محمد فؤاد أبو زيد

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشيخ محمد فؤاد أبو زيد "أبو فؤاد" .. رحيل رجل الضياء والملمّات
"خطيب المسجد الأقصى ... الداعية والمربي والقائد"


موقع ويكيبيديا الإخوان المسلمين (إخوان ويكي)

بقلم الوزير الأسير: المهندس وصفي قبها

لا شك ن الموت حق ، كل نفس ذائقة الموت ، ولا مفرّ من هذا القدر المحتوم ، فهذا كأس الكل منه شارب ، ورب العزة يقول في محكم التنزيل مخاطبا نبيه وصفيه من خلقه وخليله " إنك ميّت وإنّهم ميّتون " ، لكن هذا لا يعني أن لا نحزن على فقدان الرجال والمجاهدين ، ألا نبكي على فراق الأحبّة، فبقلوب مؤمنة ، وبمزيد من التسليم بقضاء الله وقدره ، تلقينا ومن خلف قضبان سجون الإحتلال نبأ وفاة خطيب المسجد الأقصى المبارك ، رجل الضياء والملمّات ، والدنا وشيخنا وأستاذنا المربي والداعية القائد المجاهد "محمد فؤاد أبو زيد " أبو فؤاد ".

لقد عدّت من الزيارة وقد استولى عليَّ حزن ثقيل ، سرت مقيّد الرجلين بالسلاسل الحديديّة ، ومن حولي عدد من رفاق القيد وزملاء السجن والمعاناة ، وقد واريت وجهي مرات عديدة محاولا إخفاء دموعي التي تغلّبت عليَّ مثل كل مرة حيث لا أستطيع كبت عواطفي وكبح مشاعري في الأفراح والأتراح فتنطلق عواطفي وتسحُّ دموعي على وجنتي غزيرة .

بصوتٍ متحشرج نقلت هذا الخبر الأليم بالمصاب الجلل إلى من حولي من الأسرى المجاهدين والمناضلين ، وما هي إلا ساعات حتى تناقل المجاهدون الخبر ، وغطّت سحابة من الحزن كافة أقسام سجن مجدو ، وبدأ الأسرى يتداولون بيانات النعي والإحتساب ، وقد تمَّ بعدها تأبين الفقيد في عدة أقسام تمَّ التطرّق إلى بعض ما هو معروف من محطّات سيرته العطرة .

لقد وقفت مع نفسي مستذكرا أكثر من ربع قرن من معرفته عن قرب ، وحاولت استعراض شريط ذكرياتي مع هذا الداعية والمربي الّذي له في نفوس جيل الشباب من أبناء الحركة الإسلامية مكانة عالية ، وخاصّة وهو الّذي أثّر فيهم من اشرقات روحه الشفيفة الصافية ، وصفاته الكريمة أعمق الأثر ،يرثون من في عطائه ، فجاد زرعه بأطيب الثمرات من شباب أنار الإسلام قلوبهم ، وملأ الإيمان جنبات الحياة لديهم بالنّور والإشراق ، يؤمنون بأهمّية استئناف الحياة الإسلامية ، وهم الّذين غرفوا من فيض الإخوان فاغترفوا وعبّوا ولا يرتوون .

لقد رحل عنّا الرجل والقدوة ، والداعية الفذّ ، فأبو فؤاد من رجالات فلسطين ورموزها الّذين تملّت وسمت نفوسهم بما حملوا وجادوا به من طيب الأوقات ، وبواكير العلم ، وغالي النفس والمال ، وشهادة حق أقولها بأن شيخنا وأستاذنا أبا فؤاد قد تميّز من بين الجميع ، وتألّق بأدائه ، وهو الّذي وقف نفسه وما يملك لله ودعوته وشعب فلسطين وقضيّته العادلة ، وللحركة الإسلاميّة التي تشرّف بالتعرّف عليها والانخراط والعمل في صفوفها وهو في مقتبل الشباب .

