محمد محمود الحامد
بقلم: المستشار عبدالله العقيل
مولده ونشأته
أحد أعلام الدعاة المجاهدين في الديار الشاميّة، عالم حماه ومرشدها، مؤسس أوّل جمعيّة إسلاميّة في سوريّة باسم (الإخوان المسلمين).
ولد في مدينة "حماة" بسورية سنة 1328هـ 1910م، وبعد ستة أعوام، توفي والده، ثم والدته، وعاش حياته يتيم الأبوين، وكان أخوه الأكبر: بدر الدين الحامد، وعمره خمس عشرة سنة هو الذي ينفق عليه حتى أكمل دراسته الابتدائية سنة 1922م، ثم اشتغل عند معلم خياطة للملابس العربية ليتعلم مهنة الخياطة، وفي الوقت نفسه يتابع طلب العلم الشرعي لدى العلماء في المساجد، وحين افتتحت "دار العلوم الشرعية" سنة 1924م في حماة.
ترك الخياطة والتحق بها، وكانت أيام المدرسة الشرعية أسعد أيام حياته، فقد كان الأول بين أقرانه، مع الاستمرار في طلب العلم بالحلقات العلمية في المساجد.
وكان من مشايخه: الشيخ محمد سعيد الجابي، والشيخ محمد توفيق الصباغ، والشيخ محمد سعيد النعساني، والشيخ أحمد المراد.
سيرته العلمية والعملية
وفي سنة 1347هـ 1928م أنهى الشيخ محمد الحامد دراسته في مدرسة "حماة الشرعية"، فرحل إلى مدينة "حلب" حيث انتسب إلى "المدرسة الخسروية الشرعية" فيها، وكانت تلك المدرسة تعتبر أرقى المدارس الشرعية في بلاد الشام، فواصل دراسته فيها، مع حضور دروس المشايخ في مساجد حلب، وبخاصة في حلقة عالم حلب الكبير الشيخ نجيب سراج الدين، وكذلك عند الشيخ أحمد الزرقاء الفقيه الجليل، والشيخ أحمد الكردي، والشيخ عيسى البيانوني، والشيخ إبراهيم السلقيني، والشيخ محمد الناشد، والشيخ راغب الطباخ، والشيخ أحمد الشماع، والشيخ أبوالنصر خلف الحمصي، وغيرهم..
وفي سنة 1353ه عاد إلى "حماة" بعد أن أنهى دراسته في حلب، ورحل بعد ذلك إلى مصر سنة 1356ه 1938م ملتحقاً بالأزهر الشريف، ليتم دراسته العالية فيه، اتصل خلال إقامته في مصر بالإمام حسن البنا ، وصحبه وتتلمذ في العمل الحركي الدعوي عليه، واشتهر بين الإخوان المصريّين بالشيخ الحموي، وعندما غادر مصر إلى حماه سنة 1944/1364 كان شديد الحزن على فراق إخوانه بها، وبكى على هذا الفراق، في عدّة قصائد، ومنها قوله:
ذبت يا مصر مذ عزمت رحيلاً
- ولو استطعت عشت فيك طويلاً
"وعبّر عن علاقته بالإمام فقال: والذي أثّر في نفسي تأثيراً من نوع خاص، وله يد في تكويني الشخصي، سيدي وأخي في الله وأستاذي، الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله وأغدق عليه غيوث الإحسان والكرم، صحبْتُهُ في مصر سنين، وحديثي عنه لو بسطته، لكان طويل الذيل، ولكانت كلماته، قِطَعَاً من قلبي، وأفلاذاً من كبدي، وحُرَقَاً من حرارة روحي، ودموعاً منهلة منسابة تشكّل سيلاً من فاجع الألم وعظيم اللوعة.ولكنني أكتفي بالإيجاز من الإطناب، وبالاختصار من التطويل، وقد بكيته كثيراً بعد استشهاده، على نأي الدار، وشط المزار، ولا أزال أذكره حتى ألقاه في زمرة الصالحين إن شاء الله تعالى وتبارك.
إنه أخي قبل إخوتي في النسب، ولما وافاني نبأ اغتياله قلت: إن موت ولديَّ ولم يكن لي غيرهما حينئذ أهون عليّ من وفاة الأستاذ المرشد.
وكنت رأيت فيما يرى النائم ليلة قُتل، ولا علم عندي بالذي حصل، رأيت أننا في معركة مع اليهود، وقد بدأ القهقرى في جندنا، حتى إني لأمشي منحنياً لئلا يصيبني رصاصهم، فاستيقظت واستعذت بالله من شرّ هذه الرؤيا.
