تحليل مشاركات الإسلاميين

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تحليل مشاركات الإسلاميين

بقلم/ د. عمرو حمزاوي

عندما قررت الحركات الإسلامية في الوطن العربي المشاركة في العملية السياسية, فإن ثمة تخوفات جسيمة قد لاحت في الأفق تجاه طبيعة وتداعيات هذه المشاركة إلي جانب مدى نضج الإسلاميين للإلمام بأعباء الحكم في حالة صعودهم للسلطة عبر قنوات ديموقراطية.

وعلي اعتبار تباين نضج الإسلاميين, وكذلك الإتجاهات الإسلامية, فإن مثل هذه القضايا والتحليلات لابد من أن تكون خالية تماما من التعميمات (وإعادة تصديرها ذلك) التي تنبع أساساً من التحيزات الأيدلوجية او قامت علي إثر اقتباسات مختارة من تجارب سابقة تعتبر غير كافية للإلمام بالإلتباسات والتداخلات وكشف التغيرات والتطورات القائمة علي الأرض.

وبشكل مشابه تماما, فإن التوجه الإقصائي للحركات الإسلامية لكونها جماعات من الأيدلوجيين المتعصبين, تفضحهم ادبياتهم التي تعتبر بمثابة الدليل الكافي علي الفلسفة التي تحركهم, هذا التوجه أيضا يعتبر متبسطاً إلي درجة كبيرة.

كما أنه ليس من المفيد طرح معايير طبقت سابقاً لتقييم حركات أداء سابقة في العالم العربي كالتيارات الليبرالية والشيوعية والقومية العربية, علي اعتبار أن المشاركة الإسلامية في العملية السياسية شديدة الحداثة والتقطع حتى يتم تطبيق مثل هذه النماذج السابقة عليها.

ومعلوم أن الحجة الأخيرة يغلب تبنيها من قبل الإسلاميين الذين يؤكدون أنه من السابق لأوانه والمناقض للواقع السؤال عن قدرة الإسلاميين علي إدارة القضايا والملفات العامة أو مشاركتهم بفاعلية في الحكومة, خصوصاً بعد الأخذ في الحسبان توازنات القوى المستحدثة بين النخبة الحاكمة والإسلاميين.

إذن, فإن هؤلاء المدافعين يدعون جمهور الناخبين للإدلاء بأصواتهم لحركة لا زالت طرق معالجتها للتحديات غامضة, متخطية كل الأدوات المتاحة للتحليل. وهذا بالفعل يشكل نوعا خطيرا من المماطلة والتسويف.

فمن الممكن الدخول في تحليل ثلاثة أنواع من المشاركات السياسية للإسلاميين في الحياة العامة. أما عن النوع الأول, فإنه يتضمن النموذج العراقي واللبناني والفلسطيني.

فعلي الرغم من أن الأحزاب والحركات الإسلامية في هذه الدول تعمل بحرية تنظيمية معقولة في سياق سياسي تعددي, إلا أننا لابد ألا ننسى أن هذه التجارب تحدث في مناخ فوضوي إلي حد كبير جراء إحتلال أجنبي قوض مؤسسات الدولة والأمن العام أو أزمات شقاق داخلي متصلبة ومتتالية تؤثر علي كفاءة الحكومة في إدارة الأزمات التي تهدد استقرار النظام السياسي وتشجع علي تسيد التيارات الإحتكارية الإقصائية التي تضر بروح ومحتوى المشاركة السياسية.

فبغض النظر عن الإنقسامات بين السنة والشيعة ومواقف كلا منهما تجاه المقاومة, فإن الحركات الإسلامية في العراق ولبنان وفلسطين تتميز بهياكل طلائعية داخلية, وحيازة وسائل تمكنها من ممارسة العنف, وإتجاه للمارسة, أو التهديد بمارسة, العنف لحل الإشكاليات السياسية العالقة.

وعلاوة علي ذلك, وعلي الأخذ في الإعتبار إختلاف التوجهات والتباينات الحاصلة علي السياقات المحلية, فإن التشعبات السياسية للميليشيات الشيعية والمخترقة للحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية تختلف تماماً عن استفادة حزب الله من حربه مع إسرائيل في صيف 2006 لكسب دعم سياسي كافي لقلب ميزان القوى في لبنان, وتتباين أيضاً مع عودة حماس لتنظيمها الشبه عسكري لحل صراعها مع فتح في غزة.

