قوافل الشهداء ... وحدها ... تحرر فلسطين
بقلم فضيلة المرشد العام الأستاذ / مصطفي مشهور
مقدمة
دخلت انتفاضة الشعب الفلسطينى العربى المسلم شهرها الثامن عشر ليؤكد من خلالها رفضه القاطع لاحتلال أرضه وإصراره العميق على تحرير إرادته وسعيه الدؤوب لتأكيد حقه فى العيش فى أجواء الأمن والحرية ، واستعداده التام للبذل والتضحية لبلوغ غاياته العظيمة وممارسة حقه المشروع فى الحياة العزيزة الكريمة والنهوض بدوره الحضارى العربى الإسلامى على كافة الساحات .
وإذا كان العدو الصهيونى الغاصب قد لجأ على مدى الثمانية عشر شهرا لشتى أشكال العدوان الوحشى وشتى أشكال القمع والإرهاب الهمجى من فرض للحصار الخانق حول القرى والمدن الفلسطينية مع استخدام كافة أسلحة القصف والدمار والقتل والإبادة لإرغام الشعب الشقيق على الرضوخ والاستسلام والتفريط فى الأرض والديار أو الهجرة من الأرض والديار إلا أن الأشقاء الفلسطينيين قد واصلوا ضرب المثل فى الصبر والثبات والصمود والزود عن الأرض والعرض ، وبرز من بين أبنائه من رفع راية الجهاد وهو يرفض الذل والإذلال .. ويأبى إلا أن يرد الصاع صاعين ..
فى إصرار على الثأر للمئات من الأطفال والنساء والشيوخ الذين امتدت إليهم أيدى وأسلحة الصهاينة المجرمين تغتال حقهم فى الحياة ، والحرية والأمن ، فى ظل صمت عالمى ربما كان دليلا على العجز والتقاعس ، وربما كان دليلا على الانحياز للمعتدين المجرمين ، وأيضا فى ظل دعم أمريكى أكثر من منحاز وأكثر من سافر
لقد صار من الملموس أن انتفاضة الشعب الفلسطينى الباسل قد أحاطت بالعدو الغادر الذى أسلم زمامه لسفاح درج على الولوغ فى دماء الأبرياء ، بالعديد من الأزمات فبددت أمنه وأفشلت مشروعاته فى التوسع أو تثبيت وتعميق .
لقد أعلنت الشعوب العربية والإسلامية عن رفضها للاحتلال الصهيونى ، وانحيازها للشعب الفلسطينى الشقيق فى جهاده وانتفاضته المباركة لتحرير كامل أرضه، كما أكدت استعدادها لدعمه بكافة أشكال الدعم، وذلك بعد أن تأكد لكل ذى بصيرة أن طريق وأسلوب التفاوض وعقد الاتفاقيات والمعاهدات لا يكفل للأمة استرداد شبر من فلسطين ، بل يمضى بالقضية على درب التصفية وإغلاق الملف ، ومن ثم كانت الانتفاضة وقوافل الشهداء فى نظر ومفهوم الأمة السبيل الصحيح والأسلوب الوحيد لبلوغ هدف التحرر والتحرير ، وتحقيق الأمل فى إعادة الأرض والديار .
حقائق واعتبارات
إن انتفاضة الشعب الفلسطينى المباركة وقد بدأت شهرها الثامن عشر ، كما إن مسيرة المجاهدين من أبنائه العظيمة ، وقد بدأت تؤتى ثمارها تضع الأمة ، على مستوى حكامها وشعوبها أمام عديد من الحقائق والاعتبارات منها :
1 - أن العدو الصهيونى صاحب مشروع أعلن عنه على ملأ من العالم فى بازل 1898 يبدأ بإنشاء دولة وسط عالمنا العربى والإسلامى وفوق أرضنا وأشلائنا فى خمسين عاما ، ثم تصل إلى وطن قومى ممتدا من النيل إلى الفرات فوق مقدساتنا وعلى حساب إسلامنا وبإزالة لوجودنا ودورنا الحضارى .
2 - أن العدو الصهيونى وهو يسخر كل الإمكانات ويلجأ إلى كل السبل والدروب للوصول إلى الهدف ، ليس ثمة ما يمنعه من التفاوض إذا كان فيه تحقيق لهدف مرحلى ، أو يمثل خطوة لبلوغ الهدف النهائى ، أيضا ليس ما يمنع من عقد الاتفاقات والمعاهدات وتحديد المرجعيات ما دامت تمثل سبيلا أو وسيلة لبلوغ الهدف ، كما أنه ليس ثمة ما يمنع من وضعها على الرف إذا حققت الغرض ، أو استنفدت الغرض ، وكما أعلن السفاح شارون فى الأيام الماضية القليلة أن أسلو .. ومدريد .. وطابا .. وغيرها ، قد انتهت وتلاشت بعد أن أدت دورها .
أيضا يعتبر العدو السلاح والتفوق فيه وسيلة من وسائله الناجعة لتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات.
3 - أن الولايات المتحدة قد حددت موقفها من العرب والمسلمين ...
