجات " حيث كان الاجانب يقطنون هذه الاحياء وأحياء رمل الأسكندرية ويتمتعون بحياة رغدة وراقية ومطمئنة فنظر الينا الاستاذ المرشد وقال أتدرون لماذا يعيش هؤلاء الخواجات فى رغد من العيش وفى سعادة واطمئنان فنظرنا اليه كمن ينتظر الاجابة فقال ان هؤلاء القوم يحصدون الان ثمر جهادهم الطويل وكفاحهم المرير فى سبيل استعمار بلادنا واستغلال مواردنا .

وهم الان يتمتعون بثمرة هذا الجهاد وعلينا ان نشقى ونجاهد ونكافح حتى نحرر وطننا الكبير منكل سلطان أجنبى ويوم ان تتحرر بلادنا ونستخلص حقوقنا يومئذ يجوز لنا أن نتمتع ونستروح بخيرات بلادنا .

وعد بلفور وحقيقة اليهود

فى ذكرى وعد بلفور المشئوم اتفق طلبة الاخوان بمدرسة محمد على الصناعية على أن يخرجوا من المدرسة فى وظاهرة تهتف لفلسطين وتندد بصدور وعد بلفور وفى صباح ذلك اليوم وقفت على منصة الخطابة وهى عبارة عن مدرج من السلالم وألقيت كلمة عن قضية فلسطين وخطورة السيطرة اليهودية على مستقبل البلاد العربية والاسلامية المهدد بقيام دولة يهودية على أرض فلسطين وتحمس لطلاب للخروج بمظاهرة وأخذنا على للمدرسة وساعدنا على ذلك " أحمد بك غابور رحمه الله " وكيل المدرسة وخرجت المظاهرة فى حدود ألف طالب والبوليس يحافظ على النظام وتوجهت المظاهرة من المدرسة بالشاطبى ومررنا بشارع السلطان حسين ثم دخلنا شارع سعد زغلول وفى الطريق انضم الينا كثير من عامة الناس وبعض أبناء الدول العربية الذين يرتدون الحطة العقال مما أعطى للمظاهرة صورة القوة والشمول وكات الهتافات : " فلسطين عربية اسلامية " " يسقط وعد بلفور الظالم " " القدس اسلامية اسلامية " " تسقط بريطانيا حليفة اليهود " .

وعند مرورنا تحت دار الاخوان المسلمونبالمنشية وكذا دار الشبان المسلمون خرجوا يهتفون لفلسطين ثم نزلوا وانضموا للمظاهرة وهى تسير فى اتجاه المعهد الدينى برأس التين وحين اقتربنا من شارع فرنسا صدرت الأوامر لرجال البوليس بفض المظاهرة بالقوة .

ولم نتوقع أن يكون لهذه المظاهرة هذا الاثر الكبير فى نفوس الجماهير كما لمنكن نتوقع هذا الخوف فى نفوس اليهود حتى استدعانا أحمد بك غابور وكيل المدرسة الى متبه وقص علينا أن بعض أعيان اليهود قد قاموا بزيارة الى مدير جمعية العروة الوثقى الخيرية الاسلامية التى تتبعها ادارة مدرسة محمد على الصناعية وقاموا بالتبرع للجمعية بمبلغ كبير من المال تقربا لها وحتى لا تتكرر مثل هذه المظاهرة الى قد يترتب عليها اضرار بمصالح اليهود ولكن الواقع ان اليهود خافوا من عدوى المظاهرات فى جميع المدارس وما ينجم عن ذلك من آثار تؤدى الى يقظة الوعى الاسلامى وهكذا نضع يدى الجيل الاسلامى بعضا من طرق عمل اليهود للاستيلاء على فلسطين.

القمصان الزرق والقمصان الخضر

بعد توقيع معاهدة 1936 وتولى حزب الوفد المصرى الحكم قام الحزب بتشكيل فرق شبه عسكرية ترتدى قمصانا زرقاء وبنطلونا أصفر طويلا وأعضاء هذه الفرق من جميع طبقات الشعب – عمال وطلاب وموظفين – وكان يوم الاحد هو يوم الاستعراض الرئيسى فى شوارع مدينةالأسكندرية تبدأ الفرق تجمعها فى الأزاريطة فى مواجهة البحر ثم يقودها قائد الفرق " ويسمى بالرشيدى " وتتقدم المسيرة الموسيقى وبعض الموتسيكلات .

وكان هناك فى الأسكندرية تنظيم آخر يسمى القمصان الخضر وهو تابع لحزب مصر الفتاة وزعيم هذا الحزب هو الاستاذ أحمد حسين المحامى رحمه الله .

وكان مقره فى منزل بشارع عمر بن الخطاب فى ملك وقف الغول التابع له مسجد الغول وكانت الفرق الزرقاء كثيرا ما تصطدم بالفرق الخضراء لما بينهما من خلاف كبير فى الرأى والاهداف .

الاخوان ومصر الفتاة

كانت اللجنة العليا لانقاذ فلسطين قد دعت زعماء الاعلم العربى والاسلامى لمؤتمر تعقده فى القاهرة لبحث قضية فلسطين .. وحضرت الى الأسكندرية وفود من البلاد العربية والاسلامية فى طريقها الى القاهرة – وفى محطة السكة الحديد- توجهت وفود من الاخوان المسلمونلتحية هؤلاء الضيوف , وهناك وجدنا مجموعة من حزب مصر الفتاة جاءت أيضا لتحيى الضيوف , وكان شعار مصر الفتاة " الله أكبر والمجد لمصر " وشعار الاخوان المسلمون" الله أكبر ولله الحمد " فكانت مجموعة مصر الفتاة تقول الله أكبر وقبل أن يقولوا والمجد لمصر – يكمل الاخوان الهتاف " ولله الحمد " ذلك أنهتاف مصر الفتاة " الله اكبر والمجد لمصر " فيه حرج شديد للضيوف فمعنى الهتاف أنه لا مجد لغير مصر فكان الاخوان يغطون بهتافهم الحرج الشديد الذى وقع فيه أبناء حزب مصر الفتاة .

زواج الملك فاروق

انتهزت الاحزاب فى مصر وسائر الهيئات والجماعات والنقابات فرصة زواج الملك فاروق فقاموا بتقديم الهدايا الثمينة التى حملت فى مسيرات شعبية الى قصر عابدين بالقاهرة يعربون فيها عن فرحتهم بزواج الملك .

وللاستاذ البنا تفكير رجل صاحب دعوة فلا يعقل أن تتخلف جماعة كبرى مثل جماعة الاخوان المسلمونعن التعبير عن مشاعرهم فى امر لا حرج فيه .. بل انها فرصة متاحة للاعلان عن عظمة الاسلام والدعوة الى العامل باحكامه .

لهذا فقد حشد الاستاذ البنا مجموعة كبيرة من الجوالة والكشافة فى مسيرة تقدمها البطل العالمى سيد نصير (1) بطل العالم فى حمل الاثقال .

يحمل علم الاخوان المسلمون" سيفين ومصحف " الى سراى عابدين وفى ساحة عابدين حيث الملك اصطفت هذه الالاف فى زيها الرسمى تهتف الله أكبر ولله الحمد , الله غايتنا , الرسول زعيمنا , القرآن دستورنا , الموت فى سبيل الله أسمى أمانينا , ثم تقدم فضيلة المرشد العام وقدم هدية " كتاب الله تعالى " .

ثم عاد الجوالة بقوة هذا الاستعراض الى المركز العام للإخوان المسلمون بالعتبة وقد قابلها الجمهور وحياه بنفس شعارات الاخوان المسلمون.

حيث كان أحد الاخوة يحمل فى مقدمة الاستعراض " المصحف الشريف " ومن حوله حرس شرف .

حسن البنا يعاتب صالح عشماوي فى اسلوبه للعتاب

هوجم الاخوان من أحد الاحزاب هجوما مكشوفا بغير قيوم أخلاقية مما دعا الاستاذ صالح عشماوي رحمه الله أن يكتب فى مجلة النذير ردا عنيفا على هذا الحزب تناوله بالفاظ شديدة , وخرجت بعد ذلك مجلة النذير بخطاب مفتوح من فضيلة المرشد العام الى الاستاذ صالح قال فيه الاستاذ المرشد لقد قرأت عتابك وانى اربأ بقلمك أن يأخذ الغضب فينحرف عن الجادة ويبتعد عن منهج الدعوة فى مخاطبة الناس بالحكمة والموعظة الحسنة .

حسن البنا فى مكة المكرمة

توجه الاستاذ المرشد الى مكة قاصدا حج بيت الله الحرام وكما علمت ان هذه اول مرة يؤدى فيها مناسك الحج .. وبينما هو فى مكة وبملابس الاحرام علم بوجود مؤتمر اسلامى دعا اليه جلالة الملك عبد العزيزآل سعود ويحضره زعماء وقادة ووجهاء المسلمين بالعالم الاسلامى .

ولم يكن حسن البنا قد عرف فى العالم الاسلامى يومئذ بالصورة التى يمك أن يعرفه بها جلالة الملك عبد العزيز آل سعود , ولكنه استأذن من الملك لحضور هذا المؤتمر فأذن له .

وفى هذا المؤتمر وقف الزعماء يخطبون .. فمنه الذى يتكلم باللغة العربية وآخر يتكلم الاردية وثالث يتكلم الفرنسية وهكذا اختلفت اللغات بحيث ان الكثير لم يعد يعرف ما يقال .. وحين دعى الاستاذ البنا ليقول كلمته , وقف يتكلم باللغة العربية ولكنه يكثر من الاستشهاد بآيات القرآن الكريم – بل كان يتعمد أن تكون آيات القرآن الكريم هى الغالبة .. حيث ان كثيرا من الذين حضروا هذا المؤتمر يميزون أو يحفظون كثيرا من آيات الكتاب المبين , وبهذا الاسلوب الرائع خاطب حسن البنا بالقرآن المسلمين الذين اجتمعوا عليه من كل انحاء العالم .

وقد لاحظ الاستاذ البنا انشراحهم حال القاء كلمته وخرج الناس جميعا من هذا المؤتمر وقلوبهم معه بهذه الطريقة الفعالة فى الوصول الى قلوب اتباع هذا الدين العظيم , هذا فضلا عن الموضوع الذى طرقه حسن البنا والذى يمس أحوال المسلمين جميعا على اختلاف بلادهم وجنسياتهم وأحوالهم .

فقد تحدث عن واقع المسلمين وسبيل النهوض بهم ورده الى اصل الداء , وهو البعد عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , والفرقة التى صنعها الاستعمار , فباعد بين المسلمين بنزعات اخترعها من المبادىء التى سادت الشرق الاسلامى من قومية وعصبية واقليمية وشعوبية وغير ذلك من الاسماء التى يتعصب لها المسلمون وكأنها دين آخر ونسوا دينهم الحق .

وما كاد حسن البنا ينهى كلمته حتى أقبل الناس جميعا يهنئونه ويلتفون حوله ويتعرفون عليه ويبدون استعدادهم للانضمام الى جماعته .

وكان من الذين حضروا هذا المؤتمر الاستاذ أحمد أمين عميد كلية الآداب بجامعة فؤاد " جامعة القاهرة الآن " .

ولم ينته هذا المؤتمر حتى كان حسن البنا قد عرف الاسماء والعناوين لكثير من الحاضرين حتى يواصل اتصاله بهم فى كل مكان فى العالم .

وكان حسن البنا حريصا بعد ذلك على مواصلة السفر لاداء فريضة الحج والالتقاء بهذه العناصر المسلمة , ثم تطور ذلك فى السنين الاخيرة الى ان يصحب معه وفدا كبيرا من دعاة الاخوان ومعهم وسائل نشر الدعوة من ميكروفونات وكتب ومجلات , والدعوة الى مؤتمرات يخطب فيها زعماء العالم الاسلامى .

وبدأ المسلمون يحسون بأهداف الحج الحقيقية من خلال هذه الأمور وهذا التعارف وهذ التعاون .

حسن البنا فى رشيد مرة أخرى

دعا الاخوان فضيلة الاستاذ المرشد لزيارتهم فأجاب الدعوة وأقيم لذلك حفل حضره مئات من الاهالى والعلماء , أذكر منهم الشيخ عبد السلام عامر والشيخ نصار والشيخ على النجار عبد الحليم قطيط والشيخ قاسم , وهؤلاء العلماء كانوا من أبرز الشخصيات فى مجتمع رشيد وكانوا على درجة كبيرة من الفقه والتقوى والوعى .

وبعد أن أفاض الاستاذ المرشد فى كلمته طلب الشيخ عبد السلام عامر التعقيب فأعطيت له الكلمة .. فأشاد بتمكن الاستاذ المرشد من القرآن الكريم وكيف أنه يستشهد بالآية الكريمة فى موقعها الدقيق بحيث تنطبق تماما على المعنى المقصود .

وقال ان الاستاذ البنا لا يفسر القرآن الكريم كعادة العلماء ولكنه يطبق القرآن الكريم على المعنى فيأتى أكثر تفصيلا وتأثيرا فى النفس .

وفى هذا اليوم قبل الاستاذ المرشد أن ينزل ضيفا على المهندس حسن وصفي – حيث كان حديث عهد بالاخوان – وفى اليوم التالى رغب الاستاذ المرشد فى زيارة مجموعة من أعيان ووجهاء رشيد وبالفعل قام بزيارة بعضهم .

فقام بزيارة عمدة رشيد محمد بك طبق فى قصؤه وكان قد استمع الى حديث المرشد من قبل .

ولم تخل من فكاهة لطيفة فحين تم التعارف بين الحاضرين – بدأ العمدة فقال محمد طبق , فقال الثانى محمد سمك عضو مجلس بلدى رشيد – فقال الثالث زكى طبيخة طالب فقال الاستاذ حسن البنا على الفور " سفرة دايمة " وودع الاستاذ وصحبه أكرم توديع كما توجه الاستاذ المرشد لزيارة محمد عجمية واسماعيل بك رمضان أصحاب مضارب أرز من كبار رجالات رشيد , فاستقبلاه استقبالا طيبا .

ثم اصطحب نجلاه الاستاذ عبد اللطيف بدر الدين وهو صاحب مضرب أرز ومن أعيان رشيد حيث تناول الحديث بينهما دعوة الاخوان وأهدافها – ولم يكن الاستاذ عبد اللطيف فى هذا الوقت قد انضم لحزب من الاحزاب .. واستمر على ذلك فترة ثم انضم لحزب الوفد وهكذا كانت جولة الاستاذ البنا جولة يسعى فيها بنفسه لمقابلة من يتوسم فيهم خيرا للاسلام والمسلمين .

دون النظر الى النتائج فالله يهدى من يشاة الى صراط مستقيم .

مقتل ملك العراق

وصباح ذات يوم توجهنا الى المدرسة كالعادة .. وهناك تأكدنا من نبأ مقتل الملك فيصل ملك العراق حيث اصطدمت سيارته بشجرة وقيل انها مؤامرة من الإنجليز .. ورأى الاخوان أن نوقف الدراسة لمدة ساعة نقرأ فيها القرآن الكريم ترحما على الفقيد ونتحدث عن أثر هذا الحادث فى نفوس العرب والمسلمين وأثناء طابور الصباح أعلنا ذلك على عامة الطلاب فوافقوا على ذلك , وتقدمت الى منصة الخطابة وألقيت كلمة فى وحدة العرب والمسلمين وكيف أنه لابد من وحدة الشعور بعد وحدة العقيدة , وتحدثت عن معنى الآية الكريمة " انما المؤمنون اخوة "(1) سورة الحجرات – 10 .

وقول النبى صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " , ثم قدمت الاخ " صفى الدين شتا " لتلاوة القرآن الكريم فجلس على كرسى , و كانت له تلاوة قريبة من تلاوة الشيخ محمد رفعت وبينما هو يقرأ والطلاب يستمعون فى خشوع , اذا بناظر المدرسة يحضر ويعلم بنبأ هذا اللقاء والتوقف عن الدراسة فيواجه الموقف غاضبا قبل أن يتبين ان الدراسة سوف تتوقف ساعة ثم تعود .

ويأتى الى الاخ الذى يقرأ القرآن ويحاول أن يمنعه بالقوة وبأسلوب استفزازى ويصرف الطلاب الى الفصول , وجاءت بعض الألفاظ على لسانه وهو فى حالة غضب , فأثارت الأخ " محمد صبحى هلال " فصدر منه ما اعتبر اهانة للناظر .. وأثناء ذلك اضطرب الموقف بصورة مزعجة وتوجه الناظر الى مكتبه والمدرسون يحاولون تهدئته ما أمكن .

وخرج الطلاب من المدرسة وتعطلت الدراسة وتغير الموقف الى أسوأ وأصبحنا فى حيرة ولا نملك أى علاج .

وصدر قرار من ادارة المدرسة بفصل عباس السيسي والسيد عبد المحسن الدرديري ومحمد صبحى هلال من مدرسة محمد على الصناعية , ورفضنا أن يتدخل الاستاذ المرشد فى هذا الأمر الذى لم يأمرنا به ولم تكن له به صلة من قريب أو بعيد .

اذ صادف هذا الحادث صدور مجلة الإخوان بعنوان " لا نريد فى صفوفنا الا مؤمنا يتحمل أعباء الجهاد " وهذا ما دعانا لعدم ابلاغ الاستاذ المرشد به ..

وعلم والدى بالامر حين وصله خطاب من المدرسة بقرار الفصل فقام وسافر للاسكندرية وهناك قابل فضيلة الشيخ " نعمان الجارم " قاضى قضاة السودان الذى كان فى اجازة وطلب منه التوسط فى الامر .. وفعلا قام الشيخ بزيارة المدرسة ورحبت به جمعية العروة الوثقى , ويبدو أنه تحدث فى هذا الموضوع بصورة أدت الى النهاية الى الموافقة على عودة الاخ سيد الدرديري والاخ عباس السيسي , ولكن المدرسة أصرت على عدم قبول الاخ محمد صبحى هلال الذى تسبب فى المشكلة .

وعدنا الى المدرسة قبيل الامتحان النهائى للتخرج وحاولنا حتى يعود بهذا الأمر .

وعاد الاخ محمد صبحى هلال الى مدرسة اجنبية ليتم فيها دراسته وتخرج وعمل موظفا باحد البنوك فى الأسكندرية حتى قضى نحبه , عليه رحمة الله تعالى .

لا نريد فى صفوفنا الا مؤمنا يتحمل أعباء الجهاد

يوم قدمنا دعوتنا اسلامية نقية الى الناس اعتقدنا أنا ستسلك سبيل الدعوة الأولى وستلقى ما لقيت وسيجد أنصارها من العنت والارهاق ما لقى المجاهدون الأولون مناصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .

فلم نكن هازلين يوم تقدمنا الى الشعوب الاسلامية الصورية التى مات فى قلبها الاسلام حقيقة وعملا ولم يبق الا شعور ضعيف فى القلوب وآثار لا تسمن ولا تغنى من جوع .

لم نك هازلين يوم تقدمنا الى هذه الشعوب بهذه الدعوة ولم نكن نتقدم لنعرفهم بأنفسنا فنحصل على وظائف وترقيات فقد كنا وما زلنا ؟ موظفين " ولم نكن نقدمها لنحصل على "اعانات حكومية " يقول الذين لا يعلمون : انها اساس نجاح الاعمال فى هذا البلد .

ولم نكن نقدمها لنظهر بأسماء فى المجتمعات ونحمل ألقابا ونتصدر المجالس والحفلات وترى صورنا فى الجرائد الى جانب هذه الطبقة من الذين ماتت قلوبهم وان ضخمت أجسامهم وأسماؤهم ومراكزهم , ولم نكن نقدمها ونحن نعلم أن من ندعوهم سيرحبون بها ويجتمعون عليها لأول صوت وهم غرباء عنا , لم نكن نتصور هذا أو نعمل له ولكن قدمنا دعوتنا وحملنا عبئها ونادينا بها ونحن نعتقد تمام الاعتقاد هذه الأمور الآتية :

اننا وسط شعب نجح خصومه الأذكياء الأقوياء فى ابعاده عن هدى الاسلام وتعاليمه وفى طبع نفسه وروحه ومظاهر حياته بصورة غير اسلامية , فسيكون غريبا عليه اذن أن ننادى فيه بالاسلام عقيدة وعبادة ووطنا ودينا ودولة ومصحفا وسيفا , وهو لهذا سيلبس عليه .

وان الطبقة التى يقولون عنها كبيرة وراقية ومنها الحكام الذين جعلوا الحكم دولة بينهم فى هذا البلد سيكونون الخصوم الألداء لهذه الدعوة لأنها تحد من شهواتهم وتقف سدا منيعا أمام مطامعهم وتفتح عين الشعب على مخازيهم ومساوئهم , فهم سيقفون لها بالمرصاد وسيرمونها بكل تهمة وافك وبهتان وأن هناك دعوات كاذبة خاطئة ستنافس هذه الدعوة الصادقة الرائجة .

واننا لذلك كله سنبذل ونضحى وسنحرم من اعانات الحكومة وعطف الوجهاء وسنكون تحت رقابة وسيصل بنا الأمر الى الاعتماد على انفسنا والاقتطاع من قوت أولادنا , ثم الى ترك هذا الأسر , ثم الى السجون والمنافى , ثم الى الموت فى سبيل الله وسيكون كل ذلك قليلا فى سبيل الدعوة , وخابت دعوة لا تنصر بالفداء ولا تفد بالدماء , ولا تحاط بالمهج والأرواح .

نعلم هذه الحقائق من أول يوم , ولكننا لم نكن متهورين نبذل فى غير حاجة ونضحى فى غير ربح ونخطوا الى غير هدف ونجرح دون اصلاح ولكننا سرنا ورائدنا المصلحة والانتاج قبل كل شىء .

فاذا طالبتنا الدعوة بحقها الذى عرفناه أولا من البذل فى سبيلها والتضحية بكل مرتخص وغال لانتصارها فنحن على أتم استعداد لأن نلقى الموت لا الفصل ولا البذل وحدهما , متمثلين بقول المجاهد الأول " ركضنا الى الله بغير زاد" على هذه الاصول سرنا فى دعوتنا أيها الاخوان المسلمون, وانكم لتقتربون من أيام الشدة واللأواء لا بأيديكم ولكن بظروف دعوتكم , ولحمق غيركم , وانكم ما زلتم مخلصين .

أيها الاخوان نريد أن نميز أنفسنا فلا يتبعنا الا مؤمن مجاهد مستعد للتضحية بكل شىء فى سبيل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم دعوة الله والقرآن .

فمن كان مستعدا لاحتمال الاعباء فليتقدم .. ومن كان جبابنا رعديدا انما يريد لقبا يتحلى به أو مطمعا يصل اليه فلينصرف حالا من هذه الصفوف والا فسيدفع نصيبه من التضحية ولا يكون له فى ذلك أجر ولا جزاء فى الدنيا ولا فى الآخرة (1) حسن البنا : العدد العاشر من مجلة النذير , الاثنين ربيع الأول سنة 1358 هجرية السنة الثالثة .

كيف بدأت الدعوة فى الأسكندرية

حدثنى الاخ الاستاذ درويش البرجى أنه فى حى رأس التين كان هناك شيخ مدرس بالمعهد الدينى اسمه رشاد سلام وكان له ابن اسمه " محمد رشاد سلام " وبعد ان انهى المرحلة الثانوية كان لزاما عليه لتم تعليمه أن يتوجه الى كلية التجارة بجامعة فؤاد بالقاهرة .

واضطر والده أن ينتقل الى القاهرة لملازمة ابنه .. وكان ذلك عام 1934 .

وبعد أن أخذت البكالوريا عملت مدرسا بالمدرسة " الابتدائية المصرية " بجوار مسجد أبى العباس , وكان ناظر المدرسة الأخ الاستاذ " موسى سلمان " رحمه الله .

وفى عام 1936 عاد الينا الأخ محمد رشاد سلام زائرا ومعه رسالة صغيرة عنوانها " تعريف " عن جمعية الاخوان المسلمون.

وقد عرض علينا أنا والأخ عبد المنعم الشربينى , الذى عين بعد البكالوريا موظفا فى مأمورية الأوقاف بالأسكندرية , الانضمام لجمعية الاخوان المسلمون.

وقمنا بدورنا بعرض الدعوة على الاستاذ " موسى سلمان " الذى تقبلها بقوة وحماس , وأخذ على عاتقه نشر الدعوة فى حى باكوس رمل اسكندرية .

وبعد ذلك بدأنا نلتقى فى منزل الأخ عبد المنعم الشربينى حتى زارنا الاستاذ حسن البنا بعد ذلك فى أواخر عام 1936 وقام بجولة فى مساجد رأس التين مثل مسجد المغاورى ومسجد سيدى ياقوت متحدثا الى الناس عن الدعوة .

وانضم لنا الاخوة الاساتذة محمود الشربيني , حسين العقاد , الشيخ يس , محمد عبد الفتاح جميعي .

الشيخ عبد الحفيظ الشناوي

كان مسجد الارضى بسوق الخيط ملتقى كبيرا للمسلمين فى الأسكندرية , بعد عصر كل يوم أحد .. حيث كان يلتقى فضيلة الشيخ عبد الحفيظ الشناوي رحمه الله محاضرته الاسبوعية .

وكان تجار هذا الحى يساندونه ويشجعونه , هذا فضلا عن توافد أهالى الاحياء الأخرى على المسجد بحيث يضيق بالوافدين .

وكان الشيخ عبد الحفيظ يهاجم اليهود هجوما شديدا ويكشف عن مؤامرتهم ضد الاسلام فى فلسطين ويؤيد حديثه بآيات من القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .

ولما كان التجار اليهود يحتلون بتجارتهم – تجارة الاقمشة – شارع فرنسا المجاور للمسجد , فقد حدثت عقدة كبيرة بين المسلمين وبين اليهود , لهذا استعمل اليهود السلاح الاقتصادى ضد التجار المسلمين , فكانوا لا يعطونهم بضاعة الا نقدا , وقاموا بحملة " بروتستو " على التجار المتخلفين عن الدفع , بعد أن كانوا يتساهلون معهم ويعطونهم البضاعة بأجل طويل .

اذ ان اليهود هم الذين كانوا يحتكرون وقتها تجارة الاقمشة بالجملة وباقى المصريين يعتبرون عملاء عندهم .

وكان هذا الاسلوب من اليهود حافزا على تعاون التجار المسلمين مع اخوانهم لسداد ديونهم والترابط بينهم .

وكان لوجود الشيخ عبد الحفيظ الشناوي " كعالم مجاهد " أثره الكبير فى بروز روح التضامن والتحدى لأعداء الاسلام .

حملة صحفية على الاخوان

فوجئنا ذات يوم بجريدة المصري تستعدى الحكومة وشيخ الأزهر على جماعة الاخوان المسلمونوتتهم الاستاذ حسن البنا بأنه يقوم بتدريب الاخوان على الاسلحة وأنه يقوم بعمل دراسات ليلية للشباب وان بعض الشباب قد حدث عنده هوس وادخل مستشفى المجاذيب .

ويبدو ان دراسات الاستاذ البنا للاخوان فى الكتائب كانت مؤثرة مشحونة بعواطف الايمان والحماس .

اذ كان يدرس لهم كتاب احياء علوم الدين للغزالى .

وكان ذلك فوق طاقة بعض الشباب مما كان له رد فعل أحدث بعض العهزات الروحية لدى بعض الشباب .

الشيخ طنطاوي جوهري

فضيلة الاستاذ الشيخ طنطاوي جوهري من كبار العلماء المسلمين الأعلام الذين لهم باع كبير فى التفسير وله تفسيره المشهور " بالجواهر " وهو كتاب منتشر فى البلاد الاسلامية الشرقية : وعلى قدر مكانته الاسلامية الكبيرة وسنه الكبير , فقد رضى لنفسه أن يكون رئيس تحرير مجلة الاخوان المسلمونوان يكون جنديا متواضعا فى صف الجماعة ولقد كان لهذا الموقف النبيل ما أثار الدهشة والتساؤل حتى قال له أحد زملائه من علماء الأزهر كيف ترضى لنفسك بمكانة أقل من مكانة حسن البنا " المرشد العام للإخوان المسلمون " بينما أنت عالم كبير متخرج فى جامعة الأزهر وحسن البنا متخرج من مدرسة دار العلوم ؟ فتبسم الشيخ طنطاوي جوهري قائلا : " والله لو تعلمون حقيقة هذا الشاب وما ينتظره الاسلام على يديه لكنتم أسبق منى على موقفى منه " وبهذا الرد المخلص المتجرد لله تعالى أعاد لزميله رشده ..

ملابس الجوالة وتصرف الاستاذ البنا

حين بدأنا نرتدى ملابس الجوالة فى مدينةالأسكندرية كان لزاما أن ندخل بها المساجد ولما كان " البنطلون شورت " أى قصيرا فاننا عند لسجود فى الصلاة ينكشف ما فوق الركبة وتعتبر هذه عورة, وكان المصلون ينتقدوننا ولما كان نظام فقر الكشافة يستلزم أن يكون البنطلون قصيرا , فكان لزاما أن تخرج من هذا المأزق , وسرعان ما صدرت لنا توجيهات من الاستاذ المرشد بأن يقوم كل أخ بعمل " بنطلون " بها " أستك " وعند الصلاة تضاف هذه الوصلة للبنطلون , وبعد الصلاة تنزع وبهذا التصرف الحكيم من الاستاذ المرشد حلت المشكلة وزال الحرج وتلك هى الحكمة .

( احدى فرق جوالة الإخوان المسلمين بالأسكندرية وهى تستعرض أمام فضيلة المرشد العام بملعب استاد اسكندرية عام 1946)

( الإمام الشهيد حسن البنا يتحدث الى شباب جوالة الإخوان فى معسكراتهم الصيفية ) ( الاستاذ المرشد " يأخذ تمام " من الاخ الاستاذ سعد الدين الوليلى المراقب الاعم لفرق جوالة الإخوان المسلمين وذلك فى حفل استعراض فرق جوالة الاخوان بالأسكدنرية فى استاد مدينة اسكندرية عام 1946 – وفى الصورة من اليمين زعماء رهوط الجوالة – الاخ عوض عبد الكريم –الاخ عباس السيسي - .. وأخيرا الاخ حسن سالم مراقب جوالة اسكندرية .

وكان ارتداء " البنطلون " الطويل يعنى أن الجوالة اصبحت منظمات عسكرية , وهذا يخالف القانون , وأحب أن أشير هنا الى لمحة من لمحات الاستاذ البنا وبعد النظر فقد قام فى أول أيام الدعوة بالإسماعيلية بتكوين فريق على هيئة فرق الكشافة أطلق عليها اسم " فرق العمل " وكانت ترتدى زى الكشافة ولكن " البنطلون " كان بمنفاخ بشكل " بنطلون " عساكر السوارى , وكان الاخ يضع على كتفه وصدره وشاحا مكتوبا عليه الاخوان المسلمونوبعد فترة تنبه الاستاذ البنا الى ان اسم " فرق عمل " قد يوحى الى المسؤولون واعداء الدعوة ان من وراء هذه التسمية هدفا سياسيا مهدها وهو لا يريد ان يضع أمامها العراقيل والعقبات .

فقام بتصحيح الامر وحل هذا النظام واتجه نحو تشكيل فرق كشافة وجوالة تنضم الى جمعية الكشافة العامة وهى جمعية دولية معترف بها رسميا لدى الدولة .

وحين اصطدمت فرق القمصان الخضراء التابعة لحزب مصر الفتاة مع القمصان الزرقاء المنضوية تحت لواء حزب الوفد , أوعز السفير البريطانى فى مصر مستر لمبسون الى الملك فاروق وصدر قرار بحل جميع التشكيلات شبه العسكرية , وكان الاخوان قد احتاطوا لذلك من قبل بالانضمام الى جمعية الكشافة العامة فلم يطبق عليهم قرار الحكومة .

جلسات الاسر

وفى منزل الاخ الحاج مرتضى خميس فى محرم بك كنا نعتقد لقاءا أسبوعيا هو ( اجتماع الاسرة ) وكنا نتدراس فيه القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وبعض الاخبار الهامة واستمر هذا اللقاء فترة طويلة حتى تكونت أسرة أخرى من الاخ المرحوم حسين العقاد والاخ الاستاذ مصطفى خضرالمحامى والاخ حسين فهمي .

دبلوم المدارس الثانوية الصناعية

وبعد أن حصلت على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية عام 1939 , كان لابد من البحث عن عمل , وتوجهت مع زميلى محمد بيومى الباسل الى شركة كفر الدوار للغزل والنسيج وكانت فى حاجة الى عمال فنيين , حيث ان الشركة كانت فى قترة البناء والانشاء وتركيب المعدات والماكينات .

وهناك التقينا " بالمهندس الجزار " الذى وافق على تعييننا بأجر يومى قدره اثنا عشر قرشا .

وبدأنا العمل فى تركيب ماكينات الغزل باحدى الصالات الكبرى , وكنا نقوم من كفر الدوار فى السادسة صباحا ونعود فى السادسة مساءا .

وكان العمل مجهدا وشاقا وليست هناك أوقات للراحة سوى ساعة للطعام , والحالة فى كفر الدوار سواء فى السكن أو فى المعيشة غير مناسبة تماما , لهذا فكرنا فى ان نترك العمل معا .

وقيل لنا ان شركة مصر تطلب فنيين للمساهمة فى رصف طريق من جدة الى مكة المكرمة .

وذهبنا الى القاهرة على أمل أن نجد وظيفة فى مصلحة التليفونات أو فى شركة بنك مصر .

بركة التوكل على الله

حين حصلت على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية فى عام 1939 توجهت الى القاهرة لأبحث عن عمل , والتقيت بفضيلة المرشد العام رحمه الله فى دار المركز العام بالحلمية الجديدة , وبعد ان رحب بى فضيلته سألنى عن سبب حضورى للقاهرة ..

قلت : لأبحث عن عمل .
قال : ألم تفكر فى التطوع لمدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية ؟
قلت : ان خريجى المدراس الصناعية معفون من خدمة الجيش .
قال : لكن رسالتنا توجب علين الخدمة فى هذا الميدان .
قلت : لا مانع , ولكن سوف لا أنجح فى الكشف الطبى حيث أن احدى عينى عليها سحابة مزمنة .
قال : توكل على الله وانت تنجح .
قلت : كيف أنجح فى الكشف الطبى وعينى على هذه الصورة ؟
قال : من أجل هذا قلت لك توكل على الله لأنه لو كانت عينك سليمة كنت ستتوكل على عينك .

فهزنى هذا المعنى هزا عنيفا وتذوقت له طعما ايمانيا جديدا .

وتوجهت الى مدرسة الصناعات الحربية بالعباسية متوكلا على الله , واصطحبنا أحد الضباط مع بعض الزملاء الى المستشفى العسكرى وكلى ثقة وأمل فى النجاح وبعد الكشف الطبى الكامل كنت ضمن من نجح فى الكشف الطبى .

والتحقت بالمدرسة وأخذت حياتى مسارا جديدا لم يكن فى الحسبان .

ولا أنسى أنه حين قامت الحرب العالمية الثانية استعجلت وزارة الحربية تخرجنا لنذهب الى الميدان فى الصحراء الغربية .

وكان (ضرب النار ) من مواد الامتحان , وذهبت مع زملائى البالغ عددهم حوالى المائة طالب الى ساحة ( ضرب النار ) وأنا شديد الاسى والالم حيث أخشى أن أرسب فى هذا الامتحان لضعف عينى اليمنى , ولكنى سرعان ما تذكرت كلمة الامام وتوجهت الى تبة ( ضرب النار ) بكل ثقة واطمئنان واستعملت عينى الاخرى وفى النهاية وقف الصاغ حسين أحمد قائد التبة ليعلن : ان الفائو الأول عباس السيسي .

وكانت مفاجأة مذهلة للذين يعرفون الحقيقة .

ولكنها كانت من حقائق صدق التوكل على الله تعالى .

مواقف فى مدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية

وتوجهت وزميلى الى المدرسة فأخذونا وعزلونا فى مكتب بعيدا عن زملائنا الذين سبقونا الى التطوع وقدموا لنا استمارات بها الشروط , ووقعنا على طلب التطوع , ثم اصطحبنا ضابط الى مقر المستشفى العسكرى العام حيث الكشف الطبى .

وجاء دورى فى كشف النظر , ودخلت حجرة الكشف مؤمنا بأنى سوف أنجح ولكن كيف يتم ذلك ؟ هذا ما كنت أتوق الى معرفته بشوق وخوف .

وقفت أمام لوحة العلامات وقام " التومرجى " بتغطية عينى اليمنى " التى لا أرى بها " وقام الطبيب بالمؤشر الى الدوائر المفتوحة وأنا أقول يمين .. شمال .. فوق .. تحت .

فقال الطبيب " للتومرجى " هات عينه الأخرى " اليمنى " ووضع الطبيب المؤشر على الفتحات العليا فأجبت تماما , حتى اذا انتقل الى الصف الثانى وضع طرف المؤشر على فتحة الدائرة فأخفاها تماما فترددت قليلا فى الاجابة فضحك الطبيب وقال : كفاية وخرجت من الكشف ومررت من الامتحان بتوفيق الله تعالى ومشيئته وحسن التوكل عليه .

والعجب أن عددنا كان حوالى عشرة من المتقدمين نجح منه حوالى سبعة كنت وزميلى منهم .

وعدنا الى المدرسة ,وبين غمضة عين وانتباهنا تغيرالحال كنت قبل توقيع الكشف الطبى والتوقيع على طلب , أنادى بعباس أفندى السيسى , والآن وفى لحظة , " تعالى يا عسكرى .. روح يا عسكرى " وذهب لقب أفندى مع الريح , وبدأت المعاملة شديدة وغير مهذبة حتى أننا تسلمنا المهمات العسكرية وهى كثيرة وثقيلة , أرغمنا على حملها كلها دون أية مساعدة حتى من زملائنا .

وتقابلنا مع زملائنا الذين سبقونا الى التطوع , وسمعنا منهم العجب العجاب , فقد قامت الدفعة السابقة من اخواننا بعمل اضراب احتجاجا على تغيرالاتفاق الذى كان يقضى بأن يتخرج الطالب من مدرسة الصناعات برتبة " صول فنى " وبعد عام واحد يترقى الى رتبة الملازم الفنى .

ولكن ادارة سلاح الصيانة استحدثت دخول طلاب من خريجى كلية الهندسة وبهذا أعطتهم رتبة الملازم مهندس ,واسقطت من حسابها خريجى المدرسة ونقضت بذلك عهدها .. ولما قام الطلاب بالاضراب فى مدرسة عسكرية شكل لهم مجلس عسكرى وقتى فى نفس المدرسة وحاصرتهم قوة مسلحة من الجيش وحكم على بعضهم بالسجن مددا متفاوتة وعلى البعض الآخر بالسجن والجلد وبهذا انقلبت المدرسة الى وحدة عسكرية فى كل برامجها وشددت المعاملة بقسوة على الطلاب .

وقد زاد عددالطوابير اليومية فضلا عن طوابير الطلبة وهى خدمات المدرسة .

بل ان القطارات التى كانت تأتى محملة بالعدد والآلات الثقيلة الخاصة بالورش الميكانيكية , كان الطلاب هم الذين يقومون بحملها ونقلها الى الورش , والأكثر من ذلك أن الأتربة المتخلفة عن مبانى المدرسة , بدلا من أن يقوم بنقلها مقاول الانفار فقد أرغمونا على نقلها , وأعتقد أن هذا ليس من ضمن الشروط التى تطوعنا من أجلها , بل ربما قام المقاول بدفع الثمن للذين كلفونا بهذا العمل الشاق . وهكذا تغيرت المعاملة من معاملة انسانية الى معاملة لا انسانية .

حمامات المدرسة

ورغم أن المدرسة بنيت على أحدث النظم فان نظام الحمامات لا يليق ولا يتفق مع الاخلاق الاسلامية فان الطلاب يدخلون الحمام فى مجموعات وبلا سواتر , فكل واحد يرى زميله عاريا كيوم ولدته أمه وهذا هو النظام المتبع فى الجيش الإنجليزى ويطبق عندنا بلا حرج , ولهذا كان بعضنا يدخل الحمام مرتديا الكلسون , وهذا أضعف الايمان .

المولد النبوى

حين دخلنا هذه المدرسة استقبلنا الاخوة الطلاب الذين يعرفوننا من مدرسة محمد على الصناعية واستبشروا بوجودنا خيرا وطلبوا أن نبدأ فى عمل نهضة اسلامية بالمدرسة .

ولما كانت الظروف صعبة , فقد عرضنا عليهم أن نتقدم بطلب الى ادارة المدرسة حتى يسمحوا لنا بعمل حفل بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم .. واعتقدت أن هذا الطلب لن يجد أى اعتراض ونعتبره تجربة حتى يمكننا أن نفك هذه الازمة فى المعملة الشديدة القاسية , وفعلا تقدمنا بهذا الطلب واستجابت المدرسة لعمل هذا الحفل وتحدد له مساء اليوم التالى وأعددنا صالة الطعام " الميس " وجهزناها بالكراسى , وحضر الضباط هذا الحفل الكبير .

وبدأ الحفل بتلاوة القرآن الكريم .. والجميع يجلسون فى صمت وهيب فضلا عن الشعور بالرهبة لوجود النظام العسكرى فينا ,, وكانت كلمة الافتتاح للأخ عباس السيسي :

فبدأت كلمتى كالآتى : الحمد لله الذى أتاح لنا فرصة ملكية فى عقر دار عسكرية فضجت الصالة بالتصفيق الحاد الشديد وفوجىء الضباط بهذه الصورة التى لم يكونوا يتوقعونها ,ولكننى تابعت حديثى عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ولم أترك فرصة لتغيير الموقف بل تابعت كلمتى فى أسلوب خطابى وحماسى شد الجميع وشغلهم عن الصورة الجديدة وقام من بعدى أخ من الطلاب فألقى كلمة فى مآثر الرسول صلى الله عليه وسلم وانتهى الحفل كما بدأ بالقرآن الكريم , و انصرف الجميع فى هدوء وترك الحفل أثرا طيبا فى نفوس الجميع من ضباط وطلاب . وخرج الضباط من هذا اللقاء بانطباع جديد عن ثقافة الطلاب ووعيهم وفهمهم .

فقد تعود الضباط أن ينظروا الى من دونهم نظرة استعلاء واستخفاف , وكان لهذا اللقاء أثره فى تخفيف حدة الضبط والربط العسكرى .. ومن هنا بدأنا فى دعوة الطلاب للصلاة وكان لزاما لينا أن نقوم بشراء بعض الحصر لأداء الصلاة فتبرعنا لهذا الغرض وأحضرناها وبدأنا نؤذن لكل صلاة وبدأ بعض الطلاب يستجيبون وبدأنا بعد ذلك فىعمل دروس من بعد صلاة المغرب الى صلاة العشاء .

وازداد الاقبال على اداء الصلوات الخمس , حتى أن صلاة الفجر كانت توقظ المدرسة لكثرة الضجيج الذى يحدث من الطلاب عند الوضوء والانتقال .

صلاة الفجر والطوابير

كانت نوبة صحيان وبعدها نوبة نظافة تأتى والطلاب يؤدون صلاة الفجر , وبهذا يتأخر الطلاب عن عمل النظافة فى العنابر .. وذات مساء فى طابور الداخلية وقفنا نستمع الى أوامر الأومباشى زايد حكمدار السرية .. فقد تألم لأننا نتأخر فى صلاة الفجر عن طابور النظافة وهذا يسبب له مشاكل مع قائد العنبر , فهو يقول لنا , أحسن طريقة أنكم تصلوا الفجر بعد صلاة العشاء وتناموا علشان الصبح تكونوا جاهزين ولم يتمالك الطلاب أنفسهم فانفجروا ضاحكين ,فذهل الأومباشى لهذا التصرف الخطير , ولكنه صدم بأن الضحك استمر بلا انقطاع .

وهكذا كانت عقليات صف الضباط الذين كانوا يتحكمون فى طلاب المدرسة , وهكذا كانت المعاملة .

الاجازة الاسبوعية

وكانت لنا فى المدرسة اجازة اسبوعية تبدأ من مساء الخميس وتنتهى مساء الجمعة وكنا نتواعد مع بعض الطلاب على اللقاء فى المركز العام للإخوان المسلمون بالحلمية الجديدة .. وكان للأستاذ المرشد الاعم حديث فى مساء الخميس من كل أسبوع خاص بالطلاب من الجامعات والمدارس , وكانت فرصة لطلاب مدرسةالصناعات , وهناك يتم التعارف بيننا من ناحية وبين عامة الاخوان من ناحية أخرى , وبعد الانتهاء من هذا اللقاء , نبيت فى دار الاخوان ونحرص على الذهاب الى المسجد الذى يؤدى فيه الاستاذ المرشد صلاة الجمعة , فنسمع له ونعيش معه طوال اليوم فى المركز العام وبعد العصر نعود الى المدرسة من جديد .

وكان الشيخ محمد الغزالى السقا يشغل وقته بالمركز العام ويزامله فى ذلك الاخ الاستاذ عبد البديع صقر , وكان الاستاذ أنس الحجاجي رحمه الله سكرتيرا خاصا لفضيلة المرشد .. وكان الشيخ محمد الحامد الحموي ضيفا على الاخوان , وهو من كبار العلماء فى حماة – سوريا , وكان يصاحب الاستاذ المرشد وكانت له سمة من الصمت والهدوء تجذبنا اليه على الدوام ,رحمه الله تعالى .

سب الدين بالمدرسة

كنت فى دورة تدريبية فى ورش مدرسة الصناعات حين سمعت أحد المعلمين " يسب الدين " لأحد الطلاب , فلم أتمالك نفسى ووجهت اليه بعض الكلمات الشديدة التى لم تتناسب مع مركزه مما أثاره أكثر .

ووصل الأمر الى مدير المدرسة الذى حرمنى من اجازة مولد الرسول صلى الله عليه وسلم .

فخرج الطلاب من المدرسة الى منازلهم وبلادهم وبقيت وحدى مع حرس المدرسة .

وعند عودة الطلاب من الاجازة , احضر كثير منهم هدايا من الحلوى قدموها لى تأييدا لموقفى , وكان هذا الشعور الطيب من الاخوة الطلاب أثره العظيم فى الاحساس بقيمة الثبات والصمود والعمل المتواصل مهما اشتدت الظروف .

المطالبة بحقوقنا

نقل القائم مقام زكى سالم مدير المدرسة واستلم مكانه البكباشى " زكى الأرناؤوطى " وبينما الطلاب يتناولون الطعام فى الميس .. اذ بالنداء " انتباه " فيقف الطلاب لتحية القائد الجديد .

يقوم القائد بالتفتيش على الميبس ويسألنا عن الطعام , ثم يردف كلامه عمن تكون عنده شكوى فصمت الطلاب عن الكلام ومضت فترة فى صمت ولكنى رفعت يدى مستأذنا فى الكلام فأذن لى : قمت فحمدت الله تعالى , ورحبت بمقدم القائد الجديد وتحدثت عن أهمية العقيدة اللاسلامية فى تكوين الجندى المسلم , وكيف أن الجيش فى حاجة الى هذه العقيدة لينهض ويحرر البلاد من نير لاستعمار , ثم تكلمت عن مطالبنا الشخصية من تحسين المعاملة وتحسين الزى العسكرى , وتحقيق الترقيات التى دخلنا بمقتضاها هذه المدرسة وختمت حديثى بشكر القائد لاستماعه لكلمتى .

وعقب الانتهاء من الكلمة , طلب القائد من أركان حرب المدرسة أن يأتى بى واضطرب الطلاب ووجهوا الى كثيرا من اللوم على هذه الجرأة , والكلام فى السياس وما أنا الا جندى صغير , فكيف أتحدث الى قائد المدرسة بهذا الاسلوب ؟ وأشفق الطلاب من موقفى هذا متذكرين ما حدث للدفعة السابقة من جلد وسجن . أوصلنى أركان حرب المدرسة لمكتب القائد .

ولاحظت أن القائد يبتسم ويقابلنى مقابلة لطيفة فاستبشرت خيرا , ويسألنى القائد عن طلبات الطلاب فأخبرته بأننا نطمع فى تحسين الزى العسكرى بحيث يتناسب مع مؤهلاتنا , ثم طلبت تحسين نوعية الطعام , وتحسين المعاملة بحيث تتناسب مع طبيعة أنها مدرسة فيخفف من الطوابير ويزاد من الدراسات الفنية , وضرورة عمل مسجد .

وطلبت تنفيذ العقد من حيث ترقيتنا الى رتبة الملازم عند التخرج .

وخرجت للطلاب وأخبرتهم عن مضمون الحديث الذى دار بينى وبين قائد المدرسة فاندهشوا لهذه المفاجأة نتيجة هذه المقابلة .

وبعد أيام قليلة وفى طابور المساء , صدرت تعليمات القائد التى تقرأ من دفتر الأوامر فاذا به يستجيب لجميع طلبات الطلاب ما عدا موضوع الترقية اذ أنها من شأن ادارة الجيش , واضاف قائد المدرسة اذاعة للمدرسة , واستقبل الطلاب هذه القرارات بالفرح والسرور وكونوا وقدا ذهب يقدم الشكر الى القائد .

حسن البنا فى مدرسة الصناعات الحربية

دعت ادارة مدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية فضيلة الاستاذ حسن البنا لخطبة الجمعة بمسجد المدرسة – فاستجاب فضيلته – وبعد الخطبة القى موعظة للطلاب ثم دعى الى فنجان شاى فى ميس السادة الضباط وودع محفوفا بمشاعر الحب والتقدير .

الامتحان فى الصناعات الحربية

عقدت لجنة الامتحان التحريرى والعملى فى الورش فى هندسة السيارات وهى الدراسة الجديدة التى أضيفت لدراستنا السابقة فى الربادة .

ثم بدأ الامتحان فى العلوم العسكرية " طبوغرافيا وقراءة خرائط " و" هندسة ميدان " وبقى امتحان ضرب النار . غدا سيكون امتحان ضرب النار .

انى مشفق على نفسى من هذا الموقف . الجميع يعلمون اننى من الاخوان المسلمون– أى من المجاهدين فى سبيل الله – فكيف لو رسبت فى امتحان ضرب النار . ان عينى اليمنى عليها سحابة مزمنة ولا يمكننى التصويب بها .

وسبق أن قررت ذلك فى قصتى مع الاستاذ البنا فكيف أتقدم لهذا الامتحان , انى أخشى على نفسى من النتيجة المؤسفة .

ولكن سرعان ما تذكرت كلمة الاستاذ البنا التى تلازمنى على الدوام : " توكل على الله وأنت تنجح " استشعرت هذا المعنى بايمان وعمق وثقة .

وفى الصباح جمعنا " الصول بلال" وهو من أشد وأعنف صولات الجيش وقال لنا فى الطابور : اللى يطلع الأول سوف يأخذ أجازة أسبوع ويأخذ المكافأة الرسمية المقررة واللى يرسب سوف يحرم من الاجازات العادية , وهدد وتوعد .

وجاء دورى مع طابور من عشرة أفراد .

ووقف خلفى شاويش وأعطانى مجموعة طلقات للبندقية " لى انفيلد " وبدأت أضع البندقية على كتفى الأيمن وأنشن بعينى اليسرى , وأهتف الله أكبر ولله الحمد , والطلقة تنطلق .

حتى أتممت كل الدورات على جميع مستويات الضرب وعدت الى أرض الطابور مع زملائى كل يتحدث عن مهارته وأنا لا أتحدث بشىء بل أخشى من النتيجة .

وانتهينا من ضرب النار وبقى الاعلان عن النتيجة .

ووقف الصاغ أحمد قائد تبة ضرب النار ليعلن أن الفائز الأول هو عباس السيسي فهزتنى هذه النتيجة التى أضافت الى أختها من قبل رصيدا الايمان بقيمة التوكل على الله تعالى .

وسألنى زملائى : كيف حدث هذا قلت " ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب " (1) سورة الطلاق 2-3 .

شركة المعاملات الاسلامية

وفى عام 1939م حضرنا مولد شركة المعاملات الاسلامية , حيث تقدم الاخ الشيخ محمد عبد الوهاب بمشروع للاتجار فى المواد الغذائية , على أن تقوم الشركة بنقل الطلبات الى منازل الاخوان بالتريسيكلات .. وكان الاخ الشيخ محمد عبد الوهاب يقترح أن تسمى بشركة المعاملات الاسلامية للإخوان المسلمون , ولكن فضيلة المرشد رأى أن تقتصر على تسميتها شركة المعاملات الاسلامية وكانت قيمة السهم عشرة قروش صاغ .

وبدأ تأسيس الشركة وتقدمت بخطوات الى تحقيق غايتها حتى تفرعت بعد ذلك الى عدة شركات ناجحة وموفقة بعون الله تعالى .

وكانت خطوة فى نفس الطريق الذى تهدف اليه دعوة الاخوان المسلمونمن تحرير الاقتصاد القومى من الاستغلال وألا يعتمد الاخوان على الوظائف الحكومية ما وجدوا لذلك سبيلا .

شركة الاخوان للغول والنسيج بشبرا الخيمة

هو المشروع الجديد للإخوان المسلمون لاحياء التكافل الاسلامى ورفع مستوى العامل المصرى وتحرير الاقتصاد الوطنى .

قيمة السهم : 4 جنيه تدفع على أقساط .

أول شركة تجارية فى رشيد

وفى رشيد تكونت أول شركة تجارية بين الاخوان .

حيث جمعوا من أموالهم مبلغا من المال وأعطوه للاخ مرسى الأخرس رحمه الله الذى سافر الى الصعيد للاتجار فى الحبوب , ولكن للاسف الشيدي فشل المشروع من اول يوم , غير ان الاخ مرسى الأخرس قد استفاد من هذه الرحلة فترك عمله فى رشيد " كاتب عمومى " واتجه للعمل فى الأسكندرية وصار بعد ذلك من كبارتجار الجملة .

مجلة التعارف

بعد أن تنازل الاستاذ البنا عن مجلة النذير لجمعية " شباب محمد " صلى الله عليه وسلم اتفق مع صاحب امتياز مجلة اسمها التعارف لتكون لسان حال الاخوان المسلمون, واشترى الاستاذ المرشد مطبعة ووضعها فى البدروم , وأخذ يأتى اليها بنفسه ويقوم بلمساعدة الفعلية فى رص الحروف وطبع المجلة , هذا فضى عن أنه كان يقوم بكتابة أغلب موضوعات المجلة وتحريرها , وكانت المجلة تصدر على هيئة مجلة الدعوة , حتى وفق الاخوان لاصدار مجلة باسم " مجلة الاخوان المسلمون" .

حسن البنا يخطب فى جامعة الملك فؤاد

دعا طلاب جامعة الملك فؤاد بالقاهرة للاحتفال بذكرى هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم فى القاعة الكبرى وطلبوا من الاستاذ حسن البنا أن يلقى كلمة فى هذه الاحتفال , فوافق على أسا س الا يترتب على دعوته مضايقات للطلاب .

وحين انتشر أمر الاحتفال ودعوة حسن البنا ليلقى كلمة , اثار هذا النبأ ضجة كبيرة فى أوساط أساتذة الجامعة فمنهم من يرحب ومنهم من يعترض ,وفى النهاية كان صوت الطلاب أقوى وأعلى .

وفى صباح يوم من أيام الجمعة , انتشر الاخوان فى المساجد يدعون الناس لحضور الاحتفال الكبير , وقد طلب منى أن أقوم بالدعوة فى مسجد " الامام الحسين " وطلبوا من الاخ رياض بدوى أن يقوم بالدعوة فى مسجد السيدة زينب , وكلانا من العسكريين : فأنا طالب بمدرسةالصناعات الميكانيكية الحربية , والأخ رياض بدوى وكيل أمين بالقوات المسلحة , وكنا نرتدى الملابس العسكرية .

بلنسبة لملابسى فهى بدلة على كتفها " اسبلايت " مجدول وفى الوسط قايش من نوع قماش البدلة , وتوكة نحاس صغيرة , وهى ملابس خاصة بمدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية .

ذهبت الى مسجد الامام الحسين وجلست فى الصفوف الأولى ونظرت فوجدت فى المسجد رتبا عسكرية عالية , ورايت نفسى أمام هذا المشهد الرهيب , اقف بعد الصلاة لأعلن للناس عن هذا الحفل الكبير .

وفوجئت بالضباط الكبار ييبتسمون لى ويسلمون على ويشجعوننى ويسألوننى عن الوحدة التى أنتمى اليها .

وبعد صلاةالعصر امتلأت الصالة الكبرى على سعتها بالوفود التى بادرت بالحضور وقبل موعد الحفل جلس المحاضرون على المنصة ما عدا كرسيا ظل شاغرا .

وبعد لحظات دخل الاستاذ حسن البنا فارتفعت الاصوات بالتكبير والتهليل ( الله أكبر ولله الحمد ) واستقبل الاستاذ حسن البنا استقبالا رائعا واتخذ مكانه على المنصة وافتتح الحفل بتلاوة القرآن الكريم للاخ " لطفى عبد البيد " الطالب بكلية الآداب رحمه الله . وقد توفاه الله فى مقتبل عمره وله رسالة فى علم التجويد .

ثم وقف أحد المتحدثين فرحب بالاستاذ حسن البنا فى كلمة رقيقة للغاية .. وقال ان الاخوة المتحدثين سوف يختصرون كلماتهم حتى يفسحوا للاستاذ البنا الحديث .

ولكن الاستاذ البنا شكرهم وطلب أن يكون برنامج الحفل كما اتفق عليه . ومع هذا فقد اختصر الاساتذة كلماتهم , ثم قدموا الاستاذ حسن البنا ليلقى كلمته .

وقف الاستاذ حسن البنا , فشكر للجامعة هذا الاتجاه الاسلامى وهذه الخطوة المباركة , وعرج الى الحديث عن مسايرة الاسلام لروح العصر وأنه يحض على العلم ويكرم العلماء .

وان المسلمين اليوم فى حاجة الى الاستفادة بكل المبتكرات والاختراعات .

ثم قسم الاستاذ البنا كلمته فقال : سوف أتحدث الى حضراتكم عن طبيعة الاسلام قبل الهجرة وموقف الرسول صلى الله عليه وسلم من المشركين .

وسوف أتحدث عن طبيعة الاسلام بعد الهجرة الى المدينة المنورة .

وأخذ الاستاذ يتحدث عنالاسلام قبل الهجرة وأثنائها وبعدها , بفهم جديد فريد فى التربية والتكوين والصبر والاحتمال ثم الانطلاق فى بناء الدولة الاسلامية فى المدينة المنورة من معاهدات وحروب وتنظيم الدولة الاسلامية. وقد أخذ الاستاذ البنا بالالباب والقلوب .

حتى اذا ارتفع آذان المغرب اختتم كلمته الرائعة وخرج وسط الجماهير فى عاطفة كريمة عاطرة ليؤدى صلاة المغرب فى الساحة على الجيل وكان مشهدا خاشعا رائعا .

ثم استأذن الاستاذ البنا حيث كان على موعد فى مسجد الجامع الأزهر بدعوة من فضيلة الشيخ المراغى شيخ الجامع الأزهرلحضور حفل الهجرة الذى سوف يحضره الملك فاروق .

وودع حسن البنا بالهتاف الجميل " الله أكبر ولله الحمد "

هذا هو برنامج دروس ومحاضرات الاستاذ حسن البنا التى كان يلقيها فى حديث الثلاثاء ودروس الخميس من كل اسبوع بدار المركز العام للاخوان المسلمون .

هذا خلاف رحلاته وزياراته للمحافظات من القاهرة الى أقصى بلاد صعيد مصر ومن القاهرة الى الأسكندرية مرورا بكثير من المدن والقرى .

وحضور حفلات الزواج الى مجالس الصلح مستعينا بكل وسائل المواصلات من سيارات وقطارات ودواب أحيانا فى غير ملل ولا كلل بل فى راحة نفس واطمئنان نفس لأداء هذا الواجب المقدس .

حديث الثلاثاء

دروس متتابعة فى الثقافة العامة بدار الاخوان المسلمونبميدان الحلمية الجديدة رقم 13 بعد صلاة العشاء من يوم الثلاثاء ( يلقيها الاستاذ حسن البنا المرشد العام )

الرقم التاريخ
1 10 شوال 1358 , 21 نوفمبر 1939
2 17 شوال 1358 , 28 نوفمبر 1939
3 24 شوال 1358 , 5 ديسمبر 1939
4 غرة ذى القعدة 1358 , 12 ديسمبر 1939
5 8 ذى القعدة 1358 , 19 ديسمبر 1939
6 15 ذى القعدة 1358 , 26 ديسمبر 1939

.........................................

حديث الخميس

أحاديث فى فكرة الاخوان المسلمونخاصة لطلبة الجامعتين المصرية والأزهرية والمعاهد المتصلة بهما يلقيها بدار الاخوان بميدان الحلمية الجديدة مساء الخميس من كل اسبوع بع صلاة العشاء فضيلة الاستاذ حسن البنا المرشد العام .

الرقم التاريخ الموضوع
1 3 ذى القعدة 1358 , 14 ديسمبر 1939 دقة الشعور وادراك نواحى الضعف والقوة
2 10 ذى القعدة 1358 , 8 ديسمبر 1939 الاستعداد التام للتضحية والايمان بحق الجماعة فى الفرد
3 17 ذى القعدة 1358 , 28 ديسمبر 1939 التجرد للفكرة
4 24 ذى القعدة 1358 , 4 يناير 1940 الايمان العنيق فى خصائص الدعوة
5 11 يناير 1940 الايمان العميق فى خصائص الدعوة
6 18 يناير 1940 الايمان العميق بأصولها العملية
7 25 يناير 1940 التكمل
8 2 فبراير 1940 التطهير
9 9 فبراير 1940 التأثير
10 16 فبراير 1940 فى السياسة ( أهدافها الاصلاحية )
11 23 فبراير 1940 فى الادارة
12 أول مارس 1940 فى الجندية
13 8 مارس 1940 فى القضاء
14 15 مارس فى التعليم
15 22 مارس 1940 فى الثقافة
16 29 مارس 1940 فى الخلق
17 5 أبريل 1940 فى الاقتصاد
18 12 أبريل 1940 فى الصحة
19 19 أبريل 1940 فى المنزل
20 26 أبريل 1940 فى المجتمع

.........................................

الحرب العالمية الثانية

دخلت ايطاليا الحبشة واندلعت الحرب بين الحلفاء " أمريكا وانجلترا وفرنسا " وبين المحور " ايطاليا وألمانيا واليابان " ولما كانت مصر مقيدة بمعاهدة 1936 التى تنص على مساعدة بريطانيا فى الحرب وافساح مجالها البرى والبحرى لعملياتها الحربية , فضلا عن امدادها بالتموين اللازم , فقد أصبح لزاما على مصر أن تضع كل امكانياتها تحت تصرف الحلفاء .

وعلى هذا فقد تقرر الاستعجال فى اتمام البرنامج الدراسى بمدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية حتى يتسنى لهم تخريج الدفعة فى أقرب وقت .

ومعلوم ان الذين كانوا يشرفون على البرنامج فى المدرسة منهم ضباط انجليز وكانوا هم الذين يضعون الامتحانات .

الرحيل الى الصحراء الغربية

وأقامت المدرسة حفلا لخريجى دفعة أكتوبر 1940 وأخذنا مجموعة من الصور مع قائد وضباط وطلاب المدرسة .

وفى صباح اليوم التالى وصلت عدة سيارات لورى ركبناها مع قوة " السرية الأولى المتوسطة " وهى عبارة عن وحدة من ورش النجارة والحدادة والسمكرة والبرادة واصلاح السيارات وسيارات مخازن وسيارات نجدة وخلافه .

وفى المساء وصلنا الى بلدة بعد مسافة غربى مرسي مطروح تسمى القصابة .

وفى الليل البهيم والظلام الدامس الذى لا يسمح لأحدنا فيه أن يشعل ثقابا وضعنا أمتعتنا وفى الصباح قمنا بحفر خنادق لوضع الخيام , وخنادق لوضع السيارات .

وفى المساء ألقيت علينا بعض الطائرات المهاجمة بعض القنابل الثقيلة , فحدثت هزات عنيفة أسقطت علينا رمال الخنادق وظنن أن المعسكر قد هدم عن آخره وربما يكون قد قتل الكثير من زملائنا .

وفى الصباح وجدنا أن القنابل قد أليقت على قافلة من جمال بعض الاعراب ومزقتهم اربا على بعد أكثر من كيلو متر .

وجاءت اشارة حمراء ودخلنا جميعا الخنادق المكشوفة .

وانطلق سرب من الطائرات التابع للجيش الألمانى متجها نحو المطار الانجليزى المجاور لمعسكرنا , وانقضت الطائرات كالنسور الوحشية على المطار فأحرقته . وكان الهدف الرئيسى هو الطائرة فيكتوريا .

وكان منظرا رهيبا ولكنه كان شجاعا ومؤثرا .

وكنا فى الميدان لا نشغل أنفسنا بسياسة الحرب , فلم تكن تعنينا الانتصارات والهزائم بقدر ما تعنينا هذه الحالة البائسة التى كنا نحياها : الطعام والشراب والبرد والغارات الجوية ثم كان أكثر اهتمام الجنود والمدنيين هو الحصول على مشترياتهم من الكانتين الخاص بالجيش الإنجليزى .

وكانت أكثر المبيعات التى تعرض على الوحدات من المسروقات " شاى – سجاير – بحارى – علب اللحم المختلفة – شوك وسكاكين – ملابس داخلية – بطاطين – ناموسيات وخلافه" كان هذا شغلنا الشاغل فليست عندنا اذاعات ولا صحافة , ولا أنباء عن الحرب سوى هذه الطائرات التى تذهب محملة بأطنان من القنابل ثم تعود ونحن نرقبها كالعداد .

العودة الى ألماظة

قضينا فى القصابة حوالى ستة شهور وسط المعارك والخنادق التى كثيرا ما كنا نهرع اليها ليلا ونهارا .

وعادت الوحدة الىالقاهرة فى ألماظة .

وكنا نعامل هناك معاملة شديدة وقاسية جدا , حيث أن قيادتنا هناك آلت الى ضباط نظاميين فكانوا على النقيض من ضباطنا المهندسين .

ولا تزال الطبقية فى أخلاق أبناء الجيش قائمة فكل مؤهل يتعالى على المؤهل الذى هو دونه وصف الضباط والجنود يطحنون بين هؤلاء جميعا .

وكان قائد وحدتنا " السرية الأولى المتوسطة " هو اليوزباشى المهندس " أحمد كامل البدرى " الفريق مهندس وزير الانتاج الحربى فى حكومة ممدوح سالم وكانت أخلاقه على مستوى عال ونظيف .

وكانت أول زيارة فى القاهرة للقاء فضيلة المرشد العام وقد استقبلنا بالاحضان بعواطف جياشة تفيض بالحب العميق الذى نحس معه بالدفء والسعادة الغامرة .

وسألنا عن رحلتنا فى الصحراء الغربية , وحدثناه عن مشاهداتنها فى الحرب .. وأصبحنا نقضى كل اجازاتنا بعد ذلك فى دار المركز العام ونحضر أحاديث الخميس كالمعتاد ونصلى الجمعة فى رحاب أستاذنا المرشد العام .

استعراض كلية الهندسة

لأول مرة فى تاريخ فؤاد والتى لم يكن فى الدولة المصرية جامعة سواها – ينظم فيها استعراض لمعدات سلاح الصيانة العسكرية وهى سيارات الصناعات من برادة .

وميكانيكا وسمكرة ولحام وميكانيكا سيارات .

وكذا سيارات النجدة من أوناش وحمالات للسيارات .

فقد اقترح اليوزباشى المهندس أحمد كامل البدرى قائد السرية الأولى المتوسطة اقامة هذا الاستعراض ليتعرف طلاب كلية الهندسة على تطور الجيش فى مصر من الناحية الفنية .

وكان اليوزباشى أحمد كامل البدرى من خريجى هذه الكلية . وكان يقوم بالشرح للطلاب وقد نجحت الفكرة نجاح طيبا .

هروب عزيز المصري

وبينما نحن فى معسكر سلاح الصيانة بألماظة , أذيع نبأ هروب عزيز المصري باشا رئيس هيئة أركان حرب الجيش صباح الجمعة 16-5-1941 على متن طائرة حربية .

وكانت وجهة الطائرة هى الاتصال بقيادة قوات المحور "روميل" التى كانت فى هذا الوقت تكتسح قوات الحلفاء فى الصحراء الغربية .

وقيل ان عزيز المصري كان يحمل معه بعض الخرائط العسكرية الهامة جدا .

وحين قامت الطائرةمن مطار ألماظة الحربى , نسى قائد الطائرة " عبد المنعم عبد الرؤوف " أن يفتح ماسورة الزيت , مما أدى الى ارتفاع درجة حرارة الموتور , وكادت الطائرة أن تحترق .

فكان من الضرورى أن تهبط فى أقرب مكان وبأسرع وقت فهبطت فى مزارع قرية المرج بالقرب من القاهرة .

وكان ذلك فى عهد حكومة حسين سرى باشا الذى خش على نفسه أن يقول الإنجليز أنه متواطىء مع عزيز المصري , فجند كل قواته للقبض عليهم وتم بالفعل , وقدموا للمحاكمة .

مشروع مكافحة الأمية والفيلسوف المصرى

كنا مجموعة نجلس فى دار المركز العام للاخوان بالقاهرة , وجين دخل علينا أحد الاخوان القدامى ومعه شاب ضخم الجثة ملتح وشعر رأسه طويل ومسدل الى الخلف قد عاد قريبا من بعثة فى فرنسا , يحمل فكرة مشروع مكافحة الأمية , وجاء ليعرضه على فضيلة المرشد باعتبار أن الاخوان هيئة كبرى تستطيع أن تتبنى هذا المشروع.

وفجأة دخل علينا الاستاذ المرشد ونحن نناقش هذا الموضوع , فجلس كعادته معنا يتابع المناقشة والشاب المتحدث يضع ساقا على ساق وينفث البايب .

وبعد أن أنهى حديثه بدأ الاستاذ البنا يعقب عليه , فأدرك الرجل أن محدثه هو الاستاذ البنا , فاذا به يعدل من وضع رجليه , وبعد لحظة يطفىء البايب ويعتدل فى جلسته ويستمع فى انصات .

وقد أفهمه الاستاذ البنا ان الاخوان قد سبقوا فى هذا المضمار , فكل شعبة من شعبهم بها مدرسة لتعليم الأميين وتحفيظ القرآن الكريم , ولكن الشاب زاد على ذلك أنه يريد أن ينتقل بشباب الاخوان الى المقاهى ودوار العمدة ودور الجمعيات لافتتاح فصول لمكافحة الأمية , حاملا فى جولاته السبورات والمعدات اللازمة من كتب وخلافه .

فكان رأى الاستاذ المرشد أن هذا الأمر ممكن لو استكملنا نشاطنا فى شعب الاخوان حيث أن لها نظاما ولائحة تساعد على المواظبة على حضور جمهور الأميين ليتعلموا حتى اذا استوفينا هذا ننتقل الى المرحلة الثانية باذن الله تعالى .

انقلاب عسكرى فى العراق

ومن قبل وقع انقلاب عسكرى ضد الاحتلال البريطانى بقيادة رشيد غالى الكيلاني .