أمام هذا الجبل الأشم ، والقمّة السامقة ، والشجرة الباسقة ، تناولت قلمي لأخط وأسكب كلمات حب ووفاء فانتابتني حالة من الخوف والقلق بأن لا تكون كلماتي على المستوى الذي يليق برجل ليس ككل الرجال ، وداعية ليس ككل الدّعاة ، وهو الذي عاش صقرا محلّقا في سماء الوطن ، مستملياً بإيمانه ، ومؤمنا بعدالة قضية شعبه ، يحمل الهم ويدافع عن المظلومين والمقهورين ، ومشفقا ويشعر بالحزن والأسى على تلك القيادات التي تحمل أفكارا بعيدة عن الأفكار الإسلاميّة.

كم مرة من المرات حاولت كما حاول غيري الولوج إلى ذاكرته ونبش ما فيها لتوثيق بعضا من محطات مسيرة حياته وتاريخه الدعوي ففشل الجميع فشلا ذريعا من استنطاقه ، حاولت أن أطوف مع ذاكرته التي تختزن الأحداث والمواقف ، فكنت كمن يحاول إنتزاع صيده من أنياب الأسد ، فقد كان يكره الحديث عن نفسه ، فبقي تاريخه الدعوي محصورا بتلك المواقف والأحداث التي عاشها معه وعايشها الرعيل الأول من جيل الدعوة ومن تتلمذ لاحقا على يديه .

وبهذا الإطار فقدت حذرت مرارا وتكرارا من أن السادة العظام من الدعاة ورجالات فلسطين ورموزها الإسلاميين ، يرحلون عنّا تباعا دون أن نوثق ونأرخ تاريخ حياتهم وتجاربهم وخاصة تلك السنوات من التحاقهم بقافلة وركب الحركة الإسلامية وانخراطهم في صفوفها وانضمامهم لميادين العمل .

رحل هؤلاء وغيرهم كما رحل شيخنا وأستاذنا أبو فؤاد ورحل من قبله كل من الداعية : مفتي جنين السابق الشيخ توفيق قاسم جرار " أبو مهدي " ، والمربي الشيخ محمد حسن أبو الرب ، دون أن يتم التوثيق لنشأة وتاريخ الحركة الإسلامية في منطقة جنين والتي حالها وللأسف كحال باقي محافظات الضفة التي رحل عنها رموز العمل الدعوي والإسلامي ، فمن كتب ودوّن ووثق على سبيل المثال لا الحصر عن الأستاذ ناجي صبحة " أبو أسامة " من طولكرم ، والشيخ سعيد بلال "أبو بكر" والحاج صبحي عنبتاوي "أبو زياد " من نابلس ، والمهندس حسن القيق "أبو سليمان" من القدس ، والشيخين عبد الغني النتشة "أبو هاشم " وحمدي أبو حمدية من الخليل .

رحل العشرا وقد حُرم أبناء الحركة الإسلامية وشبابها من التعرف عليهم وعلى سيرهم وتجاربهم، وحُرم أبناء الشعب الفلسطيني من الوقوف على تلك الصفحات المشرقة والرائعة من جهاد وعطاء وتضحية وصبر الروّاد الأوائل الذين يسجّل لهم فضل السبق وفضل التأسيس والتربية ، وحمل لواء دعوة صوت الحق والقوّة والحريّة ، لذلك فإنني أطلقها صرخة مدوية بأننا بحاجة ماسة إلى أقلام غزير مدادها تقدم لنا رموزنا وقادتنا من الرعيل الاول من الدعاة وأن ينصفوهم فيما يقدّمون ، لأن في سير هؤلاء القدوات والرجال الإنتفاع ، كما إننا عندما نكتب عن الرجال والقادة والرموز ، فإن ذلك يأتي من باب الوفاء والتقدير لهم ، وأكررها المرة تلو الأخرى أن الواجب يملي علينا تقديرنا لهم بأن ننصفهم حيث يفرض الحق أن يوصفوا بلا قداسة ولا عصمة ولا تنزيه ، فالحركة الإسلامية وأبناؤها يقدّرون الرجال ، ولا يقدّسون الرجال .

