دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (10)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد (10)


محاربة الخمر والمخدرات

الإمام الشهيد حسن لبنا

حين يغيب الإسلام لا تجد إلا المهانة والذلة، فيصير المسلم تابعًا لا متبوعًا لشعوره بالدونية، ولشعور بعض المصريين بذلك وجدناهم يتشبهون بالأجانب حتى صار معظمهم إمعات في سلوكهم وأفعالهم التي نهى عنها الإسلام، فتشبهوا بهم في شرب الخمر، والإباحية والسفور والعادات والتقاليد ونهجوا نهجهم في كل شيء.

لقد انطلق الإخوان المسلمين في محاربة الخمر والمخدرات بدافع ديني، وتطبيقًا لأوامر الله، والتي قال فيها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90)) (المائدة).

ومن ثم بذلوا مجهودًا كبيرًا في تعريف المجتمع بأضرار هذا الداء، وأنها أم الخبائث، كما أنهم وجدوا أن المخدرات لا تقل جرمًا عن الخمر وأنها تذهب بالعقل والصحة أخطر مما تقوم به الخمر فحاربوها.

فقال الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس: "وإذا كان الله ورسوله قد حرم الزنا، وحظر الربا، ومنع الخمور، وحارب الميسر، وجاء القانون يحمى الزانية والزاني، ويلزم بالربا، ويبيح الخمر، وينظم القمار، فكيف يكون موقف المسلم بينهما؟ أيطيع الله ورسوله، ويعصى الحكومة وقانونها والله خير وأبقى؟ أم يعصى الله ورسوله ويطيع الحكومة فيشقى في الآخرة والأولى؟ نريد الجواب على هذا من رفعة رئيس الحكومة، ومعالي وزير العدل، ومن علمائنا الفضلاء الأجلاء".

كما قال في رسالة (إلى أي شيء ندعو الناس؟!): "إن حانات الخمر في أظهر شوارع المدن وأبرز أحيائها، وتلك اللوحات الطويلة العريضة عن المشروبات الروحية، وهذه الإعلانات الظاهرة الواضحة عن أم الخبائث: مظاهر يأباها الدين، ويحرمها القرآن الكريم أشد التحريم".

وقد اعتنى الإمام البنا من صغره بالبعد عن ذلك ومحاربته فقد أسس مع صديقه أحمد أفندي السكري في المحمودية جمعية إصلاحية هي "جمعية الحصافية الخيرية" وزاولت الجمعية عملها في ميدانين مهمين: الميدان الأول: نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاشية كالخمر والقمار وبدع المآتم، والميدان الثاني: مقاومة الإرسالية الإنجيلية. التبشيرية التي هبطت إلى المحمودية.

وبدأ الإمام البنا بتربية إخوانه على هذه المعاني أولاً حتى يكونوا قدوةً لباقي المجتمع، فحثهم في رسالة الأسر تحت عنوان "الواجبات الشخصية" قال فيها: وهي تلك الواجبات التي يجب أن يقوم بها كل فرد من أفراد الأسرة، وتتضمن:

1- إخلاص النية لله، وتجديد التوبة، مع رد المظالم إلى أهلها ما أمكن.

2- المواظبة على الورد القرآني والأدعية المأثورة بقدر الإمكان.

3- تجديد البيعة على السمع والطاعة والصبر والثبات في سبيل الفكرة.

4- تقدير حق إخوانه وتقديمه في كل المعاملات، وعدم التأخر عن اجتماعاتهم إلا بعذر قاهر لا يمكن دفعه.

5- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها.

6- أداء زكاة المال متى كان الأخ مالكًا للنصاب مع استشارة الأسرة في طريقة التصرف فيها.

7- الحج لمن لم يكن أدى الفريضة وكان قادرًا على ذلك.

8- صوم رمضان صيامًا صحيحًا.

9- التطهر من الربا والمقامرة والكسب الحرام في كل المعاملات.

10- اجتناب الزنا وما يتصل به، والخمر وما هو في حكمه، ومقاطعة دور اللهو العابث.

فحمل الإخوان هذه المعاني وانطلقوا يطبقونها على ذويهم وأقربائهم ثم بدؤوا يعرفون المجتمع بها ويحاربون مفاسدها.

