أملاك اليهود في مصر وحقيقة الصراع
إعداد : إخوان ويكي
مقدمة
لا أحد ينكر أن اليهود عاشوا في العصر الحديث حياة الشتات، وكان كل حلمهم أن يجدوا وطنًا يجمع شملهم، وهو ما عملوا من أجله على مدار السنين مستفيدين بقدراتهم المالية ونفوذهم الاقتصادي في البلاد التي يسكنون فيها، وهو ما تحقق بعد سقوط الخلافة الإسلامية وبسط المستعمر الغربي نفوذه على البلاد الإسلامية مما دفعه – تحت ضغط كثير من الدول الغربية واللوبي الصهيوني - أن تصدر بريطانيا وعدًا لهم عام 1917م وهو ما سمي بـ"وعد بلفور".
ويهود مصر هم الطائفة اليهودية التي سكنت مصر، وقد كانت من أكبر الطوائف اليهودية في العالم العربي وأكثرهم نفوذا وانفتاحا ومشاركة في مختلف المجالات في المجتمع المصري الحديث، ويشكلون أقدم مجتمع يهودي؛ حيث يعود تاريخ وجود اليهود في مصر إلى بداية أول أسرة يهودية، وهي أسرة يعقوب بن إسحاق وهجرتها بعد وصول النبي يوسف إلى منصب هام في حكم مصر ولحاق إخوته به إثر المجاعة التي عمت الشرق الأوسط.
عاش اليهود في مصر كأقلية مثل باقي الأقليات، وكان لها كل الامتيازات التي جعلت منها أقلية ثرية، فقد سيطر اليهود فيها على مجريات الأمور السياسية والاقتصادية وأصبحوا في مكانة اجتماعية عالية، بحيث سيطر أفرادها على أهم الشركات والبنوك، وإنشاء الفقراء منهم مجتمعات معزولة فى حارة اليهود، بالقاهرة والإسكندرية، على الرغم من كون أغلبهم يحملون جنسيات أجنبية، إيطالية ويونانية، وقد أصروا على الاحتفاظ بها، بسبب ما كانت تمنحه الجنسية الأجنبية وقتها من ميزات، لا يحصل عليها المصريون، يقول أنس مصطفى كامل: الرأسمالية اليهودية في مصر بقوله “إنها لم تكن مصرية سواء في جذورها أو استمرارها بل ولم تحاول أن تتمصر حتى حينما عرض عليها ذلك وحتى القطاعات التي كانت مصرية من البرجوازية الصغيرة المتوسطة اليهودية تبرأت من جنسيتها المصرية واقترنت بالجنسية الأجنبية، ولم تتمصر إلا حينما اضطرت لذلك بعد إسقاط الجنسية العثمانية عنها، وبالتالي لا يمكن الحديث عن الرأسمالية اليهودية إلا كفرع للرأسمالية الإمبريالية أو ما يمكن أن نطلق عليه إمبريالية وسيطة، سواء قبل قيام الكيان الإسرائيلي أو بعده، وكانت هويتهم الصهيونية الإسرائيلية الاستعمارية تتفوق في كل المراحل على هويتهم اليهودية (1).
وبرز عدد من الأسماء اليهودية في تلك الحقبة التاريخية، والتي ما زالت تتردد حتى الآن، مثل موسى قطاوي باشا، الذي أسس خط سكة حديد أسوان، وشركة ترام شرق ووسط الدلتا، وعدس الذي أسس الشركة المصرية للبترول، وشركات بنزايون، وريفولي، وهانو، وعمر أفندي، وشيكوريل الذي كان رئيسا لغرفة التجارة وقاضيا في المحكمة المختلطة، وموريس جاتينيو الذي أسس شركة جاتينيو واحتكر تجارة الفحم، وكان له دور في دعم الحركة الصهيونية، وسوارس رئيس الجالية اليهودية في الإسكندرية، وكان صرافا وأسس بنكا، وفي المجال الفندقي برز اسم عائلة موصيري، في فنادق الإنتركونتننتال، ومينا هاوس سافوي، وسان ستيفانو، وعائلة موصيري هي التي شيدت معبد شارع عدلي، أحد أشهر أحياء القاهرة التجارية والذي تم تجديده عام 1988م، ووصل نشاط الرأسماليين اليهود حتي بلغ حجم السيطرة على الشركات المساهمة لأكثر من 103 شركات من مجموع الشركات البالغ عددها عام 1942م نحو 308 شركات.