واليوم ونحن نعيش محنة السجن وألم القيد وبطش السجّان ، وفي ظل اللقاءات والحوارات الّتي تتم بين مكونات الشعب الفلسطيني ، وفي ظل الأجواء التصالحية والنتائج الإيجابية التي أفضت اليه هذه الحوارات والّتي نتابعها أولا بأول عبر ما يتيسّر لنا من وسائل وآليات متابعة ، يرحل عنا أستاذنا أبو فؤاد بنفس مطمئنّة وروح راضية مرضيّة بإذن الله ، وقد اطمأنّ بأن فصائل الشعب الفلسطيني قد عادت ، بعد أن أخذت على نفسها عهدا بأن لا تحيد عن لغة الحوار وصولا إلى المصالحة الوطنية على طريق تعزيز الوحدة وتصليب اللحمة لمجابهة الصلف والغطرسة الصهيونية وممارسات الإحتلال الإجرامية والهمجية .

رحل عنّا صبيحة يوم الأحد 18/12/2011 الموافق 23 محرم 1433هـ ، رجلا من السادة العظام من رجالات فلسطين الكبار ، أحد الدعاة الأفذاذ من رجالات أرض الإسراء والمعراج ، فقد أطفئت منارة من منارات فلسطين ، حيث انتقل إلى الرفيق الاعلى خطيب المسجد الأقصى ، ومفتي جنين، وأحد قيادات الاخوان المسلمين الأوائل ، صعدت إلى بارئها روح الشيخ المجاهد بعد مسيرة حياة حافلة بالعطاء والتضحيات .

وقد سلّم الراية والامانة بعد عقود من الاجواء المعبقة بأريج الإيمان وشذى الدعوة والعمل الذي نشره الفقيد ففاضت رائحته الزكيّة في أرجاء فلسطين التاريخية ، الدعية الفذّ ورجل كل مرحلة عاشها وتعايش معها الفقيد الراحل الذي ودعناه عن عمر يناهز الثمانون عاما ، وبعد صراع طويل مع المرض الذي غيّبه عن مشهد الأحداث لأكثر من عشرة أعوام نتيجة إصابته بعدّة جلطات متتالية أقعدته عن الحركة والتواصل مع الناس والمحبين ، ومن ثم أفقدته القدرة على الحركة والنطق ، فصبر واحتسب .

رحل عنّا صوتا من أصوات الحق ، وسوطا من سياط الحق ، وسيفا من سيوف دعاة الحق ليلتحق بإخوانه ممن لهم فضل السبق وأسسوا لهذه الحركة العتيدة ، هؤلاء الأفذاذ من الروّاد الأكابر الذين سطّروا سيرة حياة لا يشوبها أية شائبة ، وهم الذين صنعوا فجر الدعوة الأول بعد أن تخرجوا من محاضن التربية ومدرسة الإخوان ، بعد أن ساقتهم الأقدار للتعرّف على العطاء الفكري ، والجيل المؤمن الذي ربّاه الأستاذ الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ، هؤلاء الذين وجدت فيهم فلسطين الجيل الذي ربّى نخبته ، ووجد في الفتية الذين نظّم ضالته .

رحل عنّا أبو فؤاد الذي صدح بصوت الحق من على منابر مساجد فلسطين وقد جاب ربوع الوطن ، ويعود اليه الفضل واخوانه من الدعاة بعد الله أولا بتعزيز وجود الدعوة وإنقاذ شباب فلسطين من الأراضي المحتلة عام 1948 من محاولات التذويب الممنهجة ، حيث حرص وراهن قادة الإحتلال على تفريغهم من انتمائهم وقيمهم الدينيّة والوطنية ، وطمس هويتهم العربية وسرقة تراثهم ، وقطع أي صلة لهم بتاريخهم ، ولكن أنّى لهم ذلك ، وقد تسابق الدعاة أصحاب الأيدي المتوضئة أمثال الفقيد الذي كان أحد أبرز رجالات هذه الثلّة ودينمو حركتها ، ومحور فعاليتها لبثّ روح الدعوة من جديد ، فدبّت الحياة في أوساط الأهل داخل الخط الأخضر .

