صلاح العطار
مقدمة
ما زال الكثير من تاريخ الإخوان المسلمين مجهول لا يعرف عنه إلا القليل بسبب ما مر في مسيرة الجماعة من مطاردات بوليسية أو أحكام قانونية ظالمة مما دفع بالكثيرين أن يطمسوا كل ما كان لديهم أو ينزوا فلا يتكلموا خوفا على أنفسهم من الاضطهاد أو الهجرة والانشغال بنشر دعوتهم فسكتوا عن ماضيهم وما تعرضوا له بحجة ترك الحديث إخلاصا لله أو لعدم توافق المناسبات التي تدفعهم عن تاريخهم الماضي في الجماعة أو الابتلاءات التي تعرضوا لها، أو الظروف الأمنية التي تدفعهم للكتمان.
ولذا كثير من أبناء الحركة الإسلامية عاشوا وماتوا ولم يتحدثوا عن حياتهم أو تاريخهم والابتلاءات التي تعرضوا لها فطمست معلومات كثيرة ومن هؤلاء المهندس صلاح العطار الذي لا نعرف متى توفي وغيرها من المعلومات إلا التي ذكرها بعض الإخوان في كتبهم.
البداية
استنتاجا لحياة صلاح العطار ربما كانت ولادته في حي شبرا بالقاهرة والتي التحق بمراحل التعليم حتى تخرج في كلية الفنون التطبيقية، وعُيِّن عام 1948م كمهندس مسئول عن قسم الصباغة بشركة الصباغة والتجهيز بشبرا الخيمة. تعرف صلاح العطار على الإخوان في فترة الجامعة، وحينما التحق بالشركة نشط وسطهم حتى استطاع أن يشكل من العمال أسرة إخوانية.
يقول جودة شعبان:
- بعد أن قضت ثلاثة أعوام في عملي في مصنع الصباغة التحق بالعمل المهندس صلاح العطار، والذي تخرَّج في كلية الفنون التطبيقية وعُيِّن في نفس الشركة عام 1948م كمهندس مسئول عن قسم الصباغة، وهو القسم الذي كنت اعمل فيه كعامل، وكنت بطبيعة تربيتي مُحافظًا على الصلاة في جماعة، فلفت ذلك نظر المهندس صلاح العطار، والذي كان أحد قادة الإخوان المسلمين فتقرَّب مني بعد أن رآني أتردَّد على المسجد بانتظام وتعرَّف إلي ثم طلب من مدير الشركة أن يأخذني معه في إدارة القسم فوافق.
- ومع مرور الأيام عرَّفني على دعوة الإخوان المسلمين حتى انتظمت بها، وكوَّن- مع زملائي- مجموعةً من خمسة أفراد، وظل المهندس صلاح العطار مسئولا عنا حتى جاءت حرب فلسطين، فسافر العطَّار، وقبل توجهه لفلسطين سلَّمنا للأستاذ عبد الكريم قدوس حتى كانت محنة 1948م والتي قُبض فيها على كثير من الإخوان، وكان من بينهم الأستاذ عبد الكريم.
العطار وحصار الفالوجا
دخل الإخوان حرب فلسطين واستطاعوا أن يكبدوا اليهود الكثير من الخسائر والمواقع إلا أن كانوا يسلمونها للجيش المصري والذي كان يعاني من الضعف فسرعان ما استطاع اليهود الاستيلاء على المواقع التي في أيدي القوات المصرية، وتطور الأمر حتى وقعت الحامية المصرية في حصار الفالوجا وأحكم اليهود الحصار على القوات، وكان لابد من توصيل المؤن للمحاصرين فاختاروا عدد من الإخوان ليقوموا بهذه المهمة كان منهم م. صلاح العطار
يقول القائد أحمد لبيب الترجمان:
- حاصر اليهود معسكر الجيش المصري في الفالوجا، وحاولت قيادة الجيش مد القوات المحاصرة بالمؤن والذخيرة، ومن هنا لجأت قيادة الجيش المصري إلى متطوعي الإخوان المسلمين، فاتصلوا بالأخ لبيب الترجمان المسئول عن متطوعي الإخوان في صور باهر، وحملوه المسئولية عن اختراق الحصار وإنقاذ القوات، فأرسل ثلاثة من الإخوة وهم:
- محمد عبد الغفار وصلاح العطار ومحمد عبد رب النبي الشهير بالبريد إلى قيادة المتطوعين في بيت لحم التي وافقت على المهمة وكلفت القوة الموجودة في صور باهر بتنفيذها، فاختار الأخ أحمد لبيب الترجمان خمسة عشر أخًا وأخذوا عربتان محملتان بالمواد الطبية والمؤن والذخائر..وكان هذا في 13/11/1948م وساروا في الطريق يرددون أناشيد الإخوان، حتى وصلوا في المساء إلى منطقة "الدهرية" بعد الخليل.