غير أن معظم اليهود في مصر كانوا يعملون في نطاق الصهيونية العالمية لدعم فكرة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين؛ حيث عملوا على دعمها بالمال وإنشاء الصحف.
ومع مرور الوقت نجح الرأسماليون اليهود في مصر، وبتوجيه من الحركة الصهيونية العالمية، في امتلاك بعض الصحف التي راحت تشحذ همم اليهود للارتباط بالصهيونية والعمل من أجلها، وجعل وجودهم في مصر بمثابة جسر للعبور نحو تحقيق الحلم بإقامة وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، وجاء تأسيس عدة صحف لهذا الغرض وكان من أشهر هذه الصحف صحيفة “إسرائيل” التي صدرت بثلاث لغات عام 1920م، وأسسها “ألبرت موصيري”، وبعد إغلاق صحيفة إسرائيل قام “سعد يعقوب مالكي” بإصدار صحيفة “الشمس” عام 1934م؛ لكي تكون هي الأخرى معبرًا عن أهداف الصهيونية وبث الروح اليهودية وتقويتها.
والغريب في الأمر أن وزارة الداخلية المصرية، وفي إطار تحرياتها عن صاحب الصحيفة أعدت تقريرًا تفيد فيه بأنه من المؤمنين بالفكرة الصهيونية، ويدعو لها، وعلى الرغم من ذلك حصل على رخصة إصدار الصحيفة (2).
الإخوان ويهود مصر
لم تكن هجرة اليهود لمصر عشوائية أو دون تخطيط، لكنها كانت ذو هدف لديهم كبير خاصة بعدما استقروا على جعل فلسطين وطنًا قوميًا لهم كان لا بد من الانتقال للبلاد المجاورة خاصة مصر؛ لكونها كانت تحت الاحتلال البريطاني – الذي أصدر وعد بلفور وكان يساعد الصهيونية العالمية- بالإضافة لاستقرار مصر عن غيرها من الدول العربية، والبيئة الاقتصادية التي سمحت لليهود بالاستثمار وتملك الشركات والعقارات والأراضي، وهذا ما لفت نظر جماعة الإخوان المسلمين في مصر من كون اليهود لا يسعون لرخاء مصر وشعبها بل يعملون من أجل دعم الصهيونية العالمية.
فكتب الأستاذ حسن البنا – المرشد العام للإخوان - لحايم حاخام الطائفة الإسرائيلية يقول: فقد قرأت بجريدة" أخبار اليوم" وجريدة الزمان أمس أن الحكومة المصرية قد أخذت التقارير اللازمة لحماية ممتلكات اليهود متاجرهم ومساكنهم.. إلخ إلا أنني أحببت أن أنتهز الفرصة لأقول إن الرابطة الوطنية التي تربط بين المواطنين المصريين جميعا على اختلاف أديانهم في غنى عن التغييرات الحكومية دولية والحمايات البوليسية.
ولكن ونحن الآن أمام مؤامرة دولية محكمة الأطراف تغذيها الصهيونية لاقتطاع فلسطين من جسم الأمة العربية وهي عليها وأمام هذه الثورة الغامرة من الشعور القومي المتحمس في مصر وغير مصر من بلاد العروبة والإسلام, لا نرى بدًّا من أن نصارح سيادتكم وأبناء الطائفة الإسرائيلية من مواطنينا الأعزاء بأن خير حماية وأفضل وقاية هي أن تتقدموا سيادتكم ومعكم وجهاء الطائفة فتعلنوا على رءوس الأشهاد مشاركتكم لمواطنيكم من أبناء الأمة المصرية مشاركة مادية وأدبية في كفاحهم القومي من مسلمين ومسيحين لإنقاذ فلسطين، وأن تسرعوا سيادتكم قبل فوات الفرصة لهيئة الأمم المتحدة والوكالة اليهودية ولكل المنظمات والهيئات الدولية والصهيونية التي يهمها الأمر بهذا المعنى وبأن المواطنين الإسرائيليين في مصر سيكونون في مقدمة من يحمل قلم الكفاح لإنقاذ عروبة فلسطين.