وقد فاق من سباته من كان نائماً ، وعاد إلى السرب وجادة الصواب تائبا من انزلق في أوحال الدنيا ، هذا النشاط لم يرق لسلطات الإحتلال التي اعتقلته وحققت معه وفرضت عليه الإقامة الجبرية المنزلية والمناطقية مرات عديدة ،وذلك للحد من حركته وتأثيره ، ولكن ما كان ذلك لينال من روحه المتوثّبة والمتوقدة التي تركت آثارها الطيبة على مختلف الأجيال ، وما نشهده من نهضة وعظيم وعمق انتماء إلا أخذت بركات شيخنا أبا فؤاد .

لقد أمضى أبو فؤاد أكثر من ستة أعوام في سجون الإحتلال ، وقد أُبعد خلالها إلى جنوب لبنان " مرج الزهور " يوم 17/12/1992 مع 417 من إخوانه قيادات الحركة ومكث هناك لعام كامل برز خلاله كأحد قادة المخيم ، حيث انتخب ضمن اللجنة القيادية ، وكان غالبا ما يؤخذ برأيه بعد مناقشة الأمور والقضايا والمواقف ، فكان يطرح موقفه بحجة قوية وبعد تقييم دقيق ومسئول ، مما أثار إعجاب من حوله ، وهذا ليس غريبا على الخطيب المفوّه والداعية الصادق ، والشاعر البليغ ، والأسد الهصور الّذي كان يزمجر فيرعب زئيره الأعداء والمتخاذلين .

وهو الذي عرف برجاحة عقله وحكمته وحنكته وغزارة ثقافته وعلمه ، وقد اسندت اليه لجنة صياغة الخطابات والكتب والرسائل من المبعدين للرؤساء والملوك والزعماء والأمراء العرب والدول الإسلامية والمجتمع الدولي ؛ لشرح القضايا والمواقف ، وكان من أبرز مستقبلي الزوار من مسئولين ومبعوثين عرب ومسلمين وأجانب وبرلمانيين وإعلاميين في خيمة الاستقبال العامّة ، وقد عرفت خيمته بأكثر الخيم نشاطا وحركة ، واعتبرت المحطّة الثانية للزوار والباحثين عن المواقف والرؤى ، وكان كريما مضيافا سخي اليد ، باسم الثغر والمحيا ، لا تفارقه الابتسامة وبشاشة الوجه ، كما هو في بيته مع أهله وإخوانه وضيوفه .

عاد أبو فؤاد إلى أرض الوطن ، ولم يقيل ولم يستقيل ، يواصل مسيرة الدعوة والعطاء مع حركة لا تبيع ولا تضيّع ، ولا تفاوض ولا تساوم ، لا تعرف الخور ، ولا تعرف الجبن ، أبناؤها رجال مؤمنون ، ودعاة عاملون ، ومنهم القادة الأفذاذ منارات هدى ومشاعل نور ، وقدوات بالعمل والتضحية .

أبو فؤاد الذي رأى النور في السنوات الأولى من ثلاثينات القرن الماضي ، قد أنهى دراسته الثانوية المعروفة " بالماتريكيوليشن ، matriculation " وهي درجة استيفاء المتطلبات الضرورية للالتحاق بالجامعة ، وقد انتقل بعدها لمصر وقاهرة المعز ، وجامعها الأزهر لينهل من علوم الشريعة ، وجنديا في ركب جماعة الإخوان المسلمين ، وفي رواق الشام حيث كان يجتمع الشباب المسلم المتعطّش للمعرفة والباحث عن الحقيقة ، وهذا الرواق الذي كان يضم الشباب الذين تتوقد في روعهم شعلة الايمان ، وهم شباب الإخوان الذين جاءوا من فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ، شباب عرف الإسلام بحقيقته الناصعة فاتخذوه منهاج حياة شامل ومتكامل ، وراية سياسية ، ومعين قيّم وتربية وأخلاق ، وسلوك في محاضن الإخوان التي تكفّلت في بناء الجيل المسلم الصاعد المتفتّح على مرارة الواقع ورحابة الأمل ، وهم الذين أدركوا حقيقة الإسلام بعقولهم فكان هؤلاء الشباب قادة الحركة الإسلامية في مسقط رؤوسهم .