ولكن الانقلاب فشل حيث قامت القوات البريطانية بحركة مضادة واستطاع رشيد غالى الكيلاني الهروب الى المملكة العربية السعودية كلاجىء سياسى هناك .

وعلى أثر هذا الانقلاب , وحادث هروب الفريق عزيز المصري رئيس هيئة أركان حرب الجيش المصرى , وأخذت بريطانيا حذرها الشديد تجاه الأحزاب الوطنية فى البلاد العربية التى تحتلها , وأعادت حساباتها فىالمنطقة .

وكان من نتائج ذلك حادث 4 فبراير 1942 فى مصر ومن قبل حادث اعتقال الاستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمون .

نقل حسن البنا الى قنا : (1) راجع تفاصيل ذلك بكتاب ( حسن البنا مواقف فى الدعوة والتربية ) 163-167 تحت عنوان " رب ضارة نافعة "

وصدر أمر عسكرى بنقل الاستاذ حسن البنا الى مدينة قنا وأريد بذلك ابعاد المرشد عن جماعته على أمل احداث تفكك .

ونسوا أن حسن البنا قد ربى رجالا لا يلهيهم ولا يمنعهم عن العمل لدعوتهم غياب مرشدهم عنهم .

نقل الاستاذ البنا من قنا

كان قرار نقل الاستاذ البنا الى قنا فتحا مبينا للدعوة الاسلامية – كما تنبأ الاستاذ بذلك فى حديثه السابق – اذ استطاع أن يتحرك بالاسلام فى هذه الجموع من المسلمين بالصعيد حركة اسلامية واعية , فأيقظ مشاعرهم وحرك هممهم وربط بين قلوبهم فأحسوا بأنهم كانوا يعيشون فى غفلة , تلك الغفلة التى استغلها أعداء الاسلام فى السيطرة والتحكم فى اقتصادهم وكل مجالات حياتهم , فكان نقل الاستاذ البنا الى قنا خيرا وبركة على المسلمين هناك , مما جعل أعداء الاسلام يسعون بكل جهدهم للعمل على عودته الى القاهرة , فاصطنعوا استجوابا لوزير المعارف حينذاك عن سبب نقل الاستاذ البنا الى قنا فلم يجد وزير المعارف اية حجة تساعده على الرد على الاستجواب , فقد ذكر أن الاستاذ البنا لم يهمل ذات يوم فى واجبه المدرسى ,وأنه مشهود له بالكفاءة والنزاهة وأنه سيأمر بعودته من قنا الى القاهرة وبعد أسبوع صدر قرار بنقل الاستاذ البنا من قنا الىالقاهرة فاستقبله الاخوان أحسن استقبال .

اعتقال الاستاذ حسن البنا

لم يمض على عودة الاستاذ البنا من مدينة قنا الى القاهرة مدة طويلة حتى صدرقرار باعتقاله والاستاذ أحمد السكري الوكيل العام والاساذ عبد الحكيم عابدين السكرتير العام فى معتقل الزيتون بالقاهرة .

وهذا ما تنبأ به الاستاذ البنا فى حديثه مع أعضاء مكتب الإرشاد حين صدر له الأمر بتنفيذ النقل الى قنا , وقامت ضجة كبرى وسط الاخوان للضغط على الحكومة للافراج عن المرشد وزميليه ..

وبعد صلاة الجمعة بمسجد السلطان الحسن كان الاخوان وخاصة طلاب الجامعة قد اتفقوا على الاعتصام بالمسجد بعد صلاة الجمعة حتى يتقرر الافراج عن فضيلة المرشد العام وبعد الصلاة ظل الاخوان معتصمين ويهتفون ضد الظلم والطغيان وسرعان ما أقبلت قوات الأمن وعلى رأسها مدير الأمن وحكمدار العاصمة وكبار ضباط البوليس .

وعبثا حاولوا انهاء هذا الاعتصام .. ولكنهم لم ينجحوا الا بعد أن أعطوا للاخوان وعدا مؤكدا بالسعى للافراج عن فضيلة المرشد وصحبه. وعلى أثر ذلك قبل الشباب أن ينصرفوا الى منازلهم .

وبعد أن تم الافراج عن فضيلة المرشد استقبلناه فى مصلى " بدروم " المركز العام القديم بكل أشواقنا وعواطفنا الحارة .

وبدأ حديثه معنه فقال : لقد كانت فترة الاعتقال بمثابة اعتكاف اجبارى أو محطة فى طريق السفر الطويل راجعت فيها كتاب الله تعالى حفظا ودراسة ةتدبرا , وعرفت واختلطت بأناس آخرين .

ووجدت فرصة أخلوا فيها الى النفس أستعرض أحداث الماضى وأفكر فى الحاضر بهدوء وروية , وأعتقد أننا لن نخسر شيئا فى أمر قدره الله لنا .. فان ما يحدث لنا من عذاب واضطهاد , أمر قد تعاهدنا عليه , فلا غرابة فيه ولن يؤثر علي ما عقدنا العزم عليه , ولكنه – فقط – يعطينا المؤشرات ويحذرنا من المطبات ويفتح أعيننا على ما هو آت .. فان ما يحدث لنا لن يوقف حركة الدعوة ولن يرهب أبناءها الذين اعتقدوا أن أقل ما يطلب فى سبيلها هوالدم والمال .. " والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (1) سورة يوسف – 21 .

ثم استطرد الاستاذ البنا فقال : حين جاء أمر الافراج عنى سألت عن شمول هذا الأمر بالافراج عن الاساتذة أحمد السكري وعبد الحكيم عابدين ,فقيل : الافراج عنك وحدك .

فرفضت الخروج واستمسكت بذلك متذكرا قصة الحمام والصياد التى حفظناها من أيام الدراسة , والتى تحكى أن مجموعة من الحمام وقعت فى شباك صياد , وتصادف وجود فأر صديق لقائد سرب الحمام , فأراد أن يقوم بقرض الشبكة لتخليص قائد الحمام وحده ولكنه رفض أن ينجو بنفسه دون زملائه , فقام الفأر بتخليص الجميع .. وهكذا خجلت من نفسى : كيف أخرج وأترك اخوانى ؟ ولكن محاولات واتصالات كثيرة بذلت حتى أعطونى وعدا لاستصدار قرار الافراج عنهم .. وخرجت آسفا لذلك , ولكنى كما قلت لكم من قبل هذا هو الطريق , وبقى أن نواصل العمل مسترشدين بهذه الاحداث فى سبيل الوصول الى الغاية المنشودة ..

جمعية إخوان الحرية

حين يئس الإنجليز من احتواء الاستاذ حسن البنا وجماعته ,وحين زاد ضغط الطابور الخامس الذى يوالى المحور وينشر الاشاعات ضد الحلفاء , وجدت السفارة البريطانية فى مصر ضرورة عمل جمعية أسموها ( جمعية إخوان الحرية ) تقع تحت اشرافها , وأصدرت لها مجلة اسبوعية ( الحرية) , وكانت مهمة هذه الجمعية مناهضة جماعةالاخوان المسلمونبنشر الاكاذيب والادعاءات ضدها كى يوقفوا زحفها ويعطلوا سيرها ويشككوا فى أهدافها وانتشرت هذه الجمعية فى المدن الكبرى وانضم لها كل ذى مطمع أومرتزق أو انتهازى .

ولكن هذه الجمعية ككل الجمعيات تقوم على الباطل ما لبثت أن اصبحت فى خبر كان " فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث فى الأرض " (1) سورةالرعد 17 .

نقلى الى الإسماعيلية

صدرت تعليمات بنقل السرية الأولى المتوسطة من معسكر ألماظة الى معسكر الإسماعيلية وذهبنا الى منطقة ( القرش) تذكرت حين وصلت الى الإسماعيلية قصة الإمام الشهيد حسن البنا فى هذا البلد لطيب كما تذكرته حين سافر الى الإسماعيلية لأول مرة وكان فى وداعه على محطة سكة حديد القاهرة أحد أساتذته فقال له يا حسن ان من علامات الرجل الصالح أنه اذا نزل بلدا وخرج منها ترك فيها أثرا صالحا , وبعد عدة أيام نزلت لزيارة فى المدينى وراعنى ولفت نظرى هذه التلال من أجولة الدقيق الفاخر الاسترالى تملأ رصيف قناة السويس فضلا عن كيات هائلة من المأكولات والمهمات التى يزدحه بها رصيف الميناء .

كما أزعجنى مشهد القوات البريطانية التى تزدحم بها دون أى حرج أو خوف من المواطنين .

وقبل أن ابدأ رحلة هذه الزيارة توجهت الى دار الاخوان المسلمونبالإسماعيلية وكان الوقت صباحا فالتقيت بعدد قليل من الاخوان وتعرفت عليهم .

المؤتمر الخامس للإخوان المسلمون (1) تفاصيل الحفل حسن البنا – مواقف فى الدعوة والتربية ص 129 – وما بعدها وراجع رسالة المؤتمر الخامس .

وبعد عشر سنوات من قيام الجماعة وفى ظروف بالغة الأهمية انعقد المؤتمر الخامس للإخوان المسلمون جمعية شباب محمد (2) راجع تفاصيل هذا بكتاب – حسن البنامواقف فى الدعوة والتربية ص 149 – 164 .

وقد انقسم بعض الشباب لرغبتهم فى التعجل ووجهوا خطابا للمرشد العام اتهموه بأشياء كثيرة وقد أجابهم وفند ما ورد برسالتهم ووجه الامام بهذه المناسبة رسالة الىالاخوان المسلمونخاصة .

المؤتمر السادس للإخوان المسلمون

فى 11 من ذى الحجة 1359 الموافق 9 يناير 1941 عقد فى دار المركز العام للإخوان المسلمون بالقاهرة " المؤتمر السادس " وتناول الاستاذ المرشد فى خطابه الجامع كل شئون مصر الاجتامعية والاقتصادية والسياسية وشئون الجيش المصرى ومستقبله .

وقدم الاستاذ المرشد الحلول الممكنة والواقعية لكل قضية من هذه القضايا بكل صراحة ووضوح ,بعد أن كشف عن نشاط الجاليات الأجنبية الاحتكارية من بنوك عقارية وبنوك ربوية , كذا تحدث عن الامراض المتوطنة بأنواعها , تلك الامراض التى قتلت الشعب وأنهكته وقدم الاستاذ المرشد فى خطابه هذا احصائيات وبيانات دقيقة استقاها من مصادرها الحقيقية .

وقد كشف الاستاذ البنا فى هذا الخطاب عن شمول دعوة الاخوان المسلمون وصلتها بالمجتمع صلة وثيقة ومعرفة الاخوان بدقائق الأمور وانشغالهم بمطالب الناس .

ولقد اعتبرت الدوائر السياسية الوطنية منها والاجنبية على السواء ,أن هذا الخطاب مدخل خطير لمرحلة حاسمة من مراحل دعوة الاخوان المسلمون.

مع الجنود الهنود المسلمين

وبينما الحرب العالمية الثانية على أشدها ازدحمت المدن المصرية خاصة القاهرة والأسكندرية ومدن القناة ببالجنود الإنجليز , وكذا الجنود والضباط الهنود من مسلمين وهنادكة وغيرهم , من مختلف بلاد أفريقيا التى تستعمرها بريطانيا .

وكان من الملفت للنظر وجود ماعزبصحبة الهنود الهندوك يصطحبونها فى معسكراتهم ويجهزون لها مكانا خاصا حيث كانوا يقدمون لها بعض الطقوس الدينية .

وكان الامام حسن البنا يوصينا بأن نتعرف على الجنود الهنود المسلمين فى مساجد السيدة زينب ومسجد سيدنا الحسين , ثم ندعوهم لزيارة المركز العام للإخوان المسلمون .

وكنا نجد صعوبة شديدة فى التفاهم معهم فالكثير منهم لا يعرف اللغة العربية بل ولا اللغة الانجليزية التى يمكن أن نتفاهم بها بصعوبة أيضا .

فكنا نقرأ لهم بعض الآيات من القرآن الكريم فتنشرح لها صدورهم وتهش لها وجوههم , ثم نتخاطب معهم بعد ذلك بأسلوب الدعوة لتناول فنجان من الشاى ثم نتوجه معهم الى المركز العام , حيث يكون هناك بعض الذين يحسنون التحدث ببعض اللغات , حيث أنه يوجد فى دار المركز العام فى هذا الوقت نواة لقسم الاتصال بالعالم الاسلامى , فكان الحديث يبدأ بالتعارف والحديث عن أحوال المسلمين ثم يتدرج الى دعوة الاخوان المسلمونوكان الأستاذ المرشد يحضر بعض هذه الجلسات بصورة تعارف .

حادثة 4 فبراير

وكان حادث 4 فبراير 1942 والذى أصبحت تفاصيله لدى الجميع وقد علمنا فى حينه فى المعسكر , والذى أحب أن أضيفه الى هذه القصة أنه بمجرد أن حاصر الجيش البريطانى قصر عابدين وسلم السفير البريطانى الانذار المشهور الى الملك فاروق .

وفى نفس الوقت قام اللواء عمر باشا طنطاوى بقوات مسلحة من الجيش المصرى وحاصر القوات البريطانية من الخلف وكادت تحدث قتنة ومذبحة لولا أن صدرت أوامر الملك بانسحاب قوات عمر باشا طنطاوى فانسحبت بسلام .

قصة اليوزباشى المهندس أحمد كامل البدرى

كان فى السرية الأولى ( صول تعليم يسمى الصول قنديل ) كان رجلا جاوز الخمسين مغرما بشرب المكيفات بأنواعها وبعد انتهاء تمام المساء يقوم باستدعاء بعض الشباب من ( الصناع العسكريين ) ليشاركوه فى هذا المنكر ولكن كنت أنا المسئول عن الصناع العسكريين فقد أمرتهم بعدم الذهاب اليه – فأسرها قنديل فى نفسه .

وذات يوم زارنى شاويش اسمه صبرى بهيتة من رشيد ومن سلاح الأنوار الكاشفة وكان ذلك قبل انتهاء مواعيد العمل فأخذته الى خيمتى لأقدم له التحية وفى الحال ذهب الصول قنديل الى اليوزباشى أحمد كامل البدرى ولفق لى تهمة بأن الشاويش صبرى جاء ليأخذ بعض قطع الغيار من المخزن الذى أشرف عليه ..

وبينما أنا أجلس مع ضيفى اذا باليوزباشى يدخل علينا متجهما ويطرد الشاويش بعد أن أخذ اسمه وعنوان وحدته ثم وقع على الحبس ووضع على شاويش حرس وهو الأخ على عطية البلاغ وهش الصول قنديل لهذه المؤامرة الملفقة وكانت هذه القصة سببا مباشرا لعمق صلتى باليوزباشى حيث تبين له عدم صحة ما قاله الصول قنديل .

حسن البنا والانتخابات

رشح الامام حسن البنا نفسه لانتخابات مجلس النواب مرتين الأولى عام 1942 والثانية 1945 وفى كل مرة يتعرض الاخوان والامام حسن البنا الى ضغوط الحكومة وتهديدها بمحاربة الاخوان اذا لم يتنازل الامام حسن البنا عن الترشيح وأن هذا يحدث من الحكومة استجابة للانجليز كما عمدت الحكومة الى التزوير فى المرة الوحيدة التى سمحت فيها باجراء الانتخابات ومع ذلك جرت اعادة للانتخابات .

صورة من تقرير الأمن العام

أرسل الأمن العام تقريرا بشأن تنازل الأستاذ المرشد حسن البنا عن ترشيح نفسه عام 1942 :

من حكمدار بوليس مصر

رابعا – الاخوان المسلمون

محافظة الأسكندرية – 104 سرى سياسى

حضرة صاحب العزة مدير ادارة الأمن العام . نتشرف بأن نبلغ عزتكم ما يأتى :

علمنا أن أعضاء جمعية الاخوان المسلمونبالأسكندرية تلقوا خبرا باعتزام الأستاذ حسن البنا رئيس المركزالعام للإخوان المسلمون بمصر الحضور الى الأسكندرية بقطار الساعة الحادية عشرة صباح يوم 6 الجارى – فتوجه نحو أربعين شخصا منهم الى محطة السكة الحديد لاستقباله .

ولكنه لم يحضر بالقطار فظنوا أنه سيحضر بالسيارة – وقصدوا دار الجمعية بشارع التتويج رقم 59 وانتظروا بها – وشاع الخبر بين الاعضاء الآخرين .

فتوافدوا على دار الجماعة حتى وصل عدد الحاضرين الى 80 تقريبا .

واثناء فترة الانتظار هذه ألقى جاد أفندى لاشين مدرس اللغة العربية بمدرسة راس التين الثانوية كلمة أشاد فيها بفكرة الاخوان المسلمونوأيدهم فى العمل على تحقيق مبادئهم .

وفى الساعة الواحدة والثلث بعد الظهر وصل الاستاذ حسن البنا الى دار الجمعية فاستقبله الحاضرون بالتكبير والتهليل وترديد مبادىء الاخوان المسلمون.

وبعد فترة قصيرة وقف على منصة الخطابة وقال انه قام بهذه الزيارة العاجلة لكى يفضى اليه بالأسباب التى حملته على التنازل عن ترشيح نفسه لعضوية مجلس النواب .

وأن ما سيقوله انما هو من الأسرار الخاصة بالاخوان المسلموندون سواهم ولا يجوز اطلاع الجمهور عليه .

انتقل الى الحديث عن موضوع الترشيح فقال ان الغرض الذى رمى اليه من ترشيح نفسه لعضوية النواب عن دائرة الإسماعيلية هو العمل على تحقق مبادىء الاخوان المسلمونبالطرق الدستورية المشروعة ورفع صوتهم فى البرلمان ولكنه لم يكد يذاع خبر الترشيح ودفع التأمين الا واتصل به حضرة عبد الواحد الوكيل بك صهر حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا وتكلم معه فى موقف الاخوان المسلمون– وطلب منه الرجوع الى رفعة النحاس باشا – لكى يكون رفعته على بينة من أمرهم – لأن رفعته لديه فكرة غامضة عنهم وبعد بضعة أيام تلقى دعوة بمقابلة رفعة النحاس باشا – وتمت المقابلة .

فعلا بفندق مينا هاوس وقد طلب منه النحاس باشا أن يتنازل عن ترشيح نفسه وصارحه رفعته بأنه يطلب ذلك ايثارا للمصلحة العامة ولمصلحته ( أى مصلحة الاستاذ البنا ) ان كان يريد الابقاء على جماعة الاخوان المسلمونفى مختلف البلدان – فرفض ذلك وقال انه يستعمل حقا من حقوقه الدستورية ولا يرى ما يمنعه من الترشيح وان كانت هناك موانع فانه يطلب بيانها كى يتبين مبلغها من الصحة .

وفضلا عن ذلك فان قرار الترشيح صدر من هيئة المكتب العام لجماعة الاخوان المسلمون– وأنه شخصيا لا يملك حق الرجوع فى ذلك فرجاه رفعة الباشا أن يعمل على الاقتناع واقناع الأعضاء بالعدول عن ذلك .

وأن رفعته رأى أن يدعوه لينصح له بالتنازل والا اضطر الى اتخاذ اجراءات أخرى يراها رفعته قاسية ولا يرتاح اليها ضميره – ولكنه حرصا على مصلحة البلد – مضطر الى تنفيذها – ولما استوضح عن تلك الاجراءات – قال رفعته انها حل جماعة الاخوان المسلمونونفى زعمائها الى خارج القطر وتلك هى رغبة هؤلاء الناس ( يقصد الإنجليز ) الذين بيدهم الأمر يصرفونه كما يرون ونحن مضطرون الى مجاملتهم خصوصا فى هذه المسائل الفرعية وفى هذه الظروف العصيبة ( لأنهم يقدرون على كل شىء وفى استطاعتهم – أن يدمروا البلد فى ساعتين ان شاءوا ) .

وقد ترك رفعته فرصة التفكير فى الامر وأن تتم مقابلة أخرى فى هذه الشأن – وقد عرض الأمر على هيئة مكتب الارشاد فلم توافق الأغلبية على التنازل ولكنه هو شخصيا وافق عليه لا خوفا من النفى ولكن حرصا على قيام الجماعة واستمراراها فى تنفيذ أغراضها وأخيرا استقر الرأى على التنازل وتوجه مرة أخرى لمقابلة رفعة النحاس باشا بواسطة سليم بك زكى .

الذى بسط لرفعته دعوة الاخوان ومدى انتشارها فى المدن والأقاليم فانتهز هذه الفرصة وطلب من رفعته ضمانات بقيام الجماعة وفروعها وعدم الوقوف فى سبيلها وعدم مراقبتها والتضييق على أعضائها للحد من نشاطهم فوعده رفعته بما طلب وقد ظهرت نتيجة ذلك فيما نشر بالجرائد عن الجماعة وعن اجتماعاتها – واستشهد بما نشر بأهرام أمس عن اجتماع طنطا وغيره من الاجتماعات .

ثم عاد الى تلخيص أسباب التنازل فقال :

1- الحرص على قيام جمعيات الاخوان المسلمونفى مختلف البلاد .
2- كسب ثقة النحاس باشا بوصفه رئيس الحكومة وزعيم الأغلبية .
3- عدم الاطمئنان الى نتيجة الانتخابات خوفا من التلاعب فيستعمل خصومهم ذلك لتشويه سمعهتم وأشار الى الخطاب الذى وجهه الى رفعة النحاس باشا ونشرته الصحف على أثر التنازل – وقال بأن سعادة عبد الواحد الوكيل بك تفاهم معه بشأن الخطاب .

وكان يريد أن يشار فيه بأن التنازل هواحترام لقرار الوفد بترشيح آخر – وأن يعلن تأييد الوفد فى سياسة التعاون مع بريطانيا لتنفيذ معاهدة التحالف – ولكنه ( الاستاذ البنا ) رفض هذا واكتفى بذكر فقرات من خطاب رفعة النحاس باشا بأن الاخوان عون له فى سياسة الاصلاح الدينى والاجتماعى وختم حديثه بحث الاخوان علىمواصلة النشاط فى نشر الدعوة – ثم تناول الحاضرون طعام الغذاء – وغادر الاستاذ الى محطة سيدى جابر للسفر الى طنطا بقطار الساعة الرابعة مساء .

وتفضلوا سيادتكم بقبول فائق الاحترام , 7-4-1942 . حكمدار بوليس الأسكندرية .

تعليق الأهرام

فاذا صح ما نقله المرشد السرى عن المرشد العام – فان الشيخ حسن البنا ربما قد يكون تزيد على النحاس باشا فيما أورده على لسانه عن سيطرة الإنجليز على الحكم وقدرتهم على تدمير البلد فى ساعتين .

انه ليس من المعقول أن يعرى النحاس باشا ضعفه على هذا النحو أمام الشيخ حسن البنا لاقناعه بسحب ترشيحه – خصوصا أن النحاس باشا كان فى مركز قوة وليس فى مركز ضعف – فضلا عن علاقته بالشيخ حسن البنا كخصم سياسى لم تكن تجيز له أن يسلم خصمه سلاحا كهذا السلاح يطعنه به .

الأمير عبد الكريم الخطابي

السويس فى 29-5-1942

وصلت فى الساعة الحادية عشرة مساءا الباخرة ( كاتوميا ) التى تقل بين ركابها البطل العربى الكبير زعيم الريف العربى المجاهد الأمير عبد الكريم وقد أوفد صاحب الجلالة الملك سعادة عبد الهادى الغزالى الى محافظ السويس لابلاغ سموه تحيات جلالته بمناسبة وصوله وقد صعد الى سطحها وقد توجهت الباخرة من السويس الى بور سعيد وقام الاستاذ محمد بن عبود رئيس الوفد المراكشى بلجان الجامعة بمجهود كبير بحيث أقنع الأمير بالنزول وحاشيته التى تبلغ الأربعين وأقنعه بانقاذ نفسه من الأسر حيث كانت الباخرة فى طريقها الى فرنسا ليعيش هناك وقد اتصل الاستاذ محمد بن عبود بالجهات العليا التى رحبت بالفكرة , وعلى ذلك سافر من بور سعيد الى القاهرة حيث قيد اسمه فى سجل التشريفات ثم لجأ الى السفارة المراكشية بالقاهرة , وقد استقبل استقبالا رائعا من جميع طبقات الشعب وخاصة جماعة الاخوان المسلمون.

وقد احتجت فرنسا حيث قلبلت سفير فرنسا ومستشار السفارة الفرنسية دولة رئيس الحكومة وقدم احتجاجا فرنسيا على ضيافة مصر للأمير عبد الكريم بطل الريف .

عبد الكريم الخطابي بطل الريف

جاء بجريدة الاخبار بعد وفاة عبد الكريم الخطابي : يعتز التاريخ العربى الاسلامى بالأمير عبد الكريم الخطابي كبطل من الأبطال الأفذاذ الذين يضيئون صفحات هذا التاريخ على الزمان , وفى يقينى أننا لا نبغى أن نقصر أحياء ذكرى عبد الكريم الخطابيى على مناسبة أو أخرى كالذكرى الخامسة عشرة لوفاته التى تصادف اليوم بل ينبغى علينا أن نجسد سيرته لأجيالنا ( الإمام الشهيد حسن البنا وعن يساره الاستاذ أحمد حسين حزب مصر الفتاة – ثم الأمير المجاهد عبد الكريم الخطابي – فى صورة نادرة قبل اشهر قليلة من العدوان الغادر على الإمام الشهيد . ) العربية ليقفوا على حياة وأعمال هذا الرجل الذى تحدى أسبانيا وفرنسا وأرغم برجاله القليلين جيوش الدولتين على الفرار أمامه ورفع أول مشاعل التحرير يوم كان الوطن العربى كله تحت الاحتلال الأوروبى .

لقد أعطى عبد الكريم الخطابي بانتصاراته المذهلة الدليل والبرهان على ان الانسان العربى يستطيع أن يواجه الاستعامار بالحديد والنار ويلحق به الهزائم المنكرة بل كان لعبد الكريم الخطابي وانتصاراته الأسطورية التأثير الأكبر على دفع حركات التحرر ضد الاستعمار والظلم فى العالم كله , وعلى كثرة المراجع العربية عنه تكاد تكون معدومة للأسف فقد استهون حياة عبد الكريم الخطابي عديدا م المؤلفين والمؤرخين الأجانب وأفاضوا فى شرح جوانب متعددة تميز بها هذا القائد العربى فى ميادين الحرب والسياسة والادارة والتنظيم , وقد حظى الجانب العسكرى باهتامهم الخاص , فكتبوا عن معاركه التى تدرس فى الأكاديميات العسكرية باعتبار أنه صاحب مدرسة خاصة فى تكتيك الحروب التحريرية بما امتازت بع من سرعة الحركة والمفاجأة والمرواغة وتحقيق الانتصارات على جيوش نظامية قوية , والذى يكاد يجمع عليه المؤلفون أنه كان يتخذ القرار المناسب وبمنتهى السرعة وتحت تأثير أى ظرف ولكن بعض هذه المراجع الأجنبية رغم اعترافها بعبقرية الخطابى لا تخلو من التحامل عليه.

وهذا ما يجب أن يتصدى له مؤرخونا فعبد الكريم الذى ينتسب الى السلالة الكريمة لعمر من الخطاب ثانى الخلفاء الراشدين والذى كان مثال الحق والعدل فى التاريخ الاسلامى , كان يتسم بالاحساس الانسانى الذى ينشد الحق والعدل , ولهذا ثار على الظلم وثار من أجل حق الانسان وكانت انسانيته العميقة هى السحر الذى جذب نحوه قلوب جنوده , وبعكس ما أشيع عنه من أعدائه كان يكره التعصب والتطرف مع تمسكه بتعاليم الاسلام , فالدين فى نظره الرحمة والحركة المستمرة من أجل عدالة انسانية تظل البشرية جميعها لهذا لم يسع أبدا الى زعامة أوتسلط , بل نذر نفسه جنديا للحق والعدالة والحرية ولهذا السبب وقف بصلابة فى وجه كل طاغي ومستبد سواء كان فى الداخل أو الخارج والغريب أنه اشتهر فى العالم بلقب ( بطل الريف ) ولكنه فى الحقيقة لم يكن اقليميا بل كان قوة مؤثرة فى جميع الحركات التحريرية فى العالم عموما والأمة العربية خاصة , تدل على ذلك كل تصرفاته خلال الحرب التى خاضها وخلال اقامته فى مصر التلى استضافته وساندته وأيدته مناضلا وكان الأمير الخطابى يؤكد أن مصر هى فيض العالم العربى والاسلامى , وهى مركز ثقله وهى رصيد نضاله , ولقد بلغ ايمانه بعروبة مصر أنه أوصى بأن يدفن فى القاهرة – رمز العروبة – وكان له ما أراد .

وفاة الأمير عبد الكريم الخطابي

ولقد جاء الأمير الخطابى الى القاهرة فى مايو 1942 بعد أن قضى فى المنفى 20 عاما وكان عمره فى ذاك الوقت قد تجاوز الخامسة والستين ولكن تقدم السن لم يؤثر على مواصلة نضاله فى القاهرة , فشرع بعد استقراره فى القاهرة فورا فى تكوين لجنة لتحرير كل الشمال الافريقى من الاستعمار , وايجاد نواة جيش التحرير الذى كان الشرارة الأولى لانطلاق الثورة المسلحة ضد الاستعمار ولفظ الرجل العظيم أنفاسه الأخيرة فى 6 فبراير 1963 وهو يردد أنه يلقى ربه مستريحا بعد مشوار النضال الطويل – فقد عاش حتى رأى وطن العرب يتحرر من المستعمرين – ان القاهرة التى قال عنها عبد الكريم الخطابي أنها نبض العروبة ليس فيها شارع واحد يحمل اسم عبد الكريم الخطابي .

جاء فى جريدة الأخبار فبراير 1978 بمناسبة مرور خمسة عشر عاما على وفاه .

الأستاذ محمد اسماعيل شلبي

وفى هذه الفترة وفى أوائل عام 1944 انضم الى الاخوان المسلمونبالأسكندرية شخصيبة من الدعاة الذين كانوا يخطبون فى المساجد والمناسبات – ذلك هوالاستاذ محمد اسماعيل شلبي المدرس الأول فى المدارس الثانوية للبنات وقد نشط بعد انضمامه للاخوان نشاطا مفوها ولبقا – وكان كثير الاستشهاد بروايات صوفية يجذب بها عوام الناس وقد لوحظ بعد ذلك أنه كان يحفظ كلمات ورسائل الاستاذ حسن البنا ويتحدث بها الى الاخوان وظل على هذا النشاط الكبير ليل نهار – حتى أن الاخوان المسلمونبشعبة ( الباب الجديد ) قد علقوا له صورة فى دار الشعبة وأطلقوا عليه اسم المرشد العام بالأسكندرية – وحين التقينا به فى اجتماع مجلس المنطقة واجهناه بهذه التطورات فأنكر علمه بها وقد قمنا بافهام الاخوة فى شعبة الباب الجديد بأن هذا الاسلوب يخالف نظام الاخوان اذ ليس للاخوان الا مرشد واحد هو الاستاذ البنا وقد استجاب الاخوة وصححوا موقفهم بعد هذا الايضاح – وكان السبب الحقيقى قيما حدث هو قرب عهدهم بدعوة الاخوان وظل الاستاذ محمد شلبى على صلته بالجماعة ورحلاته وزياراته المتوالية لنشر الدعوة – فكانت صلته وثيقة بفضيلة المرشد العام الذى يقدمه ويرحب به وينزله منزلته – ولم يكن الاستاذ شلبى فى هذا الوقت سوى داعية – أما رئيس الاخوان المسلمونبالأسكندرية فقد كان المهندس محمد لبيب البوهي الذى عينه الاستاذ المرشد بعد الاستئذان من محمد عبد الفتاح جميعى – رئيس الاخوان وبقى الاستاذ جميعى على وفائه وولائه جنديا مخلصا للدعوة حتى لقى الله تعالى صادق العهد والوعد – وقد كان الاستاذ لبيب البوهى أقدر فى هذه المرحلة على متابعة ومسايرة حركة دعوة الاخوان .

وظل الاستاذ شلبى يعمل مع الاخوان حتى انفصل عنهم على أثر خطبة له فى رشيد وأنشأ ( جماعة التقوى والارشاد ) التى انتهت بوفاته .

الاستاذ المرشد فى تلا وكفر ربيع

عام 1943 دعى الاخوان فى طنطا لحضور الاحتفال الذى سيحضره فضيلة المرشد فى مدينة تلا وكنت فى صحبة الاخوة فى هذ الزيارة وهناك رأيت فرق الجوالة فى انتظار حضور فضيلة المرشد .

ثم توجهنا الى دار الشعبة وخطبنا الاستاذ المرشد خطابا من وحى الأحداث ثم تحدث بعده الأخ سعيد رمضان وتناولنا الغداء فى دار الشعبة وفى المساء توجهنا الى مسجد جديد بالمدينة حيث قضينا ليلتنا وتناولنا طعام العشاء بدعوة من أحمد باشا عبد الغفار .

وفى الصباح طلب الاستاذ المرشد أن لا يصحبه فى زيارته الى كفر ربيع سوى خمسين فقط من الاخوان على أن يمون فى مقدمتهم الاخوة القادمون من الأقاليم – وكنت من هؤلاء .

وتوجه الركب الى كفر ربيع حيث ( قصر ) محمد باشا أبو حسين وهناك استقبلنا أحسن استقبال وأدى فضيلة المرشد صلاة الجمعة بمسجد القرية – ثم توجهنا للغداء فى رحاب عائلة أبو حسين ومدت الموائد وقدمت أنواع من الأطعمة المختلفة وكانت عائلة محمد باشا أبو حسين تقوم على خدمتنا والترحيب بنا . كما كان فضيلة المرشد يقوم أيضا بتقديم الطعام بنفسه لاخوانه وبعد تناول الغداء جلسنا جميعا فى حجرة الاستقبال حيث أجاب فضيلة المرشد ردا على بعض الأسئلة وقيبل المغرب عدنا الى طنطا وواصل الاستاذ المرشد رحلته الى باقى البلاد . استفسرت عن سبب دعوة محمد باشا أبو حسين للاستاذ حسن البنا . فعلمت أن الاخوان الطلاب بالجامعة استطاعوا أن يضموا اليهم أحد أبناء عائلة أبو حسين وقد تاثر هذا الطالب بدعوة الاخوان وبدأ ينشر الدعوة وهذا يعطينا صورة جادة على أن الدعوة تستطيع أن تشق طريقها الى كل الطبقات لو أدرك الدعاة أهمية الدعوة الفردية والصبر على طبائع وأخلاقيات وعرف المجتمع واعطاء كل ذى حق خقه وأن ننزل الناس منازلهم .

وحين طلب الاستاذ المرشد أن لا يزيد عدد الاخوان الذين يصاحبونه الى كفر ربيع عن خمسين فردا كان هذا الطلب فى غاية اللباقة ودقة الشعور .. فالمعروف أن الاخوان حين ينزلون ضيوفا على اخوانهم لا يتكلفون لهم فى المأكل ( أكثر وجبات الاخوان فى رحلاتهم وزياراتهم هى الفول والطعمية ) وبهذا الاسلوب تتسع موائد الاخوان لكل من يشارك فى الرحلة والزيارة ولا توجد عضاضة عند المضيفين من أن يستقبلوا أى عدد من الزوار الكرام ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( لا تكلفوا للضيف فتبغضوه )

وعند اعتزام الاستاذ المرشد زيارة كفر ربيع ضيفا على عائلة محمد باشا أبو حسين عضو مجلس الشيوخ – كان يعلم أن اسلوب عائلة حسين يختلف عن أسلوب عامة الاخوان فى الضيافة – لهذا طلب العدد الذى يتناسب مع ذوق الاخوان – مع اعتقاد الاستاذ المرشد أن عائلة أبو حسين باشا تستطيع أن تستضيف المئات .

التفكير فى الحج

كنت قد بدأت أكتب يومية – حين بدأت أكتب المقدمة كتبت " استيقظت اليوم صلاة الفجر وتوجهت الى الكعبة الشريفة قبلة المسلمين " ثم توقفت عن الكتابة فجأة حيث كنت أريد أن أصف الكعبة الشريفة ولكننى لم أستطع حيث لم أكن قد رأيتها من قبل – وجاءنى هاتف يقول ولماذا لا تفكر فى رؤيتها بالفعل وهنا تحمست للحج وخاطبت زميلى محمد بيومى الباسل فى هذه الخاطرة – وسرعان ما انشرح صدره لهذا الأمل وقمنا فى الحال بكتابة طلب الى ادارة الجيش بالتصريح لنا باجازة لأداء فريضة الحج مع السماح لنا بصرف مرتب شهرين مقدما – وبعد عدة أيام جاءنا الرد من ادارة الجيش بالموافقة وسررنا سرورا عظيما لتوفيق الله تعالى لنا – وبدأنا نستعد للرحلة المباركة ولكننا فوجئنا بصدور أوامر بنقل الوحدة الى الأسكندرية – وتحركنا وأقمنا معسكرنا هذه المرة فى أرض فضاء تواجه ( كلية سان مارك بالشاطبى ) وتلك الأرض نفسها سبق أن أقمنا عليها عام 1937 معسكرا كشفيا للاخوان المسلمون بقيادة الأخ الكبير محمود أبو السعود واستأجرنا أنا وزميلى محمد الباسل والأخ محمد أبو رجيلة شقة بحارة النخلة المتفرعة من شارع اسماعيل صبرى بحى رأس التين بالأسكندرية وكان ذلك فى منتصف عام 1943 وسيكون لهذه الشقة بعد قصص وحكايات .

الى السعودية لأداء فريضة الحج

توجهنا الى مدينة السويس وغادرناها على احدى بواخر شركة بنك مصر الى مدينة جدة – وقد استبدلنا ما معنا من نقود مصرية الى ما يساوى مائة جنيه من الذهب حيث كانت قيمة الجنيه من الذهب بسبعة وتسعين ونصف قرشا مصريا .

وعلى الباخرة ( بعد مسافة الرحيل ) أصابنا دوار البحر الذى أخذنا له كمية من الليمون البنزهير الرشيدى – كما شاهدنا فى طريقنا فى عرض البحر الأحمر أنواعا من الأسماك المختلفة الأشكال والأحجام التى كانت تظهر بالقرب من الباخرة حيث كان الحجاج يلقون لها بعضا من الطعام .

وفى ميناء جدة أنزلنا أمتعتنا بواسطة حبال الى الزوارق التى كانت تلتصق بالباخرة التى يصعب أن تدنو من الميناء .

وحين نزلنا من الزوارق كان فى انتظارنا المطوف الذى يتعهد باستقبالنا وتوديعنا ومساعدتنا فى أداء مناسك الحج وهو النظام الذى كان متبعا فى ذلك الزمان .

ومدينة جدة يمئذ تشبه الى حد كبير مدينة رشيد وخاصة فى الشكل المعمارى لمنازلها الاسلامية .. وقامت شركة بنك مصر بانشاء طريق مرصوف من جدة الى مكة المكرمة وهو الطريق الوحيد المرصوف فى المملكة العربية السعودية فى ذاك الوقت – وانتقلنا بالجمال وهى الوسيلة السائدة حيث كانت السيارات قليلة ونادرة فوصلنا مكة المكرمة قبيل الفجر فاغتسلنا فى بيت المطوف وتوجهنا الى بيت الله الحرام حيث واجهتنا الكعبة الشريفة فكبرنا وهللنا وتهللنا بالفرحة والسعادة والاشراق .

ثم طفنا طواف القدوم وقبلنا الحجر الأسود – ثم اقتربنا من بئر زمزم وشربنا حتى ارتوينا – وكان بئر زمزم يومئذ على الصورة التى نراها فى بلادنا حيث يقف عليه رجل ومعه دلو يستخرج لنا الماء ويوزعه علينا كما كان يحب كل منا ذلك . كما كان يحرص كثير من الحجاج على احضار ( قماش الكفن ) ليزمزمه ويعود به الى وطنه حتى اذا مات يكفن به .

وكان الحرم الشريف بالسعى بين الصفا والمروةوكانت المسافة بينها عبارة عن شارع تجارى على جانبى الطريق وكان الاختلاط بين الساعين وغيرهم يعطل ويعوق الحركة ويقلل من قدسية هذه الشعيرة – والفرق شاسع بين الأمس واليوم .

وفيما نحن نجلس فى الحرم الشريف فوجئنا بفتح باب الكعبة الشريفة وفى وسط هذا الزحام الشديد استطعنا أن ندخلها بفضل الله تعالى لمدة لحظات أدينا فيها ركعتى التحية فى أى اتجاه واشتدت بنا الحرارة حيث لا منفذ للهواء فخرجنا لصعوبةالبقاء .

وقد لاحظنا أن بداخل الكعبة الشريفة معلقات من قناديل وهدايا من الذهب الخالص .

وبعد أداء العمرة تحللنا من ملابس الاحرام وبدأنا فى عمل زيارات بعد صلاة العشاء لبيوت المطوفين للتعارف بالمسلمين الذين وفدوا من كل مكان – وقد زاملنا فى هذا النشاط الأخ الحاج محمد الصولي صهر الامام حسن البنا وهو من مدينة الإسماعيلية .

وفى صباح الثامن من ذى الحجة اغتسلنا ثم أحرمنا بالحج وتوجهنا الى منى ثم عرفة على الاقدام حيث كنا من أصغر الحجاج سنا مما لفت الينا أنظار الناس – حيث من المتعارف فى هذا العصر أنه لا يؤدى فريضة الحج الا من جاوز سنه الستين عاما . وكان عدد الحجيج فى هذا العام لا يزيد عن نصف مليون أو ربما أقل .

وعلى جبل عرفات طلب الملك عبد العزيز آل سعود من العلماء أن يدعوا الى صلاة الاستسقاء حيث قد مضت على السعودية سنوات لم ينزلها المطر وبعد أداء هذه الصلاة – ونحن نتوجه الى المزدلفة – أرعدت السماء وفتحت أبوابها بمطر غزير سالت به الأودية ولم يستطع الحجاج الايواء تحت أى مظلات مما تسبب عنه متاعب وارهاق شديد خاصة بالنسبة للشيوخ من الرجال واستجاب الله الدعاء .

الى المدينةالمنورة

وبعد أداء مناسك فريضة الحج وطواف الوداع – عطلت الحكومة السفر الى المدينة المنورة بالسيارات حيث أن الأرض أصبحت غير صالحة بعد هذه السيول من المطر – وسمحت للمسافرين بالجمال أن يتحركوا – لأن الجمال تستطيع السير فى الدروب والجبال – وركبت مع زميلى الأخ محمد الباسل جملا فى قافلة من نحو خمسين جملا – كل جمل يحمل اثنين واحد على اليمين والآخر على الشمال فيما يسمى ( شؤدف ) وكانت معنا فى القافلة احدى السيدات تسمى الحاجة ( ترنديل ) وكان وزنها كبيرا وما كان ينبغى أن تسافر بالجمل ولكن المطوف لم يرع هذا وبعد يوم واحد من تحرك القافلة (عقر ) الجمل الذى كانت تركبه مع زميله لها . فقال لها صاحب القافلة ( انت اسمك الحاجة ترمبيل مش الحاجة ترنديل )

المهم كان لزاما علينا وزميلى محمد الباسل أن نتطوع لها بالجمل الخاص بنا رحمة بها .. ومشينا بجوار القافلة عشرة أيام كاملة حيث أن المسافة بين مكة والمدينة حوالى 480 كم وحين عقر الجمل وهبه صاحبه لله تعالى ولم تمض ساعة حتى قام الحجاج الأفارقة بنحره أوذبحه ثم أوقدوا مواقد لطهى هذا اللحم وكان هذا رزق ساقه الله الينا- فاحجاج الأفارقة يخرجون من بلادهم البعيدة مشيا على الأقدام حسبة لله تعالى ويتحملون فى سبيل ذلك من المشاق فوق ما يتصوره الانسان .

وذات يوم قبل الغروب توجهت مع زميلى كى نملأ الزمازم بالماء من أحد الآبار المتباعدة فى هذه الصحراء .

وتأخرنا عن القافلة التى تحركت وأسعفنا أحد الأعراب الذى قال لنا سيروا على هدى ( البعر ) الجديد الذى يتساقط من البعير وفعلا أسرعنا الخطى تبعا لهذا البعر فوصلنا للقافلة بحمد الله تعالى ومن هنا فهمنا معنى قول : ( البعر تدل على البعير ) .

وفى طريقنا رأينا الكثير وتعرفنا على أصحابنا فى هذه القافلة – ومما لفت نظرى آية فى كتاب الله تعالى واضحة المعالم تثير اليقظة والانتباه – ذلك أننا نسير وسط الصحراء ليس الا السماء والارض والجبال والانسان والجمال – وهنا نقرأ قول الله تعالى : " أفلا ينظرون الى الابل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت فذكر انما أنت مذكر " (1) سورة الغاشية 17-21.

نعم ان هذه الايات الكريمة قد نزلت فى مكانها وصورت الواقع تصويرا رائعا ودقيقا .

وكم من الآيات الكريمة فى القرآن الكريم لها ما يطابقها فى الواقع الذى لم نكتشفه بعد .

وفى هذه الرحلة المباركة كانت النساء تغنى بما يسمى " بالحداء " وهذه كلمات منغمة مديحا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكم كانت هذ الكلمات تختلط بالدموع فى صفاء وحياء ومتعة فى سكون الليل والأشواق المتلهفة لزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقبل أذان الفجر وصلنا الى أسوار المدينة المنورة التى أغلقت أبوابها وقد شاهدنا على أبواب المدينة ( قاطرة سكة حديد) من مخلفات سكة حديد الحجاز التى كانت تسير فى قلب تركيا ودمشق والحجاز .

وحين فتحت المدينة المنورة ابوابها هرعنا الى بيت المطوف فاغتسلنا ثم توجهنا فى حب ولهفة الى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم .

وبين يدى الرسول صلى الله عليه وسلم فاضت الدموع واشتد الوجد وهامت العواطف وتناجت الأرواح بالدعاء .

وكم غلبنى التصور حين أدركت انه ليس بينى وبين جسده الشريف الا مسافة قليلة – كيف يستطيع محب أن يعيش فى هذا الشعور حتى يغيب عن الوجود .

وتتوالى الذكريات التى عشناها فى السيرة الشريفة فى حركة الرسول صلى الله عليه وسلم فى مكة وفى طريقه الى هذه المدينة المنورة . فى هجرته وما لاقاه من أهل مكة .

وحين يجلس المسلم فى الروضة الشريفة التى يقول فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة ) حيت يتصور الجالس فى هذه الروضة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سار بقدمه الشريفة فى هذه البقعة – وأنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب الناس من فوق هذا المنبر وأنه عليه الصلاة والسلام قرأ القرآن الكريم فى هذا المكان وكانت أحاديثه الشريفة تروى فى هذه الروضة – ثم يلتفت فيجد صاحب هذا المقام العظيم يرقد على بعد قريب منه – فان ذلك صعب تصوره وكانت الروضة الشريفة ما هى الا بيت الضيافة الذى يستقبل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ضيوفه )

أما أخلاق أهل المدينة المنورة فهى نور يستضاء به فى حسن استقبالهم وضيافتهم وكم كانوا يؤثرون ضيوف رسول الله صلى الله عليه وسلم على انفسهم .

فكنا اذا ذهبنا الى السوق لنشترى حاجياتنا – كانوا يتنحون عن الشراء حتى يكتفى الحجيج من كل طلباتهم الخاصة .

والمدينة على أصحابها أفضل الصلاة والسلام أكثر شبها بمدينة رشيد فى تربتها ومناخها ومنازلها كذلك فهى تكثر بها الخضروات الطازجة ويمر بها الماء الزلال من ( عين زبيدة ) وأهلها قبل ذلم من الصالحين .

ولم نمكث فى المدينة أكثر من ثلاثة أيام ثم عدنا على سيارة أجرة الى جدة حيث ركبنا الباخرة التى عادت الى مصر .

بعد أن مكثنا فى السعودية حوالى شهرين كاملين .

ولا أنسى أن أختم حديثى هذا عن هذه الرحلة المباركة .

بمناظرة بين سيارة وجمل .

فى الوقت الذى كنت أقطع المسافة سيرا على القدام سجلت هذا الحوار .

على أثر توقف السيارات بمناسبة سيول المطر :

الجمل : ايتها السيارة قفى لا تتحركى فأنت لا سبيل لك الا على طريق مرصوف .

أما أنا فاسير فى الدروب والجبال لا يعوقنى شىء .

السيارة : أنت أيها الجمل لا تحمل سوى فرد أو فردين أما أنا فأحمل الكثير وأصل فى وقت قصير .

الجمل : كل من يركبنى فهو آمن من الحوادث والكوارث وأنا لا أتأخر فى الطريق فلست فى حاجة الى بنزين فأنا أتحمل الجوع والعطش أياما وليالى دون تعطيل .

وأبلغ ما أريد فى أعماق الصحراء بلا ضرورة لاعداد الطرق . السيارة : أنت أيها الجمل بطىء السير .

الجمل : أنا أوغل فى الصحراء برفق وأمن وأصل الى غايتى باطمئنان وفى النهاية يؤكل لحمى أما أنت فتلقين فى الصحراء بلا فائدة وختاما ايتها السيارة . أنا ركبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا شرف لم تناليه ولن تناليه .

أول محاكمة عسكرية

وفى هذا المعسكر حدث أن جاءتنا مجموعة من الزملاء خريجى مدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية بالقاهرة لينضموا الى قوة السرية – وتصادف أن حضورهم وافق وقت طابور المساء فطلبت منهم أن لا يحضروا الطابور حيث أنهم مجهدون من السفر وكلفت بعض اخوانى أن يقوموا بخدمتهم وفى هذه اللحظات جاء اليوزباشى وفوجىء بهؤلاء يجلسون فى العنابر فى وقت طابور المساء فغضب وتلفظ بألفاظ غير لائقة وفيه اساءة بالغة لشعورنا جميعا .

وأمر الصول بأن يقوم غدا بعمل طابور بالهيئة السفرية عقابا لنا لعدم حضور الاخوان الجدد طابور المساء .

ولكنى فى الحال جمعت اخوانى صف الضباط الفنيين وتعاهدنا باصرار على عدم الامتثال لأمر هذا اليوزباشى الذى أهان كرامتنا – وفى الصباح الباكر جمعنا مهماتنا العسكرية وجلسنا أمام البوابة وحين جاء اليوزباشى المهندس أحمد كامل البدرى – فوجدنا على هذا الحال وبهذه الصورة من العصيان أراد أن يتفاهم معنا ولكننا رفضنا التفاهم معه وأخيرا وضعونا فى الحجز الشديد – وحولونا الى مكتب قائد سلاح الصيانة وأمام القائد وبدون تفاهم – وقع على زملائى الجزاء ( سبعة أيام مع قطع أربعة أخماس الماهية ) وهذا أقصى جزاء من اختصاصه . ولكننى رفضت هذا الجزاء وطلبت مقابلة اللواء قائد المنطقة الشمالية ( أحمد باشا زكى كمال ) .

وقبل اخوانى ما وقع عليهم من جزاء وعمل لهم انصراف ما عداى فقد رفضت هذا الجزاء . فنطق القائد بالنسبة لى ( يحاكم أمام مجلس عسكرى مركزى ) وبدأ زملائى على موقفى الشاذ ويطلبون منى أن أقبل الجزاء حتى لا يتضاعف .

فكنت أجيب بأنهم هم الذين يتراجعون عن موقفهم – فان المفروض أن هذا الجزاء يوقع أصلا على اليوزباشى الذى تسبب فى هذه المشكلة وأخيرا حولوا أوراقى الى السيد اللواء قائد المنطقة الشمالية – الذى أعاد الأوراق طالبا مجازاتى بواسطة قائد الوحدة حيث أن الملف الخاص بى ليس به جناية سابقة – وكنت فى حالة احتجازى بالوحدة الصامت الذى أحدث عندهم مشكلة حيث امتنعت عن الاجابة على أى سؤال – وقد فضلت الاضراب على الكلام وعن الاضراب عن الطعام وقد أحدث ذلك مشكلة قانونية بالنسبة للتحقيق .

وأخيرا حضر بعض الضباط وطلبوا منى أن اقبل نفس الجزاء الذى وقع على زملائى حتى يمكن ايجاد حل للمشكلة – فأصررت على أن يقوم اليوزباشى بالاعتذار لنا جملة وأمام جميع الزملاء – فوافقوا على هذا الطلب .

ووقع على الجزاء أيضا – وانفضت المشكلة بأن صدرت أوامر بتوزيعنا الى بعض الوحدات المختلفة حتى لا نكون مصدر تجمع يخلق لهم مشكلة فيما بعد – وعلى هذا ألأساس نقلت الى ورشة الصيانة بالحضرة بالأسكندرية .

الاخوان يستقبلون الملك عبد العزيز

استقبل الاخوان المسلمونوعلى راسهم فضيلة الاستاذ حسن البنا صاحب الجلالة الملك عبد العزيز آل سعود بألاف من شباب جوالة الاخوان وهم يحملون المشاعل الى قصر التين بالهتافات الاسلامية التى رددها معظم أهالى الأسكندرية على طول الطريق .

دار الاخوان الجديدة بالقاهرة

ضاقت دار الاخوان المسلمونبميدان الحلمية بالقاهرة على سعتها بنشاطات الجماعة المختلفة المتزايدة يوما بعد يوم وكان من الضرورى البحث عن دار أوسع تستوعب هذا النشاط وتستقبل المزيد من التوسعات المختلفة والمستقبلة وكان فى مواجهة دار الاخوان على راس شارع سكة راتب باشا الكبير بميدان الحلمية الجديدة – فيلا رائعة تقع على مساحة تقع على مساحة قدرها 1150 مترا مربعا وتتميز بكونها تقع فى مواجهة ميدان الحلمية الذى به نفس دار الاخوان القديمة وبها فناء خلفى – وقد أرسل الاستاذ المرشد أحد الاخوان يستطلع رأى اصحاب هذه الفيلا فى استئجارها أوشرئها – فكان الجواب أنه لا مانع عندهم من بيعها .

وعلى الفوراجتمع مكتب الإرشاد وبعد المباحثات قرر شراء الدار- ولم يكن فى صندوق الجماعة سوى 500 جنيه تقرر دفعها من الثمن كمقدم شراء وتحرر بذلك العقد المرفق صورته .

وعلى هذا خرجت مجلة الاخوان المسلمونالعدد (20) السنة الثانية السبت 20 شوال 1363 – 7 أكتوبر 1944 تحمل الى الاخوان بشرى شراء دارهم الجديدة – مدعمة بصورة عقد الشراء وصورة الدار فى الصفحة الأخيرة من المجلة مع دعوة الاخوان للمساهمة فى المشروع .

وذات يوم التقى بنا الاستاذ حسن البنا فى دار الاخوان الجديدة بالقاهرة وحدثنا فقال يوم أن عزمنا على شراء هذه الدار .

وقف منى اعضاء مكتب الإرشاد يسألوننى – من أين يمكن لنا أن نأتى بباقى ثمن الدار فضلا عن تكاليف اصلاحها وتأثيثها – قالوا اننى نخشى أن يتهمنا أعداء الاسلام بأن الاخوان المسلمونتأتيهم الأموال من الخارج ولابد أن نعرف كيف يكون التصرف من الآن فى مبلغ لا يقل عن خمسة عشر ألف جنيه .

فقلت لهم اننى سوف أعلن فى المجلة عن مشروع شراء الدار وسأترك للاخوان فرصة حتى آخر ديسمبر 1944 لتمويل المشروع .

فاذا لم يسدد المبلغ قبل موعد توقيع العقد النهائى بشهرفانى أحفظ من أسماء الاخوان وعناوينهم ما يزيد عن عشرين ألف أخ .

ففى هذه الحالة سوف اقوم بكتابة خطاب لكل أخ اطلب منه ما قيمته جنيها واحدا تبرعا لمشروع الدار .

وأعتقد أن ذلك هو أضعف الايمان . فسكت الاخوة أعضاء مكتب الإرشاد بعد هذا الايضاح وللحق ولتاريخ فقد كان الاخوان على مستوى حسن الظن بايمانهم ووفائهم فلم يمض شهر واحد حتى توفر لدى الاخوان المبلغ المطلوب ويزيد عن ذلك تلك الهبات العينية من عقود أراضى وأملاك أرسل بها الاخوان من كل مكان فى العالم الاسلامى لتكون تحت تصرف الجماعة هذا وانى لأذكر بالفخر والاعجاب الأخوات المسلمات حيث تطوعن بالحلى الذهبية وقد اتفق على عدم التصرف فى هذ التبرعات العينية ووضعوها فى خزينة الجماعة ليراها زوارنا ولتكون دليلا على المثل العليا التى انبعثت من نفوس المؤمنين بفضل عظمة هذ الدعوة ونبل أبنائها .

أحمد ماهر يمنع عرض الاخوان ومؤتمرهم

فى يناير 1945 سقطت حكومة مصطفى النحاس باشا – وتألفت حكومة جديدة من الحزب السعدى على راسها أحمد ماهر باشا وبعد فترة من الوقت كان الاخوان قد أعدوا دارهم الجديدة على أحسن وجه بعد أن جهزوها بالمكاتب والتليفونات ومختلف الاحتياجات ثم اعلنوا عن موعد الافتتاح للدار وأعدوا لذلك برنامجا حافلا وكبيرا على رأس هذا البرنامج عمل عرض لفرق جوالة الاخوان لا يقل عن عشرين ألفا – ثم فى نهاية اليوم يقام مؤتمر جامع للاخوان بميدان الحلمية ( الذى أصبح فى الواقع ميدان الاخوان المسلمون) وكان المركز العام قد أوفد مندوبين الى جميع المكاتب الادارية لتنظيم هذا العرض الكبير – فكل مكتب ادارى كلف الشعب بشراء ملابس جوالة جديدة – كما اختص كل مكتب ادارى بلون منديل الرقبة يختلف عن غيره من المكاتب كما أعد فى القاهرة مركز ايواء لكل مكتب ادارى مجهزا بوسائل الراحة من حيث الطعام والمبيت والمواصلات ثم وضع خط سير العرض من الابتداء الى الانتهاء وجهزت ادارة الجوالة بالقاهرة الأعلام الكبرى وعربات الاتصال والحراسات اللازمة للطوارىء وغير ذلك من المسؤوليات .

وفى ظهر يوم الخميس قبل العرض المقرر بيوم حيث سيبدأ العرض بعد صلاة الجمعة سافر من الأسكندرية بالقطار مالا يقل عن 1500 ألف وخمسمائة من الجوالة بملابسهم المدنية الى القاهرة ونزلوا من القطار متجهين الى العباسية حيث مركز الايواء الخاص بمدينة الأسكندرية وقد ساروا فى هيئة طابور مخترقين الشوارع والناس جميعا يهتفون لهم .

ورجال المرور يفتحون لهم الاشارات حتى وصلنا العباسية فاستقبلنا الاخوان أحسن استقبال .

وفوجىء فضيلة المرشد العام بقرار الحكومة بمنع الاخوان من الخروج فى عرض الجوالة المزمع مسيره غدا الجمعة كذا قرار بمنع المؤتمر بدار المركز العام فى مساء نفس اليوم .. كل هذا يحدث وجموع الاخوان تأتى الى القاهرة من جميع المدن من أسوان الىالأسكندرية وبعضها لا يزال فى الطريق وازدحمت مراكز لايواء بالاخوان الذين ظلوا يفدون الى منتصف الليل .

عقد المؤتمر فى الجامع الأزهر

وبعد أن اصدرت الحكومة أوامرها بالغاء عرض الجوالة ومؤتمر الاخوان – صدرت أوامر من فضيلة المرشد للاخوان بأداء فريضة الجمعة بجامع الأزهر الشريف وتوجهت جموع الاخوان تتدفق الى ميدان الأزهر – وكانت قوات البوليس قد سبقتهم الى هناك وحاصرت المسجد من كل مكان ..

واحتشد الاخوان فى المسجد حتى لم يبق فيه مكان لانسان .. وبعد انتهاء الصلاة – صعد المنبر فضيلة الشيخ عبد العزيز عبد الستار وبعد كلمات قليلة قدم الاستاذ البنا المرشد العام للاخوان والذى لم يلاحظ أحد أنه كان موجودا بالمسجد .

وتعالت الهتافات ( الله أكبر ولله الحمد ) حتى هزت أركان المسجد ووقف الامام حسن البنا يخطب الجماهير الاسلامية فى قوة وحماس – ولا زلت أذكر صورته وهو يقول أيها الاخوان لم نلتق فى هذا المسجد على شكل مظاهرة , وانما ليس فى القاهرة بعد قرار مصادرة الاحتفال بافتتاح دارنا مكان يتسع لهذا اللقاء فى شكله وفى مضمونه سوى الجامع الأزهر ..

وصاح الاستاذ أيها الاخوان اننا لسنا راغبين فى اثارة ولا خائفين من أية قوة ولكنا أبعد نظرا من أن نستفزنا الحوادث فنغامر بأمر دعوتنا واننى والله أيها الاخوان لأضع الحق فى يمينى وأضع روحى فى يسارى ويشير الى رقبته ولاأخاف فى الله لومة لائم – وليس أعظم من الصبر حين يملك الانسان نفسه عند الغضب – والآن أيها الاخوان لقد حققنا بهذا اللقاء بعض ما تجيش به نفوسنا نحوكم , كما أنكم أعلنتم بهذ اللقاء مدى ارتباطكم بدعوتكم فى دقة التنظيم وسرعة الاستجابة وضبط النفس , فانى أهيب بكم أن تنصرفوا فى هدوء مشكورين مأجورين ولا تعطوا لأعدائكم فرصة الاصطدام بكم .

ودوى المسجد بالهتافات الاسلامية , وبدأت هذه الجموع تنصرف فى هدوء ونظام , ولا أكون مبالغا اذا قلت ان بعض الاخوان غلب عليهم البكاء ( فضيلةالمرشد الاستاذ حسن البنا يقود مسيرة ضخمة من الجامع الأزهر الشريف الى فندق شبرد لتحية زعماء الدول العربية لمناصرة قضية فلسطين ) والتشنج من جلال الموقف وروعته وخرجت الوفود من الجامع فى جماعات فى صمت وهدوء .

وبغير توجيه سابق وجدت جموع الاخوان نفسها متجهة الى ميدان الحلمية الجديدة ولمتمض أكثر من ساعة حتى تجمعت فى دار المركز العام الجديد دون أن تعترض طريقها قوات البوليس – وما أن ازدحمت الدار وما حولها حتى وصل فضيلة المرشد مع بعض الاخوان وفوجىء بهذا المؤتمر الذى افتتح بالقرآن الكريم – ثم تكلم الاستاذ عبد الحكيم عابدين كلمة حماسية وما أن بلغ فى كلامه حد الهجوم العنيف على قصر عابدين وقصر الدوبارة ( مقر المندوب السامى البريطانى ) اذا بفضيلة المرشد العام يشير باختتام الحفل – وانصرف الاخوان وعادوا الى بلادهم فى هدوء وبدأ الاخوان بعد ذلك يباشرون نشاطهم فى دارهم الجديدة بالاضافة الى الدار القديمة التى اختصت ببعض النشاطات مثل قسم الجوالة وقسم الطلاب حتى احتلتها ادارة الجريدة اليومية بعد ذلك .

مقتل أحمد ماهر

حين بدأت الحرب العالمية الثانية تضع أوزارها طلبت بريطانيا التى لا تزال قواتها العسكرية رابضة على أرض مصر منذ احتلالها عام 1882 – طلبت من حكومة أحمد ماهر – اعلان الحرب على ( دول المحور ) بحجة أن يكون لمصر الحق فى حضور مؤتمر الصلح الذى ينعقد بعد انتهاء الحرب – مع العلم بأن الحرب قد قاربت على الانتهاء وأصبح من المعروف حتمية هزيمة دول المحور – ايطالياوألمانيا – والحرب كلها بين دول الحلفاء ودول المحور – ليس لنا فيها ناقة ولا جمل – وشعور أكثرية أهل مصر يخالف هذا الرأى ويعترض على اعلان الحكومة الحرب على المحور.

ولكن أحمد ماهر تحمس لاعلان الحرب – ودعا مجلس الشيوخ – والنواب الى عقد اجتماع فى مبنى دار البرلمان ليأخذ منهم قرارا باعلان الحرب .

وبينما أحمد ماهر يتوجه الى اجتماع مجلس الشيوخ مارا بالبهو الفرعونى – اذ بشاب يطلق عليه الرصاص فيرديه قتيلا فى الحال ويقبض البوليس على القاتل الذى تبين أنه ( محمود العيسوي المحامى ) .

وفى نفس الليلة من مساء يوم 24 فبراير 1945 قبض على الاستاذ حسن البنا المرشد العام وعلى الاستاذ أحمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة ولكن بعد يومين تم الافراج عنهما لعد اتهامهما .

وقدم المتهم محمود العيسوي الى المحاكمة – وقام بالدفاع عنه الاستاذ الكبير على بدوى الذى قال فى نهاية الدفاع ما معناه – لقد قدمت دفاعى عن هذا الشاب الذى قام بما يعتقد أنه خلاص لمصر من ويلات حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل – فاذا قدرتم هذه الظروف وتلك الدوافع فان هذا هو الأمل فى عدالتكم – وان رأيتم غير ذلك وحكمتم على هذا الشاب بالاعدام فانى أبكى فى هذا الشاب حال هذه الأمة التعسة .

وتمر السنون – وتعقد محكمة الشعب جلساتها لمحاكمة ذلك الأخطبوب الرهيب – النظام الخاص لجماعة الاخوان المسلمون– واذا الناس جميعا يفاجئون باعترافات أقطابهم الذين قرروا – أن محمود العيسوي قاتل أحمد ماهر من عشر سنوات لم يكن الا واحدا من أعضاء ( الجهاز السرى ) لعصابة الاخوان .

وتملكت الناس الدهشة لهذا الاعتراف الرهيب وأصابهم الذهول فقد تكشف عن خطة جهنمية على أن هذه العصابة لم تضرب الرقم القياسى فى كثرة عدد أعضائها أو تغلغلها فى مختلف طوائف الشعب ومدن القطر وقراه فحسب وانما ضربته أيضا فى براعة ( التكتيك ) واحكام التدبير , وفى الفدائية التى تعرف كيف تحرص على ( السر) مهما كانت النتائج أو كانت وسائل انتزاع الاعترافات .

هذا ما جاء على لسان حكومة جمال عبد الناصر فى كتاب ( جرائم الاخوان المسلمون) والله وحده هو الذى يعلم الحقيقة .

طباعة جريدة الاخوان وتوزيعها

الجريدة اليومية للإخوان المسلمون

امتلأت الميادين العامة بالقاهرة والأسكندرية وعواصم المحافظات باعلانات عن صدور الجريدة اليومية للإخوان المسلمون .. صوت الحق والقوة والحرية فى يوم 5 مايو 1946 .. وترقب الناس , وخاصة الاخوان المسلمونفى كل مكان , هذا اليوم بفرح وشغف , وبدأت الصحافة تنوه عن مشروع الجريدة اليومية , وأخذ الجميع يترقب صدورها بقلب كمنافس قوى له اتباع ومحبون ومشجعون فى كل مكان فمن الطريف أنك تجد بعض الاخوة الأميين يشترى مجلة الاخوان المسلمونويعطيها لغيره من الاخوان ليقرأها عليه , وهذا يدل على حرص أفراد الجماعة على تشجيع مؤسسات الدعوة .

وفى صباح يوم صدور الجريدة تجمهر الناس حول أماكن توزيع الجرائد مبكرين يترقبون توزيعها بكل حرص واهتمام .

ولكن حدث ما لم يكن كتوقعا ولا سيما عند صدور العدد الأول من الجريدة المرتقبة بعد كل هذه الاعلانات .

وتأخرت الجريدة فى الظهور أكثر من ساعتين ثم وصلت الى أيدى الجماهير المتلهفة اليها فكانت دهشتهم عظيمة حينما طالعتهم فى حجم كبير وورق أحمر اللون .

واستمرت الجريدة على هذا الحال يوما باللون الأحمر ويوما تصدر باللون الأزرق الفاتح وأحيانا تكون الحروف غير واضحة أومكسرة , مما اضطر ادارة الجريدة أن تكتب الى القراء اعتذار بالعدد رقم 17 هذا نصه " يلاحظ القراء أن جريدة الاخوان المسلمونتصدر فى ورق أحمر فى معظم الأيام وذلك لسبب واحد نذكره للأمة من ناحية ولتسمعه الحكومة من ناحية أخرى , وهو أن جريدة الاخوان هى الجريدة الوحيدة التى لم تقرر لها وزارة التموين فرخا واحدا من الورق منذ يوم صدورها الى الآن , الأمر الذى اضطرنا الى شراء كميات كبيرة من الورق من الخارج وصل بعضها والبعض الآخر لم يصل " .

مطبعة الجريدة اليومية

واذا كان من الضرورى أن نكتب هذه المذكرات فانما نريد من ورائها أن نعالج بعض المواقف فى مستقبل العلم الاسلامى , فقد وقع القائمون على أمر الجريدة فى تجربة شديدة وقاسية حينما أرادوا أن يستقبلوا بأمور الجريدة كلها من طباعة وتحرير مخافة أن يتورطوا فى طبعها مع جهة أخرى فتعرقل سيرها وتؤخر صدورها حتى تموت الجريدة فى السوق , وعلى هذا اشترت شركة الطباعة والنشر – وهى المؤسسة التى تقوم باصدار الجريدة اليومية – اشترت مطبعة جريدة الجهاد التى توقفت عن الصدور منذ سنين , والمطبعة من الطراز القديم تعمل بأسلوب ( الجمع اليدوى للحروف ) وقد احتلت المطبعة فناء المركز العام القديم وضاق بها المكان – على سعته – وتسببت هذه المطبعة فى صدور الجريدة اليومية بهذه الصورة التى لا تليق ولا تتناسب مع تطورات الدعوة الكبرى .واضطر الاخوان بعد هذه التجربة القاسية والخسارى الكبيرة الى أن يعودوا لطبع جريدتهم اليومية فى مطابع دار أخبار اليوم , فصدرت الجريدة فى ثوب جديد وشكل فريد وطباعة محترمة , ولكن بعد أن فقدت الجريدة حماس الناس من غير الاخوان , وعانت الجريدة من التوزيع .

سيارات توزيع الجريدة

وبعد فترة فكرت الجماعة فى شراء مجموعة من السيارات لتقوم بعملية التوزيع فى الأقاليم فاتسع نطاق التوزيع كما اتسعت مشاكل ومتاعب الادارة .

شركة الاعلانات العربية

وأمام الحصار المضروب على الجريدة من كل الأعداء على السواء فقد امتنعت الجهات الحكومية الحزبية عن الاعلان بالجريدة , وتبعا لذلك امتنعت الشركات الوطنية والشركات والمؤسسات الأجنبية والتى تمثل الأغلبية فى البلاد عن تمويل الجريدة بالاعلانات التى تعتبر العصب الاقتصادى لجميع الصحف والمجلات مما اضطر الاخوان الى تكوين ( شركة الاعلانات العربية ) وكان على رأسها الاستاذ محمود عساف , ونهضت الشركة بجهد كبير فى امداد وتمويل الجريدة بالاعلانات , وافتتحت الشركة مكاتب لها فى الأسكندرية وعواصم المحافظات .

