رأي في إصلاح منهج التعليم الديني في المدارس المصرية
بقلم / الإمام حسن البنا
مقدمة
لسنا فى حاجة إلى أن نبين الفوائد الحقيقية التى تعود على الطلبة من دراسة الدين دراسة صحيحة فى المدارس، فذلك أمر مفروغ منه، ولسنا فى حاجة إلى أن نقول: إن هذه الدراسة إذا أريد بها أن تأتى بهذه الفوائد فلابد من أن تجعل خطة الدراسة تعليم الدين مادة أساسية وأن تعمم دروسه فى كل مراحل التعليم، ولكنا نتقدم بهذه الكلمة الوجيزة لنلقى بها بعض الضوء على تكوين المنهج خاصة، ونسأل الله أن يلهم لجان المناهج ما فيه الخير لهذه الأمة.
فى المدارس الابتدائية
السنة الأولى والثانية: يكون منهجهما وطريقتهما على النحو الحالى مراعاة لسن الأطفال ومداركهم، أى: يكون فى كل منهما ثلاث حصص توزع على القرآن والفقه والتهذيب.
السنة الثالثة: تزاد فيها حصة القرآن الكريم فيكلف التلميذ فيها حفظ جزء من القرآن، وتختصر موضوعات منهج التهذيب الخلقية ويزاد فى موضوعات التراجم بضع ترجمات لعظماء الإسلام كالخلفاء الأربعة مثلاً، وتستمر حصصها أربعًا: واحدة للقرآن، وأخرى للتهذيب، واثنتين للفقه، أو تقتصر على واحدة فى الفقه فتكون الحصص ثلاثًا فقط.
السنة الرابعة: تقرر لها حصة للعقائد، وحصة للقرآن، وحصة للتهذيب يدرسون فى الأولى مبادئ العقائد الصحيحة، ويحفظون فى الثانية جزءًا من القرآن مع استعادة ما تقدم، ويدرسون فى الثالثة بقية عنوانات التهذيب التى حذفت من السنة الثالثة، مع تحفيظ كثير من الأحاديث الواردة فى الأخلاق.
وهذه المحفوظات الدينية هى خير ذخيرة ينتفع بها التلميذ فى حياته المستقبلة، وفى هاتين السنتين يجب أن يكون الامتحان فى هذه المادة تحريريًا كبقية المواد يتوقف عليه نجاح التلميذ أو رسوبه، ويسأل المدرس عن نتيجته فيها كما يسأل عن نتيجة اللغة العربية، ويعامل القرآن معاملة المحفوظات.
وبذلك يتخرج التلميذ فى المدرسة الابتدائية وقد حفظ ثلاثة أجزاء من القرآن الكريم، وشدا شيئًا فى الفقه والأخلاق، وعرف قدوة صالحة من سلفه يأخذ بها.
فى المدارس الثانوية والخصوصية والفنية
يخصص فى كل سنة من سنواتها ثلاث حصص للدين: إحداها: لتصحيح القرآن واستظهاره كحصة المحفوظات فى اللغة العربية كما فى مدارس المعلمين الأولية الآن، ويحفظ التلاميذ فى هذه الحصة كل سنة جزءًا من القرآن، ويدرسون فى الثانية العقائد بصورة أوسع فى النظر والتدليل، مع العناية بدراسة السيرة النبوية فى هذا الدرس، ويدرسون فى الثالثة الأحكام الفقهية التى تناسب أسنانهم كالغسل وصلاة المسافر، مع البحث عن الأسرار والمزايا والأدلة مشفوعًا ذلك بشىء من الأحاديث النبوية فى فضائل هذه العبادات.
وبذلك يغادر التلميذ هذه المدارس وقد علم بها من العقائد ما يزعه عن مقارفة الشرور والآثام، ومن أحكام الفروع ما يصحح به عبادة ربه على الوجه المطلوب، ومن كتاب ربه جزءًا لا بأس به.
فى المدارس العالية والجامعة
تخصص حصتان للعقائد وحصة للفقه يبحث فى الأولين عن فلسفة العقائد ورد الشبهات الواردة عليها وتمحيص الأدلة العقلية والنقلية لها، ويبحث فى الثانية عن أدلة الأحكام وعلل اختلافها وكيفية استنباطها بطريقة مجملة.
وتترك العناية بتحفيظ القرآن وتفهم أسراره لمقدرة الطالب على أن يؤدى امتحانًا شفهيًا فى مقرر معلوم آخر العام.
ذلك أساس المشروع الذى نريد أن تعمل وزارة المعارف على إنفاذه فى المدارس.
ولا ينتج الثمرة المطلوبة إلا بمراعاة الملاحظات الآتية:
1- للقدوة والروح العام فى المدرسة أبلغ الأثر فى نفوس التلاميذ، ومتى شعر المدرسون باهتمام الوزارة ببث روح الدين بادروا إلى تحقيق هذه الغاية؛ لأن شعور المدرس بضعف هذه الرغبة عند الرؤساء والمفتشين يجعله متساهلاً متهاونًا، ويجعل مجهوده قاصرًا قليل الفائدة.
2- العناية باختيار الكتب الدينية وصرفها للتلاميذ ليشعروا بأهمية هذا العلم، ويستفيدوا بمطالعة هذه الكتب المختارة فى الفقه وفى التهذيب وفى السير وفى العقائد وفى الأحاديث النبوية.
تلك خطة نقترحها معترفين بالعجز والقصور، على أن تفتح بها الباب للمفكرين والنوابغ من رجال التعليم الذين هم أولى بهذا منا وأقدر، راجين أن ينال هذا الأمر من عنايتهم ما يستحقه من الاهتمام والتقدير والتنفيذ المشمول بالشجاعة الأدبية والإقدام.
المصدر: الإخوان المسلمون الأسبوعية، العدد (12)، السنة الثالثة، غرة ربيع الآخر 1354ه/ 2يوليو 1935م