- وهناك أعطاهم المسئولون في الجيش المصري خمسة عشر جملا، حملت الصناديق التي معهم.. وأخبروهم أن المسافة مدتها ثلاث ساعات سيرًا على الأقدام، وكان المسئول في هذه المهمة هو الأخ محمد عبد الغفار، ولم يرافقهم أي ضابط من الجيش، وبدأ السير في الطرق الجبلية ومعهم دليل من البدو، كل فرد يقود جملا حتى وصلوا قرب معسكر الفالوجا المحاصر..
- واستراحوا قليلا، ثم أخذ كل منهم موقعه للحراسة.. وخرج الإخوة الثلاثة: محمد عبد الغفار وصلاح العطار ومحمد عبد رب النبي ومعهم الدليل يستكشفون المواقع التي تمكننهم من دخول الفالوجا.. وتأخر الإخوان عن الرجوع وفي تلك الأثناء حدث تبادل لإطلاق النار مع اليهود ، فأنزلوا الصناديق المحملة فوق الجمال، وغطوها بالقش والخيش، على أمل العودة إليها إذا جن الليل وحل الظلام. ظل العطار مجاهدا حتى اعتقل عام 1948م وزج به في السجن مع إخوانه حيث شاركهم المحنة في سجن الطور.
ما بعد المحنة
خرج صلاح العطار وشارك إخوانه العمل على عودة الجماعة واختيار مرشدها، وكان أحد قادة النظام الخاص يقول أحمد عادل كمال:
- وضعنا البرنامج الذى نجحنا فى تنفيذه بالكامل وبدأنا المرحلة الأولى منه لمدة عام فى شهر مايو 1952. وقد تم تقسيم هذه المرحلة إلى أجزاء شهرية فكنا نطبع لكل شهر ما يخصه ونوزعه على أفراد النظام. لقد كان ذلك البرنامج اقوي برنامج فى نظم الجماعة منذ أنشئت، وكانت قوته تكمن – إلى جوار ما فى مادته – فى أنه كان منفذا بتمامه وكماله، فلم يكن برنامجا نظريا على الورق.
- لقد كنت مسئولا عن القاهرة فقط ولم تمتد مسئوليتي إلى أكثر من هذا، ومع ذلك فقد طلب المسئولون عن الأقاليم هذا البرنامج حتى عم القطر كله، ثم عبر الحدود إلى إخواننا فى سوريا، وإلى جوار ذلك حرصنا على مظهر ذلك البرنامج فكنا نوزعه مجلدا تجليدا مناسبا لائقا. كان يعاوننى فى وضعه يحيى عبد الحليم وأحمد العسال وصلاح العطار. وكان يعاوننى فى طباعته إبراهيم صلاح وسيد عيد.
في قلب الفتنة
حلت الجماعة بقرار من النقراشي عام 1948م وتم اعتقال أفراد الجماعة قبل أن يغتال مرشدهم حسن البنا ويترك فراغ كبير وظلت الجماعة تجاهد لإلغاء قرار الحل حتى قضت لهم المحكمة بذلك فعادت الجماعة وكان لابد من اختيار من يقودها فوقع الإختيار على المستشار حسن الهضيبي والذي اصطدم بالنظام الخاص الذي كان يرى علانيته فرفض بعض قادته مثل السندي والصباغ
مما دفع الهيئة التأسيسية لعقد مجالس تحقيق وخلصت بفصل عبد الرحمن السندي ومحمود الصباغ وأحمد زكي حسن لكنهم حركوا مجموعة من النظام لاجبار المستشار الهضيبي على الغاء قرار الفصل واتجه عدد منهم وهجموا على منزل المرشد العام في محاولة لإجباره على العدول غير أنه قال ان القرار قرار الجماعة فاندفعوا لاحتلال المركز العام لكن كان لبعض الإخوة دور كبير في تهدئة الموقف ومنهم المهندس صلاح العطار الذي استطاع أن يهدأ الشباب وينهى هذا الاضطراب.