والجدير بالذكر أن الاخوان – انطلاقا من رغبتهم فى اصدار جريدة يومية – قد قاموا بتكوين عدة شركات مساهمة ذات أسهم مسجلة , فكانت شركة الجريدة اليومية وشركة الطباعة والنشر وشركة الاعلانات العربية , وقامت شركة الطباعة والنشر بشراء قطعة أرض ذا مساحة واسعة حوالى 1500 متر وهى الارض الفضاء التى تواجه مسجد قيسون فى شارع محمد على قريبا من دار المركز العام للإخوان المسلمون بالحلمية الجديدة وقام المهندس العالمى سيد كريم بعمل ( ماكيت ) للمبنى الكبير للمطبعة على أحدث ما وصلت اليه دور الطباعة والنشر فى العالم فى هذا الوقت , وقدر الله تعالى أن يصدر قرار حل الجماعة فى 8 ديسمبر 1948 دون أن يبدأ العمل فى فى هذا المشروع العظيم , وصادرت الحكومة كل ممتلكات الجماعة دون أن ترد لأصحاب السهم ما يستحقونه من حقوق .

مشروع معاهدة صدقى بيفن

فى الوقت الذى صدرت فيه الجريدة اليومية للإخوان المسلمون كانت الحركة الوطنية على أشدها ضد الاستعمار البريطانى فى مصر .

وكان اسماعيل صدقي باشا رئيس الحكومة يمئذ يتولى المفاوضات مع وزير خارجية انجلترا المستر بيفن فى محاولة لجلاء القوات البريطانية عن أرض الوطن فى شكل معاهدة جديدة أطلق عليها صدقى بيفن .

وتميزت جريدة الاخوان المسلموناليومية عن سائر الصحف بأنها استطاعت أن تحصل على بعض النصوص الهامة فى اتفاقية صدقى بيفن مما يعتبر من الأسرار الخطيرة التى أذاعتها تعويق سير الفاوضات التى كانت تتم بين المتفاوضين فى لندن , وكان لاذاعة هذه النصوص رد فعل على المفاوضة بحيث كشفت الجريدة للشعب المصرى عن مؤامرة جديدة تعطى الانجليز حق البقاء العسكرى فى مصر فى صورة معاهدة تشبه معاهدة 1936 التى سموها وقتئذ معاهدة الشرف والاستقلال .

على أثر هذه الحملة التىقادتها جريدة الاخوان وكشف مؤامرة اسماعيل صدقى ضد ارادة الشعب المصرى الذى انطلق بكل قوة يندد ببقاء القوات العسكرية جميعها على أرض مصر ويطالب بأنه لا معاهدة الا بعد الجلاء وهو بذلك يقطع الطريق على أية محاولة لعمل معاهدة جديدة تعطى الانجليز الحق فى البقاء .

ولم تمض فترة من الزمن حتى قطع رئيس الحكومة المفاوضات وعاد ليقدم استقالته الى الملك فاروق . وبهذا انتهت وزارة اسماعيل صدقى لتبدأ وزارة محمود فهمى النقراشى الأولى .

مظاهرات 4 مارس 1946 بالأسكندرية

بدأت فى صباح هذا اليوم مظاهرات سلمية تطالب الإنجليز بالجلاء واحتشدت الوفود الشعبية من العمال والطلاب فى صورة مسيرات ضخمة منظمة اذ تقودها سيارة ( بمكريفون ) ويشرف عليها شباب الاخوان المسلمون,وعندما اقتربت مؤشرات الساعة من الرابعة عصرا , وفى ميدان سعد زغلول بالقرب من شارع سعيد أطلق بعض الأجانب من شرفات منازلهم بعض الأعيرة النارية على المتظاهرين وما أن سمعت الجماهير صوت الأعيرة النارية حتى أفلت الزمام من قادة المسيرة وانقلبت المسيرة الى ثورة عارمة وكان فى هذه المكان فندق يسمى ( فندق الأتلانتيك ) يرتفع فوقه العلم البريطانى ويقيم فى هذا الفندق جنود البحرية البريطانية .

كما كانت هناك بعض العمارات حتى شارع سعيد يقطنها الجنود الإنجليز أوبمعنى آخر يحتلها الجيش الإنجليزى عن آخرها .

كما كان هناك فى مواجهة تمثال سعد زغلول من الخلف ( كشك ) مقرا للبوليس الحربى الانجليزى .. فقام الشباب بدون تنظيم أو تحريض من أحد باقتحام هذه المعاقل جميعها دون خوف أو تردد وهو يردد الجلاء أو الموت .

وى وانت أفيكويشن

نحن نريد الجلاء

وقام الشباب بخلع الأحذية واستعمال الجوارب بغمسها فى البنزين الموجود فى خزانات السيارات الموجودة فى الشوارع ثم اشعالها بالنار وقذفها بقوة على سطوح المنازل والنوافذ التى يختبىء خلفها جنود الاحتلال واستطاع الشباب أن يقتلوا بعض الجنود ويحرقوا بعض المنازل بما فيها مقر البوليس الحربى – ولم يستطع البوليس المصرى الدخول فى المعركة حتى انتهت قبيل الغروب بكثير من الضحايا .. وكان من نتيجة هذه المعركة الشعبية أن الإنجليز امتنعوا عن الظهور فى المدينة نهارا واختفوا عن الأعين جماعات أو أفرادا مدنيين أو عسكريين – واستعاضوا عن تحركهم نهارا بالتحرك ليلا فى الظلام .

وعلى أثر هذه الأحداث نشرت جريدة الاخوان الخبر التالى ( لندن فى 17-3-1946) أجاب مستر جون بلنجر وزير الحربية البريطانية على سؤال فى مجلس النواب البريطانى – أن الضابط الذى كان قائدا لمنطقة الأسكندرية يوم 4 مارس 1946 حين قتل المصريون جنديين من الجنود البريطانيين قد نقل من وقعه كقائد لمنطقة الأسكندرية الى منصب قائد منتدب فى بريطانيا.

اللجنة الطبية للاخوان بالأسكندرية

تكونت للإخوان المسلمون بالأسكندرية لجنة طبية تشرف على افتتاح عيادات ومستوصفات بالمدينة ,وكان على رأس هذه المجموعة الطبية الدكتور الخشن والدكتور محمد عبد الله , وقامت اللجنة بافتتاح مستوصف فى المبنى رقم 60 بشارع محرم بك , وبالمستوصف صيديلة ويشرف عليه الدكتور محمد عبد الرحمن عامر والدكتور مصطفى كمال بدر الدين , كما تم افتتاح مستوصف فى المبنى رقم 10 بشارع الجمرك القديم يشرف عليه الدكتور المنياوى , وكذا مستوصف بشارع الاسكندرانى فى المكتب الادارى للإخوان المسلمون .

كتاب مع المرشد العام

صدر فى هذه الفترة للاستاذ المهندس محمد لبيب البوهي الجزء الأول من كتاب ( مع المرشد العام للاخوان المسلمون ) .. وكان الاستاذ فى هذا الوقت هو رئيس المكتب الادارى للإخوان المسلمون بالأسكندرية خلفا للأخ المرحوم الاستاذ محمد عبد الفتاح جميعي – وتناول الكتاب مواقف وقصصا ومشاهدات للاستاذ لبيب فى رحاب حسن البنا المرشد العام فى زياراته وتنقلاته فى الأقاليم ويعتبر هذا هو الكتاب الثانى بعد الكتاب الكبير الحافل (روح وريحان ) للاستاذ المرحوم أحمد أنس الحجاجي الذى بدأ الحديث عن شخصية حسن البنا وبعد فترة أصدر الاستاذ لبيب الجزء الثانى من الكتاب , وبعد هذه التجربة للاستاذ لبيب فى الطباعة والنشر بدأ يدخل فى مضمار طباعة ونشر الكتب الاسلامية التى تتناول سير الصحابة والتابعين ثم تطور بعد ذلك الى كتابة القصة القصيرة .

الأستاذ أمين مرعي المحامى رئيسا للمكتب الادارى للإخوان المسلمون بالأسكندرية

حين تخرج الاستاذ محمد مختار عبد العليم رحمه الله من كلية الحقوق – اختار مكتب الاستاذ أمين مرعي المحامى ومكتبه بشارع سعيد ليتم عنده فترة التمرين على المحاماة – ولما كان الاستاذ مختار يقطع كل وقته فىالعمل للدعوة فقد تأثر به الاستاذ أمين مرعي ولا سيما أنه قد أصبح للإخوان المسلمون نشاط سياسى مرموق – فكان الاستاذ أمين يسهم فىالدفاع عن الاخوان فى قضايا المقبوض عليهم فى المظاهرات والاحداث السياسية مجانا وكان أحيانا يحضر بعض المحاضرات كذا يكون فى استقبال فضيلة المرشد حين يأتى لزيارة الأسكندرية ..

ومن هنا تعرف بفضيلة المرشد وزواره فىالقاهرة وتوطدت بينهما أقوى الصلات والتى على أثرها اقترح الاخوان بعد قرار نقل الاستاذ ( فضيلة الاستاذ المرشد وبجواره الاستاذ أمين مرعى رئيس المكتب الادارى بالأسكندرية سنة 1945 ) لبيب البوهي الىالقاهرة أن يوافق فضيلة المرشد على تعيين الاستاذ أمين مرعي رئيسا للمكتب الادارى فوافق على ذلك وكان ذلك فى شهر شوال 1365 الموافق سبتمبر 1946 .. وبدأ الاستاذ أمين مرعى مهمته ونشاطه الذى كان يعطله عن عمله كمحام كبير .. الى أن تورط مع الاستاذ أحمد السكري وآخرين فى نشاط خارج عن منهج الجماعة ورسالتها مما تقرر معه فصلهم من جماعة الاخوان المسلمونمما سوف أشير الى قصته بعد ذلك .

الجمعية العمومية للاخوان

اجتماع تاريخى حاشد للإخوان المسلمون بالقاهرة

عقدت الجمعيةالعمومية للإخوان المسلمون اجتماعها السنوى العاشر يوم الخميس ثانى أيام عيد الفطر المبارك 2 شوال 1365 الموافق 28 أغسطس 1946 بعد صلاة العشاء بدار المركز العام بالقاهرة .

وقد ظلت وفود الاخوان من جميع أنحاء البلاد تتوافد علىالقاهرة وقد اتخذوا من دار الجوالة بشارع محمد على مقرا لاقامتهم الى ان عقد الاجتماع وكان عدد الوافدين من جوالة الشعب نحو خمسة آلآف كما حضر الاجتماع خمسة من الصحفيين الأجانب وضاقت دار الاخوان القديمة والجديدة حتى السطوح كما ضاق ميدان الحلمية الجديدة كله بالوافدين حتى افترشوا أرض الميدان التى جهزت بالحصر وكان فضيلة المرشد يجلس بينهم فى الميدان وكانت الهتافات الاسلامية تشق عنان السماء حتى أن صداها كان يسمع كأنه الرعد وغيرت وسائل المواصلات مسارها الى الشوارع الأخرى واستمر هذا المؤتمر الى ساعة متأخرة من الليل , وكان مسك الختام كلمة الاستاذ المرشد التى أقتطفت منها هذه العبارات التى نشرت بجريدة الاخوان اليومية فى العدد 101 السنة الأولى حيث قال رحمه الله : الواقع أن الحكومة كان لها معنا موقفان الأول الحياد الدقيق والثانى الضغط والمضايقة ففى الأول وقفت الحكومة تنظر ماذا يصنع الاخوان وقد كان حيادها دقيقا فلم تساعد الاخوان بشىء ولم تغدق عليهم مالا ولا حرية بل منعت عنهم الكثير من الحقوق الطبيعية فلم تظفر جريدة الاخوان الى الآن بفرخ واحد من الورق ولم تصرف الاعانات المقررة لكثير من الشعب .

ولقد قال بعض الظرفاء حسبكم أن صرحوا لكم بالجريدة وهذه خدمة جليلة فقال ظريف آخر وكأن الحكومة اذن قد خدمت الوفد حيث صرحت له بجريدة ( صوت الأمة ) و لم يدم هذا الموقف طويلا فقد قلبت الحكومة للاخوان ظهرالمجن ووالى مدير الأمن خطاباته لرجال الادارة فى كل مكان بالتضييق عليهم والحد من حريتهم ومنع اجتماعاتهم بشتى الوسائل ومطاردة جوالتهم فى كل مكان فى الوقت الذى نرى فيه جوالة الأرمن وجوالة اليونان وجوالة الطليان تسير على أرض هذا الوطن بتشكيلاتها العسكرية وأناشيدها القومية ترفع أعلامها وشعاراتها الوطنية فاذا سارت جوالة الاخوان المسلمونقيل لها ان السير ممنوع .

أحرام على بلابله الدوح

حلال للطير من كل جنس

ونريد أن نسجل أن الاخوان اذا منعوا من الاجتماع فى دورهم فانهم يجتمعون فى المساجد , يجتمعون فى جوف الأرض أو فى أى مكان وان لم يستطيعوا أن يجتمعوا معا ,فان أحدهم يكون أمة بمفرده ويتصل باخوانه بروحه وما جمعه الله لا يفرقه الناس , كما نريد أن نسجل على الحكوم هذه المواقف التى ما كان ينبغى أن تكون ويزيد أسفنا أن نشعر أن ذلك كله ليس لحساب مصر ولكن تقريبا الى بعض الجهات الأجنبية اوقضاء لبعض الأغراض الشخصية .

اننا مستقلون وان أبى الموظفون الكبار ويجب أن نتعرف لأنفسنا بهذا الاستقلال وان أباه علينا الغاصبون .

قرارات الجمعية العمومية

1- يعلن المجتمعون أن الاخوان المسلمونليسوا حزبا غايته الوصول الى الحكم ولكنهم هيئة تعمل لتحقيق رسالة اصلاحية شاملة ترتكز على تعليم الاسلام الحنيف وتتناول كل نواحى الاصلاح الدينى والسياسى والاجتماعى وتسلك الى كل ناحية سبيلها القانونى شكلا وموضوعا .
2- يقر المجتمعون أن الوضع الاجتماعى فى مصر أمام التطورات العالمية والضرورات الاقتصادية وضع فاسد لا يحتمل ولا يطاق وان على المركز العام أن يعلن برنامجه المفصل لاصلاح هذا الوضع , ولرفع مستوى الشعب أدبيا بالتربية والثقافة وروحيا بالتدين والفضيلة وماديا برفع مستوى المعيشة وتحقيق العدالة الاجتماعية التى يفرضها الاسلام والتى يحيا فى ظلها العالم والفلاح والزارع والتاجر وكل مواطن حياة كريمة والعمل على تنفيذه فى حزم وسرعة .
3- اعلان فشل المفاوضات التى لم تكن سوى خدعة بريطانية قصد بها ضياع الوقت وتفرق الكلمة .
4- اعلان بطلان معاهدة 1936 .
5- مطالبة الحكومة البريطانية بسحب قواتها وجنودها من أرض وادى النيل ومائه وهوائه فى مدة أقصاها عام واحد من تاريخ الطلب .
6- رفض أية محاولة أومعاهدة قبل أن يتم الجلاء .
7- يقرر المجتمعون أن الحكومة المصرية اذا لم تخط هذ لخطوات خلال الشهر القادم على الأكثر فان الأمة تعتبرها متضامنة مع الغاصبين فى الاعتداء على استقلال الوطن وحريته وتجاهدها معهم سواء بسواء .

موقف للامام حسن البنا

عقب انتهاء المؤتمر توجه آلاف الاخوان الذين وفدوا من الأقاليم الى الأرض الفضاء الخاصة بالمطبعة بشارع محمد على لقضاء باقى الوقت حتى صلاة الفجر وهناك جاء الاستاذ المرشد ليقضى مع الاخوان بعض الوقت وجىء له بما يشبه المنصة ووقف عليها وجاء الاخوان فردا فردا للتسليم عليه – ووقفت بجوار الاستاذ المرشد حتى يأتى دورى فى السلام فسمعت أحد الاخوان يقول للاستاذ المرشد : هل فضيلتكم تذكرنى ؟ قال الاستاذ المرشد وهو يبتسم : نعم أذكرك جيدا ألست القائل فى قصيدتك التى ألقيتها فى حفل الاخوان بطنطا كذا وكذا – فبهت الأخ مذهولا بما سمع ووقفت مذهولا لما حدث .

واستمر الاستاذ المرشد يسلم على كل باسمه أحيانا أوبكنيته حينا أو بأية اشارة يفهم منها الأخ أن الاستاذ يعرفه جيدا , وأحيانا يطيل مع الأخ من هؤلاء الحديث فى بعض شئونه الخاصة أو أحداث هامة فى حياته وظل الاستاذ المرشد يسلم على الاخوان وهو واقف حتى أذن الفجر وقد يحدث أن أحد الاخوان يعود مرة أخرى ليسلم على الاستاذ فيقول له الاستاذ هذه هى المرة الثانية أوالثالثة وهو يبتسم منشرحا مسرورا وبعد أن أدى الاخوان الصلاة فى مسجد قيسون والأرض الخاصة بالمطبعة – انصرفوا الى بلادهم تحفهم عناية الله ورعايته .

مؤتمر للإخوان المسلمون بحيفا فلسطين 19 أكتوبر 1946

قرر المؤتمر الذى حضره أكثر من ستين ألفا لان الاخوان المسلمونفى فلسطين يعتبرون الحكومة البريطانية مسئولة عن جميع ما يحدث فى هذه البلاد المقدسة ويحملونها تبعة جميع ما نشأ وما ينشأ من استمرار سياستها الجائرة ضد العرب فى فلسطين .

صدقى باشا يؤجل الدراسة

أصدر صدقى باشا أمره بتأجيل الدراسة فى المعاهد العليا شهرا وهذا هو أنسب وقت فى العام الدراسى للتحصيل , وراقب الهيئات والأندية والجماعات وبخاصة دور الاخوان المسلمون, وضيق الخناق على المجتمعين فيها والمترددين عليها ولقد وصل الأمر الى أن أباح رجال البوليس لأنفسهم أن يقتحموا الأندية الخاصة وأن يقبضوا على من فيها بدون اذن من النيابة أو أمر من القضاء .

برقية الى سلطان مراكش 22 أكتوبر 1946

أرسل فضيلة المرشد العام رسالة الى صاحب العظمة سلطان مراكش ورسالة الى صاحب الفخامة رئيس الحكومة الفرنسية باسم الاخوان المسلمون: رجاء أن تأمروا بالافراج عن المجاهد الكبير الأمير عبد الكريم الخطابي – حيث أن الحكومة الفرنسية قد أفرجت عن كل المعتقلين فى المغرب وأظهرت استعدادها لاتخاذ سياسة التفاهم والتقرب من البلاد العربية ولا شك أن الافراج عن هذا الزعيم الكبير لمما يعزز هذ السياسة ويقدم عربونا على صدقها ويرضى شعور العالم العربى والاسلامى ولنا كبير الأمل أن تستجيبوا لرجائنا .

حسن البنا .

سفر المرشد العام لأداء فريضة الحج : 27 أكتوبر 1946

اضطررت فى هذ الظروف الدقيقة الى السفر مع بعض الاخوان الى الأراضى المقدسة ولولا ترتيب سبق ونظام وضع ووعد أعطى من قبل لتخلفت عنالسفر نظرا لما تؤذن به هذه الأيام من حوادث جسام – ولعل فى ذلك الخير بل هو كذلك لن شاء الله تعالى – وسيقوم بالاشراف على الأعمال فترة غيابى الاستاذ أحمد السكري والدكتور ابراهيم حسن وكيلا الجماعة يعاونهما ويؤازرهما حضرات الاخوة الفضلاء الأعزاء أعضاء مكتب (فضيلة الاستاذ المرشد بملابس الاحرام ) الارشاد العام ومعهم جميعا قلوبكم ومشاعركم وعواطفكم وجهودكم فى شعبكم ومناطقكم وأقسامكم ومراكز جهادكم ولهذا سأسافر وأنا مطمئن عظيم الاطمئنان مهما تحرجت الظروف وتقلبت الحادثات فعليكم أيها الاخوان بتقوى الله تبارك وتعلاى فى السر والعلانية فهى مفتاح الخير وسبيل النصر وعدة الظفر والنجاح وعليكم باليقظة التامة وبذل الجهد ومضاعفة الهمة وكونوا على الخير يدا واحدة ويد الله مع الجماعة والله معكم ولن يترك أعمالكم وأستودع الله دينكم وأمانتكم وخواتيم أعمالكم وأسأل الله أن يكون علينا وعليكم نعم الخليفة انه أكرم مسؤول وأفضل مأموا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أخوكم حسن البنا

وقد سافر المرشد على رأس بعثة الاخوان المسلمونفى يوم 4 ذى الحجة 1365 ( 29 أكتوبر 1946 ) الى الأراضى الحجازية محفوظا برعاية الله تعالى ثم عادوا جميعا بعد أداء الفريضة المقدسة يوم الأربعاء 10 محرم سنة 1365 ( 4 ديسمبر 1946 ) .

عرائض من الأمة للملك فاروق

الاخوان فى جميع أنحاء البلاد يوقعون عرائض بمطالب الأمة الوطنية يرفعونها الى مقام الملك فاروق ولكن رجال البوليس يقبضون على الاخوان ويقدمونهم للنيابة .

شارة الجلاء

قامت لجنة الدفاع عن وادى النيل بالمركز العام للاخوان بطبع وعمل عدة ملايين من شاره لها طابع خاص لونها أحمر وعلى شكل قلب مكتوب فى وسطها كلمة الجلاء وقام شباب الاخوان فى جميع البلاد من أسوان الى الأسكندرية بتوزيع هذ الشارات على جميع أفراد الشعب على اختلاف طبقاته فيضعها كل مواطن فى عروة الجاكيت وخرجت الأمة فى يوم واحد وهى تحمل هذه الشارة فى اجماع رائع مثير .

تحطيم اللافتات التى تكتب بالانجليزية

أصدر الاخوان بيانا للشعب المصرى يظهر البغض للانجليز وعد التعامل معهم برفض الشعب المصرى استعمال لغتهم التى فرضوها علينا , وعلى هذا ينبغى على كل وطنى أن يشطب العناوين التجارية والاعلامية المكتوبة على المؤسسات والمحلات التجارية باللغة الانجليزية ويكتفى بالكتابة باللغة العربية , وعلىالفور واستجابة لهذا النداء قامت الهيئات والمؤسسات والمحال التجارية بشطب عناوين اللافتات المكتوبة باللغة الانجليزية مستبدلة اياها باللغة العربية .

يوم الحريق

دعا الاخوان المسلمونالى حركة جديدة لمتابعة الضغط على الإنجليز عن أرض الوطن .. فقد أصدر المركز العام بيانا يدعو فيه شعب وادى النيل الى مقاطعة الثقافة الانجليزية من صحافة ومجلات وكتب وأفلام ومعانا فى التخلص من الروابط الاستعمارية ومقاطعة لكل ما يتصل بمشاعر المودة مع الإنجليز .

وقام الاخوان المسلمونفى مساء الاثنين 25 نوفمبر 1946 فى كل الأقاليم بجمع الكتب والمجلات والصحف الإنجليزية ووضعوها فى وسط الميادين الكبيرة وأشعلوا فيها النيران فكان مظهرا للغضب والسخط والاستنكار لسياسة بريطانيا الاستبدادية والاستعمارية .

وعلى أثر ذلك كتبت جريدة الايجبشن جازيت مقالة فى عددها 1995 الصادر يوم 12 نوفمبر بعنوان ( الثقافة والسياسة ) أخذت فيه على الاخوان ما قرره مركزهم العام من الامتناع عن التعاون الثقافى مع الإنجليز بمناسبة موقفهم من المطالب القومية لوادى النيل وطلبه ممن عنده مجلات أو جرائد أو روايات انجليزية أن يودعها فى أقرب شعبة من شعب الاخوان المسلمون– لأنه سيحدد فيما بعد يوما تحرق فيه هذه المطبوعات فى الميادين الهامة فى القاهرة والأقاليم وقد تساءلت الجريدة – هل الثقافة الانجليزية مضرة لمصر حقا ؟ ثم قالت ان التفريق بين الثقافة والسياسة أمرأساسى ؟ وعلقت جريدة الاخوان المسلمونعلى ذلك بمقال طويل للكاتب الاسلامى الكبير محب الدين الخطيب .

زيارة كريمة

جاء بالعدد 158 السنة الأولى 16 ذى الحجة سنة 1365 ( 10 نوفمبر 1946 ) زار نيافة الشرقية والمحافظات دار الاخوان المسلمونبالزقازيق يوم العيد ومعه أعيان المسيحيين بالشرقية مهنئين الاخوان بعيد الأضحى المبارك – وأذاع نيافته نشرة مطولة بعنوان ( هدية العيد ) تدور حول معنى ( الاتحاد رمز الانتصار ) وقال فى آخرها : ( أشكر جمعية الاخوان لأنهم اخوان فى الشعور- اخوان فى التضامن – اخوان فى العمل )

وجاء فى الجريدة العدد 315 السنة الثانية 22 جمادى الثانة سنة 1366 (13 مايو سنة 1947 ) علمنا أن القمص سرجيوس يجتمع بمواطنينا الأقباط فى التل الكبي روأن هذا الاجتماع يتم فى كنيسة داخل المعسكرات البريطانية فماذا وراء هذه الاجتماعات ؟ وهل هناك تدبير مبيت للاعتداء على كنيسة أخرى مثل كنيسة الزقازيق ؟ ان اصبع المستعمر فى اثارة الفتنة بادية وملموسة وان كان للانجليز ان يطبقوا سياستهم التى استعمروا بها العالم وهى التفريق بين أبناء الوطن فكيف يسمح رجل من رجال الدين نفسه أن يكون مطية لأعداء الوطن والدين .

القبض على 56 من اخوان الأسكندرية

كان الاخوان فىالأسكندرية قد دعوا الى اجتماع للاخوة رؤساء المناطق ونواب الشعب فى دار المكتب الادارى بشارع كنيسة دبانة – وفيما كان الاخوان فى هذا الاجتماع يناقشون الأوضاع السياسية هاجمتهم قوات البوليس فى عقر دارهم فى الدور الثالث وأمرت كل الموجودين بالثبات فى أماكنهم وبدأ القبض الذى دخل فيه البوليس الى دار المكتب الادارى استطاع كاتب هذه السطور أن يفلت من هذا الحصار حيث دخل فيه البوليس فى مكتب نادى الفنون والصناعات المجاور للمكتب الادارى , وتم القبض على 56 ( ستة وخمسين من الاخوان على رأسهم الأخ الاستاذ مختار عبد العليم) .

وتوجهت على الفور الى منزلى بشارع اسماعيل صبرى برأس التين حيث استطعت أن انقل الاشياء التى يرونها مخالفة الى مكان آخر خوفا من عملية التفتيش , ثم عدت الى مكتب الاستاذ أمين مرعي المحامى ورئيس المكتب الادارى كى اتفاهم معه بشأن الترتيبات الواجب اتخاذها حيال الاخوة الذين تم القبض عليهم , وكان لزاما على أن أقوم باعداد الطعام له وملازمتهم لحين أن يقضى الله أمر كان مفعولا وقمت باعداد الطعام اللازم وتوجهت مع الاخوة على العطار والسيد البهنساوي رحمه الله الى قسم العطارين وفى الطريق قابلنى ( اليوزباشى محمد العنتبلي ) اللواء وهو يتهيأ لركوب الترام فأخبرنى بأنه استدعى الآن من منزله فأخبرته بالذى حدث , وطلبت منه أن يساعدنى فى امكان اعطاء كمية من الطعام للاخوان المقبوض عليهم فى قسم بوليس العطارين فوعدنى بذلك .

وذهبنا الى قسم العطارين ودخلت مع اخوانى فى بهو القسم فاذا بى أجد أمامى ضابط القسم المخصوص اليوزباشى سمير درويش الذى استقبلنا هاشا باشا وسألنى عن سبب حضورى الى هنا فقلت لأقوم بتوصيل طعام العشاء الى الاخوان المقبوض عليهم – فقال لى – ما اسمك ؟ فقلت عباس قال عباس ايه ( فى حركة المطالبة بجلاء جنود الاحتلال البريطانى – توجه وفد من جماعة الاخوان بالأسكندرية على رأسهم الأستاذ أمين مرعي الى قصر التين حيث قدموا للملك فاروق مذكرة احتجاج على حوادث العنف التى تستخدمها قوات الاحتلال البريطانى ضد الشعب المصرى .

ويرى فى الصورة فى الصف الأول فى الوسط الاستاذ أمين مرعي المحامى رئيس الاخوان بالأسكندرية – عن يمينه الاستاذ مختار عبد العليمالمحامى والاستاذ عادل بهجت والاستاذ مصطفى خضر المحامى والاستاذ أحمد عبد الباري ناظر محطة سكة حديد اسكندرية وعن يساره المهندس محمد القراقصي وخلفه من اليمين محمود عبد السلام وخلفه عن اليسار الشهيد عبد الرحيم عبد الحي – وفى أقصى اليمين الاستاذ أنور العربي جوال والأستاذ محمد عبد النبى بركات ( جوال ) . ) فقلت عباس حسن .. فقال حسن ايه فقلت السيسى – قال هذا هو المطلوب وبسرعة تم القبض على ودخلت على مدير الأمن وكان اسمه اللواء الباجورى – فقام بعملية تفتيش فوجد الكارنيه العسكرى ( شاويش فنى ) فقال لى وكمان شاويش فى الجيش وعامل كل ده .. فقلت له أنا جاى أجيب عشاء للمقبوض عليهم وليست لى صلة بأى شىء آخر .

قال رحلوه الى سجن الأجانب وبهذا أصبحت معتقلا بيدى لا بيد عمرو – وكان قد سبق اعتقال الأخ عادل بهجت الباشجاويش الفنى فى الدفعة الأولى وبهذا أصبح اثنان من العسكريين فى الاعتقال .

وكان من ضمن الذين اعتقلوا الأخ الدكتور المهندس محمود الساعي وكان وقتئذ طالبا بكلية الهندسة جامعة فؤاد بالقاهرة وقد جاء موفدا من قسم الطلاب بالمركز العام بالقاهرة لتبليغ رسالة الى قسم الطلاب بالأسكندرية .

النيابة العمومية

بدأت النيابة العمومية التحقيق مع الاخوة المعتقلين وقررت النيابة العامة حظر النشر عن التحقيق الذى تجريه فى الأسكندرية بشأن ضبط جماعة الاخوان المسلمونبالأسكندرية والمتهم فيها بعض الطلبة والمحامين بالاتفاق الجنائى على ارتكاب بعض الجرائم وذلك حرصا على مصلحة التحقيق ةظهور الحقيقة عملا بالمادة (193) عقوبات .

وعقب القبض على الاخوان بالأسكندرية ظلت الحالة ( أ) فى المدينة وبقى بعض الجنود لم يذهبوا الى منازلهم منذ 48 ساعة وقد هدد عدد كبير منهم بترك الخدمة فسمح سعادة حسين سرى قمحة باشا لبعضهم بالراحة على أن يتناوبوا ذلك لحفظ الأمن فى المدينة .

أخطر وأكبر مظاهرة للاخوان بالأسكندرية

فى الوقت الذى قبض فيه على رؤساء المناطق ونواب الشعب وأودعوا سجن الأجانب كان الاخوان ينظمون أكبر مظاهرة استعراضية لتحدى القوى الغاشمة ولاحباط مخطط الكيد لجماعة الاخوان المسلمون.

ففى يوم الاستعداد لاجازة عيد الهجرة والجنود والضباط فى حالة اطمئنان واسترخاء والاخوان المسؤولون بين جدران سجن الأجانب – وفى تمام الساعة السادسة من مساء يوم الأحد 30 ذى الحجة 1365 – 24 نوفمبر 1946 – كان قد تجمع مئات من شباب الاخوان المسلمونبملابسهم المدنية التى يرتدون تحتها ملابس الجوالة العسكرية .. حول ميدان محطة مصر – حتى اذا بلغت عقارب ساعة المحطة السادسة تماما – كانت وفود الاخوان تسرع الخطى الى داخل الميدان تتقدمهم سيارتان من سيارات جريدة الاخوان فى كل سيارة مجموعة من المشاعل .

فكان الأخ يخلع ملابسه المدنية ويتركها داخل السيارة ويظهر فى ملابس الجوالة وقد حمل مشعلا من المشاعل – ولم تمض لحظات حتى انتظم الاخوان فى صفوف طويلة تتقدمهم مجموعة من حاملى الدف والنفير ويحملون المشاعل بعد اشعالها وبدأت المسيرة التى زاد عددها عن الألف تجوب شارع نبى الله دانيال ثم شارع صفية زغلول ثم شارع سعيد والاخوة يرددون الهتافات الاسلامية والأناشيد .

لما كان هذا هو يوم الأحد والساعة هى السادسة وهو موعد دخول وخروج السينما والمسارح فقد استهوت المسيرة بل استهموت المفاجأة كثيرا من الناس فساروا معها حتى ضاقت بهم الشوارع .

كل هذا ورجال البوليس لم يصل الى سمعهم ما حدث وأخيرا وجد الاخوان قوات البوليس من حولهم تحافظ على النظام فى أدب واحترام .. فان المشاعل الموقدة تنذر بخطر شديد لو أن البوليس فكر فى استعمال القوة .

وحين وصلت المسيرة مع جماهير الشعب الى مبنى الاستاذ أمين مرعي المحامى ويقع فى شارع سعيد – أطل من الشرفة ومعه الاستاذ أحمد السكري الوكيل العام للجماعة وتحمس الجمهور – فقام الاستاذ السكرى خطيبا منددا بالحكومة ومؤامراتها ضد الاخوان مما تسبب فى القبض عليه بذلك وتقديمه للمحاكمة .

وواصلت المسيرة طريقها حتى وصلت الى قصر الملك برأس التين وقدمت مذكرة احتجاج على القبض على شباب الاخوان المسلمون– وبعد ذلك صدرت التعليمات الى شباب الاخوان باطفاء المشاعل والانصراف بكل هدوء .

ومن المصادفات التى شغلت رجال الأمن والمسئولين عن المسيرة – أمران : الأمر الأول أن المسيرة خرجت فجأة دون سابق علم لرجال القسم المخصوص ( المباحث العامة الآن ) والأمر الثانى أنهم كانوا مشغولين بوصول جثمان النبيل حسن طوسون نجل عمر صوسون يرحمه الله قادما من مرسيليا حيث دفن فى مدافن مسجد النبى دانيال بالأسكندرية .

الاخوان المقبوض عليهم أمام القضاء

جىء بالاخوان المقبوض عليهم لمحاكمتهم أمام القضاء فى مبنى المحكمة الكلية .. ووقف كثير من المحامين على رأسهم الاستاذ أمين مرعي للمرافعة عن الاخوان وقال للمحكمة اذا كان رجال القسم المخصوص قد وصل الى سمعهم أن هؤلاء الاخوة سوف يقومون بأعمال جنائية يحاسب عليها القانون – وهؤلاء الاخوة لا يتجاوز عددهم الستين فردا – فكيف لم يصل الى سمع القسم المخصوص أنباء قيام مسيرة ضخمة يزيد عددهم على الألف – والله ان معرفة أخبار الألف أسهل م معرفة أخبار الستين – وبعد مرافعة الدفاع قررت المحكمة الافراج عن جميع الاخوان بلا ضمان وهتف الاخوان وجميع الحاضرين هتافات الاخوان وشعاراتهم ولم يأت آخر النهار حتى تم الافراج عن الجميع .

القبض على الاخوة العسكريين

بعد أن تم الافراج عن جميع الاخوان – صدر قرار من ادراة الجيش بالقبض على الأخوين الباشجاويش الفنى عادل بهجت والجاويش الفنى عباس السيسي وأودعنا الحجز الشديد بمعسكر سلاح الصيانة بالشاطبى رهن المحاكمة – وبعد ذلك بأيام صدر أمر بترحيلى الى وحدة الأنوار الكاشفة بحى كوم الشقافة تحت الحجز الشديد المزدوج – وصدرت الأوامر اليومية بالتنبيه على أفراد الوحدة العسكرية بعدم الاقتراب من مقر اقامتى وعدم التحدث معى على الاطلاق وكان قائد الوحدة يومئذ ضابط برتبة صاغ أتذكرأن لقبه ( قنصوه ) ولكنى لم أستسلم لهذه الأوامر الشاذة فكنت وأنا فى الخيمة التى اعتقلت فيها أسأل الجاويش الحارس عن اسم كل من يمر أمامنا من صف ضباط وجنود وأحاول أن أحفظ الاسم جيدا وحينما كنت أذهب مع الحارس الى الكانتين أو دورة المياه يقابلنى بعضهم فأناديهم بأسمائهم مسلما عليهم فكانوا يندهشون لذلك وينشرحون له ويقبلون على مسلمين فى حب وشوق وبهذا أحدثت انقلابا روحيا وتغير الموقف بصورة لطيفة .

اللقاء فى المتحف

كانت الزيارات ممنوعة ومحرمة وبهذا أصبحت معزولا عن الاخوان والأحداث ولكن لابد من التفكير فى الخروج من هذا المأزق – فكان بحمد الله تعالى أن استطعت أن أربط بينى وبين الجاويش الحارس برباط من العقيدة اذ تأثر الجاويش بالمعاشرة والمعاملة الاسلامية فعرض على ذات مرة أنه فى الامكان حضور أى زائر لمقابلتى فعجبت م أمره وقلت له كيف يمكن تحقيق ذلك فقال ان هذا المعسكر يقع فوق المتحف الرومانى بكوم الشقافة – والمتحف يفتح أبوابه لكل زائر فالذى يريد أن يزورك عليه بالدخول الىالمتحف وعلينا أن نذهب الى المتحف لمقابلته هناك دون أن يشعر أحد بذلك وفعلا تم اللقاء ببعض الاخوة فى زيارة هذا المتحف والحمد لله رب العالمين .

وحينما كان الاستاذ حسن البنا يأتى الى الأسكندرية فى زيارة لالقاء كلمة فى احدى الحفلات كنت أبعث بهذا الأخ الحارس فيحضر اللقاء ثم يعود فيحدثنى عن كل ما سمعه وما شاهده .

تلغرافات احتجاج : وصلت الى ادارة الجيش والوحدات الكائنة فى الأسكندرية تلغرافات من بعض الاخوة – هذا نصها : السيد قائد سلاح الصيانة فى الأسكندرية وبعض الأسلحة – نحتج على اعتبار الانتساب لجماعة الاخوان المسلمونجريمة يحاكم عليها القانون فى دولة دينها الرسمى الاسلام .

وكان لهذه البرقيات أثرها الكبير فى تدبر رجال الجيش لهذا التصرف الشاذ .

وخرجت جريدة الاخوان المسلموناليومية فى العدد رقم 181 السنة الأولى ( 13 محرم سنة 1366 الموافق 7 ديسمبر سنة 1946 ) تقول : لا يزال كل من الأخوين الكريمين عباس أفندى السيسى وعادل أفندى بهجت الموظفين بسلاح الصيانة بالأسكندرية تحت الحجز الشديد المزدوج تمهيدا لمحاكمتهما بتهمة الانتماء للإخوان المسلمون , كأن الانتماء للاخوان والعمل لقضية البلد تهمة وجريمة يعاقب عليها فى هذا الزمن وجاء فى نفس الجريدة ما يلى : انعقد أمس 28 من محرم 1366 الموافق 22 ديسمبر 1946 بمقر المنطقة الشمالية المجلس العسكرى المشكل لمحاكمة عباس أفندى السيسى وعادل أفندى بهجت بتهمة أهمال اوامرالجيش بالانتماء للإخوان المسلمون دون اذن من قيادة الجيش , وقد حضر عنهما من هيئة الدفاع الاستاذ محمود العطار ومختار عبد العليم وطلبا التأجيل فأجابتهما المحكمة بالتأجيل الى يوم السبت القادم .

تفاصيل الجلسة

توجهت مع الأخ عادل بهجت بالحراسة المشددة الى مقر قيادة المنطقة الشمالية بسراى سيدى بشر ( السراى الحزينة ) وتبعتنا سيارة جريدة الاخوان حتى مقر المنطقة وانعقدت الجلسة فى العاشرة صباحا برئاسة عقيد واثنين من الضباط وعقب افتتاح الجلسة أقسمت المحكمة على كتاب الله تعالى اليمين القانونية ثم سالنى لائيس المحكمة .. هل لك اعتراض على تشكيل هذه المحكمة فقلت لا اعتراض لى على تشكيل المحكمة .. ولكنى أرجو أن تكون محاكمتى طبقا لأحكام القرآن الكريم الذى أقسمتم عليه الآن وأرفض المحاكمة على أساس قانون الأحكام العسكرية .

وتغير وجه رئيس المحكمة , ولما سئل الأخ عادل بهجت أجاب بنفس الاجابة .. وبعد ذلك طلب الدفاع تأجيل الجلسة للاطلاع على أوراق القضية بعد أن تستأذن المحكمة فى ذلك جهات الاختصاص – حيث أن أكثر التقارير مرفوعة ضدنا من القسم المخصوص وأجلت المحاكمة ليوم السبت وكان الحديث عن تحكيم كتاب الله مثار دهشة وتعليق المحامين واعتبروا أن هذا معناه أن القضية أصبحت قضية سياسية وسوف تفتح عليهم أبوابا واسعة فى محيط الجيش .

خطاب منى الى الاستاذ المرشد العام

علمت أن الاستاذ المرشد العام يولى هذه القضية اهتماما كبيرا فرأيت أن أكتب له رسالة فى هذا الصدد : فقلت يا فضيلة المرشد علمنا باهتمامكم البالغ نحو تخليصنا من هذه القضية وسعيكم فى سبيل الافراج عنا ونحن نعلن لفضيلتكم أننا مطمئنون للغاية لما يترتب على هذه المحاكمة .. وسوف نستقبل كل عقوبة مهما بلغت بالرضى التام فقد عاهدنا الله تعالى على تمام التضحية فى سبيله ولا يضيرنا ما يصنع بنا أعداء الدعوة الاسلامية فلا تجهد نفسك ألما علينا فالله معنا ولن يضيع أعمالنا .. وحفظكم الله تعالى درعا للاسلام والمسلمين .

الاستاذ المرشد يسعى للافراج عنا

ومع كل هذا فان الاستاذ المرشد سعى بكل امكانياته واتصالاته حتى وفقه الله تعالى لوقف المحاكمة نهائيا وفى مساء يوم الأحد 6 صف 1366 الموافق 30 ديسمبر سنة 1946 وصلت اشارة تليفونية الى قائد سلاح الصيانة بالأسكندرية بسرعة الافراج عنا .. فجاء الضابط النوبتجى يهنئنا ويطلب منا الاستعداد للخروج من المعسكر .. ولكنى خشيت من الخروج من المعسكر ليلا .. فطلبت منه أن يتصل تليفونيا بالاخوة المحامين الذين تولوا الدفاع عنا ليحضروا لاستلامنا وفعلا تم الاتصال بالاستاذ مختار عبد العليمفى مكتب الاستاذ أمين مرعي وحضر معه بعض الاخوة وبعد الاطلاع على نص الاشارة خرجنا من المعسكر .

الى دار شعبة الاخوان برأس التين

ومعروف أنه كان يلقى مساء كل يوم أحد بشعبة رأس التين محاضرة يلتقى عليها جمع كبير من الاخوان وفوجىء الجميع بدخولنا صالة المحاضرة فارتفعت الأصوات بالتكبير والتهليل تحية ومحبة وتحدثت والأخ عادل بهجت الى الاخوان حديثا مشحونا بالعاطفة المتاقرة بروح هذا اللقاء الطيب وفى اليوم التالى عدت الى معسكر سلاح الصيانة وأخذت أجازة لمدة أسبوع للاستجمام , وحين عدت كان قد تقرر نقلى الى وحدة سلاح الصيانة بسلاح المدفعية بالسلسلة بالأسكندرية .

لقاء هام مع الاستاذ المرشد العام

توجهت مع أخى الاستاذ عادل الى القاهرة لتقديم الشكر لفضيلة المرشد العام .. وهناك فى المركز العام استقبلنا فضيلته أحر استقبال كما رحب بنا كافة الاخوان , وجلس معنا الاستاذ المرشد يسألنا عن كل التطورات – وأشار الى الخطاب الذى أرسلته له – وقال بخصوص ما جاء فى خطابكم فان هذا الشعور طيب من جانبكم وهو الاستعداد لكل تضحية فى سبيل الله عز وجل وهذا واجبكم وما عاهدتم الله عليه .. اما واجبى أنا فهو أشمل من ذلم يتناول عدة زوايا أراها من موقعى بصفتى المرشد العام قد تكون خافية عليكم , واهمها أننى أعتبر أن الدعوة الاخوانية لا تزال مجهولة عند أفراد الجيش من ضباط وجنود وأنها لا تزال تدب دبيبا داخل الوحدات .

والظروف والأحكام فى هذه القضية وخاصة اذا كانت شديدة لأن مثل هذه الأحكام سوف ترهب رجال الجيش وبالتالى تبعدهم وتحولهم دون الانضمام الىالدعوة ونكون نحن بذلك عطلنا مسيرة الدعوة دون أن نقدر تبعات ذلك على مستقبله .

لهذا كنت حريصا على ازالة أثر هذه القضية نهائيا وقد وفقنا الله لذلك بفضل اخوانكم من الضباط .

وبعد لحظات حضر المقابلة المرحوم الصاغ محمود لبيب الوكيل العام لشئون الجوالة وبعد أن عانقنا واستمع الى حديث الاستاذ المرشد .

دعانا لتناول الغذاء بينما كنا نتحدث فيما حدث لنا اثناء المحاكمة , وقد تناول الصاغ محمود لبيب هذه القضية من الناحية السياسية فقال انه يعتقد أيضا أن الافراج عنا كان لازما لمصلحة الدعوة ولازما أيضا لمصلحة الجيش , وبعد هذه الجلسات الممتعة عدنا الى الأسكندرية بحمد الله تعالى .

المعارضة فى حبس الاستاذ السكرى

اتخذ شكل القبض على الاستاذ السكرى عقب خطبيته من شرفة مكتب الاستاذ أميين مرعي صورة تحد من الدولة وظل الاستاذ السكرى يتنقل من دار القضاء الى سجن الأجانب مرارا للمعارضة فى أمر حبسه دون أن تفرج عنه المحكمة .

قنابل فى أقسام البوليس

وفى الساعة العاشرة من مساء يوم 2 ديسمبر 1946 انفجرت قنبلة فى غرفة المكتب بقسم بوليس الموسكى وتناقل الناس أخبار انفجار قنابل أخرى فى نقطة بوليس مصر القديمة والسلخانة والجمالية والأزبكية وباب الشعرية وأعلنت ادارة المطبوعات عن مكافأة قدرها ثلاثة آلاف جنيه لمن يرشد عمن القى القنابل بمدينة القاهرة يوم الاثنين الموافق 2 ديسمبر 1946 كما تعلن أنها ستدفع ألف جنيه لمن يعطى معلومات تمكن البوليس من القبض على كل من المتهمين مصطفى كمال الدفراوي وعبد الرحمن موسي وعبد القادر عامر الهاربين من سجن الحضرة بالأسكندرية فى 27 من نوفمبر 1946 فى القضية رقم 1653 جنايات اللبان .

( وهؤلاء ينتمون الى حزب مصر الفتاة )

من مدرس الخط الى رفعة الرئيس الجليل (1)

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا :

أحمد اليك الله الذى لا اله الا هو وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وأحييكم فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد فأبدأ هذا الخطاب بشكر أعضاء الوفد الموقرفى شخص رفعتكم على قراريهم الحكيمين الخاصين بمساعدة اخواننا الأبطال المجاهدين عرب فلسطين وبدعوة ممثلى الشعوب الشرقية المظلومة الى المؤتمر الوفدى المزمع عقده فى عيد الفطر القادم ان شاء الله , هذا عمل حميد حقا وآباء مشكور يا باشا .

وبهذه المناسبة أتقدم الى رفعتكم بهذه الكلمات راجيا أن تتفضل بانعام النظر فيها والحكم عليها بدافع من وحى ضميرك وحده بعيدا عن كل المؤثرات وعن تزيين أو تزييف أهل الأهواء والأغراض مهما كانت صلتهم بكم فان العاطفة التى أوحت بها والروح الذى سكبها على صفحات هذا الخطاب لأطهر وأنقى من أن يبتغى بها وجه الله وحده وخير هذا البلد وهو فى الوقت نفسه لا يضمر لكم ولا لأحد من العاملين لقضية هذه الأوطان الا التمنيات الطيبة والخير للجميع وليس بينه وبينكم خصومة تجور به عن الحق أو تعدل برأيه عن جادة الصواب والانصاف . وسأكون صريحا واضحا فى كل ما أكتب .

ولئن كان فى الصراحة قسوة وشدة ففيها مع ذلك راحة وصفاء وبيان واهتداء .

فمعذرة اذا ورد فى كلامى بعض الحقائق المؤلمة فان الحق المر خير من الباطل الناعم الملمس فيكشف بعد حين عن سم زعاف .

يا باشا : يوم اعتقد الناس أن مصطفى النحاس والوفد المصرى وحكومة الوفد تقف من الاسلام موقف المنصرف عن نصرته المتبرم بمظاهره العامل على اضعافتأثيره رغم ما يعلمون عن ماضيك المشرق الصفحات منذ كنت طالبا فى مدرسة الحقوق فوكيلا للنيابة فقاضيا نزيها فعاملا مجدا للنهضة المصرية فى فجرها بنادى طلبة المدارسالعليا والى جانب مصطفى كامل ومحمد فريد وأضرابهما ورغم مواظبتكم على أداء الصلوات فىالمساجد .

يون اعتقد الناس هذا ولا يزال كثير منهم يعتقدونه وأنا واحد منهم , لم تكن هذه العقيدة وليدة خلاف حزبى ولا حزارة شخصية ولم يكن يعوزهم الدليل على صحة عقيدتهم هذه بل كانا الأدلة المنطقية والمادية بين أيديهم متوافرة لديهم ملء السمع والبصر والفؤاد واليكم بعضها :

أولا : نادى الوفد بالفكرة القومية والوحدة الوطنية بين عناصر الأمة الواحدة حتى تقوى الكتيبة ويتوحد الصف أمام الغاصبين والمستعمرين – وهذا موقف طبيعى وعمل جليل وأساس صالح للمطالبة بالحرية فى بلد مغصوب وقد عمل لذلك الزعماء الوطنيون من قبل ونادوا بطرح الخلافات المذهبية أمام مطالب الوطن ومستلزمات الحهاد فى سبيل خلاصه والاسلام الحنيف السمح يقر هذا ولا يعارضه ويدعو اليه ويأمر به بل يتجاوز مجرد الوحدة الى حسن المعاملة والبر بالمخالفين فى العقيدة فيقول تبارك وتعالى " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين "

ولكن الموقف الغريب المؤلم أن أعضاء الوفد وأنصاره فهموا هذه الوحدة فهما خاطئا وظنوا أنها لا تحقق الا أن يتهاونوا فى واجباتهم الدينية وأن يعملوا العمل على احياء شرائع الاسلام ومظاهر الاسلام وأن يحذفوا من برامجهم خدمة الاسلام حتى لا يكون فى هذا ايلام لغير المسلمين من المواطنين ودام هذا الشعور بأنفسهم ودأبوا على تغذيته والاقتناع به حتى فترت تماما حرارة حماستهم للاسلام وبردت غيرتهم عليه برودة لم تجعلهم يفكرون فى مصلحته ( وذلك حكم ان شمل المجموع فلن يشمل الجميع طبعا ) لكن هذا هو الذى شاهده الناس ولمسوه , ومن رأينا أن كل صوت يرتفع مطالبا بحق اسلامى فى ناحية من النواحى أيا كانت يقابل بجواب واحد هو أن ذلك لا يتفق مع الوحدة الوطنية ولا نريد أن نمس شعور اخواننا المواطنين غيرالمسلمين حتى خيل الى جمهرة المسلمين اليقظين لمجريات الأمور والحوادث أنه لن يتحقق مطلب فيه خير للاسلام وأبناء الاسلام ما دام السلاح مشهورا فى وجه كل من يريد الاصلاح .

ومن هنا كذلك راينا أن الاجتماعات الوفدية والتشكيلات الوفدية بعيدة كل البعد عن الاهتمام بالشعائر الدينية والمظاهرالاسلامية فليس ما يمنع عندها من أن تكوت الاجتماعت فى أوقات الصلوات , وليس ما يمنع من أن تفعل بعض ما يخالف تعاليم الدين فى سبيل المجاملات , وليس ما يدعو الىتشجيع روح التمسك بالاسلام والعناية به بين اللجان والتشكيلات ومن هنا كذلك رأينا كثيرا من كبار رجال الوفد يوعزون الى كثير من أنصاره ورجاله الذين يشتركون فى الحركات الاسلامية أو يعملون مع بعض الجملاعات الاسلامية أو يشتغلون فى الأغراض الاسلامية فى المدن والقرى بالبعد عن هذه الجماعات والانصراف عن تأييدها أو النهوض بها أو الأخذ بيدها , كل ذلك وقع يا باشا والأمثلة عليه كثيرة لا داعى لذكرها وسببه ومصدره شىء واحد هو توهم أن مناصرة الفكرة الاسلامية يتنافى مع أساس رسالتنا الوطنية والفكرية القومية وهو وهم خاطىء وظن بعيد عن الصواب .

ومواطنونا الأفاضل من غير المسلمين لا يريدون هذا ولا يهتمون له وكل الذى يعنيهم أن يتمتعوا بحقوقهم وحريتهم كاملة وذلك ما لا يعارض فيه أحد أو يأباه عليهم عاقل ولا يتبرم به منصف غيور .

وأؤكد لكم أن هذا الموقف اضر بالمسلمين وغير المسلمين , فأما ضرره بالمسلمين فهو أنه يضيع عليهم وقتا كبيرا لم يتحقق فيه أمل اصلاحى , وأما ضرره بغير المسلمين , فهى أنه أحفظ عليهم القلوب وأثار ضدهم ثائرة النفوس وكاد يؤدى الى عكس المطلوب من الوحدة ويدعو الىالانقسام والفرقة .

ثانيا : جاء تصريح رفعتكم فى يونيو سنة 1935 لمكاتب شركة الأنباء الأناضولية وفيه تقولون بالنص : " أنا معجب بلا تحفظ بكمال أتاتورك ليس فقط بناحيته العسكرية ولكن لعبقريته الخالصة وفهمه لمعنى الدولة الحديثة التى تسطيع وحدها فى الأحوال العالمية الحاضرة أن تعيش وأن تنمو :

جاء هذا التصريح قنبلة مدوية وان لم يشعر بها الا القليل من أهل اليقظة وصدمة عنيفة لآمال وقلوب رجال الاصلاح الاسلامى والغيورين على الدين فى مصر خاصة وفى العالم الاسلامى عامة وكتبت لدولتكم اذ ذاك راجيا أن تلحقوا هذا ا لكلام بما يبين للناس أنكم لا تقصدون به الا ناحية وطنية صرفة أو اصلاحات فى بعض النواحى المادية البحتة أو نحو هذا من وجوه التأويل والتخريج فلم أظفر بجواب .

هذا التصريح ليس تصريحا أجوف وليس تصريحا يصدر هكذا عن مجاملة أو عن غير روية سابقة وفكرة مستقرة تريد أن تبرز الى حيز الوجود فى الوقت المناسب حين تتهيأ لها الظروف وان سبق اللسان فأظهر مكنون الضمير فأنتم تسجلون فى هذا التصريح أن هناك شيئا اسمه الدولة الحديثة وهى التى فهمهما كمال أتاتورك وشكل على غرارها تركيا وتسجلون فى هذا التصريح كذلك ان هذه الدولة هى التى تستطيع وحدها فى الأحوال العالمية أن تعيش وتنمو – ومعلوم أن أتاتورك فى دولته الحديثة قد تجرد من كل المظاهر الاسلامية فكأنكم فى هذا نعلنون فى صراحة أن مصر لا تستطيع أن تعيش .

وأن تنمو فى الاحوال العالمية الحاضرة الا ان تجردت هى الاخرى من كل مظاهر الاسلام كما فعلت تركيا وكأن هذا هو عنوان منهاجكم ومحور الاصلاح الذى تريدونه لهذا الوطن بعد الانتهاء من قضاياه الخارجية ولست رجلا من آحاد الناس بل أنتم زعيم يؤول اليه الحكم وتلقى اليه مقاليد الأمة واسمح لى يا رفعة الباشا أن أنبه هنا الى نقطة قد تكون خافية وهى أن أتاتورك جاهد بالسيف فى تحرير بلاده وطرد الأجانب وبث فيها روح العزة والكرامة ووفر لها بعض الراحة فى الاقتصاد والماديات , وهذا جميل لا غبار عليه وقد وصل اليه أتاتورك وهو مسلم يحمل المسبحة ويتلو القرآن فىالمصحف ويسجد لله تعالى علىرمال الصحراء بين أعراب الأناضول ومسلميه حتى اذا مكن الله له فى الأرض نسى ما كان يدعو اليه من قبل , وقد كان يتيسر له كل ما أراد من اصلاح بل وأضعافه معه لو كان متمسكا بدينه واسلامه فلم يكن الاسلام حائلا يوما ما دون الوصول الى المجد ومن ظلم الحقيقة أن ينسب اصلاح مصطفى كمال لتركيا الى الجحود والفجوروالالحاد والقبعة وغير ذلك من المظاهر الفارغة الخادعة التى لا تقدم ولا تؤخر .

هذا التصريح دليل مادى بين يدى الذين يرون أن الوفد يعمل على سياية ان لم تكن تناوىء الاسلام فهى على الأقل لا تستمد منه و لا تعنى بشأنه ويسرها أن تتخلص من تبعاته .

ألقيت مقاليد الأمة الى الوفد منذ بدء النهضة الأخيرة وقاد الرأى العام فيها وتعاقبت حكوماته على كراسى الوزارة مرات , فماذا فعل الاصلاح الاسلامى وماذا حقق من آمال للمسلمين ؟ لا شىء .. بل بالعكس فان كثيرا من مشروعات الحكومة يراد به تقلص ظل النواحى الاسلامية كمشروع اصلاح المجالس الحسبية مثلا . وهذا الاهمال التام والتناسى المطلق لمطالب المصلحين الاسلاميين مع التصريح بعكس ما يريدون والعمل عليه دليل آخر على ما يرى الناس ويظنون .

قد يقال ان الوفد كان طول هذه المدة مشغولا بالقضية السياسية الكبرى – قضية الاستقلال – وهو كذلك , ولكن مهما كانت المشكلة كبيرة فانها لن تنسى القائمين بالأمر علاج هذه المويقات التى تصطدم مع أبسط المبادىء الاسلامية ولا يستعدعى القضاء عليها وقتا ولا مالا ولا يحتاج الا الى تأشيرة من وزير .

وقد تقدمت اليكم بخطاب اصلاحى شامل وزع على الوزراء جميعا وعلى أعضاء البرلمان جميعا فكان مصيره مصير سوابقه من الخطابات والمذكرات .

يا رفعة الباشا – تناولت فى هذا الخطاب ناحية واحدة هى موقف الوفد من الاسلام وأعلاضت عن الناحية السياسية اذ كان أهم ما يعنينى سلامة البناء الداخلى واذ كنا قد انتهينا فى قضية الاستقلال الى حد ما صار علينا الآن ان نفكر فى ترتيب البيت كما يقولون – والآن وقد انتهينا فى قضية الاستقلال الى الحد المعلوم .

وقد رأيتم أن موقف الوفد من الاسلام قد أضر به وان أمضى سلاح استخدمه خصومكم ضدكم هو الدين فحولوا بذلك وجهة الرأى العام عنكم وان الشعب المصرى تربة صالحة بوجه من الوجوه للانقلابات الملحدة الفاجرة فهو شعب مؤمن بفطرته متدين بما ورث من آبائه وأجداده معتز بمجده الاسلامى وزعامته لأمم الاسلام .

والآن وقد فكرتم فى الاتجاه الى الناحية الاسلامية العربية فأصدرتم قراركم بخصوص فلسطين البلسلة وبخصوص دعوة ممثلى الأمم الشرقية .

الآن والأمر كذلك – هلى لنا أن نأخذ من هذا أن الوفد جاد فى تعديل موقفه الماضى من الاسلام أم ما زلت هذه المظاهرات مناورات سياسية اقتضتها الظروف والحوادث يراد بها الانتصار السياسى على خصوم الوفد والعودة الى قيادة الرأى العام ثم الى الحكم , حتى اذا تم ذلك عاد سيرته الأولى من الاغضاء والتجاهل والاهمال لكل اصلاح يمت بصلة الى الاسلام – ثق يا باشا بأنه اذا كانت هذه هى الغاية فان الله لا يؤيد الا من أخلص له وصدق توجهه اليه ولن ينال الوفد شيئا مما يفكر فيه أو يتطلع اليه فان الله أشد غيرة على دينه من أن يكون سلما للمطامع ومطية للأهواء والشهوات وان كانت الأولى فلندع الماضى جانبا ولننسه بخيره وشره ولنضع منهاج المستقل فذلك هوالذى يعنى الأمة ويؤدى الى النجاح وليكن هذا المنهاج مرتكزا على قواعد الاسلام مستمدا من تعاليمه السامية وأصوله النبيلة الدقيقة . ولذلك – ان صح العزم عليه – علامات ودلائل نطالبكم بها ونحاسبكم عليها فلا قيمة لدعوى بغير دليل وبرهان ومن هذه الدلائل :

أولا : أن يكون أعضاء الوفد والهيئة الوفدية وعلى رأسهم رفعتكم نماذج صالحة للاستمساك بالاسلام فى أنفسهم وبيوتهم وكل مظاهر حياتهم فيؤدون الفرائض ويؤمون المساجد ويمتنعون عن غشيان الأندية الفاجرة والذهاب الى الصالات الخليعة ويصدرون عن هذه المسالك فى تصرفاتهم العامة والخاصة وتزدان اجتماعت الوفد ومؤتورات الوفد بملاحظة الأوقات وأداء الصلوات وينبه على ذلك تنبيها جادا فى كل اللجان الوفدية صغيرة أو كبيرة ويراقب أعضاؤها فى هذا ويؤخذون به على أن القدوة الحسنة من جانبكم وجانب أعضاء الوفد البارزين فيها الكفاية فى التاثير وحمل الأنصار على اتباع هذه الخطة القومية والتمسك بآداب الاسلام وشعائه ومظاهره .

ثانيا : أن يعلن الوفد منهاجه الاصلاحى مستمدا من قواعد اسلامية متضمنا لما يأتى :

1- العناية باصلاح التشريع وتوحيد المحممة المصرية فى ظل الشريعة الاسلامية .
2- العناية باصلاح التعليم وتوجيه المدرسة المصرية فى ظل الشريعة الاسلامية كذلك .
3- العناية بتجنيد القادرين فى الأمة جميعا تجنيدا تطوعيا لا يكلف الحكومة شيئا باسم الواجب الدينى المفروض على كل مسلم واجب الجهاد المقدس الذى يدوى به النفير العام فى قوله تعالى " انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله " .
4 محاربة الموبقات التى يحرمها الله والتى أفسدت أخلاقنا وهددت مجتمعنا والقضاء عليها قضاء تاما كالبغاء والقمار والخمور والتهتك والمراقص والصالات والأندية الداعرة .. الخ وأخذ كل خارج عن أدب الاسلام بالعقوبة الرادعة .
5- العناية بمشروعات الاصلالاح الاقتصادى والاستعانة فى تحقيق ذلك بتنظيم الزكاة ومصرفا .
6- مقاومة روح التقليد الاوربى وتعويد الشعب الاعتزاز بكرامته وقوميته .
7- العناية باصلاح الادارة والأسرو والقرية وتطهير ذلك كله من كل ما يتنافى مع أدب الاسلام وتعاليمه.
8- العناية بالسياسة الخارجية التى تربط مصر بغيرها من الأمم الاسلامية والعربية تمهيدا لعودة الخلافة وتوكيدا للوحدة التى فرضها الاسلام .
9- دعوة خصوم الوفد السياسيين الى انتهاج هذا المنهج وبذلك يقضى على الحزبية السياسية .

هذه نماذج مما يجب أن يعلنه الوفد فى منهاجه الجديد على الأمة لم نقصد بايرادها الاستقراء التام ولا الاستقصاء الكامل نسوقها كأمثلة مما يجب أن يكون .

اذا وافقتم على هذه الخطة يا رفعة الرئيس فتقدموا بها الى هيئة الوفد الموقرة , واطلبوا اليها اقرارها واعلانهاواذاعتها على لجانها وهيئاتها وأنصارها وحينئذ ثقوا بأنكم سترون من الشعب المصرى الكريم وعلى رأسه جلالةالملك الصالح – أيده الله – نجاحا تاما وتأييدا كاملا وموافقة شاملة وحينئذ تتوحد القوة وتتجه الأمة الى الخير مجتمعة ويكتب الله لكم أجر العاملين المخلصين .

هذه كلمة ليس مصدرها حب الشهرة ولا التشهير وانما هى النصيحة الخالصة يتقدم بها اليكم قلب يضن بخطواته أن تكون لغير الله والاسلام فانظروا ماذا ترون ؟ والسلام عليكم ورحمة الله .

تحقيق مشروع باكستان

وجه السيد محمد على جناح رئيس جمعية الرابطة الاسلامية الى مسلمى السند يهنئهم فيها بالنجاح فى انتخابات الجمعية التشريعية فى ديسمبر , ويقول : اذا ظل المسلمون متحدين ومحافظين على النظام وواصلوا العمل بهذه الروح فاننا سنحقق الباكستان ونتمكن من انشاء دولة مستقلة فى الهند فى مدة اقصر مما يتوقعها الكثير من الناس .

رأى لندن فى الاخوان المسلمون

نشرت جريدة ( التايمس) مقالا هاما فى نسختها الاسبوعية عن الروح الوطنية فى مصر عرضت فيه للإخوان المسلمون ودعوتهم ومرشدهم وموقفهم من البريطانيين , وقد تضمن المقال كثيرا من الحقائق التى كتبت بروح الانصاف الذى يستحق الشكر , ومن أهم ما ذكره المقال فى وصف الاخوان ( أنهم ليسوا سياسيين كما أنهم ليسوا حزبا سياسيا ولكنهم وطنيون يعملون لتحرير مصر واسترداد حقوقها المغتصبة ولما كان حسن البنا شديد الايمان بالتعاليم الاسلامية وخطيبا مفوها , فانه ما لبث أن كسب أتباعا وأنصارا كثيرين ونفوذا كبيرا وأظهر أنه سياسى بارع فقد أصبح للجمعية بفضل ادارته الحكيمة فروع فى جميع أنحاء مصر وبدأت مبادئه تنتشر فىالبلاد العربية المجاورة ثم أصدر جريدته فى أوائل 1946 وتتألف هذه الجمعية التى يقدر عدد أعضائها ما بين 300 ألف و600 الف من طبقة العمال ولكنها تضم عددا من الطلبة والمثقفين , ولم تبد طبقة أصحاب الأراضى حماسا كبيرا نحو الاخوان المسلمونخوفا من احتمال ازدياد قوتهم مما يؤدى الى اضعاف سلطة الطبقة العليا على الفلاحين ويلوح أن لهذه الهيئة طابعا عسكريا فأعضاؤها يسيرون فى طوابير ويتدربون ويظهرون فى زى عسكرى أمام الجمهور .

والهدف الرئيسى للهيئة هو العمل علىاحياء الاسلام ولتحقيق هذا الهدف تقضى الضرورة تنشئة جيل جديد يفهم معنى الاسلام ويتبع التعاليم الاسلامية – ويعتقد الاخوان المسلمونأن المدنية الغربية الحديثة تقوم على الماديات وحدها – وهى المسؤولة الى حد كبير عن تدهور السلوك الاخلاقى ونشر الفقر والبؤس فى مصر .

وقد قال الشيخ حسن البنا فى العام الماضى انه يتكلم باسم 500 ألف من الاخوان المسلمونالذين يمثلون مبادىء وآمال 70 مليون عربى و300 مليون مسلم وأضاف الى ذلك أن مهمة الاخوان المسلمونليست سياسية بما فى هذه الكلمة من معنى ولكنهم يتمسكون بالاصلاح الاجتماعى – مما قد يجعلهم قريبين من الشئون السياسية – ولقد اتهم الاخوان بالتعصب الدينى – ولكن الاسلام أوصى بالتسامح لذلك فهم لا يشعرون بالتعصب الدينى ضد الأجانب .

وقد تدخل الاخوان للمرة الأولى فى الشئون السياسية المحضة عام 1936 وكانوا من مشجعى الأعمال المعادية للبريطانيين فى مصر حينما نشبت الثورة العربية فى فلسطين وهم ما فتئوا مم أنصار مفتى فلسطين . وفى أكتوبر 1941 اعتقل الشيخ البنا غير أنهم أطلقوا سراحه بعد ذلك بشهر .

الاستاذ المرشد فى الأسكندرية

بمناسبة ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أقام الاخوان المسلمونسرادقا كبيرا فى ميدان المنشية يتسع لأكثر من خمسة آلاف شخص .

وبعد صلاة العشاء حضر الداعية الاسلامى الكبير محمد عليم الله الصديقى المبشر الاسلامى الهندى وتعالت هتافات الجماهير الله أكبر ولله الحمد تحية للاستاذ المرشد وصحبه , وكانت فرق الجوالة تنظم الحفل الكبير وتقوم بالحراسة وقام الشاعر الموهوب الاستاذ محمد رشاد عبد العزيز رحمه الله حيث قال فى أبيات من قصيدته :

يا مانح الواعظ الدينى راتبه

كيما يرد الى الطاعات جهال

عوقت سعيا له فى رخصة دفعت

الى البغى فضاع النصح والمال

أما فضيلة المرشد العام فقد قال فى كلمته

ليس غريبا أن تجد الأسكندرية ممثلة فى هذه الصفوف الممتازة وهذه النخبة المختارة من رجالها الأبرار وشبابها الأخيار فهكذا عرفت الأسكندرية دائما وفى كل المواقف ثم عرج على المظاهر الطيبة التى برزت فى حضور بعض المواطنين من غير المسلمين مما سماه شعورا طيبا من حانبهم يشكرون عليه اذ يسهمون فى تكريم ذكرى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيها من معان سامية تنير للعالم سبيل الحياة الطيبة فة هذه الدنيا وما يترتب عليها من ثواب فى الآخرة , وقال ان بين أيديكم الآن ميراث هذا الرسول العظيم وأود أن أعرف مبلغ استعداد الأسكندرية التى عهدتها دائما حفيظة للحرص على هذا الميراث قبل أن أدخل فى تفاصيله ( تجاوبت الاصوات معاهدة فضيلته علىالحرص على هذا الميراث ) واستأنف الحديث فقال ان هذا الميراث يتلخص فى ثلاث مسائل – قدوة – دعوة - دولة .

أما القدووة ففى خلق رسول الله وخلقه الكاملين – أما أنه صلى الله عليه وسلم خلقه قدوة فهو أنه كان كاملا كمالا مطلقا فى تنسيق أجزاء جسمه وفى صحبته . وفى قدوتنا فيه محافظتنا على سلامة هذا المظهر فنعيش عيشة طيبة , وفى الخلق عظمة قد شهد بها الله سبحانه وتعالى حين قال مخاطبا رسوله " وانك لعلى خلق عظيم " وعظمة الخلق فى رسول الله فى كل مواقفه كان صلى الله عليه وسلم شجاعا بكل ما فى الشجاعة من معنة كريما بأقصى حدود الكرم متسامحا فى حدود ما يستطيع أن يغتفر مما يتصل بشخصه , وهذه الصفات قلما تتجمع فى شخص ولكن الله كمل بها نبيه وضرب لذلك الأمثال .