وفي النهار ألقى إليَّ بعض الناس الخبرَ، فكان وقعه أشد من شديد، وكان تأويل رؤياي.
إني لأقولها كلمة حرة، ولا بأس بروايتها عني، أقول: إن المسلمين لم يروا مثل حسن البنا منذ مئات السنين، في مجموع الصفات التي تحلَّى بها، وخفقت أعلامها على رأسه الشريف، لا أنكر إرشاد المرشدين، وعلم العالمين، ومعرفة العارفين، وبلاغة الخطباء والكاتبين، وقيادة القائدين، وتدبير المدبرين، وحنكة السائسين، لا أنكر هذا كله عليهم، من سابقين ولاحقين، لكن هذا التجمع لهذه المتفرقات من الكمالات، قلَّما ظفر به أحد كالإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله.
لقد عرفه الناس وآمنوا بصدقه، وكنتُ واحداً من هؤلاء العارفين به، والذي أقوله فيه قولاً جامعاً: هو أنه كان لله بكليته، بروحه وجسده، بقالبه وقلبه، بتصرفاته وتقلبه، كان لله فكان الله له، واجتباه وجعله من سادات الشهداء الأبرار.
إن سيدي وأخي الإمام الشهيد، ذو وفاء في حياته وبعد وفاته، فقد تراءى لي في المنام كثيراً في مدى سنين، وقد رأيتُ فيما يُرى: أني جالس معه في جملة من أصحابنا، على مائدة فيها أطباق خبز، وأطباق ريحان يؤكل، لكنه ريحان من النوع الممتاز، فاستيقظتُ وذكرتُ قوله تعالى: فأما إن كان من المقربين (88) فروح وريحان وجنة نعيم (89) (الواقعة).
وكان الحامد يذكر الإمام البنا ويقول: كم أنا مشتاق إلى وقفة على قبره الشريف أناجيه عن قرب، وأبثه أشواقي، وأشجاني عن كثب، فإن للقرب معناه عند المحبين .
وكان زميل الشيخ الحامد في الدراسة بمصر هو الأستاذ الدكتور مصطفى السباعي من مدينة "حمص" بسورية، وكان السباعي يثني على زميله الشيخ الحامد بقوله: "إنك مدهش، من أين لك معرفة كل هذه الأحكام؟!".
تحريضه على الجهاد
وبعد أن أنهى الشيخ الحامد دراسته العليا في مصر بتفوق، طلب منه المشرفون على الأزهر أن يدخل قسم التخصص العالي، ولكنه أبى وآثر العودة إلى بلده "حماة" حيث عاد إليها سنة 1362ه 1942م واستقرّ فيها، وكانت البلاد في ذروة جهادها الوطني، من أجل الحصول على الاستقلال، وكان من خطبه الحماسية في التحريض على المستعمرين الفرنسيين قوله: "... أما بعد: فالمعهود بإزالة النجاسة استعمال الماء، وإن تفاحش غلظها أضيف إليه التراب، قال {: "إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم، فليغسله سبعاً إحداهن بالتراب" ولكن هناك نجاسة لابستنا ربع قرن، ولا ينفع في إزالتها ماء ولا تراب، ولا يقلعها إلا الحديد والنار.
أيها المسلمون، أعدِّوا أنفسكم للجهاد، وطِّنوها على الموت، موت شريف خير من حياة تعيسة، ضربة بسيف في عزّ، خير من صفعة بيد في ذلّ، طعنة برمح في شرف، أحبُّ إلى القلب الكبير من نظرة شزراء في مهانة، ركوب الصعاب والأهوال في ارتفاع، أجمل بكثير من الراحة والدعة في استخذاء.