بذلك تكونون قد أديت واجبكم القومي كاملاً وأزلتم أي ظل من الشك يريد أن يلقيه المغرضون حول موقف المواطنين الإسرائيليين في مصر وواسيتهم الأمة العربية كلها والشعوب الإسلامية في أعظم محنة تواجهها في تاريخها الحديث ولن ينسى لكم الوطن والتاريخ هذا الموقف المجيد (3).
غير أن معظم يهود مصر لم يعبأ بذلك، وظل على دعمه القوي للصهيونية العالمية، وترسيخ أقدام اليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني، وجمع التبرعات من أنفسهم وأرسالها للمقاتلين اليهود على ارض فلسطين للاستعداد للمعركة الكبرى.
وقد اهتم الاتحاد الصهيوني بتوجيهات من قيادته في القدس بتنشيط جمع الأموال للصناديق اليهودية عن طريق اللجان التي تشكلت في القاهرة والإسكندرية، وبالفعل فقد تم جمع مبلغ مائة ألف جنيه مصري عامي 1943 و1944م، وتم نقلها سرًّا إلى المنظمة الصهيونية ومؤسساتها في فلسطين، كما اتخذ التجار اليهود قرارًا بعدم إعطاء إعلانات صحفية عن محالهم للجرائد التي تتحامل على الصهيونية (4).
بل ظهر تعاطف يهود مصر مع الصهيونية خلال هذه الفترة, حتى انخرط شباب منهم في المنظمة الصهيونية، وقاموا باستيراد شحنة أسلحة من أمريكا وإرسالها لليهود في فلسطين، بل قاموا بإرشاد الطائرات في حي البراموني بعابدين, ومعاونة الصهيونية, والاحتفالات والمظاهرات التي قاموا بها بمناسبة إصدار وعد بلفور، كل هذه الأعمال أججت الشعور العام لدى المصريين.
يقول الدكتور محمد أبو الغار: لقد كانت تصرفات اليهود الذين ساندوا الصهيونية مستفزًّا لمشاعر المصريين مما اضطرهم للخروج في مظاهرة حاشدة بمناسبة وعد بلفور في 2/11/1945, وقد خرجت هذه المظاهرة من الجامع الأزهر فهاجمت هذه الجموع المحلات والمنشآت اليهودية وأحرقوا معبد اليهود الأشكيناز وهاجموا اليهود واعتدوا على المنشآت والأفراد, كما حدثت مظاهرات أيضًا في الإسكندرية ضد ما يقوم به اليهود (5).
زاد نشاط اليهود في مصر قرب معركة 1948م، خاصة بعدما أصدرت الأمم المتحدة قرار رقم 181 والذي أُصدر بتاريخ 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى فلسطينية، مما دفع كثيرين من المنضوين تحت لواء الصهيونية العالمية – خاصة رجال الأعمال – إلى الهجرة إلى إسرائيل لتبوء مناصب سياسية فيها، أو الارتحال إلى الدول الغربية خوفا من غضب المصريين، وزادت حركة الهجرة بعد نجاح ثورة 23 يوليو 1952م وتأميم الحكومة لكثير من الممتلكات كان من ضمنها العديد من الشركات اليهودية.
مسمار جحا في أملاك اليهود
سطر التاريخ صحائف من واقع اليهود خاصة حينما يخرجوا من مكان إلى مكان لا يتركون فيه شيء، ويهود بني النضير نموذج لذلك فحينما صدرت منه الخيانة نحو الدولة الإسلامية الوليدة طالبتهم الرسول صلى الله عليه وسلم – بالخروج من المدينة فتحصنوا ورفضوا الخروج فحاصرهم المسلمين حتى طلبوا الخروج فوافق الرسول – صلى الله عليه وسلم - شرط أن يأخذوا فقط، ما تحمله الإبل من دون السلاح، فكانوا يخلعون الأبواب والشبابيك ويحملونها فوق الأبل، وما لم يستطيعوا حمله كانوا يخربونه، فجاءت سورة الحشر معبرة عن تصرفهم.