أما الدعوة فيمكن أن نبسطها فى كلمات ثلاث : ايمان – استقامة ومحبة واخاء – وبين المعنى المتصل بكل هذه النواحى .

وأما الدولة فهى أسس ثلاثة : العدل والحرية والجهاد وقد بينها الله عز وجل ( فى وسص الصورة :

الداعية الهندى الكبير عليم الله الصديقى ضيف الإخوان المسلمين حوالى عام 1946 بجوار فضيلة الاستاذ الامام حسن البنا وعن يمينه الاستاذ سعد الوليلي رئيس جوالة عموم الاخوان المسلمونثم أقصى يسار الف الثانى .. ثم عبد الدايم ضيف ثم أقصى يسار الصف الثانى الاستاذ وجدى أمين وعن يساره .. ثم الاستاذ عبد الرحمن حسين ثم الاخ ابراهيم عرفه ثم .. ثم الاخ محمد عبد النبى بركات وفى الصف الأول عن يمين الصورة الدكتور أسنان أنور العربي ثم الاستاذ حسن سالم رئيس جوالة الأسكندرية ثم الاستاذ السيد البهنساوى ثم الاستاذ محمود عبد السلام ثم الاخ عباس السيسى وعن يسار الاستاذ الاخ عبد الفتاح السيد البهنساوي ثم الاستاذ محمود عبد السلام ثم الاخ عباس السيسي وعن يسار الاستاذ الاخ عبد الفتاح السيد من خلفه – أقصى اليمين الاخ عباس السيسي .)فى كتابه – كما جاءت الأحاديث مدعمة لها – وقال ان الدعوة بغير دولة تكون نظريات فلسفية ككتب أرسطو وجمهورية أفلاطون – ليس لها سند يحميها ولذا كانت الدولة مكملة – والدولة بغير دعوة ليست الا لجنة ادارية .

ثم تكلم بعد ذلك عن الوسائل التى يمكن بواسطتها المحافظة على هذا الميراث , لأن الدولة قد ولت حين أغفلنا أمر الدعوة , ولكى نستعيد مجدنا يجب ان نتمسك بهذه القواعد الثلاث التى قام عليها مجد الاسلام فى بدايته ويكفى ان نشير الى أن أوروبا حين رأت استعدادنا لاهمال الدعوة تنبهت الى استغلال الفرصة فعرفت سبيل القوة المادية وقضت بها على مالنا من دولة , وأرادت أن تخفى أثر الدعوة فخلقت الشك ونسينا نحن القدوة والتمسك بالدعوة والمحافظة على الدولة وكان مسك الختام كلمة مولانا محمد عبد العليم الصديقى الداعية الاسلامى الهندى .

حفل الاسراء والمعراج بميدان محطة مصر بالأسكندرية

فى هذا اليوم 23 من رجب 1366 – 12 يونيو 1947 أقام الاخوان بالأسكندرية سرادقا كبيرا فى الجهة التى يقع فيها موقف الحافلات الان بميدان محطة السكة الحديد وازدحم السرادق على سعته بآلاف الوافدين – وفى هذا الحفل الرائع وقف على منصة الخطابة ابناء الامير عبد الكريم الثلاثة فحياهم الشعب السكندرى أحر وأجمل تحية ولما كانوا لا يجيدون اللغة العربية فقد وقف الاخ الدكتور عبد القادر سرور وترجم كلماتهم بين تهليل الاخوان وتكبيرهم , ثم وقف بعدهم على المنصة الاستاذ الكبير فضيلة الدكتور مصطفى السباعى مراقب الاخوان المسلمونفى سوريا والقى كلمة رائعة وحماسية للغاية مشيرا فيها الى موقف الاحزاب المصرية وخاصة حزب الوفد من جماعة الاخوان وناشد المرشد أن يكون واثقا من نصر الله تعالى ودعاه الى أن يقف من أعداء الدعوة موقفا حاسما وصلبا فان الله تعالى ناصره ومؤيده وعاهده باسم الاخوان فى سوريا أن يظلوا أوفياء يفدون الدعوة بكل غال من دم ومال .

ثم وقف المرشد العام الاستاذ البنا بعاصفة من التكبير والتهليل وصمت الناس جميعا بعد ليبدأ الاستاذ المرشد كلمته ومما قاله الاستاذ المرشد بمناسبة الاسراء والمعراج موضحا ان الاسراء كان بالجسد والروح قال ان بعض الهنود يستطيع ان يدفن نفسه تحت التراب عدة ايام دون ان يتنفس الهواء على الاطلاق وبعد هذه الايام من الحفرة دون ان يفقد حياته وهذا يدل على ان قوة ارادة الانسان ورقى روحه وسمو نفسه يرفعه الى هذه الدرجة من الشفافية فما بالكم بنبى مرسل له من روحه العظيمة ما يؤهله الى أعظم الدرجات التى يسمو بها الى سدرة المنتهى , ان الله تعالى الذى خلق نواميس الكون لقادر على ان يسخرها كيف يشاء لما يشاء واستطرد الاستاذ البنا فقال ان المعراج برسول اله صلى الله عليه وسلم الى سدرة المنتهى له دلالة خاصة – فالمعروف أنه فى حياة الدول حينما تحدث مشاكل كبرى أو مهام عظمى فان الملك يبعث فى استدعاء كل السفراء من الخارج ليعرض عليهم القضايا الكبرى – ولله تعالى المثا الأعلى – فالله تعالى أراد أن يفرض الصلاة على المسلمين وهى الفريضة الكبرى لما كان لها من الاهمية فى حياة المسلمين لهذا استدعى الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وفرض عليه الصلاة , بهذه الأهمية وبهذا الحدث العظيم وبعد ان وفى الاستاذ المرشد حديثه عن الاسراء والمعراج – تحدث عن الظروف السياسية والاقتصادية التى تمر بها البلاد – فقال الواقع ان الامراض التى تقتل هذا الشعب ثلاثة : هى الفقر والمرض ثم قال ( واللى فى بالى مش اللى فى بالكم ) – أعنى الجهل – وضج الحاضرون بالضحط وتبسم الاستاذ المرشد فالنكتة المشهورة عند المصريين تقول ان الامراض التى أصيب بها الشعب المصرى هى الفقر والمرض و ( ... ) – ولكن الاستاذ المرشد أراد بلباقة أن يمر على ذلك دون أن يكون فى ذلك اساءة لاحد وكان الاستاذ المرشد قد حضر قبل هذا اللقاء حفل عقد زواج الاخ الاستاذ مختار عبد العليمفى منزل أخواله بحى الحضرة بالأسكندرية كما حضر مجموعة من الاخوة والعلماء .

حول القمص سرجيوس أيضا

اخوانى فى الوطن – مما يأسف له جميع الاقباط ما اطلعنا عليه من مقالات القمص سرجيوس المخزية التى لا يصح أن تصدر من رجال الدين الاطهار الذين هم فخرنا وهى تحوم حول المرشد العام للإخوان المسلمون اننا نستنكر تلك المقالات لأننا نشعر بالاخوة التى بيننا وبين اخواننا المسلمين لأن الوطن للجميع والدين للديان – وان القمص سرجيوس معروف بأنه صاحب اللسان اللاذع .

أمين برسوم

من كلمات الاستاذ المرشد

ان افضل الوسائل فى نجاح الدعوات ليس فى مظاهر العدد بل فى العوامل الروحية – فانها تفعل فعل السحر – وأنجح الدعوات تقوم على ثلاث دعائم :

1- منهاج كامل وعلامته الوضوح والشمول والتأثير .
2- الجندية الكاملة وعلامتها الايمان والحب والبذل .
3- القيادة الكاملة وعلامتها الاخلاص والكفاية والحزم فبقدر اكتمال هذه المعانة يكون اكتمال الدعوة .

من شعر جمال السنهورى فى حفلات الاخوان :

مرشد الناس أنت فرد

تتلاقى على يديه الامانى

لك فى كل وطن عربى

صفوة من طلائع الفتيان

يتبارون فى اقتحام المنايا

بشغاف القلوب والوجدان

مر تجدنا فاننا ليس فينا

غير شاد بأنبل الألحان

انه المبدأ السليم عاد

حار فيه مروجوا البهتان

وغدا( دارس الخطوط ) اماما

عاملا تحت راية القرآن

موقف فى شعبة كفر عشرى

كنت مراقبا للجوالة بمنطقة غرب الأسكندرية – وطلبت عقد اجتماع لفرق جوالة المنطقة – وامتلأت بهم ساحة الشعبة , وفيما أنا أتحدث الى شباب الجوالة والجميع يرتدون الملابس الكشفية اذا بضابط ومعه بعض الجنود يحاصرون الشعبة , وأرسل لى السيد الضابط أحد الاخوة يطلب منى فض هذا الاجتماع حيث أن عنده أوامر بذلك ,وكان موقفى دقيقا للغاية , كيف أتصرف فى هذا الموقف ؟ لو رفضت هذا الطلب وتشددت فى الرفض فان معنى ذلك دخول قوات البوليس وفض الاجتماع بالقوة فضلا عما يترتب على ذلك مما لا يحمد عقباه ولا يحسب كما أننى بصفتى رجل عسكرى ومحظور على وعلى أمثالى العمل السياسى فسوف أتحمل فى ذلك مسؤولية أكبر واذا قبلت طلب السيد الضابط وأمرت الاخوان بفض الاجتماع والانصراف فان موقفى الادبى بين الشباب الذى يعتبرنا قدوة له سوف يهتز ويضعف وليس ذلك من أساليب التربية فلجأت الى الله كى يلهمنى الرشد والصواب وكان أن قلت للاخ قل لحضرة الضابط ان امامنا عشرة دقائق فقط وسوف نفض الاجتماع – واستجاب السيد الضابط بكل ارتياح – وما ان انتهت الدقائق العشر حتى وقف الاخوان فى صفوف منتظمة وهتفوا هتاف االاخوان وانصرفوا من دار الشعبة بكل أدب ووقار وبعد ذلك انصرف الضابط مع جنوده بسلام .

وبهذا احتفظت لنفسى واخوانى بكرامة الدعوة والداعية .

القبض على بالمنشية

كنت نقيبا لأسرة من الاخوان الطلاب بالجامعة وقمنا مساء يوم برحلة قمرية بالقرب من منطقة المكس وحال عودتنا الى المدينة وفى ميدان المنشية رأيت أن أكتب على الحوائط بعض العبارات الاسلامية كوسيلة للدعوة وكان معى أربعة من الاخوة الطلاب وأخرجت الطباشير الملون وبدأت أكتب العبارات الآتية :

1- اما ان يصل الايمان الى قلوب الحاكمين أويصل الحكم الى أيدى المؤمنين .

ان تكاليف الحمار فى مصر أكثر من تكاليف الانسان .

ان مقابر الاجانب فى الأسكندرية تضارع بيوت المواطنين بها .

وفيما أنا منهمك فى الكتابة اذا بجندى من رجال المباحث يطبق على رقبتى بقوة وشراسة وعلى أثر ذلك هرب اثنان من الاخوة بينما قبض جندى آخر على الاخ محمد فؤاد ابراهيم الطالب بكلية الهندسة وساقنى المخبر الى اتجاه قسم المنشية – وفى هذه اللحظات فكرت فى ان استخدم معه أسلوب الضربة المعجزة التى تعلمناها فى التدريب على المصارعة اليابانية – وفعلا تشجهت وضربته ضربة شديدة تحت عنفه فوقع على الارض كالطود وأسرعت أجرى للهرب ولكن المخبر الذى يقبض على الاخ محمد فؤاد وكان خلفى صرخ بأعلى صوته ( حرامى حرامى ) فخرج جميع الخفراء الخصوصيين الذين يحرسون المحلات الكبرى لزميلهم من الضرب فانهالوا على للانتقام بصورة بشعة فى وحشية ونذالة حتى تأثرت من جراء ذلك أسنانى وتورم وجهى .

وقام الضابط النوبتجى بعمل المحضر وأثبت فيه العبارات التى قمت بكتابتها على الحوائط , وفى الصباح تحولت والاخ محمد فؤاد الى النيابة وحضر التحقيق بعض المحامين الذين ترافعوا عن مضمون الكلمات , ولكن النيابة تمسكت بالعبارة الاولى باعتبارها تحريض على قلب نظام الحكم ولكنى قلت لوكيل النائب العام ان عبارة ( اما أن يصل الحكم الى ايدى المؤمنين أو يصل الايمان الى قلوب الحاكمين ) ليست من تأليفى فقد سبق أن نشرتها مجلة الاخوان على لسان الاخ الاستاذ عبد العزيز كامل .

وبعد أخذ ورد مع النيابة تقرر الافراج عنا بدون كفالة , وعدت الى وحدتى العسكرية متخلفا يوما واحدا ولكنى فوجئت بقرار من ادارة الجيش بنقلى من الأسكندرية الى ورش سلاح الصيانة بمدينة مرسي مطروح فورا وعلى اقرب قطار – يعنى لابد من سفرى غدا الاثنين وكان يوافق يوم الاثنين من شهر أبريل 1947 وهو يوم عطلة شم النسيم فى مصر ورأيت أن لا أخبر أحدا من اخوانى بهذا النبأ المفاجىء وذهبت الى المنزل وأعددت متاعى للسفر غدا الاثنين فى قطار الصباح الى مطروح – ولكن بعض الاخوة الذين كانوا يزوروننى كالمعتاد فوجئوا بأننى أعد متاعى وأخيرا علموا بنبأ نقلى فاتصلوا بالشعبة فورا لترتيب توديعى ولكن الله سبحانه أراد أن يكون ذلك فى مساء الاحد وهو الموعد المعتاد لأكبر لقاء للاخوان من كل اسبوع وهناك كان وداعا حارا ومؤثرا للغاية وأبى بعض الاخوة الا ان يبيتوا معى حتى يودعونى الىالقطار وكانمشهدا عاطفيا مثيرا للغاية , وتحرك القطار الى مرسي مطروح وهناك التقيت بالاخوة الذين سبقونى منذ شهور نفيا الى مرسى مطروح .

وفى مكتب الصاغ المهندس حسنى شركس وقائد الوحدة كما يقضى الواجب العسكرى لتقديم نفسى لقائد الوحدة ولكنى فوجئت بمعاملة شديدة وجافة وخارجة عن الاصول , اذ استقبلنى قائد الوحدة بروح فيها حقد واثارة مما ترتب علىذلك من مواقف استدعت عرضى على قائد المنطقة الغربية وهو برتبة عميد , وأمام هذا العميد الذى سبق أن شحنه قائد الوحدة بالافتراء والذكب حدثت مشادة أيضا اقتضت أن يقرر على جزاء وعقوبة غير مناسبة مما جعلنى أهاجمه أيضا وأخرج عن حدود القانون العسكرى وترتب على ذلك حجزى بالوحدة عدة أيام , وحين ذهب الصاغ المهندس حسنى شركس الى النادى فى مرسي مطروح كالمعتاد جلس يتندر ويفتخر بأنه قد استطاع ان يكسر شوكة جاويش فنى قيل انه مشاغب فأراد السيد القائد أن يبدأه بالارهاب والتخويف حتى لا يسبب له متاعب فى الوحدة .

ويظهر أن القائد كان يظن أن عباس السيسي هذا مجرم حرب فأراد أن يتغدى به قبل ات يتعشى هو بنا , وحين ذكر القائد اسم عباس السيسي حتى هاج عليه الموجودون فى النادى حيث كان أكثرهم من الاخوان المسلمونأذكر منهم المهندس محمد النبراوي رحمه الله والمهندس الصاوى القلش من مهندسى الاشغال العسكرية بمرسي مطروح والاستاذ على خليفة الموظف بالمحكمة وأصله من مدينة رشيد , وأمام هذا الشعور والمؤاخذة والعتاب اضطر السيد القائد أن يرسل سيارته الخاصة ليأتى بى من المعسكر ويعتذر لى أمام الجميع ,بعد ان كنت قد حررت شكوى قاسية ضد قائد الوحدة وقائد المنطقة الغربية ,سحبت الشكوى وذهبت الى منزلى , ولكن العداء بقى مستحكما والبغض واضحا والتحدى ظاهرا فان حقيقة القائد وضحت فى طبعه وفى أعماق نفسه حتى ان الصاغ محمود لبيب الوكيل العام للاخوان كان قد أوصى احد الضباط الكبار المنقولين الى مرسى مطروح بان يزورنى , وجاء الرجل الى الوحدة وهو يظن أن عباس السيسى هذا شخصية عسكرية كبيرة حسبما تصور ولما دخل على القائد رحب به , ثم فوجىء به يطلب مقابلة ( عم الحاج عباس السيسي ) فاغتاظ القائد ولكنه كتم غيظه وأرسل فى استدعائى ولما وقفت أمامهما قال للسيد الضابط الضيف الذى لا أعرفه ولا يعرفنى , هذا يا سيدى هو عم الحاج عباس السيسي ولا عم ولا حاج ؟ فنظر اليه الضابط الضيف نظرو استخفاف وتقدم منى وعانقنى بحرارة وأبلغنى تحيات الصاغ محمود لبيب بالقاهرة , وكانت لطمة للسيد القائد المغرور .

رد الهيئة العربية العليا على تقرير لجنة التحقيق الفلسطينية

أصدرت الهيئة العربية العليا فى الساعة السابعة من مساء أمس البيان الخطير التالى : اطلعت الهيئة العربية العليا على الخلاصة التى أذاعتها البرقيات عن تقرير لجنة التحقيق التى أوفدتها هيئة الأمم المتحدة للنظر فى قضية فلسطين ومع أن الهيئة العربية العليا كانت على يقين مما بيتته أكثرية هذه اللجنة من نية سيئة لقضية العرب ومن ممالاة للرغبات الصهيونية والمطامع الاستعمارية , وهذا ما حدا بالهيئة العربية العليا للدعوة الى وقاطعة هذه اللجنة ومع ذلك فقد دهشت الهيئة لمبلغ ما تطورت اليه اقتراحات اللجنة من فظاعة واعتداء يجاوز كل الحدود الاعتداءات السابقة التى وصلت اليها لجان التحقيق الغابرة على حقوق العرب فى فلسطين ومستقبل وطنهم العزيز المقدس الذى تناولته ايدى اللجنة بالتقسيم والتمزيق .

لقد اقترحت لجنة التحقيق فى تقريرها مشروعين لحل قضية فلسطين فى زعمها :

أحدهما : مشروع أكثرية أعضائها وهو يقضى بتقسيم فلسطين الى دولتين احداهما عربية والاخرى يهودية وات تعطى الدولة اليهودية خير أراضى فلسطين الزراعية ومواقعها التجارية ومدينتى حيفا ويافا وأراضى بئر السبع والنقب وان تبقى مدينة القدس خاضعة لوصاية هيئة الامم وان يدخل الى المدينة اليهودية مائة وخمسون ألف مهاجر يهودى فى سنتين .
ثانيهما : مشروع الأقلية ويقضى بجعل فلسطين دولة اتحادية فيدرالية مؤلفة من دولتين احداهما عربية والاخرى يهودية .

وان هذين الاقتراحين يخالفان بداهة كل أمانى العرب ومطالبهم وميثاقهم القومى كما يخالفان ميثاق الامم المتحدة وجميع مبادىء الحق والعدل وفيهما من الجرأة على الحق والمنطق والتجاوز عن حقوق عرب فلسطين مسلمين ومسيحيين وعن حقوق الامة العربية كلها والعالم الاسلامى بأسره فى هذه البلاد المقدسة مالا سبيل معه الى منافقة أو مساومة وما لا يقابل الا بالرفض البات والاستنكار المطلق لا من الهيئة العربية والامة العربية الفلسطينية فحسب بل من العالمين العربى والاسلامى ومن كل ذى ضمير حى ووجدان سليم فى العالم ولن تكون لمحاولة تنفيذه الا نتيجة واحدة معروفة عهى تحويل فلسطين والشرق العربى الىنار آكلة وجعل البلاد المقدسة التى وصفت بأنها مهد السلام بلاد القلاقل والفتن ومواطن الكوارث والمحن .

ولذلك فان الهيئة العربية العليا التى تنطق بلسان الامةالعربية الفلسطينية تعلن فى عزم وتصميم رفضها البات المطلق لمشروعى لجنة التحقيق وهى على تمام الثقة من ان الامة العربية الكريمة فى فلسطين والاقطار الشقيقة ستقف الموقف الحازم تقتضى به مصلحة العمل وتعمل بكل ما أوتيت من قوة على دفع هذه الكارثة التى تحاول المطامع الصهيونية والاستعمارية ان تنزلها بهذا الوطن العربى المقدس كما أنها على تمام اليقين من أن وطنا مقدسا تصونه أمة مصممة مستميتة يهم أمره سبعين مليون عربى وأربعمائة مليون مسلم لن يؤثر فى مصيره أويبدل مستقبله قرارات مجحفة ومؤامرات ظالمة مهما كان مصدرها ومهما أحاطتها به القوى الغاشمة من مظاهر البغى والعدوان وتقدرون فتضحك الاقدار ولله الامر من قبل ومن بعد .

عصمت اينونو فى مكة

أنقرة فى 16 – و ف – يقال ان جلالة الملك عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية قد يدعو فخامة السيد عصمت اينونو رئيس الجمهورية التركية الى زيارة مكة بمناسبة موسم الحج المقبل .

ولا تنفى دوائر أنقرة السياسية هذا النبأ على اعتباره غير جائز بعد أن نشرته صحف استانبول ولكنها ترى أنه لا يحتمل كثيرا أن يقبل الرئيس عصمت اينونو تلبية هذه الدعوة .

وقد سبق أن ابرز أنه كان للتصريح الأخير للحجاج الأتراك بالسفر الى الحجاز لتأدية فريضة الحج فى الكثير من الدوائر تأثريات سيئة ازدادت تفاقما من جراء الانباء التى قيل فيها ان الحجاج الاتراك ما كادوا يجتازون الحدود الحجازية حتى عمدوا الى القاء الطرابيش التى لبسوها عند مغادرتهم الحدود التركية .

وقد تكون زيارة الرئيس عصمت اينونو لمكة المكرمة فى أثناء موسم الحج الظارهة الاولى على يقظة عنيفة للرجعية فى تركيا ومن المؤكد ان رئيس الجمهورية الذى ساعد نفوذه الشخصى علىادماج بعض الكبراء من اعظم انصار التقدم لحزب الشعب فى الوزارة التركية سيتجنب القيام بتصرف قد تكون نتائجه خطيرة الى هذه الدرجة .

قصة الاستاذ السكرى مع الاخوان

فوجئنا ذات يوم باعلان فى صدر عدد من مجلة الاخوان المسلمونالاسبوعية بتكوين لجنة للتحقيق مع الاستاذ السكرىالوكيل العام لجماعة الاخوان المسلمون– والاساتذة : كمال عبد النبي وحسين عبد الرازق والاستاذ أمين مرعي رئيس الاخوان بالأسكندرية وفزع الاخوان فى كل مكان لهذا النبأ الذى يتوقعون أن يؤدى الى فتنة شديدة قاسية بين صفوف الاخوان لما ينتهزه أعداء الدعوة من فرصة للانقضاض على الجماعة والثأر منها .

أشفق الاخوان بالأسكندرية على مصير الدعوة من هذا الحدث الخطير الذى يهدد دعوة الاخوان المسلمونلهذا فكر الاخوان فى ايفاد مجموعة من الاخوان الى الاستاذ المرشد العام للتفاهم معه بشأن انقاذ الموقف وعلى هذا توجه الاخوة المهندس محمد القراقصي فى منزله بشارع الخازن بجوار المركز العام .. واستقبلنا فضيلة المرشد فى حجرة متواضعة بجوار باب المنزل وجلسنا معه على الارض حيث كان يجلس الى مكتبه المرتفع عن الارض قليلا يطالع بعض الكتب , وبعد أن رحب بنا وسألنا عن الاخوة بالأسكندرية تحدثنا معه فى الموضوع الخاص بالاستاذ أحمد السكري , فصمت الرجل قليلا وبدت عليه علامات الحزن ثم قال لنا : ان موضوع الاستاذ السكرى موضوع قديم ومتشعب , وكان لزاما أن يقضى فيه برأى حتى لا يستشرى ثم يستعصى حله بعد ذلك وربما تأتى ظروف يغيب فيها أحد الاطراف , لهذا فقد رأينا أن نشكل لجنة مستقلة للتحقيق فى الوقائع المنسوبة اليه .

قلنا : يا فضيلة الاستاذ : اننا نخشى عواقب فتنة داخل الجماعة ونخاف أن يستغل أعداء الدعوة هذا المناخ فيزيدوا النار اشتعالا .

قال الاستاذ المرشد : أنا أكثر الناس حرصا على مستقبل الدعوة وأشد الناس صلة ومعرفة وعشرة للاستاذ احمد السكرى , و لكن الدعوة دائما تكون وستكون فوق كل العواطف وكل الاشخاص , واننى فى المقام الأول يهمنى أن يظل جوهر الدعوة صافيا نقيا مهما كانت التضحيات فالتضحية بالاشخاص أمر ممكن أما التضحية بالدعوة فأمر مستحيل , فالأشخاص يفنون , ولكن الدعوة هى الباقية .

ثم استطرد فقال : قولوا لاخوانكم : اطمئنوا علىالدعوة فانها دعوة الخلود , ولا يخافون من الفتنة فانه تصهروتنقى وتميز الخبيث من الطيب , ولا يهتمون كثيرا بما يصنعه الاعداء , فان الله سوف يرد كيدهم فى نحورهم , وانما يجب علىالاخوان أن يقفوا فى جانب الحق مهما كلفهم ذلك من مشقة وعنت والعاقبة للمتقين .. ثم قولوا لهم اننى تركت أمر هؤلاء الاخوة الى لجنة تحكيم وتحقيق محايدة حتى لا يكون فى الأمرشبهة , والله تعالى يحكم ما يريد .

قرارا ت الهيئة التأسيسية

عقدت الهيئة التأسيسية  : للاخوان المسلمون اجتماعها العادى الدورى الثالث يوم الخميس 14 من المحرم 1367 الموافق 27 نوفمبر 1947 (1) العدد 484 – 30 نوفمبر سنة 1947 .

وأقرت عدة قرارات منه القرار رقم (5) بالموافقة التامة على قرار المرشد العام باعفاء الاخوان محمد عبد السميع الغنيمي أفندى وسالم غيث أفندى ,أحمد السكري أفندى من عضوية الجماعة بناء على تفويض الهيئة السابقة لفضيلته ولما تعرفه الهيئة من تصرفات الاستاذ أحمد السكري قبل الاعفاء وبعده فانها تقرر بالاجماع اعتباره ناقضا للعهد حانثا لليمين خارجا على الجماعة محاربا للدعوة وكذلك كل من اتصل به أوناصره وكذلك القرار رقم (6) بقبول الاستقالتين المقدمتين من الاستاذين أمين اسماعيل افندى ومحمود عساف أفندى من عضوية الهيئة مع شكرهما على جهودهما السابقة فى خدمة الدعوة .

خطاب الاستاذ أحمد السكري

وقد وجه الاستاذ أحمد السكري خطابا مطولا الى الاستاذ المرشد العام فى صحيفتى صوت الامة والكتلة بالامس ولم يكد يطلع عليه فضيلته حتى أمر بنشره طبق الاصل فى جريدة الاخوان المسلمونقائلا : ان الاخوان المسلمونهم أول من يجب أن يطلعوا على هذا الكلام من وكيلهم السابق , وهم أعرف الناس بمرشدهم ووكيلهم معا , وأعرف الناس بالحق والباطل منهذا الكلام ولهم قبل غيرهم حق الحكم عليه أولا واخرا فيجب أن ينشر فى جريدتهم فضلا عن هذا الخطاب وحده هو وثيقة الاتهام لكتابه لا للموجه اليه .

ولقد كنا نود أن يبعث الينا الاستاذ السكرى بخطابه هذا اسوة بهاتين الصحيفتين ولكنه لم يحسن الظن بنا كما أحسنه بهما – سامحه الله – وها نحن أولاء ننشر خطابه نقلا عن صوت الامة فيما يلى :

بسم الله لرحمن الرحيم
أخى المحترم الاستاذ حسن البنا
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

فقد تسلمت خطابيك الموقعين معا , احدهما ما أسميته خطابا رسميا تفصلنى فيه من جماعة الاخوان المسلمونمستندا فى هذا الاجراء – كماتقول – الى تفويض الهيئة التأسيسية لك أن تقصى من تشاء وتفصل من تشاء بغير حساب , والثانى خطابك المطول الذى حددت فيه الاسباب التى دعتك الى فصلى ثم طلبت فيه أن أستقيل أنا بيدى من الدعوة التى نشأت فيها ولها , والا فلا مفر من قبول خطابك الرسمى الذى تقطع به صلتى بهذه الدعوة وباخزانى الاعزاء الأبرار :

تنكير

ولا أكتمك الحق يا أخى ما كنت لأتصور يوما من الايام أن يبلغ بك الامر فيطاوعك قلبك وضميرك وتطاوعك هذه العاطفة التى دامت بيننا سبعة وعشرين عاما كنت المثل الاعلى لوفاء المحبين واخلاص المؤمنين وتنسى كل ذلك فى طرفة عين وكأنك تريد أن يشهد الناس مأساة اليمة لأمثالنا ونحن دعاة الاخاء والحق .

وزاولت عملك بالاسماعيلية وأنشأت بها شعبة أخرى , وفتح الله لك القلوب وتعددت فروع الجماعة فآثرك على نفسه وبايعك على الرياسة وطلب الى الناس أن يبايعوك حتى ارتفع شأنك , وأينع هذا النمو الذى رأيناه بدمائنا وأرواحنا وما علم الناس وما علمت عن أخيك الا ما يرفع شأن الدعوة وشأنك وظل وما زال – حتى يلقى الله – طاهر القلب – عف اليد , فهو بالله مستعين به جل علاه , وله سبحانه الفضل والمنة والشكر الجزيل , فلما أقبلت الدنيا عليك كان لك الناصح الأمين والمشير الصادق ينبهك الى مواطن الخير لتسلكها والى مواطن الشر لتجتنبها , فاذا ما سرت على الهدى سار معك بكل جهده وقوته واذا ما استبد بك الهوى نصح وألح فى النصيحة راجيا أن يهديك الله الى الحق وان يعود القائد الى صوابه فيعود التوفيق الى مكانه .

أفيكون له منك يا أخى جزاء سنمار , بدل أن تنتهج الخطى المثلى فتكون من المصطفين الاخيار ؟

أسباب الفصل

لقد حددت فى خطابك المطول الاسباب التى دعتك الى فصلى وهى كما تقول ثلاثة :

أولها : أننا اختلفنا فى اسلوب التفكير وتقدير الظروف والاخلاص والاحوال .
ثانيهما : أننا اختلفنا فى وسائل العمل .
ثالثهما : أننا اختلفنا فى الشعور نحو الاشخاص .

هذه هى الاسباب التى دعتك الى ان تختار هذا الظرف بالذات اتفجير هذه القنبلة وتقطع ماأمر الله به أن يوصل ولعل الناس حين يطلع عليهم هذا النبأ ولعل الاخوان حين يفجعون بهذا الخبرلا يدرك أكثرهم السر فى اختيارك هذا الظرف بالذات لهذا الاجراء الشاذ الأليم .

وانى لأحمد الله على أن هذه هى الاسباب التى دعتك الى فصلى فلم تستطع ولن تستطيع ان تنسب الى ما يخدش أمانتى لدعوتى , أو يمس شرفى أو كرامتى التى أحيا بها وأعيش .

وانه ليعز على ويؤسفنى كل الاسف أن اضطر الى الرد عليك بعد ان فشلت جهود وسطاء الخير بيننا من خيرة الرجال وكرام الاخوان حتى مساء الامس , بسبب تمسكك بموقفك ورفضك اتباع الخطة المثلى التى تصلح ذات بيننا وتحقق للدعوة اهدافها الكريمة وتصونها من عبث العابثين ثم تماديك فى السنة السوء فى الاقاليم لتشويه سمعتى والحط من كرامتى زورا وبهتانا مما لا يسعنى ازاءه الا ان أوضح الحقيقة فى كثير من الايجاز والاختصار , ليكون الناس والاخوان على بينة من الأمر ابراء لذمتى واعذارا لله بعد أن عجزت عن تقويم ما اعوج واصلاح ما فسد .

ضرورة التحكيم : ولقد كنت أفهم يا أخى لو لم تسيطر عليك العناصر المغرضة وتضغط على يدك لتقطع بنفسك أن يفضى هذا الخلاف فى الرأى الى أن نحكتكم الى اخواننا فى الله , أصحاب هذه الدعوة والمضحين فى سبيلها فى كل قطر ومكان , ليقضوا بيننا بروح الاسلام ومنهاج القرآن وانا لحكمهم خاضعون , ولعمرى هذا ما أوصى به الاسلام وفرضه القرآن " فان تنازعتم فى شىء فردوه الى الله والرسول "(1)سورة النساء – 59 . . " واصلحواذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله ان كنتم مؤمنين "(2) سورة الانفال – 1 . . " ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات " (3) سورة أل عمران – 105 . الخ ماورد فى كتاب الله حثا على التحكيم والاصلاح وترهيبا من الفرقة والشقاق , كما كنا نبين للاخوان الكرام سبيل الاستنارة بأسباب الخلاف فلا يتعدى محيطهم الى الرأى العام , وكنا لا نحرمهم من ثواب اله اذا وقفوا لاصلاح ذات بيننا - وان أحببت كذلك فالى ذوى الرأى من أفاضل رجال العروبة والاسلام ليكون الجميع علينا شهودا .

استبداد

أما انك تستبد وحدك بالأمر , وتنتزع ممن حضر من اخوان الهيئة التأسيسية يوم 9 يوليو الماضى – رغم معارضة ذوى الرأى منهم – تفويضا باقصاء من تشاء وفصل من تشاء هربا من التحكيم وفرارا من مواجهة الموقف , دون تمكين من تتهمه أو يتهمك من ابداء رأيه والدفاع عن نفسه فان هذهديكتاتورية يأباها الاسلام وتأباها الشرائع والقوانين وتتنافى مع المنطق والخلق وان قلت ان مبايعة الاخوان لك تقتضيك التصرف الفردى فى شئون الدعوة وشئونهم فان الحق يرد عليك فى ذلك بأن البيعة هى فى حدود ما أنزل الله وما رضى عنه , لا فى تحكيم الهوى والخروج على المبادىء ومسايرة أهل الدنيا على حساب الدعوة وأبنائها المخلصين .

وأمامك سيدك ومولاك صلى الله عليه وسلم بستشير أصحابه فى الأمر ( وأمرهم شورى بينهم " (4) سورة الشورى – 38 . وكان يرجع أحيانا الى رأى اصحابه وأنصاره حتى فى أخص شئونه ومسألة " الحباب " فى غزوة بدر وحادثة عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها وغيرها كل ذلك سجله التاريخ فى صفحات الرسول صلى الله عليه وسلم المشرقة الوضاءة , وهكذا كان قادة الاسلام وأصحابه , ما استبد أحدهم بأمر ولا حكم هواه فى شأن والحق أبلج , والاسلام واضح المعالم لا يقف مع الهوى ولا يخضع لشهوات النفوس واستبداد الآراء .

عهد وعهد

يا أخى لقد سارت سفينتنا طوال هذه المدة ةسط الأنواء والأعاصير ولكن باسم الله مجراها ومرساها وكانت تمخر عباب محيط الحياة الخضم وتشق طريقها غير مبالية برياحه الهوج , ولا متلكئة عند شطآنه الملتوية وضفافه العوج حتى بهرت الانظار وأخذت بمجامع القلوب والافكار كيف لا والله كان غايتها والرسول ربانها والقرآن دستوؤها والجهاد سبيلها والموت فى سبيل الله أسمى أمانيها .

كانت كذلك فما بالها اليوم أصبحت تتعثر فى كل واد وتكاد جذوتها تستحيل الى رماد وأخذت ترتطم بالصخور ويكاد يفقد قادتها الهدى والرشاد والنور ؟ بل ما بال هذه الجرذان والحشرات قد قفزت الى قاع السفينة تفسد الغذاء الصافى وتلوث البلسم الشافى وتنهش حدرانها , فتكاد تغرق فى اليم السحيق ؟ ومن هنا يا أخى نشب الخلاف بينى وبينك .

أسباب الخلاف الحقيقية

تقدمت اليك بالدواء أرجو به الانقاذ والشفاء فأختك العزة وأشحت بوجهك , وقربت اليك أهل الفاساد ورميت بالدعوة فى أحضان السياسة والسياسيين وضحيت بأهل الرأى والاخلاص والسداد .

نعم رأيت الصف قد اعوج وحدثت أمور داخلية وأخرى خارجية لم يرض ضميرى الا أن أقف منها موقف الناصح الأمين الحريص على دعوته والحارس لرسالته . وازنت بين أمرين أحلاهما مر , اما أن أعلن عضبى وأتنحى كما فعل بعض الاخوة الاعزاء وتزداد الحال سوءا والفساد باطلا واما أن أصبر وألح فى النصيحة عسى أن يستقيم الأمر , ففضلت الثانى وآثرت الانتظار على أمل غلبة الحق واصلاح الحال واذا بك يا أخى لا تبالى بصيحات الأحرار , بل عملت على اقصائهم الواحد تلو الآخر , ولم تبال كذلك بما نسب من المسائل الخلقية الى بعض من صدرتهم للقيادة والارشاد بعد أن ثبت ما ثبت واعترفت أنت بما وقع , وماذا كان عليك ونحن دعاة الفضيلة والاخلاق , لو أصغيت الى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " والذى نفسى بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " فتضرب المثل الأعلى فى الانتصار للحق " ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين " (1) سورة النساء – 135 .

تدهور وانزلاق

ولم تكن هذه المسائل الخلقية وحدها بيت الداء , بل وجدت السائس والفتن الداخلية والدعايات الباطلة ضد الاحرار وارتباك النظم وفساد الادارة مرتعا خصبا داخل صفوفنا فاذا ما أضفنا اليها أمرين رئيسيين استطعنا أن ندرك شر ما وصلنا اليه من تدهور واضطراب لا يخفيه هذا الطبل الأجوف والدعايات الفارغة التى تمتلىء بها الجريدة كل يوم .

مساومة واستسلام

وعدت من الحجاز فوجدتنى محموما وزرتنى بالمستشفى وتحدثت الى أننا على مفترق الطرق بين الوفد والحكومة وعرضت المقترحات والعروض التى لا محل لذكرها الآن , و عرفت موقفى واصرارى على التمسك بكياننا , وحذرتك بخطابى المؤرخ فى 15 ديسمبر سنة 1946 من الانزلاق فى السياسى واغراء اهلها , وأهبت بك أن نظل هكذا أغنياء بأنفسنا أعزاء ياخواننا وهذا سر قوتنا .

وشاعت الشائعات حو اتصالاتك بفئة معينة من رجال السياسة ومساومتهم لك على اخراجى من الدعوة ليصفوا لهم الجو , واعترافك الى بذلك فى المستشفى ,.

وفى يوم 4 يناير 1047 حين زرتنى بمنزلى وطلبت الى التنحى عن الجريدة , وعن وكالة الاخوان , وعن نشاطى فى الدعوة وقلت بالحرف الواحد ان هذا بناء على طلب هذه الفئة من رجال السياسة والذيت احتفظ بذكر أسمائهم الآن , ولما عاتبتك بشدة على سماحك لهؤلاء أن – يتدخلوا فى شئوننا أصررت وقلت أنك توافقهم على ذلك .

ثم سارت الامور من سىء الى أسوأ, فكونت اللجنة السياسية المعروفة ووقفت فى سبيلك أمنعك من هذا التصرف المشين , ثم اكتشافى عن طريق الصدفة لاتصالك ببعض الشخصيات الاجنبية والمصرية وهالنى ما حدثنى عنه أحدهم يوم 7 فبراير سنة 1947 .

تنفيذ المؤامرة

وبدأت بتنفيذ المؤامرة ففاجأتنا بقرار ايقافى مع زميلى الكريمين , وكان كل اتهامك لى أمام الهيئة هو وقوفى فى سبيلك مما أسميته " تمردا على القيادة " ووقفت آنذاك موقفا كريما فلم اشأ أن أكشف الستار عما وراء الكواليس حرصا على الدعوة وأملا فى الاصلاح . أما هذان الأمران فهما :

1- دخزل بعض العناصر الانتهازية المأجورة فى صفوفنا بايعاز من رجال السياسة وتدخل سادتهم فى شئوننا , وتضحيتك بأغلى رجال الدعوة فى سبيل رضاهم .
2- الاغراق فى السياسة الحزبية تبعا لذلك اغراقا تاما وتقلبك فى هذه السياسة وتناسى اهدافنا السامية مما جعلنا موضع مساومة للجميع .

ولا أظننى فى حاجة الى أن أذكرك ولو على سبيل الايجاز بما وصلت اليه أسهم الاخوان من الانحطاط عقب تولى صدقى باشا الحكم , بسبب تغلب هذه العناصر النفعية عليك فى مسايرته , وما كان من سخط الناس علينا واشتباكنا بعد ذلك مع الوفديين فى بور سعيد وغيرها و ثم طلبت الى بالحاح أن اسافر الىالأسكندرية للتفاهم مع الوفديين وذهابك بنفسك مع أحد الاخوان الى منزل أحد أقطابهم ليلا تعرض عليه التعاون معهم لكف حملاتهم , ثم تغلب العناصر النفعية عليك ثانية لنقض هذا التفاهم واذكاء نار الفتنة والحرب الأولية بيننا وبين الوفد وارضاء للحكومة القائمة .

محاولة الانقاذ

وتنفاقم الخطب وازدادت الحال سوءا نتيجة لهذا التقلب والتذبذب , فضلا عما حدث من الفتن الداخلية النوه عنها فتقدمت اليك أنا والاخوان الكريمان الدكتور ابراهيم حسن وحسين بك عبد الرازق بمذكرة للانقاذ نرجوا فيها تدعيم القيادة بالمخلصين , ووضع سياسة ثابتة للدعوة تحقق أهدافها العليا , وتطهر الصفوف من المفسدين فوعدت بالتنفيذ بعد أن تعود من الحجاز , واضطرب الحال فى مصر بعد سفرك نتيجة لمشروع صدقى – بيفن المشئوم – مما اضطرنى الى قيادة الحركة الوطنية مع الاخوان الامجاد البواسل وعادت أسهم الاخوان الى الارتفاع والتقدير .

وضربت ضربتك الثانية فأخرجتنى من الجريدة التى لا يعلم الناس أن سر تدهورها هو سيطرتك عليها , وشل نشاطى فيها بعد شهر ونصف من صدورها كما هو ثابت عندى من الادلة والمستندات , وققفت أنا أيضا موقفا كريما من ذلك .

وبعد ذلك يا أخى أسفرت وكشفت القناع متماديا بالدعوة فى الانزلاق السياسى مع الغفلة التام عن أهدافنا ومبادئنا مما جعلنا مضغة فى الافواه , وجعل الجميع يتحدثون عن أننا صرنا سلعة تباع وتشترى لا تنفع الا للدعاية والتهريج .

وها أنت تضرب الاخيرة تحت ضغط هذه الفئة من رجال السياسة ولو كانت الضربة منك لقبلتها ولكنها بيد عمرو لا بيك , فتبعدنى عن الدعوة وأنت أولى بالابعاد وتفضل ابنها الأول وأنت اولى بأت تخلع عنك رداءها ان كنت من المنصفين .

اعذار .. بل انذار

يا أخى انى أدعوك بدعوة الاسلام وأذكرك بما كتبته اليك مرارا وتكرارا آمل أن تعود الى مبادىء هذه الدعوة وتخلع عنك رداء السياسة الحزبية , وتجاهد معنا فى سبيل المثل العليا التى عاهدنا الله عليها , واما أت تتخلى ليحمل اللواء " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " (1) سورة الاحزاب – 23 .

والا فانى مضطر لأن أكشف اللثام وأظهر ما خفى واستر واحمل مع اخوانى الاطهار لواء الدعوة الخاق , نرفعه ونعزه ونقاتل دونه " حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " (2) سورة الانفال – 39 .

وحسبك أنت دنياك ومن يحوطك من أهلها وان شعرت أن بيدك سيف المعز وذهبه , فانى معى ربى سيهدين , ومعى بعد ذلك كرام الاخوة المؤمنين " الذين قال لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالو حسبنا الله ونعم الوكيل " (3) سورة آل عمران – 173 .

أما خطاباك فقد ضربت بهما عرض الحائط , وهما باطلان شكلا وموضوعا وقد اثبتهمت على اساس هار , والله يقول الحق وهو يهدى السبيل . أحمد السكرى . (4) العدد 443 – أكتوبر سنة 1947 – 27 ذو القعدة 1366 .

رد فضيلة المرشد العام

وقد رد فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون على رسالة الاستاذ السكرى بالخطاب التالى :

تقرير

أخى المحترم الاستاذ أحمد السكري

وعليكم السلام ورحمةالله وبركاته وبعد

فقد قرأت فى الصحف خطابك الذى نشرته قبل ان يصلنى رد على خطابى السابقين اللذين ضربت بهما عرض الحائط , وما كنت لأضرب بخطابك هذا عرض الحائط كما فعلت أنت , ولكنى قدرت خطابك ورحبت به وأمرت بنشره فى جريدة الاخوان المسلمون, لأنهم أحق من يوجه اليهم هذا القول , وهم أهل الحكم عليه لأنه يتصل بدعوتهم وخطتهم , ولم أبخل عليك بالرد مبالغة فى هذا التقدير .

ايجاز

ولكنه سيكون ردا موجزا , كما نرى فان الامر أوضح من أن يحتاج الى الاطالة وقد لجأت الىالاسلوب الملفوف كعادتك وحاولت أن تسوق الامور على غير وجهها وحشرت من الالفاظ المبهمة والعبارات الملتوية والوقائع المشوهة , ما لا حقيقة له ولا خير فيه , ولن انزل معك الى ميدان الجدل والمراء , والاخوان جميعا كبيرهم وصغيرهم يعلمون مبلغ ما ذكرت وأنه ليس من اليقظة والوعى بحيث لا تخدعه العبارات مهما ضخمت الحقائق ومهما خفيت .

التصرف الفردى والاحتكام

نأخذ بما فى خطابك أنى تصرفت من نفسى دون انتظار الهيئة التأسيسية حتى أفوت عليها فرصة الاصغاء لما تقول والحكم على ما تسمع وهذا كلام منقوص من أساسه , فلقد انعقدت الهيئة التأسيسية مرتين احداهما بتاريخ 13 مارس سنة 1947 بعد قرار ايقافكم , والثانية بتاريخ 9 يوليو سنة 1947 وكان الاجتماع الاول خاصا بمحاكمتكم , وقد تقدم الدكتور إبراهيم حسن بمذكرته التى لا تخرج عما جاء فى خطابك , وقد أبيح القول فى هذا لكل قائل , واستمر انعقاد الهية ستا وثلاثين ساعة كاملة نصيبك أنت فيها من الكلام ست ساعات متواصلة , فلم لن تصارحها بهذا الذى تكتبه الآن ولم أعلنت أمامها ثقتك التامة فى وجددت بيعتك لى وقبلت لومها على تصرفاتك واشتركت معها فى قرار الاستنكار الذى اصدرته لهذه المذكرة .

ولقد جاء فى خطابك أنك اكتشفت عن طريق الصدفة اتصالاتى ببعض الشخصيات الاجنبية والمصرية وهالك ما حدثك عنه أحدهم يوم 7 فبراير سنة 1947 ولقد أدهشنى منك هذا القول وعجبت من أنك لم تصارجنى بهذا الذى اكتشفته وكيف كتمته عن الهيئة التاسيسية التى انعقدت بعد\ ذلك بنحو شهر واحد بتاريخ 13 مارس 1947 , ألا تعتقد أن هذا الكتمان يعتبر خيانة للدعوة وللهيئة و غفر الله لك يا أستاذ أحمد كل شىء الا هذه فانها سقطة لن تغفر وولوغ فى عرض هو أطهر من ماء السماء والحمد لله وحده .

ولم لم تنتهز فرصة الاجتماع الثانى وقد كان بعد الاجتماع الاول .. وتكون قد قدمت النصيحة فعلا لعلمك أن مكتب الارشاد العام ينعقد كل اسبوع وانت حينذاك وكيله وللك الحق فى ان تصارحه بكل ما تريد وهو الذى يمثل الهيئة التأسيسية للاخوان فلم احتفظت بهذه الملاحظات ان كنت تؤمن بصدقها حتى تنشرها اليةوم ؟ وأظنك لم تنس بعد أننى وقد بلغنى عنك أنك تشيع مثل هذه الاقوال فى مجالسك الخاصة وتسير على سياسة وخز الأبرار وتسميم الأبار , قد تقدمت الى مكتب الارشاد بخطاب أتهمك فيه بهذا التجنى وأطالبك بتوضيح رأيك , وأطالب المكتب بالفصل فى نقط الخلاف التى تراها فأنكرت كل ذلك وأقسمت أمام اخوانك على ثقتك التامة بخطة المكتب والمرشد , وبأن كل هذا اختلاق أريد به الاساءة اليك .

فلم سكت وأمامك كل هذه الفرص وجئت اليوم تطالب بالعرض والاحتكام .

انك يا أخى أعرف الناس بأن موضوعك لو عرض مفصلا على المكتب أو الهيئة التاسيسية أو الاخوان فردا فردا اينما كانوا لكان حكمهم عليك بالاجماع حكما قاسيا دامغا أجهدنى أن رددته عنك فى الاجتماع الأول للهيئة وفى الثانى كذلك أملا فى استصلاح نفسك ووفاء بحق الاخوة بيننا , ولست بنادم على ذلك ولا آسف عليه لأنى لم أقصد به وجهك ولكنى انما قصدت به وجه الله وهو العلى الخبير .

واستغللت فضل التجاوز استغلالا غير كريم ما كنت أود أن يصدر منك فذكرت أننى بعثت اليك بخطاب مطول حددت فيه أسباب فصلك بأنه :

1- الاختلاف فى اسلوب التفكير
2 – ووسائل العمل
3- الشعور نحو الاشخاص

استغللت ذلك فحرفت الوقائع بما يصور هذه الاسباب بغير المقصود منها وانما قصدت بالاول انك تريد الغموض واريد الوضوح .

وبالثانى انك تريد المداراة واريد المصارحة وبالثالث انك تؤثر خصوم الدعوة وتفضى اليهم بشئونها واحول أنا دون ذلك واكف عنك سخط ابنائها والمؤمنين بها والوقائع لا تشرفك .

والناس جميعا يعلمون أينما كان يردي أن يورط الدعوة فى السياسة الحزبية وأينا كان يحميها من ذلك وعواطف الرجال سياسة الدعوات وخطط الجماعات وامكانات المجالس التى لا يقصد بها الا وجه الله وخير الدعوة لا يليق ان تعرض سلعا رخيصة فى الاسواق لا لشىء الا للشهرة والجدل ولذة الانتقام .

يا أخى لم اكن اتصور أن تندفع فى طريق التجنى هذا الاندفاع انى ليؤسفنى أن تظهر بهذا المظهر أمام اخوانك الذين كانوا يسمعون منك الى الامس القريب كلاما غير هذا الذى تقول أما وقد أبيت الا هذا المسلك فأنت وما اخترت وانما مثلى ومثلك كما قال الله تبارك وتعالى : " الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وبينكم " (1) سورة الشورى – 15 .

حسن البنا (2) العدد 440 ذو القعدة 8 أكتوبر 1947 .

من الاستاذ المرشد الى الاخوان المسلمونالفضلاء :

وبعد , فقد كنت قد وجهت اليكم ايها الاخوان الفضلاء نشرة شخصية داخلية عن طريق شعبكم ومناطقكم أخطركم فيها بفضل الاستاذ السكرى وأوصيكم بعدم التعرض لشخصه أو النيل منه والقضاء على كل اشاعة يراد بها الاساءة اليه , ثم احجزتها من البريد بعد أن وجه الاستاذ السكرى هذا الخطاب رقم (2) ولا زلت أؤكد عليكم ألا تتعرضوا للاشخاص أو تشتغلوا بهذه العوارض فلم يجد فى الامر جديد أكثر من أن أخانا – غفر الله له – قد أعلن عن نفسه وقد اعترف اليوم على رؤوس الاشهاد بما كان ينكره من قبل من محاربة الدعوة والقيادة ويقسم على البراءة بأغلظ الأيمان فى كل اجتماع وكل مكان .

ولقد كشف لنا الاستاذ أحمد بخطابه هذا عن كثير مما كان قد خفى علينا من نفسه وتصرفاته ووضع يدنا على الحلقة المفقودة فى الفتنة الماضية , وكان من عظيم فضل الله علينا وعلى الدعوة وعلى الناس أن يلحق الاصل بفرعه حتى يستوى الصف ويستقيم الامر ولله عاقبة الامور , ولا تقيموا وزنا لما ستنشره الصحف المغرضة من أنباء وأخبار خدمة لأغراضها واتجاهاتها الخاصة , فقد الفتم هذا الاسلوب وعرفتموه من قبل .

وليس فى الوقت متسع للجدل وقد عاهدتم الله على الجد فجدوا ولكم النصر والعاقبة للمتقين . والله اكبر ولله الحمد . حسن البنا .

وبعد هذه الرسائل المتبادلة بين الاستاذ حسن البنا والاستاذ احمد السكرى اشتغلت صحف حزب الوفد اليومية والاسبوعية وكذا بعض الجماعات والاحزاب الحاقدة والمتربصة بالهجوم الشديد الذى لا يراعى فيه الا ولا ذمة بأساليب متناهية فى فحش القول والكذب والدس مثلما كانت تطلع علينا صحافة حزب الوفد بعناوين مثيرة الى مدرس الخط هذه تهوى مستعينين بكتابات احمد السكرى الذى خلع فيها كل امل من سابقة او لاحقة باسلوب لم تتضح منه أية بارقة .

وتربصوا بالدعوة الدوائر وظنوها قاصمة علىالدعوة والداعية واستمرت هذه المعركة بين الحق والباطل تكشف عن اغوار كانت مستورة مقهورة تترقب فرصة الانقضاض للقضاء على هذ الدعوة التى كشف أستارهم وكسبت أرضهم وكانت فرصة أتاحها الله تعالى بعلمه لتنكشف ويخرج الاخوان المؤمنون من هذه المحنة أكثرايمانا بدعوتهم وثقة بقيادتهم وثباتا على بيعتهم ويبوء اعداء الدعةى بالخيبة والفشل فلا تسمع لهم ركزا ولا يسجل التاريخ لهم ذكرا . ولا يزال صاحب هذه المحنة يعيش فى هذه الذكريات ولعله يقرأها ( رب لا تذرنى فردا وأنت خير الوارثين )

بشأن الاستاذ عبد الحكيم عابدين : (1)
العدد 16 – 21 جمادى الاخرة 1365 – 22 مايو 1946

ردا على جريدة المصرى اليوم جاءنا م نالمركز العام الخطاب التالى الذى ارسل الى جريدة المصرى : وجه بعض الاخوان الى الاستاذ عبد الحكيم عابدين اتهامات وعرض الامر على مكتب الإرشاد العام فقرر انتداب لجنة لدراسة الامر وجمع الطرفين للصلح بينهما ولما أبى الطرفان الا التحكيم تألفت لجنة من خمسة أعضاء أختار هؤلاء الاخوان اثنين من اعضاء لجن التحقيق العامة بالمكتب وأقر الطرفان ذلك كتابة وزاولت اللجنة مهمتها وقررت بطلان الاتهامات واعلن ذلك بحضور الطرفين وكثير من الاخوان مساء 12 جمادى الثانى 1365 – 13 مايو 1946 .

شعبة مرسي مطروح ونشاطها

كيف تكون شعبة مرسي مطروح

ذات يوم فى شهر ديسمبر 1947 الموافق صفر 1367 هجرية ذهبت لصلاة العصر فى مسجد المغاربة وحدثتنى نفسى أن أقوم وأتحدث الى المصلين وفعلا وقفت والقيت كلمة مناسبة .. وبعد أن ختمت حديثى أقبل المصلون مسلمين ومرحبين ثم وضع أحدهم فى يدى ورقة مالية ظنا منه أننى عابر سبيل وفى الحال وضعت الورقة المالية فى جيبى وتعرفت به فوجدته من السلوم .. ثم توجهت الى المنزل وقلت سوف أخرجها من جيبى ونعتبرها رصيدا لعمل شعبة للاخوان فى مرسى مطروح فوافقونى علىذلك , فلما أخرجتها وجدتها مبلغ جنيه مصرى واحد , وفى الحال افتتحنا باب التبرعات من الحاضرين فكان المبلغ عشرين جنيها ثم تابعنا التبرعات من اخواننا واستأجرنا شقة بها اربع حجرات وفناء واسع وقمنا على تأثيثها فكان بها حجرة نوم وكانت الصالة تتسع لأكثر من عشرين كرسيا وخوان , هذا فضلا عن بوفيه نجهز لاستقبال الضيوف ورفعنا فوق الدار علم الاخوان المسلمون, وبدأنا نعلن عن حفل افتتاح الشعبة وأخطرنا بذلك محافظ مرسى مطروح حيث ان هذه منطقة عسكرية وكل شىء يتقرر فيها يكون بأمر وعلم السيد المحافظ , وقمنا باخطار المكتب الادارى للإخوان المسلمون بالأسكندرية بموعد افتتاح الشعبة , فأوفدوا لنا مندوبين ومعهم ميكرفون حيث لم تكن مطروح قد تطورت كما هى الآن , وفى الموعد المحدد امتلأ فناء الدار بالوافدين من سكان مطروح ومن الوافدين اليها من موظفين وعمال وغيرهم .. وعلى رأسهم مندوب السيد المحافظ , وكان حفلا رائعا وموفقا للغاية .

من المعلوم ان اغلب سكان مطروح والصحراء الغربية من القبائل التى نزحت من ليبيا أثناء حرب الطليان للمجاهد الشهيد عمر المختار زعيم المعرك الحربية التى دوخ بها جنود موسولينى وأشهرها قبائل أولاد على .

ولما كان هؤلاء يدينون بالولاء للسنوسية فقد كان الجميع يدفعون زكاة أموالهم للأمير ابراهيم السنوسى بن عم الملك ادريس السنوسى مل ليبيا السابق , فلما افتتحنا شعبة الاخوان فى مطروح انزعج السنوسيون خوفا من أن تتحول زكاة مال هؤلاء العرب الى صندوق شعبة الاخوان فى مطروح , ولما بلغنا هذا الامر كان لابد من أن نعالجه بالحكمة وحسن التصرف فكان اذا جاء أحد من هؤلاء السنوسيين واراد أن يدفع لنا تبرعا من ماله , قلنا له نحن لسنا فى حاجة الى المال فكلنا والحمد لهه ندفع ما نحتاج اليه الشعبة من مصاريف , فاذا الح علينا وأعطانا جنيها مثلا فاننا نكتفى بمبلغ عشرة قروش ونقوم برد باقى الجنيه اليه , وبهذا انتشرت هذه الرواية فيما بينهم واطمأن السنوسيون اننا لن نزاحمهم فى هذا المضمار وكانت سياستنا فى هذا ناجحة .

ولقد أعدت الشعبة حجرة نوم محترمة لاستقبال الضيوف ونظم الاخوان مندوبا يذهب الى القطار القادم من الأسكندرية لاستقبال الوافدين ويعرض عليهم خدماته ويدعوهم للمبيت فى دار الشعبة أو يقوم هو بمساعدتهم فى الحصول على لوكاندة أو أى نوع من انواع المساعدة , وكان بعض الوافدين وخاصة من العرب الذين يعتزمون مواصلة السفر الى ليبيا , كانوا يوافقون على المبيت فى الشعبة , و بالنسبة لهؤلاء فان الاخوة يقومون نحوهم بكل الخدمات والواجبات , وفى نفس الوقت يحدث أن يستمعوا الى بعض الاحاديث او المحاضرات أو يطالعوا فى المكتبة وتنتهى الزيارة وقد تاثروا كثيرا بالدعوة , وبعضهم يكون له مصالح فى القاهرة فنعطيه رسالة الى الاخوان فى المركز العام حتى يساعدوه فى ذلك , ولقد تركت هذه الخطوات أثرا طيبا فى نفوس الجميع .

ثم تابع الاخوان نشاطهم بالاتصال بالاعراب داخل مخيماتهم البعيدة فكانوا يستقبلون احسن استقبال , وكانت الموائد العربية تمد للجميع بصورة كلها كرم , وكنا نتحدث معهم بأسلوب بسيط يفهمه كل انسان , وكانت أكثر الاحاديث تدور حول حرب الطليان وكيف كان المسلمون يقاتلون بشجاعة وايمان وكان أعجب ما يعجبون له من شأننا أننا لا ندخن السيجارة وكان اكثر من ذلك أن بعضنا لا يشرب القهوة ولا الشاى , كان هذا السلوك منا مثار دهشة شديدة حيث كان الواحد منهم يذهب الى مرسى مطروح بحمل بعير من الشعير ويبيعه للتاجر الخواجة الأرمنى بثمن بخس ليشترى بهذا المبلغ سكرا وشايا ويعود الى مخيمه فرحا مسرورا .

ورأيت فى احد الأراضى التى تزرع بالزيتون رجلا مع زوجته يقومان بحفر بئر يزيد عمقه على عشرة أمتار , ارجل وزوجته وحدهما بعيدا عن أنظار الناس ولا يسمحان لأحد أن يراهما ولا يستعملان الا ادوات بسيطة تقليدية وزعلى صاحب الارض أن يزودهما بالطعام والماء ومشروب الشاى .

قصة للعبرة

وفى اواخر الثلاثينيات جاءت طائرة لبعض السياح من الالمان وتوجهت الى الصحراء الغربية وفجأة طلعت الصحف بأنباء تقول ان الطائرة ضلت الطريق والبحث جار عنها بواسطة سلاح الطيران المصرى وبعد ايام من البحث عثر على الطائرة وركباها بسلام وحين قامت الحرب العالمية الثانية كان الإنجليز يحصلون على كميات المياه بواسطة مواسير تمتد من الأسكندرية الى مرسي مطروح وفى الطريق تحتاج الى محطات رافعة وتقوية.

اما الالمان حين دخلوا مرسي مطروح فكانوا قد اكتشفوا فى رحلتهم التى قيل انهم ضلوا فيها الطريق انسب مكان لمنابع المياه العذبة التى يستعينون بها فى الشرب فهناك فوق تل مرسي مطروح حفروا فى الارض الى ابعاد ليست عميقة فتفجرت ينابيع المياه العذبة .. فى الوقت الذى عمدوا الى قطع مواسير المياه القادمة من الأسكندرية ليموت الإنجليز من العطش , وهكذا مكر الالمان وفكروا قبل الحرب بسنين طويلة على التخطيط الكامل الذى يشمل حتى منابع المياه التى هى مصدر القوة والحياة .

خوف وغباء

كان الاخ سعد عبد الجواد الذى نفى معنا من الأسكندرية الى مرسي مطروح , عامل كهربائى متخصص فى لف البوبينات , وحدث أن كان للملك فاروق سيارات برمائية تسمى (دك) وهذه السيارة التى تستعمل فى البر والبحر قد حدث فيها أعطال كهربائية تستدعى الاصلاح , ولا يستطيع اصلاحها الا الاخ سعد عبد الجواد لما له من خبرة , وكان من الاسهل والاحسن أن يستدعى الاخ سعد من مطروح ليقوم باصلاحها بالأسكندرية .

ولكن يا للعجب حين أرسلت هذه الالات الطلوب اصلاحها الى مرسي مطروح فى سيارة ليقوم الاخ سعد باصلاحها , وكانت هذه القصة أو هذا التصرف مثار تهكم على هذه العقلية الخائفة , ومن المناسب أن نذكر أن الاخ سعد بعد أن نقل الى القاهرة فكر فى أن يدرس كى يحصل على مؤهل جامعى وفعلا اجتهد وجاهد وكافح حتى حصل على بكالوريوس الهندسة فى الكهرباء وأصبح بعد ذلك مهندسا فى سلاح الصيانة بعد ان كان عاملا باليومية .

اخوانيات

وأذكر أنه حين تم نقلى من الأسكندرية الى مرسي مطروح لم أكن أتصور أن عواطفى نحو اخوانى بهذه الصورة , لقد افتقدت أو بعدت عن أقرب الاخوان الى قلبى , كنا نعيش كأننا جسد واحد لا يحتمل أحدنا أن يغيب عن أخيه الا ساعات العمل الرسمى وسرعان ما يلتئم الشمل فى لقاء فى الشعبة أو فى المنزل أو فى المسجد , القلوب متلهفة والمشاعر والاحاسيس حية ندية رقراقة , لا مال لأحد , كل ما فى جيوبنا ملك لنا جميعا لا يعرف أحدنا ما له وما عليه , بل الواقع أننا نعرف ما علينا أكثر مما نعرف ما لنا , فقد حدث ذات يوم أننى كنت أركب ترام المدينة ولما عدت الى منزلى اكتشفت أنه قد سرق منى مبلغ خمسة جنيهات , فذكرت هذا لاخوانى الذين يبيتون فى منزلى , وفى الصباح حين ارتديت ملابسى للذهاب الى العمل وجدت خمسة جنيهات قد وضعت فى جيب السترة , وأخيرا تأكدت ان الاخوة قد وضعوها وفاء منهم ولكنى بالطبع أعدتها اليهم شاكرا , كانت حياتنا كلها روحا ومشاعر ومحبة وألفة ووفاء وايثارا , من هنا كان من الصعب أن أتحمل هذا الفراق البعيد .

وعلى هذا كنت أتعمد الاتصال تليفونيا بدار الاخوان بشارع محرم بك مرة أو مرتين فى الاسبوع حتى أسعد بسماع حديث الاخوة , ومع هذا الاتصال لم أجد بدا من كتابة الخطابات .

وحين بدأت أكتب للاخوة كنت أتردد كثيرا حيث لم أجد الاستعداد اللفظى ولا العبارات التى أستطيع بها التعبير عن مكنون نفسى , كان عندى الاستعداد العاطفى , كانت أحاسيسى كلها تنطق بعاطفة الحب ولكن كيف السبيل الى ايضاح وكشف هذه العواطف ان أية تعبيرات مهما بلغت من قوة البيان والبلاغة فانها لا يمنك أن تصور الحقيقة العذبة الحلوة الرقيقة الشفافة التى أتمتع بها فى داخلى وفى أعماقى .

ولكن مع كل هذا القصور فقد بدأت أكتب , كتبت أول ما بدأت فى الكتابة عددا بسيطا من السطور , وجاءنى الرد فى مثل هذا أيضا – ثم اندفعت أسطر كل ما يمكننى من الكلمات المعبرة ,ثم تتابعت الخطابات تزداد يوما بعد يوم فى مساحتها , ثم ترتفع فى أسلوبها , ثم تسمو فى تعبيراتها , ثم تكشف بكل وضوح عن مكنونها .

اذ التكابة تيسر الكشف عن أسرار النفس التى تستحى أن تقول باللسان ما تخطه بالبنان , لهذا تطورت الكتابة حتى صارت من البلاغة بمكان .

ومن اللطائف وحفيف الارواح ما طاف بالقلب فى سماء الحب فى الله تعالى وما سجلته هذه الخطابات كان من أروع ما يشهد لهذه الفترة التاريخية من نضوج معنى الحب فى التكافل والتعاون والوفاء للدعوة والداعية على السواء .

لقد كنت أترقب قطار المساء الذى يتجاوز وصوله الى مطروح العاشرة مساء فى زمهرير الشتاء .. كنت أنتظره حتى يتسلم رجل البريد طرود البريد ثم يتحفنى بالخطابات , وأسرع الى المنزل وأفض الرسالة وأقرأها فأكاد أطير فرحا من الانشراح , وأمسك بالقلم فى التو والحال وأكتب الرد على الرسالة وأنا فى قمة النشوة والسعادة منفعلا متأثرا سابحا فى جو من الصفاء والنقاء , فيأتى الاسلوب مطابقا لكل أحاسيسى المتأججة وروحى المتوهجة .. وبعد أن أنتهى من الرد على هذه الرسائل أسرع ليلا لألقى بها فةى صندوق البريد حتى تكون فى الأسكندرية فى صباح اليوم التالى .

وبهذه العواطف سمت نفوسنا وترقى أسلوبنا وتوحدت قلوبنا حتى اذا لم توف الخطابات بكل احتياجات هذا الحب الكبير, كانت الزيارات التى تأتى باخوان من الأسكندرية – مسافة هائلة – كى نسعد برؤية تروى هذه القلوب العطشى .

الاخوان وقضية وادى النيل

اجتمعت اليوم جبهة الدعاية لوادى النيل واتخذت القرارات الآتية :

1- الاحتجاج لدى المسئولين على عدم السماح لمعالى صالح حرب باشا بزيارة السودان ومطالبة الحكومة باتخاذ اجراء ايجابى حازم للسماح لمعاليه فى السفر فورا .
2- ايفاد مندوبين لتأدية رسالة الجبهة فى جنوب الوادى وسيرجعون الى القاهرة فى خلال أسبوع .
3- تقرير ايفاد الاستاذ مصطفى مؤمن عضوالجبهة الى أمريكا هذا الشهر ليسمع صرخة وادى النيل فى المجالات الدولية , وقد كان حضرته مندوبا لمصر فى المؤتمر الآسيوى وهو صاحب الجائزة الأولى للصحافة الشرقية ( جائزة فاروق فى المقالات السياسية عام 1946 )

بريطانيا تمنع مؤمن من السفر

ذهب الاستاذ مصطفى مؤمن الى شركة الطيران ليعلم منها موعد مغادرة الطائرة بالبرق بعدم السماح للاستاذ مصطفى مؤمن بالمرور أو النزول فى أى بقعة من الممتلكات والجزر البريطانية أيضا .

والذى حدث بعد ذلك أن الاستاذ مصطفى مؤمن سافر الى أمريكا وخطب من شرفة مجلس الأمن فى مبنى الأمم المتحدة منددا بتواجد القوات البريطانية فى مصر وقاد مظاهرات الشباب المصرى فى قلب المدينة يحملون لافتات ضد الاستعمار البريطانى ونجح فى لفت نظر العالم لقضية وادى النيل .

وفى حوالى 20 يوليو 1947 سافر رفعة محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الحكومة الى أمريكا ليلقى خطابا فى مجلس الأمن دفاعا عن قضية مصر الوطنية , وفيما كان النقراشي باشا يلقى خطابه الوطنى اذا برفعة مصطفى النحاس باشا زعيم الوفد يبعث ببرقية ضد موقف النقراشي باشا يندد بأن حكومة النقراشي حكومة غير ديمقراطية ويتهمها بأنها حكومة ديكتاتورية , مع أن الموقف لا يحتمل مثل هذ الاتهامات , فان النقراشي باشا فى موقف وطنى يطالب فيه بانسحاب القوات البريطانية عن أرض مصر وليس فى مصر انسان واحد لا يوافق على هذا , بل كل المصريين يجاهدون فى سبيل اجلاء القوات عن أرض الوطن .