وعلى أثر معارضة الإخوان الإتفاقية البرطانية التي عقدها رجال الثورة مع رجال الحكومة البرطانية ونتيجة نفجّر الخلاف بين الإخوان وعبد الناصر ، أعتقل أبو فؤاد وسيق مع إخوانه من شباب الإخوان من بلاد الشام والمصريين إلى حجرات وغرف التحقيق وسراديب الجريمة والتعذيب ، وزجّ به في زنازين سجون الطاغية عبد الناصر .

وقد كان نصيب أبو فؤاد من التعذيب مضاعفا ، فقد على أثرها السمع في أذنه اليسرى قبل أن يتم ترحيله طالباً غير مرغوبا به قبل أن ينخرج ، وكان ذلك ما بين عامي " 1954-1956 " فعاد الى الأردن وقرر السفر إلى سوريا داعية ومتعلما ودارسا ، وقد تخرّج من جامعاتها قبل أن يعود ثانية إلى الأردن لينخرط في سلك التربية والتعليم في مدينة مأدبا مربيا للأجيال ، حيث كان الداعية والعقلية الفذّة والقيادي في الإخوان ، رئيس بلدية مأدبا وعضو البرلمان الأردني لاحقا المرحوم بإذن الله أحمد قطيش الأزايدة من ثمار الشيخ الدعوية وتلاميذه النجباء ، وقد كان لأبي فؤاد حضورا دعوياً لافتاً ومميزا .

وكان من ضيوف معسكرات الإخوان الصيفيّة يقدم الدرس الصباحي الروحي ، وقد التقى بالعلّامة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي ، وكان من الذين يحضرون هذه المعسكرات كضيوف:" د.إسحاق الفرحان "والأستاذ المرحوم الشيخ " ناجي صبحة " ، والمرحوم " حمدي أبو حمدية "

إنتقل أبو فؤاد بعد نكسة عام 1967 إلى الضفة ، ليواصل مهمته في تربية الأجيال في مدارس محافظة جنين المختلفة ، قبل أن ينتقل إلى الأوقاف الإسلامية ، ويرأس مديريتها في مدينة نابلس ، ومن ثم في جنين ، وعمل بعدها مفتيا لمحافظة جنين ، بعد وفاة مفتيها الشيخ توفيق جرار ، كما ويشهد مسجد الحاج نمر في نابلس على دروسه ومحاضراته ومواعظه ، وكان نجم الاحتفالات والمناسبات الدينية والوطنية ، وقد جمعه في هذا المسجد لقاء مع الدكتور محمد صيام ، رئيس الجامعة الإسلامية بغزة ، في أواسط الثمانينات ، ولم يفوّت فرصة من إلقاء جديد قصائده الشعرية ، وفي ذلك اللقاء ألقى قصيدة قوية كانت بعنوان " قم يا صلاح الدين إن بني العروبة نائمون" .

لقد عُرف الداعية ابو فؤاد بعلمه ، وإصلاحه ذات البين ، حيث كان أحد أهم رجالات الإصلاح في محافظة جنين وأرجاء الوطن ، فعلى يده وبفضل الله وأُدت فتن ، وحقت دماء ، وعلى يد هذا الداعية انشئت لجنة أموال الزكاة في جنين ، وتم تأسيس وإنشاء وتطوير أذرعها الصحيّة والتعليمية والخيرية ، حيث مستشفى الرازي ودرسة الايمان وروضة الايمان والمراكز الثقافية ومراكز تحفيظ القرآن وكفالة الأيتام في كافة البلدان الكبيرة في المحافظة ، وهو صاحب اليد الحانية على الأيتام والأسر الفقيرة والمعوزة .