أيها الإخوان.. لقد استخفتْ فرنسا بنا، وخاستْ بكل العهود، ولم ترع للمواثيق حرمة، لقد طلبت منا أخيراً أن نقبل أموراً فيها ترسيخ أقدامها في هذه البلاد، واستعباد أهلها، فاغضبوا ثم اغضبوا، وثوروا ثم ثوروا، فما عاد السكوت ينفع، وما عاد السكوت يفيد، لقد كان نبيكم صلوات الله وسلامه عليه يرتجز هو وأصحابه قائلين:
المشركون قد بغوا علينا
- وإن أرادوا فتنة أبينا
أبينا أبينا
وما أجدرنا بإعادة ذلك الرجز قائلين:
هذه فرنسا قد بغت علينا
- وإن أرادت فتنة أبينا
رددو معي: أبينا.. أبينا.. أبينا
نصرة فلسطين
أيها الإخوان: إن العالم يرقبكم وينظر من قرب ومن بعد إلى هذا الصراع بين الحق والباطل، بل إن رسول الله { وأصحابه ينظرون ما أنتم فاعلون بما خلّفوا لكم من تراث مجيد، عجنوه بدمائهم في هذه الأرض، أم أنكم تضنون بها، فلا يكون لكم حظ من هذا السخاء الشريف"؟
ولما وقعت مأساة فلسطين ، تألّم الشيخ الحامد كثيراً جداً، ودعا إلى الخروج للجهاد، وأراد أن يخرج بنفسه ولكن كبار العلماء أشاروا عليه بالبقاء لحاجة الأمة إليه، ولكثرة عدد المجاهدين المتطوعين، فانضم الشيخ الحامد إلى لجان مساعدة اللاجئين، وجمع المعونات المادية لهم، وكانت خطبه المنبرية، ومقالاته في الصحف والمجلات كلها عن نصرة الشعب الفلسطيني وكان يقول:
"إن حالنا مع اليهود لا يقبل هدنة، ولا تدنو من صلح.. إنها عقدة لا تحلها إلا القوة التي تخضد شوكتهم، وتكسر رؤوسهم، وتردّهم على أعقابهم مدحورين، فلنأخذ بأسباب هذه القوة".
كان داعية خير، ووئام بين مواطنيه، يكره الفتن، ويحارب الانحراف بلسانه وقلمه، ويحرص على تطبيق الشريعة في جميع شؤون الحياة، وشهد له أعداؤه قبل أصدقائه بالإنصاف، والجرأة، والأمانة، والورع، ويعود له الفضل في إعادة السلام إلى حماه والمدن السوريّة سنة 1964/1384 عندما اعتصم الشهيد مروان حديد في جامع السلطان، الذي هدم فوق أهله، وسقطت مئذنته، ثم ما تبع ذلك من أحداث، فقام بتهدئة الخواطر على رأس وفد من أهل المدينة وتصدى لموجات الإلحاد التي فشت في الجيل الصاعد، وعمل على رد الشاردين عن الحقيقة إليها، وعمل على تغذية الشاردين بالعلم الواقي، والمعرفة الدارئة، كي تقوى فيهم ملكة المناعة الإيمانيّة، وكان يرى أن الرجوع إلى الإسلام الصحيح هو طريق الخلاص من الانحراف، والاختلاف .
جهوده العلمية
لقد عاش الشيخ الحامد طيلة حياته مدافعاً عن الحق.. والقرآن الكريم، والسُّنة المطهرة هما المحوران الأساسيان لحياته العلمية والعملية.. فكانت دروسه في مسجد السلطان بحماة، تتناول التفسير، والسيرة، والحديث، والفقه، والفتاوى، والاستفتاءات الشرعية.
من مؤلفاته
- نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام.
- ردود على أباطيل.
- تحريم نكاح المتعة في الإسلام.
- حكم الإسلام في الغناء.
- رحمة الإسلام للنساء.
- آدم لم يؤمر باطناً بالأكل من الشجرة.
- القول في المسكرات وتحريمها من الناحية الفقهية.
- حكم اللحية في الإسلام.
- التدارك المعتبر لبعض ما في كتاب القضاء والقدر.
- بدعة زيادة التنويرات في المساجد ليالي رمضان وغيرها.
- لزوم اتباع مذاهب الأئمة حسماً للفوضى الدينية.
- حكم مصافحة المرأة الأجنبية.
- مجموعة خطب منبرية.
- تعليقات وحواش على كتاب الهداية العلاّنية.
- تعليقات وحواشٍ على كتاب: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعي... وغيرها.
من أقواله
"... وبعد فالسلفية الحقّة مجتمعة مع الصوفية الصحيحة، متى حسن الفهم، وصحّ العزم على الجمع الذي هو شأن الدعوة، وأرب الإخوان، وإذا زخرفت الصوفية بالروحانية الغامرة، والرقة العميقة، فليست بمنكرة على أختها السلفية تحريها تنقية الإسلام مما لابسه من الغرائب عنه كي يعود إلى صفائه وخلوصه، لا يفترق الأخذ بالعزائم، وعمق الفهم لأسرار الدين، عن نفي ما علق به من أدران، ولحق به من أوضار عبر الأزمان، ولا يصطدم هذا والنزوع إلى الخطة الأولى، إلى الإسلام العتيق الصافي، الذي سارت فيه القرون الثلاثة المشهود لها بالخيرية...".