برقية الاستاذ المرشد الى مجلس الأمن

وعلى الفور أرسل فضيلة الاستاذ المرشد العام باسم الاخوان المسلمونفى وادى النيل والاقطار العربية والاسلامية هذه البرقية :

الى جناب رئيس مجلس الامن وسكرتير هيئة الأمم المتحدة

يستنكر شعب وادى النيل البرقية التى بعث بها الى المجلس والى هيئة الأمم المتحدة رئيس حزب الوفد المصرى ويراها مناورة حزبية لا أثر للحرص على الاعتبارات القومية فيها , سواء كانت حكومة مصر ديمقراطية أو ديكتاتورية , فان الشعب المصرى يعلن على الملأ أمام هيئة الأمم المتحدة , أن ذلك أمر يعنيه وحده , وأنه لا يسمح لأية دولة أجنبية بالتدخل , فله وحده الحق فى أن يختار نوع الحكم الذى يريده , طبقا لميثاق الأطلنطى ومبادىء هيئة الأمم وله وحده الحق فى أن يعرض على حكومته ما يريد وأن يؤاخذها على كل تقصير يراه .

كما يعلن كذلك ان حقوقه الثابتة فى الجلاء عم مصر وسودانه , والحرص الكامل على استقلاله أمر لا يقبل جدالا ولا مساومة وأن الوحدة الدائمة بين شماله وجنوبه حقيقة واقعة وضرورة لا محيص عنها ولا يحول بينها وبين الظهور على حقيقتها وروعتها الا هذه الادارة الثنائية التى فرضتها بريطانيا عليه بالاكراه والتى طلبت الحكومة المصرية فى عريضة دعواها الغاءها وأشارت الى بطلان المعاهدة التى سجلتها بريطانيا والتى لم يرض عنها الشعب المصرى ولم يسلم بها يوما من الايام .

وأنتهز هذه الفرصة فأؤكد لأعضاء المجلس والهيئة : أن شعب وادى النيل عظيم الأمل فى يقظة العروبة وأمم الاسلام حتى ينال وادى النيل حقه كاملا , وليس ارضاء مجموعة من البشر قوامها مليون بالشىء الذى يستهين به الحريصون على الأمن والسلام . حسن البنا

وقد قامت الاذاعة المصرية باذاعة برقية المرشد العام فى كل نشراتها الاخبارية يومين كاملين .

حادث قنبلة الإسماعيلية

فى حادث قنبلة الإسماعيلية التى انفجرت فى أحد الفنادق التى يؤمها الإنجليز , وهو الحادث الذى قبض فيه على الاخ رفعت عبد الرحمن النجار الموظف بسلاح الطيران الملكى , وكان عدد الشهود فى الحادث 28 شاهدا , وهو متهم أنه فى ليلة 17 أكتوبر 1947 شرع فى قتل 12 بريطانيا من نزلاء أوتيل ( كنج جورج ) ( الملك جورج ) بالإسماعيلية وقال ان احدا لم يحرضه على فعلته وانما قام على تنفيذها بوحى من ضميره ووطنيته لأنه كان يريد اجلاء الانجليز عم مصر كلها . ولكن الدفاع عن المتهم دفع بانعدام مسئوليته لأنه مصاب بالجنون .

ثم وردت تقارير طبية تثبت ذلك , فأحالته المحكمة لمستشفى الأمراض العقلية .

أحمد حطيبة

عرفت الشاب أحمد على حطيبة على باب سجن مصر (أرميدان ) عام 1949 – كان فى انتظار الاذن بزيارة شقيقه الاستاذ محمود حطيبة المتهم فى قضية ( الاوكار ) رأيته على باب السجن فتعرفت به ثم تقابلت معه بعد ذلك ثم أحببته حبا جما , تبادلنا بعده الرسائل بالبريد المستعجل كان ينقل لى صورة من محاكمات الاخوان فى قضايا سيارة الجيب والاوكار والشروع فى قتل حامد جوده .

كنت يومئذ فى أسيوط وكان طالبا فى الكلية البحرية , وذات مساء رأيت فيما يرى النائم أن الاخ أحمد حطيبة يلعب كرة القدم , وأثناء اللعب أصيب فى ساقه بكسر , فقمت من النوم فزعا واستيقظت زوجتى التى أخبرتها بمضمون الرؤيا , فقالت على كل حال اكتب له رسالة حتى تطمئن على صحته , فأسرعت فى الحال بكتابة رسالة فوصلته وهو راقد على سريره فى مستشفى القوات البحرية بالأسكندرية , وحين وصله الخطاب وقرأ ما فيه دمعت عيناه , وأعطى الخطاب لزملائه الذين حضروا لزيارته فتعجبوا من هذا التناسق والتوافق الروحى بين قلبين تحابا فى الله تعالى . وبعد أيام وصلنى منه خطاب يفيد هذه الحقيقة .

الاعتداء على الجوالة

أرسل مأمور قسم الخليفة الصاغ رشدى الغمراوى الى محافظ القاهرة تقريرا ننشر مضمونه لأن فيه الدليل الساطع على عدوانية البوليس وسوء تصرفه وفوق ذلك فيه من المغالطات ما يعطى صورة لعقلية بعض رجال الأمن الذين يتحكمون فى الرقاب والعباد .

فماذا يقول تقرير الصاغ رشدى ؟

يقول " اليوم وبالتحديد فى الساعة السادسة مساء , أخبرت اثناء تواجدى جهة الحجز أن جماعة من الاخوان المسلمونيرتدون ملابسهم الكشفية وتتقدمهم الأعلام يقومون بمسيرو فاتجهت اليهم بأقصى سرعة بقوة تتكون من عساكر بلوكات النظام وعساكر دورية السابعة مساء التى كانت ستتحرك بقيادة الملازم أول عبد الرازق النقيب أفندى وقدت هذه القوة كلها بنفسى ابتداء من ميدان صلاح الدين أما القسم وطلبت منهم العدول عن هذه المسيرة وألححت فى الرجاء أملا فى أن يكفوا عن المسير ولكن دون جدوى لذلك لم أجد بدا من التصدى للمسيرة فأصدرت أمرى الى العساكر بالنزول والوقوف فى وجه المسيرة لمنعها من السير .

فما كان من الاخوان الا ان هجموا على وعلى حضرة الضابط وعلى القوة التى كانت معنا بالطوب والعصى كما سمعنا طلقات نارية لم نستطع التعرف على مصدرها .

لكننى تمكنت من القبض على الشخص الذى بدأ بالاعتداء علينا غير انه أصيب من عساكرنا ستى افراد وتم القبض على ثمانية منهم لكن أحد عساكرنا ويدعى حسن شوشة يدعى بأن الاخوان قد سرقت بندقيته , وهذا اخطار بذلك "

وقد عالج الامام حسن البنا هذا الموقف بحكمة فقد ظهرت الجريدة بعد أسبوع بالخبر التالى :

" استعراض كشفى تقوم به جوالة الاخوان فى قرة ميدان "

قامن جوالة الاخوان المسلمونبمنطقة حنوب القاهرة بتدريبهم الاسبوعى فى قرة ميدان فى نحو السادسة مساء , وقد لبثوا أكثر من ساعتين , وكم كان جميلا ورائعا أن تتحرك طوابيرهم التى اشترك فيها نحو ألف جوال بين تهليل الاهالى وتكبيرهم كأنما وجد الجمهور فى نشاط الجوالة هذا الاسبوع ترضية لمشاعره الطيبة التى استثارها حادث الاسبوع الماضى وغيره على دعوة الله ورسوله , وتعلقا بالقرآن وانتصارا للحق .

وقد استعرض فضيلة المرشد العام فرق الجوالة ورد تحيتهم بكلمة فياضة جامعة ألقاها فيهم وسط حشد كبير من التنظارة , سكنا للقلوب وبلسما للنفوس وشفاء للصدور , وكان مما قال ان مقتضيات بيعتهم هى الايمان والاستقامة وصفاء القلوب والسرائر , فلا يحملون لأحد غلا أو يضمرون لغيرهم كراهية " يوم لا ينفع مال ولا بنو الا من أتى الله بقلب سليم "(1)سورة الشعراء – 88 – 89 .

وان مقتضيات بيعتهم كذلك بذل الأنفس والأموال فى سبيل حماية الدعوة من كل عدوان يراد بها " ان الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة "(2) سورة التوبة -111 .

كما قال الاستاذ المرشد أيضا : انكم لستم صبية ولكنكم جنود القرآن وكتائب الرحمن وأصحاب رسالة سيد ولد عدنان , وان هؤلاء الذين يظنون أنهم يبعدونكم عن تحقيق أهدافكم وبلوغ غايتكم , وما هدفكم الا نصرة الاسلام وما غايتكم الا قيام دولة القرآن .

بالمفتريات والسباب يرمونكم به , أو بالوعيد والتشريد , لن يصلوا الى شىء من ذلك منكم أبدا , لأنهم لا يعلمون أى ايمان استولى على قلوبكم , وأى قوة تنطوى عليها نفوسكم وأن الله من وراء ذلك كله عون وظهير " والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لا يعلمون " (3) سورة يوسف -21

موقف للامام حسن البنا بمناسبة احتفال الضباط بتولى فاروق سلطته الدستورية

وجه ضباط الجيش الدعوة الى عظماء الدولة الكبرى ورجال السلك الدبلوكاسى للحفلة الساهرة التى يقيمها سعادة رئيس هيئة أركان حرب الجيش وضباط نادى القوات المسلحة بمناسبة تولى جلالة الملك سلطته الدستورية مساء اليوم بثكنات القلعة , وقد دعى فضيلة المرشد العام للاخوان الى هذه الحفلة فاعتذر عن الحضور واكتفى بارسال البرقية التالية الى سكرتير نادى الضباط :

حضرة المحترم سكرتير نادى الضباط بالزمالك بالقاهرة

أشكر الفريق ابراهيم عطا الله باشا وحضرات اعضاء النادى دعوتهم الموجهة الى لحضور الاحتفال بمناسبة ذكرى تولى حضرة صاحب الجلالة الملك العظيم سلطته الدستورية وأعتذر عن عدم الحضور وكنت أتمنى أن يكون هذا الاحتفال بعرض عسكرى قوى يليق بحزم الضباط وشجاعة الجنود ويتناسب مع جلال الذكرى العظيمة ويبعث فى النفوس معانى الحماسة والاقدام لا بحفل غناء ساهر .

والله أسأل ان يغير ما بأنفسنا لتصلح أحوالنا وأن يجعل عهد جلالة الملك حفظه الله سعادة واقبال وحرية واستقلال .. آمين .

حسن البنا .

قيام ٍدولة الباكستان

السيد محمد على جناج – كراتشى – الهند

فى هذا اليوم الخالد الذى تحقق فيه قيام دولة الباكستان الاسلامية برئاستكم الرشيدة يسرنى لى أن أبعث اليكم بأصدق التهانى وأطيب التمنيات معبرا فى ذلك عن شعور أبناء وادى النيل عامة والاخوان المسلمونخاصة .

28 رمضان – 15 أغسطس 1947 .
حسن البنا

قصيدة للاستاذ بدر الدين الجارم بمناسبة قرار مجلس الأمن فى القضية الوطنية

فى 28-8-1947 :

اليوم يومكم فهيا أعلنوا

ان الشعوب جميعها ستحرر

قولوا بأن النيل من عدوانه

قد راح يزأر فى الورى ويزمجر

قولوا بأن الناس فوق مروجه

يغلى بها الغيظ الكظيم ويزجر

قولوا بأن القيد ولى عهده

يعلو رؤوس الظالمين ويكسر

قولوا بأن النيل واد واحد

يزهى بتاج للمليك ويفخر

قولوا والا سوف نثأر واعلموا

أنا رجال اذ نقول سنثأر

اجتماع الاحزاب والهيئات

اجتمعت بدار المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين أمس لجنة اتصال الهيئات والاحزاب المصرية المكونة من حضرات أصحاب السعادة والعزة والأساتذة اللواء محمد صالح حرب عن الشبان المسلمين , والدكتور محمد عبد الحي عن الحزب الوطني , وعبد الحميد ابراهيم صالح بك و[[محمد محمود بدير[[ عن الاحرار الدستوريين , وأحمد خير عن الوفد السودانى , وحسن البنا عن الاخوان المسلمون, واحمد حسين عن مصر الفتاة , ومحمود فهمي ومحمود أحمد خليل عن حزب العمال , وهاشم يحيى عن جبهة مصر , ومحمد سمك ولمعى توفيق عن حزب الفلاح الاشتراكى , وقرر الاجتماع :

أن يكون الغرض الأول من تعاون هذه الهيئات هو تنظيم وسائل الجهاد على أساس وحدة وادى النيل وبطلان معاهدة 1936 واتفاقية 1899 , وعدم المفاوضة حتى يتم الجلاء عن شطرى وادى النيل وستعمل هذه الهيئات متكافئة بكل قوة على مقاومة كل من تحدثه نفسه من الزعماء أو الحكومات أيا كان لونها على الخروج على هذا الميثاق .

وقد قرر المجتمعون انتداب لجنة من بينهم لابلاغ هذا الميثاق الى رؤساء الاحزاب ومعالى رئيس الوزراء بالنيابة .

نشيد الجهادبدر الدين الجارم :

آن يا مصر الجهاد

آن تحرير البلاد

قد خلقنا للشدائد

نحن يا مصر الشباب

فى حمى الوادى الأمين

لا نبالى بالصعاب

موتنا فى الحق دين

كلنا أسد عضاب

ان دعا الداعى العرين

آن يا مصر الجهاد

آن تحرير البلاد

قد خلقنا للشدائد

نحن أبناؤك مصر

يوم يدعونا النداء

سنحيل الليل فجرا

وربى النيل دماء

هب لنا يارب نصرا

أو أمتنا شهداء

نحن لا نملك أمرا

ولنا فيك الرجاء

آن يا مصر الجهاد

آن تحرير البلاد

قد خلقنا للشدائد

بعد افلاس مجلس الأمن

اجتمع عمال شركات الغزل بكرموز بالأسكندرية وأعلنوا الاضراب وتوجه المتظاهرون الى شارع كتشنر محاولين الوصول الى معسكر البوليس الحرب , ولم يستطع البوليس أن يحمى التمثال النصفى المقام لفرديناند ديليسبس فى ميدان المنشية اذا تمكن المتظاهرون من تحطيمه وانزاله من فوق قاعدته , وقد أغلق أصحاب المحلات أبوابها طول النهار .

مجلة الشهاب

اصدر الاستاذ حسن البنا مجلة جديدة تصدر أول كل شهر عربى من أول المحرم سنة 1367 باسم ( الشهاب )

الكوليرا فى مصر

فوجئت الديار المصرية بمرض خطير سنة 1947 يكتسح الناس فيرديهم موتى فى ساعات قليلة اكتشف المرض بعد التحاليل أنه وباء الكوليرا , وتبين ان مصدره بلدة ( القرين ) بالشرقية , جاء عن طريق جنود الجيش البريطانى من مختلف الجنسيات مثل الهنود والأفريقيين وغيرهم , ساد البلاد الذعر الشديد والاضطراب وانتشر الوباء فى كل الأرجاء وحمل الموتى الى القبور بلا تجمع ولا تشييع جنازات ولم تدمع العيون على الموتى فقد يصبح الباكى ميتا بل ومدفونا , ينزعج الناس لمجرد أن يروا انسانا يتقيأ أو يصاب بالمغص يفرون منه فرارهم من الوحوش , فى هذه الظروف الحالكة تقدم شباب الاخوان المسلمونفى ألف وخمسمائة شعبة فى جميع أقاليم وبلاد مصر يهبون أنفسهم لانقاذ اخوانهم ومواطنيهم من هذا الوباء المفترس وكانت مهمة هؤلاء الاخوة :

1- نشر الدعوة الصحية فى محيط القطر كله وسرعة اذاعة النشرات والتعليمات الصادرة عن وزارة الصحة .
2- التبليغ عن المصابين والاصابات كل فى محيط منطقته .
3- تكوين فرق مختلفة للقيام بأعمال التمريض .
4- مساعدة رجال الجيش فى مكافحة الوباء وحصار المناطق الموبوءة ونقل الاشارات اللاسلكية وقيادة السيارات .

وتلقى فضيلة المرشد العام للاخوان من معالى الدكتور نجيب اسكندر باشا وزير الصحة الكتاب الآتى نصه :

حضرة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون

تحية كريمة وبعد ...

بالاحاطة الى خطابكم الخاص باستعداد مستوصفات الاخوان المسلمون بجميع نواحى القطر بعمليات التطعيم فى مناطقها ضد الكوليرا فانى أقدر بالعرفان هذا الواجب الوطنى لما ينطوى عليه من عاطفة كريمة وروح طيبة نحو مواطنينا الاعزاء وسوف لا تتأخر الوزارة عن قبول مساهمتكم فىالعمل الذى أشرتم فى خطابكم فى الوقت المناسب , ولا سيما ازاء هذه الوقفة الكريمة الا أن نبعث لفضيلتكم بموفور الشكر مقدرين حسن معاونتكم لنا فى مقاومة وباء الكوليرا .

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام .. .

كنت وقت انتشار وباء الكوليرا مقيما فى مرسي مطروح وشاء الله أن ينزل فى هذا الوقت المطر الغزير فتقطع السيول المتدفقة وسائل المواصلات كلها من قطارات وسيارات حتى أن الطائرات كانت تلقى علينا المواد الغذائية وان كان وباء الكوليرا لم يصل الى الحدود الغربية بفضل من الله تعالى ولكن عدم وجود وسائل مواصلات ولا اتصالات برقية أو تليفونية سبب انزعاجا شديدا لنا ولعائلاتنا .

حفل الاخوان للنواب والشيوخ فى سراى آل لطف الله بالجزيرة

دعا الاستاذ المرشد العام لفيفا من أعضاء مجلس الشيوخ والنواب الى حفل شاى أقامه فى قصر آل لطف الله بالجزيرة , وذلك من وسائل وأساليب تبليغ دعوة الاخوان وتوضيح أهدافها لكل مسئول عسى الله أن يجعل على أيديهم الخير للاسلام والمسلمين , وتحدث الاستاذ المرشد الى القوم حديثا فياضا شرح فيه أهداف دعوة الاخوان المسلمونوكيف أنها تحقق الخير للأمة المصرية فضلا عن العالم أجمع .

حفل قران الاخ عباس السيسي

وفى مساء يوم أول صفر 1367 الموافق 14-12-1947 , تم زفاف الاخ عباس السيسي على احدى قريباته من عائلة السيسى فأقام الاخوان فى رشيد حفل شاى بدار الشعبة بمنزل الخميسى على امتداد شارع مسجد فحيمة , وأمام منزله أقيم سرادق خطب فيه بعض الاخوة وألقى المرحوم محمد رشاد عبد العزيز قصيدة بهذه المناسبة ها هى :

القصيدة :

عباس قد غمر السرور جوانحى

فأثار من عزماتها وأتى بى

وطويت للعرس البهيج فراسخا

وطوى فؤادى فرحة الاحباب

فاضت من القلب الوفى فقرضت

شعرا يفيض بصادق الاعراب

لم لا يكون وأنت أول من يرى

عند النداء مجيب كل طلاب

يا باذلا لله دمه ومن

مال يرجيه ليوم حساب

يا جامعا رمز الشباب على الهدى

ومفتحا قلب الشرود النابى

يا ساهرا بالليل ترسم خطة

وتبيت تمليها على الأصحاب

الله يعلم أنها فى حبه

لا حب دنيا أو هوى أحزاب

يا هازئا بالصعب لا تخشى سوى

رب العباد مسبب الاسباب

هل آن أن تحظى براحة ساعة

اذ أنت مصطلح مع الأوصاب

أم ذاك باب للجهاد دخلته

بجوار طاهرة الذيول كعاب

تقضى به حق الوفاء لسنة

وتغالب الشيطان أى غلاب

وتؤسس البيت الرشيد مع التقى

ونقاوة الاعراق والانساب

فى حين لم تحفل بذلك أمة

نبذت قواعد دينها الغلاب

رموا الحجاب فهتكت أستارهم

ورموا بكل بلية وعذاب

وتعاملوا بالمال والجاه الذى

يفنى ويبقى السود للأعقاي

أما الهداة فجاههم ايمانهم

ورضاء رب قادر وهاب

عباس حملت التهانى جمة

من اخوة بهم لعرسك ما بى

ولو أن مختارا (1)هو الاخ الاستاذ مختار عبد العليم وكيل الاخوان بالأسكندرية وكان قد عزم على الاشتراك فى الحفل لولا أن شغلته شواغل الدعوة قبل الحفل .

ولوأن مختارا تخير ما ونى

عن رفقتى ولكان فى الركاب

هم أرسلونى ترجمان ولائهم

فعساى أن يجد القبول كتابى

حرس الاله خطابكم ووقاكما

عين تالحسود وغيرة الأتراب

وأطال فى عمريكما وحباكما

حلل الفتى ومبارك الأنجاب .

وقد فوجئت ببرقية أرسلها فضيلة المرشد العام حسن البنا , ولا أدرى كيف عرف موعد الزفاف , وكان لها أعظم الأثر فى نفسى ونفس أسرتى وخاصة زوجذتى التى ظلت تحتفظ بها حتى ضاعت فى تفتيش البوليس عام 1948 .

قصيدة للاستاذ محمد رشاد عبد العزيز :

كفى القلب ما يلقاه فى السر والجهر

من النكر والفحشاء والبغى والقهر

قوارع تغشاه على رغم ما به

فتصرفه عما يكابد من خسر

كيف يطيق القلب آلام أمة

تقربها البأساء من حافة القبر

تنام على عرى وتصحو على طوى

وتغدو على ذل وتمشى على فقر

يكال بها الاموال كيلا وانما

لدى السجن مثواها والفحش والهجر

وتغرق فى بحر الهمام صغارها

وتنضج أكباد الأكابر بالخير

وما قتل الناس الوباء (2) الكوليرا وانما

يقولون ان الشعب يقتل بالفقر

وفى أى أرض ذاك بالله ترى

بأى بقاع الأرض أخصب من مصر

وهل يسمح الاسلام بالكنز بينما

تذوب جسوم الكادحين من الضمر

أليست زكاة المال ركنا محتما

فان مال الكانزين الى الكفر

ارونى ركنا فى ضلال عهودهم

أقيم فأرجو للزكاة أبا بكر

اذا ذكر الاسلام منهم فحسبه

اقامة حفل من غناء ومن زمر

كما قتل القوم القتيل وشيعوا

جنازته كيلا يريبوا ذوى الثأر

وتغلق أبواب المصالح يومه

وتفتح أبواب المفاسد والسكر

ورؤية هزل الزور حبكها

فحسبك يا شعب الكنانة من هذر

تداعت علينا الناس من كل مذهب

كشأن قصاء اللحم فى ليلة النحر

ففى الهند تقتيل وفى إندونسيا

مذابح فى جو البلاد وفى البر

وفى المغرب الأقصى دماء غزيزة

تراق وأحرار تساق الى الأسر

وفى مصر مالم ترض فى أرض مكة

من الطواف بالاصنام والافك والغدر

وفى القبلة الأولى بلاء ومحنة

وشتى صنوف من هلاك ومن دمر

عصابات نهب وجهت كل همها

الى الحكم تستكثر بع على قدر

وقد ألقى الاستاذ محمد رشاد عبد العزيز قصيدة فى حفل ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بميدان المنشية بالأسكندرية مساء يوم 14 ربيع الآخر سنة 1336 ( 5 فبراير سنة 1947 ) بحضور فضيلة الاستاذ المرشد العام جاء فيها :

يا مانح الواعظ الدينى راتبه

كيما يرد الى الطاعات جهال

عوقت سعيا له فى رخصة دفعت

الى فضاع النصح والمال

يا دافعا فى الهوينا الى رجل

لقد خلطت وبعض الناس أنذاك

يا حاسبا لزكاة المال تنفقها

على المعاصى وأهل الفقر أهزال

ذكرتنى بأناس شأنهم عجب

وفى السياسة ظلما قيل أبطال

يهدون بالقول أثوابا مبرقشة

فان شددت سداها فهى أسمال

لا يعرف الصدق بابا فى عهودهم

وانما عهدهم نقض وابطال

خصومة حزب الوفد للاخوان بقلم حسن البنا

وهذا أمر عجيب حقا , فاننا ما زلنا نجهل الدافع الى خصومة الوفد للإخوان .. ماذا جنى الاخوان ؟ أخلطوا الدين بالسياسة كما يقال ؟ وما جره هذا على الوفد أو على الوطن ؟ وهل لم يعلم الوفد أننا خلطنا الدين بالسياسة الا الآن فقط , ونحن الذين قدمنا لهم فى الحكم العرائض والمذكرات السياسية فى كل مناسبة , فلم لم نتهم بهذه التهمة الكريمة الا الآن ؟ وهل كان الاخوان المسلمونسببا من أسباب خمود الحركة الوطنية الأخيرة لأنهم مالؤوا صدقى باشا ؟ ومن الذى أيقظ هذ الشعلة اذن بعد أن أخمدها الزعماء عشر سنين فى الأمية الوطنية فى الريف والقرى الا الاخوان , ومن جعل الفداء والاستشهاد أمنية من أسمى الامانى فى نفوس أبناء الوطن على اختلاف طبقاتهم ؟ قليلا من الانصاف .

تهنئة بالعيد: (1)
العدد 45-13 ذو الحجة سنة 1366 هجرية 27 أكتوبر سنة 1947

أرسل صاحب الغبطة الأنبا سوساب الثانى بابا وبطريك الكرازة المرقسية الى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون بطاقة كريمة يقدم فيها تهنئة بالعيد السعيد مع أطيب التمنيات .

وقد رد عليه فضيلة المرشد العام
بالبرقية التالية :

حضرة صاحب الغبطة الأنبا يوساب الثانى – بابا وبطريك الكنيسة المرقسية .. أشكر لغبطتكم باسمى واسم الاخوان تهنئتكم الرقيقة وتمنياتكم الطيبة بمناسبة عيد الأضحى المبارك , وكل عام وغبطتكم والمواطنون الأعزاء بكل خير .

اضراب عام لضباط البوليس

فى الساعة الخامسة من مساء أمس 14 أكتوبر أعلنت حكمدارية بوليس القاهرة أن الحالة (ج) ابتداء من الساعة الخامسة والنصف وذلك كى تحول بطريقة ما بين اجتماع الضباط فى ناديهم , غير أن الضباط لم تفت عليهم هذه الحيلة وأعلنوا بدورهم أن الحالة (أ) وأن الحالة (ج) بالنسبة لناديهم , فتدفقوا عليه من الساعة الخامسة والنصف حتى بلغ عددهم حوالى الخمسمائة عند الساعة التاسعة والنصف وحتى الثانية عشرة واصل الضباط من جميع الرتب والفرق الوفود الى النادى وكلهم تصميم على تنفيذ الاضراب .

وقد تم الاضراب فعلا صباح اليوم 15 أكتوبر وقد انهى الملك هذا الاضراب بكلمة قال فيها : وعلى كل حال سنعمل ما يمكن عمله لراحتكم واجابة ما يرى عدلا من مطالبكم .

مقابلة مستر وليام فرارى : (1)
العدد 458 فى 30 أكتوبر 1947 .

مر بالقاهرة مستر وليام فرارى من كبار الشخصيات الأمريكية المعنية بدراسة مختلف شئون العالم , وقد قابل فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون , وقد أدلى بحديث خاص لمندوب الاخوان المسلمونأعرب فيه عن تقديره لحفاوة الاخوان المسلمونبه طيلة رحلته فى الشرق , وكان مما قال : ومن أقوى الانطباعات التى خلفتها رحلتى فى ذهنى ما لمسته من قوة وحيوية للدعوة , وفى الدول العربية الأخرى يتزايد اهتمام الشعوب بتلك الدعوة , كما يتجلى ذلك فى قوة شعب الاخوان فى سائر الأقطار العربية .

ان ايمانى قوى بالدين وأعتقد أن المبادىء الدينية للاخوان يجب أن تعرف وتنشر على أوسع نطاق ممكن فى سائر أنحاء الشرق الأوسط وفى الامكان تحقق ذلك بصفة فعالة اذا أوفد عدد كاف من الزعماء والمنظمين لتنوير أذهان المسلمين فى كافة الدول العربية بتعاليمهم ومبادئهم السامية .

المرشد يخطب فى الاذاعة

فى ذات يوم قرر مجلس الاذاعة تحديد الساعة العاشرة والنصف من مساء الخميس 22 يناير 1948 ليلة المولد النبوى الشريف موعدا لاذاعة خطبة صاحب الفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون .

وعليه فقد قامت الشعبة فى مرسي مطروح فوضع بعض الميكروفونات فى الشوارع الهامة أمام أجهزة الراديو ليصل الصوت الى مسمع أكبر عدد ممكن من الجماهير , وكانت فرحة الاخوان بهذه البادرة من الاذاعة عميقة الأثر فى نفوسنا .

الاستاذ المرشد العام يخطب فى ذكرى مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطني

فى الخامسة من مساء الثلاثاء 30 ربيع الأول سنة 1367 – 8 فبراير 1948 خطب الاستاذ المرشد فى الاحتفال الذى أقامه الحزب الوطنى بالقاهرة بذكرى الزعيم مصطفى كامل زعيم الحزب الوطني وأذاعته محطة الاذاعة المصرية . وقد سعدنا لهذا الخطاب فى مرسي مطروح .

وقال الاستاذ البنا : لم يكن مصطفى كامل زعيم حزب ولا رئيسا لجماعة وانما كان باعث حركة وصاحب مبدأ وقائد أمة , ومن كان على هذا الطراز فهو ليس من صنع نفسه ولا من صنع الظروف ولكنه صنع الله وهذا هو سر خلوده وبقاء ذكراه , لقد كان مصطفى كامل موفقا فى تحديد الهدف , موفقا فى رسم الوسيلة فها نحن بعد أربعين سنة من موته نعود من حيث تركنا فننادى اليوم بألا مفاوضة الا بعد الجلاء .

رجل عام 1945

نشرت مجلة المصور المصرية مسابقة لاختيار رجل عام 1945 , فاسرع الاخوان فى جميع الشعب يراسلون مجلة المصور ويرشحون الاستاذ حسن البنا لهذا الاختيار , ولكن مجلة المصور بعد ذلك وفيها الاستاذ فكرى أباظة , انه قد وصلته مئات الرسائل التى ترشح الاستاذ حسن البنا المرشد العام للاخوان المسلمون لرجل عام 1945 وهو يشكر الاخوان على حبهم لأستاذهم وتقديرهم لجهاده , ولكن المجلة كانت تقصد أن يكون الاختيار على مستوى الأحداث العالمية وليس على مستوى الأحداث الداخلية .

قالوا عن الإمام الشهيد

الرجل الذى يتبعه نصف مليون :

كتب إحسان عبد القدوس فى 12-9-1945 م تحت هذا العنوان :

اركب أى سيارة أجرة وقل للسائق : " الاخوان المسلمونيا أسطى " ولا تزد ولن يلتفت اليك السائق ليسألك ماذا تقصد بالاخوان المسلمون, ولا أين تقع هذ ه الدار التى يطلق عليها هذا الاسم , بل سيقودك الى هناك دون سؤال .

بعد أن يرحب بك بابتسامة لم تتعود أن تراها على وجوه سائقى سيارات الأجرة .

وقد يرفض أن يتناول منك أجرا .

ولا شك انه سيحملك سلامه – قبل ان تغادره – الى فضيلة الاستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمون .

وستمر فى طريقك داخل الدار بمخازن الذخيرة التى يمتلكها الاخوان : وهى الشباب , شباب امتلأت بهم حجرات الدار على سعتها , ترى على وجوههم نور التقوى والايمان وفى عيونهم حماسة الجهاد .

وبين شفاههم ابتسامة تدعو الى المحبة والاخاء , وهم مع كل ذلك شبان ( مودرن ) لا تحس فيهم الجمود الذى امتاز به بعض رجال الدين وأتباعهم , انهم واقعيون يحدثونك حديث الحياة لا حديث الموت , قلوبهم فى السماء ولكن أقدامهم علىالأرض يناقشون مشاكلها ويحسون بافراحها وأحزانها , وقد تسمع فيهم من ( ينكت ) ومن يحدثك فى الاقتصاد والقانون والهندسة والطب .

أنهم ذخيرة وستنطلق عند الاشارة الأولى فاحذروا , ويستقبلك الأستاذ حسن البنا بابتسامة واسعة وآية من آيات القرآن الكريم يعقبها ببيتان من الشعر يختمها بضحكة كلها بشر وحياة .

والرجل ليس فيه شىء غير عادى , ولن تملك نفسك من التساؤل كيف استطاع الرجل أن يجمع حوله كل هؤلاء الاخوان , وكيف استطاع أن ينظمهم كل هذا التنظيم .

ولكنك لا تلبث قليلا حتى تقتنع بأن قوة الرجل فى حديثه , وفى أسلوبه الهادىء الرزين , وفى تسلسل أفكاره التى يعبر عنها تسلسلا منطقيا .

وربما كان أإرب ما فى حديثه أنه يحس بما يقوم فى نفسك من اعتراضات . فيجيبك عنها ويفندها لك قبل أن يترك لك الفرصة لتصدمه بها .

وهو لبق يستطيع أن يحلل شخصيتك ويدرس من النظرة الأولى وربما أحس أنى دخلت اليه وتحت لسانى مائة تهمة أستطيع أن أوجهها اليه , فكان من لياقته أن عرض على قبل أن أغادره تقريرا عن الحسابات المالية لجماعته .

وفى التقرير تقرأ عجبا :

فهذا " أخ " أراد أن يساهم فى شراء دار الاخوان ولا يملك مالا فباع أرضه وخصص ثمن أربعمائة متر منها للجمعية . وصورة العقد والتخصيص منشورة بالزنكوغراف ضمن التقارير .

وهذه زوجة لم تجد لديها ما تقدمه فوهبت قرطها الذهبى – وكان حليتها الوحيدة للاخوان , وصورة القرط منشورة أيضا ضمن التقرير .

وهذا رجل من مسلمى بومباى بالهند تبرع بفتح اكتتاب بين أبناء بلده للمساهمة فى بناء الدار .

وهذا زوج اختلف مع زوجته فهو يريد أن يتبرع للجمعية بجنيه واحد وهى تريده أن يتبرع بثلاثة جنيهات , وجاءا ليحتكما الى الاستاذ البنا فحكم بينهما أن يتبرعا اثنين حسما للنزاع .

وهذا رجل من العراق يرسل تبرعه عن طريق سعادة عبد الرحمن من مال و .. . و ... وبين أسماء المتبرعين أعضاء فى مجلس النواب وشخصيات كثيرة وشبابا لامع , لم أكن أحسب أنهم يدخلون ضمن النصف مليون الذى يؤمن بالاستاذ حسن البنا .

نصف مليون وأكثر من ألف وخمسمائة شعبة انبث فى كل قرية وكل كفر : بينهما مائتان وخمسون شعبة فى القاهرة وحدها , وهناك شعب فى باريس ولندن وجنيف قبل قيام الحرب .

وحدثنى فضيلته عن فكرة الاخوان وكيف نبتت وكيف تحققت :

قد وجد مصر من حوله ينقصها الخلق وينقصها الاصلاح السياسى والاقتصادى والاجتماعى .

ولم يقتصر تفكيره فى الاصلاح على ناحية واحدة من هذه النواحى كما فعلت الاحزاب فقصرت جهودها على الناحية السياسية , أو كما فعلت الشيوعية فقصرت جهودها على الناحية الاقتصادية , انما أراد أن يصلح كل النواحى النقص الذى تعانيه مصر ويعانيه الشرق , فلم يجد نظاما شاملا جامعا يستطيع أن يلجأ اليه سوى الاسلام وقانونه الأساسى القرآن .

وهو يسعى أولا الى افهام المسلمين دينهم فهما صحصحا لا تشوبه الخزعبلات . والى ايجاد المحبة والاخوة بينهم , ثم يطبق النظم الاجتماعية والاقتصادية التى جاءت فى الدين عليهم .

وهو يعتقد أم مصر – كبقعة بلدان الشرق – حساسة من ناحية الدين وأنه ما من حركة صالحة أو خطوة خطتها الا كانت باسم الدين دائما فأنت تستطيع أن تجعلهم – أى المصريين – يحبون وطنهم باسم الدين , ويجاهدون وينتظمون باسم الدين , وكل دعوة قامت فى مصر ولم تكن على أساس من الدين فشلت .

ان القرآن وضع ليكون قانونا أبديا ينطبق على كل عصر منذ انتهاء الجاهلية الى قيام القيامة , ولو بحثت فى القرآن لوجدت بين سطوره طريقة استعمال القنبلة الذرية فى الحروب .

ونحن لا نقول ان كل قانون سنحتاج اليه قد جاء بتفاصيله ومواده وحيثياته فى القرآن , انما علينا أن نجتهد فى وضع هذه القوانين فى حدود المبادىء الأولية والمثل العليا التى جاءت فى الدين .

قلت : هلى تعتقد أن الأجانب المقيمين بيننا يرضون ومن ورائهم دولهم بتطبيق قوانين القرآن كقطع يد السارق مثلا ؟

وهنا خبط الاستاذ بيده على مكتبه فى ثورة وقامت مناقشة حاده بينه وبين نائب وطبيب ومحام كانوا يشتركون معنا فى الحديث وقال :

لو كان الانكليز من المسلمين وطبقوا فى بلادهم قوانين الاسلام لما قام واحد فيهم يسأل هل يرضى الأجانب بقطع يد السارق أو لا يرضون , انما هو ضعفنا وخنوعنا الذى ألجأنا الى هذا السؤال , وألجأنا الى استعارة قوانين أوروبا لتطبيقها على أنفسنا بدل الشريعة الاسلامية .

وقد حدث فى شبه جزيرة العرب أن حكم على جندى أمريكى بقطع يده لأنه سرق فاحتج قائده , فأبلغه الملك ابن السعود أنه ينفذ الحكم والا فلن يكون مسؤولا عن أموال أمريكا فى بلاده , فرضخت أمريكا ونفذ الحكم .

ثم استسلم الملك من الرئيس روزفلت خطاب شكر لحرصه على سلامة أموال الدولة .

ثم ان هذه الحدود – أى العقوبات – تنفيذها متروك لأمر القاضى , وتقديره طبقا لقوله صلى الله عليه وسلم . " ادرءوا الحدود بالشبهات "

وهو لا يستطيع أن يتدرج فيها بين الشدة والتخفيف .

قلت : ألا تعتقد أن دعوتك دعوة رجعية قد تؤدى بنا الى خلافات طائفية قد تستغلها انكلترا للتدخل فى شؤوننا كما يحدث الآن فى الهند ؟

قال : ان الاسلام أوصى خيرا بأهل الكتاب , ونحن نشجع كل حركة تقوم على أساس الدين الصحيح . وجميع الأديان متفقة فى أسسها ومثلها العليا . وعلاقتنا حتى اليوم علاقة طيبة مع كثير من مواطنينا من أصحاب الأديان الأخرى .

قلت : هل تسعون لتولى الوزارة ؟

قال : أننا نؤيد أى وزارة تنفذ برنامجا قائما على الدين الصحيح , سواء أكنا نحن الذين نتولاها بأنفسنا أم كان غيرنا . وفى الدستور الحالى سند لنا فيما أقول لأنه ينص فى مادته الأولى على أن دين الدولة الاسلام , ومعنى هذا أن تكون جميع نظمنا وقوانيننا وتصرفاتنا مبنية على قواعد الاسلام .

كلمة الاستاذ المرشد العام فى حفل الهجرة بالسيدة زينب

جاء فى كلمات الاستاذ المرشد العام فى هذا الحفل ما يلى :

لهذه المناسبة أيها الاخوان لكم نصيحة مخلصة أشدد عليكم فى رعايتها , وهى أن تطهروا قلوبكم وتصفوا سرائركم وتصفحوا عمن نال منكم أو اساء اليكم , فوالله انى لضنين بهذه القلوب التى لم تعرف الا معانى الحب فى الله ولم تسعد الا بمشاعر الاخوة الحقة الصادقة , أضن بهذه القلوب الطاهرة أن تلوث بحقد أو تشوه ببغضاء وتنال من صفائها خصومة .

ان الدين حب وبغض , ذلك حق , ومن الايمان أن نحب فى الله ونبغض فى الله , ولكن ما أشد وأقسى أن نقهر على كره من نحب .

ان الايمان حب وبغض , فأحبوا لأنكم بالحب تسعدون , وبهذه العاطفة تجتمعون , وعلى عذع المشاعر وبها ترتبطون , فلا تحرموا قلوبكم نعمة الحب فى الله تعالى .

ولا تحرموها شعور الحب الطاهر البرىء , وادخروا حجر البغض وثورة الغضب لساعة آتية قريبة نلقى فيها خصومنا , ولست أعنى خصومنا فى الداخل , فليس لنا فى الداخل خصوم ولله الحمد , وان كانوا فهم غثاء كغثاء السيل , سيجرفهم الطوفان , فاما ساروا واما غادروا , واما كلمة ( الجهاد ) فعاطفة ملتهبة , ومعانى الجهاد مثل حية باقية تتجه بها فى كل مكان وذلك كله ايها الاخوان سيوجه هذه الأمة التى ظلمت واعتدى علي حرياتها وحقوقها وأحيط بها فى كل مكان وذلك كله أيها الاخوان سيوجه هذه الأمة فى 1947 كما وجهها عام 1919 أمة موحدة القلوب مسواة الصفوف واذن فلا تعبأوا بخصوم الداخل , فسيعلمون عما قريب أنه ليس أمامهم الا أحد أمرين : أما أن يسيروا , أويفروا , والله غالب على أمره , والوصية الحقة هى أن تدخروا البغض لخصومنا الأمة والوطن وهم أقوياء تعلمونهم بأسمائهم وتعرفونهم بسيماهم , فهذه الدولة الاستعمارية التى تفرقت فى كل شىء ولم تجتمع الا على أمر واحد وهو استعبادنا والاعتداء على حريات أوطاننا وسلب استقلالنا وخيرات بلادنا , وهذه الدول هى العدو الأول والصهيونية هى التى تسير فى كنف تلك الدول جميعها وتتمشى فيها كالداء العضال .

هذه الصهيونية هى خصم ألد مسلح بالمال والمكر والدسيسة وبكل الوسائل الدنيئة من شراء الذمم والضمائر , وأعداؤنا فىالخارج هم الأقوياء الأشداء , لكن الله أقوى وأعز وأعلى وأجل و قد تجمعنا وآمنا بحقنا واتجهنا اليه صادقين , ذلك لأن الله تعالى مولى الذين آمنواوان الكافرين لا مولى لهم وهاقد التهبت شعلة الحق فى النفوس وذلك دليل اليقظة وهو النفير للباطل وأهله .

اذا لا يقاء للباطل الا فى غفلة الحق , ولقد استيقظنا على ايمان وسرنا ونسير على بصيرة فادخروا عواطفكم ومشاعركم لليوم الفصل , وانه لقريب ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا .

خطاب من المرشد العام الى حاخام وكبار الطائفة الاسرائيلية

تحية طيبة وبعد

فقد قرأت بجريدة ( أخبار اليوم ) وجريدة ( الزمان ) أمس أن – الحكومة المصرية قد اتخذت التدابير اللازمة لحماية ممتلكات اليهود ومتاجرهم ومساكنهم .. الخ فأحببت أن النتهز هذه الفرصة لأقول ان الرابطة الوطنية التىتربط بين المواطنين المصريين جميعا على اختلاف أديانهم فى غنى عن التدبيرات الحكومية والحماية البوليسية ولكن نحن الآن أمام مؤامرة دولية محكمة الأطراف تغذيها الصهيوينة لاقتلاع فلسطين من جسم الامة العربية وهى قلبها النابض .

وأمام هذه الفورة الغامرة من الشعور المتحمس فى مصر وغير مصر من بلاد العروبة والاسلام , لا نرى بدا من أن نصارح سيادتكم وأبناء الطائفة الاسرائيلية من مواطنينا الأعزاء بأن خير حماية وأفضل وقاية أن تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاء الطائفة فتعلنوا على رؤوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية ماديا وأدبيا فى كفاحهم القومى الذى اتخذوه – مسلمين ومسيحيين – لانقاذ فلسطين , وأن تبرقوا سيادتكم قبل فوات الفرصة لهيئة الأمم المتحدة والوكالة اليهودية ولكل المنظمات والهيئات الدولية والصهيوينة التى يهمها الأمر بهذا المعنى وبأن المواطنين الاسرائيليين فى مصر سيكونون فى مقدمة من يحمل علىالكفاح لانقاذ عروبة فلسطين .

يا صاحب السيادة

بذلك تكونون قد أديتم واجبكم القومى كاولا وأزلتم أى ظل من الشك يريد أن يلقيه المغرضون حول موقف المواطنين الاسرائيليين فى مصر وواسيتم الأمة كلها والشعوب الاسلامية فى أعظم محنة تواجهها فى تاريخها الحديث ولن ينسى لكم الوطن والتاريخ هذا الموقف المجيد .

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام , حسن البنا.

سفر الاستاذ المرشد العام الى مناطق الجهاد

كتيبة متطوعى الاخوان تسافر الى سوريا

حين تقر سفر الفوج الأول من حنود متطوعى الاخوان فى مصر الى سوريا للتدريب فى معسكر قطنا , ثم الزحف على القدس , قرر الاستاذ حسن البنا أنتسافر هذه الكتيبة الاسلامية عن طريق الميناء البحرى فى مدينة بور سعيد , ولم يكن الاخوان يعلمون الحكمة من اختيار ميناء بور سعيد بالذات .

وفى صباح يوم 10 مارس 1948 وصلت الكتيبة الى بور سعيد تتقدمها فرقة موسيقى الكشافة والسيارات وهناك استقبلها فضيلة المرشد وجميع شباب الاخوان , واستيقظت المدينة علىأصوات التكبير والتهليل , وخرجت بور سعيد عن بكرة أبيها تحيى المجاهدين فى حماس منقطع النظير وأسرعت قوات الأمن تحيط بمسيرة المجاهدين .

وفى وسط أحد الميادين وقف الامام حسن البنا يلقى كلمة يودع بها الكتيبة المجاهدة , ومما قاله فى هذا الجمع الحاشد المثير :

أيها الشعب الكريم من أبناء بور سعيد , هل تذكرون العام الماضى حين كان يسير هنا استعراض جوالة الاخوان المسلمون, وفجأة خرجت علينا مؤامرة من شباب أحد الاحزاب , واصطدمت بالاخوان العزل من السلاح , ثم توجهت الى دار الاخوان وعملت فيها بالحرق والتخريب , هل تذكرون ذلك اليوم جيدا ؟ أيها الاخوة , لقد كان فى وسع الاخوان فى ذلك اليوم أن يروا الصاع صاعين ويعلنوها معركة حامية الوطيس يسقط فيها قتلى وجرحى , ولكن الاخوان فى هذاالموقف ضبطوا أعصابهم وكظموا غيظهم , واستمسكوا بالصواب ولم يريدوا أن تكون المعركة بينه وبين اخوانهم المصريين ... لأن الاخوان يضنون أن تراق قطرة دم واحدة فى غير سبيل الله ومصلحة هذا الوطن .. ان هذه الدماء كانت ستسيل فى سبيل خدمة مبادىء زائفة وزعماء لا يرقبون فى الأمة الا ولا ذمة لهذا آثر الاخوان الحكمة والصبر , اليوم أيها المواطنون .. هذه كتيبة الاخوان المسلمونالمجاهدة بكل عددها اأسلحتها تتقدم للجهاد فى سبيل الله ومقاتلة اليهود أعداء الاسلام والوطن .

ستذهب الى سوريا حتى تنضم الىباقى المجاهدين حتى لا تكون فتنة ويكون الذين كله لله , وفى هذا فليتنافس المتنافسون .

وفى هذا الموقف من فضيلة المرشد أروع درس فى الرد على أعداء الدعوة حيث ارتفعت أصوات الجماهير معجبة بهذا التصرف القوى والحكيم والذى فيه أروع الدروس التى يستفيد بها الدعاة الى الله تعالى , وقد ترك هذا التصرف من الاستاذ المرشد أعظم الآثار على النفوس الاخوان حيث استطاع أن ينتهز الفرصة المناسبة والحاسمة للرد ولو بعد حين – فأنعم به من قائد يرسم لنا كيف يكون السبيل .

وقد جاء (1) العدد 445 – 13 ذو الحجة سنة 1366 – 27 أكتوبر سنة 1947 .

أنه وصل الى معسكر قطنا وفد متطوعى الاخوان واستقبل هذا الفوج استقبالا شعبيا رائعا , وكان فى مقدمة المستقبلين المراقب العام فضيلة الاستاذ مصطفى السباعي وعمر بهاء الدين الأميري والشيخ محمد الحامد الحموي والشيخ عبد الله الحلاق وبشير العوف .

وفى ظهر يوم الثلاثاء 12 جمادى الأول سنة 1367 – 23 مارس سافر الى دمشق فضيلة المرشد العام على متن طائرة لتفقد حالة المتطوعين هناك .

فضيلة المرشد يدخل فلسطين للمرة الأولى: (2) الأحد 10 جمادى الأول سنة 1367 – 21مارس 1948 فى تمام الساعة السابعة من مساء يوم الخميس وصل العريش فضيلة المرشد العام ومعه الأساتذة عبده القاسم وسعد الدين الوليلي والشيخ محمد فرغلي , ( الاستاذ المرشد فى زيارته الى مدينة غزة فى فلسطين على رأس كتيبة الاخوان الأولى التى عسكرت فى معسكرات البريج والنصيرات فى مايو 1948 – وفى الصورة وفد من أهالى غزة يرحبون بمقدمه مع صحبه من الاخوة الاستاذ سعد الدين الوليلي والاستاذ عبده قاسم . ) وكان فى استقبالهم أعيان العريش , وفى العاشرة تحرك الركب يتقدمه سيارتان احداهما تقل الاستاذ وصحبه والأخرى من متطوعى الاخوان مزودة بأحدث الأسلحة مولين وجوههم شطر فلسطين و وقد وصل الى رفح فاستقبله الأعيان استقبالا رائعا , وفى خان يونس استقبل استقبالا حارا , وأبى الأهالى الا أن يؤدى صلاة الجمعة فى مسجدها ثم توجه الى غزة حيث تقابل مع اللواء سليمان عبد الجواد قائد منطقة غزة ثم عاد الى العريش .

حدث للاستاذ فى العريش

حدثنى أحد الاخوة من العريش أنه حين زار الاستاذ المرشد العريش فى طريقه الى غزة استراح بعض الوقت فى دار الشعبة وكان أحد الاخوة يجلس بجوار الاستاذ المرشد ويقوم بتنظيف قطعة من السلاح فانطلقت منه طلقة مرت الى جوار الاستاذ المرشد فانزعج الجميع ولكن الله سلم وقام الاخوان يعاتبون الأخ بغلطة , و لكن الاستاذ المرشد العام قال لهم الحمد لله وقدر الله وما شاء فعل , وهدأ من روع الأخ الذى كاد أن يغمى عليه من هول ما حدث .

جمع الاسلحة لفلسطين

وأيقن الاخوان أن الحرب بين العرب واليهود فى فلسطين قادمة لا محالة حيث أن المؤامرة واضحة وجلية , لهذا بدأت حملة لجمع السلاح من جميع الأطراف فى البلاد وخاصة بلاد الصعيد ووكانت الأسلحة متوفرة حيث كانت الحرب العالمية الثانية قريبة عهد وخلفت من ورائها أنواعا مختلفة من السلاح الانجليزى والسلاح الألمانى والسلاح الايطالى , لهذا كان من السهولة الحصول على كل انواع الأسلحة , وبعض المواطنين قدم السلاح بدون مقابل تطوعا ومشاركة فى نفقات وضريبة الجهاد , كما أن الحكومة المصرية كانت تعلم ومشاركة فى نفقات وضريبة الجهاد , كما أن الحكومة المصرية كانت تعلم بهذه الحركة وكانت لا تمانع فيها حتى انه ذات يوم كان الاخوان يتخذون من مبنى الجريدة والمطبعة بشارع محمد على أمام مسجد قيسون مخزنا للأسلحة والقنابل والمفرقعات التى كانوا يجمعونها ويشترونها للاستعمال فى الحرب ضد اليهود فى فلسطين و وحدث انفجار فى هذا المخزن هز المنطقة و وأثناء التحقيق الذى باشرته النيابة اعترف الاخوان بحيازتهم للأسلحة للدفاع بها عن حقوق شعب فلسطين , وقررت النيابة ( انهاء التحقيق والافراج عن المتهمين لشرف الغاية ونبل المقصد ) .

الاخوان والسلاح فى مرسي مطروح

وفى مرسي مطروح افتتح الاخوان الموظفون بسلاح الصيانة وعلى رأسهم المهندس محمد سليم مصطفي وسعد عبد الجواد وعباس السيسي ورشة لاصلاح الأسلحة وصيانتها , تلك الأسلحة التى يجمعونها من الصحراء من مخلفات جيوش الحرب العالمية والتى يعرف الأعراب مكانها فى أعماق الصحراء , وكان الاخوة بعد اصلاح قطع السلاح من مختلف الانواع الخفية والمتوسطة , يقومون بتجربتها على ساحل البحر الأبيض المتوسط وكان السيد المحافظ على علم بذلك – بسرقة كثير من الأسلحة عن طريق مراكب شركات البحث عن الاسفنج , اذ كانوا تحت ستار هذه الشركات ينقلون كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر الى ارض 0 فلسطين خلسة وتحت جنح الظلام أو قل بالرشوة والخيانة , حيث لم يكن قد اتضح للناس مؤامرة اليهود ضد فلسطين فى زحمة الحرب العالمية .

مع المجاهد عبد القادر الحسيني

حضر الى مرسي مطروح فى زيارة لنا المجاهد الاسلامى عبد القادر الحسيني , والتقى بنا وعاش معنا فترة من الزمن كانت غايته الاشراف على جمع كمية كبيرة من الاسلحة والذخائر واصطحباه فى رحلات داخل لصحراء مع بعض الأدلاء من الاعراب وعلىالأرض التى دارت عليها معارك الحرب بعيدا بالطبع عن القطاعات الواسعة من الاراضى التى ملئت بالألغام و وبالفعل عثرنا على أنواع من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة وكذا أنواع كثيرة من الذخائر , وكذا أنواع من الألغام .

ومن لطائف ما حدث أننا وجدنا ذات مرة عددا من الطلقات الخاصة بعيار كبير من المدافع ولما كنا لم نتوقع أن نعثر على هذا النوع من المدافع , فقد راينا أن لا نأخذ معنا هذه الكمية من الطلقات لتعذر حملها عن أنه ميؤوس من أن نجد المدافع الخاصة بها .

ولكن الشهيد عبد القادر الحسيني – رحمه الله – قال : يا جماعة خذوها فربما نعثر على المدفع الخاص بها وحينئذ يتعذر علينا العودة الى هذا المكان أو حتى التعرف عليه فيما بعد .

فأخذنا بنصيحته , وتقدمنا بعد ذلك فى طريقنا .. وبعد عدة كيلو مترات عثرنا على المدفع الخاص بهذه الطلقات , وكانت مفاجأة , وكان درسا لا ينسى .

نقل الأسلحة من مطروح

كان من الصعب علينا أن نقوم بنقل الأسلحة من مرسي مطروح الى الأسكندرية ليسهل نقلها بعد ذلك الى فلسطين , ومع أن الحكومة كانت تتخذ حيال ذلك الصمت الا أنها لم تكن صريحة فى موقفها أو تعطى بذلك أوامر السماح بمرور السلاح حيث ان المنطقة عسكرية ويوجد على طول الطريق نقط تفتيش من سلاح الحدود , وأمام هذه الظروف الصعبة استطاع بعض الاخوة الخروج من هذا المأزق بتوفيق من الله تعالى وباخلاص النية له وحده مرت جميع الأسلحة متخذة طريقها الى الاخوان المجاهدين فى فلسطين .

المهندس سيد فايز

حضر لزيارتنا فى مرسي مطروح الأخ المهندس سيد فايز رحمه الله ونزل ضيفا على الاخ المهندس محمد سليم مصطفي وشارك معنا فى هذه الفترة فى الاشراف على اصلاح الأسلحة التى كنا نقوم بجمعها من الصحراء , و كانت معه بعض الخرائط التى تساعد على كشف بعض المواقع الهامة المذخورة بالأسلحة , ومكث عندنا فترة قصيرة ثم عاد الى القاهرة , وكانت فرصة وجوده معنا مفيدة وهامة حيث أخذ دراسة وافية عن أنواع الأسلحة والذخائر المختلفة التى كنا نرسلها الى ساحة القتال فى فلسطين وقد توفاه الله فى حادث اغتيال .

المهندس محمد سليم مصطفي رحمه الله تعالى

المهندس محمد سليم مصطفي شخصية تحتاج الى دراسة متأنية عن قرب , انه انسان عجيب , صامت و لا يتكلم كثيرا , جرىء , جسور , لا يخشى شيئا ولا تبدو عليه معالم الخوف عند الشدائد والمصائب والمدلهمات .

لا يتردد عن العمل الخطير الذى تحيطه المخاطر من كل جانب , والذى لا يبدو فيه بعض الأمل انه يقدم عليه دوم تردد – كل ذلك يعود لعمق ثقته بالله تعالى وصدق وعده للمؤمنين , يتوكل على الله , كأن الله تعالى قد أخبره بالنتيجة ووعده بها .

لهذا كانت كل مواقفه على هذا المنوال دون أن يشير فى حديثه الى اية صعوبة ستقابله أوأية مفاجآت سوف تنتظره .. وانه لم ييأس ولم يقنط ولم يتردد عن الوفاء بحق الدعوة فى كل المواقف الصعبة والتحركات المؤمنة فى الأزمات المتلاحقة والمتلازمة , لم يكن هذا حال الأخ محمد سليم فى وقت معين , أو مكان معين , بل كان هذا هو سلوكه فى كل المواقف وفى كل الظروف التى مر بها فى جميع السجون وجميع المحاكمات كان على نمط واحد , لم يتغير الايمان والثقة والثبات الرائع المثير , كان بجوار منزله فى مطروح جراج يلاصق جدار حجرة نومه , هذا الجراج مشحون بأنواع من الذخيرة الحية والقنابل الشديدة الانفجار , وقوالب من قطن البارود وكمية كبيرة من الجلاجنيت وكلها عبارة عن بركان مدمر , ومع هذا كان محمد سليم ينام نوما هادئا ولا تبدو عليه أية علامات للخوف أوالرعب أويطالب بنقلها بعيدا عن منزله بل بالعكس , انه يعتبر أنها أمانة يجب ان تكون الى جواره حتى يلاحظها ويؤمن سلامتها , بل كان يعتقد أن وجودها يجعله يتحمل مسؤوليتها وحده دون باقى الاخوان .

وناهيك عما ضبط فى حوزته من مخابىء فى منزله بالأسكندرية بشارع سراى رقم 3 بالحضرة مكدسة بالاسلحة والذخائر والمفرقعات كانت تملأ جدران الشقة وتحت الحجرات كانوا ينامون عليها دون ما شىء يلفت النظر .

ان شخصية المهندس محمد سليم مصطفي تستحق الدراسة وتستحق التقدير والاكبار .

وقد اختاره الله تعالى الى جواره فى 12 صفر 1407 الموافق 16 أكتوبر 1986 رحمه الهه رحمة واسعة وجمعنا به فى مستقر رحمته .

استشهاد عبد القادر الحسيني

لم تمض على عودة المجاهد عبد القادر الحسيني من مرسي مطروح الى فلسطين أيام حتى فوجئنا بنبأ استشهاده , فقد ذكرت المصادر العربية أن السيد عبد القادر الحسيني القائد العربى المعروف استشهد اليوم فى المعركة التى دارت بين العرب واليهود فى منطقة ( القسطل) التى تبعد ثمانية كيلو مترات غرب مدينة القدس .

الشهيد عبد القادر الحسيني للامام حسن البنا

" انما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأمواله وأنفسهم فى سبيل الله أولئك هم الصادقون " (1) سورة الحجرات – 15 .

الشهيد العزيز الحميد السعيد الذى فقدته الأمة العربية أحوج ما تكون الى عز شبابه وفتوة جهاده وقوة مضائه , والذى عاش من أجل العروبة والاسلام وجاهد فى سبيل العروبة ووقف أنبل مواقف البطولة والشرف والخلود , وان شهادة الحق لهى عين البقاء " ولا تحسبن الذين قتلوا فى سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " (2)سورة آل عمران – 169 .

كان عبد القادر الحسيني أبر الناس بوطنه وأمته , كان أشد الناس عزوفا عن المطامع الشخصية والمنافع الذاتية وأصفاهم نية فى جهاده الدائب المبرور المتواصل , ولقد كان يقول لأصدقائه فيما بينه وبينهم : سأجاهد فى سبيل فلسطين المظلومة حتى تتحرر ولن أقيم بها بعد ذلك وفى وطن العروبة والاسلام موضع لمستعمر بل سأظل هكذا مجاهدا حتى يتحرر هذا الوطن كله أو أموت دون ذلك .

أتقن آباؤنا وأجدادنا عليهم رضوان الله صناعة الموت , وعرف أحدهم كيف يختار المكان الذى يموت فيه , والاسلوب الذى يلقى الله عليه فى الزمان الذى قدر الله له , وكان عامة دعائهم فى سجودهم وأقصى أمانيهم أن يموتوا شهداء وأن يجنبهم الله موتة الضعفاء الجبناء و وبهذه الروح استطاع هؤلاء الاباء والاجداد أن يعيشوا فى أرفع منازل الكرام وان يموتوا فى انبل مواقف المجد والبطولة " فأتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين " (2) سورة آل عمران – 148 .

ونسينا نحن هذه الصناعة وطال علينا الأمد فى مهاد الراحة والدعة . فطمع فينا من لا يدفع عن نفسه وصرنا نهبا مقسما بين الأمم والشعوب وبددنا هذا الميراث الضخم الذى أقامه هؤلاء الأسلاف الكرام بالكفاح والجهاد وبذل المهج والأرواح لله العلى الكبير.

محاولة نسف منزل النحاس باشا

فى ليلة 25-4-1948 القيت بعض المواد الناسفة المتفجرة على منزل النحاس باشا وحدث انفجار بجوار سور الحديقة للمنزل الكائن بشارع أحمد عمر باشا بجاردن سيتى , وقد تحطم جميع زجاج المنزل وخلعت الأبواب وتناثر جميع الأثاث , وانفجرت حنفيات المياه والمجارى حتى لقد خلعت المبانى من الأرض وقد أرسل الاستاذ المرشد البرقية التالية الى دولة النحاس باشا .

حضرة صاحب المقام الرفيع مصطفى النحاس باشا

يستنكر الاخوان المسلمونهذا الاعتداء الأثيم , وما كانت الجريمة يوما من الأيام سلاحا للحرية , والحمد لله على لطفه الجميل .

حسن البنا

باب من الشر يجب أن يغلق (1) الجريدة اليومية – العدد 611 , 17 جمادى الآخر 1367 – 26-4-1948 . للاستاذ المرشد العام :

جاءت فيه – فيا زعماء مصر أدركوا هذا الشعب – قبل فوات الأوان فانه يعيش اليوم فى جو خانق من الحيرة والبلبلة والقلق والاضطراب وان خلافكم وفرقتكم وخصوماتكم ستفتح الطريق أمام العناصر المقسدة والأصابع الخبيثة التى تعيش بين ظهرانيكم وهى كثيرة لتضرب بعضكم ببعض وتزيد الهوة اتساعا ومسافة الخلف انفراجا وتنتقل بكم الى ظلمات الشر وتغرى بعض الاحزاب ببعض وبعض الهيئات ببعض وتوقد بينها العداوة والبغضاء , لتعيش على تمزقهم وتستفيد من افتراقهم وتحيا على اشلائهم وتستغل عواطفنا الملتهبة وأعصابنا الثائرة لتحول الانظار عن المجرم الحقيقى قيتهم الأبرياء , وتنشغل الأمة بعضها ببعض عما يريدون لها من كيد فى الخفاء .

يا زعماء مصر هذا باب شر يجب أن يغلق بكل شدة وحزم من جانب الحكومة بالجد والتشمير حتى يؤخذ المجرمون بجريمتهم , ومن جانب الزعماء بالتقارب والتفاهم حتى لا يستغل المستغلون حدة خصومتهم ومن جانب الشعب بأسره بالضغط على الجانبي بأن ينهجوا النهج القويم ويسيروا فى الطريق المستقيم .

حسن البنا .

أعرفتم قصة الملك ؟ للاستاذ حسن البنا :

قالوا ان ملكا كان دائم الخلاف مع وزيره وكان الوزير دائم الخلاف مع الملك , فأراد حكيم أن يتدخل ليحسم مادة هذا الخلاف بأن استحضر ورقة على أحد وجهيها صورة من أجمل ما يتصور الناس وعلى الوجه الآخر صورة أخرى دميمة شوهاء وعرض الأولى على الملك وأخفى الثانية فأظهر الاستحسان , ثم عرض الثانية على الوزير وأخفى الأولى فأغرق فى الاستهجان واشتد الجدل واحتدم الخلاف فتقدم اليهما وأظهر الوجهين معا فسلم كل منهما برأى صاحبه وانتهى بينهما عهد الخلاف والخصومة , وكذلك الناس فى كل شؤونهم لو أنصف بعضهم بعضا وأحاط كل منهم بما عند الآخرين ونظر الى الأمر من كل الوجوه لا من زاوية واحدة لاستراحوا كثيرا من عناد اللدد فى الخصومة والمراء بغير الحق .

انفجار فى حارة اليهود بالقاهرة

حدث انفجار مروع فى حارة اليهود بالقاهرة وكان عدد المصابين 57 مصابا وذلك فى 21-6-1948 .

أحداث اليمن

أبرق مراسل الاخوان بصنعاء برقية صادرة من مكتب تلغراف صنعاء بوفاة الامام يحيى بن محمد حميد الدين وانعقاد البيعة الشرعية لحضرة صاحب السيادة السيد عبد الله بن أحمد الوزير و وقد أعلنت الحكومة الجديدة دستورية مبادىء الثورة الاسلامية واختير لرئاسة الحكومة الجديدة حضرة الأمير ابراهيم بن يحيى بن حميد الدين وتألف مجلس الشورى من ستين عضوا على أساس ( الميثاق الوطنى المقدس ) .

موقف الاخوان من أحداث اليمن

لم يكن موقف الاخوان من أحداث اليمن غامضا ولا غريبا فى هذه القضية من أولها الى آخرها , فان دار الاخوان فى القاهرة مفتوحة الأبواب لكل أبناء الأمم العربية والاسلامية وقسم الاتصالات بالاعلم الاسلامى , يوالى اجتماعاته بحضراتكم ويتدارس معهم شؤون أوطانهم وبلادهم لأن الاسلام رحم بين أهله , ولقد كان اليمونيون بالقاهرة يترددون على الدار شأنهم شأن ابناء الأقطار العربية والاسلامية الأخرى فيجدون من الاخوان مشاركة فى مشاعرهم وعطفا على مطالبهم .

ويذكر القراء أن الجمعية اليمنية الكبرى قد فوضت الاستاذ المرشد فى التحدث باسمها أمام الجامعة العربية وكتبت له بذلك , كما كتبت لمعالى عزام باشا بذلك , وأبرق الكثيرون من الاحرار يؤيدون هذا التفويض , وقد نشرنا بعض هذه البرقيات .

الحكومة المصرية تحول دون سفر بعثة الاخوان لليمن

سبق أن قرر مكتب الإرشاد للاخوان ايفاد بعثة الى القطر اليمنى الشقيق على رأسها فضيلة المرشد العام واستأجر طائرة من شركة مصر للطيران ودفعت لها نفقات الرحلة بتاريخ 28 فبراير غير أن شركة مصر للطيران فوجئت فى آخر الوقت بعدم موافقة الحكومة على سفر الطائرة بدعوى ما أذيع عن الحالة فى صنعاء .

واعتذرت الشركة أن لا تقوم الابتصريح من وزارة الخارجية وبهذا تعطلت الرحلة .

وفى اليوم التالى نشرت وزارة الخارجية البلاغ التالى :

" نشرت جريدة الاخوان فى العدد الصادر فى 2 مارس 1948 أن الحكومة حالت دون سفربعثة الاخوان الى اليمن , والواقع أن وزارة الخارجية لم تمنع البعثة من السفر ولكنها أحاطت مصلحة الطيران المدنى علما بما وصل اليها من معلومات عن تفاقم الحالة فى اليمن والخطر الذى قد تتعرض له الطائرات وركباها من التحليق فوق الأراضى اليمنية وتركت لبعثة الاخوان المسلمون, ولشركة مصر للطيران حرية التصرف فى الأمر تحت مسؤوليتها وعلى هذا فستسافر البعثة على بركة الله الى اليمن فى موعد قريب مع الشكر لوزراة الخارجية ولشركة مصر للطيران على جميل اهتمامها بهذا الشأن .

وسافر الى اليمن من مطار ألماظة على طائرة خاصة عبد الحكيم عابدين السكرتير العام والاستاذ أمين اسماعيل سكرتير تحرير جريدة الاخوان والاستاذ أحمد فخري الى اليمن .

وفد الجامعة الى اليمن

سافر أمس وفد الجامعة العربية الى اليمن من ميناء السويس ويتكون الوفد من سعادة عبد الرحمن عزام باشا ومعالى الشيخ يوسف ياسين عن السعودية ومظهر رسلان عن سوريا , والسيد عبد الجليل الراوي , وسعادة عبد الوهاب عزام , والدكتور حسن حسني عن مصر , والسيد تقى الدين الصلح عن لبنان , والسيد مدحت جمعة عن شرق الأردن , وستكون مهمة الوفد فى اليمن استفتاء عادل يرضى الشعب .

نكسة ثورة اليمن

حينما بدأت ثورة اليمن بعد وفاة الامام يحيى حميد الدين واختير أحمد بن الوزير اماما لليمن قام باعتقال جميع أبناء الامام الراحل , ولكن الفريق محمد باشا سرى قائد الجيش اليمنى الذى ساعد أحمد بن الوزير طلب منه قتل جميع أنجال الامام ولكن أحمد بن الوزير رفض ذلك .

وحينما قام وفد الجامعة العربية برئاسة عبد الرحمن عزام باشا أمين الجامعة ومعالى الشيخ يوسف ياسين عن السعودية وغيرهم بطريق البحر من ميناء السويس لعبت دولة عربية دورا هاما فى تأخير وصول السفينة الى ميناء الحديدة باليمن حتى مكنوا الأمراء ابناء الامام الراحل من الهروب من السجون وقيادة القبائل فى حرب ضد أحمد بن الوزير حتى تمكنوا من قتله واستولوا على زمام الحكم باليمن .

وقد قرأت فى جريدة أخبار اليوم الحوار الآتى :

جىء بالفريق محمد باشا سرى قائد الجيش الى المقصلة لينفذوا فيه حكم الاعدام ضربا بالسيف , وقبل أن تضرب عنقه سأله مراسل الجريدة هل سعادتكم نادم على ما حدث ؟ قال الفريق محمد سري : أنا نادم فقد طلبت من أحمد بن الوزير أن نقتل ابناء الامام قبل أن يقتلونا , فقال أحمد بن الوزير : بل يجب أن نرحمهم .