حتى في المواقف الطريفة كان الإمام يربي رجاله على البعد عن مثل هذه الألفاظ، فيذكر الدكتور حسان حتحوت أن الإمام البنا في أحد دروس الثلاثاء وقف كعادته لإعطاء الدرس، واستهل الدرس بأخبار شعب الإخوان، فقال: إن فريق كرة القدم لشعبة كذا قد انتصر في المباراة النهائية، وبذلك حصل على الكأس. وهنا صاح من بين الحضور صوت جهير غاضب هو صوت الشيخ محمد الحموي- رحمه الله-، وكان سوريًّا يدرس بالأزهر: يا أستاذ، الكأس آلة الخمر، أهذه كلمة تقال في محيط الإخوان؟! فابتسم الإمام وقال في دعابة: أتغضب يا شيخ محمد، إذن حصل على القدح.

خطاب إلى وزير العدل

وكتب الإمام البنا إلى وزير العدل بخطاب قال له فيه: "مصر يا معالي الوزير بلد مسلم وهو زعيم بلاد الإسلام، ومع هذا فحسبك أن تمر بأي شارع شئت من شوارع القاهرة، فترى بعينيك كيف زاد عدد الحانات على حوانيت ألزم الحاجيات، وكيف صارت دكاكين البقالة خمارات يحميها القانون.. أهذا يرضي الله؟ أهذا يتفق مع نصوص الدستور؟ أهذا يساير مكانة مصر وزعامة بلاد الإسلام؟ لست أقر أحدًا أن ينقض على القانون، ولست أدعو إلى العدوان في أية صورة من صوره، لهذا أتقدم إلى معاليكم وذلك حقكم:

أولاً: أن تعيدوا النظر في إجراءات هذه القضية، في الوسيلة القانونية التي بها يطلق سراح هؤلاء الشبان المسجونين.

ثانيًا: أن تتقدموا إلى الحكومة عاجلاً بتشريع حازم يقضي على هذه الفوضى الخلقية، ويحمي الشعب من الخمر والمهالك والآثام".

ففي البحر أقداح الخلاعة تحتسى وفي البر أقداح تدار من الخمر!

لقد حاول الإخوان مقاومة هذا المنكر بشتى الوسائل المشروعة لاقتلاع جذوره، ولقد حاولوا ذلك أطباء وعلماء وخطباء بتوعية الناس بمضار هذه الخمور الدنيوية والدينية، والتنديد بما ينتج عنها من شرور في الصحف والمجلات وفي الخطب وفي النشرات، وبإنشاء الجمعيات لمحاربة المسكرات؛ كجمعية "منع المسكرات" التي لم تدخر جهدًا في تبيان ضرر المسكرات، ومحاربته بكل الوسائل الممكنة.

وكتب الأخ محمد عبد الباسط بركات ينتقد ذلك في مقال بعنوان: "الصحف وإعلانات الخمور" ذكر فيه أن أكثر الجرائد بل جميعها صباحية كانت أو مسائية، يومية أو أسبوعية أو شهرية تتسابق في الإعلان عن هذه السموم وتتفنن في طريق الدعاية لها وسبل ترويجها، فلتتق الله صحافتنا ومجلاتنا في شبابنا الذين، وليتقوا الله في دين الدولة المنصوص عنه في دستور البلاد والذي يحرم الخمر أشد التحريم.

كما نشر الإخوان في صحيفتهم الغراء مقالات عدة تحذر من شرب الخمر وتبين مضارها الاجتماعية والخلقية والمالية فضلاً عن تحريمها الشرعي، كمقالة بعنوان "الخمر وضررها" كما نشروا بحثًا طبيًّا في عددين متتاليين عن أضرار الخمر على صحة الإنسان وهو بعنوان: "بعد ثلاثة عشر قرنًا، ونصف قرن، الطب الحديث يترسم خطى الإسلام" للدكتور حامد البدري، والبحث في مجمله يبين الأضرار الطبية لشرب الخمر وما يحدث لمدمن الخمر من الأمراض ابتداءً من تأثيرها على الفم واللعاب، وكذلك المريء والمعدة وعلى الجهاز الهضمي والعصبي، وعلى صحة الإنسان عامة، وكذلك تتضمن آراء الأطباء المشهورين فيها.

كما خاطبوا ولاة الأمور ورفعوا إليهم طلبات بأن تسعى الحكومة لمنع الخمور وتأخذ الإجراءات اللازمة لذلك.