الشيخ أبو فؤاد الواسعة ثقافته ، والغزير علمه ، له كتابات في مجالات دينية وفكرية مختلفة وأخرى أدبية ، ويعتبر من شعراء الحركة الإسلامية المميزين ، حيث أن شعره يتّصف بالجزالة والقوة والمتانة ، وله أكثر من ديوانين مطبوعين منها : نفحات من مرج الزهور ، والحنين إلى الوطن والأهل وقصائد كثيرة في الدعوة ورجالاتها والأقصى وأهميته وقدسيته ، وحقا كان أبو فؤاد مميزا وفي كل مناسبة وفعل لا يخلو من قصيدة شعر له أو كلمة لافتة ومميزة ومعبّرة .

أبو فؤاد الذي نشأ في ظل دعوة الإسلام منذ أن كان يافعا ، وقد تربى على يديه أجيال من أبناء وقادة الدعوة في فلسطين التاريخية أمثال الشيخ رائد صلاح وكمال الخطيب ، حيث ورث الشباب عنه واكتسبوا منه رجاحة العقل ، وسعة الصدر ، والصبر والحكمة والحنكة والتألّق في اتخاذ المواقف بعد موازنتها ومن ثم اتخاذ القرارات الوازنة .

لقد أقعده المرض وهو في ذروة عطائه وتألقه الدعوي ، وغاب عن المشهد ومسرح الأحداث بعد أن سلّم الراية والأمانة ، وهو الذي جسّد عظمة الدعاة وتفانيهم وإخلاصهم وعميق انتمائهم لدينهم ووطنهم مما أكسبهم رفعة ومجدا وحبا وإكبارا في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ، كما أن تاريخه النضالي والجهادي منذ أن كان على مقاعد الدراسة في مصر وقد استمر حتى أقعده المرض ، وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه وخلال وجوده على مقاعد الدراسة في مصر فقد تعرّف على الرئيس الراحل ياسر عرفات " أبو عمار " ، والذي كان على مقاعد الدراسة الجامعة أيضا ، فكان يأتي إلى رواق الشام الذي يضم في جنباته الطلبة النابغين والمبدعين في الغالب وجميعهم من ديار الشام ، وكان أبو عمار أحيانا يرتاد الرواق وهو يرتدي الدشداشة البيضاء والطاقية .

ويقرأ مع طلاب الإخوان المسلمين القران ، وللعلم أن الشيخ أبو فؤاد قد التقى أبو عمار بعد نكسة عام 1967 على أرض قباطية ، وقد أكدت الأحداث والمواقف أن الفقيد أبو فؤاد كان وطنينا بامتياز ، ووحدويا بامتياز ، حيث عمل على تنفيس الكثير من الإحتقانات ، ونزع فتيل الكثير من التوترات والصدامات مع حركة فتح التي كانت تصرّ على التصدي لفعاليات حركة حماس في الانتفاضة الأولى ، سعيا لإفشال حماس وإظهارها بدون رصيد شعبي ، لذلك فقد عكس أبو فؤاد وإخوانه حالة الطهر والنقاء والعفة والحرص على الوحدة في كل الميادين ، وفي كل معترك خاصة هؤلاء الرجال الذين أكدوا وبجدارة أنهم عليَّة القوم والمنارات والمثل الرفيع .

لقد رحل الشيخ أبو فؤاد الذي عرفه منبر المسجد الأقصى أسداً يتردد صدى زئيره في جنبات وساحات المسجد الأقصى والقدس وكل مدن ومخيمات وقرى وبلدات فلسطين التاريخية ، كما عرفه الشعب الفلسطيني داعية ومبشراً بفجر جديد ، وهو يحلّق بمريديه ومحبّيه غالياً في أجواء إيمانية تعبق تعبق بأريج عشق الدين والأقصى والوطن .