وهكذا تصرف يهود مصر لم يتركوا شيء ثمينا سوى ما صادرته الدولة لصالح الشعب من ممتلكات عامة دون الممتلكات الخاصة، كشركة بنزيون وشركة عدس وشيكوريل وغيرها.
وهو ما لم يفكر فيه ورثة اليهود طيلة السنوات الستين الماضية لانشغال اليهود بتثبيت أركان دولتهم، لكن الأن وبعد أن بسط اليهود سيطرتهم على معظم حكام العرب وأصبح لهم اليد العليا في السياسة العربية، أعز الصهاينة لليهود بالمطالبة بحقوقهم في الأملاك التي تركها أجدادهم وأبائهم قبل خروجهم من مصر والدول العربية، وصل مجمل المبلغ المطلوب كما ذكر - موقع 24 فرانس – ما يتجاوز 250 مليار دولار – ولا أحد يدري على أي سند استندوا إليه في هذا الرقم.
حيث نشرت القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية "حداشوت"، في يناير 2019م الماضي تقريرا عن الممتلكات التي تركها 865 ألف يهودي في سبع دول عربية إضافة لإيران. وذكرت القناة في تقريرها أن الحكومة الإسرائيلية تستعد للمطالبة بمبلغ 250 مليار دولار تعويضا عن هذه الممتلكات من تلك الدول الإسلامية وذلك استباقا لمحادثات السلام التي من المزمع أن تعلن عنها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قريبا لإيجاد تسوية نهائية للقضية الفلسطينية والنزاع العربي الإسرائيلي.
وكان الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين أول من طرح مسألة المهجرين اليهود من البلاد الإسلامية في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 في كلمة عنوانها "أعيدوا لنا أموال اليهود" ألقاها بمناسبة الاحتفال لأول مرة بذكرى طرد اليهود من البلاد الإسلامية بعد تأسيس دولة إسرائيل. وكانت أعداد كبيرة من اليهود العرب وآخرين من بلدان إسلامية مثل إيران قد طردوا وهُجِّروا أو تركوا هذه البلاد بمحض إرادتهم إثر قيام دولة إسرائيل في العام 1948م.
حيث شددت وزيرة العدالة الاجتماعية على "وجوب الاعتراف بكافة الجرائم التي ارتكبت بحق اليهود من هذه الدول الإسلامية" لأننا بكل بساطة "لا يمكننا الحديث عن الشرق الأوسط دون الوضع في الحسبان حقوق اليهود الذين أجبروا بالقوة والعنف على ترك ممتلكاتهم" (6).
لكن صفاء عاشور تفند مزاعم اليهود هذه بقولها: ويكشف التاريخ كذب ادعاءات اليهود، الذين يزعمون تعرضهم للتهجير خارج البلاد، فقد كان يقف دائما وراء كل موجة من موجات هجرة اليهود إلى خارج مصر حدث تاريخي، لا علاقة للحكومة المصرية به، سواء قبل ثورة يوليو، أو بعدها، إذ يعود بداية تاريخ هجرة اليهود الذين سبق لهم العيش في مصر إلى الحرب العالمية الثانية، فمع انتصارات هتلر، خشى اليهود في مصر من تعرضهم لما قيل إنه اضطهاد، على يد القوات الألمانية في حالة دخولها إلى مصر، وقتها صفى عدد من اليهود المقيمين في مصر أعمالهم، وباعوها بأثمان بخسة، بإرادتهم الحرة، ودون ضغط من أحد، وهاجروا إلى الخارج، وفي عام 48، وبعد نكسة فلسطين، تشجع الكثير من فقراء اليهود لفكرة السفر إلى أرض الميعاد، بحثًا عن حياة أفضل.
