الإخوان وإصلاح التعليم المدني
بقلم: عبده مصطفى دسوقي
الإخوان وإصلاح التعليم المدني
تحدثنا في الحلقة السابقة عن كيف سار الاحتلال على خطة منهجية في تدمير مقومات الأمة بضرب جوانب التعليم؛ حيث أفسح المجال للإرساليات التبشيرية في تدميره وتسييره وفقًا لمناهجهم التنصيرية، فأنشئوا المدارس والجامعات لتكون ستارًا لنشر التنصير، ورأينا كيف تصدَّى الإخوان لهذه الظاهرة بالقول والعمل، فناشدوا الملك وشيخ الأزهر ووزير المعارف، كما أنهم في نفس الاتجاه أنشئوا المدارس والمعاهد.
وفي هذه الحلقة نستكمل تلك الجهود التي حاولوا من خلالها إصلاح التعليم المدني وجعله يسير وفق منهجية مدروسة تعود بالنفع على الوطن وأبنائه.
لقد كان ثالوث الفقر والجهل والمرض يسيطر على البلاد ويكبِّلها بالأغلال بفعل فاعل، وهو الاحتلال الذي كان يضن على الوطن وأبنائه بأي نوعٍ من أنواع التقدم والرفاهية، فعاشت البلاد فترةً كبيرةً في هذا الثالوث، ولم يفطن لهذه الحقائق إلا القليل، وبسبب أيضًا الأثرة الذي كان يعيش فيها بعض المصريين الذين ساروا في ركاب الاحتلال ولم يهمهم سوى مصالحهم الشخصية.
وعندما نشأت جماعة الإخوان وضعت نصب عينيها هذه المسائل، وعمل الإمام الشهيد منذ البداية على سد هذه الثغرة، وجاء في لائحتها: "نشر الثقافة والتعليم، والمحافظة على القرآن الكريم، ومحاربة الأمية بإنشاء المدارس والأندية والأقسام الليلية والنشرات الدورية والمحاضرات وغير ذلك من الوسائل العلمية النافعة ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (فاطر: من الآية 28).
1- مكافحة الأمية
لقد اهتم الإخوان بكل فئات الشعب، فكما أنشئوا المدارس أنشئوا دُورَ محو أمية لتعليم من فاتته الفرصة للتعليم، ونجح فيها الإخوان نجاحًا عظيمًا؛ فقد أقام الإخوان في كل شعبة مدرسة ليلية هدفها الأساسي محو الأمية الدينية والأمية التعليمية؛ حيث تتجمع الفئات المختلفة من العمال والفلاحين في تلك المدارس الليلية.
وكانت أول مدرسة في ذلك السبيل هي مدرسة التهذيب التي أقامها الإمام الشهيد في الإسماعيلية، وقد أقيمت مدارس ليلية لتعليم الكبار في العديد من الشعب؛ نذكر منها المدرسة الليلية في أبو صوير.
كما قرَّر مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين بالقاهرة فتح قسم للتعليم الليلي مجانًا بالمركز العام بشارع سوق السلاح بعطفة عبد الله بك حارة المعمار، ودعت راغبي الالتحاق إلى التقدم بطلباتهم.
كما شجعوا الناس على التقدم إلى تلك المدارس؛ فقد افتتح قسم البر والخدمة الاجتماعية معهدًا للدراسات الشعبية في شعبة عابدين، واحتوى هذا المعهد على فرعٍ لمكافحة الأمية, وفصول لتحفيظ القرآن الكريم, ولقد نشط فرع مكافحة الأمية بالشعبة، فأنشأ مدرسةً ليلية بلغ عدد المتقدمين إليها ما يزيد عن 300 دارس، ويقوم على هذه المدرسة مجموعة من مدرسي الإخوان، ويقومون بتدريس القراءة والكتابة والحساب والدين.
وفي قنا وأسوان أنشأ الإخوان بها قسمين لمكافحة الأمية: أحدهما نهاري، والثاني ليلي، كما قام قسم البر والخدمة الاجتماعية بشعبة الجمالية بافتتاح فصول لمحو الأمية ورفع مستوى الثقافة لدى أهالي الحي, وكان يقوم بالتدريس فيها نخبةٌ من الإخوان المثقفين.
كما افتتح الإخوان المسلمون بالقرين شرقية قسمًا لمحو الأمية، وكان الإقبال عليه شديدًا نتيجة حسن نظامه ورغبة أهل البلد في القضاء على الأمية.