إن أعواد منابر المسجد الأقصى وأعواد المنابر في مساجد فلسطين التاريخية التي حزنت على الشيخ ، وبكته بدموع الحسرة والفراق والإكبار وحداد الأسى والإجلال ، وهي بذلك تبكي صوتا جريئا ، وصوت أسد يدافع عن الكرامة المهدورة ، والحق الفلسطيني المضيّع في أروقة وأدراج المؤسسات الأممية ، ودهاليز المفاوضات المظلمة والعبثية .

رحل أبو فؤاد ، وتفقد فلسطين برحيله رجلاً نحسبه عند الله صالحاً ومن المؤمنين ، وستبقى ذكراه العطرة تضمّخُ سماء فلسطين وجنباتها بعبق الإيمان ، وتضيء ظلمات حياتنا بنور اليقين بأن الله معنا ، وأنه ما يضيع حقٌ وراءه مطالب .

إن الدعوة والحركة التي انتمى اليها فقيدنا أبو فؤاد وكان أحد أبرز قياداتها ، تسجّل له فضل السبق ، حيث حمل هذه الدّعوة بقلبه ، وجوانحه وطاف بها حتى عرفته بها السهول والجبال والتلال ، وعرفه الشيوخ والرجال ، وعرفته ماجدات الدعوة وحرائرها ، عرفته أجيال صادقة تحمل في قلوبها وبين ضلوعها وحناياها كتاب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم والتمسك بفلسطين أرضا مقدّسة ووقف إسلامي ؛ فالحركة الإسلامية التي افتقدت أحد رجالاتها لن تضعف ولن تذل بإذنه تعالى ، تسير قافلتها بمن سار معها ، لا تأبه للمخلّفين والمتخلّفين والمخالفين ، دعوة وحركة حق ترفدها التضحيات والذل والعطاء والفداء ، وتنيرُ طريقها دماء القادة الشهداء ، دعوة كما ذكرت آنفاً ، سوطها سوط الحق ، وصوتها أهل الحق ، وسيوفها دعاة الحق .

ومدادها دماء الشهداء وعذابات والآلآم الأسرى والجرحى ، دعوة لن تضل طريقها ، ولن تضل معها بوصلة القلوب وقد ولانا الله سبحانه وتعالى قبلة رضيها الفقيد ونرضاها ، دعوة عمادها الصدق ، وكان فقيدنا بما عُرف عن من الصادقين ، وعمادها الإخلاص ولا نزكي على الله أحدا ، دعوة وحركة قادتها وأبناؤها عظماء لا يبالون إلى ايّة حال أصبحوا أو امسوا ، لطالما أن القرآن الكريم ربيع قلوبهم ، دعوة عظتها من عظيم تضحياتهم ، وقد باعوا الإله أرواحهم .

رحل عنّا شيخنا وترك خلفه زوجة نحسبها صالحة ، وأحد عشرة من الأبناء ، فؤاد ومؤمن وتسعة من الكريمات الفاضلات ، واليوم نفتقده كما يفتقده الشعب الفلسطيني وتفتقده الحركة الإسلامية ، تفتقد رجل وحدة ، ورجل إصلاح ، وصاحب رأي راجح ، وحجةٌ قوية ، وصاحب جرأة مميزة ، نظرته للأمور ثاقبة وعلى الدوام ، قوية وفي مكانها ومحلها .... نفتقد قائداً كان محطّ أنظار وحب واحترام الشباب ، كقيادي ميز في كل المراحل ، وهو الذي عُرف ضمن الشخصيات القيادية الحكيمة في مرج الزهور وفي الدعوة ، إضافة إلى الأستاذ عبد الفتاح دخان " أبو أسامة " والأستاذ محمد حسن شمعة " أبو الحسن " ، فكان الثلاثة من ذوي الرأي العميق الهاديْ ، بعيد النظر ، ثلاثس يميزه الهدوء والتحليل السياسي المتين ، والموقف الرصين ، يُلجأ إلى كلٍّ منهم في الملمّات في مناطقهم .