فقلت له : لا رحمة فى الحرية .

ثم ضرب عنقه .

ذكرياتى مع شعبة غزة وأبناء فلسطين

قرار بنقلى الى غزة

وفى أواخر شهر مايو 1948 صدر قرار بنقل مجموعة من سلاح الصيانة من مرسي مطروح الى ميدان القتال بفلسطين – وكنت أحد هؤلاء – وجاء قائد الوحدة الى دار شعبة الاخوان وأبلغنى قرار النقل على أن يكون التنفيذ صباح يوم غد , وليس هناك مراجعة ولا استئناف بل ذهبت الى منزلى وأخطرت زوجتى التى اضطربت لهذا القرار أشد اضطراب حيث لم يمض على زواجنا سوى خمسة شهور , وسرى النبأ بين الاخوان والأهالى الذين حاولوا بكل جهدهم العمل على تعطيل أو تأجيل هذا القرار ولكن دون جدوى , وفى الصباح ازدحمت محطة السكة الحديد بقوات من الجيش تتحرك الى فلسطين .

كذا امتلأت المحطة بالمودعين الذين توافدوا لوداعنا فى عواطف كريمة رائعة وتحرك القطار بين دموع صادقة الحب والوفاء .

وفى محطة سكة حديد الأسكندرية قابلنا أفراد العائلة الذين ودعونا وداعا حارا , وعادت معهم زوجتى الى رشيد , وتوجهنا الى القاهرة وسلمنا أنفسنا لادارة سلاح الطيران وتحدد سفرنا بعد يومية , وفى هذه الفترة توجهت الى دار المركز العام للإخوان المسلمون , وهناك تقابلت مع فضيلة المرشد العام الذى رحب بنا أكرم ترحيب وأوصانى أترك عند السكرتير ( صورة شخصية ) ونبذة عن حياتى , وودعنى وداعا لطيفا بعاطفة شديدة .

الى غزة

ركبنا قطار السكة الحديد من المحطة وتعالت هتافات الجنود والجماهير " الله اكبر ولله الحمد " " عاشت فلسطين عربية اسلامية " وكلما وقف القطار على احدى المحطات ارتفعت الهتافات , وجاء الاهالى يحملون لنا أنواعا من الحلوى والمرطبات وكان هذا الشعور فى ذاته يبعث الأمل والايمان والاطمئنان .

وبلغ القطار غزة آخر النهار فنزلنا على موقع ورش سلاح الصيانة التى اتخذت لها معسكرا على مشارف غزة على قطعة ارض زراعية وأقيمت الورش وبدأنا نستقبل المعدات لاصلاحها .

وبعد أيام فوجئت بالصاغ حسنى شركس قائد الوحدة فى مرسي مطروح قد نقل الينا وأصبح من قوة ضباط الورش , وقد تسلمت عملى كملاحظ على قسم الموتسيكلات والعمل هناك كان فى ورش مكشوفة اللهم الا ظل نخلة أو شجرة , والنوم فى خنادق مكشوفة ايضا , وهذه الخنادق تقع على مسافات من أسوار المعسكر حتى تكون بمثابة خط الدفاع .

أى أننا رغم عملنا الفنى بالنهار نقوم على الحراسة والتصدى للأعداء ليلا , ويكون الأمر بعد ذلك أننا من شدة الارهاق يغلب علينا النوم والسلاح بين أيدينا , فيتسرب الجنود اليهود الى بعض المواقع ويذبحون زملائنا دون أن يتمكن أحدهم من الاستغاثة وبعض اليهود يتكلمون اللغة العربية كما يتكلمها كل مصرى على السواء حيث أن بعضهم كان يعيش فى المدن المصرية , كذا كان بعض اليهود يقلدون أصوات الذئاب والثعالب التى تنتشر فى الأرض الفضاء المجاورة للمعسكرات وبهذا يثيرون الرعب ويبلبلون عقول الجنود واذا أطلق أحد الجنود طلقة واحدة تجاه ما يتصوره من عدو فان الجميع بلا تحفظ يطلقون النار بغير هدف وبغير وعى ولربما أصابت بعض اخواننا فى المعسكر .

ولما كان وحدة غير مقاتلة لذلك لم تشترك فى الحرب كمقاتلين ولكننا كنا نعيش فى ميدان الحرب نسمع صوت القنابل التى تهز الأرض هزا بل أحيانا كنا نقف لنشاهد الحرائق التى تندلع فى بعض المعسكرات القريبة من أرض المعسكر .

كانت الوحدات القادمة من القاهرة تضع على معداتها أكاليل الورد والزهور وتعلو وجوه أبنائها الفرحة , وكان حماس الجنود حماسا شديدا ينبع من عقيدة صادقة للجهاد فى سبيل الله .

العرب جواسيس

كانت أكبر جريمة أو اقبح تهمة تلك التى شاعت بين المصريين أن بعض الفلسطينيين يعملون جواسيس لحساب اليهود .

وحين انتشرت هذه الاشاعة الباطلة كانت أكبر اساءة عكرت جو الثقة وأشاعت الكراهية بيننا وبينهم حتى أنه لمجرد أدنى اشتباه فى احد العرب الذين يقتربون من أسوار المعسكرات يطلبون الخبز من شدة الجوع والحرمان فانهم يتهمون بالتجسس وسرعان ما يؤخذون داخل المعسكر فى وحشية وينهال عليهم الجنود ضربا وايذاء بلا مبرر سوى هذه الاشاعات الباطلة التى يشيعها اليهود ليفسدوا العلاقات الاخوية بين القوات المقاتلة وأهل فلسطين , وقد نسمع أن أحد العرب مختوم على ظهره بخاتم معين بواسطة المخابرات اليهودية , وربما تصادف أن احد هؤلاء العرب كان فى جسمه علامة طبيعية خلق بها , حينذاك تتأكد عليه التهمة بالباطل ومسكين هذا الانسان الذى يوقعه حظه النكد فى هذا المأزق الخطير .

ولقد ترك الشعور مأساة خطيرة بيننا وبين اخواننا فى فلسطين .

المهاجرون من يافا واللد والرملة

على أثر احتلال القوات اليهودية للمدن يافا وحيفا واللد والرملة طرد منها أهلها بالرعب والتنكيل فكانوا يقفون عند مفترق الطرقات ولا يسمحون لأحد من الشباب بالهجرة , وقد يقتلون بعضهم أمام البعض الآخر ارهابا وتنكيلا وتعذيبا , ولا يسمحون للنساء بالخروج بالمجوهرات والمصاغ وسمحوا للشيوخ المحطمين الذين لا حول لهم ولا قوة بالخروج الى الفيافى والصحراء , وخرجت النساء مهاجرات لا يلوين على شىء يحملن أطفالهن بلا طعام ولا شراب ولا مأوى , سارت قوافل المهاجرين والمهاجرات متجهةالى مدينة غزة قطعوا المسافة سيرا على الاقدام فى هجير الشمس الحارقة حتى وصلت النساء وقد تغير لون ملابسهن الخارجية من اللون الاسود الى اللون الاحمر من تأثير أشعة الشمس الحارقة , بعض الاطفال ماتوا ودفنوا فى الطريق , وصلت قوافل المهاجرين والمهاجرات الى مدينة غزة , ملئت بهم المساجد عن آخرها , ذهبوا الى المقابر واتخذوا منها مأوى ومساكن , مناظر مؤلمة محزنة تدمى القلوب , هؤلاء جميعا من خيار الناس ومعظمهم من أسر كريمة مترفة لم يكن ببالهم هذا المآل ولا هذا المصير المؤلم الرهيب .

هؤلاء هم الذين يجوبون شوارع مدينة غزة يتسولون يطلبون القوت لأطفالهم ونسائهم , هؤلاء هم الجواسيس هؤلاء هم الخونة يالها من خيبة أمل جهالة عمياء نصبها لنا اليهود الجبناء .

فى شعبة الاخوان المسلمونفى غزة

بعد ان استقر المقام فى العمل بالورشة كان لابد من أن أقوم بزيارة للاخوان فى شعبة غزة , وبعد عصر ذات يوم أخذت معى بعض الاخوة من زملائى فى العمل وتوجهت الى شعبة الاخوان فى غزة ( جمعية التوحيد ) هناك استقبلنا الاستاذ ظافر الشوا سكرتير الشعبة وتعرفنا عليه وتعرف علينا وقدمناه للاخوة فى الشعبة , كان نظهر الشعبة لأول نظرة يعطى صورة على أنها ناد رياضى أو ناد اجتماعى فالشباب يلتفون حول ( الشطرنج ) و( طاولة البنج بنج ) والبوفيه يواصل تقديم الطلبات , ليست هناك جلسات دراسية اسلامية ولا جلسات قرآنية ولا مشاعر اخوانية حتى ان الاخوة الذين حضروا معى قد استنكروا هذه المشاهد وقالوا انها ليست شعبة للاخوان وليس فيها روح دعوة الاخوان , وعلى هذا فقد رفضوا أن يعودوا مرة ثانية و أما انا فقد قررت فى نفسى أن ابدأ العمل مع شباب هذه الدار حتى يعرفوا دعوة الاخوان المسلمونويعيشوا فى رحابها ويستمتعوا برحيقها وروحها .

العمل مع الاخوان فى الشعبة

بدأت خطتى بلذهاب الى الشعبة بعد عصر كل يوم بعد الانتهاء من العمل بالورشة أجلس مع بعض الاخوة للتعارف , كان تعارفى الأول مع الاخوين المتحابين ( هارون هاشم رشيد ) الشاعر الفلسطينى المعروف و ( فؤاد زيد الكيلاني ) طالب ثانوى وهو طبيب كبير الآن تعرفت بهما وتحدثت معهما حديثا عن نشأة الدعوة متضمنا بعض القصص عن تاريخ الجماعة , بعض الشباب الذى كان يجلس قريبا منا بدأ يقترب ويستمع , وحينما يحين موعد الصلاة أستأذن دونما ألح على أحد منهم ليقوم للصلاة فكان البعض يقوم معى والباقى يبقى مكانه .

وداومت على هذا الأسلوب حتى تضاعف عدد المستمعين وتوقف ( الشطرنج ) و ( البنج بونج ) وأصبح الكثير يترقبون حضورى فى الموعد , وانقلب الحديث الى محاضرة يومية .

خطبة فى جامع عمرو

ثم تتابع الاقبال من الشباب وتفتحت أذهانهم وازداد الاهتمام بالعمل فطلبوا منى القاء كلمة بعد صلاة الجمعة فى المسجد الكبير , ووافقت على هذه الرغبة وبالفعل توجهت معهم وألقيت كلمة تحدثت فيها عن واجبنا نحو الأرض المقدسة من اليهود .

مسيرة الى مقابر الشهداء فى غزة

وجاء العيد .. وبعد أن ادينا الصلاة فى المساجد دعونا الناس لعمل مسيرة تتجه الى مقابر الشهداء فى مقبرة غزة وهى قريبة من شارع عمر المختار , وكان الصف الأول منالمقابر هم شهداء الاخوان المسلمون.

وبعد أن اجتمع الناس وقف الخطباء وتحدثوا عن مكانة الشهيد عند الله تعالى وأشادوا ببطولة شباب الاخوان المسلمونوكيف أنه خرجوا من بلادهم ليجاهدوا فى سبيل الله حيث كانوا يؤمنون بأن وطن المؤمن عقيدته .

زيارة الى معسكر الاخوان بالبريج

كتيبة الاخوان المجاهدين اتخذت لها معسكرا فى منطقة البريج بجوار دير البلح .

وكان المكان فى الاصل معسكراللجيش البريطانى , قد رغب احد الزملاء من الضباط أن يزور معسكر الاخوان للاستطلاع والتعرف على قدرتهم القتالية فاصطحبته الى هناك , وكان الحارس الذى يقف على بوابة المعسكر فتى لا يتجاوز الثانية عشرة من عمره ومعه بندقية , فسلمنا عليه وسأله الضابط عن اسمه :

فقال الفتى : اسمى قيس

فقال الضابط : واين ليلاك يا قيس ؟

قال الفتى بكل ثقة : ان ليلاى فى الجنة

فذهلنا من هذا الرد الذى خشعت له قلوبنا وكان فى هذاالكفاية قبل ان ندخل المعسكر ؟

دفتر زيارات الشعبة

قدم لنا الاستاذ ظافر الشوا دفتر الزيارات لنكتب فيه كلمة , واطلعت على كلمة فضيلة الاستاذ حسن البنا المرشد العام التى سجلها بمناسبة زيارته للاخوان عند مقدم الكتيبة المجاهدة التى دخلت المدينة , فرأيت أن الاستاذ المرشد كتب ( زرت اليوم دار الاخوان المسلمونفى مدينة غزة هاشم ) ووقفت عند ( غزة هاشم ) وسألت عن سبب هذه التسمية فقيل لى ان هاشم جد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون فى غزة , وخرجت من هذه الملاحظة بأن الاستاذ المرشد العام له احاطة بكثير من تاريخ الاعلام وتاريخ البلدان وهذا بالفعل من مستلزمات معارف الداعية .

النشاط يدب فى الشعبة

كان لزاما أن تتحرك الدعوة حركة عملية بعد أن تحركت مشاعر الشباب , فعيد الفطر المبارك قد جاء ويجب استغلال هذه المناسبة فقدمنا للشعبة مشروعا لجمع زكاة الفطر ورحبت الشعبة بذلك وعليه فقد قمنا بجمع زكاة الفطر من الوحدات العسكرية , ومن بعض المدنيين والاهالى وتوجهت لجنة من الاخوان الى معسكرات اللاجئين وجمعنا الشيوخ والنساء فى صفوف منتظمة وأخذنا نوزع على كل فرد ما قيمته عشرة قروش صاغ .

وكان الموقف رهيبا وحزينا للغاية اذ ان هذه المبالغ البسيطة لا تكفى شيئا ولكنه شعور بالاحساس الانسانى والاسلامى نحو المجتمع المظلوم .

يوم الرغيف

وأمام مظاهر البؤس والشقاء التى يعيش فيها هؤلاء المهاجرون – فقد رأينا أن نقوم بخدمة انسانية وذلك بأن نذهب الى بيوت أهالى غزة ونأخذ من كل أسرة رغيفا وبعد أن نجمع الكمية فى الشعبة تقوم جماعات من الشباب بتوزيعها على أماكن المهاجرين وكان الجيش يصرف لكل جندى فى اليوم أربعة أرغفة فتطوعت بعض الوحدات بتوفير رغيف لحساب المهاجرين , فكانت سيارة من سلاح المهندسين تحمل الى دار الشعبة كمية كبيرة من الخبز ويقوم الشباب بعد ذلك بتوزيعها فى كل مكان من أماكن اقامة المهاجرين , وكانت هذه الحركة مفيدة وكانت أيضا من عوامل يقظة الشباب فى غزة .

حادث مثير

كانت اسرة من الاسر التى هاجرت من حيفا قد استقر بها المقام فى سكن متواضع فى غزة وكانت على مستوى رفيع من رغد العيش وهناءة الحياة وذات يوم طلب رب الاسرة من بعض اولاده وقد اشتد بهم الجوع ان يذهبوا ويتحسسوا الصدقات , ولما خرج الاولاد يسألون الناس ويستعطفونهم وخلا الرجل بنفسه زادت همومه واضطربت أعصابه وأخذته العبرة فبكى واشتد به البكاء والنحيب فأصيب بأزمة قلبية ومات , وعاد الاطفال ليجدوا والدهم قد فارق الحياة , فتضاعفت المصيبة وتشرد الاولاد الصغار .

قوات الاخوان فى ورش الصيانة

كان منظرا رائعا ومثيرا حين ترى سيارات الاخوان المسلمونالحربية المصفحة تدخل ورش سلاح الصيانة للاصلاح , ويكتب على النموذج الذى تدخل به للورش ( قوات الاخوان المسلمون) كان الانسان يشعر بالاعتزاز والفخر حين يرى الاخوان الشبان الذين ينزلون من السيارات وقد حملوا أسلحتهم الخفيفة ووضعوا القنابل اليدوية فى رباط الاحزمة ترى منهم الأخ المصرى وترى الاخ السورى , وترى الاخ الأردنى كل هؤلاء جمعتهم العقيدة الاسلامية فى صف واحد وعلى قيلب رجل واحد فى مظهر اسلامى قوى رائع يتعاونون جميعا لرفع راية الاسلام وتحرير أرض فلسطين العربية الاسلامية .

ان هذه السيارات المصفحة ليست من صنع الاخوان ولكنها فى الأصل سيارات حربية من صنع القوات الصهيونية استطاع الاخوان أن يستولوا عليها فى معارك طاحنة بينهم وبين اليهود , وفكرة هذه السيارات المصفحة فى الاصل فكرة ضابط مصرى فى سلاح الصيانة اذكر ان اسمه العقيد السباعى , وقد طردته البعثة الانجليزية بعد ذلك من القوات المصرية حتى لا تنتشر فكرة هذه السيارة , ثم أخذ الفكرة بعد ذلك اليهود وقاموا بتنفيذها واستعملوها فى حرب فلسطين وتتلخص فكرة هذه السيارة المصفحة فى أن جوانبها عبارة عن لوحين من الصاج السميك بينهما لوح من الخشب بحيث أن الطلقة حينما تخترق اللوح الخارجى وتصل الى اللوح الخشب فانها تبرد فى الحال ولا تصل الى لوح الصاج الداخلى , وتوجد على جانبى المصفحة عدة مزاغل يقف وراء كل مزغل جندى اسرائيلى يحمل سلاحه ويوجد فى قاع هذه المصفحة فتحة كبيرة يستطيع الجندى أن يهرب منها ويتخذ الوضع راقدا على الارض فى حالة تعطيل المصفحة من جراء ضربها بسلاح المجاهدين العرب ويستطيع كل الجنود الانسحاب بعد ذلك الى أقرب مستعمرة , وكثيرا ما يترك السائق المصفحة وهى تسير ببطء فى حالى الانسحاب منها على اساس أن ذلك تعمية وتضليلا ويظل المجاهدون العرب يمطرونها وابلا من الرصاص حتى تتوقف عن الحركة حتى اذا ذهبوا للاستيلاء عليها لم يجدوا بها أحدا على الاطلاق ويستولى المجاهدون على المصفحة ويقومون باصلاحها واستعمالها ضد العدو الصهيونى .

مستعمرة ديروم اسحاق

تقع هذه المستعمرة بالقرب من مدينة غزة من ناحية الجنوب , وفى مواجهة مستعممرة دير سنيد التى تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط والذى يفصل بين المستعمرتين هو الطريق المرصوف وهو الطريق الرئيسى من غزة الى القدس , و حين حاصر الجيش المصرى هذه المستعمرة ألقى عليها مئات القنابل الثقيلة التى كانت تهز الرض هزا , وكانت الحرائق تشعل فى المستعمرة والدخان يتصاعد منها , ومع هذا لم تسقط المستعمرة الا بعد عدة أيام , حيث قد تبين أن اليهود قد صمموا هذه المستعمرات على أحدث تكتيك عسكرى فان ظاهر المستعمرة فوق الأرض هو عبارة عن مبانى خفيفة تشكل مظهر مستعمرة سكنية أو بعض الورش أو المصانع الخفيفة التى تكون بمثابة تمويه أو تغطية لحقيقة ( قلعة حربية على استعداد كامل للحرب ) أما المستعمرة الحقيقية فهى تقع تحت هذه المبانى الشكلية حيث توجد الاستعدادات الحربية من سلاح ومؤن وأدوية وحصون , وحين تهاجم المستعمرة عسكريا فان الدشم الظاهرة على اركان المستعمرة تتولى الدفاع بقذف القنابل وتوجيه الطلقات الى المتقدمين , حتى اذا فشلت المستعمرة فى الدفاع عن نفسها فان الجنود ينسحبون الى الخنادق المحيطة بالمستعمرة من الخارج ويتمركزون بداخلها ..

حتى اذا ظن العرب المقاتلون أن المستعمرة قد سقطت وأنه لا يوجد فيها أحد من الاحياء , وبدأت فصائل الاقتحام تقتحم المستعمرة فاجأهم الجنود القابعون داخل الخنادق المستديرة حول المستعمرة من كل الجهات , وبهذا يضطر المجاهدون للانسحاب مرة ومرة .

واخيرا وبعد تفكير طويل استطاع خبراء الجيش المصرى اختراع شىء جديد أسموه ( قاذفات اللهب ) وهذ الفكرة تتلخص فى ان تجهز الحاملات وهى عبارة عن عربة مصفحة مجنزرة مكشوفة وضعوا فيها جهازا مثل مضخة الحريق مملوءا بالجاز مع الزيت ويقذف تجاه هذه الخنادق مشتعلا فيحرق كل من يتواجد بها من جنود , وبهذه الطريقة أمكن احتلال هذه المستعمرة , ومن الجدير بالذكر أن كل مستعمرة من هذه المستعمرات متصلة بالاخرى بواسطة خنادق أو ممرات طويلة تحت الارض , فحين يحين سقوط أى مستعمرة فان جنود هذه المستعمرة يهربون من خلال هذه الممرات الى المستعمرة الأخرى , ويمكنهم أن يعودوا من جديد اليها ليقاتلوا فى سبيل استردادها عند أية فرصة .

طويل العمر

يوجد ضمن القوات المحاربة ضد اليهود فى فلسطين قوة من الجيش السعودى كانوا بطبيعة تكوينهم أشداء أقوياء بالعقيدة الاسلامية , وذات مرة استسلمت احدى المستعمرات اليهودية لقوة من قوات الجيش السعودى ورفعوا أيديهم مستسلمين و ولكن الجنود السعوديين رفضوا أن يأخذوا اسرى , وأخذوا يقتلونهم وهم يقولون ( ان طويل العمر قال ما تتركوا منهم أحدا ) وطويل العمر هو ملك المملكة العربية السعودية , وحين رأى السرى أنهم سيقتلون بلا شك ثاروا ثورة مفاجئة واستولوا على السلاح وقاموا من جديد حفاظا على أرواحهم باستماتة شديدة حتى عادوا الى احتلال المستعمرة من جديد , وكان هذه الاستفزاز فى اثارة مشاعر اليهود .

مستعمرة دير سنيد

استعصت مستعمرة دير سنيد على الاستسلام رغم محاصرتها من كل قوات الجيش والفدائيين , حيث انها تقع على تل عال يكشف تحركات كل القوات العربية , ثم انها تقطع طريق المواصلات الى القدس وبهذا تقطع اختراق القوات المصرية وتمنع قوافل التموين والامدادات العسكرية داخل فلسطين فكان لزاما وهاما جدا احتلال هذه المستعمرة و وبعد قتال وصبر طويل تقدم أحد المجاهدين الفسطينيين وهو شاب معروف بشجاعة فريدة وكان قد اغتنم سيارة مصفحة من الجيش الانجليزى قبل أن ينسحب وأخفاها فى مكان مجهول , حتى اذا استعصى احتلال هذه المستعمرة جاء بسيارته وهاجم بها المستعمرة ومن خلفه حنود القناصة , وأخيرا سقطت المستعمرة بعد اشتباك ضار بالسلاح الأبيض .

وقد ذهبنا بعد أيام لزيارة هذه المستعمرة فوجدناها من ألواح خشبية أسمنتية قد اخترقها الرصاص من كل جانب دون أن تسقط أو تتهدم لهذا فانك ترى ثقوب الطلقات منتشرة داخل هذه الألواح .

ووجدنا أن هذه المستعمرة متخصصة فى صناعة ( اللبن الجاف ) وأن بها حظائر للدواجن على أحدث النظريات العملية , وبها وحدة لتعبئة اللبن المجفف فى علب الصفيح , وقد شاهدنا الخنادق تحت المستعمرة على احدث النظريات العسكرية فان الطبقة التى تعلو هذه الخنادق مكونة من طبقة رملية ثم زلط ثم دبش وعلى سطح هذه الخنادق بعض المزروعات أو الحشيش الأخضر وهذه الخنادق مهيأة على شكل لولبى .

وتوجد بها مقاعد للراحة كما شاهدنا خندقا منها قد تم ردمه على كثير من جثث اليهود بعد اقتحام المستعمرة وقد سمعنا عن الخدعة التى دبرها اليهود بعد ان احتل المجاهدون المستعمرة , اذ ان احدى الدشم اليهودية بقيت طوال المعركة صامتة لا تتحرك على الاطلاق وكانت هذه الدشم خارج محيط المستعمرة , حتى اذا دخل المقاتلون العرب المستعمرة واستقر فيها مقامهم , اذا بهذه الدشمة تفاجئهم بفتح نيرانها الشديدة المركزة عليهم فتقتل منهم الكثير لولا أن فرقة من الجيش كانت قادمة الى المستعمرة فلاحقتهم وقضت عليهم , كما أن كثيرا من الفتيات اليهوديات صعدن الى خزان المياه الذى يرتفع فوق المستعمرة وأخذن يطلقن النار على المجاهدين ولكن أمكن قتلهن باسلحة القناصة , والعجيب أننا شاهدنا فوق التل ( حوضا للسباحة ) مع تعذر الماء وارتفاع الأرض .

وبضرب مستعمرة دير سنيد أمكن التحكم فى الطريق من غزة الى القدس بعد القضاء أيضا على مستعمرة كفار ديروم .

زيارة مقابر الشهداء بدير البلح

توجهت مجموعة كبيرة من الاخوان المصريين لزيارة اخواننا شهداء معركة دير البلح وكانت لحظات حزينة خاشعة , فهؤلاء هم الاخوة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه أنهم أول مجموعة خرجت تجاهد فى سبيل الله بحق وصدق وهى أول باقة من شهداء الدعوة الاسلامية بشوملها والتى برهنت على ان ( وطن المسلم هو عقيدته ) وهؤلاء هم الذين ترجموا فلسفة الدعوة الى واقع حى وهؤلاء هم الذين حطموا معنى اليأس والقنوط وأزالوا معنى الضعف والهزيمة حين ضربوا أعظم المثل فى التضحية والفداء قولا وعملا فأعطوا للجيل الجديد قدوة فذة على امكان الوصول الى اعظم غايات المسلم وان ركام الاستعمار يجب أن يزول من تصورات هذا الجيل وان يرقى الى مستوى حقيقة الانسان الذى هو أعظم قوة فى الوجود وان قول الله تعالى " من الموؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " (1) سورة الاحزاب – 23 .

أصبح واقعا وحقيقة صادقة لا تحتمل الخيال أوالمحال .

بقد وقفنا أمام هذه العظمة صامتين ولكن المعانى كانت تتلاحق فى رهبة وخشوع .

لقد تذكرنا الماضى المجيد الذى صنعه الجيل الأول لهذه الامة المسلمة وربطناه بهذه الجيل القوى فرأينا أن تاريخ الاسلام متصل حى باق ما بقيت هذه الفئة المؤمنة تواصل الطريق وتسير على درب السلف الصالح حتى يحق الله الحق ويبطل الباطل وعدنا من هذه الزيارة مزودين بالثقة والايمان وصدق اليقين . صراع رهيب حول القدس :

اليهود يخسرون 500 مقاتل فى معركة القسطل

كانت القوات العربية قد وافقت على مد أمد الهدنة مع مستعمرة ( مشمار عيمك ) اليهودية بحيث تنتهى صباح الجمعة الماضى بناء على طلب مختار وممثلى المستعمرة وبواسطة الكولونيل بيل قائد القوات البريطانية فى الجليل .

وفى ساعة مبكرة من صباح أمس لاحظت القوات العربية اليقظة أن قوافل وقوات كبيرة يقدر عددها بنحو ثلاثة آلاف مسلح من عصابة الهاجاناة تزحف نحو المستعمرة والقرى العربية المجاورة لها والتى أخلاها العرب ومع اليهود فرقة ميكانيكية كبيرة .

وما أن بدأت هذه القوات تضرب حصارها حول المنطقة حتى انبرى لها الابطال المجاهدون فأودت بحياة خمسمائة مقاتل من جنودهم .

فظائع اليهود فى دير ياسين: (1) العدد 599-3 جمادى الثانى سنة 1367 – 12 أبريل سنة 1948 .

حدثت فى ساعة مبكرة من صباح الجمعة أن باغتت قرية دير ياسين قوات من عصابتى " ارجون " و" شتيرن " بهجوم اجرامى مفاجىء فتكت فيه بالنساء والاطفال والشيوخ بنيران المدفعية والقنابل اليدوية وبلغ عدد الضحايا (250) أما الباقون من اهل القرية نساء وأطفالا فقد شحنوا شحنا فى السيارات وعرضوا فى المناطق اليهودية حيث بصق عليهم الجمهور ورجموهم بالحجارة .

وجاء فى نفس العدد (599) بعنوان (القدس ): أعلن البوليس الليلة أنه قد قتل أحد عشر مصريا وجرح خمسة آخرون أثناء هجوم على ( كفار دايروم ) وهى المستعمرة اليهودية الوحيدة فى السهل الساحلى جنوب غزة .

وخرجت جريدة الاخوان اليومية وعلى صفحتها الأولى صور لاثنى عشر من الاخوان الذين استشهدوا فى معركة دير البلح , والصفحة مجللة باللون الأخضر , وللاستاذ المرشد كلمة أتمنى أن أعثر على هذه العدد من الجريدة ولكن للاسف لم أتمكن من العثور عليه .

لقد جاء فى كلمة الاستاذ المرشد : تهنئة للعالم الاسلامى بميلاد صحوة اسلامية جديدة من البطولة الاسلامية الخالدة بعد أن همد جسم العالم الاسلامى عن الحركة وعن الحياة وقال : لماذا يحزن الاخوان على فراق اخوانهم .. ان هؤلاء الشهداء هم الذين سعوا الى الشهادة بمحض ارادتهم وبوحى ايمانهم , انهم يحبون لقاء الله تعالى فكيف نحزن لقوم يفرحون بالموت فى سبيل الله .. ان الجنة تتزين اليوم للقائهم انهم غادروا هذه الحياة الى حياة النعيم , فكيف نحزن لفراقهم وهم يفرحون بلقاء الله عز وجل .

وكان من عادة الاستاذ المرشد أن يطلب من كل الاخوة الذين يسافرون للجهاد فى فلسطين صورة ثم نبذة عن تاريخ حياته , وقد اتضح بعد ذلك نظر الاستاذ المرشد حين خرجت تحمل صور الشهداء وموجزا عن تاريخ كل واحد منهم .

الشهيد عبد الرحيم عبد الحي

فوجئت باستشهاد الاخ الاستاذ عبد الرحيم عبد الحي وكان من الاخوة الذين أصدر صدقى باشا أوامر بنقلهم من " شعبة الجهاد " بسلاح الصيانة بالأسكندرية الى الاقاليم , فكان من نصيب الاخ عبد الرحيم أن تم نقله الى ورش الصيانة بالإسماعيلية ولما كانت الإسماعيلية مركزا لتجمع الاخوان المجاهدين للجهاد والقتال فى فلسطين , فقد تطوع الاخ عبد الرحيم ضمن الكتيبة المسافرة الى العريش واشترك فى المعركة التى دارت بين متطوعى الاخوان المصريين واليهود فى مستعمرة ( كفار دايروم ) ثم كتب الله له الشهادة التى كان يتمناها بصدق , فقد كان الاخ عبد الرحيم موظفا مدنيا بوحدة سلاح الصيانة بالأسكندرية ,وحين أنشئت شعبة الجهاد فى سلاح الصيانة بالأسكندرية كان أول من تقدم للاشتراك والمساهمة فى نشاطها بقوة وعزم استمر حتى بلغ به الحماس أنه صار من أبرز الخطباء فكان يخطب فى المساجد الكبيرة ويؤثر فى المستمعين وكان له أثر بالغ فى نشر الدعوة بالحديث والخطابة وايضا الكتابة المجسمة علىالحوائط فى الشوارع الكبرى حيث كان حاصلا على دبلوم فنى فى الزخرفة كما كان يهوى الرياضة البدنية فى بطولة السباحة وغيرها , ولقد اعده الله تعالى وصنعه على عينه ليكون شهيدا وقد ترك من خلفه زوجا وطفلين لعل أحدهما قد ولد بعد استشهاده رحمه الله وجمعنا فى مستقر رحمته .

دخول حرب فلسطين

ولما كنا قد استطردنا فلنعد الى وزارة النقراشي والحوادث الخطيرة التى وقعت فى عهدها .

ففى الخامس عشر من شهر مايو سنة 1948 دخلت الجيوش العربية فلسطين انقاذا لها من اليهود , بعد أن تخلى عنها البريطانيون وأنهوا انتدابهم عليها , ولقد كثرت المقالة عمن يتحمل المسؤولية فى دخول حرب فلسطين دون استعداد سابق .. وعندنا أن المسؤول الأول عن دخولها هو وزارة – النقراشى والبرلمان القائم حينئذ .

وقد قيل ان السراى هى التى أوحت بها وأمرت , وان الوزارة والبرلمان لم يكونا غير منفذين لارادة لا دخل لهما فيها .

وقد يكون هذا الكلام صحيحا من حيث الواقع , ولكن المسؤولية تظل مع ذلك على عاتق الحكومة والربلمان , فان الادارة هى التى قررت ونفذت .

ولن يخلى الوزارة من المسؤولية احتماؤها وراء السراى , فان السراى ما كانت مستطيعة أن تفعل شيئا , ولو رفضت الوزارة ورفض البرلمان الدخول فى حرب دون استعداد لها .

وقد قيل من جهة أخرى ان النقراشي كان موافقا على دخولها وأنه قدر الأمر من وجهة نطر خاصة , فقد كان اعتداء اليهود فى نظره اعتداء شبيها بالاعتداء على العرض , يجب علىالدول العربية أن تنهض لدفعه دون اعتبار للاستعداد أو عدم الاستعداد .

ومن الانصاف القول بأن الرأى العام كان متحمسا للحرب , ولكن هذا التحمس لا يعفى القائمين على أمرنا من تقدير الأمر على صورة أخرى , فان تحمس الرأى العام كان قائما على ما قيل له من أن اليهود الطارئين على فلسطين شراذم لا اعتبار لها , وان الجيوش العربية قادرة على أن تبطش بهم فى ساعات أو ايام .

( الاستاذ المرشد من الجالسين عن يمينه أرضا الاخ عباس السيسيعادل بهجت – ثم الاخ حسن سالم – ثم الاخ عبد الرازق شقيق زوجة الشهيد عبد الرحيم عبد الحي .

ومن الجالسين بجواره عن يمينه الاستاذ محمد مختار عبد العليمالمحامى رحمه الله , ثم عن يسار فضيلة المرشد يجلس الاستاذ أمين مرعي المحامى ثم المهندس محمد القراقصى الاستاذ فى كلية الهندسة باسكندرية والواقفون خلفه عن اليمين الشهيد عبد الرحيم عبد الحي ثم الاستاذ محمد عبد السلام الموظف بالتليفونات ورئيس شعبة الاخوان بها .

ثم الاستاذ محمد بكير المحامى ثم الاستاذ سيد رشدي وكيل محام ثم الاستاذ محمد منصور الاستاذ بوزارة المعارف . ) ( الشهيد عبد الرحيم عبد الحي , موظف مدنى بسلاح المركبات ( الصيانة سابقا ) نقل اداريا الى مدينة الإسماعيلية عام 1948 بسبب نشاطه الاسلامى – ومن الإسماعيلية تطوع للجهاد فى حرب فلسطين واستشهد مع احدى عشر من الاخوان فى اول معركة حول مستعمرة ( كفار ديروم ) ودفن فى مقابر ( دير البلح ) مع أحد عشر من الاخوان )

والمسئولية تقد على من كانوا السبب فى هذا التحمس الخاطىء فالذين بيدهم الجيش والحكومة وسلطة التوجيه والأمر يقفون فى الصف الأول من المسئولية أما القول بأن الشعب أراد ونحن ننفذ ارادته فقول قائم على خطأ لا يقبل الدفاع , لأن الشعوب تريد أشياء كثيرة , وكل شعب يريد أن يسود الدنيا ويسيطر على من عداه , فهل يقبل من المسؤولون أن يجاروه فى ذلك معتذرين بأنه أراد وأنهم ينفذون ارادته ؟

وقد أراد الشعب أن يطبق الدستور .. فهل طبقوه ؟ وأراد الشعب أن تمتنع السراى عن التدخل فى شؤونه .. فهل استمعوا له ؟ .. وقد أراد الشعب أن تخفف عنه الضرائب والسخرة وتنتفى الوساطة والتمييز فى المعاملة , فهل استمعوا له ؟

ان اسطورة الدفاع عن دخول حرب فلسطين بحجة أن الشعب هو الذى أرادها , وربم كان ذلك كى يصرفوا الناس عن مساوىء الحكم الداخلى , وعن متاعب الشعب ومطالبه , وربما كان ايضا لكسب أمجاد لها طابع دينى ليتعلق الناس بالنظام القائم .

وكان واضحا أن السراى هى التى احتضنت الحملى وزودتها وجهزتها وأشرفت عليها , وكان الجيش وقائده الأعلى وهو الملك وقائده العام محمد حيدر يتصرفون – أو يكادون – بمعزل عن الحكومة أو بما يقرب أن يكون كذلك . وهنا لابد من وقفة أخرى تحدد المسؤولية , فان الحكومة – وقد شعرت أنه بمعزل عن مسرح الحوادث – ألم يكن من واجبها أن تضطلع بالمسؤولية حقا ؟

وتثبت وجودها وكيانها بالاعتراض أو بالتسليم , وهذا وضع آخر ليس الا نتيجة محتومة للخروج على قواعد الدستور وروحه , فان الوزارة ومن ورائها البرلمان كلاهما معذوران اذا اعتقدا أن لا شأن لهما بالأمر وأن مرده كله الى السراى والرجال المحيطين بها ,وليس أهون من هذا الوضع .. ولو أدركت الحكومة خطورة النتائج ما وقفت هذا الموقف ولا استكانت هذه الاستكانة الا اذا سلمنا بأنها كانت موافقة على هذه السياسة أو كانت صاحبتها , وهكذا على أى وجه , فان نظرتنا الى المسألة أن المسؤولية كانت تقع على الحكومة من رأسها الى قدمها , أما الزعم بأن الملك هو المسؤول فهروب من المسؤولية , واذا كان الخوف قد بلغ بهم هذا المبلغ حتى لقد رأوا السلامة فى أن يكتموا رأيهم فما كان الخوف سببا للبراءة وهم الذين وضعوا أنفسهم هذا الوضع , وارتضوا أن يكونوا تكأة أوستارا , ولو كانوا شجعانا لتركوا الحكم وتركوا السراى تتحمل المسئولية الظاهرة والخفية , ولكن هذه الشجاعة البسيطة غابت عنهم , ولا ريب لدينا فى امانة النقراشى ووطنيته وعظم تضحيته وسلامة تفكيره ونزاهته , ولكن لا ريب ايضا فى انه هو وحزبه يتحملون نتائج سياستهم , وليس لهم ان يلقوا المسئوليات على السراى أو غيرها وفانهم – طبقا للدستور – المسئولون , وكان من واجبهم اما ان يحكموا او يتخلوا عن الحكم .

واعلنت الاحكام العرفية مساء اليوم الذى تحركت فيه الجيوش العربية فى منتصف شهر مايو لكى تبدأ اتعس حملة روى التاريخ خبرها , ودخلت مصر فى تيه جديد من النظام الحديدى و وانحرفت الاحكام العرفيى عن ضرورات الحرب الى كل ضرورة أخرى , يرى المسيطرون على الامور أنها تهمهم , ومما يؤسف له ان البلاغات العسكرية التى كانت تذاع عن سير معركة فلسطين لم تكن صحيحة فى كثير من الاحيان , بل كانت تذهب الىالمبالغة فى تضخيم انتصارات تافهة , وتروى قصصا لا قيمة لها من حيث الفن العسكرى ومقتضياته , بينما تغفل المتاعب التى عاناها الجيش والنقص المر فى الذخائر والاستعدادات , وبدا ان الحملة تسير سيرا غير موفق , ومع ذلك فان احدا لم يجرؤ على ان يكشف للسراى حقيقة الموقف بل لعلهم جميعا كانوا يرون أسباب سترها أن يزينوا لها الواقع و ويؤكدوا ان اليهود على وشك التسليم وان الزعامة الاسلامية عقدت لمصر واهلها .

ومما اخذ علىالحكومة فى ذلك الوقت أنها سمحت للملك السابق بأن يفضى بحديث صحفى يرد فيه على الصهيونيين ويتوعدهم و كانت سقطة لا يمكن الدفاع عنها , فان الملوك فى البلاد الدستورية لا يفضون بأحاديث ولا آراء فالمفروض أنهم يملكون ولا يحكمون .

ولقد حاول الملك فؤاد أن يزور أوربا سنة 1927 من غير أن يستصحب وزير الخارجية فرفض البرلمان اقرار الاعتماد المطلوب , واضطر الملك ان يخضع لرأى البرلمان , واستصحب وزير الخارجية .

وحاول قبل ذلك شيئا آخر , فعين حسن نشأت وكيلا للديوان الملكى من غير مشورة الوزارة واقرارها , فهدد سعد زغلول بالاستقالة , فاضطر الى التسليم بالحق الدستورى , وهو أن تعيين موظفى السراى لا يتم الا بمشورة الوزارة واقراراها , فكيف يكون الوضع على هذه الصورة فى سنة 1926 بل فى سنة 1948 على صورة أخرى مختلفا تماما .

ان المسؤولية الكبرى – فى نظرنا – تقع على السياسيين المصريين على النحو الذى فصلناه فى الصفحات الماضية , اما نزعة السراى الى توسيع سلطتها فهى نزعة طبيعية , و هى ملازمة لكل حكم ملكى , والخطأ الأكبر هو خطأ الذين يسمحون لها بذلك وقد رأينا كيف سارت الامور وكيف استفحل نفوذ السراى شيئا فشيئا حتى شمل كل شىء وأصبحت الوزارة والبرلمان صورة لا حقيقة لها واخذت الامور تسوء فى ميدان فلسطين , وبدا ان اليهود يتفرقون وانهم يتلقون امدادات من كل جهة وطريق , وكان الاخوان قد ارسلوا كتيبة تقاتل باسمهم وتشترك فى الحملة واخذت الحكومة تساعدهم بالسلاح وتفسح لهم صدرها وتعرف الذخائر التى عندهم بل انها ندبت بعض الضباط للاشتراك فلا تدريبهم واصبح واضحا ان نشاطعهم العسكرى أو الشبيه بالعسكرى يجرى بتشجيع من الحكومة وتحت كفالتها , وبينما كانت الحملة فى فلسطين تتعثر والجيش المصرى لا يتلقى الامدادات ولا الاسلحة الكافية .

سادت مصر موجة من الارهاب لا مثيل لها , وقد بدأت هذه الموجة مع الأسف الشديد بالاعتداء المؤلم الذى وقع على احمد ماهر رحمه الله فى دار البرلمان فى فبراير 1945 وتلا تلك الجريمة البشعة جريمة شنيعة أخرى اذ اغتيل أمين رحمه الله يوم 5 يناير 1946 برصاصات أطلقها عليه حسين توفيق , وتبين من المحاكمة أن هناك جمعية غرضها ارتكاب اغتيالات للانجليز ومن يتعاون معهم وكان أمين عثمان بين هؤلاء الذين اتهمهم الرأى العام بأنه ذو ميول بريطانية .

ولم تنقطع هذه الحوادث الارهابية فى سنتى 46 , 47 , وبلغت ذروتها فى سنة 1948 اذ قتل أحمد الخازندار وكيل محكمة الاستئناف رحمه الله فى 22 مارس من هذه السنة , وفى 25 أبريل من السنة نفسها ايضا حاول بعض الجناة نسف دار النحاس باشا , وفى يوليو وقعت محاولى لنسف دار حكومة السودان والقى طوربيد من الديناميت على محل " شيكوريل " و " أوريكو " ووقع انفجاران شديدان اما محل " بنزايون " و " جاتينيو " ووقع انفجار رابع فى شركة الاعلانات الشرقية , كما وقعت محاولة اخرى لاغتيال النحاس وضبطت سيارة مملوءة بالمواد الناسفة .

مؤتمر الجمعيات بالأزهر الشريف

عقد فى صحن الأزهر الشريف مؤتمر اسلامى جامع حضرته جماهير ضخمة وخطب فى المؤتمر سعادة اللواء صالح باشا رئيس جمعيات الشبان المسلمين وفضيلة المرشد العام للإخوان المسلمون والاستاذ احمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة , وامسك صالح حرب باشا بالمصحف الشريف مناديا بانقاذ المسجد الاقصى من شراذم اليهود ولا يكون ذلك الا بالاعتصام بهذا الكتاب الذى يدعغو المسلمين الىالعزة وتحرير بلادهم من الاغتصاب و تحدث حسن البنا مشيرا الىان تحرير فلسطين لن يكون الا على اساس الايمان بقدسية القضية التى نؤمن بها ثم ضرورة الاعداد الروحى والمادى وتهيئة الامة للصبر على مشاق هذه الحرب التى ربما يطول امدها , ودعا الشباب الى التطوع بالروح والمال والجهد فى سبيل انقاذ فلسطين , اما الاستاذ احمد حسين رئيس حزب مصر الفتاة , فقد وقف وسط الجماهير متحمسا وقد اخرج مسدسا وامسك به ملوحا بقوة وهى يقول اما انا فاقول فقد الى الميدان وانصرف بصورة توحى بأنه فعلا متوجه الى الميدان وانصرفت الجماهير بعد هذا المؤتمر وهى مشحونة للعمل على تحرير الارض المقدسة وبعد ذلك فتح باب التطوع لمن يشاء , وامتلأ ميدان الحلمية أمام دار المركز العام بالمتطوعين من مختلف بلاد القطر المصرى .

أحمد حسين فى الميدان

عقد الاخوان المسلمونبالأسكندرية مؤتمرا كبيرا الى جوار دار المحكمة الكلية فى الارض الفضاء يومئذ , واحتشد فى هذا السرادق آلاف المواطنين وخطب فى هذا المؤتمر سعادة صالح حرب باشا داعيا الى الجهاد فى سبيل تحرير الارض المقدسة فلسطين ثم تبعه بعد ذلك سعادة محمد على علوبة باشا متحدثا فى نفس الموضوع وحين صعد فضيلة المرشد العام ليلقى كلمته تعالت هتافات من احد اركان السرادق ( أحمد حسين بالميدان ) وكلما اراد الاستاذ المرشد أن يواصل حديثه استمرت الهتافات ( احمد حسين بالميدان ) وفى لحظات سريعة قامت مجموعة من فرق الجوالة وفتحت جانبا من السرادق من جهة البحر وحملت هذه المجموعة واحدا بعد الآخر والقت بهم خارج السرادق , وقد تم ذلك كله فى عدة دقائق وواصل الاستاذ المرشد حديثه فى هدوء , وهو يشير الى ان الامر اكبر من هذه المناورات الحزبية فالله تعالى يعلم من هو الذى يعمل فى الميدان , والذى يصرخ فى الآذان – " وما يعلم جنود ربك الا هو " (1) سورة المدثر – 31 .

وتمضى الايام ويدوى نداء الله اكبر ولله الحمد فى كل بقعة من ارض فلسطين ويرقد فيها شهداء الاخوان , ولم يسمع التاريخ بعد ذلك عن أحمد حسين فى الميدان وهكذا كانت المناورات الحزبية البغيضة التى ضللت شباب هذا الجيل .

وفود المجاهدين فى مرسي مطروح

على اثر اندلاع الحرب فى فلسطين توافد على مرسي مطروح عدد من الشباب المسلم قادما من الغرب من الجزائر والمغرب وليبيا يريدون السفر الى فلسطين للجهاد فى سبيل الله , وقد استقبلتهم شعبة الاخوان المسلمونوفتحت لهم دارها وقامت بالواجب نحوهم و ولما كثر عددهم واستعصى علىالشعبة الوفاء بكل مستلزماتهم , فقد اتصلنا بالمركز العام للاخوان بالقاهرة الذى قام بدوره بالاتصال بسعادة بعد الرحمن عزام باشا الأمين العام للجامعة العربية الذى وعد بأن يتعهد بعمل معسكر تدريب لهم فى مرسي مطروح .

ولما كان الاخوة المهندسون بمصلحة الاشغال العسكرية يقومون ببناء المسجد الكبير فى مرسي مطروح فى حاجة الى عمال (فعلة ) فقد ساعدونا فى استخدام بعضهم للعمل بالاجر اليومى حتى يمكن حل هذه المشكلة , وقد راعنا وجود بعض المجاهدين من الذين قد تجاوزوا الستين عاما حيث جاؤوا ملبين نداء الجهاد المقدس يتمنون أن يموتوا شهداء فى سبيل الله , وأشهد أن هؤلاء بالذات كانوا على تقوى وورع وكانوا أكثر الجميع رغبة فى العمل على رفع الحجارة لبناء المسجدد , وقد قمنا فى الشعبة بطبع استمارات التطوع وفتحنا دفاتر ودوسيهات واعمالا كتابيى لقيد وضبط اعمال المتطوعين , حتى وصل الينا الاميرالاى احمد بك منصور والصاغ محمد الله جابوا واستلموا منا هذه الاوراق وباشروا اقامة معسكر للتدريب حيث وصل عدد هؤلاء المتطوعين اكثر من مائتين , وكان اكثرهم لا يتكلم الا باللغة الفرنسية وقليل منهم من كان يتكلم العربية .

قصيدة للاستاذ محمد رشاد عبد العزيز : (1)
اليقت فى شعبة محرم بك 10 أبريل سنة 1948 .

الاخوة الذين استشهدوا فى معارك فلسطين من الأسكندرية ( عبد الرحيم عبد الحي ) و( عثمان بلال ) و( على جندي ) و ( محمود مجاهد )

لتكريم شهداء ( دير البلح ) بفلسطين :

منها الأبيات الآتية :

فأى منازل الرضوان أعلى

لمن فى الله يدخر الصنيعا

بكيت خسارة الاخوان فيه

فواحدهم به تزن الجموعا

فليس الفضل فيمن جاء يبغى

فهذا الجاه صيرنا قطيعا

وليس الفخر فى علم بكفر

سقينا شره سما نقيعا

وحقر كل ذى حظ أخاه

فكانوا فى فعالهموا شيوعا

ولكن دعوة الاسلام صوت

ينادى أن لله الخضوعا

فلا يخشى القوى اذا تعدى

فان العدل اولى ان يذيعا

ولا يلقى القياد لذى نفوذ

اذا ما كان فى الحلى رقيعا

وقاتل شعبه ظلما حقير

ولو ملات معارفه الربوعا

وحرب عصابة الشيطان فرض

اذا هم قارفوا امرا فظيعا

وباذل نفسه للحق حى

اذا ما خر فى الهيجا صريعا

سأذكر ما حييت اخى بلالا

تزودجه النصائح أن يطيعا

فيرفضها ويأخذها علينا

فكيف نعوق البطل الشجيعا

وقد علمت جوانب ارض مصر

بواديها وحاضرها جميعا

بأن رجاءنا فى الله موت

رضيناه ولم نرض الخنوعا

وصبريا ومحمودا اخاه

وعبد الحى والقصد الرفيعا .
فى حفل تأبين الشهداء للاستاذ المرشد : (1) العدد 602 السنة الثانية , 6 جمادى الآخرة 1367 – 15 أبريل 1948

وبعد هذا اقول لكم فى صراحة ان الطبقات الوسطى والفقيرة المستضعفة فى الشعب هى التى ادت واجبها كاملا .. من مال ودم ولقد شاهدنا بأنفسنا نحن المتصلين بالشعب وبكل طبقاته شاهدنا أن العامل الذى لا يكفى اجره قوت أولاده يتبرع منه فى سبيل الله بجزء كبير , ورأينا فى ذلك مثلا كريما , كما رأينا العامل يبذل روحه فيقدم نفسه وأسرته أشد ماا تكون حاجة اليه , شاهدنا هذه المثل العالية ولكن الاغنياء والاقوياء ما زالوا فى شح , فاذا طلب من الاغنياء المال بخلوا واذا طلب من الاقوياء الدم جبنوا ونكثوا وكان يجب ان يكونوا اول العاملين والمتقدمين لكنهم باحجامهم خذلوا القضية وخذلوا العروبة والاسلام ومما يؤسف له انهم مصرون على هذا التعويق والخذلان هذه الطبقة أيها السادة يجب أن تؤدى الواجب والرجال الرسميون والمسؤولون أيضا الى الان لم يعملوا شيئا , و كل ما عملوه أنهم عطلوا جهود العاملين .

شهداؤنا : (1) الاستاذ محمود أبو النجا من بلدة شمشيرة مركز فوه , كان مدرسا فى رشيد الابتدائية , وكان عضوا بالهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين .

القصيدة بالعدد رقم 604
9 جمادى الآخر سنة 1367 – 18 أبريل 1948 .

حمائم تبكى أن على الايك تسجع

وزهر ذوى أم طيبه يتضوع ؟

وخفقة قلب هل تراها من الجوى

أم القلب من فبض الهناءة مترع ؟

وهل غشيت نفس من الحزن ظلمة

أم النور من نبع العقيدة يلمع ؟

عجبت لنفس لا يقر قراراها

لها فى تفاسير الحوادث منزع

أغيرك يا محمود يجهش بالبكا

وانت عصى الدمع لا تتوجع

رويدكمو فالقلب أصدق عبرة

وللقلب مثل العين يا قوم مدمع

شباب من الاخوان كالزهر فى الربى

أو الأنجم الزهراء فى الأفق تطلع

على خلق القرآن شيدت نفوسهم

وفى ظل آيات الكتاب ترعرعوا

سقوا من معين كل فضيلة

وما الدين الا للفضائل منبع

وان كنت لا تعرف الى الآن ما الهدى

ففى شعب الاخوان للهدى موضع

الى اطهر الأصقاع ساروا يحفهم

جلال من الايمان بالنفس يرفع

قد هجروا أوطانهم وديارهم

وبالروح للقطر الشقيق تطوعوا

وعالوا من الدنيا الغرور متاعها

ولله فى شوق الى الله أسرعوا

وليست حياة الطهر للناس متعة

وأن يأكلوا ما يشتهمون فيشبعوا

تراهم من اللذات تضوى جسومهم

وتأكلهم لذاتهم والتمتع

حياة كما تحيا السوائم قد خلت

من الروح لا تسمو ولا ترفع

هجمتم على (ديروم) أسدا بواسلا

وانتم من الاسد البواسل أشجع

فكنتم قضاء الله ينزل مبرما

على الظالم الباغى يخيف ويفزع

ونلتم من الصهيون نصرا مؤزرا

وللنصر أجر فى المعرك يدفع

عزاء لمفجوعى الضحايا وآلهم

وللخطب فى مصر العزيزة أفجع

فكل الذى فوق البسيطة سائر

وليس لنا الا الله مرجع

جيش لانقاذ فلسطين

جيش لانقاذ فلسطين من الاستعمار والصهيونية.

أعدت الكتيبة الاولى للإخوان المسلمون من عشرة آلاف من الشباب المجاهدين استعدادا للزحف عند أول اشارة .

الاخوان وحرب فلسطين

ليس فى وسعى أن أسجل كل الاحداث والمواقف التى حدثت فى حرب فلسطين حتى ولا فى حدود المكان الذى عشت فيه مع قوات الجيش المعسكرة فى قطاع غزة لأن هذا فوق طاقتى ولكننى أستسمح القارىء فى ان أنقل له بعض الفقرات من كتاب ( الاخوان المسلمونفى حرب فلسطين ) للأخ الاستاذ كامل الشريف – حتى اعطى أخى القارىء بعض الحقائق التاريخية التى غابت عن أذهان جيلنا أو الجيل المعاصر حتى تكون شاهدا على بعض جهاد الاخوان المسلمونوبعض ما يحاك لهم من مؤامرات على مستوى دول العالم .

وسوف أنقل من الكتاب بعض موضوعات تعطى اشارة الى ما أقصد التنويه اليه ويمكن الرجوع لهذا الكتاب من باب أولى .

مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب الإخوان المسلمون فى حرب فلسطين

فى هذه الصفحات انصاف لأمتنا وتكريم لها . فهى تذكرها بأن سجل الجهاد الشعبى فى فلسطين حافل بالبطولات والتضحيات التى تشرفها وتبعث الأمل فى مستقبلها , رغم ما أصابها من نكسات وهزائم على يد حكام لا هم لهم اى التشبث بمقاعد الحكم ولو دفعوا ثمن ذلك من كرامة أمتهم وحقوقها وشرفها من دماء أبطالها الذين ضربوا أروع أمثلة التضحية والجهاد فى سبيلها .

هذه الصفحات تسجل بطولات الفدائيين من الاخوان المسلمون الذين تطوعوا فى معارك فلسطين عام 1948 وتروى مأساتهم .

ومأساتهم كما يسجلها التاريخ : أنهم اختاروا طريقا غير الطريق الذى سار فيه حكام مصر فى ذلك الوقت , فغدر بهم اولئك الحكام وشهروا بهم وتآمروا عليهم وطعنوهم من الخلف .

لقد كان طريق الاخوان المسلمونواضحا وضوح العقيدة التى آمنوا بها , وكان صريحا كصراحة ارادة الأمة المنافحة عن حقوقها وكرامتها فقد سارع المتطوعون منهم الى ميادين القتال فى فلسطين , ليس لهم الا هدف واحد هو الاستشهاد أو النصر , فلم يستسلم واحد منهم ولم يأخذ العدو منهم أسيرا واحدا .

أما طريق حكام مصر فى ذلك الوقت , فكان طريق النفاق والخديعة , فقد أرسلوا جيوشهم وجحافلهم الى فلسطين بين دقات الطبول وضجيج الدعايات وبين الخطب والأناشيد , استرضاء للجماهير ونفاقا لها , سعيا وراء النفوذ وطلبا للزعامة والسيطرة , لا فى سبيل الله ولا من أجل فلسطين , فلم يخطر ببالهم أن يضحوا بمقاعد الحكم والسلطان فى سبيل فلسطين , ولا فى سبيل شعب فلسطين , ولا فى سبيل شرف أمتهم ومجدها , لأن الحكم كان هو الغاية , وفلسطين لم تكن الا الوسيلة , ومن كان حريصا على الحكم فهو اشد حرصا على الحياة , فلا يمكن أن يلتقى منطق الحكام الحريصين على الحياة وعلى الحكم مع منطق الفدائيين المتطوعين الحريصين على التضحية والاستشهاد , ومن هنا كانت المأساة .

بدأت المأساة عندما لاحت للحكام بوادر الخطر على مقاعد حكمهم فى مصر , فنسوا فلسطين وشعب فلسطين , ونسوا وعودهم وعهودهم وتنكروا لتصريحاتهم وخطبهم وسارعوا – فى غفلى من الجماهير – الى الاتصالات السرية والعلنية مع العدو أو مع حلفائه ووسطائه , لضمنوا لأنفسهم مقاعد الحكم التى يجلسون عليها فى مصر , ولو اقتضى ذلك التخلى عن فلسطين , والغدر بشعب فلسطين , وكل من يصمد فى الدفاع عنها من الاخوان المسلمونوغيرهم .

وبينما كان متطوعوا الاخوان المسلمونيواجهون العدو فى ميادين النضال والاستشهاد فى فلسطين , طعنهم حكام مصر من الخلف , فاختلقوا اسبابا لحل الجماعة ومطاردة أعضائها وأنصارها فى مصر , و بعثوا من يوسوس للمتطوعين فى فلسطين بأن يعودوا الى مصر لينقذوا نساءهم وأطفالهم من التشريد والضياع , ولكن مرشدهم الشهيد كتب لهم يثبتهم فى ميدان القتال فى فلسطين قائلا " أيها الاخوان لا يهمكم ما يجرى فى مصر فان مهمتكم هى مقاتلة الصهيونيين وما دام فى فلسطين صهيونى واحد فان مهمتكم لم تنته " .

كان الثبات فى ميادين القتال من جانب المتطوعين من الاخوان المسلمونلا يحقق أغراض الحكام الذين يمهدون للانسحاب ويسعون للهدنة والاستسلام , حرصا على مقاعد الحكم , فتمادوا فى غدرهم بالمتطوعين والتآمر على الاخوان المسلمون, فقتلوا زعيمهم حسن البنا بيد عملاء حكام مصر , ثم أصدروا أوامرهم باعتقال المتطوعين المجاهدين وتجريدهم من سلاحهم ونقلهم من ميادين الجهاد والقتال فى فلسطين الى السجون ومعسكرات الاعتقال . . فى مصر .

وتمت المأساة عندما وقع حكام مصر الهدنة مع الصهيونيين المعتدين فى عام 1949 بينما كان الفدائيون المتطوعون من الاخوان المسلمونداخل السجون والمعتقلات التى اعدها لهم حكام مصر .

ومنذ ذلك التاريخ تكررت المأساة مرتين أخريين خلال جيل واحد , ففى عام 1956 سجل الصهيونيون انتصارا ثانيا بينما كان الاخوان المسلمونداخل السجون والمعتقلات التى اعيدوا اليها وامتلأت بهم مرة ثانية , ثم أعاد الصهيونيون الكرة فسجلوا انتصارهم الثالث عام 1967 بينما كان الاخوان المسلمونيرسفون فى القيود والاغلال وراء أسوار السجون والمعتقلات فى مصر للمرة الثالثة .

ويستطيع المؤرخ أن يحسد حكام مصر على قدرتهم فى كل مرة على ابتكار الاسباب والوسائل لاضطهاد الاخوان المسلمونومطاردتهم كلما عزموا سرا أو علنا على الدخول فى مساومات للاستسلام , و لكن تلك الاسباب المبتكرة لا تخفى الحقيقة الثابتة التى تكررت وتأكدت وتواترت وهى أن اضطهاد الاخوان كان دائما شرطا من شروط الاستسلام ومتلازما مع الهزائم التى لا تزيد الحكام الا تشبثا بمقاعد الحكم ومقاليد السيطرة فى مصر , لكى يحتموا بها من غضبة الشعوب التى تطالبهم بالحساب عن أخطائهم التى جرت عليها الهزائم والكوارث .

ولكن للأمم منطقا يختلف عن منطق الحكام ( لأن انتقامها كالقدر الذى يمهل ولا يهمل ) فهى لابد أن تحاسب أولئك الذين فرطوا فى حقوقها وكرامتها , ولابد كذلك أن تنتقم ممن اضطهدوا أبطالهم المجاهدين المدافعين عن حقوقها ومصيرها الذين لا يعرفون الا طريق التضحية والفداء , سواء منهم الذين استشهدوا أو الذين يتحملون الاضطهاد والظلم , ثابتين على عهدهم الذى عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا .

الاخوان وقضية فلسطين

( ان كل ارض يقال فيها لا اله الا الله محمد رسول الله هى حزء من وطننا له حرمته وقداسته , والاخلاص له والجهاد فى سبيل خيره ) حسن البنا

لم يكن اهتمام الاخوان بقضية فلسطين وليد الحوادث الأخيرة التى اعقبت قرار التقسيم ولكنه سبق ذلك التاريخ بزمن طويل , فالاخوان " كهيئة اسلامية عالمية " كانت تضع فى برامجها مهمة الدفاع عن القضايا الاسلامية فى مختلف أنحاء المعمورة , وكانت دورهم دائم موئلا للمجاهدين من مختلف بلاد العروبة ومواطن الاسلام , وكان لفلسطين دائما المقام الأوفى من عنايتهم واهتمامهم فهى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وهى تحتل مركزا وسطا فى البلاد العربية , وضياعها يعزل العالم الاسلامى بعضه عن بعض , ولو نجح اليهود فى احتلالها لأصبحت دائما مباءة خطرة لعناصر الشر , وبركانا زاخرا بالنار يزعزع أمن البلاد العربية وسلامها .

وحين وضحت نيات السياسة البريطانية فى فلسطين , أخذ الاخوان يعقدون المؤتمرات تباعا ويبينون للشعوب والحكومات حقيقة هذا الخطر الذى يهدد كيانهم ومستقبلهم , حتى نجحوا فى اشراك العالم الاسلامى كله فى هذه القضية وباتت قضية المسلمين والعرب لا قضية أهل فلسطين وحدهم , وحين قامت القلاقل فى فلسطين أخذوا يمدون المجاهدين بما يقع فى أيديهم من مال وسلاح , حتى كانت ثورة 1936 حين نجح عدد من شبابهم فى التسلل اليها والاشتراك مع الثوار فى جهادهم وخاصة فى مناطق الشمال حيث عملوا مع المجاهد العربى الكبير الشيخ عز الدين القساك .

وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية أخذ الاخوان يعملون للقضية عملا ايجابيا , فأرسلوا وفودا من دعاتهم وشبابهم يؤلبون العرب ويستحثونهم للكفاح , ويتولى نفر منهم تدريب الشباب الفلسطينى تدريبا سريا , و لقد نجحوا فى ذلك الى حد بعيد حتى اصبحت شعبهم ودورهم هى مراكز القيادة وساحات التدريب , ولا يزال أهل فلسطين يذكرون لدعاة الاخوان المسلموندورهم الخطير فى توجيه الشباب العربى نحو ميادين الفداء والاستشهاد كما يذكرون ما بذله مدربوهم من جهود جبارة صامتة من اجل تدريب شباب فلسطين استعدادا لخوض المعارك دفاعا عن وطنهم .

ولقد أدرك اليهود ما ينطوى عليه هذا التدخل من خطر شديد على اهدافهم وخططهم فقاموا ينشرون المقالات الطوال فى صحف أوروبا وأمريكا ويرمون فيها الاخوان بالتهم الخطيرة ويحاولون اظهار حقيقة الاخوان ومخاطرهم على مصالح الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا , وكانوا يحاولون بذلك استعداء الحكومة الأمريكية لتقوم بعمل حاسم وسريع , وتستاصل هذا الخطر الاسلامى الذى يهدد مصالحها بالزوال , وليس أدل على ذلك من مقال كتبته فتاة صهيونية تدعى ( روشكاريف ) ونشرته لها جريدة ( الصنداى تايمز ) فى مطلع عام 1948 ونقلته جريدة المصرى لقرائها فى حينه ونحن بدورنا ننقل أهم ما جاء به من التهم , ليرى القارىء مدى النجاح الذى أحرزته الدعاية اليهودية حين أقنعت حكومات اوروبا بخطورة حركة الاخوان ودفعتها لمحاربتها بشدة , و كانت الاسلحة التى وجهتها – مع بالغ الاسف 0 هى تلك الطائفة المنكودة من المتزعمين والمستوزرين ...

" ان الاخوان المسلمونيحاولون اقناع العرب بأنهم أسمى الشعوب على وجه البسيطة وان الاسلام هو خير الأديان وافضل قانون تحيا عليه شعوب الأرض كلها "

ثم استطردت تصف خطورة حركة الاخوان فقالت :

" والآن وقد اصبح الاخوان المسلمونينادون بالاستعداد للمعركة الفاصلة التى توجه ضد التدخل المادى للولايات المتحدة فى شؤون الشرق الاوسط وأصبحوا يطلبون من كل مسلم الا يتعاون مه هيئة الامم المتحدة فقد حان الوقت للشعب الامريكى ان يعرف أى حركة هذه واى رجال يتسترون وراء هذا الاسم الرومانتيكى الجذاب اسم الاخوان المسلمون" .

وقال : ( وهذا هو بيت القصيد )

"ان اليهود فى فلسطين الآن هو أعنف خصوم الاخوان المسلمونولذلك كان اليهود الهدف الاساسى لعدوان الاخوان وقد قام أتباعهم بهدم أملاك اليهود ونهب أموالهم فى كثير من مدن الشرق الأوسط وهو يعدون الآن العدة للاعتداء الدموى على اليهود فى عدن والبحرين وقد هاجموا دور المفوضيات والقنصليات الأمريكية , و طالبوا علنا بانسحاب الدول العربية من هيئة الامم المتحدة "

وبعد هجوم عنيف على سماحة المفتى الاكبر وعلى فضيلة الإمام الشهيد ختمت مقالها قائلة :

"واذا كان المدافعون عن فلسطين – اى اليهود – يطالبون الآن مجلس الأمن بارسال قوة دولية لتنفيذ مشروع التقسيم الذى أقرته هيئة الأمم المتحدة , فانهم لا يطالبون بذلك لأن الدولة اليهودية فى حاجة الى الدفاع عن نفسها ولكنهم يريدون ارسال هذه القوة الدولية الى فلسطين لتواجه رجال الاخوان المسلمونوجها لوجه , وبذلك يدرك العالم كله الخطر الحقيقى الذى تمثله هذه الحركة . "

"واذا لم يدرك العالم هذه الحقيقة فى وقت قريب , فان أوروبا ستشهد ما شهدته فى العقد الماضى من القرن الحالى , اذ واجهتها حركة فاشية نازية فقد تواجهها فى العقد الحالى امبراطورية اسلامية فاشية , تمتد من شمالى أفريقيا الى الباكستان ومن تركيا الىالمحيط الهندى "

ولم يكن هذا المقال هو الأول من نوعه اذ دأبت الصحف على نشر مقالات طويلة من هذا النوع , ولم يضيع الاخوان جهدهم فى مناقشة هذه الاقوال اذ كانوا يعدون العدة لمنلقشتها عمليا حين تلتحم الأسلحة ويبدأ دورها الرهيب فمضوا فى خطتهم واستمرت وفودهم ودعاتهم تؤدى دورها الجليل حتى تشكلت المنظمات العسكرية .

وحين تشكلت المنظمات العسكرية العربية واخذت تمارس تدريبها قام خلاف بين قواد النجادة والفتوة وفطن الاخوان للخطر الكبير الذى ينطوى عليه هذا الخلاف فقاموا بمحاولات كثيرة للتوفيق بين وجهات النظر المتعارضة انتهت باختيار المجاهد الكبير الصاغ محمود لبيب وكيل الاخوان المسلمونللشئون العسكرية حينئذ منظما لهذه التشكيلات فقبل هذا العمل الجليل وسافر الى فلسطين واخذخ يباشر تنفيذ برنامجه الذى أعده لتدريبها وتنظيمها ولكن لم تمض الا فترة وجيزة حتى فطنت حكومة الانتداب الى هذه المحاولة وفهمت ان الدعوة الاسلامية تريد أن تزاحم لتحتل مكان القيادة فى النضال المتظر , ومعنى ذلك بوضوح أن تنقلب خطط الانجليز رأسا على عقب وتفشل سياستهم فى فلسطين , فقاموا بمطاردة دعاة الاخوان وشبابهم وامر الضاغ محمود لبيب بمغادرة البلاد ولقد قدر لكاتب هذه الصفحات أن يشهد بنفسه ناحية من نواحى الارهاق التى عاناها الاخوان فى فلسطين خلال تلك الفترة القاسية , هذا فى فلسطين.

أما فى مصر , فقد كان دور الاخوان رئيسيا فى تسييرالأمور على النحو الذى سارت عليه , ويجدر بنا قبل أن نتكلم عن دورهم العسكرى خلال الحرب أن نبين أثرهم البالغ فى تهيئة الأمة لقبول فكرة الحرب .