وبعد قيام ثورة 23 يوليو عام 1952 والقبض على خلية يهودية استهدفت إجراء تفجيرات بدور السينما وعرفت بفضيحة ليفي، زادت موجات هجرة اليهود خارج مصر، خاصة بعد صدور قرارات التأميم التي لم تقتصر على اليهود وحدهم، ولا على أملاك الجاليات الأجنبية، بل شملت العديد من الشخصيات المصرية، وحدثت فضيحة لافون عام 1954، عندما سعت العصابات الصهيونية لدفع اليهود الذين سبق لهم العيش في مصر، للهجرة خارج إسرائيل، فقامت عبر شبكة تجسس، بتنفيذ عدة عمليات إرهابية، في عدد من المحال، ودور السينما في القاهرة، والإسكندرية، خاصة مناطق تجمع الطائفة اليهودية في مصر، وقتها شعر اليهود المقيمون في مصر بعدم الأمان، وقرروا مغادرة مصر، بلا رجعة، وقد ازداد الأمر سوءا عقب هزيمة 67، التي زادت من شعور العزلة، لدى اليهود المتبقين في مصر، فهاجروا بدورهم (7).
ويعضد ذلك الرأي ما نشرته صحيفة الدستور” الأردنية، بأن الوثائق “الإسرائيلية” كشفت النقاب عن وقوف القيادة الصهيونية في تل أبيب وراء التفجيرات التي حدثت في بغداد والقاهرة والإسكندرية لترويع اليهود ودفعهم للهجرة، وبالفعل فلقد ألقي القبض على بعض المجرمين الذين قاموا بزراعة هذه المتفجرات والألغام، كما تم الحكم بإعدام بعضهم.
وأضافت “الدستور” ما مفاده أن العقل الصهيوني المجرم الذي دبر ونفذ مجزرة دير ياسين والدوايمة واللد والرملة لترويع الشعب الفلسطيني ودفعه إلى الهجرة، هو الذي نشر الرعب والموت في أماكن سكن اليهود في القاهرة وبغداد لدفعهم للهجرة إلى فلسطين، لإقامة الكيان الصهيوني الغاصب.
ومن ناحية أخرى ودليل أخرى على أن التهجير تم بعملية ممنهجة من الإدارة اليهودية وليس تهجيرا من قبل الحكومات العربية ما تم في عملية تهجير ونقل الفلاشا “يهود الحبشة، إلى “إسرائيل”، والمعروفة بعملية “بساط سليمان”، والتي تؤكد أن العدو الصهيوني يوظف كل إمكاناته لتهجير اليهود ومن كل أنحاء العالم لرفد كيانه العنصري بالطاقة البشرية التي يحتاجها، ومن المعلوم أن “بساط سليمان” تمت برعاية وإشراف الإرهابي شارون، وبمساعدة مسؤولين أثيوبيين والرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري (8).
ووفقًا لما جاء في بحث نشرته مجلة “البيادر السياسي” المقدسية الورقية التي كانت تصدر في مدينة القدس المحتلة ولم تزل تصدر بنسختها الإلكترونية للأستاذ “تيسير أبلاسي”، فإن الكونجرس الأمريكي أصدر في نيسان/أبريل 2008، قراراً حمل الرقم 185، اعترف بموجبه بحقوق اليهود الذين تركوا الدول العربية. وأشار القرار إلى أن أي حل لمسألة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون مرتبطًا بتعويضات مشابهة لليهود الذين تركوا الدول العربية، وذلك كشرط لسلام عادل وشامل، حسب مفاهيم الكونجرس الأمريكي.
وهو ما يحاول الصهاينة ربطه بما يطالبون به، حيث عمدوا إلى ربط قضية اللاجئين الفلسطينيين بقضية طرد اليهود من الدول العربية والعمل على تعويضهم في محاولة من الصهاينة إلى تعقيد قضية اللاجئين الفلسطينيين وهذا هو الهدف الرئيسي من مطالباتهم بالتعويضات، ويعضد ذلك الرأي ادعاء بنيامين نتنياهو أن “سياسة الطرد” التي تعرض لها اليهود في الدول العربية التي كانوا يقطنونها، تأتي كتبادل سكاني مع الفلسطينيين.