نعم ... بقلوب يملؤها الإيمان ، وبحزنٍ شديدا ، ونفوس تفتخر بجيل مميز ، ورعيل أول ، ودّعنا ابن قباطية الصابرة والمصابرة ، وابن جنين القسام ـ وابن فلسطين الإسراء والمعراج ، بعد شيخوخة صالحة ، وكم كنت آمل أن اكون خارج أسوار السجن الظالم أهله ، كي أستطيع المشاركة في تشيع جثمانه الطاهر ، وحضور العزاء مشاطراً أهله ومحبيه الأحزان ، ومتلقياً معهم التعازي بفقدانه ، ولكنّ إرادة الله غالبة ، والله المستعان على كل حال ، فقد أثار فقدانه وأجج مشاعر الحزن لدى فرسان الدعوة وأقلامها الصادقة في السجن ، وقد جاءت هذه القصيدة حباً ووفاءً لروحه الطاهرة وذكراه العطرة:

رجل الضياء

ولــد الفـــؤاد بــأرض عــزٍّ غامرٍ

من صخرهــا رضع اللبــــان وأزهرا

بـتراب هـــــذي الأرض زاد تعلقـــاً

طفـلاً عنـيداً أو صـغيــراً زمـجــرا

ومن الكنـانة نــــــال جُـلَّ علومه

بـلـدَ الـمُعزِّ ، مُعــــزّها والأزهرا

بالأمـــس كنــت بنا عُقاباً جــارحاً

وغـدوت فيـنا اليـوم ليـثاً حيـدرا

وخطيـــب قــدسٍ والمنــابر شـــهّـدٌ

يـزجـي جـهـاداً للـعبـاد مظــفّـرا

واللّحيــة البيــضاء فاح عبيرهـــا

ورصين شعــرك بالحمـــــاس تهــــدّرا

قــد أبعدوك ليـوهنـوك فما حنـــت

منـك العـزائـم كـان ربك أكــــبرا

رام العُـــداة ليــسلـبــوك إرادةً

خــاب البـغـاة ومـكـرهم قد أدبرا

أُنظـــر الى الـنجم الـمضيء شعـاعه

واقــطف من الحقــل الخزامـي أصفـرا

فـــاذكــــر أبا زيـدٍ بخيـــر إنه

محـمـود أمـرٍ والثنـاء تـقـطّــــرا

في جـــــوف ليــل يا إلـه دعـاؤنا

لك جنّـة فـيهـا النـعيـم مقـــدرا

تبــكيـك يـافا سـهلها وجـبالـهـا

تبكيـــك حيــفا والهـــتون تحــدّرا

تبكيك قــدس والـمنـابـر حـزنـهـا

شوقـا لصـوت أبا فـــواد تفـجّــرا

يبكيك شـعــري والحــمـاس مـــنارة

يبكيك أهـلـك والحـنتيــن تـعــذّرا

يبكيك شـعـــبٌ خــضـرة رايـاتـــه

تبكيك أســدٌ والجداول أنـــهــــرا

فـإجـعــل إلهـــي مآله في جنّـــــةٍ

ما تاب خائف ذنبــــه واستغفـــرا

أبا فؤاد ... والله إن القلب ليحون ، وإن العين لتدمع ، وإنا على فراقك شيخنا لمحزونون ... ولكن لا نقول إلا ما يرضي الله عز وجل : إنّا لله وإنا اليه راجعون ... فعظّم الله الأجر في أخينا أبي فؤاد ... وحمى الله الدعوة ونصرها ورفع بيارق تمكينها ، وخضر رايات عزها ، ورحم الله الداعية وقائدنا محمد فؤاد أبو زيد " أبو فؤاد " ، والله نسأل أن يجمعنا به في الفردوس الأعلى من الجنّة .

للمزيد عن الإخوان في فلسطين

أعلام الإخوان في فلسطين

العمليات الجهادية لكتائب القسام منذ تاريخها مقسمة حسب الشهر

المواقع الرسمية لإخوان فلسطين

مواقع إخبارية

الجناح العسكري

.

الجناح السياسي

الجناح الطلابي

الجناح الاجتماعي

أقرأ-أيضًا.png

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

.

تابع مقالات متعلقة

وصلات فيديو

تابع وصلات فيديو

.