محمد جمال النتشة
توطئة
ظلّ اسم الشيخ محمد جمال النتشة القيادي البارز في حركة المقاومة الإسلامية حماس ، في الضفة الغربية يشكّل كابوساً و هاجساً من الرعب لقوات الاحتلال الصهيونية حتى في أهدأ الظروف .
و لا يهنأ للاحتلال الصهيوني بال أن يظلّ الشيخ محمد جمال حراً خارج السجن .
بل أوعز إلى السلطة الفلسطينية بمطاردته و اعتقاله بعد الانسحاب من مدن الضفة الغربية ، فمكث في سجون السلطة أكثر من ثلاث سنوت .
ثم خضع للإقامة الجبرية في مدينة رام الله حتى اجتياحها العام الماضي .
و عرف الشيخ محمد جمال بأنه صاحب الكلمة الساحرة ، و الرأي الراجح ، و العقل الرزين ، و شهد له بذلك سجّانوه و أعداؤه في سجون الاحتلال و السلطة الفلسطينية ، قبل أحبائه .
حيث كان يتمّ تبدل حراسه بشكلٍ شبه يومي حتى لا يقعوا تحت تأثيره أو تتم استمالتهم .
تعريف بالشيخ
هو محمد جمال نعمان عمران علاء الدين النتشة ، من مواليد مدينة الخليل ، جنوب الضفة الغربية ، بتاريخ 25/2/1958 .
متزوج من سيدة خليلية و له أربعة من الأبناء هم : همام و إسلام و محمد و ولاء . حصل على شهادة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من الجامعة الأردنية عام 1982 ، و عمل مدرساً في رابطة الجامعيين ما بين (1983 - 1997) .
لقد شهدت الجامعة الأردنية عندما ارتادها القائد ، حركة صحوتية لا مثيل لها ، مما ساهم في صقل قدرات الشيخ التنظيمية والحركية ، خاصة وأن النتشة قد تعرف هناك إلى أستاذه الشيخ عبد الله عزام ، الذي سحره تواضع النتشة وحكمته الفذه ، ليقول عنه قبل خروجه للجهاد : تركت لكم هذا .. ولا خوف عليكم "يعني النتشة" .
تعرّض الشيخ النتشة منذ انطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1987 لعدة عمليات اعتقال ، كانت الأولى في 10/10/1988 و أفرج عنه في 1990/22/2م ، و الثانية في 2/1/1991 و أفرج عنه في 2/9/1992 .
ثم كانت الثالثة في 1992/14/12 و أفرج عنه في 9/9/1993م . أما المرة الرابعة فكانت في 19/4/1994 ثم أفرج عنه في 31/8/1994 .
ولقد أُبعد مع كبار قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور بين عامي 1992-1993م ، أُبعد الشيخ ، ولكن عشرات التلامذة واصلوا الطريق ، فلا تجد الآن إخوانياً ولا حتى خليلياً لا يعرف من هو جمال النتشة ..
و بعد دخول سلطة الحكم الذاتي إلى مدينة أريحا ثم باقي المدن الفلسطينية دون الخليل انتقل إليها الشيخ علّه يجد الأمان ، و عدم الملاحقة ، لكن عمليات الاعتقال و المطاردة بحقه تواصلت ، حيث أوعزت حكومة اللاحتلال إلى سلطة الحكم الذاتي لاعتقاله و كانت المرة الأولى في 9/6/1996م ، ثم أفرج عنه في 5/4/1997 ، ثم أعيد اعتقاله ثانية في 5/10/1998 و أفرج في 1/3/2001م لكنه أخضع للإقامة الجبرية في منزله حتى تارخ اعتقاله من قبل قوات الاحتلال.
الاعتقال الأخير
و بعد اجتياح المدن الفلسطينية نهاية آذار من العام الماضي جنّدت قوات الاحتلال وحداتها العسكرية للبحث عن الشيخ النتشة حتى تم اعتقاله في 2002/17/7م .
و تعرّض الشيخ النتشة منذ اعتقاله للتعذيب و التحقيق المتواصلين لأكثر من ستة أشهر منذ اعتقاله ، حتى تحوّل إلى هيكل عظمي كما تقول زوجته .
و حول كيفية اعتقاله أوضحت زوجته "أم همام" أن عملية الاعتقال تمت بتاريخ 2002/17/7م من مدينة رام الله ، عندما اعترضت سبيل الشيخ سيارة مدنية بها وحدة من جيش الاحتلال متنكرة بزي عربي .
و أضافت أن زوجها عُرض على المحكمة الصهيونية خمس مرات و كلها تم تأجيلها دون أن يتمكّن سجّانوه الصهاينة من توفير الأدلة ضده .
وأكّدت أم همام أنها لم ترَ أبا همام إلا خلال اثنتين من هذه المحاكمات و في كلّ مرة خمس دقائق فقط .
مشيرة إلى إن المحكمة الأخيرة كانت في 25 أيار الماضي و تم تأجيلها .