ولما بدأت الحكومة تتخذ خطوات إيجابية في سبيل إلغاء البغي زاد أمل الإخوان في الإصلاح فنشروا مقالاً يستحثون الحكومة في منع الخمر تحت عنوان: "ألغي البغاء فهل يمنع الخمر" يطالب فيه كاتب المقال أن تمنع الخمور فورًا منعًا باتًا.

ولقد هاجمت صحف الإخوان المفاوضات التي جرت بين وزير اليونان ووزير المالية المصري في شأن تخفيض الرسوم الجمركية على النبيذ الصادر من اليونان وقالت: "عجيب والله عجيب جدًّا أن نطالب بتخفيض المكوس على الخمر التي هي أس بلايانا ومنبع شرورنا، وأصل الداء فينا وسبب خسارتنا، وشقائنا، الخمر المحرمة في ديننا- دين الدولة الرسمي- الخمر التي هي رجس من أرجاس الشياطين والتي أمرنا باجتنابها.. الخمر التي تضر بأجسامنا فتفتت الكبد، وتذهب بعقولنا، الخمر التي تضر بكبيرنا وصغيرنا، وغنينا وفقيرنا، شبابنا وفتياتنا، والتي تبتلع أموالنا وثروتنا وتهدم قوانا وعزتنا وتودي بعقولنا وحيويتنا، وتعرضنا أخيرًا لعقاب المولى تبارك وتعالى، عجب وألف عجب أن نطالب بتخفيض الرسوم على هذه السموم، ليرخص ثمنها ويسهل تناولها ويستطيع المعدم الفقير أن يحتسيها ويتعاطاها وهم يعتقدون أن ما يطلبونه إنما هو خدمة للمصريين المسلمين خاصةً يجب أن تضاف إلى خدماتهم الكثيرة التي تترى في كل وقت علينا، والتي ننعم في ظلالها من تهريب المخدرات وابتزاز أموال إخواننا الريفيين بالربا الفاحش، وفتح دور الملاهي كالمراقص والسينما والتمتع بالامتيازات الأجنبية والعض عليها بالنواجذ".

واختتمت جريدة الإخوان المسلمين مقالاً تحت عنوان: "تحريم الخمر في مصر والهند" بقولها: "والله يشهد أن الحكومة العاجزة عن منع الخمر إطلاقًا غير جديرة بالوجود، فلا أقل من أن تتأسى بمقاطعات الهند".

كما حذر الإخوان من تعاطي المخدرات وحرمتها وأثرها الفتاك في هدم المجتمع، فنشروا مقالاً تحت عنوان: "فتوى في حرمة تعاطي المخدرات".

وفي مجال الجهود العملية التي سلكتها جماعة الإخوان المسلمين أن قام الإخوان في القناطر بعمل اجتماع فكان من قراراته ما يأتي:

أولاًًًً: تكوين وفد من حضرات: عبد الله هاشم وفائي، إسماعيل عبد التواب، علي محمد عمر، محمد عبد الله الشيمي، محمد محمد سالم لمقابلة حضرة ملاحظ السويس وعمدة القناطر بصفتهما ممثلي الحكومة والتحدث معهما في طرق محاربة الخمر والميسر والعمل على القضاء عليهما بسلطة الحكومة حتى إذا لم تُجْدِ عول الإخوان على محاربتهما بطرق قانونية مشروعة.

ثانيًا: طبع نداء لتذكير الغافلين على أضرار الخمر والميسر الدينية والأدبية والمالية والخلقية وتوزيعه على أهالي القناطر الخيرية، وإرساله إلى "مجلة الإخوان" ليطبع بها وعهد بكتابة صيغته إلى الأخوين إسماعيل عبد التواب وحسين حسن عليوة.

ثالثًا: قيام أعضاء الجمعية مساء السبت 9 شوال سنة 1354هـ بعد صلاة العشاء لزيارة بعض المقاهي البلدية والتحدث إلى من فيها عن الأضرار التي تنجم عن ارتكاب أم الكبائر والميسر.

رابعًا: إخطار حضرة صاحب الفضيلة إمام مسجد الأوقاف بخطاب مستعجل للفت نظر فضيلته إلى ما آلت إليه الحالة من انتشار الخمر والميسر، رجاء أن يكون موضوع خطبته في يوم الجمعة 8 شوال سنة 1354هـ في محاربة الخمر والميسر وتبيان أضرارهما الأدبية والدينية والخلقية.

