واجب الأمة نحو القدس وفلسطين
بقلم:الإستاذ محمد مهدي عاكف
مقدمة
رسالة من محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين؛ سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..
فقد انعقد ملتقى القدس الدولي في مدينة إستانبول التركية في الفترة من 15 إلى 17 من نوفمبر الجاري، وشارك فيه قرابة الخمسة آلاف من العلماء والدعاة وأصحاب الفكر وقادة الرأي ورموز الأمة على امتداد الوطن الإسلامي الكبير.
كما شارك فيه رجال الدين المسيحي، وهو مؤتمرٌ مهمٌّ، انعقد في فترة شديدة الحساسية والخطورة، سواءٌ فيما يتعلق بالظروف والأوضاع التي تمر بها القضيةالفلسطينية.
أو فيما يخص مؤتمر أنابوليس الدولي الذي ينعقد في 27/11/2007م؛ بهدف تصفية القضيةالفلسطينية .
جاء ملتقى القدس الدولي؛ ليرسل رسالةً واضحةً إلى الأمة الإسلامية وإلى شعوب العالم الحر من ناحية، وإلى المحتلين الغاصبين ومن يناصرونهم من ناحية أخرى، مفادُها أن الحق أحق أن يتبع، وأن الظلم والباطل لا مستقبل لهما، وأنه لا يضيع حق وراءه مطالب ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ..﴾ (الصف: من الآية 8).
شرف الأمة
إن القدس الشريف كانت وستظل عروس الإسلام، وشرف الأمة الإسلامية، وهي أمانة في أعناق أكثر من مليار ونصف المليار مسلم؛ حتى تعود حرةً عزيزةً كريمةً إلى كنف المسلمين، وترفرف فوق ربوعها الطاهرة رايات الحرية والعدالة والتوحيد، كما كانت لآلاف السنين، ومهما طال ليل الاحتلال والعدوان الصهيوني- المدعوم أمريكيًّا وغربيًّا- فهو إلى زوال واندحار بإذن الله تعالى، هكذا نؤمن عن يقين، وهكذا علمتنا دروس التاريخ ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا..﴾ (النور: من الآية 55).
إن الإخوان المسلمين- وهم في طليعة ركب الأمة المجاهدة من أجل إعلاء كلمة الله فوق كل شبر من أرضها، وفوق كل ذرة من ترابها- يضعون كل إمكاناتهم في خدمة القضية الفلسطينية ، وعلى رأسها تحرير القدس الشريف، وتحرير كل تراب فلسطين ، وعودة هذا الوطن السليب إلى حضن الأمة، وإعادة الأمن والسلام إلى القدس مدينة السلام.
لقد تعرضت أمتنا الإسلامية- ولا تزال- للكثير من صور الغدر والعدوان، وذاقت ألوان الظلم والاضطهاد والاستبداد على أيدي المستعمرين المحتلين، ولكنها بقيت صامدةً راسخةً، تؤمن بحقِّها في الحياة الكريمة، وتدافع عن كيانها ومقدساتها بأغلى ما تملك، وتقدم الشهداء تلوَ الشهداء، ولم تقبل الظلم والقهر والطغيان، ولن تقبله أبدًا ما دامت أمة الحق والقرآن.. أمة الرسالة والأمانة والإيمان.. أمة العدل والمساواة و الجهاد ضد العدوان.
إعلان إستانبول
نحن نؤيد ما جاء في إعلان إستانبول لنصرة القدس، وتأكيده على أن الاحتلال الصهيوني للقدس الغربية والشرقية، هو احتلال عنصريٌّ استيطاني إحلالي إرهابي، ضد حركة التاريخ، ويمثل ما تبقَّى من الظاهرة الاستعمارية التي قامت على الظلم والقهر واغتصاب الحقوق، وهو احتلالٌ لا بد أن يزول عن القدس و فلسطين وعن الجولان ومزارع شبعا، كما يجب أن تزول كل بقايا الاستعمار والاحتلال في العالم، وتأكيده كذلك على حق العودة للاجئين والنازحين والمهجَّرين إلى القدس، كما لكل الأرض الفلسطينية؛ باعتباره حقًّا فرديًّا وجماعيًّا، لا يمكن لأي إنسان المساومة عليه أو التنازل عنه، ومطالبة الدول العربية والإسلامية وجميع الدول المحبة للسلام والمؤسسات الدولية ببذل كل الجهود لإنهاء الاحتلال الصهيوني للقدس، والحفاظ على هويتها العربية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.