2- إنشاء المدارس
ولقد أقام الإخوان منذ فجر الدعوة المدارسَ لتعليم النشء ومحو أمية الكبار؛ فكان في كل شعبةٍ من شُعَب الإخوان تقام المدارس الليلية لتعليم العمال والفلاحين ومحو أميتهم، ومن تلك المدارس:
1- معهد حراء: وهو أول مدرسة بناها الإخوان المسلمون بالإسماعيلية، وكان مقرها فوق مسجد جمعية الإخوان المسلمين بالإسماعيلية.
2- مدرسة أمهات المؤمنين: وهي مدرسة لتعليم البنات.
3- المدرسة الخيرية الإسلامية الابتدائية بمغاغة.
4- المدرسة الإسلامية الابتدائية للبنات بطما.
5- مدرسة الإخوان المسلمين بفاقوس.
ومن ضمن المدارس أيضًا مدرسة الإخوان الابتدائية بأبي كبير، والتي حضر حفل افتتاحها الأستاذ حسن البنا؛ حيث احتشد عدد كبير من الناس والنظار, وبدأ الحفل بالقرآن الكريم ثم كلمة الأستاذ عبد البديع صقر ناظر المدرسة.
ولقد عمل الإخوان على إصلاح الأوضاع الفاسدة التي تفشَّت في التعليم، مثل الاختلاط وغيره من الظواهر التي تساعد على الانحراف؛ ففي حفل الجامعة الشعبية، والتي أقامته في دارها بشارع القصر العيني رقم 94 في تمام الساعة الخامسة من مساء السبت؛ حيث اختلط فيها البنون بالبنات.. وجه الإخوان العتاب إلى إدارة الجامعة بسبب الاختلاط بين الجنسين، وإن كان الإخوان من المشجعين للجامعة الشعبية؛ لأنها تسد ثغرةً كبيرةً في التعليم، لكن ما يحدث فيها من اختلاط شيء يعيبها.
ومن أهم الجهود التي قام بها الإخوان لإصلاح حال التعليم:
- العمل على إصلاح التعليم الديني في المدارس: بمطالبة الوزير بجعل الدين مادة أساسية، ولقد رفعوا من أجل ذلك مذكرة إلى وزير المعارف جاء فيها: "يا صاحب المعالي.. نتشرف أن نرفع إلى معاليكم رجاءً نعتقد أنه مطابق لأمانيكم الشريفة وأماني الأمة، وأنكم إذا تفضلتم بقبوله والعمل على تحقيقه تكونون قدمتم لبلادكم أفضل عملٍ يذكر به العاملون المصلحون، واستوجبتم بذلك شكر الوطن، فضلاً عن رضوان الله جل شأنه.
وهذا الذي نرجوه ويرجوه كل مسلم غيور على دينه ووطنه؛ هو أن تجعلوا درس الدين الإسلامي في التعليم العام درسًا أساسيًّا، والامتحان فيه إجباريًّا مثل بقية العلوم التي ينبني على التقصير فيها عدم الفوز والرسوب.
ولا يمكن أن يؤتيَ درس الدين ثمرته والحال على ما نرى؛ يحضر التلميذ هذا الدرس وهو يعلم أنه درس اختياري يقذف بدرجته في ذيل الجدول كدرجة الألعاب الرياضية؛ لا تقدم ولا تؤخر، ولا يترتب عليها رسوب ولا نجاح".
لهذا نرجو ونلح في الرجاء أن تولوا الدين الإسلامي عنايتكم بجعله مادةً أساسيةً؛ يشعر المقصر فيه أنه مؤاخذ على تقصيره، والمجتهد أنه مكافأ على اجتهاده.
وبدهي أنه لا يبعث المعلم والمتعلم على الاهتمام بالدرس إلا الرغبة في حسن النتيجة أو الرهبة من سوئها، فإذا لم يكن لمادة الدين تأثير في النتيجة فقد ضاع الاهتمام به، وليس من المفيد تقرير مادة مهمة كمادة درس الدين بدون أن يضمن جني ثمارها، ولسنا مغالين في هذا الطلب؛ لأن المدنية الأوروبية الحالية تعتبر الدين علمًا أساسيًّا، ولا يصح أن يكون الإسلام عندنا أقل اعتبارًا من غيره عند غيرنا، كما لا يصح أن يكون الدين الإسلامي إضافيًّا في أهم قطر إسلامي تقصده جميع الأقطار الإسلامية لتلقي العلوم الدينية".