كما أشار الإخوان إلى ضرر الخمر، وأبطلوا الادعاءات التي تقول إنها تزيد الشهوة للطعام أو تدفئ جسم الإنسان أو تزيد الميل الجنسي، ومن أهم أضرارها التي ذكروها أنها تضعف القوى العقلية وتؤدي للجنون، وتضعف القلب، وقد تؤدي للسكتة القلبية، وأشاروا إلى أضرار المخدرات صحيًّا وماديًّا، وخبث لحم الخنزير حيث يؤدي للإصابة بمرض الدودة الشريطية، كما أن الكلب أيضًا ينقل هذه الدودة للإنسان.

وقد جاء في مقال بجريدة الإخوان المسلمين تحت عنوان: "في أبي تيج إن كان كذلك فهي هزيمة منكرة" وصف المقال بعض ما حدث في مولد أحد العارفين من إباحة الخمر والميسر وحضور العاهرات في هذا الحفل وخروج الأهالي ومطاردتهم للعاهرات.

كما جاء في تصور الإخوان في كيفية الإصلاح في المطلب الثاني: في الناحية الاجتماعية والعلمية المادة الخامسة: محاربة الخمر كما تحارب المخدرات وتحريمها وتخليص الأمة من شرورها.

لم يكتف الإخوان بالتصدي وحدهم لهذا الداء بل شجعوا كل من قام بجهد في هذا المجال وهذا يوضح أن الإخوان يؤيدون كل مصلح وليس هدفهم السلطة كما يدعي المدعون فقد أثنى الإخوان على ما تقدم به بعض الوزراء من مشروعات نافعة، فشكروا وزارة العدل على تشكيلها لجنة لبحث مشروع قانون خاص بإلغاء البغاء الرسمي، وتحريم الميسر، وتقييد شرب المسكرات، ولم ينس الإخوان مطالبة الوزارة بالسرعة في إصدار ذلك القانون، فضلاً عن شكرها وزارة الداخلية التي نبهت على أصحاب المسارح بالبعد عن الروايات المبتذلة، وإشارتها بأنها سترفض الترخيص للأغاني والتمثيليات التي لا تراعي الأخلاق، كما شكرت وزير الدفاع على إصدار أمره بمنع شرب الخمر داخل ثكنات الجيش، كما قدموا الشكر لوزارة المعارف على مشروعها لانتشال بنات السبيل مما يتردين فيه.

وعندما هاجم النائب سعد اللبان الجمعيات التي تطلق على أنفسها جمعيات البر والإحسان، وتقيم حفلات راقصة صاخبة يباح فيها الخمر والميسر أيده الإخوان في هذه الحملة، معتبرين أن هذه الجمعيات إنما تنشر الإثم والفسوق باسم البر والإحسان من: عرض فصول من الرقص، والتمثيل، والغناء.

انتقاد واسع

ولم يتوقف الإخوان عند حيثية المتسبب في الفساد فهاجموا كل من ساعد على ذلك، فقد رفض الإخوان بشدة عزم حكومة محمد محمود باشا إقامة مدينة للملاهي عمادها الخمر والميسر، ورأوا أن خطورة هذه المدينة مع أن الرقص والبغاء موجود في أماكن معلومة في أن الأسر الكريمة لا ترتاد تلك الأماكن الموبوءة، أما في مدينة الملاهي فهي مصيف الموجودين في القاهرة، ولا يمنع الرجل من أن يصطحب زوجته أو كريمته، وبذلك تذبح الفضيلة ويشيع الفساد والفحشاء؛ حيث هناك ستقع أنظار السيدات والآنسات على مناظر لم يألفوها من قبل فأي إغراء للمرأة الشريفة.

وعندما انصاعت وزارة الداخلية لضغط أصحاب دور اللهو والعبث والرقص، حيث أرادت الداخلية أن يكون إغلاق هذه الدور في الساعة الواحدة مساءً إلا أن أصحاب هذه الدور تمسكوا بعدم الغلق إلا بعد الثانية مساء، فسمح لهم سعادة محافظ العاصمة بذلك شهرًا تحت التجربة! فعلقت صحيفة الإخوان قائلة: فانظروا أيها المسلمون، كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره القيام قبلها والحديث بعدها-يعني: العشاء- أفرأيتم إلى أي وضع صرنا إلى الساعة الواحدة مساءً لا يكفي في السهر والسكر والعربدة والرقص وتحطيم العقول والأرواح والأجسام، بل لا بد من زيادة هذا الوقت حتى لا تغلق أبواب للرزق الحرام، أيها الساهرون إنكم سفهاء فلا بد للحجر عليكم لمصلحتكم، أيها المرتزقون من أثمان العقول وعصارات النفوس أنتم تسرقون فاقتصدوا في سرقتكم، أيتها الحكومة أنت مسئولة عن ذلك كله.