كما يتذرع بالمقايضة التاريخية المتوازية تقريباً بين أعداد الفلسطينيين الذين طردوا من بلدهم والأعداد التي جلبتها الحركة الصهيونية من يهود الدول العربية، وكذلك الأمر بالنسبة للأراضي والأملاك التي تخلى عنها اللاجئون الفلسطينيون.
وقد تبنت السياسة الأمريكية منذ السبعينيات هذه القضية والتي تمت تحت رعاية رسمية أمريكية، حيث عقد جيمي كارتر مؤتمرًا صحفيًا في 27 من تشرين أول/أكتوبر 1977، صرح فيه أن للفلسطينيين حقوقًا، وهناك أيضًا لاجئون يهود لهم نفس الحقوق.
ثم صرح بيل كلينتون في حزيران/يونيو عام 2000، أنه “تمت إثارة قضية اللاجئين اليهود، وأنه لا بد من إنشاء صندوق دولي لقضية اللاجئين، وأنه يتوجب أن يتم تعويض اللاجئين اليهود الذين اصبحوا لاجئين بسبب الحروب التي وقعت بعد ولادة إسرائيل.
وهو ما جعل الكونجرس يوافق على القرار رقم (185 HRES) الذي صدر في 27 نيسان/أبريل 2008، ووافقت عليه لجنة العلاقات الخارجية بعد عام من تقديمه، والذي كان عضو مجلس الشيوخ جيرالد نادلر Jerrold Nadler الذي قدم المشروع قد صرح قائلاً “ببساطة لا اعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين دون الاعتراف بحقوق اللاجئين اليهود، الذين يفوقون عدد اللاجئين الفلسطينيين (9).
ويكشف يورام ميتال -وهو رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في بئر السبع- أن إسرائيل غير معنية بمتابعة فعلية لهذه القضية. مؤكدا أنها تستخدمها ورقة للمساومة مقابل مطالب الفلسطينيين بالتعويض على أملاكهم ومقابل دعوى مصرية محتملة للتعويض عن نفط سيناء الذي استغلته إسرائيل أثناء احتلالها.
كما يكشف الحقوقي يوسف جبارين أن ما تقوم به إسرائيل من المطالبة بتعويض اليهود المهجرين ما هو إلا مناورة وكورقة ضغط أمام المطالبة بحق العودة للفلسطينيين، بل طالب مصر والدول العربية بالتقاط طرف خيط لعبة المناورة والموافقة على عودة اليهود المهجرين – والتي تزعم إسرائيل بتهجيرهم – إلى مصر وإلى أوطانهم وهو ما لم يتم لعدم رغبة اليهود في ذلك ولأنهم خرجوا بمحض إرادتهم من البلاد العربية إلى دولة اللبن والعسل إسرائيل – كما كان ينادي زعماؤها بذلك (10).
وهو ما جعل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين الدكتور عصام العريان حيث قال: إن حل الدولتين بين الفلسطينيين وإسرائيل غير ممكن، مضيفا أن الحل هو عودة الجميع إلى ما قبل عام 1948.
وطالب العريان بعودة الفلسطينيين إلى وطنهم، وعودة اليهود إلى البلدان التي جاءوا منها بما في ذلك الدول العربية ومنها مصر.
وقال إن أحدا لم يجبرهم على ترك مصر وعودتهم ستكون بلا تعويضات، مضيفا أن من سبب لهم هذه المشاكل هم الأوروبيون بدعوتهم للهجرة إلى فلسطين، وإنشاء إسرائيل.
وهو ما أوضحه صبحي صالح - عضو مجلس الشورى عن حزب الحرية والعدالة – بقوله: إن ما قاله العريان يعني عودة كل مواطن إلى البلد التي جاء منها بما في ذلك الدول العربية، وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم (11).
لا نستطيع أن نتكهن هل كان العريان يسعى لتنفيذ سياسة المناورة مع الصهاينة بأن يطلب من الدول العربية الموافقة على عودة المهجرين لكي تفند مزاعم الادارة الصهيونية أم لا، لكن الواقع أظهر انقسام في هذه الرأي خاصة من قبل العلمانيين في مصر والذين لبسوا لابس الوطنية عند هذه النقطة.