من أشعاره
مناجاة الرسول
يا حبيب الرحمن يا صفوة الخل
- ق ويا منيتي وراحة روحي
يا وليي وسيدي وإمامي
- أنت لي خير مشفق ونصيح
لا أبي لا أخي ولا صدر أمي
- لا ولا ذو الإخاء خدن الروح
بلغوا شأوك العلي ببر
- أو وفاء أو في الحنان الصحيح
يا بنفسي لقاً ولو طرف عين
- وبأهلي وكل غال ربيح
حب هذا النبي سرُّ انقيادي
- وأخو الحب ما به من جموح
فراق مصر
ذبتُ يا مصر مذ عزمتُ رحيلا
- ولو اسطعتُ عشت فيك طويلا
صانك الله من صروف الليالي
- وتناءت من جانبيك قفولا
ليت شعري يا مصر هل ثمَّ عودٌ
- بعد بُعد وهل أنال وصولا
أنا إن عشتُ عن حماها بعيداً
- تخذ القلب نحو مصر سبيلا
حنين إلى حماة
يا عين جودي بدمع منك مدرارا
- على زمان مضى والأهل والدار
أيام أرتع في ظل النعيم ومن
- طيب المسرة قد قضيّت أوطاري
سقياً لدهر مضى والأنسُ يجمعنا
- وينجلي البدرُ محفوفاً بأزهار
رعى الإله بقاعاً طاب مربعها
- فيها حييت وفي جنباتها داري
مداعبة
يا عصبة الفول دمتم لي ودمت لكم
- ودام مربعكم بالفول مزدانا
عشقتم الفول أشياخاً وشبانا
- وقد أقمتم لهذا العشق برهانا
هذي قدوركم بالفول زاخرة
- أزيزها ملأ الأكوان ألحانا
وريحها عطّر الأرجاء قاطبة
- حتى غدا كل قلب فيه ولهانا
وقد أحبكم من ليس يعرفكم
- "والأذن تعشق قبل العين أحياناً"
يا عترتي يا أُهيلَ الفول مجدكم
- سام وحاسدكم قد بات حيرانا
أكلتم الفول حتى جل قدركم
- ونلتم بهواه في الملا شانا
يا ويل من لا له في جمعنا صلة
- حق له أن يذوق الجوع ألوانا
قالوا عنه
وتحدّث الشيخ سعيد حوى عن صفاته وسجاياه وعبادته وتقواه فقال:
كان دائم التلاوة لكتاب الله، مداوماً على الذكر اليومي ؛ وكان غزير العبرة كثير البكاء، لم أر بين علماء المسلمين ممّن رأيت وقابلت من ينطبق عليه قوله تعالى: (إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجّداً وبكيّاً)* إلا شيخنا الحامد، وشيخنا عبدالفتاح أبوغدة ؛ ربّى إخوانه على التمسّك بالنصوص والفقه، كما ربّاهم على حبّ الإمام الشهيد حسن البنا، وحبّ (الإخوان المسلمين) وحبّ جميع المسلمين ؛ وكان يرى أنّ حسن البنا رحمه الله مجدّد قرون، وليس مجدّد هذا القرن فحسب، ولقد واطأه على ذلك الأستاذ الندوي ؛ وكان آية في التحقيق العلمي، وبحراً في العقائد، وفي الفقه، وفي التصوّف، وفي الأصول، وفي التفسير والحديث والتاريخ ؛ وكان بحراً في العلوم كلّها لا تطرق باباً من العلم إلاّ وقد أخذ بذؤابته، ويعرف دخنه، وينبّه على الأخطاء المحتملة فيه ؛ وكان شاعراً فصيحاً إذا خطب لا تعدّ عليه خطأً، عف اللسان، متأدّباً مع العلماء، وكان لا يسكت على مخطئ يقول أمامه كلمة بل كان ينصح ويصحّح، وكما كان مع المذهبيّة ومع التحقيق كان يخشى من دعوى الاجتهاد وما يترتّب على ذلك من فوضى في الفتوى ؛ فكان متشدّداً في الفتوى، لا يفتي إلاّ إذا درس ودارس واطمأنّ، وكان مستوعباً لمذاهب أهل السنّة والجماعة في العقائد والفقه، كما كان مستوعباً لعقائد الفرق الضالّة، عارفاً وقائعها، وكان داركاً لضلالات العصر، عارفاً ببدع الاستغراب، عارفاً بوجهات المستشرقين والمستغربين ؛ وكان ناصحاً مشفقاً يحسّ كل مسلم بشفقته ورحمته وخلوص نصيحته، لا يقابل السيئة بمثلها، وكان حريصاً على وحدة المسلمين، لا يرى أنّ هناك تناقضاً بين المسلمين يبيح لهم أن يدخلوا في خصومات بعضهم مع بعض، وينسوا الردّة والمرتدّين .