وهذا يطرح علينا سؤالاً أكثر إلحاحاً وهو: هل سيقلل أو يختصر استيعاب الحركات الإسلامية, التي تعهدت بمشاركة سلمية علي احتمالية كون هذه المشاركة تكتيك سياسي في إطار استراتيجية عظمى, في سياق سياسي تعددي من فرص دفع عجلة التعددية السياسية قدماً تحت مظلة عملية الدمقرطة؟

أو أن هذا الإستيعاب سيحفز الإسلاميين تدريجياً لنزع أسلحتهم ومراجعة وسائلهم ومناهجهم التي تضع المشاركة السلمية في طليعة سلم الأولويات, آخذين في الإعتبار الدول التي انهارت وفشلت سياساتها بهذا السبب؟

ولكن لسوء الحظ, فإن الطرح الأخير يبدو بعيداً تماماً حتى لو كانت هناك ليونة في إحداث تغيرات داخل الحركات (وذلك لإحتمالية وجود تنازعات بين الجذريين والمعتدلين داخل الحركات), أو لفظ السياق المجتمعي لهم خارج اللعبة السياسية بشكل تدريجي عن طريق إحجام شعبي عن الأدبيات الأيديولوجية الرائقة, أو حالة الإرتباط الديني, ولفظ دعواهم بأنهم حاملي راية المقاومة ضد الأطماع الإمبريالية أو العدو المشترك.

نظرياً, فإن المخرج الوحيد من هذا المأزق هو تضافر الإرادات الشعبية لإنعاش مشروع الدولة المدنية, وتنشيط حياديتها تجاه المكونات المجتمعية المتباينة, إلي جانب تقديم التركيبات والاليات لتخطي القوى الإقصائية التي تحاول احتكار الأمور العامة, سواءاً تبنت هذه القوى منهجاً دينياً أو مغايراً.

أما النوع الثاني من المشاركات الإسلامية في الحياة العامة, فيعتبر شديد التناقض مع مر, وذلك لتبنيه قضية المشاركة السلمية كخيار استرتيجي ووحيد.

وهنا, لا يوجد أي خيار بديل أمام الإسلاميين عن الحفاظ علي أنطقة وآليات التعددية السياسية المتاحة, إلي جانب التعزيز والتوسيع التدريجي لإطار النظام التعددي عن طريق صياغة إجماع وطني بخصوص مستقبل الدمقرطة, يضم النخبة الحاكمة وجماعات المعارضة ليبرالية كانت أو يسارية علي حد سواء.

ويعتبر شعار "العمل مع الآخرين أولا" هو الأمثل لترجمة الإتجاه الذي يتبناه الإسلاميين في المغرب والجزائر والكويت والبحرين الذين أعادوا تقديم أنفسهم في تركيبة حزبية سياسية (كحزب العدالة والتنمية في المغرب وحركة مجتمع السلم في الجزائر) أو تركيبة حزبية شبه سياسية (كالحركة الدستورية الإسلامية في الكويتوالحزب الشيعي في البحرين) بمنهج سلمي غير عسكري علي الإطلاق.

ففي حين أنحركة مجتمع السلم الجزائرية والحركة الدستورية الكويتية يشاركون في صنع القرار الحكومي في الجزائر والكويتولو بصورة نوعية, إلا أن حزب العدالة والتنمية في المغرب وجمعية الوفاق الوطني في البحرين يعتبرون جزءاً من المعارضة الشرعية في المغرب والبحرين.

ومن الأهمية بمكان أن نذكر أن بعض هذه الحركات, ونخص بها هنا العدالة والتنمية المغربية والدستورية الكويتية, قد نحجت في الوصول إلي فصل وظيفي بين عملها الدعوي والآخر السياسي, حيث حولوا أنفسهم لمنظمات سياسية ذات مرجعية إسلامية يديرها سياسيون محنكون, لا يمارسون أي عمل دعوي أو خطابي في إطار الحركة الدعوية.

وهذه المعطيات لا تنطبق علي حالة جمعية الوفاق البحرينية, حيث أن خلط العمل الدعوي بالسياسي ربما يكون نتيجة طبيعية للتشابك الحاصل بين قيادة الجمعية والهرم التنظيمي لشيعة البحرين.

فعلي الرغم من التباينات النوعية بين تلك الحركات التي تتبى شعار "المشاركة أولاً", إلا أن الإسلاميين يشتركون في خصائص جوهرية متعددة.

وفوق كل ذلك, فإنهم يحترمون شرعية كيان الدولة الذي ينتمون إليه, كما يحترمون كل المؤسسات الحاكمة, ومبدأ المساواة بين كل المواطنين, كما يتفهمون الطبيعة التنافسية والتعددية للحياة السياسية.

فهذا الإتجاه, الذي تبنونه روحاً أكثر منه شكلاً, قد أدى إلي تناقص أسهم المنابر الإقصائية, الموجهة ضد النخب الحاكمة أو قوى المعارضة الليبرالية واليسارية علي حد سواء, كما يعتبر تحولا مرحلياً عن أنماط الخطاب الأيديولوجية والآراء المطلقة إلي تشكيل أرضيات سياسية عملية ومحاوات بناءة للتأثير علي السياسة العامة, كشركاء ثانويين في صنع القرار داخل الحكومة أو أعضاء في المعارضة.