يقول محمود عبد الحليم:
- أن اثنين كانا من أكبر المسئولين في النظام الخاص في القاهرة ، أحدهما الأخ صلاح العطار وكان مسئولاً عن النظام الخاص في شبرا ، وكان يعد أقرب شخصية إلي السندي، وقد جعله السندي أركان حربه في إدارة المؤامرة .. والآخر الأخ سيد عيد وكان مسئولاً عن النظام الخاص في شبرا الخيمة . كان هذان الإخوان – بإخلاص- كانا من العوامل التي أعدتها القدرة الإلهية لتقويض البناء الذي سهر علي بنائه واضعو الخطة ومنفذوها .
- لما قابل الأخ سيد عيد الأخ صلاح العطار في يوم المؤامرة في مكان عينه له الأخ صلاح قرب جريدة الأهرام ، وجد الأخ صلاح الأخ سيد منخرطًا في البكاء لخطورة الحالة .. هدأه الأخ صلاح وقال له: هناك ما هو أخطر من هذا : إن عبد الناصر بلغ السندي أنه لن يتدخل حتى يتم الانقلاب داخل الإخوان.
- تدخل بعض الإخوان منهم الأخ عبد العزيز كامل الذي لازم المعتصمين معظم الوقت .. وبحسن تصرف الأخوين الكريمين الأستاذين صلاح العطار وسيد عيد اللذين استطاعا أن ينهوا الأمر
ويقول صلاح شادي، نقلا عن سيد عيد – وهو أحد قادة النظام الخاص- قوله:
- لقد كان الشق الثاني مما دبر هو الاعتصام بالمركز العام حتى تصل استقالة المرشد حسن الهضيبي ،غادرت المكان وذهبت للأستاذ محمود عبده عند خروجي التقيت بالأخ عبد العزيز أحمد حسن سكرتير الإمام الشهيد ، فأخبرته بما جرى فدخل بيت الأخ محمد فاضل صهر الأستاذ سعيد رمضان وبدأ الاتصال بأعضاء مكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية لإبلاغهم بما حدث
- فتركته وعدت لبيت المرشد لأجد الإخوة إسماعيل عارف وفوزي فارس وحسن عبد الغنى وسيد الريس من إخوان النظام وغيرهم يحاولون إقناعه بأن الذين حضروا إلى منزله لم يكونوا متفقين على ما تم ، وأن قلة فيهم فقط هم الذين دبروا ذلك ، وأن الآخرين خدعوا ..فقال: لهم لماذا إذن لم تتكلموا ؟ فقالوا كرهنا أن تحدث مجزرة فى منزلك فطالما لم يتعد الأمر مسألة الكلام فنحن نسكت، لكن لو تطور الأمر فنحن جاهزون للتصرف .
- وذهبت إلى نجيب جويفل بالروضة لسابق علمي أنه على خلاف مع السندى وأبلغته بما حدث فى بيت المرشد وما يجرى بالمركز العام ، ثم توجهت إلى الحدائق القبة لأصطحب الأخ إبراهيم صلاح إلى منزل محمد أبو سريع – لصلته الوثيقة به – حيث كانت لديه كراسة فيها أسماء أفراد النظام الخاص ، وكنت حريصا على الحصول عليها ، فذهبنا فلم نجده فحاولنا أخذ الكراسة من مكتبه إلا أننا عجزنا عن فتح أدراج المكتب ..