يقول الشيخ علي الطنطاوي: كنت أخالف الشيخ الحامد في مسائل الفقه، يذهب إلى التضييق على الناس، وفي أدلة الشرع سعة فيها كالغناء، أو يتمسك بفرعيّات هي من الكمالات، وليست من أسباب النجاة، ولا يعد تركها من المحرمات، وأشهد مع ذلك أن الشيخ كان صادقاً مع الله، صادقاً مع نفسه، وقد جعل الله له من الأثر في الناس ما لم يجعل لعشرات من أمثالي أنا .
ويقول عن رحلة صحبه فيها إلى مصر: وجدته صاحب نكتة، وفي روحه خفّة على القلب، وفي سلوكه أنس للنفس، وأنا أكره المتزمّتين الذين يتكلمون الجدّ دائماً، أو يحرصون على (المشيخة) والمشيخة غير العلم، وغير التدريس والتهذيب .
قال عنه الأستاذ عبد الله الطنطاوي :
"لله رجال.. منهم العالم العامل، والمجاهد المصلح الزاهد: الشيخ محمد الحامد يرحمه الله رحمة واسعة...
ولا ينقضي عجبي من هذا الرجل الكبير في عقله وعلمه، الصادق بعواطفه ومشاعره.. إنه يحمل قلب شاعر، ونفس ثائر، وعنفوان الشباب لم يفارقه في شيخوخته واكتهاله.
كنا نستمع إليه، فتفور الدماء في عروقنا، وخاصة عندما يتحدث عن الرسول { القائد العظيم، وعن أصحابه العظماء الأبرار. فقد كان حبه لهم أكبر من أن يحيط به وصف.
وكذلك عندما كان يحدثنا عن شيخه العالم الرباني الإمام حسن البنا رحمهما الله رحمة واسعة... كان حبه إياه بلا حدود.. كان ومازال يذكّرني بالحب الحقيقي في الله ولله.. الحب الخالص من أي شائبة، فيهزني بعنف، وأغبطه على ذلك الحب، وعلى تلك اللقاءات الحبيبة التي لا تعدلها إلا لقاءاتنا، نحن فتيان الإخوان، بقائدنا العظيم مصطفى السباعي.
ويا ما سمعنا أعذب الأحاديث وأصدقها من السباعي عن الحامد، فقد كانا أخوين في الله، أخوة قلّ نظيرها في هذا الزمان.
كنا نشمّ رائحة الإمام البنا وتقواه وعظمة نفسه، وربانيته، في أحاديث الشيخ الحامد، وفي سيرته الطاهرة، كما في كلام القائد المجاهد مصطفى السباعي عن الإمام وعن الشيخ.. وكلما تذكرتُ أحاديث أحدهما عن الآخر، أو أحاديثهما عن شيخ العصر وإمامه حسن البنا، فاضت العبرات، وهاجت العواطف، فقد خلا الميدان من هؤلاء العظماء، في الليلة الظلماء".
صفاته
للشيخ الحامد صفات ومزايا اشتهر بها وعُرف لدى كل من زامله أو صاحبه أو صادقه، أبرزها شدة الورع الذي ضرب به أروع الأمثلة في هذا العصر المادي، كما اشتهر بالزهد، والتواضع، ودماثة الأخلاق، ولطف المعاملة، والوفاء لأهل الوفاء، كما اشتهر بالجرأة في قول كلمة الحق، وبالحكمة، والغيرة على دين الله ومحارمه.. جمع بين العلم والأدب والفقه والشعر، وسلك طريق التصوف الملتزم بكتاب الله وسنة نبيه {، وحذَّر من المتصوفين المبتدعين ومن شطحاتهم، وكان لا يقبل الهدايا حتى من تلاميذه، ويطلب من البائعين أن يعاملوه كسائر الناس، فلا يرضى منهم أن يخفّضوا له ثمن ما يشتريه منهم، وكان ذا قلب رحيم، يحرص على تخفيف آلام المتألمين، ومواساة المحزونين، ويتفقد اليتامى والأيامى والأرامل والمحرومين، ويصلح بين المتخاصمين، وينقّي قلوبهم من الأكدار والأحزان.
