اهتمام الإخوان بقضية فلسطين
الإخوان والجهاد في فلسطين
كان الإخوان المسلمون أول من نبه إلى خطورة الزحف اليهودي والتآمر الاستعماري لتمزيق الأمة العربية وزرع الكيان الصهيوني بداخلها.
ولقد روى الإخوان المسلمون بدمائهم الزكية أروع صفحات الجهاد على ثرى فلسطين الحبيبة؛ فكان التآمر الذي امتدت حباله حتى وقتنا الحالي، وكان صبر الإخوان على الأذى مع احتساب الأجر عند الله تعالى.
وهذه الحلقات من كتاب "جهاد الإخوان المسلمين في فلسطين والقناة" يروي فيها كيف كان جهاد الإخوان وتجردهم من الدنيا ومتاعها وصدقهم في اللقاء سعيا لرضا الله وثوابه.
اهتمام الإخوان المسلمين بقضية فلسطين
بدأ اهتمام الإخوان بقضية فلسطين في وقت مبكر من حياة الدعوة، ولا نجاوز الحقيقة إذا قلنا إن الإخوان المسلمين هم أول من تبنى قضية فلسطين، ودعا لها وتحرك من أجلها إعلاميًا وسياسيًا وماديًا وجهاديًا.. ففي عام 1927م بدأت صلة الإمام البنا بقضية فلسطين، وهي السنة التي تخرج فيها في كلية دار العلوم – جامعة القاهرة، وكان عمره وقتها 21عامًا، حيث أرسل رسالة إلى الحاج أمين الحسيني مفتي القدس وفلسطين، يعبر له فيها عن اهتماماته الإسلامية بهذه القضية، وانتهازه لكل الفرص للاتصال برجال الدولة العربية والإسلامية بهذا الخصوص.. كان ذلك قبل عام من تأسيس جماعة الإخوان المسلمين.
وفي عام 1931م بعث حسن البنا برسالة إلى المؤتمر الإسلامي الذي انعقد بالقدس في الفترة من 7 إلى 12 ديسمبر، بعد أحداث ثورة البراق عام 1929م عندما حاولت عصابات اليهود الاستيلاء على حائط البراق "حائط المبكى".. ومما جاء في الرسالة: "إن جماعة الإخوان المسلمين تبعث بتحيات أعضائها مشفوعة بالإجلال لأشخاصكم، والتقدير لعملكم، والإعجاب الكبير لفكرتكم، كما أنها تشارككم وتقاسمكم – على البعد – عبء ما تحملون..".
وتضمنت تلك الرسالة عدة مقترحات منها:
أن واجب المؤتمر أن يعالج مسألة شراء اليهود للأراضي الفلسطينية، والإخوان المسلمون يعتقدون أن اليهود إذا تمكنوا من شراء أي أرض فلسطينية،صار لهم حق الملكية بعد ذلك.
وقد رد الحاج أمين الحسيني عليها برسالة بتاريخ 24/1/1932م جاء فيها:
"أما بعد، فقد تُلِيَ بيانكم في مكتب المؤتمر الإسلامي العام، وكان موضع التقدير والاعتبار، وستهتم اللجنة التنفيذية بما جاء فيه كل الاهتمام".
وفي عام 1933م اندلعت ثورة المظاهرات في فلسطين، فتجاوبت معها جماعة الإخوان المسلمين بمصر، ونشرت جريدتهم المقالات والأخبار المتعلقة بالقضية، ومن بينها مقال بعنوان "فلسطين الدامية" جاء فيه: "هل أتاك حديث فلسطين الدامية؟ وهل أتاك ما فعلته بها اليد الطاغية؟ وهل علمت ما قام به العربي الكريم دفاعًا عن حقه الهضيم ووطنه العظيم؟..".
وكتب الأستاذ البنا مقالا مهمًا بعنوان "فلسطين المجاهدة" طالب فيه بوقف الهجرة الصهيونية لفلسطين، وحث العالم الإسلامي على تقديم المعونات العملية ومنها جمع الأموال وإرسالها إلى فلسطين.