- فتوجهنا للمركز العام للالتقاء به ، واستحضارها منه ، ولدى دخولي المركز العام وجدت أفرادا فى النظام أغلبهم من رؤساء المناطق قدموا من القاهرة و المنوفية ، وبعد قليل اتصل بي تليفونيا الأخ صلاح العطار- مسئول النظام عن شبرا- ومن المقربين للسندي وكان معه فى الشقة التى تدار منها الأحداث فى باب اللوق قرب مبنى جريدة الأهرام ، فقال لى ماذا تعمل في المركز العام ؟
- قلت له أؤدي مهمة .. فقال من كلفك بها ؟ قلت: الله كلفني ، فأعطاني عنوان المكان المتواجد فيه بالقرب من مبنى صحيفة الأهرام وقال تعال إلى . . فذهبت والتقيت به تحت البناية التى بها الشقة وكنت فى أشد حالات الانفعال ، فقصصت عليه ما عندى ثم انخرطت في البكاء،فهدأنى قائلا هناك ما هو أخطر من هذا .. أن عبد الناصر يجهز لانقلاب داخل الإخوان فشعرت أنه متضامن مع موقفي.
- وتوجهنا إلى المركز العام بعد الواحدة صباحا وعند وصولنا وجدنا أن السندي قد اتصل بالمعتصمين هناك ليقول لهم اسمعوا وأطيعوا لصلاح العطار ، ووجدت أن أكثر الموجودين نشاط في محاولة لدحر الفتنة وإنهاء الاعتصام هو عبد العزيز كامل ، فجاء إليه صلاح العطار وقال له عليك بفتحي البوز وعلي صديق ، فتوصل معهما إلى اتفاق ، وجلس معهم حسن عبد الغني واتفقوا جميعا على الذهاب إلى السندى ليخبروه بأن الأمر لا يمكن أن يستمر !! .. وركب الجب مع صلاح العطار وذهبوا للسندى فى الشقة فاسقط فى يده وقال لهم تصرفوا كما تروا وانتهى الأمر وخاب ظن عبد الناصر.
محنة 1954م
اندلعت ثورة 23 يوليو وشارك الإخوان العسكر نجاحها في سبيل أن تحييا البلاد حياة ديمقراطية نيابية غير أنه ما كاد الأمر يستقر حتى استبد العسكر بالأمر ورفضوا العودة لثكناتهم كما رفضوا الديمقراطية النيابية بحجة أن البلاد غير مستقرة وتحتاج للحزم، وقتها بدأ الصدام بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة وأصبح الطرفين يترصدان تحرك الأخر، ولم يكن العسكر يفوتون فرصة إلا واضطهدوا الإخوان وشاعوا الفرقة بينهم
ووقع الإخوان في أخطاء كثيرة – بحسن نيه وطيبة قلب - بالسير في أطر العسكر من أجل الوصول لاستقرار البلاد ولم يأخذوا العبرة من الوعود الكاذبة التي كان العسكر يعقدونها على انفسهم ثم يحنثوا بها، وظل الأمر كذلك حتى بعد حل الجماعة واعتقال رموزها حتى جاءت الضربة الكبرى بعد حادثة المنشية في 26 أكتوبر 1954م حينما أصدر عبد الناصر أمره بالتحرك لاعتقال كل من ينتسب للإخوان أو يقف ضد إرادة العسكر ووجد قلوب متعطشة من ضباط وجنود لتنفيذ مثل هذه الأوامر طالما ستعود عليه هذه السياسة بالخير حتى ولو أبيد الجميع.
تحركت السيارات تنهب الطرق وتعتقل كل فرد، بل اجبروا المواطنين على الإرشاد على كل فرد يتلفظ بلفظ ضد العسكر، وامتلأت السجون وعاش الجميع في قهر واقيمت محاكم هزلية يقودها مجموعة من العسكر والتي حكمت على البعض بالإعدام وزجت بالباقي في السجون بقية حياتهم.
قدم صلاح العطار للمحاكمة وعذب عذابا شديدا ظهر ذلك جليا على جسده حيث اتهموه في حادث شبرا، غير أن السبب الحقيقي وراء هذا التعذيب هو أن عبد الناصر كان يكن له كل كره بسبب موقفه من محاولة الانقلاب على الإخوان عام 1953م وتصديه لها بمعاونة بعض الإخوة الكرام، فحملها له عبد الناصر كما حمل للشهيد عبد القادر عودة نفس الموقف حينما وقف وصرف الناس بإشارة من أصبعه في مظاهرات عابدين.