وقد صدر مرسوم ملكي بجعل الدين مادة أساسية جاء فيه:
"نحن فاروق الأول ملك مصر..
قرر مجلس الشيوخ ومجلس النواب القانون الآتي نصه، وقد صدقنا عليه وأصدرناه:
المادة الأولى:
يكون التعليم الديني الإسلامي مادة أساسية في جميع مراحل التعليم الأولي والابتدائي والثانوي والخصوصي للبنين والبنات في مدارس المعلمين.
المادة الثانية:
تدرس مادة الدين الإسلامي في جميع سني الدراسة في المدارس المشار إليها في المادة الأولى، ويؤدي التلاميذ الامتحان فيها على سبيل الإلزام، ويكون نجاحهم شرطًا للانتقال من فرقة إلى الفرقة التي تليها، أسوةً بما هو متبع في سائر المواد الدراسية في تلك المدارس.
المادة الثالثة:
تضع وزارة المعارف العمومية مناهج مادة الدين الإسلامي، على أن تحقق هذه المناهج قدرًا كافيًا من الثقافة الإسلامية يتفق وحالة كل نوع.
المادة الرابعة:
على وزير المعارف العمومية تنفيذ هذا القانون، ويعمل به السنة الدراسية 1939-1940م".
كما أصدر محمود فهمي النقراشي وزير المعارف قرارًا بجعل القرآن الكريم أساسيًّا في المدارس؛ حيث نص القرار على ما يلي:
يعقد امتحان في القرآن الكريم للتلاميذ المسلمين بالمدارس الابتدائية ابتداءً من السنة الدراسية 1940م-1941م، ولا يعد التلميذ ناجحًا إلا إذا حصل على 40٪ على الأقل من درجة النهاية الكبرى لهذه المادة، ومع ذلك إذا رسب التلميذ في السنة الأولى أو الثانية فإنه ينقل إلى السنة التي تليها، على أن يمتحن في آخر السنة في مقرر السنتين معًا، ولكنه إذا رسب في الامتحان المذكور في السنة الثالثة فإنه لا ينقل إلى السنة الرابعة إلا إذا نجح في الامتحان.
كما قام الإخوان بتشكيل لجنة للمطالبة بإصلاح التعليم الديني وتقديم رؤيتهم في الإصلاح والرد على الشبهات التي يمكن أن يثيرها رافضو الإصلاح، وكان تشكيل تلك اللجنة بمناسبة تشكيل وزارة المعارف للجنة لإصلاح المناهج، وقد قامت لجنة الإخوان بإعداد تقرير مفصَّل قدمته إلى وزير المعارف وأعضاء لجنة المناهج بيَّنت فيه قيمة مناهج التعليم في حياة الأمة والأدوار التي تقلبت فيها المناهج المصرية، وبيَّنت حرمان المدارس من التعليم الديني وأثره على المجتمع والأشخاص، ثم قامت برد الشبهات التي يظن البعض أنها تحول دون دراسة الدين في المدارس، ونعرض لتلك المذكرة التي توضح وجهة نظر الإخوان في إصلاح التعليم الديني.
ومن أثر ذلك أن وزارة المعارف قررت تعديل برنامج تعليم الدين في المكاتب العامة ابتداءً من أول السنة المكتبية الحاضرة حسب ما يأتي: "في مكاتب البنين: القرآن الكريم والدين حصتان في السنة الأولى تعطى منها محادثة في الدين وتحفيظ بعض ما يرد من الآيات الكريمة في دروس الدين للاستشهاد مع تحفيظهم سور الفاتحة والمعوذتين والإخلاص مساعدة لهم على أداء فريضة الصلاة، والطفل مأمور بها في سن السابعة، وأربع حصص في السنة الثانية، وخمس في الثالثة، وست في كل من السنتين الرابعة والخامسة، وفي مكاتب البنات تكون الحصص كما هي عليه في مكاتب البنين تمامًا.
في المدارس الأولية للبنين: القرآن حصتان في السنة الثانية، وثلاث في السنة الثالثة، وأربع في السنتين الرابعة والخامسة، ولا تعطى حصص في السنة الأولى، والدين حصتان في كل سنة من السنوات الخمس، وفي مدارس البنات يكون البرنامج مماثلاً لما في مدارس البنين".