تحقيق و زنازين و تعذيب
و عن طبيعة التحقيق الذي تعرّض له زوجها أضافت أم همام نقلاً عن محاميه أنه خضع للتحقيق المتواصل مدة ستة أشهر ، قضى أربعة منها في زنازين سجن المسكوبية في مدينة القدس .
ثم نقل إلى سجن هداريم ليخضع لمرحلة أخرى من التحقيق مدتها شهران .
و أكّدت أن زوجها تعرّض للشبح و الضرب و تقييد الأيدي و الأرجل و المنع من النوم و الغذاء .
و أضافت أنه تم خلال فترة التحقيق نقله إلى قاعدة عسكرية شمال فلسطين في محاولة لمضاعفة الضغط النفسي عليه أو قتله ، إلا أنه عاد سالماً إلى السجن .
و تابعت : "تعرّض زوجي لضغوطات كبيرة أثناء التحقيق معه في المسكوبية ، و قد رأيته في المحكمة أول مرة بتاريخ 2000/17/9م حيث كان هيكلاً عظمياً ليس فيه سوى الجلد و العظم ، و قد تغيّرت ملامحه ، و نحل جسمه ، و ضعف جسده ، و طال شعره ، و أصبح أشعث أغبر ، لدرجة أنني لم أكد أصدق أنه هو" .
و أكّدت أم همام أنها لا تستطيع رؤية زوحها في كلّ محاكمة تعقد له في بيت إيل بسبب مشقة الطريق و الحصار ، و إذا أرادت رؤيته في المحكمة فعليها الذهاب إلى هناك قبل الموعد بيوم و البحث عن مبيتٍ حتى تراه خمس دقائق ، و هذا مرهق خاصة في ظلّ التزامات البيت و وجود الأطفال و المدرسة .
العزل
و عن آخر محطاته في سجون الاحتلال قالت أم همام : "نقلته قوات الاحتلال قبل نحو أسبوع من سجن هداريم إلى سجن العزل في بئر السبع ، بعد أن أعلن الأسرى الإضراب عن الطعام تضامناً معه لاستمرار التحقيق معه و عزله لمدة طويلة" .
و أضافت : "تتعمّد قوات الاحتلال عدم دمجه مع بقية المعتقلين لأنه قويّ التأثير و يمكنه أن يجتذب قلوب الأسرى و يعزّز من معنوياتهم" .
و قالت إن جميع التهم الموجهة إليه هي قضايا سابقة حوكم و حبس عليها ، و لا يوجد بحقّه أي شيء يمكن إدانته من خلاله .
و حول إمكانية زيارته برعاية منظمات دولية قالت أم همام إن قوات الاحتلال لا زالت تمنع الزيارات عن زوجها ، كما تمنع المحامين من لقائه مباشرة ، مشدّدة على استمرار معاناته كغيره من الأسرى من سوء الخدمات و قلة التغذية ، و الضغط النفسي المتواصل ، و كثرة التنقلات من سجن لآخر مما يتسبّب في عدم استقراره .
ظلم ذوي القربى
و أشارت أم همام إلى أنها عانت كثيراً هي و أطفالها الأربعة في غياب زوجها خاصة في مدينة رام الله و في مرحلة العمر المبكرة لأولادها الذين هم فيها بأمس الحاجة لرعاية والدهم و حنانه .
و قالت : "كانت قوات الاحتلال قبيل اعتقاله و أثناء الاجتياح تداهم المنزل و تعبث بمحتوياته و تضايقنا و تحقّق مع أطفاله ، و يسألون عنه .. لقد كسروا الأبواب و الأثاث و الممتلكات و حرقوا الباب بالليزر و أحضروا الكلاب معهم مما أثار الرعب بين أطفالي" .
إلا أن أم همام صدمت بنوعٍ آخر من المعاناة . موضحة أنها تعرّضت لمضايقات أخرى كانت أشدّ عليها من مضايقات الاحتلال .
و أضافت : "تعرّضنا لمضايقات من بعض سكان رام الله و خاصة جيراننا في العمارة السكنية الذين لم يقدّروا ظرفنا بل طلبوا منا الرحيل و نحن في أحلك الظروف و أصعبها ، حتى أجبرونا على الخروج" .
و تابعت : "مما زاد الألم أني كنت غريبة في رام الله لا أعرف أحداً ، فأنا من الخليل ، و انتقلت للعيش مع زوجي مؤقتاً في رام الله ، و كم تألمت خاصة عندما قالوا لنا (سنرميكم في الشارع) ، بعد ذلك لم أستطع الصبر و عدت أدراجي إلى الخليل مع أبنائي ، و لكم أن تتصوّروا كيف عدت و أنا أحمل الأغراض في ظلّ الإغلاق و أبنائي الأربعة ، ثم رحلة البحث للطلبة عن مدرسة و إجراءات النقل من مدراس رام الله إلى الخليل خلال منتصف العام الدراسي" .