من مواقفه
للشيخ الحامد مواقف كثيرة اتسمتْ بالجرأة والشجاعة الأدبية، أذكر منها موقفين:
الموقف الأول من أخيه وصديقه ورفيق دربه الشيخ الدكتور مصطفى السباعي عندما أصدر كتابه "اشتراكية الإسلام"، فقد غضب الشيخ الحامد لله، وكتب للسباعي أنه لن يسكت على ما جاء في كتابه، ورحب السباعي بنقد الشيخ، وكتب له: اكتب وسأنشر ما تكتب في المجلة "مجلة حضارة الإسلام التي يرأس السباعي تحريرها" وأخرج الحامد كتابه: "نظرات في كتاب اشتراكية الإسلام" وكان أسلوبه أسلوب العالم الموضوعي الذي لا يبتغي من نقده إلا الله، وتقبل السباعي نقد الحامد برحابة صدر، وكانت ردود وتعليقات وتعقيبات لم تفسد ما بين الرجلين الكبيرين من ودّ وحب في الله.
وعندما توفي السباعي، بكاه الحامد كما لم يبك أخ أخاه. رحمهما الله تعالى.
والموقف الثاني كان من النظام السوري عام 1964م عندما هاجم مدينة حماة، وقتل العشرات من تلاميذ الشيخ، وهدم جزءاً من جامع السلطان (جامع الشيخ الحامد) ولولا حكمة الشيخ وجرأته اللتان أفشلتا مخطط الحاقدين وقرارهم في هدم المدينة، لحصلت مذبحة كبيرة للمدينة.. وقد أنقذت حكمته وجرأته رقاب العشرات من الفتيان الذين حكموا عليهم بالموت، فقد تدخّل الشيخ، وقابل رئيس الدولة آنئذ، الفريق محمد أمين الحافظ، وخوّفه بالله، وناشده المروءة، فأصدر الحافظ أمراً بالعفو عن كل أولئك الشبان.
وفاته
وقد انتقل إلى رحمة الله يوم الإثنين الثامن عشر من شهر صفر سنة 1389ه الموافق 5-5-1969م بمدينة حماة بعد مرض عضال لم تنفع فيه العمليات الجراحية التي أجريت له في بيروت.
وقد شيّع إلى مثواه الأخير بحماة التي خرجت على بكرة أبيها تودع عالمها الجليل، وفقيدها العظيم، وضجت مآذن حمص وحماة بالتهليل والتكبير.
رحم الله أستاذنا الشيخ الحامد، رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
المراجع
(1) حسن البنا _ مواقف في الدعوة والتربية ص 308 عباس السيسي .
(2) العظات والمحامد في سيرة الشيخ محمد الحامد .
(3) الشيخ محمد الحامد ـ حياته وعلمه وجهاده للشيخ محمود الحامد (مخطوط في سيرة والده) .
(4) ذكريات علي الطنطاوي ج 5 ص 130
(5) لقاء مع الشيخ عبد المعز الحامد، ابن صاحب السيرة في عمّان عام 2000 .
(6)أعلام الصحوة الإسلامية، المجلد الأوّل، محمد علي شاهين .
(7) مجلة المجتمع 2006/18/11
للمزيد عن الإخوان في سوريا
1- الشيخ الدكتور مصطفي السباعي (1945-1964م) أول مراقباً عاماً للإخوان المسلمين بسوريا ولبنان. 2- الأستاذ عصام العطار (1964- 1973م). 3- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1973-1975م). 4- الأستاذ عدنان سعد الدين (1975-1981م). 5- الدكتور حسن هويدي (1981- 1985م). 6- الدكتور منير الغضبان (لمدة ستة أشهر عام 1985م) |
7- الأستاذ محمد ديب الجاجي (1985م لمدة ستة أشهر). 8- الشيخ عبدالفتاح أبو غدة (1986- 1991م) 9- د. حسن هويدي (1991- 1996م). 10- الأستاذ علي صدر الدين البيانوني (1996- أغسطس 2010م) 11- المهندس محمد رياض شقفة (أغسطس 2010) . |