واستمر الإخوان في مطالبتهم العاجلة بإصلاح التعليم الديني، وقد قام الأستاذ عبده البرتقالي عضو مجلس النواب ونائب الإخوان بالجيزة بتقديم مقترحات الإخوان حول إصلاح التعليم إلى مجلس النواب الذي أحالها إلى وزارة المعارف للعمل بها، ولكن الوزارة لم تعمل بتلك المقترحات.
كما قام الإمام البنا بكتابة سلسلة مقالات بعنوان: "في مناهج التعليم"؛ عالج فيها أمراض التعليم المختلفة، وقد كتب في مقالته الأولى عن قصور التعليم الديني في المدارس وعن قصور المناهج في ذلك المجال، وذكر أن سلسلة التعليم في مصر مضطربة متفككة، فقال: "فأنت أمام عدة أنواع لكل وجهة، وكثيرًا ما تتضارب وتختلف، وكثيرًا ما تنقطع إلى غير غاية، وكثيرًا ما تتعدد في غير حاجة، وقد كان من أثر ذلك أن اختلفت الثقافات اختلافًا واضحًا كان له أثر كبير في اضطراب حياة الأمة الفكرية والخلقية والاجتماعية وتضارب عقائدها وأفكارها وطرائق فهمها للحياة، فأنت ترى أنواع التعليم في مصر على النحو الآتي:
1- التعليم الأولي: ويشمل المدارس الإلزامية وتحضيرية المعلمين والمعلمين الأولية.
2- التعليم الابتدائي: ويليه التعليم الثانوي.
3- التعليم الفني والخصوصي: ويشمل مدارس الزراعة والتجارة والفنون والصناعات والزخارف ونحوها، ولا صلة لها ألبتة بالتجارة العليا والزراعة العليا والهندسة.
4- التعليم العالي: ويشمل الجامعة والمدارس العليا بأنواعها.
5- التعليم الأزهري: ويشمل الأزهر بأقسامه وكلياته وتخصصه.
6- دار العلوم: وتستمد طلبتها من الأزهر وتخرج أساتذة اللغة العربية والدين بالمدارس المصرية.
والذي يتأمل هذه الأنواع جميعًا ويفتش عن صلتها بعضها ببعض يجد أنها مفككة الأوصال تمامًا، وأن الصلات بينها عمليًّا وعلميًّا على أضعف ما يكون".
كما انتقد الإمام البنا تعليم اللغات الأجنبية في سن مبكرة، وطغيان اللغة الإنجليزية على اللغات الأخرى، لا سيما اللغة العربية، وقدَّم وجهة نظره مؤيدة بالأدلة والبراهين على خطأ تلك السياسة، ولم ينكر الإمام البنا أهمية تعلم اللغات الأجنبية، ولكنه انتقد تعلمها في الصغر.
لم يكن الهدف من المطالبة بجعل الدين مادة أساسية بالمدارس أن يكون مجرد مادة كأية مادة أخرى، وإنما يراد له أن يكون منهاج حياة للتلاميذ، وأساس التربية الروحية والخلقية والعلمية لديهم، والأصل في بناء شخصيتهم، وأن يرسَّخ الثقافة الإسلامية عندهم؛ ولذلك عني الإخوان عنايةً فائقةً بضرورة اختيار المناهج الدينية المناسبة.
وقد تألَّفت لهذا الشأن بالمركز العام لجنة برئاسة الأستاذ صالح عشماوي وسكرتارية الشيخ محمد الغزالي، وانضم إليها عددٌ من فضلاء العلماء الأجلاء والمربين النابهين، وهي لجنة للمطالبة بالتعليم الديني وإحلاله المحل اللائق به في مناهج التعليم، وقد طلبت من كل مَن يهمهم الأمر بأن يتصلوا بها أو أن يبعثوا على رئيسها بما يرون من وسائل ومقترحات حتى تستنير بذلك كله في بحثها المهم، وقد تقدمت بتقرير شامل ومذكرة وافية لوزير المعارف.