ومن قضايا العرب والمسلمين .. وعلى وجه خاص القضية الفلسطينية .. ويتمثل هذا الموقف فى الانحياز التام لليهود الذين اغتصبوا فلسطين ، وشردوا الملايين من شعبها ، كما يتمثل فى دعم الكيان الصهيونى الغاصب الذى أقامه المغتصبون على أرض فلسطين ، بالمال والسلاح وليكون له التفوق فى السلاح والتكنولوجيا والاقتصاد.
فالسلاح الذى يهاجم به الصهاينة المحتلون الشعب الفلسطينى الأعزل ، سلاح أمريكى والدماء التى تسيل على أرض فلسطين هى دماء العرب ، والمدن والقرى التى يجرى هدمها ودكها بالسلاح الأمريكى.
4 - كما أن أوربا قد حددت موقفها .
بدءا من إصدار إنجلترا لوعد بلفور وانتهاء بتأييد الكيان الصهيونى والانحياز له ضد العرب أصحاب الأرض والديار المعتدى عليهم والمغتصبة كافة حقوقهم ، كافة الدول الأوربية تتهم الأشقاء الفلسطينيين ظلما وبهتانا بالعنف والإرهاب ، وتطالبهم بالكف عن العنف والإرهاب ، حتى تتمكن من إقناع الصهاينة باستئناف المفاوضات ، والمفاوضات فى المفهوم الأوربى ليست سبيلا للعرب لتحرير شبر من الأرض أو إقامة دولة على شبر من الأرض ، ولكنها سبيل للوصول بالعرب إلى الرضا والقبول أو الرضوخ والاستسلام لما هو معروض أو مفروض أمريكيا وصهيونيا .
5 - وإذا كانت أمريكا وأوربا قد حددا موقفهما فى وضوح .
وهو الانحياز للكيان الصهيونى فى سفور ، فإن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وقد وقعا فى دائرة النفوذ الأمريكى خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر ، لا يمكن أن ينهضا بأى دور لصالح العرب ، أو لصالح قضية العرب ، لقد فشل العرب على مدى سنوات فى استصدار قرار بإرسال مراقبين دوليين للضفة وغزة .. معنى هذا أننا نحرث فى البحر حين ننتظر إنصافا من الولايات المتحدة أو نصرة من أوربا أو تعاطفا من المنظمات الدولية ، أو تحركا مما يسمى بالمجتمع الدولى.
الانتفاضة .. والعمليات الاستشهادية .. والتحرير
وإذا كانت الانتفاضة قد حققت الكثير على صعيد إفشال كافة المخططات الصهيونية وعلى صعيد إرباك بل وإذلال العدو وكيل الضربات الموجعة له ، والتصدى لغطرسته وبلطجته .. وإذا كانت العمليات الاستشهادية قد حققت الكثير رغم ضيق اليد وندرة الإمكانات ، وشدة وقهر الحصار ، رغم ذلك كله يجب أن تستمر الانتفاضة والعمليات الإستشهادية حتى ترد كافة الحقوق ويعود اللاجئون إلى ديارهم ، ورغم انصراف أو عجز أو تغييب الأشقاء ، فإنها تضع العامل البارز على الطريق الصحيح ، الذى يجب أن يسلكه العرب والمسلمون ، كما تضع الجميع أمام مسئولياتهم وفى مقدمتها وعلى رأسها دعم الانتفاضة بشتى أشكال الدعم ، مع تحريك وتفعيل قرارات القمة العربية الخاصة بصندوق دعم القدس ودعم الانتفاضة ، لقد أعلنا من قبل كما أعلن كافة المخلصين فى هذه الأمة ..
ونعلن اليوم وسنظل نعلن أن وحدة الأمة وحشد كافة إمكاناتها وهى كثيرة مع إزالة الهوة أو الفجوة بين حكامها وشعوبها وتأكيد حق الشعوب فى الحرية والمشاركة فى القرار .. هى الخطوة الأولى والرئيسية على طريق تحرير كامل الأرض .. وإزالة كافة أشكال ومصادر العدوان والتصدى لكافة أشكال العدوان الإجرامى الذى صار يطال العرب والمسلمين فى كل مكان، وبشكل تنخلع له القلوب وتنفطر له النفوس ، مثل ما يجرى فى فلسطين ، وما يحدث من إحراق ومذابح للمسلمين فى الهند على أيدى الهندوس الذين ينتهكون الحرمات والمساجد ، ويسفكون الدماء . ويعتمدون على الأعراض .
يحز فى النفوس أننا نواجه الخطر الصهيونى ، والهجمة الأمريكية ، ونحن مشتتون ، متفرقون ، يواجه الشرفاء والمخلصون الصادقون فى أكثر من دولة ، المحاكمات الاستثنائية بأحكامها الجائرة ، بدلا من توحيد الصفوف ، وتكاتف الجهود ، وحشد القوى لمواجهة هجمة عاتية ، تهدد وجود الجميع ، فهل ينتبه الجميع للخطر قبل أن يحدق بهم .. وهل يمتثلون قول الله جل شأنه
(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51) (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر:5.
المصدر : رسالة الإخوان" للعدد " 269 " ... الجمعة 25 ذو الحجة 1422 هـ الموافق 8 مارس 2002 مـ