إن تجربة الإسلاميين في المغرب والجزائر والكويت والبحرين تبقي شاهدة علي العلاقة المباشرة بين استقرار المدى المتاح للمشاركة السياسية كنتيجة لتقهقر الحكومات ولجوئها للذرائع الأمنية لإقصاء أو إضطهاد الإسلاميين من ناحية وتمسك متزايد باحترام قواعد اللعبة السياسية تظهر في قرارات وحلول الإسلاميين, والوصول إتفاقات رضائية بخصوص تناول القضايا العامة بطريقة غير هجومية من جانب آخر.

وعلي الرغم مما مر, فإن الإسلاميين لا زالوا يحاسبون علي نواياهم. فمبدئياً, عليهم (الإسلاميين) إعلان تعهد غير مشروط بآليات النموذج التعددي الحكومي, حتي وإن كانت تلك الآليات تنتج سياسات لا تتماشي إطلاقاً مع معتقداتهم الدينية.

وعلي الجانب الآخر, عليهم أيضاً الإستمرار في إقناع جمهور الناخبين بنجاعة المشاركة السلمية في الوقت الذي تحاول فيه القوى الإسلامية الإقصائية إثبات فشل الخيار السلمي كوسيلة لدفع خياراتهم للتطبيق؛ وحينما يكون علي النخب السلطوية الحاكمة بث شكوكهم تجاه الإسلاميين الذين عليهم أن يألفوا الإتجاه الإجماعي الإتفاقي.

أما عن النوع الثالث, فيبقى ممثلاً في الحالات المصرية والسودانية والأردنية واليمنية. فعلي الرغم من وجود تفاوتات كبيرة بين الحركات الإسلامية في هذه البلدان مجتمعة, إلا أنها جميعاً تشترك في مثابرتها في ظل مناخ سياسي متطاير وهشاشة العلاقة بينها وبين النخب الحاكمة.

فالإخوان المسلمون, في مصر والأردن علي سبيل المثال, لو أعطوا ثمة فرصة للمشاركة في آليات تعددية, كالانتخابات التشريعية وانتخابات النقابات المهنية وديناميكيات المجتمع المدني الأخرى, فإن السيف الأمني دائماً ما يكون مسلطاً علي رقابهم.

ومن جانب آخر, فإن الحركة الإسلامية في السودان إلي جانب حزب الإصلاح في اليمن قد طرحوا مخاوفاً من موائمات غير ديموقراطية يواجه بها الإسلاميون النخب الحاكمة هناك, إلي جانب إنعكاس التحالفات بين التكنوقراطيين والتنظيمات الشبه عسكرية علي الحياة السياسية وتأثيرها علي الديناميكيات الداخلية للإسلاميين ذاتهم.

إن الإسلاميين قد تبنوا استراتيجية المشاركة السلمية, ولكنها لا تعدو كونها استراتيجية. فبالنظر إلي التأرحجات الأبدية بخصوص توليهم الحكم في مصر والأردن, أو تغير مواقفهم من شركاء للحكومات السلطوية لمعاديين لها, في حالتي اليمن والسودان إلي حد ما, فإن قادتهم وأتباعهم لا يزالون يحلقون بين أوعر المرتفعات الأيديولوجية, والروايات الاجتماعية, والسياسات العظمى (كالتطرق لدور الدين, والشريعة الإسلامية, ونوع العلاقة بين الفرد والمجتمع والأمة), في حين تجاهلهم للحاجة الملحة لتطوير نوع من الثقافة يقدر الآليات البنائية والإتفاقية للتأثير علي السياسة العامة للبلدان.

ربما يكون الطريق الأوحد لحث هؤلاء المشاركين غير المتحمسين للعملية السياسية للوصول بهم إلي إلتزام سياسي كامل هو فتح الباب أمامهم ليقدموا إسهاماتهم في الحياة العامة بشكل مستقر.

ونحن إن لم نكن نقدر هذه الإختلافات بين الأنواع الثلاثة للمشاركة السياسية المذكورة أعلاه, فإننا سنصبح غير قادرين للإشارة إلي هذه المميزات والوضعيات التي تسمح لنا بالتعامل بشكل واقعي مع الظاهرة الإسلامية والتحديات التي تعوقها للوصول إلي المجتمع.

المصدر: الأهرام ويكلي (عدد 26 يوليو - أغسطس 2007)

إقرأ أيضا

كتب متعلقة

ملفات وأبحاث ومقالات متعلقة

مقالات متعلقة

الدكتور محمد الأمين بلغيث - جامعة الجزائر

تابع مقالات متعلقة

تابع مقالات متعلقة

متعلقات

وصلات خارجية كتب هامة

مقالات متعلقة مقالات وأبحاث متعلقة

تابع مقالات متعلقة

موقع السلفية في السياسة الدينية للدولة]المصدر: جريدة المساء (المغربية ،موقع السلفية ملفات متعلقة

أخبار متعلقة

تحقيقات متعلقة

بيانات متعلقة

وصلات فيديو

برامج متعلقة