اذ المعروف أن الجيش المصرى لم يشترك فى الحرب الفلسطينية الا استجابة لرغبة الشعب وتمشيا مع ارادته , تلك الارادة التى ظهرت بوضوح فى المظاهرات الكبرى التى قادها الاخوان وعمت أنحاء البلاد , مطالبة الحكومة بالتدخل الحاسم للقضاء على الدولة الصهيونية الوليدة , قبل أن تستقر أقدامها , ويشتد عودها , وكان اجماع الشعب على هذا الرأى اعلانا لروح جديدة أخذت تسرى فى أوصاله , بعد أن مزقه الاستعمار ونجح فى قتل روح الجهاد فى نفوس أبناءه , وعلمه زعماؤه نوعا سقيما من الجهاد لا يتجاوز القاء خطب عصماء أو السير فى مظاهرة عاتية تحطم واجهات وتقلب عربات الترام , وتصل أقصاها من العنف والقوة حين تقذف وجوه رجال البوليس بالحجارة .

وكانت هذه الروح وليدة كفاح مرير دام عشرين عاما , وثمرة جهاد متواصل لعوامل الضعف والانحلال لتحويل الشعب عن هذا الطريق الخاطىء وتهيئة صحيحة لتحمل أعباء الجهاد المنتج , والاقبال على تضحياته وتكاليفه , ولقد وضحت هذه النتيجة بأجلى مظاهرها , حين اصر الشعب كله على ضرورة العمل الايجابى السريع لانقاذ فلسطين والوقوف أمام أطماع الصهيوينة , و لو أدى ذلك الى ادخال الجيش والمساهمة فى القضاء على الدولة الآثمة , و لقد ساعد الاخوان فى تحقيق هدفهم هذا كثرة شعبهم التى امتدت فى مدن القطر وقراه , واجتمع فيها خلاصة شباب مصر المؤمن وكثرة خطبائهم ودعاتهم الذين كانوا يجوبون المدن والقرى داعين الناس الىالجهاد الدينى لانقاذ الأرض المباركة من خصوم الاسلام الألداء فقامت فى البلاد ثورة اسلامية عنيفة كان من ثمارها تلك الحشود الهائلة من شباب مصر , التى كانت تتوجه لمراكز الدعوة , وكلها شوق الى القتال , وتحرق للجهاد والاستشهاد ولن يستطيع مكابر أن ينكر على الاخوان جهادهم فى هذا السبيل , أو يقلل من اهمية هذا الدور التمهيدى للحرب الذى قاموا به فنجحوا فى تعبئة القوى الشعبية وتوجيهها وجهة صالحة ونجحوا فى حمل الأمة على قبول فكرة الحرب , بل والمطالبة بها فى اصرار وعناد , ووقوف الشعب كله بعد ذلك يؤيد جيشه المحارب ويتحمل فى سبيل ذلك الكثير من الضغط والتضييق فى حريته وأرزاقه .

وأود أن أبين أن هذه النتيجة ليست بالأمر الهين الميسور , اذ تقدم الدول المتحاربة وساستها كثيرا من الجهد والمال فى سبيل اقناع شعوبهم بالحرب , وتهيئتهم لخوض صعابها والوقوف أمام مصائبها وويلاتها , ويحدثنا التاريخ القريب كيف قام هتلر باقناع الأمة الألمانية أن الحرب هى الوسيلة الوحيدة لتخليص ألمانيا مما نزل بها من ظلم صارخ وما فرض عليها من قيود قاسية وفرضت عليها معاعهدة فرسايل وظل يؤجج نيران الأحقاد فترة طويلة من الزمن , وينفق فى سبيل ذلك ملايين الجنيهات حتى أصبح كل فرد فى ألمانيا يؤمن بالحرب وينادى بالاستعداد لها , ولم تكن هذه الأموال والجهود لتنفق عبثا , اذ ثبت أن هذه العقيدة هى التى جعلت ألمانيا تقدم على محاربة دول العالم جميعها , وتتقبل الهزائم المتوالية بعزيمة وجلد , وتظل تحارب بشجاعة – رغم تفوق خصومها وانهيار حلفائها – حتى آخر شبر من الأرض العزيزة كما كانوا يسمونها .

ولأهمية هذه الناحية فى الحروب يجعل العدو أقصى غايته تحطيم روح المقاومة فى الشعب حتى ينقلب على حكومته ويرغمها على الخروج من مسرح القتال وعدم المضى فيه , كما حدث فى روسيا فى نهاية الحرب العلمية الأولى , وكما حدث فى ايطاليا فى نهاية الحرب العالمية الثانية , حين ثار الشعب على حكومته – بفعل الهزائم المتوالية واستغلال دعايات الحلفاء لها – وكانت النتيجة تسليم ايطاليا واغتيال زعيمها الذى أشعل تلك الحرب .

ولعل هذا ما كان يرمى اليه اليهود من غاراتهم على القاهرة خلال الحرب الفلسطينية .

ولعلهم كانوا يعملون على اضعاف روح المقاومة فى الامة نتيجة الغارات وما تحدثه من هدم وتدمير فيؤثر الشعب السلامة والابتعاد عن مسرح القتال .

غير أن تربية الاخوان وتعاليمهم لم تذهب هباء , اذ ظل الشعب حتى آخر مراحل القتال وما صاحبها من هزائم وانسحابات يتمتع بروح معنوية عالية .

بل رأيناه يعمد الى القوة ليرغم الحكومة الضعيفة على عدم قبول الهدنة والتقيد بقرارات مجلس الأمن , ومواصلة القتال فى عنف وشدة ولا تزال هذه الروح تتألق فى صفوفه حتى اليوم , هذه الروح التى نأمل أن تواتيها الظروف مرة أخرى لتواصل الجهاد من جديد حتى تقوض أركان الدول الباغية وتعيد لفلسطين المباركة عروبتها واسلامها .

وبعد أن علمنا أثر الاخوان فى تهيئة الشعب للحرب , وبعد أن علمنا أهمية هذه النتيجة فى الجولة الماضيى وما يتبعها , مستطيع أن نحكم على عظم الدور الذى لعبه الاخوان فى هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ الأمة الاسلامية .

والاخوان بعد ذلك لم يكونوا مبتكرين ولا مجددين حين أولوا هذه الناحية كل عنايتهم , لأن الاسلام قد أولاها عظيم اهتمامه حين جاء ليثبت هذ المعانى فى نفوس المسلمين ويوضح لهم الطريق الذى تسلكه الأمم الحية ان ارادت أن ترد حقا مغتصبا , او تذود عن حياضها بحد السيف وصدق الله العظيم " ياايها النبى حرض المؤمنين على القتال " (1) سورة الانفال – 65 .

" ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الايام نداولها بين الناس " (2) سورة آل عمران " ولا تهنوا فى ابتغاء القوم ان تكونوا تألمون فانهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لم يرجون وكان الله عليما حكيما " (2) سورة النساء – 104 .

العقبات فى طريق الاخوان

قال الله تعالى : " قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لاخوانهم هلم الينا ولا يأتون البأس الا قليلا " (3) سورة الاحزاب – 18 .

لم تكن بريطانيا تجهل حركة الاخوان – كدعوة اسلامية – وأثرها على مصالح الاستعمار فى مختلف بلاد الاسلام , ولقد راع الانجليز وزاد فى مخاوفهم ما رأوه من اقبال الشباب على الجماعة , وانتظامهم فى سلكها , حتى تجاوز عددهم مئات الألوف , وتجاوزت فكرتهم حدود مصر الى غيرها من مختلف بلاد العروبة ومواطن الاسلام , حيث مناطق النفوذ البريطانى وحيث الأرض الطيبة التى حسبت بريطانيا أنها وقعت تحت يدها الى قيام الساعة .

رأى الإنجليز ذلك ورأوا معه أن هذه الجماعة تنحو منحا جديدا فى التنظيم والتكوين , فهى تعتمد على تربية الشباب وتكوينهم , لا علىاستغلالهم فى تهريج حزبى رخيص , وهى تجمع الشباب حول فكرة الاسلام ومبادئه القوية , لا حول أشخاص كل بضاعتهم أنهم يحسنون التغرير بالجماهير البائسة وتسخيرها لخدمة أغراضهم ومصالحهم , رأى الإنجليز هذا فأيقنوا أنهم أمام الخطر الأكبر الذى يهدد مصالحهم بالزوال .

ورأت الاحزاب أن سامرها قد انفضت سوقه وخلت الا من بعض الوصوليين الذى ينتظرون دورة الحكم ليشبعوا بطونهم وشهواتهم وبعض الجهلة من الشباب المأجور الذى يقتات من صناعة المظاهرات والهتافات بحياة الزعامات الخاوية , ولا يعلم له غاية يجاهد من أجلها ولا هدفا يعمل فى سبيل تحقيقه .

رأت الاحزاب الرجعية ذلك , فلم تتفق على امر طول حياتها بقدر ما اتفقت على محاربة الاخوان ومكافحة دعوتهم , واشتدت المعركة بين عوامل الهدم وعوامل البناء , المعركة الأزلية بين قوى الخير وقوى الشر .

وهنا أيضا التقى الاستعمار والحزبية , التقوا على محاربة فكرة الاسلام واطفاء نور دعوته حتى يعم الظلام من جديد , وفى الظلام يستطيع الاستعمار أن ينهب قوت الشعب ويسلبه عصارة حياته , وفى الظلام يستطيع الزعماء الحزبيون أن يضللوا الشعب ويبقوا فوق عروش القيادة , وحشود الشعب البائس تحملهم على أكتافها , وكما يحمل الغزاة الفاتحون .

وحين ازهرت سياسة الإنجليز فى فلسطين وأشرفت على الاثمار والنضوج , انتفضت البلاد الاسلامية فى ثورة عنيفة منابعها دور الاخوان ومراكزهم , ولما اشتعلت الحرب وأصبحت حقيقة لا مفر منها قام الاخوان يفتتحون المعسكرات ويدعون شبابهم لحمل السلاح ويمدون المجاهدين العرب بكميات وفيرة من التعاد , ورأى الإنجليز ما فى الحركات من خطر يصيب سياستهم فى الصميم فعملوا على ابعادهم عن الحرب ومنعهم من دخولها بكل وسيلة , ولقد رأينا ما كان من أمر الصاغ محمود لبيب وغيره من دعاة الاخوان وشبابهم , وكيف طاردتهم سلطات الاحتلال وأرغمتهم على مغادرة البلاد ثم أحاطت الحدود بحراسة شديدة دقيقة لتمنع أى أحد منهم من دخول البلاد مرة أخرى .

ولقد حاولت بنفسى دخول البلاد فى نوفمبر 1947 فوجدت صعوبة كبيرة , و أرغمت علىالعودة أكثر من مرة حتى اضطررت الى قطع مسافات طويلة سيرا على الاقدام , وظللت أتنقل بحذر حتى أستقر بى المقام فى مدينة يافا وكانت الحركات العسكرية قد بدأت تتسع وتزيد حدتها وأذكر أننى بعد وصولى بأيام كنت أقود دورية من دوريات الاستكشاف والمعارك على أشدها فى الشمال .

وكان الوقت ليلا ووجهتنا ضاحية من الضواحى المحيطة بتل أبيب وفجأة رأينا السيارات الانجليزية المدرعة تلاحقنا وتحيط بنا ثم ترغمنا على التسليم , ولم نكن نملك وسائل المقاومة أمام هذه القوة المسلحة فسلمنا , ونزل الجنود الإنجليز يفتشون ملابسنا ويصادرون ما معنا من سلاح وذخيرة ثم يقتادوننا فى آخر الأمر لأقرب مركز من مراكز الجيش , و هناك بدأ استجواب الأسرى البائسين .

قال الضابط الإنجليزى : " أنتم يا معشر الاخوان تحاولون اثارة القلاقل فى فلسطين , ولا تدعون فرصة من الفرص حتى تنتهزوها للوصول الى هذه الغاية , ولقد قمنا وراءكم الليلة بناء على معلومات حصل عليها أحد عيوننا المكلفين بمراقبتكم وتقصى أخباركم " .

ثم أخذ يوجه الى الأسئلة – وقد علم أننى مصرى الجنسية من البطاقة التى وجدها معى – وكنت أجيبه بشدة أغاظته , فأمر جنوده فدفعوا بى الى احدى الحجرات المظلمة وهو يهدد ويتوعد , وظللت ساعات فى تلك الحجرة الكريهة , ثم فتح الباب احد الحراس واقتادونى الى الخارج فوجدت اخوانا وقد شحنوا فى السيارات المدرعة تمهيدا لنقلنا جميعا الى مركز رئاسة الجيش فى المنطقة .

وخشيت سوء العاقبة وكان أقلها القائى فى السجن دون سؤال أو جواب عدة شهور كما حدث لكثيرين من قبل , أوتسليمى لليهود كما حدث قبل أيام حين رأى الإنجليز أعرابيا يحوم حول احدى المستعمرات وسلمته لليهود لمحاكمته فى تل ابيب وحوكم فعلا أما محكمة يهودية وبرأته المحكمة وأطلقت سراحه فى شوارع المدينة ولكنه لم يعد الى أهله اذ تمكن اليهود من قتله فى احدى حدائق البرتقال .

كنت أفكر فى هذا المصير والسيارات تنقلنا الى هدف مجهول , ولاحظت أن السيارة تمر باحدى الحدائق الكثيفة فقذفت بنفسى منها وانفلت الى داخل الحديقة والطلقات النارية تلاحقنى , ولكننى نجوت وظل الانجليز فترة طويلة يبحثون عنى ولكن دون جدوى اذ كنت قد اختفيت فى الريف حتى تهدأ العاصفة أما اخواننا الآخرون فقد حوكموا وسجنوا , وأما الأسلحة فقد صودرت ولكن بقيت هذه الواقعة مثلا دامغا لطغيان الانجليز وبرهانا على تآمرهم مع الغزاة المعتدين .

ولم تكن هذه الخطط لتصرف الاخوان عن مواصلة الجهاد , اذ أخذت مراكزهم وشعبهم فى فلسطين تنظم حركة المقاومة على قدر ما تسمح به مواردها المحدودة , وأخذ شباب الاخوان فى مصر يتسللون فرادى للاشتراك مع العرب فى حرب العصابات التى قامت على أشدها فى ذلك الحين , ومما يجدر ذكره فى هذا المجال أن اليهود كانوا يعتبرون الاخوان مجرمى حرب وعلى ذلك فلا يجوز معاملتهم كأسرى حرب , بل كانوا يقتلونهم ويشوهون أجسامهم , ولقد رأيت بعينى اليهود يمسكون بالمجاهد الكريم مختار منصور من اخوان القاهرة فى احدى المعارك التى دارت حول مدينة يافا ويقذفون به الى احدى مصفحاتهم ولم أعرف مصيره حتى التقى بى بعض العرب ممن اشتركوا فى المعركة , وكان نصيبهم الأسر , فقالوا لى ان اليهود انتقوه من بينهم وأطلقوا عليه النار , وقد عرفوه من البطاقة التى يحملها ومن لحيته الخفيفة التى كانت تستدير حول وجهه , وأعود الى موقف بريطانيا من الاخوان فأقول ان هذه الحالة كانت تجرى على الاخوان وغيرهم من المجاهدين بحجة المحافظة على فلسطين وأمنها , وقت أن كان البحر يقذف الألوف من المهاجرين ممن تم تدريبهم واعدادهم فى بلدان أوروبا وأمريكا ويقوم الأسطول البريطانى المغوار بحراسة سفن المهاجرين من اليهود .

ظلت هذ الحالة قائم ة على أشدها , فالإنجليز يطاردون المجاهدين العرب ويحرمون عليهم القيام بالغارات على المستعمرات , وتشترك مدرعاتهم فى حماية القوافل اليهودية وتتعاون معهم فعلا فى كثير من المعارك , ولقد شاهدت بعينى خلال شهر ديسمبر عام 1947 عددا كبيرا من الضباط الإنجليز يدربون فتيان وفتيات الهاجاناه على اعمال العصابات فى وادى اللطرون على مقربة من القدس , وأخيرا يختم الإنجليز احتلالهم البغيض بتسليم اليهود أمهات المدن والموانى العربية كما حدث ليافا وحيفا وعكا وغيرها من المدن والموانى .

جاء شهر مايو من عام 1948 وكان بداية تحول كبير فى مجرى الحوادث اذ انهى فيه الإنجليز انتدابهم وختموا آخر صفحة لسياستهم فى فلسطين وغادروها غير مأسوف عليهم , ودخلت الجيوش العربية من الشرق والغرب لتعيد الأمن الى نصابه , وظن الاخوان أنعهد التضييق والارهاب قد انتهى بانسحاب الإنجليز , وأنهم يستطيعون ألآن ادخال قواتهم دون خوف أو وجل , وأن الوقت قد آن ليفى مرشدهم العظيم بوعده فيدخل الى فلسطين عشرة آلاف مجاهد كدفعة أولى , كما سبق له ان قرر فى برقيته المشهورة التى بعث بها الى زعماء الدول العربية فى اجتماعهم فى عاليه .

ظن الاخوان ذلك ولكن جاءت الحوادث لتخلف ظنهم وتقنعهم أن سياسة الإنجليز باقية وان انسحب جنودهم من الميدان , وأنهم لا يزالون يحركون سياسة الحرب من وراء ستار , طلب الاخوان من حكومة النقراشي السماح لهم بذلك , مما اضطر بعضهم الى طلب السماح لهم بالقيام فى رحلة عملية الى سيناء فوافقت حكومة النقراشي بعد الحاح شديد , وحضرت تلك المجموعة الى سيناء وتسللت منها الى فلسطين سرا حيث لحقت بها دفعات أخرى تسللت بطرق مختلفة .

وكانت حيلة دخلوا بها الى فلسطين , وبدخول هذا الفوج فى فبراير عام 1948 بدأ القتال الفعلى فى صحراء النقب فأخذ يهاجم المستعمرات اليهودية بعناد وصلابة رغم قلة عدده وضعف أسلحته , وتجمع المستعمرات اليهودية بعناد وصلابة رغم قلة عدده وضعف أسلحته , وتجمع حولع المجاهدون من اهل فلسطين وبدأت حرب عصابات منظمة كانت تبشر بنجاح رائع , ومر شهران وعلمت الحكومة فطلبت الى المركز العام سحب قواته من النقب , وكان طبيعيا أن يرفض الاخوان فلم تجد الحكوم بدا من قطع الامدادات والتموين ومراقبة الحدود بشدة لتضمن عدم وصول شىء منها للمجاهدين حتى تضطرهم للعودة الى مصر , ورأى المجاهدون أنفسهم من خلال قتالهم الرائع يعيشون أياما طوالا على التمر والماء و وعلى الخبز اليسير الذى يشترونه من نقود قليلة يرسلها اهلوهم بين حين وآخر ولكن أين تذهب هذه الشدائد فى نفوس هيأها الله لحمل رسالته والجهاد فى سبيله ؟

ألم يكن اصحاب رسول الله يربطون الأحجار اذا أعوزتهم المؤونة واشتد بهم الجوع تلك هىالمثل العليا التى وضعها الاخوان أمام أعينهم وعاهدوا أنفسهم على الوصول اليها واذن فلتضرب حكومة النقراشي رأسها فى الصخر , ولتقطع التموين والامداد ولتمنع الهواء ان استطاعت , فان ذلك لن يغير من الموقف شيئا وسيظل المجاهدون فى ميدانهم حتى ينتصر الحق وتعلو كلمة الله .

بقى المجاهدون فى ميدانهم يعملون , ووجدوا من اخوانهم العرب كل معونة ورعاية حتى دخل الجيش المصرى البلاد وأخذ يهاجم المستعمرات اليهودية فى النقب , و اشترك الاخوان فى معظم العمليات الحربية التى قام بها , وكان طبيعيا أن ينقص عددهم بفعل المعارك الطاحنة وما سقط منهم فيه من الجرحى والشهداء .

وحتى فى تلك الأوقات الحرجة لم تحاول الحكومة أن تراجع موقفها فتسمح للاخوان بدخول الميدان لتعويض الخسائر الكبيرة التى لحقت بأفرادها , بل شددت رقابتها أكثر من ذى قبل , وكان الاخوان فى مصريعلمون حقيقة الموقف فى فلسطين ويتشوقون للحاق باخوانهم ولكن قيود الحكومة كانتتقف حائلا دون التنفيذ , مما اضطر كثيرا منهم الى المجىء سيرا على الاقدام و ولا زلت أذكر ذلك اليوم الذى حضرت فيه جماعة من الاخوان قوامها خمسة عشر شابا لم تكن تزيد أعمارهم عن السادسة عشرة , وكانوا كلهم طلابا فى المدارس الثانوية , وسألتهم عن سبب مجيئهم , فقالوا انهم يرغبون فى تأدية فريضة الجهاد بعد أن نجحوا فى امتحانهم لهذا العام ,ثم اخذوا يقصون على أنباء رحلتهم الشاقة وكيف غافلوا رجال البوليس وقفزوا الى عربات البضائع فى قطارات السكك الحديدية , وكيف ساروا فى صحراء سيناء الموحشة بمعونة دليل من البدو , وكنت أستمع اليهم وقد بلغت الدهشة منى كل مبلغ .

والأسئلة تتوارد على ذهنى يلاحق بعضها بعضا أهكذا تفعل تربية الاسلام فى نفوس الشبيبة ؟ وما الذى دفع هؤلاء الفتية الأحداث وجلهم من الطبقة المترفة الى تجشم هذه الصعاب وركوب هذا المركب الصعب ؟ اليس فى مصر الوف مؤلفة من أمثال هؤلاء الشباب يقضون أوقاتهم بين المسارح ودوراللهو وكانالجواب حاضرا انها العقيدة التى تسيطر على النفوس فتملؤها قوة وعزما وانه الاسلام الخالد قد عمل عمله فى هذه القلوب الفتية الغضة وسيرها حسب مشيته ووفق ارادته .

وتذكرت ذلك الطفل اليافع الذى صحب رسول الله فى احد غزواته وقاتل بشدة حتى استشهد بطلا , فأكرمه رسول الله ودفنه بيديه الشريفتين حتى تمنى أحد كبار الصحابة وعو عبد الله بن مسعود أن لو كان مكانه ونال ما ناله من اكرام رسول الله واعزازه وتذكرت تلك الحملة الصليبيو من الاطفال الذين جرفتهم العقيدة فغادروا أحضان امهاتهم بليل وركبوا المخاطر والصعاب حتى لاقوا حتفهم فى آخر الشوط فى الديار المقدسة وكانوا طعاما لحيتان البحر واسماكه تذكرت ذلك وتمنيت يومها أن أعيش حتى أرى هذا الجيل المسلم وقد أمسك بعجلة القيادة فى امته ومضى يوجهها نحو الخير والعظمة على أساس من هدى الاسلام ونوره .

وأفقت من تأملى على صوت أحدهم وهو يسأل عن موعد التدريب ولما يجف عرقه بعد الرحلة الشاقة التى قاساها فأجبته بما طمانه وبعث بهم الى عنبر الراحة لينالوا قسطا من الراحة والغذاء قبل البت فى مصيرهم وأسلمت نفسى الىتأملات عميقة وانا أردد قول الله تعالى " انهم فتية ءامنوا بربهم وزدناهم هد " (1) سورة الكهف – 13 .

الاخوان بعد قرار الحل ( معركة التبة 86 )

" ايها الاخوان : لا يهمكم ما يجرى فى مصر , فان مهمتكم هى مقاتلة اليهود , وما دام فى فلسطين يهودى واحد فان مهمتكم لم تنته " حسن البنا .

لم يؤثر قرار الحل فى سياسة الاخوان فى فلسطين , وظلوا يؤدون , واجبهم المقدس فى مجاهدة أعداء الله والاسلام , رغم ما كان يصلهم من أنباء مثيرة عن الارهاب الحكومى فى ارض الوطن .

وما كاد شهر ديسمبر ينتصف وتصل الحالة الداخلية فى مصر الى أسوأ مراحلها حتى استغل اليهود الفرصة , وقاموا بأعنف هجمات شهدتها حرب فلسطين وكان الاخوان فى ذلك الحين يعاد تدريبهم فى المعسكر , بعد أن قضوا أكثر من عام فى معارك متواصلة , مما تجدر الاشارة اليه أن اللواء فؤاد صادق كان قد افتتح بعض المدارس العسكرية فى رفح للتدريب على الاسلحة الصغيرة وفنون القتال وطلب انتسلاب نفر من الاخوان اليها ليعاد تدريبهم فبعثا عددا كبيرا من الاخوان ووزعناهم على الفرق المختلفة , ولقد كان اقبلهم علىالدرس والتدريب ورغبته الشديدة فى تعليم أساليب الحرب الحديثة مثار اعجاب الضباط الذين زاملوهم فى الدرس أو اتصلوا بهم .

ولما انتهت فترة التدريب اقترح القائد العام أن يظل الاخوان فى معسكراتهم ليكونوا قوة ضاربة تكون مستعدة دائما للدخول فى اية معركة.

ولم يطل الانتظار طويلا اذ نقض اليهود الهدنة فى 23 ديسمبر وهاجموا مرتفعا هاما حنوبى دير البلح يعرف باسم التبة 86 وكان نجاحهم فى احتلال هذا الموقع يعنى عزل حامية غزة وتمثيل مأساة الفالوجا مرةأخرى .

ولقد راينا كيف اضطر الجيش الى اخلاء مناطق برمتها عندما احتل اليهود موقعا مشابها عند بيت حانون وكان هذا ما يرمى اليه اليهود من معارك الطرق التى اتسمت بها حربهم فى فلسطين و ومن قطع مواصلات الجيش وارغامه على التقهقر ثم طلب الهدنة لتمكينهم من المحافظة على ما وقع فى أيديهم , وكان هذا ما أرادوا من احتلال مرتفع دير البلح الذى نتحدث عنه .

ولقد تحدث الى الأميرالاى محمود رأفت قائد قطاع دير البلح بالتليفون فى ساعة متأخرة من ليلة 23 ديسمبر وأخبرنى أن العدو قد نجح فى اختراق خطوطنا الأمامية فى دير البلح وانتزاع المرتفع من أيدى جنودنا الذين أذهلتهم المفاجأة وهو يتجمع الآن ويحاول الوصول الى طريق المواصلات الرئيسى ولكن قوات الجيش تحاول حصره فوق المرتفع حتى الصباح حيث يمكنا أن نقوم بهجمات مضادة لاسترداده وتطهيره ثم صارحنى بأن الموقف جد خطير , وأن هذه المعركة سوف يكون لها أثر بالغ فى النتيجة العامةللحرب , وختم حديثه طالبا ان يستعد الاخوان ليكونوا آخر ورقة تقذف بها فى وجه اليهود .

فألقيت سماعة التليفون وخرجت من المكتب وكانت أصوات الانفجارات العنيفة تسمع عن بعد فى جبهة القتال ,وطلقات الرصاص المضىء تمزق حجب الليل المظلم وترسم على صفحة السماء خطوطا حمراء متشابكة فأمرت بصفارة الانذار فأطلقت ولم تمر دقائق على اطلاقها حتى كان حراس المعسكر قد أخذوا مواضعهم الدفاعية , وتجمعت القوات الاحتياطية فى ارض التدريب وكل فصيلة امامها قائدها ومعها أسلحتها ومعداتها وتحركت مصفحات المعسكر وسياراته المدرعة وانتظمت فى تشكيلات الاستعداد واخذ قوادها يمدونها بحاجتها من البترول والماء ثم دعوت الاخوان المسئولين وشرحت لهم الموقف فى ايجاز وطلبت تجهيز سرية للاشتراك فى هذه المعركة وكانت المشكلة أمامى وأمام الاخوان المسلمونفى اقناع بعض الأفراد بالبقاء , فكل فصيلة تريد أن يكون لها شرف العمل دون غيرها , فلما وقع الاختيار على هبى ريح الجنة هبى ومضوا يعدون أسلحتهم ويستعدون لمنازلة العدو وبعد ساعة تحركت السيارات بمن فيها لترابط قريبا من ارض المعركة.

كانت نسمات الفجر تحمل الى انوف المحاربين رائحة البارود المحترق مختلطة بأنفاس الشهداء الأبرار وكانت أشعة الفجر الأولى تتسلل الى الميدان فتكشف معالمه شيئا فشيئا والغيوم تتكاثف وتلقى حمولتها من الماء فوق رؤوس المحاربين ,و كان اليهود حتى ذلك الحين لا يزالون فوق المرتفع الذى احتلوه ولا تزال مدافعهم تسيطر على مساحات شاسعة من الأراضى المنبسطة حوله .

ولم تكد الشمس ترسل أول أشعتها , حتى صدرت الأوامر لجنود الجيش بالتقدم فانسابوا فى افواج متلاحقة تريد أن تصل الى القمة وتطرد العدو كانت الشمس قد مالت الىالغروب حين اتهت المعركة , و أخذ الجنود يحتلون الموقع بعد فرار اليهود منه , أما جنود الاخوان فقد انسحبوا فى سكون وهدوء , بعد أن أخذوا معهم كميات وفيرة من الأسلحة الألمانية والروسية وأكداسا من القنابل والذخائر وكان الضباط يعانقونهم عند خروجهم ويهنئونهم بهذا النصر الحاسم ويشيدون بجهودهم وفضلهم .

ولقد سقط من الاخوان فى هذه المعركة وحدها عدد كبير من الجرحى والشهداء وكان أول الشهداء قائد الفصيلة المرحوم السيد محمد منصور من اخوان الشرقية ومما يروى عن هذا الشهيد المبرور أنه حين أصيب بالضربة القاتلة التف حوله نفر من اخوانه وشغلوا به عن الهجوم فنهرهم بشدة وحينما حملوه الى الخطوط الخلفية أفاق من غيبوبته وسألهم عن سير المعركة فأجابوه بما طمأن نفسه فابتسم وتمتم الحمد لله .

ولم يقف لسانه عن الدعاء لحظة اللهم انصر دعوتنا وحقق غايتنا حتى لفظ آخر أنفاسه الطاهرة ومضى الى جنة ربه الواسعة ليحمل البشرى الى سكانها أن شجرة الاسلام الخالدة قد بدأت تورق من جديد .

أما الشهيد حسن العزازي من اخوان العريش فقد أصيب بجرح فى كتفه وكان فى وسعه أن يعود ولكنه ظل يكافح بصعوبة , حتى احتمى بتنبؤ بارز فى مواجهة العدو وأخذ يقذف خنادقه برصاص مدفعه الرشاش حتى أسقط منهم عددا كبيرا مما اضطرهم الى تركيز نيرانهم عليه , فأصابته عدة طلقات فى مواضع مختلفة من جسمه , فسكت مدفعه وصعدت روحه الطاهرة بعد أن ثأر لنفسه ومتع نظره برؤية الدم الصهيونى المراق .

وقد كان عدد الجرحى كبيرا , و منهم من مئات متأثرا بجراحه بعد وصوله للمستشفى ومنهم من عاد فى ارساليات مرضية الى مصر , ثم أكمل علاجه فى معتقلات الطور وهاكستب ولا تظننى أمزح أيها القارىء الكريم فاننى لا أسجل الا الحق والصدق فان اثنين من جرحى هذه المعركة وهما المجاهدان عويس عبد الوهاب وسيد عيد يوسف قد نقلا بعد المعركة الى مستشفيات مصر لمعالجة جراحهما الخطيرة , ولكن البوليس السياسى أشار بنقلها الى الطور , ولعله خشى انضمامهما الى الجيش الارهابى السرى فأخرجا من المستشفيات وجراحهما لا تزال تنزف دما , وألقيا فى أحد العنابر الرطبة دون غذاء أو علاج , ولا يزال أحدهما يعانى ألما مرا من رصاصة مستقرة فى بدنه .

انتهت معركة دير البلح على الصورة التى ذكرنا وكان دور الاخوان فيها مفخرة كبرى من مفاخر هذه الدعوة وأثرها فى تكوين المجاهد الناجح , وبجانب الكسب الأدبى فقد غنم الاخوان عددا كبيرا من الاسلحةالرشاشة التى كانوا فىامس الحاجة اليها .

ولقد كلفهم هذا الانتصار الكثير من التضحيات فسقط منه فى المعركة عدد كبير من الجرحى والشهداء وكان يزيد فى عظم الخسارة استحالة تعويضهم من مصر , حيث كانت المذبحة قائمة على قدم وساق فى مصر , غير ان هذه الخسارة وما لابسها من ظروف ومحن لم تزعزع من ايمان الاخوان وثباتهم .

ولقد خشيت أن تكون كثرة الخسائر قد نالت من روحهم القوية فقمت فى الصباح الباكر بجولة بين حجراتهم فما وجدت للحزن أثرا , وما وجدت الا استبشارا وغبطة للنتيجة التىارادها الله , وكانوا يتناقلون فيما بينهم قصص البطولة التى سجلها شهداؤهم على ارض المعركة , ويمنى كل واحد منهم نفسه بنتيجة مماثلة ويرجو أن يكون حظه من جهاده طلقة تنقله الى رحاب الجنة , فالشهادة فى نظرهم ليست موتا ونهاية , ولكنها بداية لحياة هنيئة طيبة فى جوار الله ,فلم لا يتعجلونها وقد سمعوا بآذانهم آخر كلمات نطق بها المحظوظون السعداء من اخوانهم وهم يستريحون أولى نسمات الجنة , ويضعون أقدامهم على اولى درجات الحياة الباقية .

ولقد زارنى فى ذلك الصباح مندوب من قبل القائد العام , وأخبرنى أن اللواء فؤاد صادق يرغب فى مطالبة الحكومة بالانعام بأوسمة عسكرية رفيعة على الاخوان اشادة بفضلهم واعترافا بجهادهم فى هذه المعركة وغيرها , وهو يريد منى كتابة كشف بأسماء الاخوان الذين اشتركوا فى معركة الأمس , فمانعت فى البداية فى تقديم كشف لهذا السبب , وقلت ان الاخوان لا يعلمون بغية أوسمة وشارات , ولكنهم طلاب ثواب ومغفرة وليس لهم مطمع من جهادهم , غير الاحتفاظ بكرامة أمتهم وجيشهم والابقاء على عروبة فلسطين كجزء من وطنهم الاسلامى الكبير , فان حققوا ذل فقد وصلوا الى اقصى ما يريدون من نتائج , ولكنه ألح الحاحا شديدا وحاول اقناعى بأن الانعام على الاخوان لا يعد انتقاصا لبلائهم وثوابهم , بل هو اعتراف بفضل الدعوة التى صنعتهم .

وأمام هذا الالحاح لم أجد بدا من اجابة مطلبه , فأعطيته الكشف المطلوب وقد أخبرنى بعض ضباط الرئاسة ان اللواء فؤاد صادق تقدم للحكومة السعدية طالبا منح نياشين رفيعة للاخوان , غير ان الحكومة اعتبرت تنفيذ هذا المطلب اعترافا منها بجهاد الاخوان وحسن بلائهم ,فكيف توفق بين ذلك الاعتراف وبين خطتها فى القضاء على جماعة الاخوان وتشويه كل مظهر من مظاهر نشاطها .

وكيف توفق بين هذا المسلك , و بين ما تكتبه صحفها للعقاد وغيره من الكتاب المرتزقة وبحوث يدللون فيها على خيانة هذه الجماعة وتآمرهم مع اليهود فماطلت الحكومة السعدية زمنا طويلا وحاولت اقناع فؤاد صادق بالعدول عن مطلبه غير أن الرجل الشجاع أصر على ذلك واعتبر هذه المماطلة امتهانا لكرامته واحراجا لمركزه , مما اضطر الحكومة الى اجابة طلبه , فاختار حلا وسطا , وصدرت النشرة العسكرية فى مايو سنة 1948 تحمل أسماء خمسة عشر جنديا من الاخوان المسلمونالمصريين والفلسطينيين ورأت الحكومة أن تدارى موقفها المخجل فسمتهم فى نشرتها جماعة المتطوعين المصريين ثم تتابعت النشرات العسكرية تحمل الانعام على ابطال الإخوان المسلمونفى بيت لحم وصور باهر وغيرهما من المناطق ومن المضحك أن تصدر النشرات العسكرية وفيها اعتراف رسمى ببطولة جنود الاخوان فى الوقت الذى كان فيه هؤلاء الأبطال المنعم عليهم لا يزالون يقاسون مرارة الاعتقال ويعيشون كالمجرمين الخطرين خلف الأسلاك الشائكة فى معسكرات رفح والطور وهاكستب وهكذا أباحت العقلية المنكوسة لنفسها معاملة طائفة من الناس على انهم أبطال مغاوير ومجرمون خطرون فى آن واحد .

فى المستشفى العسكرى فى غزة

علمت ان الاخ محمود عبده قائد قوات الاخوان المسلمونفى منطقة جبل المكبر مصاب وموجود بمستشفى غزة العسكرى ومعه أيضا الأخ المهندس محمد فؤاد ابراهيم مصاب فى نفس المستشفى فقمت بزيارتهما مع مجموعة من الاخوان .

جريدة الاخوان اليومية

كانت جريدة الاخوان المسلموناليومية تصل الى ميدان القتال مجانا وكنت أترقبها بفارغ الصبر وكنت حين أعيش معها أتصور تماما أننى أعيش بين اخوانى سواء بسواء .

فضيلة الاستاذ الشيخ عمر صوان

تعرفت فى هذ الفترة بفضيلة الاستاذ الشيخ عمر صوان قاضى غزة وهو رجل مهيب من رجال الاسلام الذين يندر وجودهم فى هذا العصر , رجل متواضع اذا تحدث عم شخصية حسن البنا يتحدث عنه باحترام وتقدير , ورغم أنه فوق الستين عاما بل يقترب من السبيعن اى انه يتحدث مع أى انسان بروح المودة والألفة والاحترام , كان كثيرا ما يجهد نفسه معنا فلا ينصرف الى منزله حتى ينصرف الاخوان , يتحدث الينا بلا تكلف ولا استعلاء رغم أنه عالة المدينة الجليل , قدمنى له الاخ الاستاذ حسن النخال فقام الرجل مرحبا ومسلما بحرارة وعاطفة كلها حب وتحدث عن الدعوة حديثا فياضا ويتكلم كعنا عن مقابلته مع الاستاذ حسن البنا حين زيارته لشعبة غزة حديثا يفيض بصدق الايمان بالدعوة وعميق فهمه لها .

وبعد ذلك توالت اللقاءات معه فى الشعبة وقد دعانا الى منزله فاستقبلنا أحسن استقبال .

الملك فاروق يزور الميدان

استعدت القوات المحاربة فى ميدان القتال لاستقبال الملك فاروق , فقامت بعملية تفتيش على الوحدات وتنظيم عملية الاستقبال وتأمين الموكب الملكى .

وفى صباح آخر يوم من أيام شعبان 1367 الموافق 7 يوليو 1948 قام الركب الملكى من القاهرة متوجها الى العريش , ثم رفح , ثم غزة وفى ورش سلاح الصيانة نزل الملك وترجل مع حاشيته وقام بالمرور على أقسام الورش المختلفة , وكان يستفسر عن كل قسم ويتفقد أحوال الضباط وصف ضباط وجنود الوحدة , وبعد أن أتم رحلته عاد الى القاهرة مساء أن ودعه أهالى غزة كما استقبلوه بالحفاوة والترحيب , وعلى أثر هذه الزيارة وزعت ادارة الجيش هدايا رمزية على أفراد القوات المسلحة كان أبرزها ساعة مكتوب عليها بمناسبة زيارة الملك فاروق ميدان حرب فلسطين وعليها تاريخ الزيارة .

وقد أذاع كبير ياوران الديوان الملكى البيان التالى الذى وجهه جلالة الملك الى جنوده البواسل " ضباطى وجنودى البواسل زرتكم اليوم لأحمل اليكم تحية مصر ولأشاهد ما أديتموه فى ميادين القتال , وقد كان بودى أن تكون مصر كلها حولى لترى ما رأيته ولتشاركنى ما شعرت به من عظيم الفخر ببسالتكم وتضحياتكم فى خدمة الحق والوطن وسيظل هذا اليوم من أحب الأيام الى قلبى , سدد الله خطاكم وكتب لكم نصرا بعد نصر "

الهدنة الأولى فى حرب فلسطين

بينما كانت قوات الجيوش العربية مع قوات المجاهدين توجه ضربات مركزة للمستعمرات اليهودية وتتهيأ هذه القوات متضامنة فى قوة رائعة لاحتلال مدينة القدس الجديدة .

اذا بالدول تقبل الهدنة الأولى وتصدر أوامرها لجيوشها بتوقف عملية القتال لمدة أربعة أسابيع اعتبارا من 11 يونيو 1948 ولم تكن الهدنة فى حد ذاتها الا حيلة وخطة بارعة لاعطاء اليهود فرصة جديدة من الاستعداد المناسب حيث لم يكن لدى اليهود أسلحة ثقيلة ولا طائرات ولا معدات مثلما كان عند الجيوش العربية , ولقد كان من أعظم الاضرار التى أصابت الموقف العربى تلك النكسة فى العوامل النفسية والروحية والمعنوية للضباط والجنود , فقبل الاعلان عن الهدنة لم يكن أحد من هؤلاء جميعا يفكر فى العودة الى بلده أو يفكر فى أسرته وأولاده , وكانت حرارة الحماس للحرب على أشدها وكان الجميع مشغولون بتقصى أنباء الانتصارات والأمل يحدوهم فى دخول مدينة تل أبيب , وكان التعاطف والود والاخو والايثار من أعظم ما صنعته محنة الحرب فى نفوس المقاتلين .

حتى اذا صدر قرار الهدنة الأولى بدأت النفس تتراخى وتتطلع الى الراحة والدعة وتتشوق للعودة الى مصر , واشتغل وهيج عاطفتها حنينا الى الأبناء , فبدأ كل يسعى لطلب اجازة أو عمل تغيير مع بعض الزملاء وتسابق الكثير فى هذا المضمار , من أفدح ما اصاب الروح المعنوية انتشار المخدرات فى محط الجنود وخاصة الحشيش ذلك السم الذى بدأ يتفشى بسبب الفراغ الذى حل بعد مشغلة عنيفة مستمرة ليل نهار بين فزع وجزع وخوف , بين أصوات القنابل وطلقات المدافع التى لا تهدأ .

وكان من المعروف أنه فى حالة صدور قرار الهدنة أو الاتفاق عليها يجب على كل جانب أن يقف حيث كان يقف عند صدور الاتفاق , فلا يتحرك ولا يتقدم – لاحتلال مناطق جديدة , ولكن الذى حدث أن اليهود انتهزوا فرصة استجابة الجيوش العربية لحرفية الاتفاق وقاموا بعملية خاطفة وسريعة لاحتلال بعض المناطق وبعض الأرض مخالفين بذلك اتفاق الهدنة .

دفن جثث الشهداء

بقيت جثث القتلى بين الجانبين اليهودى والمصرى ملقاه على الأرض فى العراء والصحراء بالقرب من المستعمرات ولا يستطيع أحد الطرفين الاقتراب منها , حتى أعلنت الهدنة وتدخل الصليب الأحمر لتمكين كل طرف من استلام الجثث التابعة له , وكان اليهود – بطبعهم – حريصين على سحب جثث قتلاهم عقب كل معركة , وذات يوم بعد العشاء توجهت كالعادة لزيارة قبور الشهداء وأكثرهم من جماعة الاخوان المسلمون, فراعنى أن رايت بعض سيارات الجيش والمستشفى العسكرى يدفنون شهداء المعارك , وكان من الصعب تمييز الجثث بعضها عن بعض , اللهم الا ذا كان الشهداء من الضباط فانهم يتميزون يزيهم الخاص , أما بقية الشهداء فليس هناك ما يميزهم , وعدت من الزيارة مغموما مهموما لما رأيت من عاقبة الانسان فى هذ الحياة ولعلى بقيت عدة أيام لا أجد طعما للحياة على أثر رؤيتى لهذه المناظر البشعة .

خطاب من النقراشي باشا الى الكونت برنادوت

جناب الكونت

استلمت مذكرتكم المؤرخة فى 7 يوينو 1948 والمشتملة على مقترحاتكم النهائية الخاصة بتنفيذ قرار مجلس الأمن الصادر فى 29 مايو 1948 بوقف الفتال فى فلسطين لمدة أربعة أسابيع .

وأتشرف بالاحاطة علما باسم الحكومة المصرية والسعودية العربية واللبنانية والسورية بأننا نوافق على تلك المقترحات تأكيدا لصادق رغبتنا فى التعاون مع الأمم المتحدة للوصول الى حل سلمى عادل لقضية فلسطين , كما توافق الحكومات التى أنطق باسمها على أن يكون بدء الربع أسابيع المشار اليها اعتبار من يوم الجمعة 11 يوينو 1948 الساعة السادسة صباحا بتوقيت جرينتش , وأود أن أبين أن الدول العربية تثق تماما فى حرصكم على تطبيق قرار مجلس الأمن تطبيقا عادلا منصفا .

وأنتهز الفرصة لاجدد لجنابكم الاعراب عن عظيم احترامنا .

رئيس مجلس الوزراء . محمود فهمى النقراشى .

الاستاذ البنا يتحدث فى الاذاعة

ألقى الاستاذ حسن البنا كلمة فى الاذاعة المصرية مساء الخميس 3 شعبان 11 يونيو 1948 نيابة عن هيئة وادى النيل لانقاذ فلسطين جاء فى آخرها :

" ياايها المستمعون الكرام ..

القصة لو تنته بعد , والرواية لم تتم فصولها , ولا ندرى ما يأتى به الغد , فيا أيتها الشعوب العربية : لا تدعى اليقظة .. ويا أيتها الحكومات كونى على حذر " فلا تهنوا وتدعوا الى السلم وانتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم " (1) سورة محمد – 35 .

مقتل القاضى أحمد بك الخازندار

كان القاضى أحمد بك الخازندرا هو القاضى الذى أصدر أحكاما قاسية على مجموعة من شباب حزب مصر الفتاة بسبب قيامها بنسف النادى الانجليزى بمدينة الأسكندرية , وفى نفس الوقت أصدر حكما بسيطا على المدعو حسن قناوى الذى اتهم فى قضية مشهورة سميت بقضية سفاح الأسكندرية حيث كان يتصيد الشبان ويقترف معهم الفاحشة ثم يقتلهم فى حديقة الشلالات بالأسكندرية , وفى يوم من ايام شهر مارس 1948 بضاحية حلوان بالقاهرة وحين كان يخرج من منزله باغته اثنان من الشبان وأطلقا عليه النار فخر صريعا , وتبين بعد ذلك أن الشابين – وهما حسن عبد الحافظ ومحمود زينهم – ينتميان الى جماعة الاخوان المسلمون, وكان لهذا الحادث أسوأ الأثر فى نفوس الاخوان جميعا بلا استثناء , وترتب عليه وجود المرشد وحزنه العميق حيث جاء هذا ا الحادث فى وقت مشحون بالأحداث الكبار الخطيرة .

وحين ( فى عزبة الاستاذ حسن عبد الحافظ المحامى فى مكتب الاستاذ على بدوي من كبار المحامين فى مصر ويقف خلف الاستاذ المرشد الاخ المرحوم حسنى كاوتش ومعه بندقية صيد وعن يسار الاستاذ المرشد يجلس الاستاذ مختار عبد العليموالمهندس محمد القراقصي والاستاذ حسن عبد الحافظ وعن يسار فضيلة المرشد يجلس الضابط البحرى ثم شقيق حسن عبد الحافظ وفى الرحلة امتطى الاستاذ المرشد حصان واخذ يجرى به فى المزرعة – وكانت له صورة وهو يمتطى الحصان ولكنها ضاعت كما ضاع غيرها ) سمع الاستاذ المرشد نبأ اغتيال القاضى أحمد بك الخازندار أصيب بصدمة عنيفة وحزن عميق وقال ( لقد خسرنا قطاعا هاما وعظيما من رجالات مصر ) يقصد قطاع القضاة والمستشارين .

واستنكر الاستاذ المرشد هذا الحادث الأليم الذى تاثرت به مسيرة الدعوة فى جو مشحون بالأحداث الخطيرة .

الاخوان يكرمون السيد الميرغنى الزعيم السودانى

فى مساء أول شعبان المبارك 1367 الموافق 9 يونيو 1948 احتفل المركز العام للإخوان المسلمون بالقاهرة بزيارة السيد محمد عثمان الميرغني بمناسبة تشريفه القاهرة , ووجه الدعوة الى سمو الأمير عبد الكريم الخطابي وتكلم فى الحفل الاستاذ المرشد العام مرحبا فقال : ان دار الاخوان لتسعد أكبر سعادة وتأنس أعظم الايناس اذ تستقبل هذه القوب الطاهرة والنفوس الكريمة أعلام الجهاد وأبطال العروبة وأقطاب قادة الاسلام , أتقدم الى سماحة الزعيم السودانى الكريم السيد محمد عثمان الميرغني والى حضرات الذين أجابوا الدعوة بأجزل الشكر وأعظمه , اذ تفضلوا باجابة دعوة الاخوان المتواضعة وليس من المستطاع أن نعبر للسيد محمد عثمان الميرغني جزاه الله خيرا عن مقدار الغبطة والسعادة التى تملأ قلوب الاخوان اذ كان سماحته عند وعده لهم , فجعل حفلهم هذا على تواضعه أول حفل يجيب الدعوة اليه , ولعل الكثيرين أيها السادة لا يعلمون أننا نحن الاخوان مدينون للسادة الميرغنية بدين المودة الخالصة والحفاوة البالغة التى غمرونا بها من قبل ومن بعد كلما ذهب مبعوثنا الى السودان .. لا .. ولكنه دين قديم منذ نشأت هذه الدعوة بالإسماعيلية.

فقد كان أول أنصارها والمجاهدون لتركيزها الاخوان الختمية الميرغنية , وقد حضرت فى سنة 1937 حفلا للاسراء والمعراج فى زاوية وخلوة السيد عثما الميرغنى الكبير بالإسماعيلية – وهى لا تزال قائمة – ولا زلت اذكر أخانا هناك , فالقلب الختمى والتأييد الختمى يسير مع تاريخ الدعوة منذ فجرها وسماحة السيد عثمان الميرغنى الكبير , ووارثه السيد محمد عثمان هو أول من حمل هذا اللواء وبشر به , فهذا تاريخ قديم , نتحدث عنه أيها السادة لنعبر لفرع الدوحة الكريمة السيد محمد عثمان , عما يكنه الاخوان لسماحته من حب ومودة وتقدير لهذا الجميل الذى أسدوه للدعوة فى فجر تاريخها .

رهبان بالليل وفرسان بالنهار

من مذكرات الدعوة والداعية للاستاذ المرشد العام :

ولقد لاحظت أن الدعوة قد وصلت فعلا الى نفوس الكثيرين من شباب الأمة واتسعت أعمالها ومشروعاتها بعض الشىء فلم يعد هناك المجال الواسع للتفرغ للتوجيه وحياة المبادىء والدعوات , انما تكون فى دوام اتصال أرواح القائمين بها ونفوسهم بعضهم ببعض , وهناك جاءت فكرة الكتائب الاخوانية , والمقصود بالكتائب الاخوانية : يقسم الاخوان الى مجموعات لا تزيد احداها عن الاربيعن يجتمعون ليلة فى الاسبوع فيصلون العشاء معا ويتناولون طعاما خفيفا ويتعارفون ويتدارسون الفكرة والدعوة وينامون قليلا على فرش خشنة ويقومون قبل الفجر للتهجد ويصلون الصبح معا ويذكرون الله الى طلوع الشمس ويزاولون بعض التدريبات الرياضية وينصرفون .

وقد أجريت التجربة الأولى لتكوين الكتيبة الأولى يوم 17 رمضان 1357 هجرية بمسجد عين شمس , ولا زلت أذكرها كأنها اليوم تماما وتلتها بعض الكتائب الاخوانية فى بلدة البساتين للتدريب على ركوب الخيل , ومنذ البدء فى تكوين هذه الكتائب أطلق على رجالها رهبان الليل فرسان النهار وحين نجحت التجربة فى القاهرة أراد المكتب تعميمها فى الأقاليم .

الاخوان المسلمون يحتفلون بمرور عشرين عاما على تأسيس الجماعة=

احتفل الاخوان المسلمونفى جميع الشعب والمناطق احتفالات رائعة بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس أول شعبة للجماعة فى الإسماعيلية فى شهر ذى القعدة سنة 1347 هجرية الموافق مارس 1928 حيث بلغ عدد شعب الاخوان الى تاريخ اليوم 1948 ألفى (2000) شعبة فى مصر و(50) شعبة فى السودان والبلاد العربية والاسلامية , وبلغ عدد الاخوان العاملين نصف مليون وبعد صدور القانون رقم 49 لعام 1945 أنشئت طبقا لنصوصه أقسام البر والخدمة الاجتماعية للإخوان المسلمون .

وبمناسبة الاحتفال بمرور عشرين عاما فقد عقد فى مدينة الإسماعيلية مركز الدعوة الأول مؤتمرا اسلاميا كبيرا حضره آلاف من رجال الاخوان من جميع الشعب , كما حضره مندوبون من الاخوان بالدول العربية والاسلامية كذا بعض الزعماء المسلمين الذين يعملون فى حقل الدعوة الاسلامية فى العالم , كما استعرض الاستاذ المرشد العام وصحبه الكرام أكبر استعراض للجوالة والكشافة اذ تجاوز عددهم عشرة آلاف بملابسهم الكشفية تتقدمهم الموتوسيكلات والسيارات وأعلام المناطق , ثم على راس هذا الطابور الكبي حرس شرف حول حامل المصحف الشريف , واستمر هذاالمؤتمر ثلاثة ايام متتالية شهدت فى الإسماعيلية أبهى أيامها حيث ارتفعت اللافتات والاعلام ترحيبا رجال وضيوف الدعوة الاسلامية وقامت المدينة بالترحيب بالوافدين ففتحوا بيوتهم ومدارسهم وجميع المساجد لتكون دورا للضيافة وصدر العدد الخاص لجريدة الاخوان المسلموناليومية بمناسبة مرور عشرين عاما فى يوم 2 ذى القعدة 1368 = 5 سبتمبر 1948 يزيد عدد صفحاتها عن العشرين متوجا بصور مؤتمر الإسماعيلية واستعراض الجوالة وصور الخطباء وبعد ذلك سرد متكامل لتاريخ جماعة الاخوان المسلمون, كما صدر عدد خاص بعدة لغات كالانجليزية والفرنسية والاردية وارسلت منه مئات النسخ للعالم العربى والاسلامى .

ويعتبر هذا العدد من أعظم المصادر لمعرفة تاريخ الدعوة .وكما يعد سجلا حافلا بأهم المواقف والاحداث .

الاحتفال بذكرى مرور عشرين عاما فى شعبة غزة

وانتهز الاخوان فى شعبة غزة هذه الفرصة فدعوا الى عقد مؤتمر بدارهم , وكانت فرصة التقى فيها جمع كبير من أبناء مدينة غزة , وقد تحدث فى هذا اللقاء فضيلة الشيخ عمر صوان قاضى قضاة غزة فأثنى على الدعوة ومنهجها فى التكوين والتربية كذا أشار الى خطوات الاخوان المدروسة فىتحقيق أهدافهم ونوه بشخصية الاستاذ البنا الذى يقود الجماعة على أساس من كتاب الله وسنة رسوله , ثم تحدث الاخ عباس السيسي عن تاريخ دعوة الاخوان مستندا فى حديثه الى كتب الاخوان ورسائل الاستاذ المرشد العام , ثم أبرق الاخوان الى الاستاذ المرشد تهنئة الاخوان فى غزة بهذه المناسبة الكريمة .

بيان للاستاذ المرشد فى المؤتمر الصحفى

عقد بدار المركز العام للإخوان المسلمين بالقاهرة مؤتمر صحفى بمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس أول شعبة للاخوان .

والقى الاستاذ المرشد فى هذا المؤتمر بيانا صحفيا جاء فيه : " أما عد الهدف الأول , فان أكثر الناس لا يعرفون الا ان الاخوان يريدون اقامة الحدود الاسلامية , وهذا فى الحقيقة تصور قاصر , فان الاخوان يريدون احياء النظام الاسلامى الاجتماعى الكامل , وهو كل لا يقبل التجزئة ووحدة متكاملة بكل مظاهره من حيث المثل الاجتماعية العليا أولا , ثم من حيث أوضاعه العملية التى تحل كل مشاكل الحياة الاقتصادية والاجتماعية على أن قضية الحدود الاسلامية نفسها لم يفهمها الأكثرون على وصفها الاسلامى الصحيح , ولو فهموها لعرفوا أنها عدل وأرحم وأحكم تشريع لمكافحة الجريمة مكافحة ناجحة تتفق وتفوق أحدث النظريات القانونية والنفسية والاجتماعية للتشريع الحديث مما لا يدع محلا لاتخاذ الحدود وأحكامها سببا لاتهام الحركة الاسلامية التقدمية بالرجعية , وليست حركة الاخوان المسلمونحركة طائفية موجهة ضد عقيدة من العقائد أو دين من الأديان , أو طائفة من الطوائف , اذ ان الشعور الذى يهيمن على نفوس القائمين بها أن القواعد الأساسية للرسالات جميعا قد أصبحت مهددة الآن بالالحادية والاباحية , وعلى الرجال المؤمنين بهذه الأديان أن يتكاتفوا ويوجهوا جهودهم الى انقاذ الانسانية من هذين الخطرين الزاحفين , ولا يكره الاخوان المسلمونالأجانب النزلاء فى البلاد العربية والاسلامية ولا يضمرون لهم سوءا حتى اليهود المواطنين لم يكن بيننا وبينهم الا العلائق الطيبة , أما اشتراكهم الفعلى فى مساعدة العصابات الصهيونية بفلسطين بكل صنوف المساعدة , فلم يكن هناك بد من أن يشعروا بأن هذا المسلك المعوج الخاطىء قد أفقدهم العطف .

ولقد لونت الافهام القاصرة والدعايات المغرضة دعوة الاخوان الاسلامية النقية بثلاثة ألوان خاطئة وابتدأت باللون الدينى القاصر اذ ان الاخوان متمسكون فى دعوتهم وتصرفاتهم بآداب الاسلام وتوجيهاته .

ثم تلا اللون السياسى الخاطىء بمناسبة اشتراك الاخوان فى الجهاد الوطنى المقدس وبلائهم فى ذلك الحسن الذى سبقوا به الاحزاب السياسة المحترفة والذى هو فى الحقيقة سر هذا الوعى الوطنى الجديد والعامل الأكبر فى قوة الرأى العام المصرى مما جعل بعض الناس يظن أن الاخوان المسلمونقد انصرفوا عن الدين الى السياسة ولو يفرقوا بين العمل الوطنى والاحتراف السيساى وما دروا أن هذا الجهاد الوطنى من صميم الاسلام , واللون الحقيقى للدعوة بعيد عن هذه التصورات كلها , ذلك هو اللون الاسلامى النقى الصافى " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون " (1) سورة البقرة – 138 .

وهم لذلك متدينون ووطنيون ومجتهدون لأن هذا كله من لب الاسلام وصميمه .

ولسنا نعتقد أن فى مصرحزبية وخططا بالمعنى السياسى الدقيق , سياسة ذات مناهج ووسائل , وكل ماهنالك خلافات شخصية بين نفر من الاعيان الذين يتداولون كراسى الحكم تدورحول مسلك الاشخاص ومسالك الأتباع ولقد كنا حريصين على ان تكوت صلتنا بالجميع طيبة نستطيع أن نصل بالدعوة وأهدافها السامية الى قلوبهم فيجتمعون عليها وأن ينصرف اليها منهم من يجمع الله به الكلمة ويقرب مراحل الطريق , ولكن قصور النظرة الشخصية والحزبية ومطامع الأذناب والوسطاء ودس الإنجليز والأجراء حال دون استقرار هذا الجو الهادىء الذى تمحص فيه الحقائق وتحدد فيه الوسائل والغايات , ونحن نشعر أمام هذاالوضع بكثير من الأسف على ما يضيع فى هذا العداء الوهمى من جهد ومال فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه الى الوحدة والاتفاق , ونحن لا نعتبر أنفسنا حزبا سيسايا , بل نحن حركة اسلامية شاملة مهمتنا توجيه الشعب توجيها سليما وتهيئته تهيئة صالحة .

نشيد الاخوان بالأسكندرية

وبمناسبة مرور عشرين عاما على تأسيس جماعة الاخوان , قام الاخوان بالأسكندرية بمسيرات اسلامية تردد هذا النشيد :

عشرون عاما فى الجهاد

نبغى به رفع العماد

يا قومنا : رب العباد

يجزيكموا يوم التناد

ماذا فعلتم للبلاد

والدين والسبع الشداد

قرآنكم ذا خير هاد

لا تهجروه كقوم عاد

لا تذهبوا فى كل واد

وادعوا به حتى يعاد

كلمة أخيرة لفضيلة المرشد بهذه المناسبة

كلمة أخيرة بهذه المناسبة .. مناسبة مضر عشرين عاما على دعوة الاخوان المسلمون.. انه من الخير أن أصارحكم بأنكم بعد أن وصلت دعوتكم الى هذه المرحلة من النجاح والظهور , ووصلت حالة العالم الى ما وصلت اليه من التغير والتطور وتفصيل ذلك .. أنكم قد أصبحتم تواجهون الدنيا جميع بدعوتكم , وأقول وأنا شديد الأسف أنكم الآن القوة الوحيدة الصامدة أمام الخطرين الداهمين اللذين يهددان العالم الاسلامى والعربى أولا ويهددون البشرية كلها بعد ذلك وهما خطر الالحاد وخطر الاستعباد , فان هذه المادية الطاغية الجارفة التى استولت على تفكير وتصرفات الدول الكبرى فجعلتها لا تزن الأمور الا بميزان المنافع والمصالح الشخصية الاستعمارية , و لا تقيم وزنا لما عدا ذلك م المثل العليا وقواعد الخير والانصاف والسمو ودفعت بها بعد ذلك الى الرغبة والتحايل على ان تبقى قيود العبودية وأغلالها فى اعناق وأيدى وأرجل الشعوب الناشئة التى لا ترضى أبدا بغير الحرية والتقدم , هذه المادية التى تقودها اليهودية العالمية وتمولها الاستعمارية لا علاج لها الا فى دعوتكم ولا قوة تصمد أمامها الآن مع الأسف الا جماعتكم , ولذا أبشركم وأنذركم بأنكم منذ السعاة ستتعرضون لأشد الامتحانات وأقسى الاختبارات , ولكنكم ان صبرتم وثبتم فستوكن لكم الغلبة ولا شك , فاستعدوا للامتحان واصبروا وصابروا ولن تكون الا احدى الحسنيين السعادة بالنصر أو الشهادة فى سبيل الحق وكلاهما خير ولله الحمد وكل عشرين سنة وانتم بخير .

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

حديث رائع فى يوم الثلاثاء للاستاذ المرشد

كما قلت لكم دائما وأكرر هذا القول ليثبت فى الاذهان انهما نعمتان لا تشتريان بمال ولا بحيلة أو مجهود ولكنهما منحة من الله لعباده يقذفهما فى قلب من يشاء منهم , هاتان النعمتان هما ( الايمان والحب ) .

وأنا أكرر هذا المعنى أردت أن أذكركم بهذه الحقيقة , حقيقة الاخاء الذى يجمعنا على الايمان بعقيدة المناداة بكتاب الله كنظام أساسى للحكم ولصلاح العالم , وما يستتبعه هذا الاخاء من شعور الحب نحو المجتمعين على هذه الغاية السامية الكريمة المرتبطين بها .

هذه الحقيقة يجب أن نؤمن بها ونذيعها فى الناس ونطبقها على أنفسنا أولا كاخوان مسلمون فلا نشعر نحو مسلم الا بالحب والاخاء ولا نفتح باب الشر بالخصومة والفرقة والانقسام , والنتيجة من هذا كله أن كل مسلم أخ لنا , لأننا جميعا اخوة نعمل فى الميدان الاسلام العام واذا لم يرع الناس هذا فسنرعاه نحن من جانبنا , لأننا مقيدون بما نقول وبما ندعوا اليه الناس .

اننا دعاة مبادىء فلنتمسك بها ولا اقبل منك أيها الاخوان تهاونا أو تفريطا فى هذا المبدأ , فزنوا صلتكم بالناس بهذا الميزان , ولا يستخفنكم الغضب للنفس واقبلوا النصيحة من المسلم , ما كان حقا فلينوا والا فاستمسكوا بمبدأكم , ان أعداءنا وخصومنا هم الكافرون , الذين ينشرون الأباطيل بيننا , ويغيرون على أوطاننا ,وحريايتنا , ويضمرون الشر لنا ويريدون أن يتفرق المسلمون وينقسموا , فاذا عرفتم هذا فاعلموا أن هؤلاء الذين يتصدون لدعوتكم ويقولوا ما يقولون فيكم بدافع الغيرة والحرص على سلامة الدين وسلامة المجتمع الاسلامى من وجهة نظرهم .

قد يكون أسلوبهم هذا خاطئا , وفكرتهم فيها غلو وشطط , ولكن الدافع كريم والمقصد حسن , فاذا تحققتم من براءة النية فتقبلوا النصح أوناقشوه , وقد يكون الخلاف فى الوسيلة , فهم يمسكون الحبل من احد طرفيه مثلا بينما غيرهم يرى رأس الحكمة فى أن يمسك الحبل من الوسط , حتى لا يميد فى يده .

ولكن مع هذا عليكم أن تتعرفوا المقصد , فان كان خيرا فلا تتهموه وتفاهموا مع صاحب الرأى فى رأيه .

فاذا لم يقتنع فقولوا له ما دام صادق النية محبا للخير ان الحكم بيننا وبينك فى الفصل فى هذا الخلاف هو الامام , لأننا مستعبدون , فتعال للامام , وليس للمسلمين الآن امام , فتعال ننسى كل شىء الآن ونعطل كل شىء أمام القضية الكبرى قضية تحرير الأرض الاسلامية , فلنجعل هذا غايتنا الأولى , حتى نستطيع أن نأتم بحكم الله ونفصل فى هذه الخلافات , اذ انه بدون هذه الحكومة الاسلامية التى تحمى شرع الله فلا نظام للمسلمين ولا أحكام .

الاستاذ المرشد مع مراسل صحيفة صينية

لقد أتيحت الفرصة للصين للوقوف على رأى صحيح منصف عن الاخوان فى ضوء مقالة نشرتها صحيفة من كبريات الصحف الصينية لمراسل صينى يدعى كونتجتا وانج كان قد قابل فضيلة المرشد العام فى المركز العام للاخوان وحصل من فضيلته على حديث بعث به الى صحيفته قال المراسل : ( لقد كان أعظم شىء تأثرت به فى زياراتى العديدة للقاهرة , حديثى مع فضيلة الاستاذ الجليل حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمون , استقبلنى فضيلته فى مكتبه الخاص , فى خلال شهر مايو الماضى , وقد شعرت بالمودة الانسانية الحلوة والسلم والاخاء , وعندما دخلت مكتب فضيلة المرشد أيقنت السر فى نشاط هذه الحركة المباركة ) .

حادث نسف شركة الاعلانات الشرقية

فى يوم السبت 12 محرم سنة 1368 – 13 نوفمبر ظهر من التحقيق الذى أجرى فى الحادث أن سيارة صغيرة يقودها شاب عارى الرأس حضرت الى مقر شركة لاعلانات الساعة السادسة والدقيقة 25 فاشتبه بواب الشركة فى أمرها , ولما سأل سائقها عن أسباب حضوره أجاب ذلك السائق أنه يحمل صندوقا من الجمرك للشركة وأنه سوف يسلمه الى أى موظف من موظفى الشركة , وعند حضور أحمد ولى الدين المعين للحراسة فى الشركة وانهماكه مع البواب فى فحص محتويات الصندوق تمكن سائق السيارة من الفرار مباشرة حدث الانفجار المروع فأطاح بالجندى والبواب وقتل 4 اشخاص يسيرون فى منطقة الحادث , كما أصيب 35 شخصا واتسعت أضرار الحادث لتشمل 400 مكان فى القاهرة .

السفر من مدينة غزة والعودة الى القاهرة

انتهت مدة خدمتى فى القوات المسلحة فى حرب فلسطين وصدر قرار عودتى الى سلاح الصيانة بالأسكندرية , وفى نهاية شهر سبتمبر 1948 تحدد موعد سفرى , وعندما علم الاخوان فى شعبة غزة بذلك النبأ أقاموا لوداعى حفل شاى , وكان لقاء طيبا تحفه عواطف الاخوة الحارة , وفى الصباح جاء موعد القطار , فكان وداعا مؤثرا اذ توافد الاخوان يحملون الهدايا المتنوعة المعبرة عن الاخاء الذى تميزت به دعوة الاخوان وظل الحب العميق يرفرف على هذا المشهد المؤثر حتى تحرك القطار وسط هذه العواطف الزاخرة بالحب والود والاخاء .

خمسمائة خطاب

لا تعجب اذا قلت لك اننى قد حررت فى المدة التى قضيتها فى حرب فلسطين – وهى لا تتجاوز خمسة شهور – 500 خطاب ساعدنى على ذلك أننى كنت أجد المادة المتجددة فى احداث كل يوم , بل كل لحظة , كذا المقابلات الاخوانية فى غزة ومشاهدة المواقع الحربية والمواقف الاخوانية البطولية والتعرف على شخصيات جديدة من جميع الدول العربية جاءوا ليؤدوا فريضة الجهاد المقدس , وكانت هذه الخطابات مشحونة بالعواطف المتأججة التى ساعد على بعثها هذا الغياب الطويل عن الاخوة الذين أحببتهم .

لقاء ووداع .. مع المرشد العام حسن البنا

توجهت على أثر وصولى القاهرة الى دار المركز العام للإخوان المسلمون بالقاهرة قبل عودتى الى الأسكندرية , وهناك التقيت بفضيلة المرشد العام الذى قابلنى بالاحضان وأجلسنى الى جواره فى عاطفة ندية وسألنى عن الاخبار ومشاهداتى أثناء هذه الفترة واستمر هذا الحديث أكثر من ساعة وطلب منى فى نهاية الجلسة أن أكتب له تقريرا عن كل الملاحظات التى أرى أنها هامة حتى يمكن للاخوان الاستفادة منها مستقبلا , ثم قام وودعنى الى باب الحجرة وزودنى بنصائحه ودعواته , وما كنت أدرى ولا يخطر ببالى أن هذا هو الداع الأخير والرؤية الأخيرة والكلمات الأخيرة مع الامام حسن البنا عليه رحمة الله ورضوانه .

من غزة الى الأسكندرية

سبق أن ذكرت أننى نقلت الى مرسي مطروح الى فلسطين , والآن – أعود الى المنطقة الشمالية سلاح الصيانة بالأسكندرية , وسكنت فى نفس المنزل القديم بشارع اسماعيل صبرى المسمى الشارع الجديد فى حارة النخلة , وبدأ نشاطى مع الاخوان المسلمونبالمكتب الادارى – بميدان اسكاعيل رقم واحد بالمنشية , وكانت دعوة الاخوان فى هذه الفترة قد تعدت كل الحواجز وامتدت لتشمل كل مناحى الحياة فى المجتمع المصرى , وظهرت الدعوة على المحيط العالمى باتساع نشاطها العسكرى على أرض فلسطين كما زادت مقاومتها السيساية لتواجد الإنجليز على أرض مصر , وكان للمؤتمر الذى عقد بالاسماعيلية والقاهرة بمناسبة مرور عشرين عاما أثره فى جميع الدوائر السيسايى العالمية , وأصبحت قوة الاخوان بل خطر الاخوان على الاستعمار , والالحاد والاباحية لا يحتاج الى دليل وأصبح واضحا بعد عقد الهدنة الأولة ومعارضة الاخوان لها ووقوفهم أمام الموافقة على هذا الاسلوب الاستسلامى أنهم الجماعة الوحيدة التى تقف حجر عثرة فى سبيل أطماع الصهاينة اليهود فى فلسطين .