وهو ما ذكره رئيس تحرير صحيفة "المصريون" محمود سلطان بقوله: أن المفارقة هي أن العريان يتعرض لعتاب قاس من إسلاميين، ولحملة "تشهير" مفتعلة من الليبراليين واليساريين والقوى العلمانية.
على الرغم من أنه "لم يتحدث عن اليهود الصهاينة، وإنما تكلم عن اليهود المصريين، وقال إن المزايدة على العريان تعكس مدى انتهازية التيار الليبرالي المصري حيث إن القيادي الإخواني تكلم من منطق قانوني محض يخص حقوق المواطنة ليهود مصريين، مضيفا أن الحملة استهدفت الإضرار سياسيا بحزب الحرية والعدالة.
من جهته، قال المفكر السياسي مصطفى الفقي إن دعوة العريان لليهود المصريين للعودة، سوف تزيد التعددية التي تنهض بالمجتمع وتدفعه للتقدم، كما تعد رسالة طمأنة للأقباط المصريين. وأوضح الفقي أن العريان لم يطالب بعودة الإسرائيليين بل اليهود المصريين الذين كان خروجهم من مصر خطأ، ولكنهم خرجوا طواعية فلا مجال للمطالبة بتعويضات (12).
خاتمة
يتضح من هذه المطالبات الصهيونية بتعويض اليهود الذين هجروا من الدول العربية إلى إسرائيل أنها ليست وليدة هذه الأيام لكنها قديمة منذ هزيمتهم في حرب 1973م، كما أنها لم تكن من أجل حصول اليهود على تعويض لكن كأداة ضغط ومقابضة أمام قضية حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجرها منها المحتل الصهيوني، بالإضافة إلى أنها أداة ضغط على حكومات الدول العربية بعدم المطالبة بحقوقهم – كحق مصر في نفط سيناء أثناء الست سنوات احتلال – أو المطالبة بحقوق الفلسطينيين التي وضع المحتل الصهيوني يده عليها ويدعي أن دولة فلسطين ليست دولة ذات سيادة.
المراجع
- أنس مصطفى كامل: الرأسمالية اليهودية في مصر، ميريت للنشر والمعلومات، القاهرة، 1999م، صـ 176.
- أحمد الغرباوي: الرأسمالية اليهودية وتحييد النخبة الثقافية المصرية، المعهد المصري للدراسات، الرابط
- جريدة الإخوان المسلمين اليومية: العدد 484، السنة الثانية، 17 محرم 1367هـ, 30/11/1947م، صـ2.
- محمود سعيد عبد الظاهر: يهود مصر .. دراسة في الموقف السياسي (1897 1948)، مركز الدراسات الشرقية – جامعة القاهرة، العدد17، 2000م، صـ113-116.
- محمد أبو الغار : يهود مصر من الازدهار إلى الشتات, دار الهلال, القاهرة، 2004م، صـ104.
- حسين عمارة: إسرائيل تعتزم مطالبة دول عربية بمبلغ 250 مليار دولار تعويضا عن ممتلكات اليهود المهجرين، الرابط
- صفاء عاشور: اليهود يرفعون 3500 قضية لاستعادة أملاكهم المزعومة بمصر.. ويطالبون بـ 6مليارات جنيه تعويضات، اليوم السابع، سبتمبر 2012م، الرابط
- محمود كعوش: حقوق اليهود المزعومة، صحيفة رأي اليوم، الرابط
- محمود كعوش: حقوق اليهود المزعومة، المرجع السابق.
- "يهود مصر" يطالبون بأملاكهم: الجزيرة نت، يوليو 2013م، الرابط
- عبد الرحمن أبو العُلا: دعوة لعودة اليهود تثير جدلا بمصر: الجزيرة نت، يناير 2013م، . الرابط
- عبد الرحمن أبو العُلا: دعوة لعودة اليهود تثير جدلا بمصر، مرجع سابق
|
|
|
|
مواقع إخبارية |
الجناح العسكري . الجناح السياسي |
الجناح الطلابي الجناح الاجتماعي
|