ولقد ذكر وزير المالية في مجلس النواب أن كمية الويسكي المستوردة خلال الستة أشهر الأولى من عام 1945م بلغ 34 ألف صندوق من إسكتلندا، و7830 صندوقًا من أمريكا، وقد منحت هذه التراخيص لوكلاء مصانع الإنتاج البريطانية وللوكلاء المعتمدين لمصانع أمريكا وأستراليا، وكان ذلك بشكل مستمر، وكان يعلن عن الويسكي المستورد بالصحف بصورة طبيعية، وكانت الحانات والخمارات تملأ الشوارع والحارات برخص رسمية من الحكومة، وذلك إحدى نتائج وجود الاحتلال منذ دخوله عام 1882م.

فكتب الإمام البنا: "مصر التي هي بلد مسلم وزعيمة بلاد الإسلام زاد عدد الحانات في شوارع القاهرة على محلات ألزم الحاجيات، وصارت دكاكين البقالة خمارات يحميها القانون، وقد دنست رائحة الخمر الجو الصافي الطيب، ويجلس أحلاس البارات والخمامير بعد منتصف الليل في زواياها وهم هياكل عظمية لا يعرفون حق مال ولا ولد ولا زوجة ولا أهل، وإن في قطعة من شارع محمد علي وحده بين العتبة وباب الخلق أكثر من عشرين خمارة وليس هذا الحي من أحياء الفجور والفساد فكيف بغيره؟ أهذا يرضي الله ويتفق مع الدستور ويساير مكانة مصر، ويعين على تكوين الجيل القوي الذي يصل حاضر مصر الضعيف بماضيها القوي؟ فإذا آلمت هذه المظاهر المؤلمة بعض الشبان فتحمسوا وأرادوا أن يسمعوا الحكومة صوتهم ويحتجوا على هذه المظاهر التي تتنافي مع دينهم بعد أن سئموا الكلام والكتابة فاعتدوا على الحانات وقدموا من أجل ذلك للمحاكمة، فلا يصح أن يعاملوا كما يعامل البلطجية والمتشردون، فالعدل الذي هو أساس القانون يقضي بأن ينظر لهذه القضية نظرةً خاصةً، وأن يكون لهؤلاء الشبان سبيل غير سبيل المعتدين الظالمين، وليس معنى هذا أن الإخوان يقرون أحدًا أن ينتقض على القانون، ولا الدعوة للعدوان في أي صورة من صوره، ولكن عناصر الجريمة في هذه القضية مفقودة تمام الفقدان، والقصد الجنائي فيها منعدم، فليس بين هؤلاء الشبان وبين الحانات وأصحابها صلة تحملهم على الانتقام والإجرام، وإنما الذي حملهم دافع شريف جدير بالتقدير، وهؤلاء الشبان بشعورهم هذا إنما يعبرون عن شعور الأمة كلها بإغلاق الحانات وتطهير الشوارع والأحياء من هذه الآثام.

والإخوان يتقدمون له بمطلبين وهو حقه عليهم:

أولاً: أن يعيد النظر في إجراءات هذه القضية، وينظر في الوسيلة القانونية التي يطلق بها سراح هؤلاء الشبان المسجونين.

ثانيًا: أن يتقدم للحكومة عاجلاً بتشريع حازم يقضي على هذه الفوضى الخلقية، ويحمي الشعب من الخمر والبغاء والمهالك والآثام".