حادث السيارة الجيب

فى الخامس عشر من نوفمبر 1948 , وفى منطقة الوايلى بالعباسية بالقاهرة , اشتبه أحد رجال البوليس المدنى فى سيارة جيب تسير فى شارع جنينة بالفؤادية , وليس عليها أرقام مرور , فلما حاول الاقتراب منها للاستفسار من صاحبها والتأكد من شخصيته قفز الأخ سائق السيارة وفر هاربا , ولكن البوليس صرخ فى الناس صرخة فزع , مناديا اياهم : ارهابى , ارهابى .. فأسرع الناس خلف هذا الأخ وأمسكوا به ثم اقتادوه الى قسم البوليس .

وبتفتيش السيارة الجيب عثر فيها على أوراق خطيرة جدا وفى غاية الأهمية , وهذه الوثائق تكشف عن تنظيم سرى مسلح وفى غاية الدقة والتنظيم , وسرعان ما صدرت أوامر النيابة بتفتيش منازل الأشخاص الذين وردت أسماؤهم فى هذه الأوراق , وفعلا تم القبض على المجموعة الأولى فى منزل أحد الاخوان بالوايلى ويعتبر من قادة هذا التنظيم ثم تتابعت حركة القبض حتى نهاية مارس 1949 .

وكان نبأ هؤلاء الاخوان أسوأ خبر سمعه الاخوان المسلمونفى تاريخهم , وكان بالنسبة للاخوان القائمين على أمر التنظيم أشد قسوة وايلاما على نفوسهم ولعله كان كذلك على فضيلة المرشد العام واخوانه جميعا ولقد جاء هذا الحادث فى وقت تربص فيه الدولة بالاخوان الدوائر وتترقب الفرصة السانحة لتضربهم , كما أن حوادث النسف السابقة كانت قد ألقيت بعض ظلالها على جماعة الاخوان المسلمونوفى السطور التالية , سوف أكتب بايجاز عن الاخوان الذين تم القبض عليهم وأقدم بعض المعلومات عن هذه القضية التى عرفت باسم ( قضية السيارة الجيب) والتى شملت عدة قضايا أخرى اندرجت تحت عنوانها , خاصة أن النيابة فى غفلة من الزمن حرصت على أن تكسب هذه القضية وضعا خاصا فقدمتها الىالمحكمة العسكرية العليا فى ظل الأحكام العرفية , وجلس المتهمون فى قفص الاتهام سبعا وأربعين جلسة , منها ثلاث عسكرية برئاسة سعادة ابراهيم كامل بك وكانت الاحكام العرفية فى هذا الوقت تبدو دائما وشيكة الزوال .

فكان الدفاع يطلب تأجيل نظر القضية الى دور مقبل حتى لا يلقى بالمتهمين فى أتون محاكمة عسكرية ضمانات الدفاع فيها غير متوفرة , وأجابت المحكمة طلب الدفاع ولما ألغيت الأحكام العرفية تقدم المتهمون بمعارضات فى أمر حبسهم ونظرت هذه المعارضات فى جلسة 10 يونيو 1950 فتقرر الافراج عن ثمانية م المتهمين , وبدأ النظر الفعلى للقضية أمام دائرة سعادة أحمد بك كامل وعضوية محمود بك عبد اللطيف ومحمد بك زكى شرف فى الثانى من ديسمبر سنة 1950 , واستمر نظرها احدى وأربعين جلسة , وحددت الجلسة الثانية والأربعون للنطق بالحكم فى السابع عشر من مارس 1951 وبذلك يكون نظر القضية قد استغرق ثلاثة شهور ونصف , وفى الجلسة الأولى سألت المحكمة (يرى فى الصورة داخل القفص الثانى من اليمين الاستاذ محمد ابراهيم سويلم ثم الاستاذ أحمد عادل كمال ثم الاستاذ محمد سليمان بالنظارات .

وداخل القفص أيضا فى الصف الأمامى ( أمام الطفل ) الاستاذ أحمد زكي ثم عن يمينه الاستاذ سيد فايز ثم .... ثم الاستاذ محمود الصاغ .

وفى خارج القفص – الصف الأول – الرابع من اليمين مبتسما الاستاذ عبد قاسم ثم .... ثم الشيخ فرغلى ثم الشيخ سيد سابق .

وفى الصف الثانى بالطربوش الاستاذ محمد عبد الكريم ثم الاستاذ على الخولي ثم .... ثم الحاج صالح عشماوي ثم .... ثم الاستاذ جمال فوزي .

وخلف الحاج صالح عشماوي يرى الدكتور أحمد الملط واضعا يده على كتف جاره ) المتهمين عن المتهم المنسوبة اليهم فأنكروها جميعا , ثم استمعت المحكمة الى شهود النفى فى ثلاث جلسات أخرى كان أبرزها ما فيها اعتراف إبراهيم عبد الهادي باشا بمقابلة أحد المتهمين لسماع أقواله فى القطار بين القاهرة والأسكندرية , وشهادة اللواء أحمد المواردي , واللواء صادق , قائدى حملة فلسطين وشهادة سماحة الحاج أمين الحسيني مفتىفلسطين , فأشادوا ببطولة الاخوان بفلسطين وودع – عبد الهادى بالهتاف بسقوطه , كما ودع سماحة المفتى بالهتاف لفلسطين العربية .

وقد ترافع فى هذه القضية كثير من المحامين البارزين نذكر منهم الاساتذة عبد المجيد نافع , شمس الدين الشناوي , مختار عبد العليم, حسن عشماوي , طاهر الخشاب , فتحى رضوان , سعيد رمضان , على منصور , محمد المسماري , وكان من النقاط البارزة فى مرافعة الدفاع الوثيقة التى تقدم بها الاستاذ شمي الدين الشناوي , فدلل بها على تدخل الإنجليز زاملاء ارادتهم على النقراشي باشا لحل جماعة الاخوان المسلمون استجابة لرغبتهم , واستنجاد عبد الهادى باشا بالإنجليز لينقذوا سمعة حزبه بتكذيب هذ ه الوثيقة , كما حاول ممثل الاتهام أن يشكك فيها ولكن الاستاذ شمس أفحم الجميع بتأييدها بمستندات أخرى غير قابلة للنقاش , وكان من المظاهر السيئة ظهور بعض الصحف المأجورة فى هذا الوقت لتأييد وجهةنظر الانجليز , كما ننوه بحضور الاساتذة المحامين حمادة الناحل ومحمد هاشم باشا .

محطة لاسلكى

ومن التهم التى وجهت الى تنظيم الاخوان استعمالهم محطة لاسلكى أو محطة اذاعية , وقد أسندت هذه التهمة الى الاخ المهندس ( سعد جبر ) المتهم فى القضية كما أذيع فى هذه الفترة , حين اعتزم الملك فاروق زيارة المعرض الصناعى أنهم اكتشفوا ان المعرض ملغم بالديناميت , وأن الاخ الذى قام بهذه المهمة هو الاخ المهندس سعد جبر , وعند تأدية الاخ سعد حبر للشهادة فى القضية , قال محتدا ان رئيس النيابة لا يعرف شيئا فى اللاسلكى وطلب استدعاء خبير يناقشه أو يطلعه على المضبوطات , فقال رئيس المحكمة ( ده مش النيابة بس اللى متعرفش فى اللاسلكى , ده مفيش حد يعرف لاسلكى (يرى فى الصورة داخل القفص من اليمين بالطربوش الاستاذ أحمد حسين ثم الحاج مصطفى مشهور حاملا الطفل ثم المهندس أحمد زكي ثم الاستاذ أحمد عادل كمال ثم المهندس سيد فايز ثم المهندس طاهر عماد الدين .

وخارج القفص من أقصى اليسار الاستاذ ... ثم الاخ على الخولي ثم الاستاذ عبد الحكيم عابدين ثم الحاج صالح عشماوي ثم الدكتور أحمد الملط ثم الحاج فرغلى النخيلي ثم فى أقصى اليمين الاستاذ جمال فوزى .

ومن الأمام – من اليمين الاستاذ عبده قاسم ثم الاخ اسماعيل شلبي ثم الاستاذ جلال الدين يس . ) غيرك ) .

شهد جميع شهود ضبط سيارة الجيب أن الاخ طاهر عماد الدين هو الذى كان يقود السيارة , فلما أثبت الاخ أنه لا يعرف فن قيادة السيارات عدلوا جميعا عن شهادتهم .

الاخوان المتهمون فى قضية سيارة الجيب

1- الاستاذ عبد الرحمن السندي – موظف بوزارة الزراعة .
2- الحاج مصطفى مشهور – متنبىء جوى – بكالوريوس علوم ( 29 سنة ) .
3- الاستاذ محمود الصباغ – متنبىء جوى – بكالوريوس علوم ( 30 سنة )
4- الاستاذ أحمد زكى حسن – مدرس بوزراة المعارف – دبلوم هندسة تطبيقية (27سنة )
5- الاستاذ أحمد حسنين – مراقب حسابات بشركة المعادن – الفنون والصنائع .
6- الاستاذ محمد فرغلى النخيلى – تاجر معادن .
7- الاستاذ أحمد قدرى الحارثي – مهندس بمصلحة الطيران المدنى – بكالوريوس هندسة (25سنة )
8- الحاج حسنى عبد الباقي – عضو مكتب الإرشاد .
9- أحمد متولى حجازى – مهندس ميكانيكى من الهندسة التطبيقية ( 32 سنة )
10- الاستاذ سيد فايز عبد المطلب – مهندس مبانى ومقاول (31 سنة ) .
11- الاستاذ أحمد عادل كمال – موظف بالبنك الأهلى – بكالوريوس تجارة ( 25سنة )
12- المهندس طاهر عماد الدين – مهندس معمارى – مقاول ( 24 سنة )
13- الحاج ابراهيم محمود علي – ترزى – حصل على الشهادة الابتدائية فى السجن (31سنة )
14- الدكتور أحمد الملط – طبيب بمستشفى الملك ( 32 سنة )
15- الاستاذ جمال الدين فوزي – موظف بمصلحة البريد – 40 سنة .
16- الاستاذ محمود حلمى فرغلي – موظف بالداخلي 27 سنة – اتهم فى قضية مقتل النقراشي باشا .
17 – الاستاذ محمد أحمد علي – موظف بالاشغال وعمره 24 سنة , حصل على شهادة الثقافة العامة بالسجن واتهم فى قضية النقراشي باشا .
18- عبد الرحمن عثمان – طالب بكلية الحقوق 44 سنة ونقل للسنة الرابعة وهو بالسجن .
19 – الاستاذ اسماعيل شلبي – تاجر وقومسيونجى 24 سنة .
20- الاستاذ اسعد السيد احمد – 28 سنة – ميكانيكى بسلاح الصيانة .
21- محمد بكر سليمان – عامل نسيج 28 سنة .
22- صلاح الدين عبد المتعال – طالب بالتوجيهى – حصل على الثقافة بالسجن 19 سنة .
23 – الاستاذ جمال الدين الشافعي – مهندس بكالوريوس هندسة 26 سنة .
24- جلال الدين يس – طالب بكلية التجارة .
25- الاستاذ محمد الطاهرى حجازي – مدرس بالمعارف 24 سنة .
26- الأخ عبد العزيز البقلي – ترزى 26 سنة – واتهم فى قضية مقتل النقراشي باشا .
27- كمال السيد القزاز – نجار – 27 سنة متهم فى قضية مقتل النقراشي باشا .
28 – كمال السنانيري – تاجر ومقاول 28 سنة .
29- الاستاذ على محمد حسانين – تاجر وقومسيونجى 27 سنة .
30 – فضيلة الشيخ محمد فرغلي – واعظ بالقنال – 42 سنة اتهم وهو فى ميدان فلسطين بقيادة مجاهدى الاخوان .
31- محمد ابراهيم سويلم – مزارع من القطاوية 24 سنة .
32 – الاستاذ سليمان مصطفي – مدرس ومتخرج من المعهد العالى للعلوم التجارية .
33- على الحريرى .

( ملحوظة : نشرت مجلة الدعوة لكل هؤلاء الاخوة صورا شخصية وكتبت تحت كل صورة نبذة عن حياة كل منهم )

نص الحكم فى هذه القضايا

حكمت المحكمة حضوريا

أولا : بمعاقبة كل من :

مصطفى مشهورمحمود السيد خليل الصباغأحمد محمد حسنيأحمد قدرى الحارثي والسيد فايز عبد المطلب بالسج لمدة ثلاث سنوات .

ثانيا : بمعاقبة كل من :

عبد الرحمن السنديأحمد زكى حسنأحمد عادل كمالمحمود حلمى فرغليعبد الرحمن عثمانصلاح عبد المتعالجمال الشافعيجلال الدين يسمحمد أحمد عليكمال السنانيري وعلى الحريري مع الشغل سنتين .

ثالثا : معاقبة كل من :

محمد ابراهيم سويلم – بالحبس مع الشغل سنة واحدة .

رابعا :

مصادرة السيارة المضبوطة وجميع الأسلحة والذخائر والمفرقعات والأدوات المفرقعة المضبوطة .

خامسا : براءة كل من :

محمد فرغلى النخيليمحمد حسنى عبد الباقىأحمد متولى حجازيابراهيم محمود علي – الدكتور أحمد محمد الملطجمال الدين ابراهيم فوزياسماعيل شلبيأسعد السيد احمدمحمد بكر سليمانمحمد الطاهرى حجازيعبد العزيز البقليكمال القزازمحمد محمد فرغليسليمان مصطفى عيسيطاهر عماد الدينعلى محمد حسانين مما أسند اليهم .

أمر عسكرى بحل جماعة الاخوان فى محافظة القنال

وفى شهر نوفمبر صدر أمر عسكرى بحل جماعة الاخوان المسلمونفى محافظة القنال , وقام رجال البوليس والمباحث بغلق جميع الشعب فى هذه المنطقة والاستيلاء على جميع الأوراق الخاصة بالاخوان , وكان هذا الأمر بمثابة جس النبض لجماعة الاخوان , وصدر الأمر خلال تأدية الاستاذ المرشد العام فريضة الحج مع مجموعة من الاخوان فى السعودية , وبهذا تكاثرت الغيوم وادلهم الخطب .

الاستاذ المرشد يعود من الحجاز بعد أداء الفريضة

على الرغم من النصائح التى وجهت الى فضيلته بعد العودة الى مصر من الحجاز وبوادر محنة شديدة قاسية تلوح فى الأفق , وطلب منه أن يبقى فى الأراضى السعودية يراقب الأمور ويوجه الحركة خوفا على حياته , الا ان الاستاذ المرشد أصر على العودة ليشارك الاخوان فى محنتهم , ولا يكون بعيدا عم ميدان المعركة فلا ينبغى لقائد الجماعة أن يبتعد عن قيادة السفينة فى بحر لجى من فوقه سحاب , ولهذا أسرع الاستاذ حسن البنا بالعودة الى القاهرة فى الرباع والعشرين من محرم 1368 الموافق 25-11-198 , وعلى اثر عودته توجه ومعه الاخ السيد محمد حامد ابو النصر عضو مكتب الإرشاد العام الى قصر عابدين وقيدوا أسماءهم فى سجل التشريفات الملكية .

لفتة من الاستاذ المرشد العام

سيدهش كثير منالناس .. كيف توجه الاستاذ المرشد الى قصر عابدين , ولكن الذين خبروا المواقف وعاشوا فى المحن , بل الذين يتحملون أعباء رسالة وقيادة جماعة , والذين يقدرون تبعة المحن وأخطارها والمصائب الكبرى التى تخلفها , تلك المحن التى تفرض علىالجماعة وهى ما زالت فى مهمدها وقبل أن تتهيأ لتحمل أعبائها والترتيب لمواجهتها , الجماعة التى يقودها رجال لهم دعوة ولهم رسالى ولهم غاية كلها اسلامية روحا ونصا , هؤلاء القادة لهم قلوب وعواطف ومشاعر تربطهم بقلوب اخوانهم ,وكل من يتصل بهم من زوجات وأطفال , ان هؤلاء القادة لا يضحون بقطرة دم تراق فى غير سبيل الله ولا يضحون بأخ فى سبيل غير سبيل الجنة , لأن هذا الأخ معدن غال ونفيس للغاية , بذلت الدعوة فى سبيل الحصول على قلبه جهودا روحية ونفسية وعلمية وثقافية حتى وفقهم الله تعالى الى قلبه فكان جنديا مخلصا لعقيدته ودعوته .

لهذا كان الإمام البنا يريد ان يحول بين الاخوان المسلمونوبين هذه المحنة الشديدة القاسية التى لا يعلم نهايتها الا الله تعالى , كان الإمام البنا يدرك تماما ماذا يحاك الاخوان المسلمون, وقد صرح بذلك فى خطبته الأخيرة بمناسبة الاحتفال بمرور عشرين عاما على تكوين أول شعبة للإخوان المسلمون عام 1928 بالإسماعيلية , لهذا أقدم على التوجه الى قصر عابدين وقيد اسمه فى سجل التشريفات اعلانا لحسن نية الاخوان وتأكيدا لعدم رغبتهم فى الخصومة ونفيا لادعاءات أعداء الدعوة وخصوم الاخوان الذين يرددون أن الاخوان تعد العدة لعمل انقلاب تنتزع فيه الحكم , لذلك نرى الإمام البنا يحرص على ابطال كل هذه المؤامرات بتوجهه الى قصر عابدين .

بين المحنة والمنحة : (1) مقال للامام حسن البنا نشر يوم الجمعة الثانى من صفر 1368 الثالث من ديسمبر 1948 بالعدد رقم 794 من جريدة الاخوان اليومية .

واستمرت جريدة الاخوان المسلموناليومية فى الصدور مشحونة بالتوتر والحذر وكتب الاستاذ المرشد مقالة خطيرة تحت عنوان ( بين المحنةوالمنحة ) ضمنها الامام كل ما يريد أن تتأهب جماعته لملاقاته من تلك المخاطر التى تلوح فى الأفق .. ونحن ننقلها هنا بنصها لتكون للقارىء درسا من الدروس الرائعة .

وعلى اثر هذا المقال الذى كان بمثابة فصل الختام صدر قرار حل الجماعة فى الثامن من ديسمبر سنة 1948 , ون ثم توقفت جريدة الاخوان المسلموناليومية .

واليك نص المقال :

" ونبلوكم بالشر والخير فتنة والينا ترجعون " (2) سورة الأنبياء -35 .

وهل تتضح الموهبة ويصفو الجوهر النقى الحر الا بين المنحة والمحنة وتلك سنة الله تبارك وتعالى فى تنشئة الأفراد وتربية الأمم وسبل أصحاب الدعوات ممن اصطنع لنفسه منعبادة وصنع على عينه من خلقه ليكونوا أئمة يهدون بأمره " ونبلوكم بالشر والخير فتنة ولينا ترجعون "

والأمة الاسلامية اليوم بين منحة ومحنة ان فهمت وأدت ما وجب عليها من حقها وشكرت النعمة وثبتت وصبرت على الشدة وواصلت السير فى قوة الىالغاية فهى واصلة باذن الله تبارك وتعالى الى ما تريد مهما اعترضها من صعاب وواجهها من عقبات ونصر الله قريب " ولينصرت الله من ينصره ان الله لقوى عزيز " سورة الحج – 40 .

وصدق رسول الله القائل : " عجبت لأمر المؤمن , ان أمره كله خيران أصابته النعماء شكر .. فكان خيرا له , وان أصابته الضراء صبر فكان خيرا له "

والاخوان المسلموناليوم وهم الأمة الجديدة , القائمة على الحق المهتدية بنور الله , الداعية الى صراطه المستقيم , بين منحةومحنة , وعليهم أن يشكروا الله أجزل الشكر , على ما أولاهم من نعمته , واغدق عليهم من فضله ونعمه , وأن يصبروا أكمل الصبر هلى المحنة مهما علا ضجيجها , وأرعد برقها وعظم هولها , وأجلبت بخيلها ورجلها , وليثقوا بموعود الله تبارك وتعالى لسلفهم الصالحين من قبل " وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا ان الله بما تعملون محيط " (1) سورة آل عمران

يا أيها الاخوان المسلمون: فى الحرم المكى وأما الكعبة المشرفة تجلس بعثتكم المتواضعة خاشعة لله مخبتة تذوب حياء من رب البيت وتنطوى على نفسها خشية لجلاله وعظمته والابصار ترنو اليها من كل مكان .

والأيدى تدل عليها بكل بنان , ووفود الحجيج من كل قطر وبلد ومصر تقبل عليها بقلوب متوادة متحابة .

تسأل فى شوق ولهفة أأنتم الاخوان المسلمونمرحبا بكم وما أشوقنا الى لقائكم ونحن اخوانكم فى أندونسيا أو جاوه أوسيلان أو الهند أو الباكستان أو جنوب أفريقيا أو مدغشقر أونيجريا والكاميرون أو فى ايران وأفغانستان أوفى ذلك من أرض الله الواسعة التى امتدت اليها أضواء الاسلام الحنيف وانبسط بها هدى كتابه الشريف المنيف وتكون تحية وسلام وتفاهم وكلام وتدارس لحال ابناء الاسلام واعجاب بجهودكم المتواضعة وأعمالكم النافعة لا نرى أنفسنا لها أهلا ولا نعتبرها الا منة من الله وفضلا _ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم " (2) سورة الجمعة – 4 .

ويعود اخوانكم من البعثات العلميةأو من الرحلات التجارية فى انجلترا أو أمريكا أو فرنسا أو غيرها من بلاد الغرب المتهالكة على المادة المتهافتة على الطغيان فاذا بهم قد أنشأتهم الرحلة نشأة أخرى وسمعوا ورأوا من حديث الناس هناك عنكم واهتمامكم بشأنكم والتعليق على جهادكم وجهودكم بما يجعلهم يستشعرون التقصير فى حق الدعوة ويعتزمون بذل الجهد وفوق الجهد فى العمل لها والجهاد فى سبيلها , ولقد سمعت أحدهم فى الأمس القريب يخاطبنى فى حماسة ويحادثنى فى قوة وحزم فيقول : يا أخى والله اننا لسنا مجهولين الا فى وطننا ولا مغموطين الا فى أرضنا فاذا أراد الناس أن يعرفونا بل اذا أردنا أن نعرف انفسنا ومدى تأثير دعوتنا فعلينا أننرحل الى هذه الأقطار , ونجوس تلك الأمصار , ونسمع الى ا÷ل تلك الديار فى مجالسهم الخاصة أومجامعهم العامة , وسنرى من ذلك العجب والقول اللازب فأقول له : لا بأس عليك فقديما قيل " وزامر الحى لا يحظى باطراب " وليس نبى بدون كرامة الا فى وطنه وبين عشريته وسيدرك قومنا بعد قليل من نحن وماذا نصنع " والعاقبة للمتقين " (1) سورة القصص – 83 .

" ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوى عزيز" (2) سورة الحج .

وفى هذه الغمرة الغامرة من نعم الله عليكم بحسن الأحدوثة , وجميل الذكر ,وجليل التقدير , تواجهكم محنة القول الزائف فتبلغ قلوب المنافقين الحناجر ويظن الكثير من المتربصين بالله الظنون , وتقول طائفة كما قال أسلافها منقبل : " ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا " (3) سورة الاحزاب - 13 .

وتقول طائفة أخرى " ما وعدنا الله ورسوله الا غرورا " (4) سورة الاحزاب – 12 . وانتم خلال ذلك كله تسيرون فى ركاب نبيكم صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه وتهتفون نبذا لهم " هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادوهم الا ايمانا وتسليما " (5) سورة الاحزاب – 22 .

يا أيها الاخوان المسلمون: ستنكشف الغمة وتزول المحنة ان شاء الله , وتخرجون من البلاء خروج السيف من الجلاء , أنقياء أتقياء , والله تبارك وتعالى يربيكم بالمنحة والمحنة " سنت الله التى قد خلت فى عباده " (1) سورة غافر – 85 . " وخسر هنالك المبطلون " (2) سورة غافر – 78 .

فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون . " والله اكبر ولله الحمد " حسن البنا .

اشاعات حل جماعة الاخوان

كثرت الاشاعات حول قرب صدور القرار العسكرى بحل جماعة الاخوان المسلمونوتكرر ذكر ذلك فى الاذاعات العالمية وخاصة اذاعة اسرائيل – كل ذلك ومجاهدوا الاخوان يؤدون واجبهم فى قتال اليهود فى ميدان القتال بفلسطين دون أن يفكروا فى العودة أو التراجع عن مواقفهم فى الميدان – ولم تصدر للاخوان تعليمات صريحة بما تعتزمه الحكومة ولكن الشعور وروح العداء بين الاخوان والحكومة اصبحت واضحة وجلية .

وأمام هذه الاشاعات الصارخة صدرت جريدة ( الاساس ) المسائية لسان الحكومة السعدية وهى تحمل تصريحا لرئيس الحكومة النقراشي باشا ينفى فيه اعتزام الحكومة على حل جماعة الاخوان المسلمون.

وكان هذا التصريح سببا فى تخدير الاخوان وبعث الطمأنينة فى نفوسهم وقد حدث عندنا فى الأسكندرية أن الاخوان قد فكروا فى أن ينقلوا كل ما تملكه الدعوة من أوراق ومكاتب وأثاثات وممتلكات كالمدارس والمحلات التجارية والمصانع بأسماء أشخاص , ولكن هذا التصريح أوقف كل هذا العزم اعتقادا بأنه ليس هناك ما يدعوا الى ذلك .

قرار حل الاخوان المسلمون

وفى مساء نفس اليوم الذى صدر فيه هذا التصريح فى جريدة الأساس المسائية – جاء فى نشرة الحادية عشرة مساء أمر عسكرى بحل جماعةالاخوان المسلمون– جاء فى نشرة الحادية عشرة مساء أمر عسكرى بحل جماعة الاخوان المسلمون– وعلى أثرذلك وقبل اذاعة هذا القراركان البوليس قد حاصر جميع شعب الاخوان واستولى على جميع متلكاتهم فى انحاء بلاد القطر المصرى وفى نفس الوقت تم القبض على مئات من الاخوان حتى تجاوز عدد المقبوض عليهم الخمسين ألفا من الاخوان واعتقلوا فى معتقل الطور فى الصحراء الشرقية ومعتقل هاكستب فى الماظة بالقاهرة وفى معتقل العامرية بالأسكندرية ومعتقل أبى قير الذى سماه الاخوان معتقل باكستان .

هذ بخلاف سجن مصر أرميدان وجميع أقسام البوليس فى القطر المصرى .

نص بيان قرار حل الاخوان المسلمون

أصدر عبد الرحمن عمار نائب وزير الداخلية الساعة الحادية عشرة مساء فى اليوم الثامن من ديسمبر 1948 بيان حل جماعة الاخوان من الاذاعة المصرية , ثم نشرته جميع الصحف , كما أذاعته جميع محطات الاذاع العالمية .

أولا : أوضحت تحقيقات الجناية العسكرية العليا رقم 853 سنة1947قسم الجمرك بالأسكندرية حقيقة أغراض هذه الجماعة وأنها تهدف الى قلب النظم السياسية للهيئة الاجتماعية متخذة فى ذلك طرقا ارهابية بواسطة فريق من أعضائها دربوا تدريبا عسكريا وأطلق عليهم " فريق الجوالة "
ثانيا : وبتاريخ 6 يوليو 1946 وقع اصطدم فى مدينة بور سعيد بين أعضاء هذه الجماعة وخصوم لهم استعملت فيه القنابل والأسلحة واسفرت عن مقتل أحد خصومهم واصابة آخرين وضبطت لذلك واقعة الجناية رقم 679 سنة 1946 قسم ثانى بور سعيد . ( النقراشي قرار عسكرى بحل الجماعة )
ثالثا : بتاريخ 10 ديسمبر 1946 ضبط بعض أفراد هذه الجماعة بمدينة الإسماعيلية يقومون بتجارب لصنع القنابل والمفرقعات .
رابعا : وقعت بتاريخ 24 ديسمبر 1946 حوادث القاء قنابل انفجرت فى عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط من مرتكبيها اثنان من هذه الجماعة قدما لمحكمة الجنايات فقضت بادانة أحدهما . .
خامسا : تعددت حوادث اشتباك أفراد هذ الجماعة مع رجال البوليس ومقاومتهم لهم بل والاعتداء عليهم وهم يؤدون واجبهم فى سبيل حفظ الأمن وصيانةالنظام من ذلك ما قام به جوالة الاخوان من اعتداء على مأمور قسم الجمالية .
سادسا : ثبت من تحقيق الجناية رقم 4726 سنة 1947 الإسماعيلية أن احد افراد هذه الجماعة ألقى قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة وأصابت عدة اشخاص , كما أصيب ملقيها نفسه .
سابعا : حدث فى 19 يناير 1948 أن ضبط خمسة عشر شخصا من جماعة الاخوان بمنطقة جبل المقطم يتدربون على استعمال الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل .
سابع : حدث فى 19 يناير 1948 أن ضبط خمسة عشر شخصا من جماعة الاخوان المسلمونبمنطقة جبل المقطم يتدربون على استعمال الأسلحة النارية والمفلاقعات والقنابل وكانوا يحرزون كميات كبيرةمن هذه الأنواع وغيرها من أدوات التدمير والقتل .
ثامنا : فى 27 فبراير 1948 اعتدى فريق من هذ الجماعة على خصوم لهم فى الرأى بأن أطلقوا أعيرة نارية قتلت أحدهم وكان ذلك بناحية كوم النور مركز مين غمر .
تاسعا : عثر بتاريخ 22 أكتوبر 1948 بعزبة محمد فرغلي رئيس شعبة الاخوان المسلمونبمدينة الإسماعيلية على صندوق يحتوى على قنابل مما استدعى تفتيش منزله , فاذا بأرض احدى الغرف سردابان بهما كميات ضخمة من القنابل المختلفة والمفرقعات والمقذوفات النارية والبنادق والمسدسات وأحد عشر مدفعا كما عثر فى فجوة بأرض الغرفة على وثائق تقطع بأن هذه الجماعة تعد العدة للقيام بأعمال ارهابية واسعة النطاق شديدة الخطر على كيان الدولة وأمنها .
عاشرا : حرقت فى 18 يناير 1948 أحطاب لأحد الملاك بناحية كفر بداوى واتهم بوضع النار فيها فريق شعبة الاخوان .
حادى عشر : بتاريخ 3 فبراير سنة 1948 قام بعض أفراد شعبة الاخوان بناحية كفر البرامون بايهام الأهالى بأنهم سيعملون على زيادة أجورهم وارغام "تفتيش أفيرون "الذى يقع بزمام القرية على تأجير أراضيه مقسمة على الأهالى بايجار معتدل وقاموا بمظاهرات طافت بالقرية تردد هتافات مثيرة , ولما أقبل رجال البوليس لقمع الفتنة اعتدوا عليهم باطلاق النار وقذف الأحجار .
ثانى عشر : فى يوم 16 يونيو 1948 حرض الاخوان المسلمونعمال تفتيش زراعة محلة التابع لوزارة الزراعى التوقف عن العمل مطالبين بتمليك أراضى هذا التفتيش الأمر الذى سجلته تحقيقات القضية رقم 8921 جنح مركز كفر الشيخ .
ثالث عشر : ومن الأسباب التى لجأت اليها الجماعة ارسال خطابات تهديد لبض الشركات والمحال التجارية لابتزاز الأموال منها على زعم انها مقابل الاشتراك فى جريدتهم واقتنصوا اموالا بالفعل بهذه الوسيلة .

الحكومة لا تقبض على حسن البنا

اعتقلت الحكومة آلافا منالاخوان المسلمونوأودعتهم السجون والمعتقلات كما سبق أن ذكرنا ومن البجيهى أن تعتقل قائد الجماعة ومرشدها العام – ولكن الحكومة رفضت طلب الامام حسن البنا بالقبض عليه ليشارك اخوانه هذه المحنة وقامت الحكومة باعتقال كل من يحاول زيارته أو الاقتراب من منزله – كما سحبت من الاستاذ المرشد المسدس المرخص له , كما اعتقلت شقيقه اليوزباشى عبد الباسط البنا وجميع أشقائه , ووضعت عليه رقابة مشددة , وكتب الاستاذ البنا الى وزير الداخلية اخطارا بأنه سوف يسافر الى عزبة الأخ الحاج نبراوى فى بنها , ولكن وساطات مزيفة تدخلت للتخفيف من حدة هذه المحنة بالتوسط لدى الحكومة على رأسها الشيخ عبد اللطيف دراز وهو عالم أزهرى كبير وعضو الحزب السعدي وصالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين , ومحمد على زكي باشا , وكان الاستاذ البنا بعد صدور قرار حل الاخوان يذهب بقضاء وقته فى جمعية الشبان المسلمين باعتباره عضوا فيها وأحد مؤسسيها الأول , وبسبب مبادرة التوسط هذه أجل الاستاذ البنا سفره الى بنها أملا فى انجاح هذه المفاوضات الدائرة بينه وبين الحكومة التى استمرت فى الاعتقالات والمحاكمات مبرهنة على زيف تلك الوساطات .

لماذا صدر قرار حل جماعة الاخوان المسلمونفى ديسمبر 1948

وتتلخص القصة كما قدمت الى المحكمة فيما يلى : فى 10 نوفمبر 1948 اجتمع ممثلو بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فى فايد على البحيرات المرة الواقعة على قناة السويس واتفقوا فيما بينهم على ان يرجوا حل جمعية الاخوان المسلمونوعلى أن تتقدم السفارة البريطانية بهذا المطلب .

ويقال ان الذى أوحى بهذا الاجتماع مذكرة قدمتها جماعة من الاجانب المقيمين فى مصر غالبيتها من اليونانيين الى السفير البريطانى , مؤكدة أنهم لم يعودوا يحسون الشعور بالأمن على حياتهم فى مصر .

على ان السبب الحقيقى والخفى لحل الاخوان المسلمونهوالروح الفدائية القوية التى ظهرت منهم فى حرب فلسطين , مع فاعليتهم القوية وتأثيرهم القوى فى احداث مصر الوطنية التى أزعجت أعداء الاسلام , اذ رأة أن هذا الشباب الذى يحمل فكرة محمد صلى الله عليه وسلم قد وصلت عندهم الفدائية الى هذا الحد , هذا فى نظرهم صد الخطر الذى سيبعث العملاق الاسلامى ويوقظ أمة المسلمين التى يريدونها هزيلة دائما .. فاجتمع سفراء الدول الغربية فى فايد فى 20 نوفمبر 1948 وأرسلوا بواسطة السفارة البريطانية مذكرة الى النقراشى رئيس الحكومة يطلبون منه ضرورة حل جمعية الاخوان المسلمونبحجة خطرها على أرواح الأجانبوالا احتلوا القاهرة .

هروب بعض الاخوة الى ليبيا

واستطاع بعض الاخوة أن يهربوا الى المملكة الليبية عن طريق الصحراء الغربية وسلموا أنفسهم للسلطات هناك , ولما علم بذلك الملك ادريس السنوسى قبل لجوئهم السياسى وحماهم بشهامة وشجاعة وأبى تسليمهم للسلطات المصرية , وأذكر منهم الأخوين الدكتور عز الدين ابراهيم والاخ الاستاذ ابراهيم سعده والاستاذ محمود الشربينى وبعد فترة من الوقت قضوها فى ضيافة الملك ادريس هاجر الاخوة الى لندن .

محاولة نسف محكمة الاستئناف

وفى الثالث عشر من شهر يناير 1949 توجه الى دار محكمة الاستئناف العالى بالقاهرة شاب عرف بعد ذلك أنه الأخ شفيق ابراهيم أنس ومعه حقيبة بها كمية من المواد الناسفة شديدة الانفجار وثبت فيها آلة توقيت مضبوطة على موعد محدد , ثم وضع هذه الحقيبة فى الجناح الخاص بمكتب النائب العام الذى يظن الاخ شفيق أن به الأحراز الخاصة التى تم ضبطها فى سيارة الجيب والتى تحمل أسرار الجهاز السرى للاخوان ولقد كان الاخ شفيق يهدف من وراء ذلك التخلص من جسم القضية ولكن أحد موظفى النيابة أدرك أو تنبه الى وجود تلك الحقيبة فقام بابعادها عن مبنى المحكمة وسرعان ما انفجرت فى الشارع وسببت بعض الأضرار وقبض على الاخ شفيق ابراهيم انس وقدم للمحاكمة وخرجت الصحافة تضيف الىاتهامات الدولة للاخوان اتهاما جديدا وعاشت البلاد فى دوامة من الرعب والفزع .

مقتل النقراشي باشا رئيس الحكومة

عاشت مصر كلها تتوقع رد فعل حل جماعة الاخوان المسلمونتلك الجماعة التى كانت قاب قوسين أو أدنى من أن تصل الىتحقيق أهدافها فى اقامة الحكمة القرآنى فى الأرض , وعاش الناس فى كل لحظة يترقبون حدثا هائلا حتى كان صباح الثانى والعشرين من ديسمبر 1948 حين توجه محمود فهمى النقراشى باشا رئيس الحكومة ووزير الداخلية من منزله الى مبنى وزارة الداخلية ودخل الوزير الى بهو المبنى واقترب من المصعد وفتح له كى يدخله وهناك وأمام هذا المصعد كان يقف شاب يرتدى ملابس ضابط بوليس فحياه الضابط تحية عسكرية ثم أسرع فأخرج مسدسه وصوبه الى صدر رئيس الحكومة فأرداه قتيلا فى الحال , وهجم الحرس الخاص بعد ذلك على الضابط القاتل حيث تمكنوا من القبض عليه وعرف بعد ذلك ان المتهم شاب فى الثانية والعشرين من عمره واسمه عبد المجيد أحمد حسن الطالب بكلية الطب البيطرى بالقاهرة وقد اعترف بالجريمة وقال انه وحده المسؤول عن الحادث ونفى انتماءه الى جماعة الاخوان المسلمون, كما أنكر أن له شركاء فىالحادث وكل الذى قاله ان الجريمة اختمرت فى عقله من أيام فأعد العدة لارتكابها , وأذيع الخبر من جميع محطات الاذاعة العالمية وتناوله بسرعة البرق وخرجت صحف المساء تصف الحادث وتتهم جماعة الاخوان بتدبيره قبل أن يتم أى تحقيق وامتلأت جميع الشوارع برجال البوليس السرى والعلنى وشددت الحراسات على جميع السفارات والشركات والكبارى وغيرها .

قرار بنقلى الى أسيوط

صدر قرار من ادراة الجيش بنقلى من ورش سلاح الصيانة بالأسكندرية الى ورش سلاح الصيانة بمنطقة منقباد بأسيوط وكان لزاما على أن أقوم بتنفيذ هذا القرار على الفور , وفى يوم من أيام شهر ديسمبر 1948 وبعد صلاة الفجر توجهت الى القاهرة ومنها الى أسيوط ولقد كانت مفاجأة قاسية على زوجتى التى لم يمض على اجتماع شملنا فى الأسكندرية شهرا, ووصلت الى أسيوط الساعة الثانية عشرة مساء وكانت هذه أول مرة أرى فيها مدينة أسيوط التى ما تصورت أن تكون على هذاالمستوى من الجمال وخاصة الصور المنطبعة فى خيالنا عن الصعيد ومدنه تختلف تماما عما رأيت عليه مدينة أسيوط حيث أننى فوجئت بأنها على مستوى مدينة الأسكندرية فى كثير من أحيائها وخاصة حى الخزان وشركة قلتة والحمراء وحاولت أن أجد غرفة فى احد الفنادق فلم أوفق وأخيرا طلبت من مدير احدى اللوكاندات ان يسمح لى بالمبيت فى الصالة حيث معى سريرى الخاص , ولقد تعجب الرجل عندما أخرجت له كل ما يلزمه من حقيبتى وفى الصباح رفض أن ياخذ منى أجرا فشكرته وودعته متوجها الى الوحدة العسكرية بمنطقة منقباد والتقيت بالسيد قائد الوحدة الصاغ حسن سرور الذى سلمنى عملى فى ورشة الصناعات العامة .

حرب نفسية ماكرة

بدأت الصحف والمجلات والاذاعة تذيع أنباء كثيرة عن ضبط أوكار للإخوان المسلمون واسلحة ومفرقعات واجهزة لاسلكى وملابس ضباط وجنود بوليس وأنباء بالقبض على عشرات من الاخوان فى كل مكان وكنت فى هذه الوحدة من سلاح الصيانة أعيش بين مجموعة كبيرة من المسيحيين الموظفين فى الوحدة وأكثرهم من الحاقدين على الاخوان فكانوا فى كل صباح يتحدثون عن كل جديد من الاخبار ضد الاخوان وهم يتشفون ويفرحون ويتغامزون وبدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر , حتى أنه فى احدى جلساتى معهم قال أحدهم موجها الحديث الى وللاخزة المسلمون الذين كانوا يحضرون هذه الجلسات قال : انه لا يؤلمه فى الدستور المصرى الا أن دين الدولة هو الاسلام وكان من المؤكد فى عرفه هو أن أحدنا سوف يصنع معه مشكلة وهذا هو المطلوب حتى تصبح قضية ولكنى أدركت طبيعة هؤلاء الناس لمجرد أيام قضيتها بينهم فقلت لهذا الانسان ان هذه المادة التى فى الدستور لا قيمة لها على الاطلاق وأنها يوم توضع موضع التنفيذ فسوف تكون أول من يسلم فقام غاضبا وقال كيف ذلك فقلت له عند تنفيذ الاسلام حقيقة وعملا فسوف تبهركم عظمة هذا الدين فوقع عليهم هذا الكلام كالصاعقة وصمتوا جميعا .

ومن هذ اليوم أدركت أن الانفعال خطأ وضار وأن اسلوب المجادلة بالتى هى أحسن هو طريق الحق المبين وحدث ذات يوم أن تحدث أحد الزملاء الأقباط فقال ان المسلمين غرباء عن أرض مصر وهم فى الحقيقة ليسوا مصريين أصلا – وكاد الاخوة المسلمين أن يأخذهم الغضب – ولكنى اسرعت فقلت لهم : ان العرب المسلمين الذين فتحوا مصر لم يتجاوز عددهم مئات فهل هذه الأغلبية المسلمة فى مصر الآن جاءت من بلاد العرب بالواقع أن كثيرا من المسيحيين قد دخلوا فى الاسلام أفواجا , وأن جدى البعيد كان مسيحيا قبطيا ثم أسلم ونحن من سلالة هؤلاء الأقباط ولسنا يهذا غرباء عن أرضنا وتشهد بذلك عوامل الوراثة التلا لا يمكن أن تنكر , وان كلمة قبطى ليس معناها المسيحى النصرانى ولكن معناها الحقيقى مصرى سواء كان مسيحيا أو مسلما وبهذه المناقشة الهادئة الواعية استطعنا أن نتخطى عوامل الاستفزاز فى وقت نحتاج فيه الى المجاملة الشعورية .

اسفاف الاستاذ عباس محمود العقاد

انطلق الاستاذ عباس محمود العقاد يكتب فى الصحافة ويذيع فى الاذاعة اتهامات باطلة عن جماعة الاخوان المسلمونحتى انه نزل الى مستوى بغيض حين اتهم الاخوان أنهم يشربون الخمور فى اجتماعاتهم وخرجت الصحف تشنع على الاخوان وتنسب اليهم التهم الباطلة وكانت ثالثة الأثافى أن أذاع العقاد بنفسه من محطة الاذاعة ان والد الشيخ حسن البنا أصله يهودى ولم يكن للاخوان فى هذا الوقت لسان حال يرد عنهم هذه الأباطيل أو هذه الحراب التى وجهت اليهم من كل سفيه وأجير , فقد بلغت الفتنة أشدها ولاحول ولا قوة الا بالله العلى العظيم .

حديث مجلة روز اليوسف مع حسن البنا حديثا أجراه الاستاذ إحسان عبد القدوس أذكر منه بعض العبارات حين سأل الاستاذ احسان الاستاذ حسن البنا عن رأيه فى حل جماعة الاخوان فقال الاستاذ البنا انالانسان لو ضاع منه تحقيق الشخصية أو البطاقة الشخصية هل معنى هذا أن شخصيته قد ضاعت .. طبعا لا يمكن ذلك – فان الشخصية الحقيقية موجودة – كذا لو أننا رفعنا اللافتات عن الشعب هل الشعب ومن فيها يصبحون فى خبر كان .. كلا بالطبع لأن هذا كلام غير معقول ولأن اللافتة تدل على شىء موجود والموجود سيبقى على حاله مهما تغيرت الظروف – واذا لم يسمح للانسان بالكلام فانه لا سبيل امامه الا العمل واذا قيدت أيدينا لابد أن تتحرك ارجلنا وختم الاستاذ احسان مقالته بقوله ومع هذا فانى قد رايت نهاية الرجل .. هكذا قالها احسان عبد القدوس الذى يعيش بين كواليس السياسة ويحس بؤامرات الاحزاب ويشعر بأساليبهم .

سكن جديد فى أسيوط

اضررت أن أستأجر شقة فى حى الحمراء كى أحضر زوجتى وأستقر فى أسيوط مع أن الحكمة كانت تقتضى أن لا أفعل ذلك فى مثل هذه الظروف المدلهمة , ولكن قدر الله وما شاء فعل فلحقت زوجتى مصطحبة كل ما يلزم مسكنها , وكان لزاما على تخفيفا لنفقات المعيشة أم أؤجر حجرتين من شقتى بالأسكندرية احداهما لابن خالتى المرحوم ابراهيم البشار والحجرة الأخرى للأخ المهندس عبد المنعم أمين الخوالقة والثالثة وضعت فيها باقى أثاث منزلى الذى لم يصحب زوجتى .

استشهاد الامام حسن البنا

بعد أن قتل النقراشي باش وسار شباب الحزب السعدى من خلف النعش فى الجنازة الرسمية يهتف الثأر .. الثأر , لم يعد هناك شك فى أن مؤامرة يتم ترتيبها لاغتيال الإمام الشهيد حسن البنا وأشفق الاخوان جميعا فى كل مكان على حياة الاستاذ المرشد وتواصلوا على دوام الصلة لتذكير الاخوان بالقاهرة لعمل الاحتياطات اللازمة , وكان خوفنا على حياة الاستاذ البنا هو الشغل الشاغل ليل نهار حتى أننا كنا نوفد من أسيوط يوميا من يأتينا بالأخبرا ويطمئننا على حال الاستاذ المرشد , وفى صباح الثالث عشر من فبراير 1949 خرجت من منزلى فى طريقى لركوب السيارة التى تنقلنا من أسيوط الى منقباد وكانت السيارة تتخذ لها موقفا بجوار محطة السكة الحديد , ودخلت السيارة فرأيت على الوجوه علامات غير عادية وسمعت الزملاء المسيحيين يقولون بصوت مرتفع ان الاخوان أنفسهم هم الذين قتلوا حسن البنا ففزعت لمجرد أن سمعت كلمة قتلوا وتمنيت أن لا يكون قد مات وزاد الصخب وارتفعت الاصوات ولكنى لم أشارك فى المناقشات الحامية الوطيس لأنى كنت فى حالة من الذهول , ذهبنا الى الوحدة وأسرعت الى جهاز الراديو كى أستمع الى الأخبار فتأكدت من المصيبة العظمى التى انهارت لها أعصابى وأصابنى دوار شديد لم أفق منه الا على صوت قائد الوحدة الصاغ المهندس حسن سرور الذى استدعانى لمواساتى وتعزيتى وصرح لى بالعودة الى المنزل على ان لا أغادره على الاطلاق فشكرته وعاهدته على ذلك , وفى الطريق اشتريتجريدة الأخبار وقرأت فيها التفاصيل دخلت على زوجتى مخفيا عنها الجريدة .

لكن الحمى داهمتنى فأسعفنى بعض زملائى ومكثت فى المنزل ثلاثة أيام ثم عدت الى الوحدة وأسرع بعض الاخوان عندما علموا بنبأ استشهاد الاستاذ حسن البنا فسافروا الى القاهرة – بعضهم – كالاستاذ فهمى أبو غديرة بالطائرة والآخرين بالقطار – ظنا منهم أنهم يستطيعون أن يشاركوا فى تشييع الجنازة – ولكنهم فوجئوا عند وصولهم بما لا يخطر لهم على بال حيث كان كل من يقترب من الحى الذى به منزل الشهيد يتم القبض عليه فى الحال دون استفسار كذلك كان يتم القبض على كل من يقترب من المقابر ولم يشيع جثمان الإمام الشهيد حسن البنا سوى المصفحات والمدافع الرشاشة ووالده ونساء بيته رضى الله عنه , وتناقلت اذاعات وصحافة العالم ووكالات الأنباء أخطر حدث شهدته مصر آنذاك , ولكن كيف تم اغتيال الإمام الشهيد .

لا شك أن عدم اعتقال الامام البنا كان مقصودا لذاته حيث ترك خارج المعتقل ليكون هدفا للاغتيال وامعانا فى المكيدة , زيفوا وساطة تسعى للاصلاح ما بين الاخوان والحكومة , ودعى الاستاذ حسن البنا لأكثر من لقاء لمفاوضة الحكومة فى جمعية الشبان المسلمين وهناك كانت الحكومة قد نصبت كمين الاغتيال المكون من بعض الضباط والجنود الذين أطلقوا الرصاص على الإمام الشهيد حسن البنا وهو خارج من جمعية الشبان المسلمين , ولم تكن الرصاصات قاتلة حيث خرج الاستاذ البنا من السيارة دون مساعدة وطلب الاسعاف بنفسه تليفونيا ولكن سيارة الاسعاف كانت على اتم استعداد لنقله الى مستشفى قصر العينى ليترك رحمه الله حتى يموت شهيدا .

رسالة من قيادة الاخوان المسلمونعقب استشهاد الامام حسن البنا

فى لقاء مع فضيلة الشيخ فتحي الخولي المقيم بمدينة جدة بالمملكة العربية السعودية .

حدثنى فقال

– أنه عقب اغتيال الاستاذ المرشد وكنت لا أزال طالبا فى المعهد الدينى – اذ وصلتنا هذه الرسالة :

أيها الاخوان

نحن فى ميدان الموت فيه شهادة – لا حزن ولا عزاء – ولسنا أتباع رجل ولكنا أتباع دعوة لا زلنا عليها قائمين , وهناك قيادة – وليست من مهمة المصلح أن يرى ثمرة جهاده فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوحد الجزيرة , وانما وحدها أبو بكر – ولم يقيم دولة ولكن أقامها عمر – واننا نحمل الحكومة والملك تبعة اغتياله لعدم اعتقاله ولسحب رخصة السلاح منه – ولرفع الحرس عنه فى الاسبوع الأخير – ويقول الشيخ فتحى الخولى : لقد كان لسرعة ارسال هذا البيان أثره العميق فى النفوس وخاصة الاطمئنان الى وجود قيادة فى مثل هذه الظروف الصعبة .

مظاهرة من الاطفال عقب اغتيال حسن البنا

قال لى الأخ الاستاذ فرج ابراهيم النجار – أنه عقب اغتيال حسن البنا – ساد الشعب المصرى الحزن مع الصمت والخوف – وكان عندنا فى سبين الكوم رجل من الاخوان اسمه أحمد هيبة وكان معروفا عنه أنه عاش فترة فى مستشفى المجاذيب – هذا الرجل حمع الأولاد وسار أمامهم وهو يحمل ما يشبه الراية وهو يقول : حسن البنا دخل الجنة واحنا وراه والأولاد يرددون من بعده فى مظاهرة سارت فى الشوارع ويزداد حوله الأولاد حتى جاء البوليس واعتقل أحمد هيبة وفرق الأطفال وبعد أيام أفرج البوليس عن أحمد هيبة باعتباره رجل مجنون .

محاولة قتل إبراهيم عبد الهادي

على أثر مقتل محمود النقراشى باشا أسند الملك فاروق رئاسة الوزارة الى ابراهيم عبد الهادى باشا الذى اصبح رئيسا للحزب السعدى وكان ذلك فى الثامن والعشرين من ديسمبر 1948 , وحين استشهد الامام حسن البنا أصبح ابراهيم عبد الهادى هدفا للاغتيال بطبيعة رد الفعل , ولكن ابراهيم عبد الهادى قد أخذ درسا لا ينسى من حادث اغتيال سلفه النقراشي , فكانت الحراسة المشددة بالسيارة المسلحة بالبنادق والمدافع الرشاشة تحيط به وتسير من أمامه ومن خلفه فى ذهابه وايابه , كما زيدت الحراسات فى كل مكان سواء فى الوزارات أو مجلس النواب أو مجلس الوزراء .. ولكن شباب الاخوان ظلوا يبحثون عن ظرف ملائم لاغتياله ولما كان ابراهيم عبد الهادى يسكن فى حى المعادى فقد قامت البلدية بتقليم لالأشجار الكثيفة العالية التى فى الطريق خوفا من أن يتسلقها الفدائيون من الاخوان لكن شباب الاخوان استطاعوا أن يستأجروا شقة تتحكم فى طريق موكب ابراهيم عبد الهادى تمهيدا لاطلاق الرصاص على موكبه .

وشاء الله تعالى أن يمر الموكب المنتظر ويلاحقه الرصاص من كل مكان , ولكن سرعان ما تبين للإخوان أن هذا الموكب ليس هو موكب رئيس الحكومة ولكنه موكب الاستاذ حامد جودة رئيس مجلس النواب الذى كان يسكن هو الآخر فى المعادى ويتحرك وسط الحراسةالمشددة (ابراهيم عبد الهادى أمام المحكمة بعد قيام حركة 23 يوليو 1952 متهما بالتستر على قتلة البنا ) ايضا واستطاع البوليس أن يقبض على احد الاخوان ويودعه بوليس قسم المعادى وبدأ التحقيق على الفور لكن الموقف كان متوترا للغاية ومنذرا بأحداث عظام خاصة أن الاخوان كانوا قد أغرقوا القاهرة بالمنشورات التى تنادى (رأس البنا برأس فاروق) ولكن حادثة اطلاق الرصاص على موكب رئيس مجلسي النواب تسجل قضية أخرى ضد الاخوان وتعرف باسم ( قضية الأوكار)

قضية الأوكار

على أثر استشهاد الاستاذ البنا تلاحقت الأحداث والمتفجرات والقنابل والمنشورات , ولا تزال المحنة تشتد وتشتعل وشباب الاخوان فى قمة الانفعال وطلب الاستشهاد , وعلى هذا فقد انتشر الاخوان يستأجرون الشقق فى الأماكن الاستراتيجية التى يستطيعون منها اصطياد رجال الحكومة وكل مجموعة من هؤلاء معها سلاحها ومؤونتها وعدتها .

وفى فجر الرابع من أبريل 1949 علم رجال المباحث أن بعض الاخوة يجتمعون فى مسكن ما بحى شبرا وأنهم يستعدون لعمليات انتقامية ضد الحكومة , وبمجرد أن طرق رجال البوليس هذه الشقة فاجأهم الأخ أحمد خليل شرف الدين الطالب بكلية الهندسة جامعة الأسكندرية باطلاق الرصاص عليهم من مدفع رشاش سريع الطلقات وتبعه زميله جمال الدين عطية باطلاق مسدسه أيضا , فاضطر رجال البوليس الى التراجع خارج المنزل يلاحقهم الرصاص والقنابل من كل مكان , وحين كان الاخ أحمد شرف الدين يتابع رجال البوليس من نوافذ الشقة اذا بعدة طلقات تصيبه اصابة قاتلة فيقع شهيدا فى ذمة الله .

الضابط أحمد فؤاد

كما لا يفوتنا أن نذكر بالدعاء الأخ ضابط البوليس أحمد فؤاد الذى كان قد اتهم بالتخطيط لعملية اغتيال النقراشي باشا , وحين تمكن رجال المباحث من القبض عليه فى مقر عمله بنقطة البوليس فى بنها , وبينما تسير السيارة متوجهة به الى القاهرة يتمكن الاخ الضابط أحمد فؤاد من الهروب وسط المزارع والحقول ولكن زبانية الحكم يلاحقونه باطلاق النار عليه فيخر شهيدا رحمه الله رحمة واسعة .

القبض على الاخ محمد مالك

كان الاخ محمد مالك عضوا بالتنظيم الخاص ومتهما فى قضية مقتل النقراشي باشا , ولكنه استطاع أن يفر من البوليس ولما كان الملك فاروق هو المستهدف لعملية الاغتيال فقد اعتبر هروب محمد مالك من أخطر ما يواجه الدولة لهذا جندت وزارة الداخلية كل قواتها لملاحقته فى كل مكان يظن أن يكون فيه , حتى أن رئيس الحكومة أصدر أمرا عسكريا بأن يقوم كل انسان بالتبليغ عن أى ضيف جديد ينزل فى بيته وأن يقوم كل صاحب عقار بتبليغ أقرب نقكطة بوليس عن أى ساكن جديد مقدما عقد ايجار للبوليس , كل هذا من أجل العثور على محمد مالك , وقيل ان محمد مالك نزل فى جزيرة أحمد الفوال فى مدينة فوة وقامت قوات الأمن بالقبض على الاخ المرحوم المهندس أحمد الفوال وفتشوا الجزيرة بكل دقة ولكنهم لم يعثروا عليه , ثم اتجه نشاطهم للبحث عنه فى مدينة الأسكندرية , فذهبوا الى منزلى بشارع اسماعيل صبرى برأس التين وقبضوا على ابن خالتى والاخ عبد المنعم أمين الذين يسكنان فى شقتى كما ذمرت من قبل , واخذوا جميع الأوراق والخطابات ولكنهم لم يعثروا على محمد مالك , وأخيرا توجهوا الى كثير من شقق الاخوان ومنازلهم فلم يعثروا له على أثر , وعاشت البلاد فى هرج ومرج وفزع وخوف وتخرج الصحف اليومية حاملة الاغراءات والمكافآت لكل من يعثر على محمد مالك وأخيرا علم رجال المباحث أن محمد مالك يختبىء فى منزل الأخ محمد شاملة فى شارع محرم بك , فقامت حملة من رجال البوليس والمطافىء بمحاصرة المنزل وتبادلوا مع الاخ مالك الرصاص حتى قبض عليه وأودع السجن للتحقيق وكانت قصة تاريخية شغلت الناس فترة طويلة من الزمن .

القبض على عباس السيسي

على أثر القبض على الاخ محمد مالك , وتفتيش منزلى بالأسكندرية قبض على ابن خالتى إبراهيم البشار الذى كان يقطن فى الشقة فوجدوا عنده خطابا من شقيقى المعلم على السيسى الذى يعمل نجار براميل فى رشيد ويحتاج فى هذه الصناعة الى نوع من البرشام الذى يستعمله فى وصلة طوق الحديد الذى يستعمل كحزام للبراميل وفى هذا الخطاب يطلب منه أن يرسل اليه عددا من علب البرشام وأن يتسلم البدلة من الاخ عبد المعنم المنياوي الترزى بالأسكندرية والخاصة بشقيقه رمضان السيسى كما أخبره بأنه سوف يرسل له الحذاء الذى تم عمله عند الأسطى فتحى الطيبانى فى رشيد , وحين عثر البوليس على هذا الخطاب وقرأ فيه كلمة البرشام ظن أن كل ما جاء فى هذا الخطاب ما هو الا رموز فقام البوليس بالسفر الى رشيد وقبض على شقيقى على الذى ارسل الخطاب وعلى شقيقى رمضان صاحب البدلة وعلى المعلم فتحى الطيبانى الذى صنع الحذاء كما تم القبض على الاخ عبد المنعم المنياوى الترزى بالأسكندرية الذى قام بعمل البدلة لشقيقى رمضان .

كل هؤلاء قد تم القبض عليهم فجأة وبدون مقدمات وليس وفيهم أحد من الاخوان على الاطلاق وهم يجهلون الأسباب التى قبض عليهم من أجلها .

وعلى أثر ذلك صدر قرار بالقبض على عباس السيسي بتهمة مخالفة الأوامر التى تقضى بالابلاغ عن أى ساكن جديد يسكن الشقة من الباطن , وحيث كنت فى أسيوط فى هذا الوقت فلم أتنبه لذلك ولم أبلغ عن السكان الجدد .. وبهذا تم القبض على الاسرة جميعا .

وجاءت اشارة الى قائد الوحدة بالتحفظ على عباس السيسي لحيين حضورقوة البوليس المكلفة بالقبض عليه , وفى يوم من أيام شهر مارس 1948 حضرت قوة من رجال البوليس على رأسها عقيد واستدعونى وقاموا بتفتيش مكتبى وفتشونى تفتيشا شخصيا ثم أخذونى من الوحدة وذهبنا الى المنزل وقاموا بتفتيشه تفتيشا دقيقا وقد كان موقف أحدهم غاية فى الأدب حيث تحفظ على مصاغ الزوجة ومزق جميع الخطابات والصور التى يمكن أن تسبب لنا مشاكل جديدة ثم أخذونى الى مبنى محافظة أسيوط استعدادا لترحيلى الى القاهرة , ولقد كان ذلك الموقف مؤلما لزوجتى وان كانت قد ودعتنى بكلمات طيبة ورقيقة للغاية و وفى الحال أبرقت الى رشيد فحضر شقيقها واصطحبها معه لتعيش فى موطن الأسرة الأصلى .

وفى المساء وصلت الىالقاهرة وشاء الله تعالى أن يكون سائق التاكسى الذى نقلنى من محطة السكة الحديد الى المحافظة من الموظفين بسلاح الصيانة ويعرفنى جيدا فأبرق الى اهلى برشيد ليخبرهم بأمر القبض على وسرعان ما نقلونى الى قسم بوليس عابدين حيث نمت ليلتى فى صحبة المشبوهين والمجرمين فى قلق وضجر وشاهدت فى حجرة الحجز بالقسم ما لا عين رأت ولا اذن سمعت من مشاهد بعيدة عن معنى الاخلاق الى درجة لا يمكن وصفها الا بالبهيمية والاجرام .

وفى اليوم التالى ذهبت الى مبنى المحافظة فى حراسة مشددة لمقابلة النائب العام لاجراء التحقيقات اللازمة وهناك فوجئت بوجود أشقائى على ورمضان وابن خالتى ابراهيم وعبد المنعم المنياوى وفتحى الطيبانى , وذهلت لتواجدهم بمحافظة القاهرة حيث اننى على يقين من انهم ليسوا على صلة بالاخوان المسلموناللهم الا الاخ عبد المعنم المنياوي وحده .

وبعد التحقيقات وما يتبع ذلك عدنا الى قسم عابدين وأدخلونى حجرة وجدت فيها مجموعة كبيرة من الاخوان الذين سبق القبض عليهم , وبعد أيام رحلونا الى سجن مصر أرميدان بالقلعة حيث وجدنا هناك أعدادا كبيرة من الاخوان المتهمين فى قضايا الاخوان كقضايا سيارة الجيب وحلمد جودة والأوكار ونسف محكمة الاستئناف , ومقتل الخازندار , وحدثت لنا احداث وحكايات ومشاكل وروايات ومشاهدات تعد من عجائب المساجين والسجانين ونزلاء السجون من مختلف طبقات الشعب , ووقفنا على انواع من الجرائم وطرائق المعاملات فى السجون مما لا تتسع لها هذه الصفحات بل ربما تحتاج لمجلدات خاصة لو يتسع لذلك وقت الانسان , ولا ننسى المتاعب الشاقة التى تحملها أهلونا فى السفر الينا لتحقيق كل طلباتنا .

فرصة العيد

وبينما الاخوان فى جميع السجون والمعتقلات على هذا الحال من الضيق والشدة شاء الله تعالى أن يصدر قرار ملكى باعفاء حكومة ابراهيم عبد الهادى باشا من الحكم فى الخامس والعشرين من يوليو 1949 الموافق وقفة عيد الفطر المبارك , وكلف بعده حسين سرى باشا لتولى الحكم واستبشر الاخوان وهللوا وكبروا , وما أيام حتى بدأ الافراج عن الاخوان المسلمونفخرجوا من المعتقلات أفواجا تتلوها أفواج حتى جاء دورنا وأفرج عنا من سجن أرميدان وعدنا الى رشيد , ثم تسلمت عملى من جديد فى أسيوط , وكنت لا أتوقع العودة الى العمل العسكرى مرة اخرى بل كنت أعتقد أننى سوف أفصل من وظيفتى .

العسكرى الأسود

تناولت الصحف ما سمى بالعسكرى الأسود وحقيقة ذلك الأمر أن البوليس كان يلجأ الى تعذيب الاخوان الشباب بوحشية عسكرى أسود كان يعمل مع المباحث وهذه القصة تناولتها الصحف المعادية للحكومة وروجت لها با لأعطتها أكثر من حجمها لتسىء الى سمعة الحكومة , ولكن الحقيقة التى يجب أن يعلمها لقارىء أن وسائل التعذيب فى محنة 1948 لا تقارن بوسائل التعذيب التى استعملها جمال عبد الناصر فى محنتى 1954 , 1965 حيث لا يمكن المقارنة بين الحكم المدنى والحكم العسكرى حيث كانت المحاكمات والقضايا والأحكام فى ظل الحك المدنى تتمتع بجو من الحرية وحقوق الانسان لا تقارن بما رأيناه وعايشناه فى عهد الحكم الناصرى الأسود , وان كانوا جميعا متفقين على حربهم للاسلام ولجماعة الاخوان المسلمونالحاملة للوائه بكل أنواع العسف والتعذيب .

قصيدة رائعة للاستاذ محمد رشاد عبد العزيز :

دعا القلب داع

أن يبث المكتم

فهات فحق الشعب أن يتعلم

مضى زمن لا أرجع الله حكمه

لقد كان مربد الطوالع أشأم

أطل على الوادى فحال ضياؤه

ظلاما وأعرس الأمانى مأتم

فلو أن شيطانا على الناس لم يكن

أشد وأقسى فى النكال وألأم

وكم أنفس للنوم مرخا زمامها

لدى الفجر هبت تلتقى من تهجم

وكم فتية كالزهر عمرا ومنظرا

أقاموا لهم سوق الرقيق مجسم

وكم صبية ألقوا الى العرى والطوى

وذنب ابيهم أنه كام مسلم

وكم شيخة حلوا بنزع وحيدها

عرى قلبها حتى بكت عينها الدم

لقد جلبوا أخت الأسير ليشتروا

ببنت فم عرضا مصونا محرم

لقد ظلم التاريخ نيرون وافترى عليه

وكان العدل أن يترحم

ومن عجب أن يدعوا الآن جهرة

بأن شقاء الشعب كان تقدم

ويطلب منكم نائب أن توطئوا

له ظهركم حتى يعود فيجرم

الا بارك الله الحياء وأهله

وصلى عليهم ما يشاء وسلم

الاعتقال والتحقيق والتعذيب فى عهد حكومة إبراهيم عبد الهادي

لا شك أن الاعتقالات والتحقيقات والتعذيب التى حدثت فى عهود ثورة 1952 قد أعطت تقويما جديدا لما وقع م هذه الأحداث فى عهد حكومة إبراهيم عبد الهادى , وكل حكومات ما قبل ثورة 1952 حيث كانت تلك الحكومات تمارس الاعتقال بمعنى الاعتقال دون أن تعذب المعتقلين بالضرب أو التعذيب الوحشى البشع بشتى أنواعه المختلفة , ولكن المتهمين فى القضايا الهامة والخطيرة لم يكونوا بمنجى من تعذيب السلطة بوسائل مختلفة كالضرب بالفلكة والعصى أو لطم الوجه والضغط على المتهم بالتجويع والعطش والحبس الانفرادى وشدة الاضاءة بالليل وكانت النيابة وهى سلطة التحقيق الفعلى المباشر لا تسمح بزيارة أى مسؤول للمتهم طالما كان التحقيق مستمرا .

لكنها كانت تسمح لمحامى المتهم بمقابلته وكانت تسمح بدخول الطعام والكساء والدواء للمتهم , اما فى القضايا التى تتعلق بالسلاح فكانت معاملة المتهمين تتسم بالشدة فى التعذيب والحرمان , ولكن صور التعذيب فى عهد ما قبل الثورة مهما اتسمت بالعنف والشدة والشذوذ فانها لا تقارن بأنواع التعذيب وصنوف البلاء التى عمت مصر فى عهد حكومة الثورة , وسأضرب مثلا واحدا ليكون برهانا على صحة ما أقول .

مخزن أسلحة وذخائر للاخوان بالأسكندرية

حينما اكتشف النظام الخاص للاخوان بالأسكندرية – ودلت المعلومات على ان للاخوان مخزن أسلحة ومفرقعات بحى الجمرك أخفوها بعد هدنة الحرب الفلسطينية ولعدم استطاعتهم ارسالها للمحجاهدين هناك .

فقد توجهت قوة كبيرة من رجال الأمن والمطافىء الى المكان الذى كان عبارة عن محل صغير لاصلاح الأحذيى يقوم عليه رجل هرم فوق الثمانين عاما ويمشى على عكاز .

وقد أعد الاخوان فى قاع المحل حفرة وضعوا فيها تلك الأسلحة فى المجارى فتلوثت الاسلحة والذخائر بالقاذورات وفسدت – مما اضطر معه الضابط خبير الاسلحة بكتابة تقرير ان الاسلحة والمفرقعات أصبحت فاسدة غير صالحة للاستعمال وترتب على هذا التقرير الافراج عن جميع المتهمين .

كان ذلك فى عهد الملك فاروق وسيطرة الاحتلال البريطانى على مصر أما فيما بعد فى عهد حكومات الثورة وبعد خروج الإنجليز من أرض الوطن .

فان الأمور قد بلغت حدا لا يعقل ولا يطاق – فقد روعت البلاد وذل العباد – فكم من أخ حكم عليه بالاشغال الشاقة المؤبدة مات من التعذيب الشنيع ودفن فى جبل المقطم بلا ذنب جناه الا أن يقول ربى الله " قل لكم ميعاد يوم لا تستأخرون عنه ساعة ولا تستقدمون " (1) سورة سبأ – 30 .

ختام

وختاما للجزء الأول من كتاب قافلة الاخوان المسلمون لا أظن أنى قد وفيت بكل ما حدث فى هذه الفترة مما رأيت وما سمعت فهناك الكثير مما لا تزال تمدنى به الذاكرة كلما تجددت الذكريات فى لقاءات وأحاديث مع الاخوة – كما أن هناك من الأمور ما يستوجب تأجيلها حتى يأتى حينها فلكل مقام مقال – فقد حدثت فى هذه الفترة مؤامؤات من أعداء الاسلام فى الاذاعة ةوالصحافة الحكومية كما حدث ذلك وأكثر من الاحزاب على اختلاف نزكعاتها .

وللاستاذ البنا رحمه الله كتابات ورسائل موجهة الى كافة ملوك العرب ورؤساء الوزارات ورؤساء الاحزاب فى كل ما يتصل بمصالح العرب والمسلمين وفيما يرد به على التشكيك والطعن وما يدرأ بع عن الدعوة كل اتهام وتضليل .

وفى صحافة الاخوان المسلمونمنذ نشأة هذه الجماعة ما يغطى احتياجات كل راغب فى المعرفة وبانتهاء الجزء الأول على هذه الصورة أرجو أن يوفقنا الله تعالة فى اصدار الجزء الثانى خلال عام 1987 .

سائلا الله تعالى أن ينفع به وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم .
انتهى بحمد الله .