كما عمل الإخوان على الدعوة إلى سياسة تعليمية موحدة:
وعندما قامت الناظرة الجديدة للمدرسة السنية بإجبار الطالبات على كشف رءوسهن، بل وقامت بتوزيع ملابس رسمية على الطالبات، وهي ملابس قصيرة قرب الركب وعارية الأذرع، سارع الإخوان بمخاطبة وزير المعارف، واستفسروا عن هذا التغيير الذي حدث في المدرسة، وطالبوا بعودة الوضع كما كان في عهد الناظرة القديمة؛ حيث الأدب والاحتشام, كما نقلت الجريدة حالة السخط التي يعيشها أولياء الأمور والطالبات.
لم يقتصر جهود الإخوان على الجوانب العملية في الإصلاح، بل استفادوا من الصحف، وأشركوا الرأي العام في قضايا الإصلاح عن طريقها، مثل قضية البعثات إلى الخارج، وحول السياسة التعليمية التي تسير بها وزارة المعارف وتخبُّطها, قامت الجريدة بالوقوف على رأي بعض الفنيين في وزارة المعارف في السياسة التعليمية الذين يرون ضرورة اتباعها حسب ما تقتضيه مصلحة البلاد, واسترشد برأي الأساتذة: إسماعيل محمود القباني بك المستشار الفني للوزارة, وأمين كحيلي مدير الجامعة الشعبية, ومحمد عبد الواحد خلاف المراقب العام للثقافة, ومحمد فريد أبو حديد بك عميد معهد التربية.
كما اعتنى القسم بتربية العمال تربية دينية وتثقيفية، فأنشأ لجنة التثقيف ونشر الدعوة، والتي أدى من خلالها الإخوان دورًا كبيرًا، مثل:
1- فتح العديد من المدارس لمحو الأمية وتنمية الثقافة المدنية بالمجان.
2- فتح مكاتب لتحفيظ القرآن نهارًا.
3- فتح مدراس ليلية لتعليم العمال والفلاحين.
4- فتح شعب لتعليم الصبية الذين حرموا التعليم لاشتغالهم بالصناعات.
وقد كتب الإمام البنا في إحدى مقالته يقول: "قد يظن أن التهذيب نتيجة من نتائج العلم، والحقيقة أن العلم شيء والتهذيب شيء آخر، وقد يكون الشخص عالمًا وليس مهذبًا، وبالعكس؛ لأن مرجع العلم إلى العقل، ومرجع التهذيب إلى الخلق، وهما قوتان مختلفتان من قوى النفس، ولكلٍّ منهما نوع خاص من التربية، وغاية ما بينهما من صلة أن العلم يكشف للشخص عن حقائق الأشياء، ويريه وجوه النفع والضرر منها، فيساعده ذلك على مصاحبة الحسن ومجانبة القبيح، وبعبارةٍ أخرى: إن العلم سلاح إن استعمل في تدريب النفس على الفضيلة أفاد، وقد يكون معاونًا لها على الرذيلة أحيانًا؛ فليس التهذيب نتيجةً لازمةً له مطلقًا.
كانت أثينا مهد العلوم وعش الفلاسفة، ولم تكن الفضيلة فيها مرعية كما هي في إسبرطة التي لم تبلغ شأو شقيقتها في العلوم والفنون".
وأوضح أهم وسائل التعليم والتهذيب العامة، فقال: "أهم هذه الوسائل عندنا: المساجد، والصحف، والأندية، والجمعيات الإرشادية الإسلامية الناشئة، ودُور الكتب العامة والتأليف والنشر.
ويسرنا أن النهضة الحديثة شملت هذه الوسائل كلها وإن كان شمولاً قاصرًا، إلا أنا نرجو له بالمثابرة والزمن الكمال والوصول إلى الغاية المرجوة".
كانت هذه صورةً من جهود سنين من حياة الإخوان لإصلاح التعليم، ويوجد بين دفتي الكتب الكثير من هذه الجهود، غير أن المقال يحتم علينا عدم التطويل، وفي الحلقة القادمة نتكلم عن الجهود الإصلاحية للإخوان في التعليم الديني والأزهري.
المراجع
1- محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، 1998م.
2- جمعة أمين عبد العزيز، أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
3- مجموعة رسائل الإمام البنا، شركة البصائر للبحوث والدراسات، 2006م.
4- إسحاق موسى الحسيني: الإخوان المسلمون.. كبرى الحركات الإسلامية الحديثة، دار بيروت للطباعة، 1952م.
5- زكريا سليمان بيومي: الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية، (1928-1948م)، مكتبة وهبة، الطبعة الثانية، 1991م.