حكم علي العطار بالإعدام وخفف إلى الأشغال الشاقة المؤبدة بعدما اندلعت المظاهرات في الأقطار العربية كما حكم على البعض أمثال:
- المستشار حسن الهضيبي المرشد العام
- محمد مهدي عاكف – المرشد السابع.
- صلاح شادي – ضابط بوليس.
- علي عبد الفتاح نويتو – إمبابة.
- سعد حجاج – إمبابة.
- محمد علي الشناوي – سلاح الطيران.
- محمود شكري – سلاح البحرية – إسكندرية.
- سعيد بلبع- ضابط بحري.
- أبو المكارم عبد الحي – ضابط جيش.
- عبد المنعم عبد الرؤوف – ضابط جيش.
- محمد شاكر خليل – حادث شبرا الشهير (1955 م).
- أحمد رمزي – ضابط بحري.
- سيد الريس – طالب بكلية الآداب (بين السرايات).
- صلاح عبد المعطي – ضابط بالجيش.
- عمر أمين – لواء بحري – إسكندرية.
- محمد علي النصيري – طالب حقوق.
- عز الدين صادق – ضابط بحري.
- عبد المنعم معبد.
هذا غير الستة الذين نفذ فيهم الحكم وهم عبد القادر عودة ومحمد فرغلي ويوسف طلعت وإبراهيم الطيب وهنداوي دوير ومحمود عبد اللطيف.
سجن الواحات والتأييد
بعدما انتهت المحاكمات واستدل الستار عليها أصدر عبد الناصر قرار بنقل كبار الإخوان والمحكومين بمدد طويلة إلى سجن الواحات في قلب الصحراء الغربية على الحدود مع السودان. نقل صلاح العطار مع بقية الإخوة أمثال الأستاذ محمد حامد أبو النصر وعمر التلمساني ومحمد مهدي عاكف وغيرهم الكثير.
حيث عمدوا إلى التعايش مع الحياة فزرعوا محيط السجن، وكونوا الفرق الرياضية فكان صلاح شادي على رأس فريق، وكان صلاح العطار على رأس نادي الفتح حيث جرت المسابقات.
يقول محمد مهدي عاكف:
- عملنا ملاعب رياضية، كرة قدم وتنس وجمباز وسلة وطائرة، وحولنا المعسكر بالفعل إلى جنة، وقسمنا الإخوان على ثلاثة أندية وهي: نادي النصر ونادي الفتح ونادي الجهاد، وعملنا اتحادًا عامًا، ولأول مرة كنت أشاهد انتخابات الأندية حتى نختار مجلس إدارة ونختار ممثلي النادي ورئيسهم، وتم انتخابي رئيس الاتحاد، وكان الأخ صلاح العطار- وهو مهندس كبير ولم أره منذ أن رحل من السجن- رئيس أحد الأندية، وكذلك صلاح شادي ومصطفي مشهور، وكان شيئًا غاية في الجمال.
- سارت الحياة في وئام حتى بدأ بعض الضباط في التفكير في الهرب والتى أنكرها بعض الإخوان الكبار لكنها وجددت صدى ثم تبعتها فتنة التأييد بحيث اقترح بعض الضباط إرسال رسالة لعبد الناصر في تأييده في حربه ضد العدوان الثلاثي وطالبوه بمشاركتهم فيها، ثم بدأت الفكر تتبلور إلى التأييد المطلق
- فبدأ الأفراد يتميزون فكون الإخوان – لجنة التوفيق – من الإخوة صلاح العطار ، فتحي البوز ، د.علي العوض والتي كانت محل تقدير الجميع .. وقد بذلت جهدًا مشكورًا ، حتى توصلت إلي صيغة مناسبة لإنهاء الخلاف. غير أن الأمر تطور فتقدم صلاح العطار بتأييد هو أيضا لعبد الناصر مثله مثل كل من أييد، غير أنه عاد واعتذر لإخوانه.