وفي 3/8/1933 أرسل الإخوان المسلمون أول وفد لنشر الدعوة خارج مصر، وكان ذهابه أولا إلى فلسطين، ومكث بها ثلاثة أيام، واتصل بزعمائها وقادتها، وكان من بين أعضاء الوفد الأستاذ عبد الرحمن البنا "الساعاتي" شقيق الأستاذ حسن البنا، وبعد عودة الوفد من فلسطين أصدر بيانًا قويًا جاء فيه:
"في العام المقبل يا إسرائيل، بل غدًا إن شاء الله يا شراد الليل ويا شر قبيل، نجعل كيدكم في تضليل، ونرسل عليكم حجارة من سجيل، ونذيقكم أنواع العذاب الوبيل، ولتعلمن نبأه بعد حين".. وبعد هذه الزيارة أصبح المركز العام للإخوان المسلمين بمثابة منتدى لقادة الجهاد الفلسطيني، لشرح أبعاد القضية، وللتنسيق مع الجماعة في جهودها لمساعدة فلسطين، ونشطت حركة جمع التبرعات لأجل فلسطين ومنها مشروع قرش فلسطين، كما ازداد الحديث عن قضية فلسطين في مساجد القاهرة والمحافظات المصرية، وقام شباب الإخوان المسلمين بهذا الجهد خير قيام.
وقد سجل الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي صورة من هذا الجهد في كتابه "وحي القلم" بعنوان "الأيدي المتوضئة".
أضخم مظاهرات
وفي 11/8/1933 قامت أول مظاهرة عامة في جميع أنحاء البلاد تردد هتافات موحدة منها "عاشت فلسطين عربية"، "النصر لفلسطين والموت للصهاينة"، "فلسطين العربية لن تتجزأ" وكانت هذه المظاهرات أول تنبيه لأذهان الشعب المصري في القرى والمدن للتفاعل مع قضية فلسطين، كما أنها كانت أول مظاهرات تقوم في أقاليم مصر عامة بعد مظاهرات عام 1919م.
وفي مارس 1935م نادى الإمام البنا في اجتماع مجلس الشورى العام الثالث للإخوان، بجمع التبرعات لمساندة قضية فلسطين، وفي نوفمبر من نفس العام قامت ثورة الشهيد عز الدين القسام، وشاركت مجموعة من شباب الإخوان مع المجاهدين في القتال بعد تسللهم إلى فلسطين، وجاهدوا إلى جانب المجاهد العظيم عز الدين القسام ورجاله الأبرار.
وفي عام 1936م عندما قامت الثورة العربية الكبرى بفلسطين، اشتدت مساندة الإخوان للقضية، واتخذت تلك المساندة صورًا شتى منها:
- استمرار الخطابة في المساجد وكشف أبعاد القضية وحث الناس على التفاعل معها وجمع التبرعات وإرسالها إلى فلسطين.
- توزيع منشورات تهاجم الإنجليز وتفضح مظالمهم في فلسطين، وتبين خطر اليهود، وكانت هذه المنشورات توزع في كليات الجامعات والمصالح الحكومية والمحلات والمقاهي وغيرها، في القاهرة وأيضًا في المحافظات المختلفة.
- نشطت صحف ومجلات الإخوان المسلمين في مهاجمة سياسة الإنجليز في فلسطين ومهاجمة العصابات الصهيونية وتصرفاتها ضد الأهالي هناك.
- الدعوة إلى مقاطعة المحلات اليهودية بالقاهرة والمحافظات، وقد تم طبع كشوف بأسماء وعناوين هذه المحلات، والأسماء الحقيقية لأصحابها، وزيلت هذه الكشوف بالعبارات التالية.
"إن القرش الذي تدفعه لمحل من هذه المحلات؛ إنما تضعه في جيب يهود فلسطين ليشتروا به سلاحًا، يقتلون به إخوانك المسلمين في فلسطين".
وفي سنة 1938م طبعت اللجنة العربية العليا لفلسطين كتابًا أسمته "النار والدمار في فلسطين" يكشف فظائع الإنجليز وتآمرهم على مسلمي فلسطين، وأرسلت الهيئة كميات كبيرة منه للإخوان، الذين قاموا بتوزيعه في فترة وجيزة، وقبض على الإمام حسن البنا لهذا السبب ثم أفرج عنه، وعقب الإفراج مباشرة كتب حسن البنا رسالة إلى الحكومة المصرية يستنكر فيها هذا الموقف الذليل من قضية فلسطين.