لقد نجح ملتقى القدس الدولي في إثبات أن قادة الأمة لا يمكنهم التفريط في أرض فلسطين الحبيبة، وعلى رأسها القدس الشريف، وأعاد الملتقى التأكيد على حق الأمة في الدفاع عن أرضها، واعتبار المقاومة بكافة أشكالها حقًّا طبيعيًّا، شرعه الإسلام، وكفلته القوانين والمواثيق والأعراف الدولية؛ حتى تتحرَّرَ الأرض ويزول الاحتلال، كما استنهض الملتقى هِمَمَ الشعوب الإسلامية لبذل ما تستطيع من جهد معنوي ومادي، وما تملك من طاقات وإمكانات؛ لتحرير المقدسات، وتطهير الأوطان من أرجاس المحتلين الغاصبين.
دعم لجان المناصرة
إنني أطالب الشعوب العربية والإسلامية، والشعوب الحرة المحبَّة للحق والعدل، وكافة مؤسسات المجتمع المدني في العالم أجمع، بإعادة تفعيل وإنشاء المزيد من لجان مناصرة الشعب الفلسطيني، والشعوب التي تعاني من بطش الاحتلال، ودعم هذه اللجان ماديًّا ومعنويًّا؛ حتى تستطيع أن تؤدي دورها في الوقوف مع هؤلاء المستضعفين.
وأطالب الشعوب وقواها الحية بالدعم الثقافي والإعلامي والاقتصادي لأهلنا المحاصرين في قطاع غزة، وإقامة المهرجانات والمؤتمرات والندوات، لكشف حقيقة ما يجري من ظلم وعدوان صهيوني ضد الشعب الفلسطيني الصابر الصامد في الضفة الغربية وقطاع غزة، وضد الأسرى والمعتقلين الذين يعانون أشدَّ المعاناة في سجون الاحتلال، وعلى رأسهم وزراء وأعضاء من المجلس التشريعي الفلسطيني، ولا بد من التحرك على كافة الأصعدة والمستويات، والضغط من أجل فكِّ الحصار الإجرامي الظالم ضد قطاع غزة، الذي يجري وسط صمت دولي وعربي مريب، ودعم مادي ومعنوي من الإدارة العنصرية الأمريكية التي يقودها المحافظون الجدد، والوقوف بقوة ضد العدوان الهمجي الصهيوني المتواصل ضد الشعب الفلسطيني.
إن الإخوان المسلمين يؤكدون على حقيقة أن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وعلى رأسها قضية القدس الشريف، وتحرير الأرض، وعودة اللاجئين، وإزالة الجدار العازل، ويطالبون الأشقَّاء في فلسطين بوحدة الصف، ونبذ الفرقة، والتمسك بثوابت الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حقه في المقاومة المشروعة حتى زوال الاحتلال، والتمسك بحرمة الدم الفلسطيني، وعدم التنازل عن الحقوق التي لا نستطيع انتزاعها من الاحتلال الغاشم.
تحية صادقة
إن الشعب الفلسطيني- بصموده وصبره وإيمانه- يُثبت للعالم كله أنه رغم قسوة المعاناة وحجم المؤامرة، التي تستهدف تركيعه وكسر إرادته، لم تلن قناته، ولم تضعف عزيمته، وسوف يظل يدافع عن أرضه وعرضه ومقدساته.
إنني أوجه تحيةً صادقةً ومخلصةً لكل فلسطيني صامد في وجه الاحتلال الغاشم، ولكل مجاهد قدَّمَ روحَه ونفسه دفاعًا عن دينه وأرضه وكرامته، ولكل قائد لم يفرِّط في حقوق شعبه، ولكل مسئول بذل ما في وسعه لخدمة قضايا وطنه وأمته، وأدعو الله- عز وجل- أن يرحم شهداءنا وأن يتقبَّل جهاد مجاهدينا، وصبر أهلنا وصمودهم في وجه الطغيان.
إنني على يقين لا يعتريه شك من أن القدس الشريف سوف تتحرَّر، وسوف تتخلَّص فلسطين من نِير الاحتلال، وسوف تتحرر كل أراضي المسلمين، في الجولان ومزارع شبعا وفي العراق وأفغانستان وغيرها، طالما استمرت هذه الجهود المباركة الساعية إلى إيقاظ الأمة للمشاركة في مواجهة التحديات، وطالما خلُصت النيات والتزم الجميع بمنهج الإسلام العظيم.. ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: من الآية 21) ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا﴾ (الإسراء: من الآية 51)..
والحمد لله رب العالمين.