يقول عبد الحليم خفاجي في كتابه عندما تشرق الشمس:
- مع الأيام ازداد المخلصون في قسم (2) اقتناعًا بخطر الشوائب أو المخلفات السامة ، التي أفسدت أحلامهم في جدوى الجدل حول المناهج ودور الجهاز الخاص في الجماعة ، بعد أن عاينوا متاعبها ، وتحققوا من أنها لا تصلح لشيء ، ولا لمجرد الالتقاء علي مصلحة مشتركة عارضة ، كالخروج من السجن ؛ حيث كان منهم يتصرف بانطلاق ذاتي أضر الجميع ..
- مما دعا عقلاء المؤيدين إلي المسارعة للاتصال بالمسئولين لدينا ، للعودة إلي الحياة الصحيحة في حضن الجماعة الأم .. وكان الشيخ أحمد أبو العلاء هو رائد العودة ، تلاه صلاح العطار ، ومحمود شكري ، وحسن شافعي ، وفتحي البوز .. وعمتنا فرحة كبيرة بكسب هؤلاء الإخوة الكرام الذين نعلم مقدار الخير الكامن في نفوسهم ..
- وأزعجت حركة العودة هذه كل أطراف التحالف الشرير ، فعملوا علي إيقافها ، وتمخضت اجتماعاتهم واتصالاتهم عن أهمية إحداث تطوير في حياتهم .. عن طريق قرارات حاسمة ، ظنوها قادرة علي علاج الموقف ، سموها قرارات 17 ديسمبر الشهيرة ، أكدوا في مستهلها علي أنهم يمثلون جماعة الإخوان المسلمين الجديدة ، وأن الخارج عليهم خارج علي الجماعة ثم تناولت بقية القرارات تنظيم حياتهم الداخلية ..
- ورغم ذلك فلم يتوقف تيار عودة الإخوان الجادين إلي مجتمعهم السليم ، بعد أن فطنوا إلي غرض السلطة البعيد ، فكان لابد من عمل أكثر حسمًا من جانب السلطة ، حتى تحقق هدفها من سياسة التفتيت والإفناء البسيط .. فكان قرار الترحيل المفاجئ لجميع المؤيدين إلي سجن مصر ، تمهيدًا للإفراج عنهم.
خروج ثم اعتقال
حينما وجدت السلطة أن الإخوان المؤيدون بدأوا يتراجعوا عن فكرتهم ويرتموا لأحضان الجماعة الأم من جديد ساءهم ذلك فسارعوا بترحيلهم وأفرجوا عنهم عام 1963م لكي يثبتوا للآخرين أنهم جادون في الإفراج على كل من ينكث على عقبيه ضد الجماعة.
لكن ذلك لم يطل كثيرا فما كادت محنة 1965م تطل برأسها إلا وكان صلاح العطار ضمن هؤلاء الذين اعتقلوا لكنه في هذه المرة عذب عذابا شديدا بسبب اعتراف علي عشماوي الكاذب عليه بأنه ما زال عنده سلاح منذ عام 1954م، وبعد أن أذاقوه أصنافا بشعة من العذاب لمدة استمرت أربعة الشهر بل أكثر قليلا .. ولم يجدوا عندهم أي شيء.كذلك عاش المهندس صلاح العطار في عنبر (2) عدة شهور ذاق أيامها من العذاب النفسي من الحكومة الشيء الكثير حتى تم ترحيله إلى سجن (أبو زعبل).
يقول المهندس محمد الصروي:
من وسائل التعذيب سماع صراخ الآخرين بين يدي الجلادين مع جلوسه على الأرض ووجهه إلى الحائط من التاسعة صباحا حتى الحادية عشر مساء كما حدث لمجموعة صلاح العطار ، وسيد الحسيني وإسماعيل الهضيبي .. ومن معهم طيلة أربعة أشهر دونما استجواب إلا نادرا مما حطم أعصابهم تحطيما.
خرج صلاح العطار ولا يعرف بقية تاريخه لقلة المصادر ولقلة من تحدث عنه بعد ذلك أو لبعده عن الجماعة ولا نعرف عنه شيء بعد ذلك.