و أضافت : "الآن نحن منقطعون عن زوجي و لا يوجد بيننا اتصالات كباقي المعتقلين في بعض السجون ، و حقيقة لا يوجد أي شيء يطمئن ، حيث لا نعرف عنه شيئاً بل نحن قلق متواصل ، نسأل الله التثبيت" .
غياب حنان الأب
و تابعت : "الأبناء الآن بحاجة إلى الأب أكثر من الأم ، و فعلاً هم كثيراً ما يتذكّروه و يتلهفون لسماع أخباره و رؤيته و الجلوس معه ، حقاً كانت فترة الإقامة الجبرية رغم مرارتها توفر نوعاً من الأمن و الأنس لنا و للأطفال أبنائه الذين كانوا يقرؤون معه ، و يضفي عليهم من حنان الأبوة" .
لكنها تقول : "الأمل في الله كبير أن يفكّ أسره و يعيده سالماً ، كذلك نطلب أن يأخذ حقّه داخل سجنه ، و ألا يظلّ عقاب التنقل يرافقه بين السجون" .
و تعود أم همام لتستأنس بالماضي و تضيف : "طول فترات اعتقاله السابقة تعرّض للتعذيب و الضغط الشديد من قبل قوات الاحتلال لكنّه ظلّ شامخاً ذو إرادة و عزيمة قويتين ، لا يلين و لا يذل" .
و تذكر أم همام أنه كان يكثر من قول : "اللهم إني أودعتك زوجتي و أمي و أبنائي و أهلي و المسلمين و أنت الذي لا تضيع ودائعك" . و "يا عزيز أعزني ألف مرة يا قويّ قوني ألف مرة" .
و طالبت أم همام في حديثها لنا المنظمات الدولية و الإنسانية التحرّك الفوري و العاجل لضمان توفير الحد الأدنى من الظروف التي يسمح بها القانون الدولي للمعتقلين ، كما طالبت الصليب الأمر بالتدخل لضمان السماح لها و لأبنائها بزيارته .
مواقف من حياة القائد محمد جمال النتشة
في التحقيق
كان الإرهاق يدب في جسد الشيخ النتشة ، وكان فريق المحققين قد استفد جميع خطواته في التحقيق ، فلا الإرهاب ولا الضرب ولا التهديد ، يؤتي أكله مع هذا الرجل ... محقق وآخر يفشلون في انتزاع معلومات بسيطة من القائد ، الذي يلسع المحقق تلو الآخر ، بابتسامة الواثق بنصر الله .
كان جالساً على كرسي صغير ، والأصفاد تخنق يديه ورجليه .. فدخل محقق مستحمس ، عوّل عليه اليهود في إرهاب الشيخ و انتزاع المعلومات منه ... وما إن بدأ المحقق التهديد وإذ بجند من جنود الله ، ذبابة صغيرة ، لا تمل ولا تكل من الطير أمام رأس المحقق ، الذي ما انفك يلوح بيده ، محاولاً إبعادها في خضم تهديد الشيخ ..
وإذ بالشيخ يبتسم ، فيسأله المحقق : ممَ تبتسم ؟! ، قال : ذبابة صغيرة ، لم تقدر أنت عليها ، ولم تستطع أن تقتلها أو تميتها ، فما بالك برجل صاحب عقيدة وعقل ..
فما إن أكمل الشيخ كلماته ، حتى جمع المحقق أوراقه وانصرف مخذولاً .. ولم يره الشيخ بعد ذلك . !
اسمي محمد جمال
مر الشيخ يوماً بأحد شوراع مدينة الخليل ، وإذ به يسمع رجلاً غاضباً يشتم ويسب الذات الإلهية ، فارتعد الشيخ ، وأوقف سيارته بجانب الشخص الغاضب ، قال له : اسمي محمد جمال النتشة ، كل ما تغضب ، فسبني واشتمني ، ولا تشتم ربي .ثم قفل عائداً إلى سيارته ، فانبهر الرجل من هذا الداعي ، وكأن الشيخ مصّ غضب هذا الإنسان ، ثم هدى الله هذا الرجل .. وأصبح من رجال الدعوة العاملين.
حسن البنا الخليلي!
كل من عرف الإمام الشهيد حسن البنا ، فإنه لا ينكر عليه ذكاءه الإجتماعي ، فهو يتذكر أسماء من التقى بعد سنوات عديدة ، وكذلك كان الشيخ القائد محمد جمال النتشة ، فكل من عرفه تأثر به ، وتأثر من ذاكرته القوية الألمعية ، يتذكر الأشخاص : أسماءهم ، وتفاصيل شخصية عنهم ، تغيب -أحياناً عن أهلهم-.!
المصادر
- معاصرين للشيخ .
|
|
|
|
مواقع إخبارية |
الجناح العسكري . الجناح السياسي |
الجناح الطلابي الجناح الاجتماعي
|