استمرار مطالبة الحكومة

واستمر الإخوان في مطالبة الحكومة بإصدار تشريع لتجريم الخمر، فهي المسئولة عن تحريم المنكرات والقضاء على الموبقات والحكم بما أنزل الله، وعلى ذلك دعا العلماء ومن ورائهم الأمة أن يطالبوا الحكومة بتحريم الخمور وتطبيق الشريعة الإسلامية، فإذا لم تفعل الحكومة شيئًا من هذا وجب على الأمة أن تخذلها، وعلى نواب الأمة أن يسحبوا ثقتهم منها ويسقطوها، وإذا لم يفعل النواب ذلك أصبح لزامًا على الأمة التي انتخبتهم ألا تمنحهم ثقتها مرة أخرى، وتنتخب نوابًا استقاموا في أنفسهم وأخذوا بتعاليم الإسلام، وبذلك يمكن القضاء على كل منكر بقوة القانون وحكم النظام.

وقد اعتبر الإخوان أن إباحة الخمر أحد مظاهر الفساد الرئيسية في المجتمع، والتي إذا تم القضاء عليها فإن جانبًا كبيرًا من الفساد يكون قد تم علاجه، ولذلك فإن الإمام البنا عندما أراد خوض الانتخابات التشريعية عام 1942م، واعترض على ذلك الإنجليز وطالبوا النحاس باشا بإجبار الإمام البنا على التنازل، وإلا فستكون العاقبة شديدةً على المجتمع بأسره، وأبلغ النحاس الإمام البنا بذلك وطلب منه التنازل، وقد آثر الإمام البنا مصلحة مصر وتفويتًا للفرصة على الإنجليز أن يتنازل، ولكن في مقابل عدة شروط على الحكومة تحقيقها كان منها: إصدار تشريع بتحريم الخمر، وقد تعهد النحاس باشا بتحقيق ذلك.

وحارب الإخوان كل أنواع المسكرات والتدخين، وكان في ذلك الوقت قد بدأت ظاهرة سيئة تنمو في المجتمع وهي تدخين السيدات وشربهن البيرة والمسكرات، وقد انتقدت صحف الإخوان ذلك بشدة محملة الآباء والأزواج والإخوة والأقارب مسئولية هذا التدهور الأخلاقي، فلولا تخنث الرجال ما استرجلت النساء.

حتى أن أحد ضباط مكتب المخدرات صرح أن ثمن ما تستهلكه مصر من "الحشيش" خلال أربعة شهور قد بلغ مليونًا ونصف المليون من الجنيهات، ورأى الإخوان أنه لا بد من رفع عقوبة شرب المخدرات إلى الإعدام للقضاء على هذا الوباء قبل أن يستشري ويقضي على المجتمع، وكانت إنجلترا قد استخدمت هذه العقوبة ردعًا للظاهرة.

وظلت جمعية "منع المسكرات" التي أنشأها الإخوان منذ بداية الثلاثينيات تعمل بتوعية الناس بحرمة هذه المسكرات وضرورة إلغائها لحماية الأفراد والمجتمع، وكان يرأسها في هذا الوقت الأستاذ أحمد غلوش، وقد حاول البعض وخاصة وسائل الإعلام التعريض بالأستاذ غلوش وجمعيته مع أن الحكومة كانت قد انتدبته بصفته رئيسًا للجمعية للسفر لتمثيل مصر في مؤتمر دولي لمنع المسكرات.

لم يترك الإخوان الساحة ولم تثبط هممهم فقد أرسل الإمام البنا بصفته المرشد العام للإخوان المسلمين خطابًا إلى معالي وزير العدل أحمد محمد خشبة حول هذه الحوادث جاء فيه تذكيره بدعوة الإسلام لأبنائه إلى محاربة الخمر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وظلت جهود الإخوان مستمرةً في هذا المجال يعذرون إلى الله جهودهم، ويدعون الله أن يصلح هذا المجتمع.

المراجع

1- حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

2- حسان حتحوت: العقد الفريد (1942- 1952) عشر سنوات مع الإمام حسن البنا، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى، 1421?- 2000م.

3- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.

4- شركة البصائر للبحوث والدراسات: مجموعة رسائل الإمام الشهيد، 2006م.


للمزيد عن دور الإخوان في الإصلاح

كتب متعلقة

من رسائل الإمام حسن البنا

ملفات وأبحاث متعلقة

مقالات متعلقة

الإصلاح السياسي:

الإصلاح الإجتماعي ومحاربة الفساد:

تابع مقالات متعلقة

رؤية الإمام البنا لنهضة الأمة

قضايا المرأة والأسرة:

الإخوان وإصلاح التعليم:

موقف الإخوان من الوطنية:

متفرقات:

أحداث في صور

.